بيان ثم أسكنتني الأصلاب أي جعلت مادة وجودي مودعة في أصلاب آبائي فإن نطفة كل ولد كانت في صلب والده وكلهم كانوا من علل وجوده وريب المنون حوادث الدهر ذكره الجوهري وأمنا مفعول له أي حفظت مادة وجودي في الأصلاب لأكون آمنا من حوادث الدهر واختلاف الدهور وهو معطوف على ريب أو المنون والظاعن السائر وقال الجوهري قدم الشيء بالضم قدما فهو قديم وتقادم مثله انتهى فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأيام المتقادمة والخالية الماضية للذي متعلق بقوله أخرجتني ويحتمل أن يكون اللام للظرفية وللعلة الذي يسرتني أي جعلتني قابلا له كما قال تعالى « فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » (١) بين لحم وجلد ودم الظاهر أنه ليس تفسيرا للظلمات الثلاث أي كونتني أو حال كوني بين لحم الرحم وجلدها والدم الذي فيها أو كنت بين تلك الأجزاء من بدني والأول أظهر لم تشهرني بخلقي أي لم تجعل تلك الحالات الخسيسة ظاهرة للخلق في ابتداء خلقي لأصير محقرا مهينا عندهم بل سترت تلك الأحوال عنهم وأخرجتني بعد اعتدال صورتي وخروجي عن تلك الأحوال الدنية والطفل المولود والصبي الغلام وهما متقاربان في المعنى فالصبي إما تأكيد أو إشارة إلى اختلاف مراتب المولود بأن يكون الطفولية قبل الصبا والأول أظهر إذ يطلق على المولود حين كونه في المهد طفلا وصبيا فيكون الجمع بينهما إشارة إلى حالتي المولود فباعتبار نعومة بدنه طفل وباعتبار قلة عقله صبي فلذا قال تعالى « كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا » (٢) وما قيل من أن الصبي أعم من الطفل لأن المولود إذا فطم لا يسمى طفلا يضعفه قوله تعالى « أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ » (٣).
قال الراغب الصبي من لم يبلغ الحلم قال تعالى « كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ
__________________
(١) الليل : ٧.
(٢) مريم : ٢٩.
(٣) النور : ٣١.