البصر ، وليكون وسيطاً قويّاً بين الرطوبات وبين الطبقة الصلبة القرنيّة الّتي قدّامها ولهذا جعل ظاهرها الّذي يليها أصلب .
وفي صلابة ظاهرها فائدة اُخرى ، هي أن تبقى الثقبة العنبيّة لصلابة ما يحفظ بها مفتوحة لا تتشوّش من أطرافها تشوُّش الشيء الرخو للّين . وفي الحقيقة هذه الطبقة طبقتان : داخلانيّة ذات خمل ، واُخرى صلبة .
وجعلت القرنيّة شفيفة لئلّا تحجب نور البصر عن النفوذ فيها ، وصلبة لتكون وقاية للطبقات الاُخر وللرطوبات عن الآفات ، ولتحفظها على أوضاعها وأشكالها .
وجعلت الرطوبة البيضيّة قدّام الجليديّة لتحجب منها قوة الأشعّة والأضواء لكيلا تغلبها ، وجعل ظاهر الجليديّة مفرطحة لأن تقع الأشباح المدركة في جزء كبير منها ، فيكون الإبصار به أقوى ، إذ المدوّر لا يحاذي الشيء إلّا بجزء صغير وجعلت الزجاجيّة غليظة لئلّا تسيل ، وجعلت من وراء الجليديّة ليكون إلى مبدء الغذاء أقرب .
والرطوبة الجليديّة هي أشرف أجزاء العين ، وسائر الطبقات والرطوبات خادمة لها ووقاية ، وهي محلّ المدركات البصريّة من جهة الروح الآتي إليها من العصبتين المجوَّفتين اللّتين هما محلّ القوَّة الباصرة المدركة للأضواء والألوان والحركات والمقادير وغيرها بتوسّط الروح الّتي فيها .
وإنّما جعلت العصبتان مجوَّفتين للاحتياج إلى كثرة الروح الحامل لهذه القوّة ، بخلاف سائر الحواسّ ، وإنّما جعلتا متلاقيتين ليجمع عند تلاقيهما الروح حتّى لو أصاب إحدى العينين آفة لا يضيع نورها بل يندفع النور من هذا المجمع بالكلّية إلى العين الصحيحة فيصير بسبب ذلك أشدَّ إبصاراً ، ولهذا كلُّ من غمض إحدى عينيه تقوى عينه الاخرى وتتّسع ثقبتها العنبيّة ، ولأن يكون للعينين مؤدّى واحد تؤدّيان إليه شبح المبصر فيتّحد هناك ويكون الإبصار بالعينين إبصاراً واحداً ليتمثّل الشبح في القدر المشترك ، ولذلك يعرض للحول (١) أن يروا الشيء الواحد
__________________
(١) الحول ـ بالضم ـ : جمع « أحول » وهو الذي تميل احدى حدقتيه الى الانف والاخرى الى الصدغ .