من هذا الكلام ترجيح القول بحياة الافلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على إنكاره ورده ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوزه « انتهى كلامه ره ».
وأقول : هذا الترجيح الذي أبداه ره في لباس الاحتمال والتجويز مناف لسياق أكثر الآيات والاخبار الواردة في أحوال الكواكب والافلاك ومسيرها و حركاتها ، والاشارات التي تمسك بها ظاهر من سياقها أنها من قبيل المجازات و الاستعارات الشائعة في كلام البلغاء بل في أكثر المحاورات ، فإنهم يخاطبون الجمادات بخطاب العقلاء وغرضهم تفهيم غيرها ، كما في هذا الخطاب ، وخطاب شهررمضان ووداعه ، وخطاب البيت ، والمخاطب فيها حقيقة هو الله تعالى ، والغرض إظهار نعمه تعالى وشكره عليها ، ولم أر أحدا من المتكلمين من فرق المسلمين قال بذلك إلا بعض المتأخرين الذين يقلدون الفلاسفة في عقائدهم ، ويوافقون المسلمين فيما لايضر بمقاصدهم. قال السيد المرتضى ره في كتاب الغرر والدرر : قد دلت الدلالة الصحيحة الواضحة على أن الفلك وما فيه من شمس وقمر ونجوم غير متحرك لنفسه ولا طبعه على ما يهدي به القوم ، وأن الله تعالى هو المحرك له والمتصرف باختياره فيه ، وقال ره في موضع آخر : لاخلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك وما يشتمل عليه من الكواكب ، فإنها مسخرة مدبرة مصرفة ، وذلك معلوم من دين رسول الله صلى الله عليه وآله ضرورة كما سيأتي في باب النجوم.
« آمنت بمن نور بك الظلم وأوضح بك البهم وجعلك آية من آيات ملكه و علامة من علامات سلطانه » النور والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشئ ضوءا ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه جرى قوله تعالى « جعل الشمس ضياء والقمر نورا (١) » والظلم جمع ظلمة وتجمع على ظلمات أيضا ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا ، والبهم كصرد جمع بهمة بالضم وهي ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا وعلى الفهم إن
____________________
(١) يونس : ٥.