وقيل : التناهي في العقل هو أن يدرك العقل الشئ مرسما في القوى الجزئية وهي مهاب الفكر التي ترتسم فيها الصور وتزول ، كالريح الهابة تمر بشئ. وقيل : مهاب الفكر جهاتها. و « رويات الخواطر » ما يخطر بالبال بالنظر والفكر ، و « المحدود » المحاط بالحدود ، والمراد بالحدود ما يلزم الاحاطة التامة ، أو الصفات والكيفيات التي لا يتعداها المعلوم. و « المصرف » القابل للتغير والحركة أو المحكوم عليه بالتجزئة والتحليل والتركيب.
« قدر ما خلق فأحكم تقديره » أي جعل لكل شئ مقدارا مخصوصا بحسب الحكمة ، أوهيأ كل شئ لما أراد منه من الخصائص والافعال ، أو قدره للبقاء إلى أجل معلوم « فأحكم » أي أتقن ، والتدبير في الامر : النظر إلى ما تؤول إليه عاقبته « فألطف تدبيره » أي أعمل فيه تدبيرات دقيقة لطيفة ، أو كانت تدبيراته مقرونة باللطف والرفق والرحمة على عباده. « ووجهه لوجهته » أي جعل كلا منها مهيأة وميسرة لما خلق له كالحبوب للاكل والدواب للركوب ، وكل صنف من الانسان لامر من الامور المصلحة للنظام. ويحتمل أن يكون إشارة إلى أمكنتها ، والاول أعم وأظهر ، و « الوجهة » بالكسر الناحية وكل امر استقبلته. وقصر السهم عن الهدف إذا لم يبلغه ، وقصرت عن الشئ أي عجزت عنه ، واستصعب الامر علينا أي صعب والصعب : غير المنقاد ، ومضى الشئ مضيا ومضوا أي نفذ ولم يمتنع ، و « صدر » كعقد رجع وانصرف كرجوع الشاربة عن الماء والمسافرين عن مقصدهم ، ولما كانت الامور لامكانها محتاجة في الوجود إلى مشيته فكأنما توجهت إليها فرجعت فائزة بمقصدها ، و « المشية » الارادة ، وأصلها المشيئة بالهمز.
« آل إليها » أي رجع ، والغريزة الطبيعة (١) ، وقريحة الغريزة ما يستنبطه الذهن ، وقيل : قوة الفكر للعقل. « أضمر عليها » أي أخفاه في نفسه محتويا عليها و « التجربة » الاختبار مرة بعد اخرى. ويقال : « أفدته مالا » أي أعطيته
____________________
(١) في بعض النسخ : الطبع.