والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين « انتهى ».
وأقول : يمكن أن يكون في الكلام استعارة كما يقال « بيت العز » « ودار الشرف » تشبيها للتدبير بفلك هو مدبره ، وهذا النوع من الكلام شائع عند العرب والعجم. ثم قال ره : خطابه عليه السلام للقمر ونداؤه له ووصفه بالطاعة والجد و التعب والتردد في المنازل والتصرف في الفلك ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة و إدارك ، ولا استبعاد في ذلك نظرا إلى قدرة الله تعالى ، إلا أنه لم يثبت بدليل عقلي قاطع يشفي العليل ، أو نقلي ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعربه ، وقديستند في ذلك بظاهر قوله تعالى « كل في فلك يسبحون (١) » فإن الواو والنون لا يستعملان حقيقة لغير العقلاء ، وقدأطبع الطبيعيون على أن الافلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها وخالقها وأكثرهم على أن غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آنا فآنا ، فهي من قبيل هزة الطرب والرقص الحاصل من شدة السرور والفروح ، وذهب جم غفير منهم إلى أنه لاميت في شئ من الكواكب أيضا حتى أثبتوا لكل واحد منها نفسا عليحدة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه ، وحكم به في النمط الخامس من الاشارات ، ولو قال به قائل لم يكن مجازفا ، وكلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب إلا أنه يصلح للتأييد ، ولم يرد في الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ما ينافي هذا القول ، ولا قام دليل عقلي على بطلانه ، وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فمادونهما حياة فأي مانع من أن يكون لتلك الاجرام الشريفة أيضا ذلك؟ وقد ذهب جماعة إلى أن لجميع الاشياء نفوسا مجردة ونطقا ، وجعلوا قوله تعالى « وإن من شئ إلا يسبح بحمده (٢) » محمولا على ظاهره ، وليس غرضنا
____________________
(١) يس : ٤٠.
(٢) الاسراء : ٤٤.