فما كان منها موضوعاً إلى خلف يسمّى شوكاً وسناسن (١) ، وما كان يمنة ويسرة يسمّى أجنحة ، ولكلّ جناح ممّا يلي الأضلاع نقرتان ، ولكلّ ضلع زائدتان محدّبتان ، تتهندم الزائدة في النقرة وترتبط برباطات قويّة . وللفقرات غير الثقبة المتوسّطة ثقب اُخرى تخرج منها الأعصاب وتدخل فيها العروق .
والعنق وفقراته وقاية للمريء وقصبة الرئة ، ولمّا كانت فقراته محمولة على ما تحتها من الصلب وجب أن يكون أصغر ، ولمّا كانت مسلكاً لأصل النخاع وأوّله الّذي يجب أن يكون أغلظ وأعظم مثل أوّل النّهر وجب أن يكون الثقب الوسطانيّ منها أوسع . والصغر وسعة التجويف ممّا يرفق جرمها ويوهنه فالخالق سبحانه تدارك ذلك بأن خصّها بزيادة صلابة وحرز ليس لما تحتها ، وجعل سناسنها أصغر ليكون أخفّ عليها . ثمّ تدارك صغر سناسنها بكبر أجنحتها ، وجعلها ذوات رأسين .
ولمّا كان أكثر منافع العنق في حركاته جعل مفاصله سلسة ولم يجعل زوائدها المفصليّة كثيرة كزوائد ما تحتها ، لتكون حركاته أسرع وتدارك تلك السلاسة بأعصاب وعضلات كثيرة محيطة به ، وجعل أيضاً مسالك الأعصاب الّتي تتفرّع عن النخاع مشتركة من فقرتين ، لئلّا يقع ثقبة تامّة من فقرة واحدة فتوهنها .
والصلب وفقراته وقاية وجنّة للأعضاء الشريفة الموضوعة قدّامه ، ولذلك خلق له شوك وسناسن وهو مبنى لجملة عظام البدن مثل الخشبة الّتي تهيّأ في نجر السفينة أوّلاً ثمّ يركز فيها ويربط بها سائر الخشب ، ولذلك خلق صلباً ، وهو كشيء واحد مخصوص بأفضل الأشكال وهو المستدير إذ هذا الشكل أبعد الأشكال عن قبول آفات الصادمات .
ولمّا كان الصلب قد يحتاج إلى حركة الانثناء والانحناء نحو الجانبين وذلك بأن يزول الوسط إلى ضدّ الجهة ويميل ما فوقه وما تحته عن نحو تلك الجهة وكان طرفي (٢) الصلب يميلان إلى الالتقاء لم يخلق للفقرة الّتي هي الوسط في الطول وهي
__________________
(١) السناسن : جمع السنسنة ، وهي حرف فقار الظهر .
(٢) كذا في النسخ ، والظاهر « طرفا الصلب » الا أن يقرأ « كأنّ » بتشديد النون وهو خلاف الظاهر .