خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا ثم أخبره بخبره فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة وأمر أن لا يخرج لهم الأسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدين فأغلق باب المدينة دونهم فشكا أصحابه الجوع والعطش قال فصعد جبلا ليشرف عليهم فقال بأعلى صوته يا أهل المدينة « الظَّالِمِ أَهْلُها » أنا بقية الله يقول الله « بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ » (١) قال وكان فيهم شيخ
______________________________________________________
فهو هنا كناية عن المبالغة في أخذ العلم عنه عليهالسلام ، وفي تاج اللغة : ترشف : « بوسه كردن در وقتى كه آب در دهن گردد » فهو كناية عن شدة الحب ، وقيل إنه بالسين المهملة ، قال في القاموس : رسف يرسف رسفا ورسيفا مشى مشي المقيد ، ولا يخلو شيء منهما من تكلف « أن يحولوا بينك » كناية عن منعهم عن الخلافة ورد الحق إلى أهله ، وقال في النهاية : البريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل ، وأصلها « بريدة دم » أي محذوف الذنب ، لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت وخففت ، ثم سمى الرسول الذي يركبه بريد ، أو المسافة التي بين السكتين بريدا ، انتهى.
وإنما حملوهم عليها للإهانة أو التعجيل ، ومدين قرية شعيب عليهالسلام ، قال الله تعالى : « وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ، وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللهِ » (١) إلخ.
قال البيضاوي : أي ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم « خَيْرٌ لَكُمْ » مما تجمعون بالتطفيف « إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » بشرط أن تؤمنوا ، فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة ، وذلك مشروط بالإيمان أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم ، وقيل : البقية الطاعة لقوله : والباقيات الصالحات « وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ »
__________________
(١) سورة هود : ٨٧.