الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم الى يوم الدين.

فاعلم ان المكلف (١) ...

__________________

١ ـ مراده من المكلف من وضع عليه القلم من البالغ العاقل ، لا خصوص من تنجز عليه التكليف ، وإلّا لما صح جعله مقسمه لما ذكره من الاقسام ، اذ بينها من لم يكن عليه تكليف او لم ينجز عليه (ق) * المراد منه هو البالغ العاقل وبعبارة اخرى من توجه اليه تكليف الزامى سواء تنجز فى حقه ام لا فهو مقسم كلى له اقسام فانه اما غافل او ملتفت ، والملتفت اما قاطع او ظان او شاك (فحينئذ) يخرج الصبى والمجنون بقيد التكليف ، والعاقل ونحوه بقيد الالتفات

ثم المراد من الشك ما يعمه والظن غير المعتبر ومن الظن ما يعمه وكل طريق غير معتبر فكانه قال : ان الملتفت الى التكليف اما ان لا يكون له اليه طريق اصلا او يكون له طريق ذاتى الإراءة غير قابل للجعل وهو القطع ، او يكون له طريق مجعول بجعل ثانوى كخبر الثقة ونحوه.

وقوله : تسمى بالاصول : اما لاصول هى الاحكام المجعولة فى موضوع الشك وعدم العلم فإن كان مورد استعمالها باب الالفاظ تسمى اصولا لفظية كاصالة الحقيقة عند الشك فى ارادة المجاز واصالة العموم عند الشك فى ارادة الخصوص وان كان مورد الاستعمال مرحلة العمل تسمى اصولا عملية كاصالة البراءة عن التكليف عند الشك فى أصله واستصحاب بقائه لدى الشك فى ارتفاعه

٢

اذا التفت (١) الى حكم شرعى فيحصل له اما الشك فيه او القطع او الظن ، فان حصل له الشك (٢) فالمرجع فيه هى القواعد الشرعية الثابتة للشاك فى مقام العمل وتسمى بالاصول العملية ، وهى منحصرة فى اربعة : لان الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ام لا فالاول مجرى الاستصحاب والثانى اما

__________________

ـ فالاصول الاربعة احكام شرعية او عقلية مجعولة لدى الجهل بالواقع ، اما كونها اصولا فلانها احكام مجعولة عند الجهل واما كونها عملية فلانها تستعمل فى مرحلة العمل ، فيترك الفعل مثلا لاجراء البراءة عن وجوبه ويؤتى به لاستصحاب بقاء لزومه. ثم ان الانحصار فى الاربعة ليس عقليا بل هو استقرائى مستفاد من الادلة وإلّا فيمكن ان يكون الحكم فى جميع تلك المجارى البراءة او الاحتياط مثلا.

ثم المراد من الشك فى التكليف الشك فى نوعه كالوجوب والحرمة لا جنسه كالالزام المشترك بينهما فالشك فى النوع مجرى البراءة سواء كان الجنس ايضا مجهولا كما فى الشك فى حرمة العصير ام كان الجنس معلوما كما فى مورد العلم الاجمالى بوجوب الجمعة وحرمتها ، فان اصل الالزام معلوم ففيه ، ايضا تجرى البراءة عنده على اشكال ياتى وينحصر مورد التخيير (ح) فى ما اذا علم بالوجوب والحرمة كليهما وشك فى متعلقهما فان الشك (ح) فى المكلف به كالشك فى ان هذا الفعل واجب وذاك حرام او عكسه.

وقوله هو المختار اه ، فان الاخباريين جعلوا الاصل فى مورد الشك فى التكليف الاحتياط فى الجملة ، واجرى بعض الاصوليين أصالة البراءة فى الشك فى المكلف به كاطراف العلم الاجمالى ثم ان غير الاستصحاب من تلك الاصول لا يجرى إلّا فى الحكم التكليفى واما هو فيجرى فى الاحكام كلها وضعية كانت او تكليفية (ش).

١ ـ التقييد بالالتفات لان المهم للاصولى بيان القواعد العامة التى يستعملها الفقيه فى مقام تعيين ما للعمل من الحكم عقلا او شرعا ولا حظ للغافل من ذلك اصلا (ط)

٢ ـ المراد من الشك الاعم منه ومن الظن غير المعتبر ، او الظن لاحق به حكما وكذا المراد من الظن الطريق المعتبر (ش).

٣

ان يكون الشك فيه فى التكليف ام لا ، فالاول مجرى البراءة والثانى اما ان يمكن فيه الاحتياط ام لا ، فالاول مجرى قاعدة الاحتياط والثانى مجرى التخيير وما ذكرنا هو المختار فى مجارى الاصول الاربعة وقد وقع الخلاف فيها وتمام الكلام فى كل واحد موكول الى ما ياتى فى محله إن شاء الله تعالى ، فالكلام يقع فى مقاصد ثلاثة : الاول فى القطع والثانى فى الظن والثالث فى الاصول العملية التى هى المرجع عند الشك.

اما الكلام فى المقصد الاول فنقول : لا اشكال فى وجوب متابعة القطع (١) والعمل عليه ما دام موجودا ، لانه بنفسه طريق الى الواقع وليس طريقيته قابلة لجعل الشارع (٢) اثباتا او نفيا ، واطلاق الحجة عليه ليس (٣) كاطلاق الحجة على الامارات المعتبرة شرعا لان الحجة عبارة عن الوسط الذى به يحتج على ثبوت الاكبر للاصغر ويصير واسطة للقطع بثبوته له ، كالتغير لاثبات حدوث العالم فقولنا : الظن حجة او البينة حجة او فتوى المفتى حجة يراد به كون هذه

__________________

١ ـ بمعنى لزوم اتباعه عند العقل وعدم جواز تركه ، لا الوجوب الشرعى وهذا هو معنى الطريقية عند العقل (ق)

٢ ـ لان حجية القطع بمعنى حكم العقل بوجوب العمل على وفقه ولزوم الحركة على طبقه من لوازم ذاته كالزوجية للاربعة ، ولوازم الذات لا يمكن رفعها وهو واضح كما لا يمكن اثباتها ايضا بجعل مستقل للزوم مسبوقية الذات بعدمها (ش)

٣ ـ فان الحجة تصديقات معلومة موصلة الى تصديق مجهول كالتصديق بالصغرى والكبرى الموصلين الى التصديق بالنتيجة ، فالحجة علمان بنسبتين يستلزمان العلم بنسبة ثالثة والقطع بحرمة الخمر او وجوب الجمعة علم واحد بنسبة واحدة فكيف يكون حجة ، وبتعبير آخر الحجة ما يوصلك الى هذا العلم لا نفسه ، فاطلاق الحجة على القطع مسامحى من باب اطلاق اسم السبب على المسبب ، هذا فى القطع الطريقى واما الموضوعى فيصح اطلاق الحجة عليه كما سيجىء (ش)

٤

الامور اوساطا لاثبات احكام متعلقاتها ، فيقال : هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه ، وكذلك قولنا : هذا الفعل مما افتى المفتى بتحريمه او قامت البينة على كونه محرما وكلما كان كذلك فهو حرام ، وهذا بخلاف القطع لانه اذا قطع بوجوب شىء فيقال : هذا واجب وكل واجب محرم ضده او يجب مقدمته وكك العلم بالموضوعات فاذا قطع بخمرية شىء فيقال هذا خمر وكل خمر يجب الاجتناب عنه ، ولا يقال : ان هذا معلوم الخمرية وكل معلوم الخمرية حكمه كذا لان احكام الخمر انما تثبت للخمر لا لما علم انه خمر ، والحاصل ان كون القطع حجة غير معقول لان الحجة ما يوجب القطع بالمطلوب فلا يطلق على نفس القطع.

هذا كله بالنسبة الى حكم متعلق القطع وهو الامر المقطوع به ، واما بالنسبة الى حكم آخر (١) فيجوز ان يكون القطع مأخوذا فى موضوعه ، فيقال : ان الشىء المعلوم بوصف كونه معلوما حكمه كذا و (ح) فالعلم يكون وسطا لثبوت ذلك الحكم ويطلق عليه الحجة ، كما اذا رتب الشارع الحرمة على الخمر المعلوم كونها خمر الا على نفس الخمر ، وكترتب وجوب الاطاعة عقلا على معلوم الوجوب لا الواجب الواقعى ، وبالجملة فالقطع قد يكون طريقا للحكم وقد يكون مأخوذا فى موضوع الحكم.

ثم ما كان منه طريقا لا يفرق فيه بين خصوصياته من حيث القاطع والمقطوع به واسباب القطع وازمانه ، اذ المفروض كونه طريقا الى متعلقه فيترتب عليه احكام متعلقه ولا يجوز للشارع ان ينهى عن العمل به لانه مستلزم للتناقض ، فاذا قطع كون مائع بولا من اى سبب كان ، فلا يجوز للشارع ان يحكم بعدم وجوب الاجتناب عنه ، لان المفروض انه بمجرد القطع يحصل له صغرى وكبرى اعنى قوله هذا

__________________

١ ـ المراد منه ما يترتب على الموضوع بوصف كونه معلوما ، وحيث كان الكلام فى جعل القطع وسطا لاثبات الاحكام المرتبة على نفس المقطوع مع قطع النظر عن تعلق صفة القطع له اشار هنا الى صحة جعله وسطا لاثبات الاحكام المترتبة على المقطوع باعتبار كونه مقطوعا (ثق)

٥

بول وكل بول يجب الاجتناب عنه فهذا يجب الاجتناب عنه ، فحكم الشارع بانه لا يجب الاجتناب عنه مناقض له ، إلّا اذا فرض عدم كون وجوب الاجتناب من احكام نفس البول بل من احكام ما علم بوليته على وجه خاص من حيث السبب او الشخص او غيرهما ، فيكون العلم ماخوذا فى الموضوع وحكمه انه يتبع فى اعتباره مطلقا او على وجه خاص دليل ذلك الحكم الثابت الذى اخذ العلم فى موضوعه ، فقد يدل على ثبوت الحكم لشىء بشرط العلم به مطلقا بمعنى انكشافه للمكلف من غير خصوصية للانكشاف ، كما (١) فى حكم العقل بحسن اتيان ما قطع العبد بكونه مطلوبا لمولاه وقبح ما يقطع بكونه مبغوضا ، فان مدخلية القطع بالمطلوبية او المبغوضية فى صيرورة الفعل حسنا او قبيحا عند العقل لا يختص ببعض افراده.

وقد يدل دليل ذلك الحكم على ثبوته لشىء بشرط حصول القطع به من سبب خاص او شخص خاص مثل ما ذهب اليه بعض الاخباريين من عدم جواز العمل فى الشرعيات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسنة كما سيجىء ، وما ذهب اليه بعض (٢) من منع عمل القاضى بعلمه فى حقوق الله تعالى ، وامثلة ذلك بالنسبة الى حكم غير القاطع كثيرة ، كحكم الشارع (٣) على المقلد بوجوب الرجوع الى الغير فى الحكم الشرعى اذا علم به من الطرق الاجتهادية المعهودة لا من مثل الرمل والجفر ، فان القطع الحاصل من هذه وان وجب على ـ القاطع الاخذ به فى عمل نفسه إلّا انه لا يجوز للغير تقليده فى ذلك ، وكذلك العلم الحاصل للمجتهد الفاسق او غير الامامى من الطرق الاجتهادية المتعارفة فانه لا يجوز للغير العمل بها ؛ وكحكم الشارع على الحاكم بوجوب قبول خبر العدل المعلوم له

__________________

١ ـ الدليل هنا العقل والحكم حسن الاتيان والانتهاء (ثق)

٢ ـ الخصوصية فيه بحسب افراد المقطوع به وهو من قبيل الموضوعات (ثق)

٣ ـ هذا من قبيل الاحكام والخصوصية فيه بحسب الاسباب والمثال ، الثانى ايضا من قبيل الاحكام إلّا ان الخصوصية فيه بحسب الاشخاص والثالث من قبيل الموضوعات والخصوصية فيه بحسب الاسباب والقطع فى هذه الامثلة ماخوذ جزء من الموضوع بالنسبة الى حكم غير القاطع ومن باب الطريقية بالنسبة الى القاطع (ثق)

٦

من الحس لا من الحدس الى غير ذلك.

ثم من خواص القطع الذى هو طريق الى الواقع قيام الامارات (١) الشرعية وبعض الاصول العملية مقامه فى العمل ، بخلاف الماخوذ فى الحكم على وجه الموضوعية ، فانه تابع لدليل الحكم ، فان ظهر منه او من دليل خارج اعتباره على وجه الطريقية للموضوع (٢) قامت الامارات وبعض الاصول مقامه ، وان ظهر من دليل الحكم اعتبار القطع فى الموضوع من حيث كونه صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره ، كما اذا فرضنا ان الشارع اعتبر صفة القطع على هذا الوجه فى حفظ عدد الركعات الثنائية والاوليين من الرباعية ، فان غيره كالظن باحد الطرفين او اصالة عدم الزائد لا يقوم مقامه إلّا بدليل خاص خارجى غير ادلة حجية مطلق الظن فى الصلاة واصالة عدم الاكثر ، ومن هذا الباب عدم جواز اداء الشهادة استنادا الى البينة او اليد على قول وان جاز تعويل الشاهد فى عمل نفسه بهما اجماعا ، لان العلم بالمشهود به فى مقام العمل على وجه الطريقية ، بخلاف مقام اداء الشهادة ، إلّا ان يثبت من الخارج ان كلما يجوز العمل به من الطرق الشرعية يجوز الاستناد اليه. فى الشهادة كما يظهر من رواية حفص الواردة فى جواز الاستناد الى اليد ، ومما ذكرنا يظهر انه لو نذر احد ان يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقنا بحياة ولده فانه لا يجب التصدق عند الشك فى الحياة لاجل استصحاب الحياة ، بخلاف ما لو علق النذر بنفس الحياة

__________________

١ ـ فان مفاد ادلة الامارات مثلا تنزيل الامارة منزلة القطع فيما كان مترتبا عليه بلحاظ الطريقية بان يرتب عليها آثار القطع بما هو حجة وطريق لا بما هو صفة وموضوع ضرورة انه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات (س)

٢ ـ يعنى ان الدليل الذى يظهر منه فى بادئ النظر كون القطع مأخوذ فى الموضوع قد يظهر عند التامل ولو باعانة الدليل الخارجى عدم كون المراد منه ظاهره بل خلاف الظاهر وان المراد اخذه طريقا محضا وترتيب الحكم على الواقع كقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ) اه فان المراد الطلوع الواقعى ، وقد لا يظهر الخلاف فيقضى بمقتضى الظاهر (شت)

٧

فانه يكفى فى الوجوب الاستصحاب.

ثم ان هذا الذى ذكرنا فى كون القطع مأخوذا تارة على وجه الطريقية واخرى على وجه الموضوعية جار فى الظن ايضا ، فانه وان فارق العلم فى كيفية الطريقية. حيث ان العلم طريق بنفسه والظن المعتبر طريق بجعل الشارع بمعنى كونه وسطا فى ترتب احكام متعلقه كما اشرنا اليه سابقا ، لكن الظن ايضا (١) قد يؤخذ طريقا مجعولا الى متعلقه يقوم مقامه سائر الطرق الشرعية ، وقد يؤخذ موضوعا للحكم فلا بد من ملاحظة دليل ذلك.

وينبغى التنبيه على امور : الاول : هل القطع حجة سواء صادف الواقع ام لم يصادف انه قد عرفت ان القاطع لا يحتاج فى العمل بقطعه الى ازيد من الادلة المثبتة لاحكام مقطوعه ، فيجعل ذلك كبرى لصغرى قطع بها فيقطع بالنتيجة ، فاذا قطع بكون شىء خمرا وقام الدليل على كون حكم الخمر فى نفسها هى الحرمة فيقطع بحرمة ذلك الشىء ، لكن الكلام (٢) فى ان قطع هذا هل هو حجة

__________________

١ ـ المراد منه الظن الشخصى اى الصفة الخاصة المعروفة ، فانه قد يؤخذ فى الموضوع طريقيا فيكون المقصود ترتيب الحكم على الواقع المتعلق به الظن فيقوم خبر الثقة مثلا او غيره من الامارات مقامه عند فقده ، وقد يؤخذ بما انه ضفة خاصة فلا يغنى عنه غيره عند فقده وهو واضح (شرح)

٢ ـ القاطع لا يخلو ما ان يكون قطعه مصادفا للواقع او مخالفا له ، وعلى التقديرين اما ان يعمل بمقتضى قطعه او لا ، يطلق على الأول الاطاعة الحقيقية وعلى الثانى المعصية كذلك وعلى الثالث التجرى وعلى الرابع الانقياد ، وموضوع المسألة ومورد الاقوال نفيا واثباتا وتوقفا فى الحرمة وترتب العقاب هو القسم الرابع ، واما القسم الثالث فمقتضى المقابلة جريان الاقوال فيه من حيث الحكم بالوجوب وترتب الثواب على فعل ما اعتقد كونه مامورا به وترك ما اعتقد كونه منهيا عنه لكن المصنف لم يتعرض له لمعلوميته او لغير ذلك ، وبالجملة الكلام هنا فى التجرى والمراد منه مخالفة القطع المخالف للواقع ، وايضا مورد البحث القطع الطريقى واما الموضوعى فلا تجرى فيه بل تكون مخالفته معصية حقيقية ،

٨

عليه من الشارع وان كان مخالفا للواقع فى علم الله فيعاقب على مخالفته ، او انه حجة عليه اذا صادف الواقع بمعنى انه لو شرب الخمر الواقعى عالما عوقب عليه فى مقابل من شربها جاهلا ، لا انه يعاقب على شرب ما قطع بكونه خمرا وان لم يكن خمرا فى الواقع.

ظاهر كلماتهم فى بعض المقامات الاتفاق على الاول ، كما يظهر من دعوى جماعة الاجماع على ان ظان ضيق الوقت اذا أخر الصلاة عصى وان انكشف بقاء الوقت فان تعبيرهم بظن الضيق لبيان ادنى فردى الرجحان فيشمل القطع بالضيق ، ويؤيده بناء العقلاء على الاستحقاق وحكم العقل بقبح التجرى.

وقد يقرر دلالة العقل على ذلك بانا اذا فرضنا شخصين قاطعين بان قطع احدهما بكون مائع معين خمرا وقطع الآخر بكون مائع آخر معين خمرا ، فشرباهما فاتفق مصادفة احدهما للواقع ومخالفة الآخر ، فاما ان يستحقا العقاب او لا يستحقه احدهما او يستحقه من صادف قطعه الواقع دون الآخر او العكس ، لا سبيل الى الثانى والرابع والثالث مستلزم لاناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار وهو مناف لما يقتضيه العدل فتعين الاول.

ويمكن الخدشة فى الكل. اما الاجماع ، فالمحصل منه غير حاصل والمسألة عقلية (١) خصوصا مع مخالفة غير واحد وستعرف من قواعد الشهيد قدس‌سره والمنقول منه ليس حجة فى المقام (٢) ، واما بناء العقلاء فلو سلم فانما

__________________

ـ كما ان محل البحث ايضا هو الحكم بحرمة هذا الفعل ووجوبه واما مجرد كشف هذا الفعل عن خبث سريرة فاعله وفساد طينته فمما لا اشكال فيه (م ثق)

١ ـ بعد ان منع تحقق الاجماع فى المسألة اشار الى قادح آخر فيه بقوله والمسألة عقلية اى من حيث المدرك ، وحاصله ان دعوى الاجماع فى المسائل العقلية غير مجدية لعدم كشفه عن رضا المعصوم (ع) الذى هو المناط فى اعتبار الاجماع. اذ لعل حكم المجمعين بحسب قضاء عقولهم (م ق)

٢ ـ چون مطلب نهايه را ذكر در اينجا ودر فرائد الاصولى مذكور است لذا اينجا عبارت را خط زد.

٩

هو على مذمة الشخص من حيث ان هذا الفعل يكشف عن وجود صفة الشقاوة فيه لا على نفس فعله كمن انكشف لهم من حاله انه بحيث لو قدر على قتل سيده لقتله فان المذمة على المنكشف لا الكاشف ومن هنا يظهر الجواب عن قبح التجرى فانه لكشف ما تجرى به عن خبث الفاعل لا عن كون الفعل مبغوضا للمولى.

والحاصل ان الكلام فى كون هذا الفعل الغير المنهى عنه واقعا مبغوضا للمولى من حيث تعلق اعتقاد المكلف بكونه مبغوضا لا فى ان هذا الفعل المنهى عنه باعتقاده ظاهرا ينبئ عن سوء سريرة العبد مع سيده وكونه فى مقام الطغيان والمعصية ، فان هذا غير منكر فى المقام كما سيجىء ، لكن لا يجدى فى كون الفعل محرما شرعيا لان استحقاق المذمة على ما كشف عنه الفعل لا يوجب استحقاقه على نفس الفعل ومن المعلوم ان الحكم العقلى باستحقاق الذم انما يلازم استحقاق العقاب شرعا اذا تعلق بالفعل لا بالفاعل.

واما ما ذكر من الدليل العقلى فنلتزم باستحقاق من صادف قطعه الواقع لانه عصى اختيارا (١) دون من لم يصادف ، قولك ان التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن ان يناط بما هو خارج عن الاختيار ممنوع ، فان العقاب بما لا يرجع بالاخرة الى الاختيار قبيح إلّا ان عدم العقاب لامر لا يرجع الى الاختيار غير قبيح كما يشهد (٢) به الاخبار الواردة فى ان من سن سنة حسنة كان له مثل اجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة كان له مثل وزر

__________________

١ ـ يعنى ان سبب المعصية وهو المخالفة عن عمد قد تحق من المصادف باختياره ولم يتحقق من غيره ولو بلا اختيار ، وقوله ممنوع : اى عدم حسن ذلك التفاوت ممنوع بل لا قبح فيه فان التفاوت نشأ من عدم عقاب غير المصادف المسبب عن عدم تحقق سببه وقد عرفت عدم القبح فيه (ش)

٢ ـ اذ المستفاد من تلك الاخبار ان كثرة العامل بسنة احد الشخصين وقلة العامل بسنة الآخر مؤثرتان فى كون ثواب الاول او عقابه اعظم مع وضوح خروج كثرة العامل بما سناه وقلته من حيز اختيارهما (ثق)

١٠

من عمل بها فاذا فرضنا ان شخصين سنا سنة حسنة او سيئة واتفق كثرة العامل بإحداهما وقلة العامل بما سنه الآخر فان مقتضى الروايات كون ثواب الاول او عفا به اعظم وقد اشتهر ان للمصيب اجرين وللمخطئ اجرا واحدا والاخبار فى امثال ذلك فى طرفى الثواب والعقاب بحد التواتر ، فالظاهر ان العقل انما يحكم بتساويهما فى استحقاق المذمة من حيث شقاوة الفاعل وخبث سريرته مع المولى ، لا فى استحقاق المذمة على الفعل المقطوع بكونه معصية.

نعم يظهر (١) من بعض الروايات حرمة الفعل المتجرى به لمجرد الاعتقاد.

مثل موثقة سماعة فى رجلين قاما الى الفجر فقال احدهما : هو ذا وقال الآخر ما ارى شيئا قال : فليأكل الذى لم يتبين له وحرم على الذى زعم انه طلع الفجر ان الله تعالى قال (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ).

واما التجرى على المعصية بسبب القصد الى المعصية فالمصرح به فى الاخبار الكثيرة العفو عنه وان كان يظهر من اخبار أخر العقاب على القصد ايضا مثل قوله (ص) نية الكافر شر من عمله ، وقوله : انما يحشر الناس على نياتهم ، وما ورد من تعليل خلود اهل النار فى النار وخلود اهل الجنة فى الجنة بعزم كل من الطائفتين على الثبات على ما كان عليه من المعصية والطاعة لو خلدوا فى الدنيا.

وما ورد من انه اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار ، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال (ص) : لانه اراد قتل صاحبه ، وما ورد فى العقاب على فعل

__________________

١ ـ لدلالة قوله (ع) حرم على الذى زعم اه ، على ترتب الحرمة على زعم الطلوع سواء طابق الواقع ام لا ولكن يرده ان اطلاق الحرمة (ح) باعتبار زعمه وعلمه بتوجه الخطاب اليه لا بحسب الواقع طابق قطعه الواقع ام لا ولا مانع من اطلاق الحرمة لاجل الثواب فى الاعتقاد (م ق)

١١

بعض المقدمات بقصد ترتب الحرام كغارس الخمر والماشى لسعاية مؤمن ، وفحوى ما دل على ان الرضا بفعل كفعله مثل ما عن امير المؤمنين عليه‌السلام : ان الراضى بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى الداخل اثمان : اثم الرضا واثم الدخول ، وما ورد فى تفسير قوله تعالى (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) من ان نسبة القتل الى المخاطبين مع تاخرهم عن القاتلين بكثير رضاهم بفعلهم.

ويؤيده (١) قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) وما ورد من ان من رضى بفعل فقد لزمه وان لم يفعل. وقوله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

ويمكن حمل الاخبار الاول (٢) على من ارتدع عن قصده بنفسه وحمل الاخبار الاخيرة على من بقى على قصده حتى عجز عن الفعل لا باختياره ، او يحمل الاول على من اكتفى بمجرد القصد والثانية على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدمات كما يشهد له حرمة الاعانة على المحرم حيث عممه بعض الاساطين لاعانة نفسه على الحرام ولعله لتنقيح المناط لا بالدلالة اللفظية.

ثم اعلم ان التجرى على اقسام (٣) يجمعها عدم المبالات بالمعصية او

__________________

١ ـ وجه كونه مؤيدا احتمال كون المراد الحب مع الارتكاب بها لسانا او عملا وكون المراد مما فى الانفس فى الآية الثانية اصول العقائد لا فروعها ، واحتمال كون المراد فى المؤيد الثالث المبالغة فى كراهة الرضا وكون المراد فى الآية الاخيرة التهديد على ارادة العلو والفساد بما يصدر من الافعال (م ق)

٢ ـ وعلى كلا التقديرين لا يثبت حرمة القصد المجرد الذى كان هو المدعى (ش)

٣ ـ الثلاثة الاول متدرجة متصاعدة فى القبح والثلاثة الأخيرة متدرجة متنازلة ، ثم ان الحاصل من الشيخ ره هو القول بعدم حرمة الفعل المتجرى به وعدم استحقاق العقاب عليه واستحقاق الذم واللوم على ما كشف عنه الفعل وهو خبث السريرة (م ق)

١٢

قلتها. احدها ، مجرد القصد الى المعصية والثانى القصد مع الاشتغال بمقدماته والثالث ، القصد مع التلبس بما يعتقد كونه معصية ، والرابع ، التلبس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقق المعصية به. والخامس ، التلبس به لعدم المبالات بمصادفة الحرام ، والسادس ، التلبس به رجاء ان لا يكون معصية وخوف ان يكون معصية ويشترط فى صدق التجرى فى الثلاثة الاخيرة عدم كون الجهل عذرا عقليا او شرعيا كما فى الشبهة المحصورة (١) الوجوبية او التحريمية وإلّا لم بتحقق احتمال المعصية وان تحقق احتمال المخالفة للحكم الواقعى كما فى موارد اصالة البراءة واستصحابها.

ثم ان الاقسام الستة كلها مشتركة فى استحقاق الفاعل للمذمة من حيث خبث ذاته وجرأته وسوء سريرته. وانما الكلام فى تحقق العصيان بالفعل المتحقق فى ضمنه التجرى وعليك بالتأمل فى كل من الاقسام.

قال الشهيد قدس‌سره فى القواعد : لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما ما لم يتلبس بها وهى مما ثبت فى الاخبار العفو عنه ولو نوى المعصية وتلبس بما يراه معصية فظهر خلافها ففى تأثير هذه النية نظر ، من انها لما لم تصادف المعصية صارت كنية مجردة وهى غير مؤاخذ بها ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على المعاصى ويتصور محل النظر فى صور (٢) منها ما لو وجد امرأة فى منزل غيره فظنها اجنبية ، فاصابها فبان انها زوجته او امته ، ومنها ـ ما لو وطئ زوجته بظن انها حائض فبانت طاهرة ، ومنها ـ ما لو هجم على طعام بيد غيره فاكله فتبين انه ملكه ، ومنها ـ

__________________

١ ـ كشرب احد الإناءين المشتبهين بالخمر رجاء لكونه خمرا او لعدم المبالاة او رجاء ان لا يكون خمرا ، ومثال العذر العقلى والشرعى كما اذا شرب على احد الانحاء الثلاثة ما احتمل كونه خمرا بالشبهة البدوية فان الجهل فيها عذر عقلى لاصالة البراءة العقلية وشرعى لاصالة البراءة الشرعية او للاستصحاب (ش)

٢ ـ تكثير الصور للاشارة الى اقسام المحرمات ، فالاوليان مثالان للحرمة فى الاعراض ذاتية او عرضية والثالثة والرابعة مثالان للاموال والخامسة مثال للنفوس (ق)

١٣

ما لو ذبح شاة يظنها للغير بقصد العدو ان فظهرت ملكه ، ومنها ـ ما اذا قتل نفسا بظن انها معصومة فبانت مهدورة وقد قال بعض العامة نحكم بفسق المتعاطى ذلك ، لدلالته على عدم المبالات بالمعاصى.

ثم ان صاحب الفصول ره بعد اختياره حرمة التجرى فى الجملة قال : ان التجرى اذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما ، ولكنه لا وجه للتداخل (١) ان اريد به وحدة العقاب فانه ترجيح بلا مرجح ، وان اريد به عقاب زائد على عقاب محض التجرى فهذا ليس تداخلا ، لان كل فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه على ما كان فيه احدهما.

الثانى ـ انك قد عرفت انه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين اسباب العلم وينسب الى غير واحد من اصحابنا الاخباريين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية (٢) القطعية الغير الضرورية لكثرة وقوع الاشتباه والغلط

__________________

١ ـ اراد صاحب الفصول من التجرى هنا معناه اللغوى اعنى الجرأة على المولى وإلّا فالتجرى بالمعنى المصطلح لا يجتمع مع المعصية الحقيقية ابدا ، ثم ان حاصل الايراد عليه انه بعد فرض كون التجرى عنوانا مستقلا مقتضيا للعقاب فى مقابل مخالفة الواقع فلا يخلو اما ان يريد من التداخل وحدة العقاب بان يستند على احدهما بعينه فهذا ترجيح بلا مرجح واما ان يريد زيادته على عقاب التجرى المجرد عن مخالفة الواقع بحسب الكم والكيف فهذا ليس تداخلا بل هو لازم كل فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح كاكل النجس المغصوب (ق)

٢ ـ كالقطع بوجوب رد الوديعة الحاصل من مقدمتين إحداهما رد الوديعة مما يحكم العقل بحسنه ، ثانيتهما وكل ما حكم العقل بحسنه حكم الشرع بوجوبه. وكالقطع بوجوب الوضوء للصلاة الحاصل من مقدمتين وهما ، الوضوء مقدمة للصلاة وكل مقدمة الواجب واجبة فالوضوء واجب والعلة فى عدم الاعتماد عليه انه لا يصل فى الوضوح والانكشاف مرتبة الحاصل من الضروريات كالحكم باستحالة اجتماع النقيضين ونحوه (ش).

١٤

فيها فلا يمكن الركون الى شىء منها فان ارادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع فلا يعقل ذلك فى مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ولو امكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله فى القطع الحاصل من المقدمات الشرعية طابق النعل بالنعل وان ارادوا عدم جواز الخوض فى المطالب العقلية لتحصيل المطالب الشرعية لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فلو سلم ذلك واغمض عن المعارضة بكثرة ما يحصل من الخطأ فى فهم المطالب من الادلة الشرعية فله وجه ، وحينئذ فلو خاض فيها وحصل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعى لم يعذر فى ذلك لتقصيره فى مقدمات التحصيل إلّا ان الشأن فى ثبوت كثرة الخطأ ازيد مما يقع فى فهم المطالب من الادلة الشرعية.

فان قلت (١) لعل نظر هؤلاء فى ذلك الى ما يستفاد من الاخبار مثل قولهم عليهم‌السلام : حرام عليكم ان تقولوا بشىء ما لم تستمعوه منا ، وقولهم عليهم‌السلام : ولو ان رجلا قام ليله وصام نهاره وحج دهره وتصدق بجميع ما له ولم يعرف ولاية ولى الله فيكون اعماله بدلالته فيواليه ما كان له على الله ثواب ، وقولهم : من دان لله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا الى غير ذلك من ان الواجب علينا هو امتثال احكام الله تعالى التى بلغها حجج الله تعالى فكل حكم لم يكن الحجة واسطة فى تبليغه لم يجب امتثاله بل يكون من قبيل اسكتوا عما سكت الله فان معنى سكوته عنه عدم امر اوليائه بتبليغه و (ح) فالحكم المنكشف بغير واسطة الحجة ملغى فى نظر الشارع وان كان مطابقا للواقع كما يشهد به تصريح الامام عليه‌السلام بنفى الثواب على التصدق بجميع المال مع القطع بكونه محبوبا ومرضيا عند الله.

قلت : او لا نمنع مدخلية توسط تبليغ الحجة فى وجوب اطاعة حكم الله سبحانه

__________________

١ ـ حاصله كون تنجز الاحكام موقوفا على تبليغ الحجة فلا تجب اطاعتها قبله وان حصل القطع بها بنفسها ، وحاصل الجواب كفاية ادراك العقل الحكم والخطاب فى وجوب اطاعته وان لم يكن هنا تبليغ وذلك لاستقلال العقل بذلك (م ق).

١٥

كيف والعقل بعد ما عرف ان الله تعالى لا يرضى بترك الشىء الفلانى وعلم بوجوب اطاعة الله لم يحتج ذلك الى توسط مبلغ ، ودعوى استفادة ذلك من الاخبار ممنوعة فان المقصود من امثال الخبر المذكور عدم جواز الاستبداد فى الاحكام الشرعية بالعقول الناقصة الظنية على ما كان متعارفا فى ذلك الزمان من العمل بالاقيسة والاستحسانات من غير مراجعة حجج الله بل فى مقابلهم (ع)

وعلى ما ذكرنا يحمل ما ورد من ان دين الله لا يصاب بالعقول واما نفى الثواب (١) على التصدق مع عدم كون العمل به بدلالة ولى الله ، فلا بد من حمله على التصدقات الغير المقبولة مثل التصدق على المخالفين لاجل تدينهم بذلك الدين الفاسد كما هو الغالب فى تصدق المخالف على المخالف كما فى تصدقنا على فقراء الشيعة لاجل محبتهم لامير المؤمنين عليه‌السلام وبغضهم لاعدائه ، او على ان المراد حبط ثواب التصدق من اجل عدم المعرفة لولى الله تعالى او على غير ذلك.

وثانيا سلمنا مدخلية تبليغ الحجة فى وجوب الاطاعة لكنا اذا علمنا اجمالا بان حكم الواقعة الفلانية لعموم الابتلاء بها قد صدر يقينا من الحجة مضافا الى ما ورد من قوله (ص) فى خطبة حجة الوداع : معاشر الناس ما من شىء يقربكم الى الجنة ويباعدكم عن النار الا وقد امرتكم به وما من شىء يقربكم الى النار ويباعدكم عن الجنة الا وقد نهيتكم عنه ، ثم ادركنا ذلك الحكم اما بالعقل المستقل واما بواسطة مقدمة عقلية نجزم من ذلك بان ما استكشفناه بعقولنا صادر عن الحجة صلوات الله عليه ؛ فيكون الاطاعة بواسطة الحجة.

نعم الانصاف (٢) ان الركون الى العقل فيما يتعلق بادراك مناطات الاحكام لينتقل

__________________

١ ـ حيث كان هذا الخبر غير قابل للحمل على ما حمل الاخبار المتقدمة عليه من منع العمل بالقطعيات لكون مورده مما يستقل به العقل وهو حسن التصدق ، افرده بجواب مستقل (م ق).

٢ ـ حاصله التفصيل فى حكم العقل بان يقال بحرمة الركون الى العقل فى تحصيل

١٦

منها الى ادراك نفس الاحكام موجب للوقوع فى الخطاء كثيرا فى نفس الامر وان لم يحتمل ذلك عند المدرك كما يدل عليه الاخبار الكثيرة الواردة بمضمون ان دين الله لا يصاب بالعقول وانه لا شىء ابعد عن دين الله من عقول الناس واوضح من ذلك كله رواية ابان بن تغلب (١) عن الصادق عليه‌السلام قال قلت له : رجل قطع اصبعا من اصابع المرأة كم فيها من الدية؟ قال : عشر من الابل ، قلت : قطع اصبعين قال (ع) عشرون قلت قد قطع ثلثا قال ثلاثون قلت قطع اربعا قال عشرون قلت سبحان الله يقطع ثلثا فيكون عليه ثلثون ويقطع اربعا فيكون عليه عشرون كان يبلغنا هذا ونحن بالعراق فقلنا ان الذى جاء به شيطان ، قال (ع) : مهلا يا ابان هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغ الثلث رجع الى النصف يا ابان انك اخذتنى بالقياس ، والسنة اذا قيست محق الدين. وهى وان كانت ظاهرة فى توبيخ ابان على رد الرواية الظنية التى سمعها فى العراق بمجرد استقلال عقله بخلافه او على تعجبه بما حكم به الامام (ع) من جهة مخالفته لمقتضى القياس إلّا ان مرجع الكل الى التوبيخ على مراجعة العقل فى استنباط الاحكام فهو توبيخ على المقدمات المفضية الى مخالفة الواقع وقد اشرنا الى عدم جواز الخوض

__________________

ـ مناط الحكم الشرعى على سبيل القطع فيستدل به على غير مورد النص بان يستنبط مثلا من قول الشارع : الخمر حرام ، بواسطة المقدمات العقلية. ان علة حرمة الخمر هى الاسكار ليتعدى عن مورد النص الى غيره وبالجواز فى غيره من الموارد ويحمل النهى الوارد فى الاخبار على الخوض فى المقدمات العقلية لتحصيل القطع المناط لا على العمل به بعد حصوله (م ق).

١ ـ تغلب كتضرب وابان من خيار اصحاب الصادقين (ع) قال له الباقر : (ع) يا ابان اجلس فى مسجد المدينة وافت للناس فانى احب ان يرى فى اصحابى مثلك ، ومات فى حياة الصادق ، قال اما والله لقد اوجع قلبى موت ابان ، وتعاقل الرجل اى توازنه وتساويه (م ق).

١٧

لاستكشاف الاحكام الدينية فى المطالب العقلية والاستعانة بها فى تحصيل مناط الحكم والانتقال منه اليه على طريق اللم لان انس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل اليه من الاحكام التوقيفية فقد يصير منشئا لطرح الامارات النقلية الظنية لعدم حصول الظن له منها بالحكم ، واوجب من ذلك ترك الخوض فى المطالب العقلية النظرية لادراك ما يتعلق باصول الدين فانه تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد وقد اشير الى ذلك عند النهى عن الخوض فى مسئلة القضاء والقدر وعند نهى بعض اصحابهم (ع) عن المجادلة فى المسائل الكلامية ولكن الظاهر من بعض تلك الأخبار أن الوجه فى النهى عن الاخير عدم الاطمينان بمهارة الشخص المنهى فى المجادلة فيصير مفحما عند المخالفين ويوجب ذلك وهن المطالب الحقة فى نظر اهل الخلاف.

الثالث قد اشتهر في ألسنة المعاصرين أن قطع القطاع لا اعتبار فيه قد اشتهر فى السنة المعاصرين ان قطع القطاع (١) لا اعتبار به ، فان اريد بعدم اعتباره عدم اعتباره فى الاحكام التى يكون القطع موضوعا لها كقبول شهادته وفتواه ونحو ذلك؟ فهو حق لان ادلة اعتبار العلم فى هذه المقامات لا تشمل هذا قطعا ، كما ان ادلة اعتبار الظن فى مقام يعتبر فيه مختصة بالظن الحاصل من الاسباب المتعارفة ، وان اريد عدم اعتباره فى مقامات يعتبر القطع فيها من حيث الكاشفية والطريقية الى الواقع فان اريد بذلك انه حين قطعه كالشاك فلا شك فى ان احكام الشاك وغير العالم لا يجرى فى حقه وكيف يحكم على القاطع بالتكليف بالرجوع الى ما دل على عدم الوجوب عند عدم العلم ، والقاطع بانه صلى ثلثا بالبناء على انه صلى اربعا ونحو ذلك ، وان اريد بذلك وجوب ردعه عن قطعه بتنزيله الى الشك او تنبيهه على مرضه ليرتدع بنفسه فهو حق لكنه يدخل فى باب الارشاد ولا يختص بالقطاع بل بكل من قطع بما يقطع بخطائه فيه من الاحكام

__________________

١ ـ المراد منه سريع القطع بان يحصل له القطع من الاسباب التى لا تورث القطع بمتعارف الناس وليس المراد منه كثير القطع (م ق).

١٨

الشرعية والموضوعات الخارجية المتعلقة بحفظ النفوس والاعراض بل الاموال فى الجملة ، اما فى ما عدا ذلك مما يتعلق بحقوق الله سبحانه فلا دليل على وجوب الردع فى القطاع كما لا دليل عليه فى غيره ، ولو بنى على وجوب ذلك فى حقوق الله سبحانه من باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر كما هو ظاهر بعض النصوص والفتاوى لم يفرق ايضا بين القطاع وغيره ، وان اريد بذلك انه بعد انكشاف الواقع لا يجزى ما اتى به على طبق قطعه فهو ايضا حق فى ـ الجملة ، لان المكلف ان كان تكليفه حين العمل مجرد الواقع من دون مدخلية للاعتقاد فالمأتى به المخالف للواقع لا يجزى عن الواقع سواء القطاع وغيره وان كان للاعتقاد مدخل فيه كما فى امر الشارع بالصلاة الى ما يعتقد كونه قبلة فان قضية هذا كفاية القطع المتعارف لا قطع القطاع فيجب عليه الاعادة وان لم تجب على غيره.

الرابع ان المعلوم اجمالا (١) هل هو كالمعلوم بالتفصيل فى الاعتبار ام لا والكلام فيه يقع تارة فى اعتباره من حيث اثبات التكليف به وان الحكم المعلوم بالاجمال هل هو كالمعلوم بالتفصيل فى التنجز على المكلف ام هو كالمجهول رأسا واخرى فى انه بعد ما ثبت التكليف بالعلم التفصيلى او الاجمالى المعتبر فهل يكتفى فى امتثاله بالموافقة الاجمالية ولو مع تيسر العلم التفصيلى ام لا يكتفى به الا مع تعذر العلم التفصيلى ، فلا يجوز اكرام شخصين احدهما زيد مع التمكن من معرفة زيد بالتفصيل

__________________

١ ـ ليس الاجمال فى نفس العلم بل فى معلومه ، فالوصف بحال المتعلق والعلم الاجمالى ما كان معلومه مجملا مرددا بين الامرين او الامور ، ثم ان الكلام قد يقع فى اثبات التكليف به بمعنى ان المكلف اذا حصل له العلم بالتكليف اجمالا فهل يوجب تنجز ذلك التكليف مع قطع النظر عن كيفية امتثاله ام هو كالمجهول رأسا ، وقد يقع فى اسقاطه به وكيفية امتثاله مع قطع النظر عن كيفية ثبوته وانه هل يكتفى فى امتثاله بالموافقة الاجمالية مع امكان العلم بالموافقة التفصيلية ام لا (م ق)

١٩

ولا فعل الصلاتين فى ثوبين مشتبهين مع امكان الصلاة فى ثوب طاهر.

والكلام فيه من الجهة الاولى يقع من جهتين لان اعتبار العلم الاجمالى له مرتبتان الاولى : حرمة مخالفة القطعية (١) والثانية ، وجوب الموافقة القطعية والمتكفل للتكلم فى المرتبة الثانية هى مسئلة البراءة والاشتغال عند الشك فى المكلف به فالمقصود فى المقام الاول التكلم فى المرتبة الاولى.

ولنقدم الكلام فى المقام الثانى وهو كفاية العلم الاجمالى فى الامتثال فنقول : مقتضى القاعدة جواز الاقتصار فى الامتثال على العلم الاجمالى باتيان المكلف به اما فى ما لا يحتاج سقوط التكليف فيه الى قصد الاطاعة ، ففى غاية الوضوح واما فيما يحتاج الى قصد الاطاعة ، فالظاهر ايضا تحقق الاطاعة اذا قصد الاتيان بشيئين يقطع بكون احدهما المأمور به.

ودعوى ان العلم بكون المأتى به مقربا معتبر حين الاتيان به ولا يكفى العلم بعده باتيانه ممنوعة اذ لا شاهد لها بعد تحقق الاطاعة بغير ذلك ايضا فيجوز لمن تمكن من تحصيل العلم التفصيلى باداء العبادات العمل بالاحتياط وتحصيل ترك العلم التفصيلى واولى بالجواز ما اذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار كما اذا اتى بالصلاة مع جميع ما يحتمل ان يكون جزءا فان الظاهر عدم ثبوت اتفاق على المنع ووجوب تحصيل اليقين التفصيلى ، وإن كان الظاهر ثبوته على عدم الجواز اذا توقف على التكرار.

هذا كله فى تقديم العلم التفصيلى على الاجمالى وهل يلحق بالعلم التفصيلى الظن التفصيلى المعتبر فيقدم على العلم الاجمالى ام لا؟.

__________________

١ ـ بان يكتفى فى امتثاله بالموافقة الاحتمالية التى هى ادنى مرتبتى ـ الامتثال (ق)

٢٠