إيضاح الفرائد - ج ٢

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

قدس‌سره فى مجلس البحث وذكر فى الحاشية انه ليس فى الرّواية تفكيك بعد حمل الجهل فيها على المعنى الاعمّ اى عدم العلم بالواقع مع ارادة الخصوصيّة من الخارج فاللّفظ استعمل فى الجامع ويعلم ارادة الخصوصيّة فى الموردين بقرينة التّعليل والى ما ذكرنا اشار بقوله فتدبر فيه وفى دفعه وهو كما ترى وان كان هو يرفع التفكيك كما انّ ما ذكره فى مجلس البحث وان كان تفكيكا لكنّه ليس تفكيكا ركيكا اذ قاد اليه الدّليل قوله وقد يستدلّ على المطلب اخذا من الشهيد فى الذكرى قال الشهيد فى مقدّمات الذكرى الاصل الرّابع دليل العقل وهو قسمان الاوّل قسم لا يتوقف على الخطاب وهو خمسة الاوّل ما يستفاد من قضية العقل كوجوب ردّ الدّين الثانى التمسّك باصل البراءة عند عدم دليل خاصّ ويسمّى استصحاب حال العقل وقد نبّه عليه فى الحديث بقولهم عليهم‌السلام كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه وشبه هذا انتهى وليس فى كلامه الاستدلال بالحديث لاصل البراءة فى الشبهة الحكميّة بل لعلّ مراده التمسّك به فى الجملة وفى الشبهة الموضوعيّة وقد ذكر وشبه هذا فلعلّ مراده الاستدلال بجميع الاخبار لجميع اقسامه وممّا نقلنا يظهران ما فى حاشية شيخنا قدّس سره من انّ الحديث ما رواه فى الذكرى عن الكافى فى باب نوادر المعيشة بسنده الصّحيح عن عبد الله بن سنان لا يخلو عن مسامحة فلعلّه وجده فى غير الموضع المزبور قوله وتقريب الاستدلال كما فى شرح الوافية (١) بيان ما يتعلّق بالحديث المذكور فى الكتاب الّذى ذكره صاحب الوافية فى مقام نقل استدلال القائلين بالاباحة والبراءة اقول الموصوف بالذّات للحكم الشّرعى من الحلّ والحرمة هو بعض الافعال الاختيارية الّذى ليس ممّا يضطرّ اليه الانسان فى بقائه الى ان قال ثم ان بعضا من هذا البعض من الافعال ان لم يرد لحكمه نصّ لا بلفظ خاصّ ولا عام علم كونه فردا له يصدق عليه انه من جملة الاشياء الّتى تنقسم الى الحلال والحرام سواء كان متعلّقه مندرجا تحت جنس له نوعان او تحت نوع له صنفان وعلم من النصّ حلّية احد النّوعين او الصنفين وحرمة الأحرام لا فالاوّل كاكل اللحم المشترى من السّوق مثلا والثانى كاستعمال الحشيشة الّتى اشتهرت فى هذه الازمنة مثلا فالشارع جعل اكل اللّحم المذكى حلالا واكل الميتة حراما وليس لنا نصّ فى حكم اللّحم الّذى اشتريناه ويحتمل ان يكون فردا من الصّنف المذكى كما يحتمل ان يكون من الصّنف الآخر وامّا

__________________

(١) قال السيّد الصّدر ره فى شرح الوافية فى مقام

٤١

الحشيشة فلم نظفر بنصّ يدل على الحلّ والحرمة فى نوعين او صنفين يحتمل كونها فرد الواحد منهما حتى ينقسم استعمالها من جهة متعلّقه الى الحلال والحرام ولا ريب انّه يصدق على كلّ من القسمين انّه شيء فيه حلال وحرام عندنا بمعنى انه يجوز لنا ان نجعله مقسما لحكمين فنقول هذا شيء امّا حلال وامّا حرام وانّه من جملة الافعال الّتى يكون بعض انواعها او اصنافها حلالا وبعضها حراما واشترك القسمان ايضا فى ان الحكم الشّرعى المتعلّق بهما غير معلوم ويفترقان فى انّ الاوّل حكم متعلّقه معلوم بخلاف الثّانى فلو سئلنا عن هذا اللّحم المشترى المتردّد بين الميتة والمذكى هو حلال او حرام لقلنا لا نصّ فيه بخصوصه ولكنه ان كان من المذكى فحلال وان كان من الميتة فحرام بالنصّ الوارد فيهما ولو سئلنا عن الحشيشة لقلنا مثل الاوّل من غير عقد القضيّة الشرطيّة والعقل لا يرجح اباحة القسم الاول وحرمة الثانى او التوقّف فيه بل لو فرضنا حصر اللّحوم مع القطع بان فيها ميتة واكلنا الجميع لجزمنا باكل الحرام ولو فرضنا استعمال جميع افراد تلك الحشيشة ما جزمنا بفعل محرّم اذا عرفت هذه المقدّمات فنقول الى ان قال فقوله كل شيء فيه حلال او حرام يحتمل احد معان ثلاثة الاوّل ان كلّ فعل من جملة الافعال الى قوله لعلم حكمه ام لا على ما نقله المصنّف ره الثّانى ان كلّ شيء فيه الحلال والحرام عندك بمعنى انّك تقسمه الى هذين وتحكم عليه باحدهما لا على التّعيين ولا ندرى المعيّن منهما فهو لك حلال الثّالث ان كلّ شيء نعلم له نوعين او صنفين نصّ الشارع على احدهما بالحلّ وعلى الآخر بالحرمة واشتبه عليك اندراج فرد فلا تدرى من اىّ النوعين او الصّنفين فهو لك حلال فيكون معنى قوله فيه حلال وحرام انه ينقسم اليهما ويمكن ان يكون المراد بالشّيء الجزئى المعيّن وحينئذ يكون المعنى انّه يحتمل فيه الحلّ والحرمة للاشتباه فى كونه فردا للحلال والحرام مع العلم بهما لنصّ الشّارع عليهما وحاصل المعنيين امر واحد والمعنى الثالث اخصّ من الاوّلين والثانى مرجعه الى الاوّل وهو الّذى ينفع القائلين بالإباحة والثالث هو الّذى حمل القائل بوجوب التوقّف والاحتياط هذه الاحاديث عليه انتهى كلامه رفع مقامه قوله من الافعال الاضطراريّة والاعيان الّتى لا تتعلّق بها اه لانّ الافعال الاضطراريّة كالتّنفس فى الهواء وهضم الغذاء لا يتّصف بحكم حقّ الحلّية مطلقا حتّى عقلا كما هو واضح وكذا

٤٢

الاعيان المذكورة كجابلقا وجابرسا بداهة انّ موضوع الحكم هو فعل المكلّف قوله وليس الغرض من ذكر الوصف مجرّد الاحتراز يعنى انّ الغرض من الوصف وهو جملة قوله فيه حلال وحرام لأنّها صفة نحويّة لشيء شيئان احدهما الاحتراز عمّا ذكر من الافعال الاضطراريّة وغيرها وثانيهما بيان ما فيه الاشتباه وانّ ما فيه الاشتباه الحلّية والحرمة لا شيء آخر غيرهما ويرد عليه ما قيل بان كلتا الخاصتين تستفادان من قوله حتى تعلم انه حرام اذ يستفاد منه انّ المقصود بيان حكم المشتبه لأنّ الحكم الواقعى لا يتقيّد بمثل القيد المذكور فيستفاد منه الاحتراز المذكور وانّ الاشتباه فى الحليّة والحرمة لا فى غيرهما قوله سواء علم حكم لكلّى فوقه اه هذا بكلا شقّيه ناظر الى الشبهة الموضوعيّة وقوله ام لا ناظر الى الشبهة الحكميّة والشق الاوّل على تقدير كون المراد بالشيء الّذى فيه حلال وحرام الجزئى الخارجى والشق الثانى على تقدير كونه الكلّى كما يفهم ممّا نقلنا عنه وسيأتى فى كلام المصنّف ايضا ومثال الاوّل اللحم الخارجى الجزئى المشترى من السّوق المردّد بين كونه فردا من المذكى وبين كونه فردا من الميتة فقد علم حكم الكلّى الفوق اى المذكّى بانّه حلال والميتة بانّها حرام ويكون الاشتباه فى اندراج المشتبه تحت المذكى او الميتة ومثال الثّانى لحم الغنم مثلا او لحم الغنم المشترى من السّوق مثلا الّذى له نوعان او صنفان المذكى منه والميتة فقد علم حكم الكلّى الّذى تحت ذلك اللحم من المذكّى والميتة ويكون الشكّ فى اللحم من جهة الشكّ فى تحقّقه فى ضمن ايّهما فلو علم تحقّقه فى ضمن المذكّى كان حكمه معلوما بانّه حلال وكذا لو علم اندراجه تحت الميتة علم كونه حراما والمقصود من معلوميّة حكمه مع العلم بالتحقّق هو معلوميّة الحصّة المتحقّقة لا مطلقا كما هو واضح كما انّ مراده من الكلّى (١) فى الشقّ الاوّل كونه اعم من المشتبه مطلقا ومراده من الكلّى التحت كونه اخصّ منه مطلقا والمقصود فى كلا الشقّين بيان حكم المشتبه الخارجى والمعنيان متغايران بالاعتبار وقد سمعت فيما نقلنا عنه انّ حاصل المعنيين امر واحد يعنى حاصل جعل الشيء جزئيّا وكليّا ومن التّأمّل فيما ذكرنا ظهر بطلان ما ذكره بعض محشى القوانين من ان قوله او تحته لا فائدة فيه لأنّ المشتبه الّذى يكون تحته شيء يكون كليّا لا محالة وهذا الكلّى الفوقانى اذا تحقق فى ضمن التحتانى المعلوم الحكم لا يعلم حكمه من حيث انّه كلّى بذلك

__________________

(١) الفوق

٤٣

وانّما يعلم حكم الحصّة المتحقّقة منه فى ضمن التحتانى وهو لا يرفع الجهالة عن اصل الكلّى وكذا ما ذكره البعض الآخر من محشّيه من التمثيل للكلى المعلوم حكمه الّذى تحت المشتبه بالفقاع بالقياس الى كلى المسكر المشتبه حكمه مع معلوميّة حرمة الفقاع المشكوك فى كونه مسكرا فهو بحيث لو علم تحقق المسكر فيه لعلم حكم المسكر ايضا لانّه يعلم انّ الفقاع انّما حرم لاجل كونه مسكرا وهو كلّى تحته والّا فلا يعلم حكم المسكر لانّه يعلم انّه انّما حرّم لأجل عنوانه انه الخاصّ اذ فيه مع انّه مجرّد فرض لا تحقق له فى الخارج ولذا رماه بالتكلّف انّه خارج عن موضوع البحث لأنّه فيما اذا كان هناك كلى له صنفان او نوعان صنف او نوع منه حلال وصنف او نوع منه حرام ولم يعلم تحقق الكلّى فى الصّنف الاوّل حتّى يحكم بكونه اى الحصّة المتحقّقة فيه حلالا او فى الصّنف الآخر مثلا حتّى يحكم بكونه حراما وما ذكره قدّه خارج عن ذلك بالمرّة مع عدم معلوميّة كون الفقاع صنفا او نوعا من المسكر كما فرضه فكيف يكون مثالا لما نحن فيه وكذا ما ذكره بعض محشى الكتاب من انّ المراد بالكلّى الفوق ان يكون بين عنوان المشتبه والكلّيين الّذين علم حكمهما عموما من وجه كلحم الغنم المشترى من السّوق المردّد بين المذكّى والميتة مع العلم باباحة المذكّى وحرمة الميتة والمراد بالكلّى التحت ان يكون بين عنوان المشتبه وبين العنوانين الذين علم حكمهما عموم وخصوص مطلقا كما المائع المردد بين الخمر والخلّ مع العلم بحرمة الخمر وحلّية الخل وجه الفساد انّه مناف لظاهر لفظ الفوق مع انّ فيه تفكيكا مضافا الى تصريح السيّد قدس سرّه فى الشبهة الموضوعيّة بانقسامه الى القسمين اذا كان كليّا وانقسام نوعه اليهما اذا كان جزئيا والقسم لا بدّ ان يكون اخصّ من المقسم والنقض بجواز تقسيم الحيوان مثلا الى الابيض والاسود مع انّ كلّا منهما اعمّ منه من وجه مندفع بان التقسيم ليس الى مطلق الابيض والاسود بل الى الحيوان الابيض والحيوان الاسود نبّه بذلك القوشجى فى شرح التّجريد نعم يرد على السيّد ره انّ نفس الكلىّ المنقسم الى القسمين ليس مشتبها لأنّه يعلم ان قسما منه حرام وقسما منه حلال فيرجع الى كون الحصّة او الفرد الخارجى مشكوكا ولذا قال فى مقام بيان المعنى الثالث مع كون المراد بالشيء الكلى الثالث ان كلّ شيء تعلم له نوعين او صنفين نصّ الشّارع على احدهما بالحلّ وعلى الآخر بالحرمة

٤٤

واشتبه عليك اندراج فرد فلا تدرى من اىّ النوعين او الصنفين فهو لك حلال فيكون معنى قوله حلال او حرام انّه ينقسم اليهما اه ويرد عليه غير ذلك ممّا سنذكره فى كلام المصنف عند اخذ الشيء كليّا قوله وبعبارة اخرى هذا هو المعنى الثانى الّذى ذكره الشّارح السيّد الصّدر قدس سرّه وقد سمعت انّه جعله راجعا الى الاوّل وقد عبّر المحقّق القمّى بهذه العبارة اشارة الى ما ذكره والّا فليس فى عبارته ذلك اللّفظ فراجع قوله فيقال ح ان الرواية صادقة قد سمعت انّ عبارة السيّد هكذا ولا ريب انّه يصدق على كلّ من القسمين انّه شيء فيه حلال وحرام عندنا الى قوله واشترك القسمان ايضا فى انّ الحكم الشّرعى المتعلّق بهما غير معلوم وان هذه العبارة ذكرها فى المقدّمات قبل بيان المعانى الثلاثة لا بعدها وانّه ليس فى عبارته التمثيل بلحم الحمير فراجع فما ذكره قدس‌سره تبعا للمحقّق القمّى فى مقام بيان عبارة السيّد لا يخلو عن خلل ثم انّك تعرف بالتامّل فى عبارات السيّد ره ان قوله وانّه من جملة الافعال الّتى تكون بعض انواعها او اصنافها اه راجع الى الشبهتين الحكميّة كالحشيشة والموضوعيّة كاللحم المشترى فجعله اشارة الى الشبهة الموضوعيّة فقط كما ذكره بعض محشى الكتاب ليس بالوجه مضافا الى اختلال العطف فى قوله وانه يكون من جملة اه على قوله انه شيء فيه حلال وحرام عندنا اذ العطف يقتضى اشتراك الامثلة الثلاثة فى ذلك ثم ان شمول قول السيّد وانّه يكون من جملة الافعال اه للشبهة الحكمية ايضا حسب ما رامه لا خفاء فيه لأنّ شرب التتن داخل فى افعال المكلّفين الّتى تكون بعض انواعها او اصنافها حلالا او بعض انواعها او اصنافها حراما وان لم يكن نوعا او صنفا لشرب التتن مثلا قوله اذ لا يستقيم ارجاع الضّمير فى منه اليهما لانّ كلمة من الظاهرة فى التبعيض ظاهرة فى وجود القسمين فى الشيء بالفعل لا ما يكون محتملا لهما قوله اذ لا تقسيم مع التّرديد اصلا اه والمراد بالتقسيم الذهنى تقسيم الكلّى الى الافراد الذّهنية كشريك البارى والمراد بالتقسيم الخارجى تقسيمه الى الافراد الخارجيّة كالإنسان وذكر بعض المحققين انّ المراد بالأوّل تقسيم الكلى الى افراده والمراد بالثانى هو تقسيم الكلّ الى اجزائه فكيّة او فرضيّة وما ذكرناه اولى قوله وعلى ما ذكرنا يعنى من انه ليس المراد خصوص المشتبه قوله فالمعنى والله العالم كلّ كلّى اه ما ذكره قدّس سره وان كان ظاهرا من وجه الّا انه لا يصحّ لانّ القضيّة مسوقة

٤٥

لبيان الحكم الظّاهري والحلّية الظاهريّة فان كان المراد انّ الكلّى الّذى فيه حرام وحلال فهو حلال سواء كان فى ضمن الفرد المعلوم الحلّية او فى ضمن مشكوكها فيلزم استعمال لفظ حلال فى معنيين الظاهرى والواقعى مع ان قوله حتّى تعلم يدلّ على انّ ما قبله لبيان الحلّية الظاهرية فقط وان كان المراد بيان الحلية الظاهريّة فقط بحمل قوله عليه‌السلام فهو لك حلال على الظاهرى فقط بحمله على الاستخدام او كونه معلوما من السّياق ولذا قال السيّد فى مقام اخذ الشيء كلّيا واشتبه اندراج فرد منه فى احد الكلّيين كما سمعت فهو بعيد موجب لخلاف الظاهر ايضا والمفهوم من كلام المصنّف سلامة اخذ الكلّى عن خلاف الظاهر لكن الظاهر تعيّن جعل الشّيء كليّا مع ذلك لانّ فى اخذه جزئيّا حقيقيّا مخالفتين للظواهر كما ستعرف ومن المعلوم ان تقليل ارتكاب الظواهر لازم قوله وعلى الاستخدام فى اخذ الشيء جزئيّا حقيقيّا استخدامان احدهما الاستخدام فى ضمير فيه والثانى الاستخدام فى ضمير منه قوله فهو مخالف لظاهر القضيّة لما عرفت من كون القضيّة ظاهرة فى وجود القسمين بالفعل مع انّ ما ذكره السيّد الشارح فيه مخالفة للفظ الحرام والحلال من جهة جعلهما بمعنى الحلّية والحرمة ومن جهة تقدير الاحتمال وامّا مخالفته لضمير منه ولو على الاستخدام فلانّه على الاستخدام يكون الضّمير راجعا الى النّوع ولا يمكن شموله لمثل شرب التتن لعدم النّوع له (١) وعلى تقدير جعل الحرام بمعنى الحرمة لا يستقيم فى مثله ايضا اذ لا معنى للشمول بيان كلمة من الّتى هى للتّبعيض المقتضى للتجزية والتقسيم مع انه خلاف الظاهر ايضا قوله مع بيان منشإ الاشتباه يعنى لو كان المقصود بيان حكم مطلق المشتبه سواء كان موضوعيّا او حكميّا لاكتفى بذكر كلّ شيء كما فى رواية اخرى فعلم ان المقصود فى الرّواية بيان حكم مشتبه خاص وهو المشتبه بالشبهة الموضوعيّة اذ منشأ الاشتباه وسببه فيها وجود القسمين فى الخارج فيه او فى نوعه لا مطلق المشتبه فالمراد بمنشإ الاشتباه فى كلام المصنّف ره غير ما فيه الاشتباه فى كلام السيّد الشارح اذ المراد هنا هو السّبب الباعث على الاشتباه والمراد هناك ما فيه الاشتباه من الحلّية والحرمة من غير نظر الى انّ سبب الاشتباه فى الخارج ما هو ذكره السيّد الشارح فى مطلق الشبهة وذكره المصنّف فى الشبهة الموضوعيّة وقد

__________________

(١) وعلى تقدير كون مطلق الشرب نوعه فلا شك ان تحقق الشرب فى ضمن البنج مثلا لا يكون غاية لحلية شرب التتن على ما سيأتي فى نظير المثال

٤٦

اشتبه ذلك على بعض المعاصرين ثمّ انّ قول المصنّف الاشتباه الّذى يعلم من قوله حتى تعرف ناظر الى ما ذكرنا سابقا من ان جعل الغاية العلم والمعرفة دليل على كون الحلال ظاهريا لانّ الحكم الواقعى لا يتقيد بذلك قوله ما انتصر بعض المعاصرين هو الفاضل النراقى فى المناهج على ما حكى قوله منشأ لاشتباه لحم الحمار اذ لو فرض العلم بحكم جميع اللّحوم غير لحم الحمار لكان اشتباه حكم لحم الحمار باقيا لبقاء منشئه وهو فقد النصّ او اجماله او تعارض النصّين قوله ولا دخل له فى هذا الحكم اصلا اى فى الحكم بحلية المشتبه ولا فى تحقق الموضوع يعنى فى كون الشّيء مشتبها امّا عدم دخله فى الحكم المذكور فلانّ الحكم بالحلّية على تقدير شمول الرّواية للشّبهة الحكميّة مترتّب على مطلق المشتبه لا على خصوص ما وجد فيه القسمان وامّا عدم دخله فى الموضوع فقد ظهر من ذلك الّذى ذكر من كون الموضوع مطلق المشتبه لا شيء خاصّ منه قوله فممّا لا ينبغى ان يصغى اليه لانّ كون الشرب جنسا بعيدا او اللّحم جنسا قريبا غير معلوم وعلى تقديره فالرّواية شاملة للجنس القريب والبعيد كليهما قوله مضافا الى انّ الظاهر من قوله حتّى تعرف الحرام يعنى انّ الظاهر من الرّواية الحكم بحلّية المشتبه الى ان يعلم تحقق الكلّى فى ضمن الحرام المعلوم المندرج فى ضمنه فيكون حاصل المعنى بناء على فرض المنتصر الحكم بحلّية لحم الحمار حتى يعلم تحقق اللحم فى ضمن الخنزير المعلوم الحرمة ولا يصحّ بوجهين الاوّل انّه لا علاقة بين حرمة لحم الخنزير وحلّية لحم الحمار وان هى الّا مثل سائر المحرمات الإلهيّة الّتى لا ارتباط بينها وبين حلّية لحم الحمار فكيف يكون تحقق مثلها موجبة للارتفاع الحلّية فى لحم الحمار بخلاف العلم بحرمة لحم الحمار فانّه موجب لارتفاع الحلّية الظاهرية الثابتة له والثانى ان العلم بتحقق اللحم الكلّى فى ضمن لحم الخنزير وحرمته من جهة ذلك حاصل ابدا فيكون ارتفاع الحلّية للحم الحمار ثابتا ابدا فانشاء الحلّية له الى حصول العلم بالحرمة المزبورة لغو يجب تنزيه كلام الحكيم منه ويمكن ان يورد على المصنّف ره بناء على جعل الشيء كلّيا ان المعنى على التقدير المذكور الحكم بحلّية المشتبه ولحم الغنم المتحقق فى ضمنه الى ان يعلم بتحقق لحم الغنم فى ضمن الميتة فيرد عليه ما ذكره حرفا بحرف بل يرد ذلك على تقدير جعل الشيء جزئيّا خارجيّا والتزام الاستخدام فى ضمير فيه ومنه فالاولى فى الجواب ان يقال بان الظاهر من الرّواية كون الشيء مشكوكا من جهة الشكّ

٤٧

فى اندراجه تحت الحرام المعلوم او تحت الحلال المعلوم ويكون الحكم بالحلّية فى الظاهر حكما باندراجه تحت الحلال الّذى هو قسم من الشيء الكلّى فى الظاهر كما انّ الحكم بحرمته فى معنى الحكم باندراجه تحت الحرام المندرج فى الشّيء فى الظاهر ومن المعلوم ان لحم الحمار فى مثال المنصرم ليس كذلك اذ الحكم بحلّية فى الظاهر ليس من جهة انه من افراد لحم الغنم ولو فى الظاهر كما انّ الحكم بحرمته لو فرض ليس من جهة انه من افراد لحم الخنزير ولو فى الظاهر والى هذا الجواب اشار فى الفصول حيث قال بعد ذكر ما ذكره المنتصر المزبور وفى كلا الوجهين تعسّف فان المتبادر من الرّواية حلّية المشتبه من معلوم احد النوعين بالآخر فى الشيء المشتمل عليهما كما لا يخفى ولعلّ هذا مراد المصنّف ايضا فلا اشكال قوله فليتأمّل وجهه واضح فانه يمكن ادّعاء استعمال فيه حلال وحرام على ما يحتمل ان يكون حلالا وحراما وهو عام شامل للمعنيين وكذلك يمكن ادّعاء استعمال حتى تعرف فى مطلق المعرفة سواء سواء حصلت من الخارج او من الادلّة الشرعيّة فلا يلزم استعمال اللّفظ فى معنيين فى شيء منهما قوله الثانى دعوى الاجماع على ان الحكم ره وهذا الإجماع تنجيزى والاجماع السّابق عليه تعليقى لا ينفع الّا بعد عدم تمامية دليل الاحتياط كما ذكره المصنّف وتحصيل الاجماع بهذا النّحو من جهة الحدس وعدم قدح من خرج لكون خروجهم بل واضعافهم لا يقدح فى استكشاف قول المعصوم ع او فعله او تقريره وعلى تقدير كون الاجماع المزبور دخوليّا لا يقدح مخالفتهم لكونهم معلومى النّسب ثم انّ ادعاء الإجماع فى مقابل الاخباريين لا يقدح غاية الامر عدم كونه الزاميّا والجدل اخسّ الدّلائل فكونه برهانا يكفى بل هو اشرف الدّلائل ثم انّ الاجماع المذكور اعمّ من القولى والعملى ولذا جعله ثلاثة اقسام من جملتها الإجماع العملى قوله مع ما ورد من الاخبار بوجوب الاحتياط فيما تعارض فيه النّصان اه يعنى انّه قد ورد اخبار خاصّة بوجوب الاحتياط فى خصوص ما تعارض فيه النّصان مثل ذيل مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة وغيرهما فاذا لم يقل بوجوب الاحتياط فيما تعارض فيه النّصان مع ورود اخبار خاصه بوجوبه فيه فلا بد ان لا يقال بوجوب الاحتياط فيما لم يرد فيه نص مع عدم ورود اخبار خاصة بوجوب الاحتياط فيه بطريق اولى وبالإجماع المركّب لكن يمكن ان يقال بورود اخبار تدلّ على وجوب الاحتياط فى خصوص ما لا نصّ فيه مثل رواية عبد الرّحمن الحجاج

٤٨

الواردة فى جزاء الصّيد حيث قال انّ بعض اصحابنا سألني عن ذلك فلم ادر ما عليه فقال ع اذا اصبتم بمثل هذا ولم تدروا فعليكم بالاحتياط وغير ذلك قوله رجعنا فيها الى حكم العقل قد ذكرنا عند نقل المصنّف ره كلام الشيخ ره المعتبر بهذه العبارة ان مراده ليس خصوص اصل البراءة كما ذكره المصنّف بل يرجع كلّ الى مذهبه من الاباحة والخطر والوقف فى مسئلة انّ الاشياء قبل العثور على الشرع على ما ذا وبمثل ذلك نقول فى كلام السيّدين نعم اذا احرز من الخارج كون المذهب الإباحة فى المسألة المزبورة يرجع اليها فى مسئلة خبر الواحد ايضا والعبارة التى نقلها المصنّف عنهما تدلّ على رجوعهما الى الإباحة فى المسألة المزبورة فيستكشف منها كون مرادهما بالاصل هو اصل الاباحة فى مسئلة خبر الواحد قوله عمّا فى المعارج اه من الرّجوع الى اصل البراءة وعدم لزوم الاحتياط مطلقا قوله وسيجيء الكلام فى هذه النّسبة سيجيء ان نسبة التفصيل الى المحقق فى مسئلة اصل البراءة غير صحيح بل مراده التفصيل فى مسئلة عدم الدّليل دليل على العدم فانتظر لتمام الكلام فيه قوله ومراده من دليل العقل اه وح فعدم ذكر العقل المستقلّ فى عداد الادلّة مع انّه ايضا دليل من جهة ان اغلب الاحكام مستفادة من الادلّة الثلاثة المذكورة وما يستفاد من العقل المستقل مع عدم دلالة الأدلّة الثلاثة او عدم وجودها قليل فى الغاية ويمكن على بعد ان يكون مراده بدليل العقل هو العقل المستقل الّذى هو احد الادلّة المعروفة بقرينة عدم ذكره فى عداد الادلّة الشرعيّة الّا ان يقال انّ الاعتماد عليه ليس فى مقام فقد الثلاثة بل هو فى عرض الادلّة الثلاثة لا فى طولها ويمكن توجيهه بانه مع وجود الثلاثة لا حاجة اليه لكفاية سائر الادلّة ولذا فرض الرجوع اليه فى صورة فقدها فتدبّر قوله وممّن ادّعى اطباق العلماء المحقق اه وممّن ادّعى اطباق العلماء على البراءة العلامة ره حكاه الوحيد فى محكى رسالته على ما يظهر عن قريب وفى محكى التنقيح اصالة البراءة حجّة عندنا ما لم يثبت دليل على خلافها وفى محكى رسالة الوحيد البهبهانى ادّعوا الاجماع على اصل البراءة ادعاه جمع منهم الصّدوق فى اعتقاداته والمحقق والعلّامة ويظهر ذلك من طريقة الفقهاء وفى رسالة اخرى فى جملة كلام له ومع ذلك اتفقوا على البراءة غاية الاتفاق واطبقوا عليها نهاية الاطباق وعمل جميع المسلمين كان عليها كما اشرنا اليه وفى مقام آخر

٤٩

اعلم ان المجتهدين ذهبوا الى ان ما لا نصّ فيه والشبهة فى موضوع الحكم الاصل فيهما البراءة دليل المجتهدين الإجماع قال فى مفاتيح الاصول ويؤكّد الإجماع ويحقّقه انا نقطع ان المسلمين من زمن الرّسول الى زمان القائم ع ما كانوا يتوقفون فى كلّ واحد واحد من حركاتهم وسكوناتهم وماكولهم ومشروبهم وغير ذلك على الرّخصة قوله فلو لا كون الاصل اجماعيّا لم يحسن اه قد فهم من توجيه المحقق لكلام السيّد حيث نسب جواز ازالة النجاسة بغير الماء من المائعات الى اصلنا كون اصل الاباحة اجماعيّا عند السيّد وعند المحقّق ايضا فيتم ما دامه المصنّف من كون الرّجوع الى اصل الاباحة عند المحقّق اجماعيّا فكان المناسب بناء على التوجيه المذكور جعل السيّد ايضا من الناقلين للاجماع لتكثير نقلة الإجماع وقد سمعت ممّا نقلنا عن الوحيد ان العلامة ايضا من نقله الاجماع وينبغى ان يعلم انّ اصل الاباحة لا يجرى فى الفرض المزبور اذ قد ثبت اشتغال الذمّة بازالة النجاسة فيجرى استصحاب النجاسة وعلى تقدير عدم جريان الاستصحاب كما يراه السيّد قدس‌سره يجرى اصل الاشتغال لكن الغرض وهو كون الرجوع الى اصل الاباحة اجماعيا يحصل من ذلك الّذى نقل من التوجيه وان حكم بخطائهما فى الرّجوع اليه فى الفرض كما لا يخفى قوله من دون بيان التكليف يعنى من دون وصول البيان الى المكلّف سواء لم يكن هناك بيان اصلا او كان ولكن لم يصل اليه مع عدم تقصيره فى الفحص والبحث قوله مدفوعة بان الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا اه لا يخفى ان موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو عدم العلم بالتكليف الواقعى فلو كان هناك دليل متكفل لبيان الحكم الواقعى قطعا او ظنّا خاصّا او مطلقا يكون واردا على الدليل العقلى المذكور وكذلك اذا كان دليل مثبت للحكم الظاهرى فى مورد احتمال الحرمة يكون واردا على قاعدة القبح المذكور فاذا فرض دلالة اخبار الاحتياط على وجوبه عند احتمال الحرمة او دلّ العقل على وجوب رفع احتمال التحريم يكونان واردين عليها كما سيصرّح به المصنّف عن قريب بقوله واعلم ان هذا الدّليل العقلى كبعض اه والسرّ فيه ان حكم العقل او النقل بوجوب الاحتياط إرشادا لئلّا يقع فى مخالفة الواقع بيان ايضا للحكم الواقعى فى الجملة وموجب لتجويز العقاب على مخالفته اذا كان مصادفا للواقع وهذا المقدار يكفى فى كونه بيانا وامّا اذا كان موضوع وجوب الاحتياط عقلا ونقلا هو احتمال

٥٠

العقاب فلا تصلح لورود قاعدته على قاعدة قبح العقاب بلا بيان بل الامر بالعكس لأنّ ورود قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل على قاعدة القبح موقوف على احراز احتمال الضّرر والعقاب واحتماله امّا من جهة الملازمة بين احتمال التحريم واحتمال العقاب وامّا من جهة نفس القاعدة ولا مساغ لواحد منهما اما الاوّل فلانّ احتمال التحريم لا يستلزم احتمال العقاب كيف وقد يثبت الحكم الواقعى مع القطع بعدم العقاب كما فى صورتى الجهل البسيط او المركّب مع القصور لا التقصير وامّا الثانى فلعدم امكان اثبات الصّغرى بالكبرى بل لا بدّ فى الاستنتاج من اثبات الصّغرى على حدة والكبرى على حدة ولا يمكن اثبات إحداهما بالاخرى وبعبارة اخرى احتمال العقاب موقوف على عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعدم جريانه موقوف على جريان قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل وجريانها (١) موقوف على احتمال العقاب مع قطع النظر عنها وهو الدّور قال المصنّف قدّس سره فى حاشية منه لأنّ احتمال الضّرر واثبات وجوب دفعه موقوف على ابطال قضية قبح العقاب بلا بيان بجعل وجوب دفع الضّرر بيانا للتكليف المجهول فلو كان ابطال تلك القضيّة موقوفة على ثبوت هذه القضيّة الّتى هى دفع الضّرر المحتمل للزم الدور لانّ ابطال قبح العقاب بلا بيان بجعل وجوب دفع الضّرر من مقدّمات اثبات قاعدة دفع الضّرر المحتمل فلا تغفل وبعبارة اخرى اثبات احتمال الضّرر الّذى عبارة عن العقاب موقوف على ثبوت الملازمة بين الحرمة الواقعيّة والعقاب وبعد دفع هذه الملازمة بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لا يبقى موضوع لقاعدة دفع الضرر المحتمل انتهى وهذا الّذى ذكر واف بالمقصود وامّا قوله بانّ الحكم المذكور على تقدير ثبوته الى قوله لا على التكليف المحتمل على فرض وجوده فمستدرك فى البيان مع انّه منظور فيه من وجوه الاوّل ان قوله بان الحكم المذكور على تقدير ثبوته وقوله فلو تمت اه مخالف لمذهبه ومذهب المحققين من ثبوت القاعدة المذكورة الثانى ان هذا الحكم العقلى كجميع احكامه ارشادية ويزيد عليها بان هذا الحكم العقلى الارشادى كحكمه بوجوب الاطاعة غير قابلة للكشف عن الحكم الشّرعى المولوى من جهة قاعدة الملازمة بل الحكم الشّرعى المستكشف عنه لا بدّ وان يكون حكما ارشاديّا كالاوامر الواردة فى الكتاب والسّنة المتعلّقة بالاطاعة فانّها وان كانت شرعيّة لكنّها مؤكّدة للحكم العقلى الإرشادي ولا يعقل كونها مولوية للزوم التسلسل او الدور وح فالعقاب على نفس المخالفة للقاعدة

__________________

(١) بحيث ينفع الاستنتاج

٥١

مع فرض عدم التكليف فى الواقع غير معقول فان ذلك انما يتصوّر فى الاوامر المولويّة لا الارشادية الثالث ان الحكم المذكور على تقدير كونه مولويّا حكم ظاهرى والعقاب ليس على الحكم الظاهرى وان كان مولويّا الّا على تقدير المصادفة للواقع لا مطلقا ألا ترى ان مخالفة الوجوب الثابت بالاستصحاب مثلا لا توجب العقاب وان كان شرعيّا مولويّا ومقتضى بعض كلماته فى باب تاسيس الاصل فى الظنّ وان كان العقاب على مخالفة الحكم الظاهرى كبعض كلماته الاخرى الّا ان مقتضى اكثر كلماته قدس سرّه عدم العقاب على مخالفة الحكم الظّاهرى وقد ذكرنا شطرا من الكلام فى ذلك فى الباب المذكور فراجع الرّابع ان مقتضى ما ذكره هنا عدم قابليته ما يثبت الحكم الظاهرى مولويا كان او ارشاديا لكونه بيانا للتكليف الواقعى وقد ذكرنا عن قريب ان اخبار الاحتياط لو كانت تامة فى الدّلالة على الوجوب الارشادى او المولوى فى مورد احتمال التحريم يكون بيانا للتكليف الواقعى فى الجملة بحيث يرتفع موضوع قاعدة القبح به بل وكذلك الدّليل العقلى لو كان موضوعه احتمال التحريم لا احتمال العقاب ألا ترى ان استصحاب الوجوب او التحريم ولو كان مثبتا للحكم الظاهرى يكون رافعا لموضوع قاعدة القبح ومقدما عليها كما سيأتي فى باب الاستصحاب عند التعرض لتعارضه مع الاصول الأخر قوله الا ان الشبهة من هذه الجهة موضوعية لان العقل انّما يحكم فى موضوع المضرّ فمع القطع بالضّرر ويحصل الموضوع وامّا مع احتماله فتكون الشبهة موضوعيّة فلو قلنا بوجوب دفع المضرّة المحتملة الدنيوية فلا بدّ من القول بوجوب الاحتياط فى الشبهة الموضوعيّة ايضا مع انّ الاخباريّين معترفون بوجوب الرجوع الى البراءة فيها دون الاحتياط هذا لكن ادّعاء الاتّفاق على الرّجوع فى مثلها الى البراءة ليس على ما ينبغى وستسمع ممّا ينقله عن المحدّث الحرّ العاملى انّ الشبهة على ثلاثة اقسام ففى الشبهة الموضوعيّة الّتى تكون المنشأ فيها الامور الخارجيّة من قبيل اختلاط الحلال بالحرام يجرى البراءة وامّا مثل الغناء الّذى يشتبه بعض انواعه من حيث الذّات لا من جهة الاختلاط يكون المرجع الاحتياط دون البراءة والمقام مثل ذلك هذا لكن ما يستفاد من كلامه (١) قوله اما من منع وجوب الدّفع منع وجوب دفع الضّرر المحتمل اذا كان من قبيل تلف النّفس وشبهه مشكل ولذا قال فيما سيأتى فى الشّبهة الموضوعيّة ان الأنصاف الزام العقل بدفع الضّرر المشكوك فيه كالحكم بدفع الضّرر المتيقن

__________________

(١) من جعل مثل الغناء المشكوك بعض انواعه او افراده خارجا عن الشبهة الحكميّة مزيّف عندنا وسيجيء تفصيل الكلام

٥٢

قوله وامّا من دعوى ترخيص الشارع اه يعنى انّ الدليل النقلى للبراءة يدلّ على ثبوت الاباحة فيما لم يعلم حكمه الواقعى فيستكشف من ذلك انّ الضّرر لو كان متدارك امّا فى تلك الواقعة او فى الوقائع الأخر وحكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل الدنيوى فى موضوع عدم التدارك فلا ينافيه الحكم بالبراءة اصلا لكن هذا على تقدير التمسّك بالدّليل النّقلى كما دريت وامّا الدليل العقلى فلا مسرح له لأنّ حكم العقل بوجوب دفع الضّرر وارد عليه ويكون بيانا له وما سمعت من عدم امكان كون حكم العقل بيانا فانّما هو اذا كان موضوعه احتمال العقاب كما قد سمعت شرح ذلك فيما تقدم وقد صرّح بما ذكرنا شيخنا المحقّق قدّس سره فى الحاشية قوله وتبعه بعض من تاخر عنه كالمحقق فى المعارج على ما سننقله فى مسئلة عدم الدليل دليل على العدم والمحقّق القمّى فى القوانين والسيّد فى شرح الوافية قوله والظاهر ان المراد به اه صرّح بكون المراد ذلك فى هذا المقام السيّد المحقق الكاظمى قدس‌سره فى شرح الوافية ويحتمل ان يكون المراد الإتيان به مع الاعتقاد بالوجوب او التحريم بداهة عدم امكان الاعتقاد مع الشك وهذا المعنى الّذى خطر بالبال لعلّه اظهر ممّا ذكره المصنّف وشارح الوافية لشموله للتّوصّليات بخلاف ما ذكراه لعدم شموله الّا للتعبديات ومن الواضح انّ المقصود اعمّ منها والله العالم قوله واحتمال كون الغرض من التكليف مطلق صدور الفعل اه غرض المصنّف ره من ذكر هذا الكلام هو دفع ما يتوهّم من بطلان التّوجيه الّذى ذكره لكلام السيّد ره ومن تبعه بيانه ان ما ذكر من التوجيه انّما يصحّ لو كان الغرض من التكليف هو امتثال الامر والتعبّد به لم لا يكون الغرض منه شيئا آخر وهو ان يكون الغرض منه صدور الفعل مطلقا وان لم يكن بقصد الإطاعة بل لاجل تعلّق غرض المكلّف بوجوده فى الخارج او يكون الغرض منه صدور الفعل لأجل رجاء الواقع والاحتياط ومن المعلوم امكان ايجاد الفعل فى الخارج ولأجل الاغراض العقلائية وكذلك ايجاده بعنوان الاحتياط لأنّ المفروض امكان الاحتياط اذ مسئلة البراءة كما عرفت فى صدر الكتاب وفى اوّل البحث انّما هى فى صورة امكان الاحتياط فلا يلزم فى الصّورتين تكليف بما لا يطاق لانّ لزومه على تقدير عدم امكان ايجاد الفعل فى الخارج قوله مدفوع بانه ان قام اه غرض المصنّف ره انّه امّا يكون الغرض من التكليف صدور الفعل من الفاعل من اى وجه كان ولو لأجل تعلّق غرضه الخارجى به وامّا ان يكون الفرض منه

٥٣

صدور الفعل عن الفاعل لأجل رجاء الواقع وهو المعبّر عنه بالاحتياط وامّا ان يكون الغرض منه صدوره منه بعنوان الامتثال لا جائز ان يكون الغرض منه الاوّل لانّ صدور الفعل عن الفاعل اذا كان لأجل تعلّق غرضه به لا يكون دائميّا اذ غرضه قد يتعلّق بفعله فيفعله وقد يتعلّق بتركه فيتركه ولو فرض تعلّق غرضه بالفعل دائما لا يكون غرضا للتكليف ايضا لأنّ التكليف لا بدّ ان يكون لتحصيل غرض المولى لا لأجل تحصيل غرض المكلّف مع انّه يكون التكليف ح لغوا لا حاجة اليه ولمثل ذلك لا يكون الافعال الاضطراريّة موردا للتّكليف اصلا مع انّ شمول المدّعى للتعبّديات ممّا لا شكّ فيه وبطلان كون الغرض فيها صدور الفعل من الفاعل مطلقا واضح لا سترة فيه وانّما لم يتعرّض المصنّف لبطلان هذا الشق قبل قوله والحاصل لوضوح بطلانه كما دريت مع امكان ان يقال بان العقل كما يحكم بوجوب قصد الامتثال فى التعبّديات كذلك يحكم بوجوب قصده فى التوصليّات ايضا غاية الامر قيام الدّليل على سقوط الوجوب مع عدم فعله بعنوان قصد الامتثال لأجل حصول الغرض وح فيتضح بطلان كون الغرض وجود الفعل فى الخارج على اىّ نحو كان غاية الوضوح لكن ما ذكر محلّ تامّل ولا جائز ايضا ان يكون الغرض صدور الفعل بعنوان الاحتياط لانّه امّا ان يقوم هناك دليل على وجوبه وامّا ان لا يقوم وعلى الاوّل لا شكّ فى حصول الغرض بفعله بالعنوان المذكور لكنه خلاف المفروض لأنّ الدليل العقلى المذكور للبراءة كالدليل العقلى السّابق مفروض فى صورة عدم الدّليل والبيان لا بالنّسبة الى التكليف الواقعى ولا بالنّسبة الى التكليف الظاهرى ولذا قال المصنّف فيما سيأتي عن قريب واعلم انّ هذا الدليل العقلى اه وما ذكره المصنّف من انه ان قام دليل على الاحتياط اغنى ذلك عن التكليف بنفس الفعل محلّ تامّل لانّ التكليف الظاهرى خصوصا التكليف بالاحتياط ليس مغنيا عن الواقع بل انّما هو لأجل رعاية الواقع ولأجل الإيصال اليه فالاولى ان يقال كما ذكرنا بانه خارج عن الفرض ويمكن توجيهه بانه مع ورود الدليل على الاحتياط لا حاجة الى بيان ما به تنجيز الواقع ممّا يفيد العلم او الظنّ الخاصّ او الظنّ المطلق به وعلى الثانى فالعمل بالاحتياط وان كان ممكنا ولكن مع عدم الدّليل على وجوبه وان كان مستحبا لا يكون الفعل موجودا فى الخارج دائما لأجل رجاء الواقع بل قد يقع لأجل الإتيان بالامر المستحبى وقد لا يقع فيكون من بعض الجهات مثل الفرض الاوّل من جهة

٥٤

انّه لا يكون دائميّا والغرض من التكليف الدّائمى لا بدّ ان يكون دائمى الوجود فالتكليف المستحبى لا يمكن ان يكون داعيا على الفعل دائما والتّكليف المجهول الواقعى ايضا لا يمكن ان يكون دائميا دائما على الفعل بعنوان الاحتياط اذ لا نظر له اليه بل لو ثبت لا بدّ ان يثبت من دليل آخر وهذا هو الّذى أراده المصنّف ره بقوله والّا لم ينفع التكليف المشكوك فى تحصيل الغرض المذكور فتعين ان يكون المراد الشقّ الثالث وهو كون الغرض من التكليف امتثاله ولا شكّ انه بدون الطريق اليه يكون تكليفا بما لا يطاق وممّا ذكرنا يندفع من المصنّف كثير من الايرادات الّتى اوردها شيخنا المحقق فى الحاشية من ان ما ذكره مستلزم لكون الاحتياط غير مشروع وغير ذلك فراجع اليها قوله وصدور الفعل عن الفاعل احيانا فى كثير من النسخ وصدور الفعل عن الفاعل احيانا لداعى التكليف فيكون اشارة الى بطلان كون الغرض صدور الفعل بعنوان الاحتياط مع عدم الدّليل على وجوبه ويكون ما تقدمه اشارة الى بطلان كون الغرض صدور الفعل عن الفاعل مطلقا وفى بعض النّسخ وصدور الفعل عن الفاعل احيانا لا لداعى التكليف فيكون مجموع هذا الكلام (١) اشارة الى بطلان كون الغرض صدور الفعل عن الفاعل مطلقا وهو الّذى لم يذكره قبل قوله والحاصل وعلى اى تقدير فكلمة والحاصل ليس فى محله والله العالم قوله وسيجيء عدم اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ سيجيء إن شاء الله الله تعالى عدم افادة الاستصحاب الظنّ فى جميع الموارد وعلى تقدير افادته ذلك لا دليل على حجّيته فيكون اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ممنوعا صغرى وكبرى قوله وامّا لو قلنا باعتباره من باب الاخبار توضيح ما ذكره ان مفاد اخبار الاستصحاب جعل الاحكام الشرعيّة المترتبة على المستصحب بلا واسطة لا جعل الاحكام الشرعيّة واللّوازم المجعولة مطلقا ولا جعل الملزومات وان كانت شرعية هذا اذا لم يكن المستصحب نفس الحكم الشرعى فان كان كذلك كان مفاد الاستصحاب جعل الحكم المذكور فى مرحلة الظاهر فى زمان الشكّ فالمستصحب فى المقام الثابت فى زمان الصغر والجنون لا بدّ ان يكون هو البراءة السّابقة وعدم المنع الثابتان فى السّابق ولا يجوز ان يراد باستصحابهما ترتيب انفسهما فى الزمان الثّانى لعدم كونهما حكمين شرعيتين وما ذكره بعض المحقّقين فى هذا المقام من انّ عدم المنع كالمنع كلاهما بيد الشّارع فيجوزان يراد باستصحابه اثبات نفسه فيترتب عليه عدم العقاب فى مرحلة الظاهر مخدوش فيه بان عدم المنع ليس حكما شرعيّا والّا لزاد الاحكام على الخمسة وانحصار الاحكام

__________________

(١) وهو قوله ان التكليف المجهول

٥٥

فى الخمسة او السّتة كالضّرورى عند الفقهاء وكذلك لا يجوز ان يراد باستصحابهما ترتيب عدم استحقاق العقاب عليه وان كان لازما لهما لانّ عدم استحقاق العقاب كاستحقاقه من الآثار العقليّة لا الشّرعية وقد ذكرنا عدم امكان ترتيب غير الآثار الشرعيّة على مجرى الاستصحاب ولا يجوز ايضا ان يترتّب على الاستصحاب المذكور الأذن الشّرعى وبتوسطه يحكم بعدم استحقاق العقاب عليه لأنّ الأذن المذكور وان كان شرعيّا الّا انّ لزومه للمستصحبين المذكورين ليس من جهة الشّرع بل من جهة العقل من جهة ان نفى احد الضدّين يستلزم اثبات الضّد الآخر مع العلم بعدم خلو الواقعة عن حكم فاذا لم يكن الحكم هو المنع من الفعل فلا بدّ ان يكون هو الاذن فيه فليس المقام الّا من قبيل نفى الحركة المستلزم لثبوت السّكون وبالعكس ومن المعلوم انه لا يخرج عن الاصل المثبت الّذى لا يكون حجة على التقدير المزبور فان قلت لا يجوز ترتيب الاذن على المستصحبين المذكورين ليترتب عليه عدم استحقاق العقاب وان كان لزوم الاذن المذكور للمستصحبين شرعيّا ايضا لوجهين الاوّل انّ الاذن لم يكن فى السابق ليترتب فى اللّاحق امّا اوّلا فلعدم جعل الاباحة ايضا فى حق الصبى كما ان فى الحيوانات لم يجعل حكم وان كان هو الاباحة وامّا ثانيا فلعدم العلم بكون الثابت فى السابق هو الاباحة فى المقام الاحتمال الحرمة فلو قلنا بثبوت المباحات الثابتة للمكلّفين للصّغير لا يمكن القول بثبوت الاباحة له مع كون الشيء حراما على المكلّفين غاية الامر رفع الحرج عنه لا ثبوت الاباحة الثانى عدم جواز ترتيب عدم استحقاق العقاب عليه وان قلنا بامكان اثبات الاذن فى مرحلة الظاهر بالاستصحاب لانّه ليس اثرا شرعيّا حتى يترتب بالاستصحاب قلت ليس المقصود استصحاب نفس الأذن الّذى هو حكم شرعى حتى يناقش فيه بعدم وجوده فى السابق بطريق القطع بل المقصود ترتيبه على استصحاب البراءة وعدم المنع الثابتين فى السابق ولا ضير فى ترتيبه على الاستصحاب المذكور وان لم يكن موجودا فى السّابق لعدم لزوم وجود الحكم الشّرعى الّذى يراد ترتيبه على الاستصحاب فى الزّمان الاوّل ايضا بل يكفى وجود المستصحب فى الزمان الاوّل ايضا وان لم يكن معه الحكم المزبور كما سيأتى شرح ذلك عند التعرّض لكلام الفاضل التوفى فى باب الاستصحاب وكذلك لا ضير فى ترتيب الاثر العقلى او العادى بتوسط الاثر الشّرعى وانّما الممنوع هو ترتيبه بلا توسطه او ترتيبه بتوسطهما ألا ترى انّه اذا استصحب الوجوب يحكم بوجوب اطاعة هذا الحكم

٥٦

الاستصحابي مع انّه حكم عقلى وسيجيء ايضا شرح ذلك فى باب الاستصحاب فظهر أنّ المضر هو ما ذكر لا ما ذكر واذا عرفت ما ذكر علمت انه ليس هنا ما يوجب القطع بعدم العقاب فاذا لم يقطع بعدمه يكون محتملا فيحتاج الى التمسّك بذيل قاعدة قبح العقاب بلا بيان ليقطع بعدم العقاب فيكون اصل البراءة اصلا مستقلّا فى قبال الاستصحاب فان قلت يمكن ان يجعل المستصحب هو عدم استحقاق العقاب الثابت فى السّابق فيثبت به الأذن الشّرعى لكونه لازما شرعيّا له فيقطع بعدم العقاب من جهة ذلك قلت لا يجوز ذلك اما اوّلا فلانّ الاذن ليس لازما له بل هو ملزوم ولسان الاستصحاب ترتيب اللّوازم لا الملزومات كما سلف وامّا ثانيا فلأنّ عدم استحقاق العقاب حكم عقلى ولا يجوز الاستصحاب فى الأحكام العقليّة والسرّ فى ذلك عدم تصور الشكّ فى الاحكام العقلية فاما ان يحكم بقبح استحقاق العقاب مع عدم البيان كما هو التحقيق وامّا ان لا يحكم بشيء ومن المعلوم عدم تطرق الاستصحاب الّا فى مورد الشكّ فان قلت انّ البراءة السابقة وعدم المنع السّابق الثابتان فى حال الصغر ايضا كذلك فلم لم يستشكل المصنّف فيهما من هذه الجهة قلت يمكن توجيه الاستصحاب فيهما بان المراد استصحاب حال الشرع الوارد فى مورد حكم العقل لا المستند اليه وسيجيء توضيح ذلك عند تعرض المصنّف له فى باب الاستصحاب عند بيان معنى استصحاب حال العقل واستصحاب حال الشّرع وذكر عدم صحة ما ذكره صاحب الفصول ره فى ذلك المقام والله العالم قوله الّا ان الاذن الشّرعى ليس لازما شرعيّا يعنى ليس لزومه بحكم الشّرع بل بحكم العقل من جهة عدم خلو الواقعة عن حكم وكون الامر مردّدا بين الاحكام الخمسة فقد يفرض عدم المنع مع عدم الاذن كما فى الصّبى الغير المميّز بل فى الصّبى المميّز ايضا على التحقيق فثبت انّ الاذن وان كان حكما شرعيّا لكن ليس لازما بلا واسطة بحكم الشّرع والاستصحاب انّما يثبت اللوازم الشّرعية بلا واسطة قوله ولو لم يكن من اللّوازم الشرعيّة يعنى ولو لم يكن من الاحكام الشرعيّة الّتى يكون لزومها بحكم الشّرع بل كان لزومها بحكم العقل او العرف والعادة فالاصل وان كان مثبتا على هذا التقدير لكن اذا قلنا بحجّيته بناء على الاخبار يثبت الاحكام الشرعيّة الّتى ليس لزومها بحكم الشّرع وكذلك اذا قلنا بحجّية الاستصحاب من باب الظنّ فانّه يثبت به تلك الاحكام المذكورة ايضا لحجّية الاصل المثبت بناء عليه وليس المراد انّه على تقدير حجّية الاصل المثبت او كون الاستصحاب من باب الظنّ يثبت به غير الاحكام

٥٧

الشرعيّة من الاحكام العقليّة والعرفيّة والعادية كيف وجميع التّنزيلات الشرعيّة سواء كانت تنزيلات امارية او تنزيلات اصليّة لا يثبت بها الّا الاحكام الشرعيّة الّا على وجه سلف فى بعض الحواشى السّابقة وسيصرّح المصنّف بهذا فلا تغتر بما يوهمه ظاهر العبارة فتقع فى الاشتباه قوله فتامل وجه التامل ان الموضوع بحسب المسامحة العرفية واحد ولو بنى على المداقة لاشكل الامر فى كثير من الاستصحابات المسلمة مثل استصحابى اليوم والليلة واشباههما قوله فاصل البراءة اظهر اه ولذا قد عمل به من لم يعمل بالاستصحاب مثل السيّد المرتضى وصاحب المعالم وغيرهما قوله وتعارض النصوص وكذلك فى موارد اجمال النصّ ولم يذكره لامكان ادراجه فى فقد النصّ لان النصّ المجمل بمنزلة العدم قوله وهى عند الاكثر ليست اه لكثرة الظنون الخاصّة عندهم بحيث تكون وافية بمعظم الاحكام بانضمام الادلّة العلميّة قوله فلا بدّ له من العمل بالظنّ الغير المنصوص اه اما مطلقا بناء على بطلان التبعيض فى الاحتياط وامّا بقدر ما يندفع به الحرج ويعمل فيما عداه على الاحتياط بناء على كون النتيجة تبعيض الاحتياط على ما سلكه المصنّف ره فى مبحث دليل الانسداد قوله وفيه ما لا يخفى لانّ محلّ النزاع مورد امكان الاحتياط والمورد المذكور ممّا لا يمكن فيه الاحتياط فهو خارج عن محلّ النزاع راسا قوله ولا يرد ذلك على اهل الاحتياط فيه منع ظاهر فان الاخبارى يفتى بوجوب الاحتياط ويحكم بالمنع من الرّجوع الى الاباحة وهو ايضا قول بغير علم فما هو جوابهم فهو جوابنا فان قالوا بانا نفتى بالاحتياط لأدلّته نقول نحن نحكم بالبراءة لأدلتها قوله ولا تلقوا اه وهذه الآية اظهر فى الدلالة من الآيات السّابقة لإيمائها الى الاستحباب بسبب التعبير بحق تقاته وحق جهاده وقوله تعالى (مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ) اه هذه الآية ظاهرة فى صورة انفتاح باب العلم وانّه مع الاختلاف فى المسألة لا بد من الرّجوع الى الله والرّسول ص ليحصل العلم مثل قول المعصوم ع فارجه حتّى تلقى امامك فانّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام اه قوله مضافا الى النقض بشبهة الوجوب اه هذا النقض غير وارد على مثل آيات الاتقاء لظهور الاتقاء فى الشبهة التحريميّة كما لا يخفى نعم النقض بالشبهة الموضوعية فى محلّه قوله فنمنع منافات اه كما تسلّمه الخصم فى الشبهة الوجوبيّة والشبهة التحريميّة الموضوعيّة قوله واما عن آية التهلكة فبانّ اه يعنى ان النهى فيها للطلب الارشادى

٥٨

القدر المشترك بين التحريم والتنزيه والتهلكة ايضا مشترك بين الاخروية والدنيوية فان كان التهلكة اخروية يكون النّهى بالنّسبة اليها للتحريم وان كانت دنيوية يكون النهى بالنّسبة اليها للتنزيه فلا بدّ فى الحكم بالتحريم من احتمال العقاب من الخارج من غير ان يستفاد من الآية وفى المقام ليس العقاب محتملا حتّى يحكم بالتحريم من جهة قبح العقاب بلا بيان واحتمال التهلكة الدنيوية وان كان موجودا لكن لا يجب رفعه باعتراف الاخباريين لانّ الشبهة من تلك الجهة موضوعيّة قوله فنذكر بعض تلك الاخبار تيمنا منها مقبولة اه كثير من هذه الاخبار شاملة للشبهة الوجوبية مع اعتراف الاخباريين بعدم وجوب الاحتياط فيها فلهم ان يقولوا بان عمومها مخصصة بالأخبار الدالّة على عدم وجوب الاجتناب فى الشبهة الحكميّة الوجوبيّة او انّ مقتضى الجمع بين هذه الأخبار واخبار البراءة هو حملها على الشبهة الوجوبيّة وحمل هذه على الشبهة التحريميّة لكنه بلا شاهدا وان عموم هذه الأخبار مخصصة بغير الشبهة الوجوبية للاجماع وعلى تقدير شمولها للشبهة الموضوعية وان كان ظاهر كثير منها ممّا دلّ على الردّ الى الله والرّسول ص والائمّة ع الاختصاص بالشبهة الحكميّة نقول ايضا انّها مخصّصة بغيرها من جهة بعض اخبار البراءة المختصّ بالشبهة الموضوعيّة كقوله ع كلّ شيء فيه حلال وحرام اه مع انّ لهم ان يقولوا بالاختصاص بغيرها للإجماع قوله ع اذا كان كذلك فارجه حتى تلقى امامك قوله فارجه بكسر الجيم والهاء من ارجيت الامر او من ارجأت الامر بالهمزة وكلاهما بمعنى أخرته فعلى الاوّل حذف الياء من الامر وعلى الثانى ابدلت الهمزة ياء ثم حذفت والهاء ضمير راجع الى الاخذ باحد الخبرين او من اوجه الامر اى آخره عن وقته كما ذكره الفيروزآبادى لكنه تفرد به ولم اجده فى كلام غيره كذا فى مرآة العقول قوله وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه قوله عليه‌السلام لم تروه صفة لقوله حديثا او حال وهو امّا على المجهول من باب الافعال او التفعيل اى لم تحمل على روايته يقال رويته الشعر اى حملته على روايته وارويته ايضا ويمكن ان يقرأ على المعلوم من احد البابين اى لم تحمل من تروى له على روايته او على بناء المجرّد اى تركك حديثا لم تكن راويا له على حاله فلا ترويه خير من روايتك حديثا لم تحصه والاحصاء لغة العدّ فاحصاء الحديث عبارة عن العلم بجميع احواله متنا وسندا وانتهاء الى المأخذ الشّرعى وقوله حديثا لم تحصه اظهار فى

٥٩

موضع الاضمار لكثرة الاعتناء بشانه لانه عبارة اخرى عن معنى قوله حديثا لم تروه كذا فى مرآة العقول ايضا قوله بملاحظة انّ الاقتحام فى الهلكة لا خبر فيه يعنى لو كان فى اقتحام الهلكة حسنا وكان الوقوف احسن منه لدلّ الخبر على الاستحباب لكن لا حسن فى الاقتحام فى الهلكة فيكون الوقوف حسنا على الاطلاق وهذا المعنى يجتمع مع الوجوب بل لعلّه ظاهر فيه لكن قد تفرد عندهم النّحويين ان التجريد عن معنى التفضيل فى افعله انما يصحّ مع التجريد عن الاضافة واللام وكلمة من كما حكى عنهم ويردّه ظواهر هذه الاخبار ممّا ذكر وممّا سيأتى وقوله تعالى (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) وما ذكره بعضهم من ان قول الشاعر انّ الشجي والمروة اعدلا بنى مروان بمعنى عادلاهم فقد تجرد لفظ اعدله عن التّفضيل مع كونه مضافا قوله مع ان جعله تعليلا لوجوب الارجاء يعنى ان فى المقبولة قد علّل قوله فارجه حتى تلقى امامك بقوله فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة والارجاء واجب من جهة ان الامر ظاهر فيه او حقيقة فيه فلو كان الوقوف عند الشبهة مستحبّا لم يصلح لكونه تعليلا لوجوب الارجاء لعدم المناسبة بينهما فلا بد ان يكون هو ايضا واجبا ليناسب التعليل للمعلّل قوله وتمهيدا لوجوب طرح ما خالف الكتاب لانّ طرح ما خالف الكتاب واجب قطعا كما انّ الاخذ بما وافق الكتاب كذلك فلو كان الوقوف عند الشبهة مستحبّا لم يناسب جعله تمهيدا ومقدمة لذلك قوله اترك الاكل يوما اصله ان اترك الاكل فحذف ان وارتفع الفعل كقوله تعالى (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) بعد قوله تعالى (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) على بعض الوجوه وقولهم تسمع بالمعيدى خير من ان تراه قوله لان افطر يوما اه بفتح اللّام وهمزة ان والتقدير لافطارى يوما احبّ الىّ من ان يضرب عنقى ويكون اللام جوابا للقسم المحذوف ومثله كثير فى القرآن لقد منّ الله على المؤمنين ولقد جاءكم رسول من انفسكم ولقد علموا لمن اشتراه وغير ذلك ومثل هذا الحديث الحديث السّابق لان اصلّى بعد الوقت احبّ الى اه قوله حتى يحملوكم فيه الى القصد القصد وسط الشّيء وخياره الواقع بين طرفى التفريط والافراط المذمومين قال رسول الله الامور ثلاثة اه هذا التثليث غير التثليث المعروف فانه فى رواية عمر بن حنظلة وهذا فى هذه الرّواية والظاهر ان هذا عبارة اخرى عنه ففيها امر بين رشده فيتبع وامر بين غيّه فيتجنب وامر مشكل يرد حكمه الى الله ورسوله قوله ما حق الله على العباد

٦٠