ثم جعل محلهم الملكوت الأعلى فبراهينهم على توحيده أكثر وأدلتهم عليه أشهر وأوفر وإذا كان ذلك كذلك كان حظهم من الزلفة أجل ومن المعرفة بالصانع أفضل.
قالوا ثم رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار كلها من الجنس الذي فضلتموه على من قال الله عز وجل في نعتهم لما نعتهم ووصفهم بالطاعة لما وصفهم « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » قالوا كيف يجوز فضل جنس فيهم كل عيب ولهم كل ذنب على من لا عيب فيهم ولا ذنب منهم لا صغائر ولا كبائر.
والجواب أن مفضلي الأنبياء والحجج عليهمالسلام قالوا إنا لا نفضل هاهنا الجنس على الجنس ولكنا فضلنا النوع على النوع من الجنس كما أن الملائكة كلهم ليسوا كإبليس وهاروت وماروت لم يكن البشر كلهم كفرعون الفراعنة وكشياطين الإنس المرتكبين المحارم المقدمين على المأثم وأما قولكم في الزلفة والقربة فإنكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فالله عز وجل أجل ومما توهمتموه أنزه وفي الأنبياء والحجج من هو أقرب إلى قربه بالصالحات والقربات (١) الحسنات وبالنيات الطاهرات من كل خلق خلقهم والقرب والبعد من الله جلت عظمته بالمسافة والمدى تشبيه له بخلقه وهو من ذلك نزيه.
وأما قولهم في الذنوب والعيوب فإن الله جلت أسماؤه جعل الأمر والزجر أسبابا وعللا والذنوب والمعاصي وجوها فالله جل جلاله هو الذي جعل قاعدة الذنوب من جميع المذنبين من الأولين والآخرين إبليس وهو من حزب الملائكة وممن كان في صفوفهم وهو رأس الأبالسة وهو الداعي إلى عصيان الصانع والموسوس والمزين لكل من تبعه وقبل منه وركن إليه الطغيان وقد أمهل الملعون لبلوى أهل البلوى في دار الابتلاء فكم من برية نبيه وفي طاعة الله عز وجل وجيه وعن معصيته بعيد وقد أقمأ إبليس وأقصاه وزجره ونفاه فلم يلوله على أمر إذا أمره ولا انتهى عن زجر إذا زجر له لمات في قلوب الخلق مكافئ من المعاصي لمات الرحمن فلمات الرحمن
__________________
(١) العزمات ( خ ).