محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-964-X
الصفحات: ٣٢٨
وقال في مقدّمته على كتاب الصراط المستقيم : « اليونسيّة في شرح التكليفية ، شرح فيه المقالة التكليفية ... وهذا الشرح من الآثار القيّمة والكتب الجليلة المهمّة ، وقد يقال له : الرسالة اليونسيّة » (١).
الثاني : الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات
ذكرها صاحب رياض العلماء بقوله : « وكتاب الكلمات النافعات في تفسير الباقيات الصالحات وهو توضيح للرسالة التي ألّفها شيخنا الشهيد في تفسير الكلمات الأربع » (٢).
وقال الخوانساري في الروضات : « الكلمات النافعات في تفسير الباقيات الصالحات ، وهو توضيح للرسالة التي ألّفها شيخنا الشهيد في تفسير الكلمات » (٣).
وقال صاحب الذريعة : « الكلمات النافعات في تفسير الباقيات الصالحات ، وتوضيح هذه الرسالة التي ألّفها شيخنا الشهيد في تفسير الكلمات الأربع ، للشيخ زين الدين عليّ بن محمّد البياضي صاحب الصراط المستقيم » (٤).
وهما شرحان مبسوطان وممزوجان بـ « قوله ـ أقول » وقد سلك الشارح فيهما منهجا مفصّلا ومستوعبا لكلّ متطلّبات الشرح ، تناول فيهما شرح المفردات وتوضيح الآراء واستيفاء المعنى الذي أراده الشهيد رحمهالله.
فالقارئ للشرحين يجد شخصيّة الشيخ البياضي بارزة فيهما ، فوجهة نظره تأتي مباشرة عقب استكماله شرح الفكرة مستدلاّ على الآراء التي يطرحها بأدلّة منطقيّة أو تشريعيّة أو لغويّة ولكلّ مقال ، ولم يقتصر في منهجه الاستدلالي لتعزيز آرائه فقط ، بل لدعم آراء الشهيد أيضا.
__________________
(١) الصراط المستقيم ٢ : ٢٨ ، ( مقدّمة التحقيق ).
(٢) رياض العلماء ٤ : ٢٥٩.
(٣) روضات الجنّات ٤ : ٣٥٤.
(٤) الذريعة ١٨ : ١٢٠.
وقد كشف الشارح عن غوامض كلمات الماتن وأزاح الأستار عن الألطاف فيها ، وأضاف إليها فوائد التقطها من سائر الكتب واستنبطها بفكره الفاطر ، وفصّل في مجملاتها ، وأحال من يريد المزيد إلى مصادر من تأليفه أو من تأليف غيره ، وأضاف إليها ملاحظات لتوضيح النكات والدقائق وزيادة الفوائد ، فسدّ الثغرات وأتمّ النقص ووضّح المطلوب.
الخاتمة : عملنا في الكتاب
الرسالة الأولى : المقالة التكليفيّة تقدّم التعريف بنسخها ، واعتمدنا في التحقيق على نسخة السيّد الروضاتي التي هي ضمن اليونسيّة في شرح المقالة التكليفية.
الرسالة الثانية : اليونسيّة في شرح المقالة التكليفيّة تقدّم التعريف بنسختها ، وهي النسخة الوحيدة الموجودة بين أيدينا ، وهي نسخة السيّد الروضاتي التي سبق ذكرها ، وتميّز الشرح والمتن بقوله ( قال ـ أقول ) ، نسخت عام ٩٠٢ ه بخط السيّد تاج الدين بن زهرة الحسيني الحلبي.
الرسالة الثالثة : الباقيات الصالحات تقدّم التعريف بنسخها ، وقد قابلنا النسخة المحقّقة من قبل الشيخ رضا المختاري مع نسخة الأستاذ العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي التي هي ضمن الكلمات النافعات.
الرسالة الرابعة : الكلمات النافعات في شرح الباقيات الصالحات
تقدّم التعريف بنسختها ، وهي النسخة الوحيدة الموجودة عند الأستاذ العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي ( حفظه الله ) ضمن المجموعة النفيسة ؛ وهي بخطّ تاج الدين محمّد بن حمزة بن زهرة الحسيني الحلبي الفوعي بقرية نامطي ، وكان تأريخ الفراغ من كتابتها في بكرة نهار الخميس سلخ ذي القعدة الحرام سنة ٨٩٣ ه بخطّ النسخ.
وفي جميع هذه الرسائل الأربع تمّ استنساخ النسخ المعتمدة ومقابلة النسخ المتعدّدة إن وجدت ، وتمّ تخريج الآيات والأحاديث والأقوال والمفردات اللغويّة من مصادرها
الأصليّة إن وجدت ، وإلاّ فمن المصادر التي تقدّمت على المؤلّف ، سواء كان الشهيد الأوّل أو الشيخ البياضي.
وفي مرحلة تقويم النصّ ـ في حالة اختلاف الموارد ـ أثبتنا الصحيح الذي يقتضيه السياق.
فقد عملنا فهارس عامّة للكتاب ، تسهيلا لمهمّة الباحثين والمراجعين ، وتحتوي على فهرس الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والموضوعات ومصادر التحقيق ، وألحقناها في نهاية الكتاب.
شكر وثناء
وفي نهاية المطاف نحمد الله على ما وفّق ويسّر لنا من إنجاز لهذا السفر النفيس ، فله الشكر أوّلا وآخرا.
ونرى لزاما علينا أن نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل إلى مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة التابع لمكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم المقدّسة ، حيث أتاحوا لنا فرصة إنجاز هذا العمل المبارك ، وإلى كلّ من ساهم في إخراج هذا الكتاب ونخصّ بالذكر : العلاّمة السيّد محمّد عليّ الروضاتي ( حفظه الله ) ؛ لما تفضّل علينا بالنسخة النفيسة ، والإخوة المحقّقين الذين ساعدونا على إنجاز هذا المشروع ، وهم كلّ من السادة الفضلاء وحجج الإسلام : الشيخ عليّ أوسط الناطقي ، الشيخ غلامحسين قيصريه ها ، الشيخ محمّد الإسلامي ، الأستاذ أسعد طيّب ، الأخ الفاضل لطيف فرادى ، الشيخ ولي الله القرباني ، الأخ ناظم شاكر ، الشيخ محسن النوروزي.
والله تعالى هو المسئول أن يجعل هذا خالصا لوجهه الكريم ، فإنّه أرحم الراحمين ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قسم إحياء التراث الإسلامي
مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
محرّم الحرام ١٤٢١ ق ـ قم المقدّسة
(١)
المقالة التكليفيّة
للشهيد الأوّل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبثا ، ولم يدعهم هملا ، بل كلّفهم بالمشاقّ علما وعملا ؛ لينزجروا عن قبائح الأفعال ، وينبعثوا على محاسن الخلال ، ويفوزوا بشكر ذي العزّة والجلال.
والصلاة على من أيّد الله ببعثهم العقل الصريح ، وخصوصا نبيّنا محمّدا البليغ الفصيح ، وعلى أهل بيته وأرومته المساميح ، والطيّبين من عترته وذرّيّته المراجيح.
وبعد ، فهذه المقالة التكليفيّة مرتّبة على خمسة فصول سنيّة :
الفصل الأوّل في ماهيّته وتوابعها.
الفصل الثاني في متعلّقه.
الفصل الثالث في غايته.
الفصل الرابع في الترغيب.
الفصل الخامس في الترهيب.
ومدار هذه الفصول على خمس كلمات مفردة ، وهي : « ما » و « هل » و « من » و « كيف » و « لم ».
الفصل الأوّل : يبحث فيه عن الثلاثة الأول ، وهي :
ما التكليف؟ ـ ويبحث فيه عن مفهومه بحسب الاصطلاح ـ وهل يجب في حكمة الله أم لا؟ ومن المكلّف والمكلّف؟.
الفصل الثاني : يبحث فيه عن مدلول كيف التكليف؟ أي على أيّ صفة يكون؟.
الفصل الثالث : يبحث فيه عن مدلول لم يجب التكليف مثلا؟ وهو السؤال عن غايته.
والفصلان الأخيران من مكمّلات هذا الفصل.
[ الفصل الأوّل
في ماهيّة التكليف وتوابعها ]
أمّا الأوّل : فالتكليف تفعيل من الكلفة أعني المشقّة. وعرفا : إرادة واجب الطاعة شاقّا ابتداء معلما.
وفيه نظر ؛ لأنّ الإرادة سبب التكليف لا عينه ، ولهذا يقال : أراد الله تعالى الطاعة فكلّف بها ؛ ولانتقاضه في عكسه بالتكليف باجتناب المنهيّات فإنّه كراهة لا إرادة ؛ ولأنّه يخرج منه التكليف بالمشتهى طبعا ، كأكل لحم الهدي ، ونكاح الحليلة ، وما لا مشقّة فيه أصلا كتسبيحة وتحميدة.
وأيضا الإعلام إنّما هو شرط في تكليف واقع لا في مطلق التكليف.
فالأولى أن يقال : التكليف هو بعث عقلي أو سمعي على فعل ، أو كفّ ابتداء للتعريض للثواب.
والكلام إمّا في حسنه ، وهو ظاهر من حدّه ؛ ولأنّ الإنسان مدنيّ بطبعه لا يستقلّ بأمر معاشه ، فلا بدّ من التعاضد بالاجتماع المفضي إلى التنازع فلا بدّ من نبيّ مبعوث بقانون كلّي يعد على طاعته بالثواب ، ويوعد على معصيته بالعقاب ؛ ليحمل النوع على تجشّم المشاقّ ، ولزوم الميثاق ، وذلك ممتنع بدون معرفة الصانع ، وما يثبت له وينفى عنه ، وتعظيمه وإجلاله مؤكّد لذلك.
والطريق إليه التكرار الموجب للتذكار ، بنصب عبادات معهودة في أوقات مخصوصة يذكر فيها الخالق بصفات جلاله وكماله ، والانقياد لسنّته ، فيحصل من ذلك (١) غايات ثلاث :
الأولى : رياضة القوى النفسانيّة ؛ بمنعها عن مقتضى الشهوة والغضب ، وعن الأسباب المثيرة لهما من التخيّل والتوهّم والإحساس ، والفعل المانع عن توجّه النفس الناطقة إلى جناب القدس ومحلّ الأنس.
الثانية : دوام النظر في الأمور العالية المطهّرة عن العوارض المادّيّة والكدورات الحسّيّة ، المؤدّية إلى ملاحظة الملكوت ، ومعاينة الجبروت.
الثالثة : دوام تذكّر إنذار الشارع ، ووعده للمطيع ، ووعيده للعاصي ، المستلزم لإقامة العدل ، ونظام النوع مع زيادة الأجر الجزيل والثواب العظيم.
وإمّا في وجوبه (٢) ، فهو واجب على الله تعالى ، بناء على قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، وعلى أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يخلّ بالواجب ؛ لعلمه بقبحه ، وغنائه عنه ؛ لثبوت علمه بجميع المعلومات ، لاستواء نسبة ذاته ، وتساوي الجميع في صحّة المعلوميّة ، واستفادة علمه على الجملة من أحكام الأفعال ، وغنائه من وجوب وجوده مطلقا قطعا ؛ للدور والتسلسل لو كان ممكنا.
إذا تمهّد ذلك ، فلو لم يجب التكليف على الله تعالى لزم عدم وجوب الزجر عن القبائح بل كان مغريا بها. والتالي باطل ؛ لاستحالة فعل القبيح ، والإخلال بالواجب عليه تعالى ، فكذا المقدّم.
ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ؛ لأنّهما مخصوصان بما يستقلّ العقل بدركه ، لا بباقي السمعيّات.
__________________
(١) يعني من تكرار تلك العبادات.
(٢) عطف على قوله قبيل هذا : « إمّا في حسنه ».
ومع ذلك فكثير من العقلاء لا يعبأ بهما ، ويفعل بمقتضى الشهوة والغضب فيتحقّق الإغراء بالقبيح حينئذ.
وأمّا المكلّف ، فهو الباعث ، إمّا بخلق العقل الدالّ ، أو بنصب النبيّ المخبر.
وأمّا المكلّف ، فهو الكامل العقل. وتسمية الصبيّ بالمكلّف مجاز.
وحسنه مشروط بأربعة :
الأوّل : ما يتعلّق به ، وهو أمور ثلاثة :
أ : الإعلام به أو التمكين منه.
ب : تقدّمه على الفعل زمانا يمكن المكلّف فيه الاطّلاع عليه.
ج : انتفاء المفسدة فيه.
ومنه يعلم اشتراط نصب اللطف في كلّ فعل أو ترك لا يقع امتثاله إلاّ به ؛ إذ لولاه لزمت المفسدة المنفيّة.
الثاني : الراجع إلى المتعلّق ، وهو ثلاثة أيضا.
أ : إمكانه ؛ لاستحالة التكليف بالمحال عند العدليّة.
ب : حسنه ؛ لاستحالة التكليف بالقبيح.
ج : رجحانه بحيث يستحقّ به الثواب كفعل الواجب والندب ، وترك الحرام والمكروه.
الثالث : العائد إلى المكلّف تعالى وهو أربعة :
أ : العلم بصفة الفعل ؛ لئلاّ يكلّف بغير المتعلّق.
ب : العلم بقدر المستحقّ عليه من الثواب ؛ حذرا من النقص.
ج : قدرته على إيصاله ؛ ليثق المكلّف بوصوله إليه.
د : امتناع القبيح عليه ؛ لئلاّ يخلّ بالواجب.
الرابع : ما يعود إلى المكلّف ، وهو أمران :
أ : أن يكون قادرا على الفعل ؛ لامتناع التكليف بالمحال.
ب : علمه به أو تمكّنه من العلم كما ذكر.
ولا يشترط إسلامه ؛ لعموم علّة الحسن. والفساد من سوء اختيار الكافر.
ووجوبه مشروط بكمال العقل ، وبعلم (١) ما نصبه الشارع من الأمارات.
ولا يلزم توقّف العقلي على السمع ؛ لأنّه لا يلزم من علمه بالأمارات السمعيّة انحصار علمه ؛ لجواز حصوله بسبب آخر ، ولعلّه إدراكه الأوّليّات والضروريّات ، والاقتدار على التصرّف فيهما لاقتناص النظريّات.
__________________
(١) في « ن » : « ويعلم » بدل « وبعلم » وعلّق عليه : أي كمال العقل.