وفي أعلى الحنجرة عضو لحميّ معلّق يسمّى باللهاة يتلقّى ما شأنه النفوذ في الحنجرة من خارج ، مثل برد الهواء وحرّه وحدّة الدخان ومضرّته ، فيمنع نفوذها دفعة ليتدرّج وصولها إلى الرئة ، ويتلقّى أيضاً ما شأنه الصعود من داخل مثل قرع الصوت الصاعد من الحنجرة . وبالجملة هي كالباب المرصد على مخرج الصوت تقديره فلا يندفع دفعة ولا ينقطع مدده جملة فيزداد بذلك قوّة الصوت ويتّصل بذلك مدده .
وكذلك اللوزتان المشار إليهما فيما سبق ، فإنّهما يعاونانها في ذلك وتحتها لحم صفاقيّ لاصق بالحنك يسمّى بالغلصمة يصفّي ما قد يقرب الهواء من كدورة الغبار والدخان لئلّا يصل شيء منها إلى الحنجرة والرئة ، فهي كالمفزعة لآلات الصوت والحنك كالقبّة يطنّ فيها الصوت فهذه جملة آلات الصوت .
والصوت إنّما يكون من النَفس ، وأصله دويّ في قصبة الرئة ، وإنّما يصير صوتاً عند طرف القصبة المسمّى « رأس المزمار » وهو أشرف آلاته بل هو بالحقيقة آلته والباقي من المعينات والمتمّات . (١) وإنّما سمّي بذلك لتضايقه ثمّ اتّساعه عند الحنجرة ، فيبتدىء من سعة إلى ضيق ثمّ إلى فضاء أوسع كما في المزمار ، إذ لا بدّ ، للصوت من ضيق ليحبس الدويّ ويقدّره ، ولا بدّ أيضاً من الانضمام والانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت .
واللهاة تقوم مقام إصبع المزمار ، والغلصمة مثل الشيء الّذي يسدّ به رأس المزمار . وعضلات آلات الصوت كثيرة حسب حركاتها المحتاج إليها في هذا الموضع فيكون من ضروب أشكالها ضروب الأصوات . وعند الحنجرة من قدام عظم هو منشأ رباطات عضلاتها ، وللعظم أيضاً عضلات تمسك بها غير عضلات الحنجرة .
واعلم أنه لمّا لم يكن غذاء الإنسان طبيعيّاً ولا لباسه طبيعيّاً بل يحتاج في ذلك وأمثاله إلى صنائع كثيرة وآلات مختلفة قلّما يحصل بإلهام أو وحي بل لا يستحفظ وجوده البقائيّ إلّا بتعليم وتعلّم مفتقر إلى طلب ونهي ووعد ووعيد وترغيب وتخويف وتعجيل وتأجيل وغيرها من إعلان مكنونات الضمائر وإعلام مستورات البواطن
__________________
(١) المتممات ( خ ) .