بقي أن يقال : كيف تأويل هذه الآية يعني آية السجدة؟ فنقول : الخلق ليس عبارة عن التكوين والايجاد ، والدليل عليه قوله تعالى « إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون » فلو كان الخلق عبارة عن الايجاد و التكوين لصار معنى الآية : أوجده من تراب ثم قال له كن فيكون ، وهذا محال لانه يلزم أنه تعالى قد قال لشئ وجد : كن وإذا ثبت هذا فنقول : قوله « خلق الارض في يومين » معناه أنه قضى بحدوثها في يومين وقضاء الله بأنه سيحدث كذا في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشئ في الحال ، فقضاء الله بحدوث الارض في يومين مقدم على إحداث السماء ولا يلزم منه تقدم إحداث الارض على إحداث السماء (١) « انتهى » ولا يخفى ما فيه وستطلع على حقيقة الامر في ضمن شرح الاخبار إن شاء الله تعالى.
* (الاخبار) *
١ ـ نهج : قال أميرالمؤمنين عليهالسلام في خطبة له : المعروف (٢) من غير رؤية والخالق من غير روية ، الذي لم يزل قائما دائما ، إذ لاسماء ذات أبراج ، ولا حجب ذات أرتاج ، ولا ليل داج ، ولا بحر ساج ، ولا جبل ذو فجاج ، ولا فج ذواعوجاج ولا أرض ذات مهاد ، ولا خلق ذو اعتماد ، ذلك مبتدع الخلق ووارثه ، وإله الخلق ورازقه (٣).
بيان : من غير روية أي تفكر ، لانه يستلزم الجهل السابق ، وحدوث أمر فيه لم يكن ، والاستكمال بعد النقص « الذي لم يزل قائما » أي بذاته أو بأحوال الخلق ، وقد مر مرارا « دائما » أي باقيا بذاته من غير علة « ذات أبراج » أي بروج أو كواكب نيرة. و « الحجب » جمع الحجاب والمراد هنا ما سيأتي من الحجب النورانية التي تحت العرش أو السماوات عبر عنها بلفظين ، و « الارتاج » في بعض
____________________
(١) مفاتيح الغيب ، ج ٧ ، ص ٣٥٨ « نقل عنه ملخصا ».
(٢) في المصدر : الحمد لله المعروف.
(٣) نهج البلاغة : ١٥٨.