وقع في هذا المطلوب بعد الاخبار بأمثال أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، ولو كان للامتنان عليهم بأن خلقه في تلك المدة المديدة كان لاجل تدبير ما يحتاجون إليه في امور معاشهم ومعادهم فظاهر أن قدر ستة أيام لا يصلح لهذا المقصود ، فالوجه أن يفسر اليوم ههنا والعلم عند الله وأهله بما فسره الله تعالى تارة بقوله « وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (١) » وتارة بقوله « في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون » (٢) واخرى بقوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (٣) » فإن القرآن يفسر بعضه بعضا ، وقد يعبر عن الاول باليوم الربانى ، وعن الثاني بيوم الله ، فعلى كل تقدير يكون ملائما لما نسب من خلق كل منها إلى يوم من الاسبوع في الروايات ، ويتم ما يقصر عنه عند حمله على اليوم الدنيوي من معنى الامتنان المقصود له تعالى في كثير من أمثال تلك الآيات ، و لعل حمله على الاول فيما نحن فيه أنسب وأقرب ، فتصويره على ذلك أن كل امتداد سواء كان قار الذات كالجسم أو غير قار الذات كالزمان ينبغي أن يقدر له أجزاء ولكل جزء منه أجزاء وهكذا إلى ما يحتاج التعبير عن قدر معين منها للتفهيم بدون كلفة ، وذلك كتقدير الفلك بالبروج والمنازل والدرجات ، وتقدير الزمان بالسنين والشهور والايام والساعات ، وعلى هذا لا بعد في أن الحكمة الالهية كانت اقتضت أن يقدر للزمان المتقدم على زمان الدنيا ، بل للزمان المتأخر عن زمانها أيضا بأمثال ما قدره لزمانها من السنين إلى الساعات ، لكن مع رعاية نوع مناسبة لهذه الاجزاء إلى المقدربها ، فكما أن المناسب لزمان الدنيا أن يكون كل يوم منه بقدر دورة للشمس يجوز أن يكون المناسب للزمان الدنيا أن يكون كل يوم منه بقدر ألف سنة من زمان الدنيا وللزمان المتأخر أن يكون مساويا لخمسين ألف سنة منه ، فيكون ما أخبرنا به في الآيتين الاوليين حال الزمان المتقدم ، وفي
____________________
(١) الحج : ٤٧.
(٢) السجدة : ٥.
(٣) المعارج ، ٤.