« وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها » أي في الأرض أو في الجبال أو في تلك الموزونات « مَعايِشَ » ما يتوصل به إلى المعيشة « وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ » عطف على محل لكم أو على معايش أي وجعلنا لكم من لستم له برازقين وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين رازقهم في الحقيقة هو الله وحده لا الآباء والسادات والمخاديم ويدخل فيه بحكم التغليب غير ذوي العقول من الأنعام والدواب والوحوش والطير كقوله « وَما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها ».
« يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ » الذي هو الغذاء الأصلي « وَالزَّيْتُونَ » الذي هو فاكهة من وجه وغذاء من وجه لكثرة ما فيه من الدهن « وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ » اللتين هما أشرف الفواكه ثم أشار إلى سائر الثمرات بقوله « وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » قال الزمخشري إنما لم يقل وكل الثمرات لأن كلها لا تكون إلا في الجنة وقيل قدم الغذاء الحيواني في قوله سبحانه « وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ » على الغذاء النباتي لأن النعمة فيه أعظم لأنه أسرع تشبها ببدن الإنسان وفي ذكر الغذاء النباتي قدم غذاء الحيوان وهو الشجر على غذاء الإنسان وهو الزرع وغيره بناء على مكارم الأخلاق وهو أن يكون اهتمام الإنسان بحال من تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه.
« وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ » أي خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك « مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ » فإن ذرء هذه الأشياء على حاله اختلاف الألوان والأشكال مع تساوي الكل في الطبيعة الجسمية وفي تأثير الفلكيات فيها آية على وجود الصانع تعالى شأنه.
« رَواسِيَ » أي جبالا ثوابت « أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ » أي كراهة أن تميد بكم وتضطرب « وَأَنْهاراً » أي وجعل فيها أنهارا لأن ألقى فيه معناه « وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » لمقاصدكم أو إلى معرفة الله « وَعَلاماتٍ » أي معالم تستدل بها السابلة من جبل ومنهل وريح ونحو ذلك « وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ » بالليل في البراري والبحار « إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ » حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكرها « رَحِيمٌ » لا يقطعها لتفريطكم فيه ولا يعاجلكم