فقال وأبوه يسمع عليهالسلام حدثني أبي أن الله عز وجل قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم عليهالسلام فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار فدخل
______________________________________________________
بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم : ألست بربكم؟ قالوا بلى ، فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه منزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل ، ويدل عليه قوله : « قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ » أي كراهة أن تقولوا « إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ » لم ننبه عليه بدليل « أَوْ تَقُولُوا » عطف على أن تقولوا « إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ » فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن مع العلم به لا يصلح عذرا « أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ » يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك ، وقيل : لما خلق الله آدم أخرج من ظهره ذرية كالذر وأحياهم ، وجعل لهم العقل والنطق وألهمهم ذلك ، لحديث رواه عمر ، انتهى.
وقال بعض المحققين لعل معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بالسنة قابليات جواهرها وألسن استعدادات ذواتها ، وأن تصديقهم به كان بلسان طباع الإمكان قبل نصب الدلائل لهم أو بعد نصب الدلائل ، أو أنه نزل تمكينهم من العلم وتمكينهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل نظير ذلك قوله عز وجل : « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ » (١) إلخ ، وقوله عز وعلا : « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » (٢) ومعلوم أنه لا قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى ، ويحتمل أن يكون ذلك النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شيء بحمد ربه ، وذلك لأنهم مفطورون على التوحيد.
قوله عليهالسلام : من تراب ، التربة هذا من قبيل إضافة الجزء إلى الكل ، قوله
__________________
(١) سورة النحل : ٤٠.
(٢) سورة الفصلت : ١١.