وفيما أمنعهم وأنا الله الملك القادر ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت ولي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت وأقدم من ذلك ما أخرت وأؤخر من ذلك ما قدمت وأنا الله الفعال لما أريد لا أسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما
______________________________________________________
دميم ، وقال : الزمانة العاهة وقوله : لأبلوهم بدل لقوله لذلك خلقتهم.
قوله : ولي أن أغير إشارة إلى أن الطينات المختلفة والخلق منها ، وتقدير الأمور المذكورة فيهم ليس مما ينفي اختيار الخير والشر أو من الأمور الحتمية التي لا تقبل البداء « لا أسأل عما أفعل » إنما لا يسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات العادل في كل ما أراد ، العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق ، بخلاف غيره فإنهم مسئولون عن أعمالهم وأحوالهم لأن فيها الحسن والقبيح والإيمان والكفر ، لا بالمعنى التي تذهب إليه الأشاعرة أنه يجوز أن يدخل الأنبياء عليهالسلام النار والكفار الجنة ، ولا يجب عليه شيء ، وقيل : إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق وجواز تخلف المعلول عن العلة التامة كما اختاره هذا القائل.
وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر : إنما ملأوا السماء لأن الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملأها ، وكانوا يومئذ ملكوتين ، والسر في تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور واختلافهم في السعادة والشقاوة واختلاف استعداداتهم وتنوع حقائقهم لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة واختلاف أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي واختلاف الأرواح التي بإزائها في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه والبعد عنه كما أشير إليه في الحديث : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام.
وأما سر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى التي هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال ، وضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الأسماء ، فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه بتلك الصفة