بعد دخوله إلى النور وذلك قوله عز وجل : « لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » (١).
______________________________________________________
حي البصر « وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ » أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم.
وأقول : على تأويله عليهالسلام يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه : منك الجبارون والمشركون والكافرون « إلخ ».
فذلكة
اعلم أن ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، ومما يوهم الجبر ونفي الاختيار ولأصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك :
الأول : ما ذهب إليه الأخباريون وهو أنا نؤمن بها مجملا ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنها من أي جهة صدرت ونرد علمه إليهم عليهالسلام.
الثاني : أنها محمولة على التقية لموافقتها لروايات العامة ومذاهب الأشاعرة الجبرية وهم جلهم.
الثالث : أنه كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون فإنه سبحانه لما خلقهم وكان عند خلقهم عالما بما يصيرون إليه فكأنه خلقهم من طينات مختلفة.
الرابع : أنها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم وهذا أمر بين لا يمكن إنكاره ، فإنه لا يريب عاقل في أن النبي صلىاللهعليهوآله وأبا جهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابلية ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف فإن الله تعالى كلف النبي صلىاللهعليهوآله بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابلية لتحصيل الكمالات وكلفه ما لم يكلف أحدا مثله ، وكلف أبا جهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شيء من الشر والفساد.
الخامس : أنه لما كلف الله تعالى الأرواح أولا في الذر وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشر باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم كما دلت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك.
__________________
(١) سورة يس : ٧٠.