تهذيب الأحكام - المقدمة

الشيخ علي الآخوندي

تهذيب الأحكام - المقدمة

المؤلف:

الشيخ علي الآخوندي


الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧١

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد النبيين محمد وآله الطاهرين

نقدم اليوم إلى القراء أثرا نفيسا وكنزا ثمينا كان حتى اليوم لم يخرج بحلته المناسبة وكما ينبغي وبالرغم من كثرة الحواشي على الطبعة القديمة لكنها لم تخل من تشويه واغلاط مضافا إلى ذلك اللون من الطباعة والاخراج مما يوجب ملل القارئ وسأم المراحع ونظرا لمكانة الكتاب بين الصحاح ومصادر التشريع الاسلامي التي يرجع إليها الشيعة ويعتمدها الاعلام فقد رغبت ان أقوم يخدمة دينية متوخيا خدمة الملا العلمي وتقديرا لجهود شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي قدس الله روحه واكمالا لما سبق من خدمات نرجو من الله تعالى قبولها اسديناها وهي اعادة طبع اثنين من مصادر التشريع وهما الاستبصار ومن لا يحضره الفقيه واثنين من الجوامع الفقهية وهما الحدائق الناظرة وجواهر الكلام فأقدمت على اعادة طبع هذا الكتاب تهذيب الاحكام واخراجه وما يتناسب معه من حسن الاخراج والتبويب والتنسيق والتعليق كما سبق وعلى عادتنا في مطبوعاتنا ، فتقدمت إلى سماحة حجة الاسلام سيدنا السيد حسن الموسوي الخرسان دام ظله طالبا منه الاشراف على تحقيقه ومراجعة أصوله وتخريج أحاديثه فتلطف وأجاب كما سبق وأن تفضل بمثل ذلك في الاستبصار ومن لا يحضره الفقيه ، وقد اعتمد سماحته في مراجعة اصوله على النسخ التالية :

١ ـ نسخة فريدة مخطوطة بخط جيد جدا مجدولة مذهبة كتبت على ورق جيد معلمة أبوابها بالحمرة وكذا متن المقنعة فانه معلم بخطوط افقية بالحمرة مزدانة بتعاليق وتقييدات ايضاحية وهي مقرؤة على أحد الاعلام وفي أكثر صفحاتها بلاغ بالسماع

١

والمقابلة والتصحيح بخط لطف الله بن محمد مؤمن وذلك في سنة ١٠٧٨ كما انها مقابلة بنسخة العلامة الشيخ علي بن نصر الله الليثي الجزائري وتلك النسخة مقابلة بنسخة الشيخ البائي ره وهي بخط والده الشيخ حسين بن عبد الصمد ره وهي منقولة عن نسخة قديمة مصححة عليها خط الشيخ جمال الدين بن مطهر ره وتلك القديمة نسخت عن نسخة المؤلف التي هي بخطه «ره» وفي آخر كتاب الطهارة من هذه النسخة صورة خط الشيخ حسين ابن عبد الصمد كما توجد صورة خط الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الشامي الشهيد الثاني ره بسماعه الكتاب وقراءة الناسخ الشيخ حسين بن عبد الصمد عليه.

وهي مخطوطة سنة ١٠٧٧ هج‍ بقلم اشرف بن محمد قاسم الشيرازي ومع تمام الاسف انها غير تامة فانها تنتهى بكتاب الحج والنسخة من ممتلكات سماحة العلامة السيد محمد صادق الصدر سلمه الله طولها ٢٧ سم عرضها ١٧ سم سمكها ٤ سم طول الكتابة فيها ١٩ سم عرضها ١١ سم عدد سطور كل صفحة ٣٠ سطرا ويرمز إليها أحيانا بحرف « أ »

٢ ـ نسخة جيدة الخط جدا مجدولة مذهبة منمقة خالية عن الحواشي سوى بعض التقييدات البسيطة في أول كتاب الطهارة ، وهي في مجلدين بخط شكر الله بن محمد الحسيني بتاريخ سنة ١٠٧٨ انهى كتابتها في أواخر شهر محرم الحرام ، والذي يظهر منها ان الناسخ أعجمي طولها ٣٠ سم عرضها ١٩ سم سمك الاول ٣ سم والثاني ٢ سم طول الكتابة فيها ١٢ سم عرضها ١١ سم عدد سطور صفحة ٢٧ سم ويرمز إليها أحيانا بحرف « ب »

٣ ـ نسخة متوسطة الخط ورقها عشري عليها بلاغ بالسماع في آخر كتاب الطهارة ناقصة تنتهي بكتاب الحج وهو ناقص فيها طولها ٣٩ سم عرضها ٢٥ سم سمكها ٤ سم طول الكتابة فيها ٢٧ سم عرضها ١٥ سم عدد سطور كل صفحة ٢٩ سطرا ، والنسخة موقوفة وقفا عاما أو فقها اخوند حسين الحسيني حسب وصية المرحوم الحاج ملا حسين القراجه داغي واليوم هي عند حجة الاسلام الشيخ عبد الرسول الجواهري

٢

سلمه الله ويرمز إليها أحيانا بحرف « ج »

٤ ـ نسخة جيدة الخط عليها حواشي كثيرة وعليها بلاغات بالسماع والقرائة والتحقيق من ناسخ الكتاب قاسم علي بن حسين علي البرارقي السبزواري على المولى أحمد بن حاج محمد الشهير بالتوني في مجالس آخرها وسط شهر ربيع الاول سنة ١٠٧٤ وهي مقابلة بنسخة الشيخ حسين بن عبد الصمد عارضها معها ناسخها في المشهد الرضوي على ساكنه الف سلام كما صرح بذلك في آخر كتاب الطهارة ونقل الناسخ صورة خط الشيخ حسين بن عبد الصمد ره بالمقابلة وصورة خط الشيخ زين الدين الشهيد ره بالسماع طولها ٣١ سم عرضها ١٩ سم سمكها ٥ سم طول الكتابة فيها ٢١ سم عرضها ١١ سم عدد سطور كل صفحة ٢٦ سطرا والنسخة من ممتلكات سيدنا آية الله السيد محمد البغدادي دام ظله ويرمز إليها أحيانا بحرف « د »

٥ ـ نسخة مطبوعة بايران في طهران سنة ١٣١٧ في مجلدين وهي لا تخلو من تشويه وأغلاط وهي التي جرى عليها التصحيح والتعليق وقد اعتمد سماحته في تخريج أحاديث الكتاب على بقية الاصول الاربعة الكافي اصوله ط سنة ١٣٧٥ بطهران وفروعه طبعة طهران ١٣١٥ ١٣١٢ ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار من مطبوعاتنا وفي الختام نسجل لسماحة سيدنا هذه العناية ونقدر له تلك الجهود التي عاناها في تحقيق الكتاب وتصحيحه فله من الله تعالى جزيل الاجر وجميل الذخر وله منا الدعاء والشكر.

النجف الاشرف

٨ ج ٢

سنة ١٣٧٨ ه‍

الحاج شيخ علي الاخوندي

صاحب دار الكتب الاسلامية

٣

مقدمة الكتاب

بقلم سيدنا الحجة السيد حسن الموسوي الخرسان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد فهذه صفحات جمعت فيها ما تيسر بهذه العجالة جمعه ضمنتها حياة شيخنا أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد رحمه‌الله وأتبعتها بسطور لخصت فيها حياة شيخنا أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، كما اني قد عرفت هذا السفر الثمين تهذيب الاحكام وما يحتله بين روائع الاسفار من التراث الاسلامي الخالد من مكانة سامية وأهمية بالغة ولم أتوخ في كل ذلك تنسيق اللفظ أو زخرف القول.

وجل همي أن أقف بالقارئ الكريم على شئ من حياة ذينك العلمين ومكانة الكتاب وما امتاز به بين باقي الاصول الحديثية التي هي مدار أدلة الاستنباط للاحكام الشرعية من الآثار المروية عن أهل البيت عليهم‌السلام.

١ ـ تمهيد

العلماء المؤمنون صنف من الناس يفضل الباقين مهما كانوا ، وفي أي زمن كانوا ، ومهما عظمت أقدارهم ، وتعالى شأنهم سوقة كانوا أو ملوكا ، وساسة

٤

كانوا أو عبيدا ، بفضل العلم والايمان.

ففي حياة أولئك الاعلام المؤمنين دروس حيه لمن وعاها وأحسن الاخذ بها إذ هم الذين جاهدوا فأحسنوا الجهاد وجنوا ثمر جهادهم مباركا جنيا مرضيا ، فحازوا الخير كله في حياتهم ، وخلدوا أنفسهم بعد مماتهم ، والفوز والرضوان من وراء ذلك يتلقاهم وما عند الله خير وأبقى.

وإنا إذ نكتب هذه السطور لنؤرخ علما فردا من اعلام القرنين الرابع والخامس وبطلا إسلاميا ناضل دون مبدئه أحسن نضال ، وكافح عن عقيدته حتى أحرز النصر وكسب الظفر كما كتب له الخلود ، فزخرت المعاجم بالتحدث عن فضله ، وأثبتت آثاره له المقام السامي بين صفوف أعيان الامة الاسلامية.

إنما نكتبها لنتخذ من سيرته نهجا ومن جهاده محفزا وباعثا ، ومن علمه نبراسا ، ومن أيامه وخلوده عظة وعبرة. ودراستنا له إنما هي عرض موجز لحياته بين اساتذته وأقرانه وتلامذته وبين آثاره واعماله ، ثم بين مؤرخيه من مواليه وخصومه ، وحين نجمع أراءهم على صعيد واحد يتمخض لنا الزبد ويتمحض الحق وندرك مدى أثر هذه الشخصية الكريمة في دعم الاسلام وخدمة التشيع خاصة ، وما كان لها من الفضل في نشر المبدأ وتركيزه ، ولنبدأ الآن حديثنا عن.

٢ ـ اسمه ونسبه

هو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهب بن هلال بن اوس بن سعيد بن سنان بن عبد الدار (المدان خ ل) ابن الديان بن قطن (فطر خ ل) بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحرث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن ملك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب

٥

ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (١)

٣ ـ كنيته ولقبه

يكنى بأبي عبد الله وبابن المعلم نسبة إلى والده محمد بن النعمان المعروف بالمعلم ، واشتهر بها في كتب العامة حتى صارت عدلا للقبه في الشهرة.

يلقب بالمفيد واختلف فيمن لقبه بذلك فقال ابن شهرا شوب في المعالم ص ١٠١ إنه الامام الحجة صاحب الامر عجل الله فرجه ، قال وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب ، أقول ولم نجد ذلك في المناقب ، وقال غيره إنه علي بن عيسى الرماني لقصة جرت له معه سنذكرها عند الحديث عن نشأته ودراساته وقيل إنه القاضي عبد الجبار المعتزلي لحكاية بينهما سنذكرها ايضا.

٤ ـ ولادته

كان والده من أهل واسط وكان بها معلما ثم انتقل إلى عكبراء بالمد وتقصر موضع على عشرة فراسخ من بغداد في ناحية الدجيل وأقام بموضع يقال له سويقة ابن البصري ، وهناك ولد الشيخ المفيد قدس‌سره ، وكانت ولادته في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة ٣٣٦ أو سنة ٣٣٨.

٥ ـ خلقه ، خلقه

كان «ره» « ربعة نحيفا أسمر ، خشن اللباس كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم » (٢) « دقيق الفطنة ماضي الخاطر » (٣) « حسن اللسان والجدل ، صبور على الخصم ... جميل العلانية » (٤) « ما كان ينام من الليل الاهجعة ثم

__________________

(١) رجال النجاشي ايضاح الاشتباه تحفة العالم شعب المقال نضد الايضاح في الجميع سهو ووهم في بعض الاسماء صححناه على جمهرة النسب لابن حزم وسبائك الذهب للسويدي.

(٢) شذرات الذهب ج ٣ ص ١٩٩.

(٣) فهرست ابن النديم ص ٢٥٢.

(٤) الامتاع والمؤانسة ج ١ ص ١٤١.

٦

يقوم يصلي ، أو يطالع ، أو يدرس ، ويتلو القرآن » (١)

وكان قدس‌سره لا يخلو من ظرف مع اصدقائه ومعاشريه بما لا يخرج عن حدود الحشمة ومقابيس الادب فمن ذلك انه جرت بينه وبين القاضي أبي بكر ابن الباقلاني مناظرة فافحمه الشيخ فقال له أبو بكر لك أيها الشيخ في كل قدر مغرفة فقال «ره» مداعبا له » نعم ما تمثلت به من أداة أبيك » فضحك الحاضرون وخجل القاضي « (٢) وله مناظرات لطيفة وحكايات ظريفة أفرد لها علم الهدى كتابا (٣)

٦ ـ نشأته ودراسته

نشأ المترجم له قدس‌سره في حجر أبيه وتحت رعايته ، وأكبر الظن أن تعلمه القرآن الكريم وبعض المبادئ العلمية والادبية كان عند أبيه إذ كان معلما. ولم يحدثنا التأريخ عن أيامه الاولى في عكبراء ، وكلما جادبه هو أنه انحدر مع أبيه إلى بغداد في سن مبكرة وبدأ يقرأ العلم على أبى عبد الله البصري المعروف بجعل (٤) وكان شيخ المعتزلة مقدما في علمي الفقه والكلام بمنزله بدرب رباح ، ثم قرأ من بعده على أبي بكر غلام أبي الجيش (٥) وكان من أئمة المتكلمين من الامامية وكان منزله بباب خراسان ، وهو الذي أرشده إلى أخذ علم الكلام

__________________

(١) لسان الميزان ج ٥ ص ٣٦٨.

(٢) مجالس المؤمنين ج ١ ص ٤٦٧ ومنتهى المقال لابي علي الحائري ره.

(٣) تنقيح المقال ج ٣ ص ١٨٠.

(٤) هو الحسين بن علي بن ابراهيم أبو عبد الله البصري الملقب يجعل من شيوخ المعتزلة ، قال ابن النديم : (إليه انتهت رياسة اصحابه في عصره كان فاضلا فقيها متكلما عالي الذكر نبيه القدر عالما بمذهبهم) اه‍ ولد سنة ٣٠٨ وتوفى سنة ٣٩٩.

(٥) اسمه طاهر قال السيد الصدر ره في تأسيس الشيعة (انه كان من ائمة المتكلمين وترجمه النجاشي وذكر انه غلام أبي الحبيش ، والشيخ في الفهرست وفيه انه غلام أبي الحبش وقال ابن النديم أبو الجيش ابن الخراساني واسمه المظفر.

٧

عن علي بن عيسى الرماني (١) وقال له لم لا تقرأ على علي بن عيسى الرماني علم الكلام وتستفيد منه؟ فقال ما اعرفه ولا لي به أنس فأرسل معي من يدلني عليه ....

قال الشيخ المترجم له : ففعل ذلك وأرسل معي من أوصلني إليه ، فدخلت عليه والمجلس غاص بأهله وقعدت حيث انتهى بي المجلس وكلما خف الناس قربت منه ، فدخل إليه داخل فقال له : بالباب إنسان يؤثر الحضور بمجلسك وهو من أهل البصرة فقال الرماني : أهو من أهل العلم؟ فقال غلامه : لا أعلم إلا انه يؤثر الحضور بمجلسك ، فأذن له فدخل عليه فأكرمه وطال الحديث بينهما ، فقال الرجل لعلي بن عيسى : ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال أما خبر الغار فدراية وأما خبر الغدير فرواية ، والرواية لا توجب ما توجب الدراية ، قال : فانصرف البصري ولم يحر جوابا يورد إليه ، قال الشيخ رضي‌الله‌عنه : إني لم أجد صبرا على السكوت عن ذلك فتقدمت فقلت أيها لاشيخ مسألة فقال : هات مسئلتك.

فقلت ما تقول فيمن خرج على الامام العادل وحاربه؟ فقال : يكون كافرا ، ثم استدرك فقال فاسقا ، فقلت : ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ قال : إمام ، قلت : فما تقول في حرب طلحة والزبير في يوم الجمل؟ فقال : إنهما تابا ، فقلت أما خبر الجمل دراية وأما خبر التوبة فرواية ، فقال لي وكنت حاضرا وقد سألني البصري؟! فقلت : نعم ، قال رواية برواية ودراية بدراية ، وسؤالك متجه وارد ، فقال بمن تعرف؟ وعلى من تقرأ؟ قلت : أعرف بابن المعلم وأقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعل ، فقال : موضعك .. ، ودخل منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها وقال لي : أوصل هذه الرقعة إلى

__________________

(١) هو الرماني المشهور صاحب التصانيف الممتعة في العلم والادب كان من أهل المعرفة مفقنا في علوم كثيرة من الفقه والقران والنحو واللغة والكلام على مذهب المعتزلة ولد سنة ٢٩٦ وتوفى سنة ٣٨٤ خلف اثار قيمة طبع منها (النكت في مجازات القرآن) في دلهى ، و (الالفاظ المترادفة) في مصرو (منازل الحروف) ضمن نفائس المخطوطات في بغداد.

٨

أبي عبد الله ، فجئت بها إليه فقرأها ولم يزل يضحك بينه وبين نفسه ، ثم قال لي : أي شئ جرى لك في مجلسه؟ فقد أوصاني بك ولقبك ب‍ » المفيد » فذكرت له المجلس بقصته فتبسم (١)

فهذين العلمين الجعل وغلام أبي الجيش من مشايخه الذين أخذ عنهم وهو في سن مبكرة ، كما انه لم يقتصر أخذه وهو في سنه تلك عليهما ، بل انه أخذ الحديث عن آخرين وسنه لم يتجاوز العشرين فقد ذكروا أنه روى عن الشريف أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي المرعشي الطبري وأنه تحمله سنة ٣٥٤ فيكون عمره الشريف حينئذ ثمانية عشر سنة تقريبا ، وكذا روايته عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي فانه روى عنه عند مقدمه إلى بغداد سنة ٣٥٢ أو سنة ٣٥٥ (٢).

وهناك شيوخ أفذاذ كانوا أعلام عصره تشد إليهم الرحال من الاطراف ، وهم مطمح الانظار ومعقد الآمال ، سمع منهم وقرأ عليهم وحوى من علومهم ما كان رصيده يوم أشير إليه بالبنان ، وغدا المجلي في حلبة الميدان.

وإن المستقرئ لدقائق أخباره وجليل آثاره ليدرك مدى اهتمامه بالتعلم ، ويعرف شدة شغفه بالاخذ والتحمل ، فقد كان بما منحه الله من صفاء الذهن وآتاه من حسن المعرفة مشاركا في كثير من العلوم والفنون. جامعا لروائعها. ملما بدقائقها. مع عمق الغور ودقة التفكير ورقة التعبير وحسن الاداء ولعل فيما ذكرناه من حكايته مع الرماني خير دليل على ذلك. فانا نجده وهو تلميذ مؤدبا باكثير التواضع للعلم وأهله ، ونجده وهو

__________________

(١) مستطرفات السرائر ، تنبيه الخواطر ونزهة الناظر ص ٤٥٦ سفينة البحار ج ٢ ص ٣٩٠.

(٢) الترديد في سنة السماع والتحمل لافي دخول الصدوق إلى بغداد فقد دخلها مرتين كما ذكرناه مفصلا في مقدمة كتاب من لا يحضره الفقيه.

٩

محاجج متكلما بارعا ذا فطنة ولباقة في احتجاجه وسؤاله.

ويروي له التأريخ نطير هذه القصة ، طريقة أخرى مع القاضي عبد الجبار المعتزلي (١) فانه ذكر أنه بينما القاضي ذات يوم في بغداد ومجلسه مملوء من علماء الفريقين إذ حضر الشيخ المفيد قدس‌سره وجلس في صف النعال ، ثم قال للقاضي : إن لي سؤالا فان أجزت بحضور هؤلاء الائمة؟ فقال القاضي : سل. فقال : ما تقول في هذا الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة (من كنت مولاه فعلي مولاه) أهو مسلم صحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير؟ فقال : نعم خير صحيح فقال الشيخ : ما المراد بلفظ المولى؟ قال : هو بمعنى أولى ، قال فما هذا الخلاف والخصومة بين الشيعة والسنة؟ فقال القاضي : أيها الاخ هذه رواية وخلافة أبي بكر دراية ، والعادل لا يعادل الرواية بالدراية فقال الشيخ : ما تقول في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (حربك حربي وسلمك سلمي)؟ قال القاضي : الحديث صحيح ، فقال : ما تقول في أصحاب الجمل؟ فقال القاضي : أيها الاخ إنهم تابوا ، فقال الشيخ : أيها القاضي الحرب دراية والتوبة رواية وأنت قررت في حديث الغدير ان الرواية لا تعارض الدراية ، فبهت القاضي ولم يحر جوابا ووضع رأسه ساعة ثم رفعه وقال من أنت؟!. قال : خادمك محمد بن محمد بن النعمان الحارثي فقام القاضي وأجلسه في مجلسه على مسنده وقال : أنت » المفيد « حقا ، فانقبض فرق المخالفين وتغيرت وجوه علما؟ المجلس وهمهموا فلما ابصر القاضي ذلك منهم قال : أيها الفضلاء إن هذا الرجل ألزمني وأنا عجزت عن جوابه فان كان عندكم جواب عما ذكره فقولوا حتى اجلسه في مجلسه الاول ، فسكتوا وتفرقوا ، فوصل خبر المناظرة إلى عضد الدولة فأرسل إلى المفيد (ره) وأحضره وسأله عما جرى فأخبره فأكرمه غاية الاكرام وأمر له بجوائز عظام ، واركبه مركبا حسنا (٢) وكان فرسا محلى

__________________

(١) كان معتزليا في الاصول شافعيا في الفروع ولي قضاء القضاة بالرى وورد بغداد حاجا وحدث بها مات سنة ٤١٥.

(٢) مجالس المؤمنين نقلا عن مصابيح القلوب ومنتهى المقال.

١٠

بالزينة ، وأمر له بوظيفة تجري عليه.

وهكذا لم يفتأ عن الدرس والتعلم والاخذ والتحمل والى القارئ بعض مشاهير : ـ

٧ ـ شيوخه

لقد تخرج على عدة مشائخ من أهل الفضل يذعن لهم الخاصة والعامة كلهم من أفذاذ العلماء الذين كانت تشد إليهم الرحال للتحمل والرواية من مختلف الحواضر وهم كما في معاجم التراجم وكتبه وفهارس المشايخ :

١ ـ أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد القمي.

٢ ـ أبو غالب أحمد بن محمد بن سليمان الزراري.

٣ ـ أبو الحسين أحمد بن الحسين بن اسامة البصري اجازة ٤ أبو علي أحمد بن محمد بن جعفر الصولي.

٥ ـ الشريف أبو محمد أحمد بن محمد بن عيسى العلوي الزاهد.

٦ ـ أبو الحسن أحمد بن محمد الجرجاني.

٧ ـ أحمد بن ابراهيم بن أبي رافع الصيمري.

٨ ـ أبو القاسم اسماعيل بن محمد الانباري الكاتب.

٩ ـ أبو أحمد اسماعيل بن يحيى العبسي.

١٠ ـ جعفر بن الحسين المؤمن.

١١ ـ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه.

١٢ ـ الشريف أبو محمد الحسن بن حمزة العلوي الحسيني الطبري.

١٣ ـ أبو علي الحسن بن عبد الله القطان.

١٤ ـ أبو محمد الحسن بن محمد العطشى.

١١

١٥ ـ أبو علي الحسن بن الفضل الرازي البصري.

١٦ ـ أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى الشريف.

١٧ ـ أبو عبد الله الحسين بن علي بن ابراهيم المعروف بجعل.

١٨ ـ الشيخ أبو عبد الله الحسين بن علي بن شيبان القزويني.

١٩ ـ الحسين بن أحمد بن موسى بن هدية أبو عبد الله.

٢٠ ـ أبو الطيب الحسين بن علي بن محمد التمار.

٢١ ـ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن المغيرة.

٢٢ ـ أبو الحسن زيد بن محمد بن جعفر السلمي.

٢٣ ـ أبو ياسر طاهر غلام أبي الجيش.

٢٤ ـ أبو محمد عبد الله بن محمد الابهري.

٢٥ ـ عبد الله بن جعفر بن محمد بن أعين البزاز.

٢٦ ـ أبو عبد الله بن أبي رافع الكاتب.

٢٧ ـ أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق. إجازة.

٢٨ ـ أبو الحسن علي بن خالد المراغي.

٢٩ ـ أبو الحسن علي بن مالك النحوي.

٣٠ ـ أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب.

٣١ ـ أبو الحسن علي بن بلال المهلبي.

٣٢ ـ أبو الحسن علي بن الحسين البصري البزاز.

٣٣ ـ أبو الحسن علي بن محمد بن زبير الكوفي.

٣٤ ـ أبو الحسن علي بن محمد بن خالد.

٣٥ ـ أبو الحسن علي بن أحمد بن ابراهيم الكاتب.

٣٦ ـ أبو القاسم علي بن محمد الرفا.

١٢

٣٧ ـ أبو الحسن علي بن محمد القرشي.

٣٨ ـ أبو بكر عمربن محمد بن سالم بن البراء المعروف بابن الجعابى.

٣٩ ـ أبو حفص عمربن محمد بن علي الصيرفي المعروف بابن الزيات.

٤٠ ـ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (١).

٤١ ـ أبو علي محمد بن الجنيد الكاتب الاسكافي.

٤٢ ـ أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود بن علي القمي.

٤٣ ـ أبو بكر محمد بن سالم بن محمد البراء المعروف بالحافظ الجعابي.

٤٤ ـ أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني.

٤٥ ـ أبو نصر محمد بن الحسين النصير الشهرزوري المقرئ.

٤٦ ـ أبو الطيب محمد بن أحمد الثقفي.

٤٧ ـ أبو الحسن محمد بن مظفر الزيات.

٤٨ ـ أبو بكر محمد بن أحمد الشافعي.

٤٩ ـ أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد الكوفى النحوي التميمي.

٥٠ ـ أبو جعفر محمد بن الحسين البزوفري.

٥١ ـ أبو عبد الله محمد بن الحسن الجواني.

٥٢ ـ أبو عبد الله محمد بن علي بن رياح القرشي.

٥٣ ـ أبو عبد الله محمد بن داود الحتمي.

٥٤ ـ محمد بن أحمد بن عبيد الله المنصوري.

٥٥ ـ محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة الصفواني.

٥٦ ـ أبو نصر محمد بن الحسين الخلال.

٥٧ ـ محمد بن سهل بن أحمد الديباجي.

__________________

(١) سمع منه ببغداد عند وروده إليها.

١٣

٥٨ ـ أبو جعفر محمد بن عمر الزيات.

٥٩ ـ الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر.

٦٠ ـ أبو محمد بن عبد الله بن أبي شيخ.

٦١ ـ المظفر بن محمد البلخي.

٨ ـ تلامذته

لاغرابة حين نقرأ عن السيدين الشريفين الرضي والمرتضى وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي وأبى يعلى سلار والقاضى الكراجكي واضرابهم انهم خريجوا مدرسة الشيخ المفيد قدس‌سره ومن أعيان تلامذته ، لم يكن ذلك غريبا نظرا لما كان عليه الشيخ المفيد (ره) من تضخم الثراء العلمي وضربه بسهم وافر من العلوم والاداب وسائر المعارف الاسلامية المتداولة يومئذ. لقد عكف العلماء على مجلسه فلازموا درسه وارتشفوا من معينه حتى صدروا وهم أعلام تفخر بهم الامة الاسلامية وتزخر بمؤلفاتهم وآثارهم المكاتب العلمية وان لحضور الشريفين الرضي والمرتضى حكاية تدل على سمو مكانة الشيخ وعظيم قدره فقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه عن السيد فخار بن معد العلوي الموسوي رضي‌الله‌عنه قال : (رأى المفيد أبو عبد الله محمد ابن محمد بن النعمان الفقيه الامامي في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما‌السلام صغير بن فسلمتهما إليه وقالت له علمهما الفقه ، فانتبه متعجبا من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمد الرضي وعلي المرتضى فقام إليها وسلم فقالت أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى أبو عبد الله وقص عليها المنام وتولى تعليمهما وأنعم الله تعالى عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم

١٤

والفضائل ما أشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر) اه‍ وقد كان يحضر مجلسه اقطاب العلماء من كافة المذاهب خصوصا في علم الكلام فن المناظرة والفقه وأصوله ، ولم يكن في وقته مبرزا في ذلك سواه ، وكانت محاضراته تارة في مسجده بالكرخ بدرب رباح ، وأحيانا في مجالس بعض الاعلام كما أن أول مجلس من أماليه الذى أملاه يوم السبت مستهل شهر رمضان سنة ٤٠٤ كان في الزيارين بدرب رباح بمنزل ضمرة أبي الحسن علي بن عبد الرحمن القارئ ، وان من العسير حصر جميع من حضر عنده وتتلمذ عليه وإلى القارئ ذكر مشاهيرهم وهم :

١ ـ الشيخ الاجل أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي

٢ ـ الفاضل الفقيه أحمد بن علي بن قدامة.

٣ ـ الثقة العين جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي.

٤ ـ الحسين بن علي النيشابوري.

٥ ـ الشيخ الفقيه أبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي.

٦ ـ أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الفارسي.

٧ ـ الشريف السيد المرتضى علم الهدى علي بن الحسين بن موسى الموسوي.

٨ ـ أبو الفوارس بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الفارسي المتقدم ذكره.

٩ ـ الشريف السيد الرضي محمد بن الحسين بن موسى الموسوي.

١٠ ـ شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي.

١١ ـ أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري صهره وخليفته والجالس في حياته في مجلسه.

١٢ ـ أبو الفتح الفقيه القاضي محمد بن علي الكراجكي المتوفى سنة ٤٤٩.

١٣ ـ أبو محمد أخو علي بن محمد الفارسي المتقدم ذكره.

١٥

١٤ ـ الشيخ الثقة أبو الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني من سفراء الامام الحجة عجل الله فرجه.

١٥ ـ الشريف أبو الوفاء المحمدي الموصلي.

١٦ ـ أبو شجاع تاج الملة عضد الدولة علي بن الحسن بن بويه الديلمي أخذ عنه الفقه على مذهب الامامية (١).

٩ ـ مكانته الاجتماعية

قيمة كل امرئ ما يحسنه بهذه الكلمة القيمة والحكمة الخالدة حدد الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام مقاييس الفضيلة في ميزان العدل والنصفة ، وحد للاشخاص قيمهم الاجتماعية وان مقياس كل فرد معه وذلك ما يحسنه فبقدره يكون وزنه الاجتماعي وبمقداره تتحدد مكانته بين أوساط الناس ، فالمقياس الخالد هو الفضيلة والعمل لاكثرة المال والولد ولا سعة النفوذ وكثرة الاتباع فان هذه عوار مستردة وتلك مواهب قارة خالدة بخلود الابدو دوام الدهر والزمن وبوسعنا أن ندرك مكانة الشيخ الاجتماعية من مواهبه وآثاره ، فقد تألق نجمه قدس الله سره الشريف في سماء المعارف وكانت له القدم الراسخة في ميدان العلوم والفنون والكفة الراجحة في الميزان العلمي والعملي وكان رحمه‌الله ينشط في توجيه العلماء ويعني بتربيتهم إلى أن تخرج على يده زمرة خيرة كانوا مفخرة في جيلهم وقدوة صالحة للاجيال المتعاقبة من بعد. وكانت له المرجعية في الفتيا والاحكام في كثير من البلدان. يرجعون إليه في الفصل واخذ الاحكام. كجرجان ، وخوارزم ، والرقة ، وحران ، والدينور ، وسارية ، وشيراز ، وصاغان ، ومازنداران ، ونيشابور والنوبندجان ، والموصل ، وطبرستان ، وميافارقين ، وعكبراء إلى غيرها من المدن

__________________

(١) آثار الشيعة الامامية ص ١٨.

١٦

والبلدان التي كان أهلها يفزعون إليه في حل الخصومات ، ويرجعون إلى رأيه في الاحكام.

مضافا إلى أنه رحمه‌الله كان يحاجج أهل كل عقيدة ويفلجهم ، ويناظر في مختلف الاديان والآراء ويجيب على انواع الشبه والمسائل وما ذلك إلا من رسوخ قدمه في العلم والفضيلة ، وكفاءته في القيام باعباء المرجعية والحكومة ، وما آثاره التي خلفها من مجالس ومناظرات وأمال في الفقه والعقائد والكلام والحديث والاخبار والشعر والتأريخ الاسلامي مع فطاحل عاصروه فبزهم وناظروه ففلجهم واستطال عليهم ، وإلى القارئ قائمة باسماء من ناظرهم من أعلام الفرق وأساطين المذاهب في العلوم المختلفة استخرجناها من كتاب انتخب من واحد من كتبه وهو المختار من العيون والمحاسن لتلميذه علم الهدى الشريف السيد المرتضى رحمه‌الله فانا نجد أنه قدس الله روحه الزكية ناظر.

١ ـ القاضي أبا بكر أحمد بن سيار ، اجتمع به في بغداد بدار الشريف محمد ابن محمد بن طاهر الموسوي وفي المجلس أكثر من مائة إنسان وفيهم أشراف من بني علي وبني العباس ، ومن وجوه التجار وغيرهم ، حضروا في قضاء حق للشريف رحمه‌الله.

٢ ـ الكتيبي ، وعرزالة المعتزلي ، وأبا عمرو الشطوي وكلهم من المعتزلة.

٣ ـ القاضي أبا محمد العماني ، وأبا بكر بن الدقاق في مجلس النقيب أبي الحسن العمري.

٤ ـ الورثاني ، والجراحي ، والاول من متفقهة أصحابنا ، في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر.

٥ ـ رجلا من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذهب الكرابيسي.

٦ ـ أبا العباس هبة الله بن المنجم في مجلس وفيه أبو عيسى الوراق.

١٧

٧ ـ أبا بكر بن صرايا في مجلس أبي منصور بن المرزبان ، وكان في المجلس جماعة من متكلمي المعتزلة.

٨ ـ الطبراني شيخ من الزيدية ، جرى معه كلام على يد حدث من أولاد الانصار كان يختلف إلى الشيخ ويتعلم عنده.

٩ ـ ابن لؤلؤ شيخ من الاسماعيلية في دار بعض قواد الدولة.

١٠ ـ أبا القاسم الداركي في مجلس كان صاحبه رئيس زمانه وهو الشريف ابي الحسن احمد بن القاسم المحمدي.

١١ ـ الشيخين ابا الحسن وابا طاهر الجوهريين في مجلس صديقه ابي الهذيل سبيع بن المنبه المختارى وقد حضره الشريف أبو محمد بن المأمون.

١٢ ـ ابا الحسن علي بن نصر الشاهد بعكبرا في مسجده ، والشيخ متوجه إلى سر من رأى. إلى غيرهم ممن لم يصرح باسمائهم وهم :

١ ـ جمع كثير من الفقهاء والمتكلمين في مجلس بعض القضاة.

٢ ـ بعض المعتزلة في مجلس آخر.

٣ ـ بعض المجبرة ، وبعض من المعتزلة ، ورجل من الزيدية في مجلس الشريف احمد بن القاسم العلوى المحمدى.

٤ ـ شيخ من حذاق المعتزلة واهل التدين بمذهبهم.

٥ ـ بعض المعتزلة في مجلس قدضم جماعة كثيرة من اهل النظر والمتفقهة.

٦ ـ شيخ من اهل الري معتزلي ، في مجمع لقوم من الرؤساء وكان معظما لمحل سلفه وتعلقه بالدولة.

٧ ـ سائل في مجلس الشريف ابى الحسن علي بن احمد بن اسحاق.

٨ ـ بعض المعتزلة.

٩ ـ بعض مشايخ العباسيين وغيره في مجلس بسر من رأى وفيه بعض

١٨

مشايخ العباسيين وغيرهم.

هذا كله مضافا إلى كلامه مع كثير من الفرق التي كانت يومذاك كجماعة المعتزلة وأصحاب المقالات ومتكلمي المجبرة والحشوية والناصبية والكيسانية والاسماعلية والقرامطة والمباركية والناووسية والشمطية والفطحية والواقفة والبشرية.

هذا ما يقف عليه القارئ في الفصول من العيون والمحاسن المذكور فكيف لو استقصى سائر كتبه وما نقل عنه. ويلاحظ أنه قدس‌سره حتى في أسفاره كان لا يفتأ عن المناظرة والدعوة إلى مبدئه والدفاع عن مذهبه واليك للتدليل على ذلك حديثه مع رجل زيدي أراد التشنيع عليه والوقيعة به حيث ثقل عليه وأمثاله وجوده لانه أينما حل يجتمع عليه الناس للاستفادة منه والاخذ عنه وذلك أنه زار مرة المشهد العلوي ومر بمسجد الكوفة فاجتمع إليه من أهلها وغيرهم أكثر من خمسمائة انسان وتقدم نحوه رجل زيدي أراد الفتنة والشناعة فقال له باي شئ إستجزت إنكار إمامة زيد؟! فقال له الشيخ : إنك قد ظننت علي ظنا باطلا وقولي في زيد لا يخالفني عليه أحد من الزيدية. إن زيدا رحمه‌الله كان إماما في العلم والزهد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأنفي عنه الامامة الموجبة لصاحبها العصمة والنص والمعجز. وهذا مالا يخالفني عليه أحد من الزيدية ، فلم يتمالك جميع من حضر من الزيدية دون أن شكروه ودعوا له وبطلت حيلة الرجل فيما أراد من التشنيع والفتنة.

وأيا ما كان فمكانة هذا الحبر غنية عن البيان إذ هتفت باسمه السنة المدح والثناء واشتهر فضله اشتهارا اغنى عن الاشادة بذكره والافاضة في سيرته فله من فضله وعلمه ونبله ومجده شواهد صدق على سمو مقامه وعظيم نبوغه ، حتى لهجت الاعلام بذلك شاكرة له أياديه حيث كان مأوى المتعلمين ومعقل العلماء وملاذ الامراء وملجأ العامة وسائر الناس ، قصده الفقهاء اللامعون فاستفادوا من معين علومه ، واتاه جهابذة المتكلمين فارتشفوا من نميره ، وحتى الامراء والوزراء كانوا يأخذون عنه فيصدرون

١٩

روايا من غديره ، فذا تاج الملة وعضد الدولة أبو شجاع علي بن الحسن الديلمي أخذ عنه الفقه وكان مع جلالته وصولته يزوره بموكبه في بيته ويعوده إذا مرض ، مضافا إلى وجاهته عند ملوك الاطراف ، ولعل في تقاريض مترجميه وآيات الثناء عليه ما يغينا عن الاطالة بشرح ذلك فقد اطبقت المعاجم على انه (امام الرافضة ، شيخ الامامية وعالمها ، والمحامي عن حوزتهم ، والمصنف لهم ، رئيس الكلام والفقه والجدل ، مقدم في صناعة الفقه والكلام ، دقيق الفطنة حاضر الجواب ، ماضي الخاطر ، حسن اللسان والجدل ، صبور على الخصم ، جميل العلانية ، كثير الصدقات ، عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم ، زاهد عابد وكان يناظر أهل كل عقيدة وكانت له صولة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية).

بذلك تقرظه المعاجم ويطريه أصحاب التراجم وفيهم من معاصريه من الخصوم الالداء والحسان المعاندين الذين ضاقوا ذرعا به ، وطالت حياته عليهم ، فتمنوا موته لشدة حسدهم وقصورهم عن بلوغ شأوه أو مطاولته في موكب أو منكب.

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم اعداء له وخصوم

وحسبك دليلا على سمو مكانته وعظيم جلالته انه كان المنظور في الامامية والمقصود من بينهم في كل معضلة وقضية ، فكان يصيبه من فتن العامة وجهلة السواد بعض الاذى ، وإن كثيرا من خصومه ممن لم يبلغوا شأوه ويدركوا سعيه كانوا سيتغلون الاحداث في الفتن التي كانت تنشب في بغداد بين الشيعة والسنة فيوغروهم عليه ويغروهم به.

فمن ذلك انه في سنة ٣٩٨ قصد بعض السفلة من باب البصرة الشيخ في مسجده بالكرخ بدرب رباح فآذاه ونال منه فثار به أصحاب الشيخ واستنفر بعضهم بعضا وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد ابن الاكفاني وأبي حامد الاسفراييني فسبوهما وطلبوا الفقهاء من اصحابهما ليوقعوا بهم فهربوا وانتقل أبو حامد إلى دار القطن

٢٠