على أرض رخوة غارقة بالماء وكذلك بقاء شعر الحاجبين ودوامه على حالة واحدة إنما جاء من قبل اختياره للمادة وكما أن العشب وسائر النبات ما كان منه ينبت في أرض رطبة سمينة خصبة فإنه يطول وينشأ نشوءا حسنا وما كان منه في أرض صخرية جافة فإنه لا ينمو ولا يطول كذلك أحد الأمرين انتهى كلامه ضاعف الله عذابه وانتقامه.
وأقول قد لاح من الكلام الرديء المشتمل على الكفر الجلي أمور.
الأول ما أسلفنا من أن الأنبياء المخبرين عن وحي السماء لم يقولوا بتوقف تأثير الصانع تعالى شأنه على استعداد المواد ولا استحالة تعلق إرادته بإيجاد شيء من شيء بدون مرور زمان أو إعداد وله أن يخلق كل شيء كان من أي شيء أراد.
الثاني أن الحكماء لم يكونوا يعتقدون نبوة الأنبياء ولم يؤمنوا بهم وإنهم يزعمون أنهم أصحاب نظر وأصحاب آراء مثلهم يخطئون ويصيبون ولم يكن علومهم مقتبسة من مشكاة أنوارهم كما زعمه أتباعهم.
الثالث أنهم كانوا منكرين لأكثر معجزات الأنبياء عليهمالسلام فإن أكثرها مما عدوها من المستحيلات.
الرابع أنهم كانوا في جميع الأعصار معارضين لأرباب الشرائع والديانات كما هم في تلك الأزمنة كذلك (١).
__________________
(١) من الناس من يفرط في حسن الظن بفلاسفة اليونان لا سيما الاقدمين منهم ، ويظن أن علومهم مأخوذة من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بل يظن أن فيهم من كان نبيا ، ثم يتعب نفسه في تفسير الكلمات المنقولة عنهم والمترجمة من كتبهم وتأويلها بما يوافق الحق في زعمه ومنهم من يفرط في حقهم بل في حق من سمى فيلسوفا من علماء الإسلام ، ويتهم فلاسفة الإسلام أيضا بأنهم أدخلوا انفسهم في المسلمين ليضيعوا عليهم دينهم ويفسدوا عليهم عقائدهم! وربما يقع التصارع بين الطرفين فيتمسك كل منهما لاثبات مدعاه بما لا يليق التمسك به للمحققين. ولعمرى كلاهما خارجان عن طور العدل والحكم بالقسط ، والذي نرى لزوم التنبيه عليه امور.
١ ـ ان وقوع الاختلاف الكثير بين الفلاسفة منذ العهد الاقدم دليل على أن كل رأى.