______________________________________________________
فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ » (١).
فالحق في هذه المسألة عندنا أنه لا يوقف عليه ما لم يقع الإحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدء ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول : أول ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثلا صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها لرآها ، والثاني : هيجان الرغبة وهو حركة الشهوة التي في الطبع وهذا يتولد في الخاطر الأول ونسميه ميل الطبع ، والأول يسمى حديث النفس ، والثالث : حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أن ينظر إليها ، فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف ، فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من الالتفات ، وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبع الخاطر ، والميل الرابع تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه ، وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا.
وهذه الهمة قد يكون لها مبدء ضعيف ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر الأول حتى طالت مجاذبته للنفس تأكدت هذه الهمة وصارت إرادة مجزومة ، فإن انجزمت الإرادة فربما يندم بعدم الجزم فيترك العمل ، وربما يغفل بعارض فلا يعمل بها ولا يلتفت إليه ، وربما يعوقه عائق فيعتذر عليه العمل.
وهيهنا أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة ، والخاطر وهو حديث النفس ، ثم الميل ، ثم الاعتقاد ، ثم الهم ، فنقول : أما الخاطر فلا تؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار ، وكذلك الميل وهيجان الشهوة لأنهما أيضا لا يدخلان تحت الاختيار وهما المرادان بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عفي عن أمتي ما حدثت به نفوسها ، فحديث النفس عبارة عن الخواطر التي تهجس في النفس ، ولا يتبعها عزم على الفعل ، فأما العزم والهم فلا يسمى حديث النفس ، بل حديث النفس كما روي عن عثمان بن مظعون
__________________
(١) سورة المائدة : ٨٩.