و « أفدت منه مالا » أخذته. وحكى الجوهري عن أبي زيد : أفدت المال : أعطتيه غيري ، وأفدته : استفدته (١). وابتداع الخلائق : إحداثهما « فتم خلقه » يمكن أن يراد بالخلق المعنى المصدري ، ويكون الضمير راجعا إليه سبحانه كالضمير في « طاعته » و « دعوته » إلى « ما خلق » المذكور سابقا ، وعلى الاول يكون في « أذعن » و « أجاب » راجعين إلى الخلق على الاستخدام ، أو إلى « ما خلق » ويمكن أن يراد به المخلوق ، وتمام مخلوقاته بإفاضته عليها ما يليق بها وتستعد له. وإذعان ما خلق لطاعته وإجابته إلى دعوته إما بمعنى استعداده لما خلق له أو تهيؤه لنفوذ تقديراته وإرادته سبحانه فيه ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى « أتينا طائعين (٢) » وربما تحمل أمثالها على ظاهره بناء على أن لكل مخلوق شعورا كما هو ظاهر قوله تعالى « وإن من شئ إلا يسبح بحمده (٣) ».
واعتراض الشئ دون الشئ : أي حال بينه وبينه ، و « دونه » أي قبل الوصول إليه ، والضمير في « دونه » أيضا راجع إليه سبحانه ويحتمل أن يكون راجعا إلى مصدر « أذعن » و « أجاب ». والريث : البطؤ ، والاناة كفتاة الاسم من « تأنى في الامر » أي تمكث ولم يعجل. وتلكأ : توقف وأبطأ.
« فأقام من الاشياء أودها » الاود بالتحريك : الاعوجاج ، وإقامته إعداد كل شئ لما ينبغي له ، أو دفع المفاسد التي تقتضيه الاشياء لو خليت وطباعها. و « نهج » أي أوضح ، وحد الشئ : منتهاه ، وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين ونهج الحدود قيل إيضاحه لكل شئ غايته وتيسيرهاله ، أو المعنى : جعل لكل شخص ونوع مشخصا ومميزا واضحا يمتاز به عن غيره ، فإن من أعاظم (٤) المصالح وأعزها
____________________
(١) الصحاح : ج ١ص ٥١٨.
(٢) فصلت : ١١.
(٣) الاسراء : ٤٤.
(٤) في بعض النسخ « من اعظم » وهو الاظهر.