تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ » (١) فذلك
______________________________________________________
الآية منسوخة بقوله : « لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها » (٢) ورووا في ذلك خبرا ضعيفا ، وهذا لا يصح لأن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز فكيف ينسخ وإنما المراد بالآية ما يتأوله الأمر والنهي من الاعتقادات والإرادات وغير ذلك مما هو مستور عنا ، وأما ما لا يدخل في التكليف من الوساوس والهواجس مما لا يمكن التحفظ عنه من الخواطر فخارج عنه لدلالة العقل ، ولقوله عليهالسلام : ويعفى لهذه الأمة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها وعلى هذا تجوز أن تكون الآية الثانية بينت الأولى وأزالت توهم من صرف ذلك إلى غير وجه المراد ، والظن أن ما يخطر بالبال ويتحدث به النفس مما لا يتعلق بالتكليف فإن الله يؤاخذ به والأمر بخلاف ذلك.
« فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ » منهم رحمة وتفضلا « وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ » منهم ممن استحق العقاب عدلا « وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » من المغفرة والعذاب ، عن ابن عباس ، ولفظ الآية عام في جميع الأشياء ، والقول فيما يخطر بالبال من المعاصي إن الله سبحانه لا يؤاخذ به ، وإنما يؤاخذ بما يعزم الإنسان ويعقد قلبه عليه مع إمكان التحفظ عنه فيصير من أفعال القلب فيجازيه كما يجازيه على أفعال الجوارح ، وإنما يجازيه جزاء العزم لا جزاء عين تلك المعصية لأنه لم يباشرها ، وهذا بخلاف العزم على الطاعة فإن العازم على فعل الطاعة يجازي على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة كما جاء في الأخبار أن المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها ، وهذا من لطائف ما أنعم الله علي عباده ، انتهى.
والظاهر من الأخبار الكثيرة التي يأتي بعضها في هذا الكتاب عدم مؤاخذة هذه الأمة على الخواطر والعزم على المعاصي ، فيمكن تخصيص هذه الآية بالعقائد كما هو ظاهر هذه الرواية وإن أمكن أن تكون نية المعصية والعزم عليها معصية يغفرها الله للمؤمنين ، فالمراد بقوله : « لِمَنْ يَشاءُ » المؤمنون ويؤيده ما ذكره المحقق
__________________
(١ و ٢) سورة البقرة : ٢٨٤ ، ٢٨٦.