إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الّذى منّ على عباده الّذين خصّوا بالعلم اذ جعل مدادهم افضل من دماء الشّهداء وصلّى الله على محمّد وآله شفاء يوم الجزاء ولعنة الله على أعدائهم الى يوم اللّقاء امّا بعد فلا يخفى على ذوى المسكة والّذين لهم ادنى درايته وفطنته انّ علم اصول الفقه بعد علم الكلام من اجلّ العلوم قدرا وأهمّها نفعا اذ به يكشف عن وجوه الاحكام استارها ولقد صنّفوا فى ذلك ما لا يحصى عدده من المتقدّمين والمتأخّرين رضوان الله عليهم ولمّا كان الكتاب المستطاب الفرائد الّذى الّفه خاتم الفقهاء والمجتهدين علّامة العلماء المتبحّرين العالم الرّبانى الشّيخ مرتضى الأنصارى تغمّد الله بغفرانه من ادقّ المصنّفات واحسنها فشمّر عن ساعد الاجتهاد وبذل الجهد وصرف لهمّ الجناب المستطاب البحر الموّاج الذّاخر وعلم الاعلام المفاخر الجامع بين العلمين والحائز للمنقبتين فخر الفقهاء وذخر المجتهدين المحقّق المدقّق سيّدنا ومولانا واستادنا السيّد محمّد التنكابنى ادام الله ايّام افاداته ان يعلّق عليه ما استفاده من شيخه واستاده المحقّق المدقّق المرحوم المبرور الحاج ميرزا محمّد حسن الآشتياني طيّب الله مرقده مع ما سنح بخاطره الشّريف وباله المنيف وما استفاده من كتب العلماء قدّس الله ارواحهم لما امره به من يجب عليه اطاعته ووعده بطبعه وبحمد الله والمنّة قد اتمّ ما قصده وذلك بعد سنين متمادية واعوام متتالية تقرب من ثلثين سنة وسمّاه بايضاح الفرائد ولعلّ الله يصيّره مطلوبا للخواصّ شكر الله سعيه واجزل نعمه عليه عاجلا وآجلا بحق نبيّه المصطفى وآله الطيّبين وانا الفقير الى الله الغنى الحاج السيّد مرتضى التنكابنى وقد تصدّى لطبعه الّذى يتصدّى لطبع الكتب الاسلامية والساعى فى نشر الكتب الجعفريّة الحامى للشّريعة النبويّة والمؤيّد لمذهب الاماميّة والمنتظر لقيام الدّولة المهدوية الاحقر الحاج والبائس المحتاج السيّد احمد قشع الله عن ساحته العيوب والاذى وكان الطّبع فى شهر ذى الحجّة وقد كتبت النسخة الشريفة اعظم افقر الخلق الى الله تعالى حسن الهمدانى للطهرانى من شهور السّنة ١٣٥٨

١

هذا

هو الكتاب

المستطاب المسمّى بايضاح

الفرائد فى علم

الاصول

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله اجمعين وبعد فهذه كلمات علّقتها على فرائد الاصول للعلم العلّامة خاتم الفقهاء والمجتهدين الشّيخ مرتضى الانصارى رفع الله درجاته جعلتها تذكرة لنفسى وللمشتغلين وارجو من الله ان ينفعنى به يوم الدّين وهو حسبى ونعم المعين وسمّيتها بايضاح الفرائد قوله اعلم انّ المكلّف المراد به الاعمّ من المجتهد والمقلّد وان كان فهم حجّية الاصول والادلّة الظنّية المحتاجة الى النّظر والاستدلال وتشخيص موارد جريانها واحراز سائر شرائطها الّتى من جملتها الفحص عن الدّليل وعن الاصول الحاكمة او الواردة فى الرّجوع الى الاصول فى الشّبهات الحكميّة وعن المعارض وغيره فى الرّجوع الى الادلّة من وظيفة المجتهد ليس الّا لكن ما يصير حكما ظاهريّا له يكون حكما ظاهريّا لمقلّده لانّ النّاس فى حكم الله واقعيّا وظاهريّا شرع سواء وامّا الرّجوع الى الاصول فى الشّبهات الموضوعيّة فلا يحتاج المقلّد فى اجرائها فى الموارد الشخصيّة الى المجتهد بعد اخذ حجّيتها منه والمراد به هو خصوص البالغ العاقل وامّا غير البالغ فلا مانع من جعل الاحكام الغير الالزاميّة فى حقّه ما لم يكن فى افق الحيوانات بان كان مميّزا ولذا ذهب جمع من المحقّقين الى كون عبادات الصّبى صحيحة شرعيّة لا تمرينيّة وهو يتمّ بما ذكرنا وان كان يمكن اثباته على نحو آخر وهو الالتزام بوجود الجهة فى حقّه مع عدم الامر الالزامى والاستحبابى فيما هو واجب على المكلّفين بناء على عدم جواز استعمال اللّفظ فى معنييه الحقيقى والمجازى وعدم كون الامر بالامر امرا ان اكتفينا فى شرعيّة العبادات بوجود الجهة كما هو ظاهر وامّا الاحكام الالزاميّة فغير ثابتة فى حقّه

٢

قطعا وضرورة ولا ينافى ذلك ثبوت الاحكام الوضعيّة فى حقّه مع كونها انتزاعيّة من الاحكام التكليفيّة على ما هو راى المحقّقين كما قرّر فى مقامه وإن كان فيه نوع غرابة من حيث انتزاع شيء من شيء غير موجود حين الانتزاع وهذا هو الباعث لمن جعل الحكم الوضعى ايضا مجعولا كالتّكليفى وسيجيء فى محلّه والتّقييد بالالتفات من جهة عدم امكان حصول الاحوال الثلاثة لغيره لكن حجّية خبر العادل مثلا لا يفرّق فيه بين الملتفت وغيره لانّ الاحكام الظّاهريّة تثبت لموضوعاتها لا بشرط العلم والجهل مثل الاحكام الواقعيّة ووجه كونها لا بشرط لزوم الدّور فيها مثلها ولذا قالوا انّ عبادات الجاهل مع مطابقتها لرأى المجتهد الّذى تكليفه الرّجوع اليه فى زمانه صحيحة مع فرض قصد القربة مع عدم استناده الى رأى المجتهد ومع عدم علمه به وموضوعها غير العالم بالواقع لا خصوص العاجز عن تحصيل الواقع لانّ الظّنون الخاصّة حجّة فى زمان الانفتاح ايضا لانّ المعاصرين للائمّة عليهم‌السلام كان طائفة منهم يعملون باخبار الآحاد الّتى لا توجب العلم بل كان للعوام منهم التقليد ايضا ولذا قال الامام عليه‌السلام لأبان بن تغلب ره اجلس فى مسجد الكوفة وافت النّاس فانّى احبّ ان يرى فى شيعتى مثلك فلو لا وجوب عمل النّاس بفتواه ايضا لم يكن لامره بالافتاء فائدة وكذلك ساير الاخبار الواردة فى وجوب التّقليد شاملة لزمانهم ايضا واختصاصها بزمان الغيبة المتاخّرة عن زمان ورود الرّواية بسنين كثيرة بعيد جدّا قوله الى حكم شرعى المراد به الاعمّ من الحكم الشّرعى الفرعىّ والحكم الاصولى العملى فيخرج عنه الاصولى الاعتقادى لعدم تعلّق غرض الاصولىّ بالبحث عنه وح فتعرض المصنّف لحجّية الظنّ فى اصول الدّين وعدمها ونقل الاقوال فيها استطرادى ويدلّ على ما ذكرنا مع وضوحه عدم جريان الاصول العمليّة فى الاعتقاديّات وما فى بعض كتب الكلام من الرّجوع الى اصالة عدم التّعدد فى الواجب وعدم الزّيادة فى الصّفات فلعلّ مراد المتمسّك جعل الخصم مدّعيا فعليه الاثبات كما سيوجّه به كلام الكتابى فى مبحث الاستصحاب على اشكال فيه ايضا والّا فهو سهو وكذلك الرّجوع الى اصل الامكان فى صورة احتمال كون شيء ممكنا وممتنعا لاثبات الامكان المقابل للامتناع فى بعض مسائل الحكمة بناء على ان يكون مراد المتمسّك به هو الاستصحاب على ما ذكره صدر المحقّقين مع ردّه وغيره فهو غلط فاحش مضافا الى عدم الحالة السّابقة ومبنى الغلط عدم فهم مقصود الحكماء من الامكان فى العبادة وان مرادهم صرف الاحتمال

٣

العقلى وقد ذكروا خطاء هذا الوهم فى الموضع الاليق به والتعبير بتوله حكم شرعىّ للاشارة الى انّ المقصود بالبحث بيان الاصول الجارية فى الشّبهة الحكميّة اذا البحث مقصود على بيان الاصول الّتى هى المرجع للشّاك فى الحكم الشّرعى الكلّى الالهىّ فالبحث عن الاستصحاب الموضوعى وعن اصل البراءة الجارى فى الشّبهة الموضوعيّة وعن اصل التّخيير الوارد فى الشّبهة الموضوعيّة ايضا كما فى صورة دوران الامر بين الواجب والحرام لا الوجوب والحرمة فان الشبهة فيها حكميّة استطرادى وكذلك التّمثيل بالامارات كالبيّنة الجارية فى الموضوعات كما سيأتى من التّمثيل بشرب الخمر يكون من باب التّقريب لا انّ الامارات داخلة فى البحث مقصودة به وح فالنّقض بعدم انحصار الاصول الّتى هى المرجع للشّاك فى الاربعة المذكورة بدعوى وجود اصول أخر غير ما ذكر كاصالة الصّحة وقاعدة الشّك بعد الفراغ والقرعة وغيرها من هذا القبيل فى غير محلّه لانّها اصول موضوعيّة خارجة عن المبحث كما ذكرنا مع انّ بعضها معتبر من باب الظنّ فهو خارج من اصله فدخوله فى الامارات ح قوله فامّا ان يحصل الشّك الشكّ هنا بمعنى تساوى الطّرفين امّا بقرينة المقابلة للظّن فانّ الظّاهر من الانفصال هو الانفصال الحقيقى فلو كان الشّك هنا بمعنى خلاف اليقين لكان قسم الشّيء قسيما له او لانّ الشّك حقيقة فيه فى عرف الفقهاء والأصوليّين فلا بدّ من حمله عليه ويظهر ذلك من تعبيراتهم فى مباحث الشّكوك بلا قرينة حيث انّ الظنّ المتعلّق بالاخيرتين من الرّباعيّة حجّة قطعا وكذا فى الافعال مطلقا وفى عدد الاوليين فيها وفى الثنائية والثّلاثية ايضا على المشهور ودعوى ارادته منه مجاز اتّكالا على القرينة الخارجيّة فى غاية البعد بل لا وجه له بل يمكن كون الشّك حقيقة فى تساوى الطّرفين فى العرف العام ايضا المقدّم على اللّغة عند التّعارض بل يظهر ممّا نقل عن الزّمخشرى وغيره انّه حقيقة فيه فيها ايضا قيل انّ المعروف من الشّك والّذى صرّح به فى اللّغة والاصول والفقه كما عن الزّمخشرى وغيره بل هو الموافق للعرف تردّد الذّهن من غير ترجيح لاحد من الشّرفين بل فى المصابيح انّه الّذى اشتهر بين الفقهاء وعامّة العلماء وقد صرّح بمثله ايضا بعضهم وإن كانت دعوى كونه حقيقة فيه فى اللّغة فى معرض المنع وقد صرّح جماعة من اللّغويين مثل صاحب القاموس بكونه بمعنى خلاف اليقين واسقط المصنّف الوهم لانّه ملازم للظنّ بخلاف الموهوم مع انّا لم نجد موضعا يكون الوهم بخصوصه موضوعا لحكم من الاحكام الشّرعيّة وان امكن

٤

كون الموضوع عنوانا عامّا يكون احد مصاديقه الوهم كما فى موارد الاصول الشّرعيّة حيث انّ موضوعها هو عدم العلم سواء حصل الشّك او الوهم او الظنّ الغير المعتبر وما يتراءى من بعض الاخبار فى الشّكوك من كون الوهم موضوعا مثل قوله ع فان ذهب وهمك اه وغير ذلك فالمراد به الظنّ لا معناه المصطلح وقد عبّر القدماء من الفقهاء عن الظّن بالوهم كما لا يخفى على مرّ راجع الاخبار وكلمات القدماء من الفقهاء الاخيار فى باب الشّكوك قوله فان حصل الشّك لا بدّ من ان يكون المراد من الشكّ المذكور هو المعنى الاخص المذكور للوجوه المذكورة ولاجل انّ هذا تفريع لما سبق فلا بدّ ان يكون المراد من كلا اللّفظين واحدا خصوصا مع ملاحظة قولهم انّ المعرفة اذا اعيدت كانت عين الاولى وح فيرد عليه انّ مجارى الاصول ليست منحصرة فى الشّك بمعنى تساوى الطّرفين بل موضوع الاصول سواء كانت من باب العقل ام من باب النّقل هو عدم العلم سواء حصل الشّك بمعنى المصطلح ام حصل الوهم ام حصل الظنّ الغير المعتبر بل موضوع اصل البراءة والاستصحاب اذا كانا شرعيّين هو عدم العلم وان حصل الظنّ المعتبر ايضا كما دلّ عليه قوله النّاس فى سعة ما لم يعلموا ورفع عن امّتى ما لا يعملون وما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين الّا بيقين مثله وقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشّك ولكن تنقضه بيقين آخر فانّ الشّك المذكور بمعنى عدم العلم قطعا اما لكونه حقيقة فيه فى اللّغة كما يظهر من جماعة من اللّغويين او مجازا من جهة ملاحظة الاخبار الأخر وقوله ولكن تنقضه بيقين آخر وان لم يرجع الى الاصول فى صورة الظنّ المعتبر لحكومته عليها على التقدير المذبور وهى قسم من التخصيص الّذى هو اخراج حكمى لا موضوعى لكنّها بلسان التّفسير وسيأتى تفسيرها فى باب التّعادل والتّرجيح وغيره بخلاف ما اذا كان الاصل عقليّا فانّ الظنّ المعتبر وارد عليه ورافع لموضوعه هذا ويمكن دفع الايراد بان يقال انّ موضوع الاصول هو الشّك بمعنى تساوى الطّرفين لكن الظنّ الغير المعتبر بمنزلته بل كانه هو او يقال انّ العبارة ليست فى مقام الحصر والمراد انّه اذا حصل الشّك فلا بدّ من الرّجوع الى الاصول وهو لا ينفى الرّجوع الى الاصول فى غيره ايضا وفى كلا الوجهين بعد لا يخفى وفى العبارة خرازة اخرى وهى انّ المراد من الشّك والقطع هو الفعلى الشّخصى وان اعتبر فيهما الاستقرار من جهة انّ الشّك الابتدائى الزّائل لا حكم له وكذا القطع مع انّه المستظهر من الادلّة المثبتة

٥

للاحكام فى الموضوعين المزبورين ولذا اعتبروا فى باب شكوك الصّلاة كونها مستقرة للاستظهار المذكور وح فلا بدّ ان يكون المراد من الظنّ ايضا هو الفعلى الشّخصى فتخرج الظّنون النوعيّة المطلّقة المجتمعة مع الشّك بل ومع الوهم فى بعض المقامات والظنون النّوعيّة المقيّدة المجتمعة مع الشّك بل ومع الوهم فى بعض المقامات والظنون النّوعيّة المقيدة وكذلك الظّهورات العرفيّة المعتبرة مع عدم افادة الظنّ فى بعض الموارد عن البحث مع انّها مقصودة بالبحث فى الاصول وفى الكتاب وان اريد من الظنّ الاعمّ من الظنّ الشّخصى ففيه ارتكاب خلاف الظّاهر من وجهين مع عدم القرينة من جهة التّفكيك فى السّياق ومن جهة الخروج عن الانفصال الحقيقى حيث ان الظّنون النّوعيّة كما ذكرنا تجتمع مع الشّك قوله فالمرجع فيه هى القواعد الشّرعيّة المراد بالقواعد الشّرعيّة هى الاعمّ ممّا انشاه الشّارع او امضاه فيشمل الاحكام العقليّة ايضا بناء على ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشّرع سواء كان حكما ظاهريّا او واقعيّا فلا يرد ان اصل التّخيير اصل عقلىّ واصل البراءة واصل الاشتغال عنده عقليّان ايضا وفى العبارة اشكال وهو ان المراد بالمكلّف كما ذكرنا وعلى ما هو ظاهر اللّفظ هو الاعمّ من العامىّ والمجتهد فبمقتضى التفريع وظاهر لفظ الشّاك لا بدّ من القول برجوع العامى ايضا الى الاصول العمليّة مع ان الرّجوع اليها فى الشّبهات الحكميّة المقصودة بالبحث وظيفة المجتهد ليس الّا اذ اعمال الاصول فيها مشروط بالفحص عن الدّليل الممتنع فى حق العامىّ العاجز قطعا كما سيصرّح به المصنّف فى باب الاستصحاب نعم اجزاء الاصول فى الشبهات الموضوعيّة ليس منحصرا فى المجتهد لعدم اشتراط الفحص فيها وإن كان استنباط حجّيتها وظيفة المجتهد دون المقلّد ومثل الاصول فى الشّبهات الحكميّة كثير من المباحث المتعلّقة بالظنّ مثل حجّية خبر الواحد والاجماع المنقول وغيرهما فانّ خبر الواحد مثلا ليس حجّة الّا للمجتهد لانّ العمل بخبر الواحد مشروط بالفحص عن المعارض واعمال وجوه التّراجيح ثمّ التخيير عند فقدها على الاظهر وكلّ ذلك وظيفة المجتهد ليس الّا ويمكن الجواب عن الاشكال بان يقال ان التّفريع لا يقتضى الّا ثبوت الحكم لبعض المصاديق فيكفى فيه ثبوت الرّجوع الى الاصول العمليّة فى المجتهد الّذى هو بعض افراد المكلّف او يقال انّ المجتهد بعد فحصه فى المسائل الخاصّة عن الادلّة وعن المعارض وعدم وجدانهما يفتى بمقتضى الاصل وبمقتضى خبر الواحد مثلا فيعمل به المقلّد ايضا كما يعمل به المجتهد لانّ ما ادّى اليه فهمه مشترك بينه وبين المقلّد فيصدق رجوع المقلّد الى الاصول وعمله بخبر الواحد وفى

٦

هذا الجواب تامّل لامكان منع صدق عمله بخبر الواحد مثلا حينئذ لانّ العمل بمعنى الاستناد واستناده الى فتوى المفتى لا الى الخبر قوله وهى منحصرة فى اربعة آه الحصر المذكور سابقا عقلى دائر بين النّفى والاثبات بعد اسقاط الوهم بالبيان المذكور وامّا الحصر المذكور هنا فاستقرائى فانّ مجارى الاصول الاربعة او بعضها يمكن ان يكون مجارى للاصول الأخر لكن الاستقراء يشهد بانحصارها فيها مثلا مورد الشكّ فى التّكليف الّذى هو مجرى البراءة يمكن ان يكون مجرى لاصل آخر غير اصل البراءة وكذلك مورد الشّك فى المكلّف به يمكن ان يكون مورد الاصل آخر غير الاحتياط لكن الاستقراء يشهد بانحصارهما فيهما ويمكن التّعبير عن الحصر المذكور بكونه عقليّا لا محضا بل بمعونة الاستقراء وعلى هذا فما سيذكره فى اوّل اصل البراءة من انّ انحصار موارد الاشتباه فى الاصول الاربعة عقلىّ فلا بدّ من توجيهه بما ذكرنا وان كان فيه مسامحة وخروج عن الاصطلاح والاوجه ان يقال ان مراده فيما سيذكره انحصار موارد الاشتباه فى مجارى الاصول الاربعة ولا ريب فى كونه عقليّا لكونه دائرا بين النّفى والاثبات ففى تعبيره ادنى مسامحة ولا بأس بها بعد وضوح المقصود ويشير الى ذلك قوله هنا فالاوّل مجرى الاستصحاب والثّانى مجرى البراءة آه بقى الكلام فى كون الحصر حاصرا فنقول قد يتوهّم وجود اصول أخر غير ما ذكر مجعولة للشاك فى مقام العمل وهى اصل العدم واصالة نفى الاكثر عند دوران الامر بينه وبين الاقلّ فى الاقلّ والاكثر الاستقلاليّين والارتباطيّين وعدم الدّليل دليل على العدم والاباحة والخطر فى الاشياء الخالية عن المضرّة قبل العثور على الشّرع واصالة عدم الزّيادة واصالة عدم تقدّم الحادث واصالة الطّهارة بمعنى قاعدة الطّهارة لا بمعنى استصحابها ان قلنا بثبوتها فى الشّرع كما هو من المسلّمات عند الاصوليّين والاخباريّين وكذا ان قلنا بجريانها فى الشّبهة الحكميّة ايض كما هو المشهور كما فى الشّك فى الحيوان المتولّد من حيوانين نجسين مع عدم كونه مشاركا لهما فى الاسم وكما فى الشّك فى طهارة الملاقى للماء المشتبه بالنّجس وغير ذلك وامّا على القول المحكىّ عن المحقّق السّبزوارى صاحب الذّخيرة الّذى استشكل فيها فيها قائلا الطّهارة حكم شرعىّ يتوقّف على النصّ كالنّجاسة من دون تفاوت وما ورد فى الموثق من قوله عليه‌السلام كلّ شيء نظيف حتّى تعلم انّه قذر موثق فلا يكون حجّة وعلى تقدير التّسليم لا دلالة فيها لامكان ارادة كلّ ماء طاهر طهارته مستصحبة حتّى تعلم انه قذر مع انّ ثبوت هذا الاصل الكلّى بهذا محلّ تامّل انتهى وعلى

٧

القول المحكىّ عن المحقّق الخوانسارى من عدم جريانها فى الشّبهة الحكميّة المضعّفان فى محلّه فلا ورود له من اصله اذ قد ذكرنا انّ البحث انّما هو فى الاصول الجارية فى الشّبهة الحكميّة ويجاب عن التّوهم امّا عن اصالة العدم فبانها ليست اصلا على حدّة بل هى امّا داخلة فى الاستصحاب او فى اصل البراءة وإن كان ظاهر الفقهاء وجمع من الاصوليّين انّها اصل على حدّة قال فى الفصول ومن الادلّة العقليّة اصل العدم عند عدم الدّليل وقد عرفت انّ مورده اعمّ من مورد اصل البراءة من وجه لجريانه فى نفى الاحكام التّكليفيّة الّتى يجرى فيها اصل البراءة وفى الاحكام الوضعيّة الّتى لا يجرى فيها وان جرى فيما يترتب عليها من الاحكام التكليفيّة وعدم جريانه فى الموارد الجزئيّة الّتى يجرى فيها اصل البراءة وهذا الاصل معروف بينهم متداول ذكره فى الكتب الفقهيّة الى ان قال ثم انّ اقسام هذا الاصل كاقسام اصالة البراءة وموارد حجّية كموارد حجّيتها ويدلّ على حجّيته فى موارد حجّيتها امّا بالنّسبة الى الحكم التّكليفى فما دلّ على حجّية اصل البراءة من العقل والنّقل وامّا بالنّسبة الى الحكم الوضعىّ فامران الاوّل الاستصحاب ثم قال واعلم انّ اصل العدم المستفاد من هذا الدّليل فى نفى ما يحتمل اعتباره شطرا او شرطا فى الموارد الّتى تثبت لها احكام تكليفيّة او وضعيّة كالعبادات او المعاملات اللّازمة لا يصلح لتعيين الماهيّة واثبات كونها هى المجرّدة عن ذلك الجزء والشّرط كما هو فى اصل البراءة فانّ استصحاب عدم اعتبار الشّارع ايّاه باحد الوجهين لا يقتضى كون المعتبر فى ثبوت الحكم عنده هو المجرّد عنه الّا بواسطة مقدّمة عاديّة هى العلم باعتبار الشّارع فى تلك الواقعة حكما معيّنا فيكون الاستصحاب المثبت الّذى لا نقول بحجّيته ثم بيّن وجه عدم حجّية الاستصحاب المثبت بما لا حاجة لنا هنا فى ذكره ثمّ قال الثّانى عموم ما دلّ على انّه رفع عن هذه الامّة ما لا يعلمون وان ما حجب الله عن علمه عن العباد فهو موضوع عنهم الى غير ذلك وتخصيصها بالحكم التّكليفى خروج عما يقتضيه وضع اللّفظ من غير دليل الى ان قال ثم دائرة اصل العدم بحسب هذا الدّليل اعنى الاخبار اوسع من دائرته بحسب الدّليل السّابق لجريانه بمقتضى هذا الدّليل فى مطلق احكام الوضع حتّى الجزئيّة منها والشّرطيّة والمانعيّة لانّ المفهوم من اخبار الباب رفع الحكم المجهول واثبات ما يترتّب عليه من الاحكام الشرعيّة وغيرها مما يترتب عليه احكام شرعيّة عملا مظاهر الاطلاق السّالم عمّا يقتضى صرفه هنا اذ الوجه الّذى قرّرناه فى منع اطلاق اخبار الاستصحاب غير متطرّق الى اطلاق هذه الاخبار ولو لا ذلك لالتزمنا بالاطلاق هناك ايضا فاتضح بما قرّرنا انّ الاصل المثبت بالمعنى المذكور ان كان استصحابا لم يعتبر وان كان اصل

٨

العدم بالاعتبار الّذى ذكرنا يكون معتبرا هذا تحقيق ما ادّى اليه نظرى سابقا والّذى ادّى اليه نظرى لاحقا فساد هذا الوجه فانّ الظّاهر من اخبار الوضع والرّفع وما فى معناهما انّما هو وضع المؤاخذة والعقوبة ورفعهما فيدلّ على رفع الوجوب والتّحريم الفعليّين فى حقّ الجاهل خاصّة دون غيرهما وحملهما على رفع نفس الحكم وتعميمه الى حكم الوضع مع بعده عن مساق الرّواية مناف لما تقرّر عند الاصحاب من انّ احكام الوضع لا تدور مدار العلم بل ولا العقل والبلوغ الى ان قال ثمّ تؤكّد الكلام فى منع دلالة هذه الاخبار على اصالة عدم الجزئية والشّرطيّة وما فى معناهما بالنّسبة الى ما شكّ فى اتّصافه بذلك بانّ مرجع عدم وضع الجزئيّة والشرطيّة الى عدم وضع المركّب والمشروط ولا ريب فى عدم جريان اصل العدم بالنّسبة الى المركّب والمشروط لأنّ اصالة عدم وضع الاكثر فى مرتبة اصالة عدم وضع الاقلّ وعدم وضع المقيّد فى مرتبة اصالة عدم وضع المطلق فيعارضهما العلم الاجمالىّ بوضع احدهما فيسقطان عن درجة الاعتبار الى ان قال سلّمنا لكن لا ريب فى انّ الجزئيّة والشرطيّة كما ينتزعان من اعتبار الجزء فى الكلّ والشّرط فى المشروط كذلك ينتزع عدمهما من عدم اعتبارهما فيكون عدمهما ايضا حكما وضعيّا كثبوتهما ونسبة عدم العلم الى كلّ منهما بالخصوص سواء فلا وجه لترجيح اعمال الاصل بالنّسبة الى عدمهما بالخصوص مع العلم بانتقاض الاصل بالنّسبة الى احدهما لا على التّعيين بقى الاحتجاج برواية من عمل بما علم كفى ما لم يعلم فالوجه فى الجواب القدح فى دلالته بانّ الظّاهر ممّا علم ما علمه من المطلوبات النّفسيّة دون الغيريّة سلّمنا لكن معنى ما علم ما علم مطلوبيّته لا ما علم جزئيّة او شرطيّة ولا ريب فى العلم بمطلوبيّة الجزء والشّرط المشكوك فيهما من باب المقدّمة انتهى ما اردنا نقله فلنشر الى بعض ما يتعلّق بكلماته قدس‌سره فنقول قوله لجريانه فى نفى الاحكام التّكليفيّة الّتى يجرى فيها اصل البراءة الظّاهر بقرينة ما ذكره فى مبحث البراءة كون الاحكام التكليفيّة هى الاحكام الاربعة الوجوب والاستحباب والتّحريم والكراهة وفيه انّ اصل البراءة لا يجرى فى جميعها لا لأنّ التّكليف منحصر فى الوجوب والحرمة كما ذكره المحقّق القمّى قدس‌سره لاندفاعه بما ذكره فى ردّه من انّ التّكليف بحسب الاصطلاح اعمّ منهما بل لأنّ ما هو مناط اصل البراءة لا يجرى فى غير الوجوب والحرمة فانّ اصل البراءة إن كان من باب العقل الحاكم بقبح العقاب بلا بيان فظاهر عدم جريانه فى جميعها وان كان اخبار الوضع والرّفع وغيرهما ممّا سبق مساقهما فالظّاهر ان مفادها رفع المؤاخذة

٩

والعقاب وهو لا يجرى فى غيرهما وقد اعترف فى كلامه الّذى نقلنا بظهورها فى ما ذكرنا و ـ كذلك اخبار كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام وكلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهى اوامر او نهى فى رواية الشّيخ قدس‌سره صريح فيما يحتمل الوجوب او الحرمة وساير الاخبار والآيات المخالفة المساق لما ذكرنا غير دالّ على المطلوب كما سيأتى بيانه فى مباحث البراءة نعم لو كان مستند اصل البراءة قبح التّكليف بلا بيان لان التّكليف معه تكليف بما لا يطاق مع كون التّكليف اعمّ كما سيأتى نقله عن السيّد ابى المكارم قدس‌سره فله وجه فى الجملة الّا انّه غير تامّ كما سيأتى إن شاء الله الله قوله والاحكام الوضعيّة الّتى لا يجرى فيها فيه انّ الاحكام الوضعيّة غير مجعولة على التّحقيق بل هو الّذى استقرّ عليه واى المحقّقين كما فى محكى شرح الوافية بل هى امور اعتباريّة انتزاعيّة كما سيجيء فى باب الاستصحاب تحقيقه فلا يمكن ان تكون مجارى لاصل من الاصول اذ مفادها هو الجعل فى مرحلة الظّاهر مع انّ مستند اصل العدم عنده الاستصحاب واخبار البراءة وهما بعينهما مستندان الاصل البراءة فعلى تقدير قابليّة الاحكام الوضعيّة للجعل فلا بدّ من عدم الفرق بين الاصلين من هذه الجهة فلم حكم بعدم جريان اصل البراءة فى نفى الاحكام الوضعيّة قوله وعدم جريانه فى الموارد الجزئيّة فيه انّ مستند اصل العدم كما ذكره هو الاستصحاب واخبار البراءة وهما عامّان يشملان الشّبهة الموضوعيّة ايضا بل بعض اخبار البراءة الّتى هى مستند اصل العدم عنده ظاهر فى الشّبهة الموضوعيّة فقط ولو قيل بخروج هذا البعض وعدم كونه مستندا لاصل العدم فيبقى اطلاق الاخبار الأخر او عمومها بحاله فالفرق بين الاصلين من هذه الجهة تحكم قوله الاوّل الاستصحاب فيه مضافا الى عدم معنى للاستصحاب فى الحكم الوضعىّ لعدم الحالة السّابقة انّ اصل العدم على التّقدير المذكور داخل فى الاستصحاب وعلى تقدير اخذها من الاخبار فلا ريب انّ اخبار الوضع والرّفع لا تدلّ على نفى الحكم الوضعىّ وقد اعترف به ايضا وبقى اخبار أخر دالّة على ثبوت الحلية الظاهريّة فى مورد الشّك ونفى ما عداها من الاحكام التكليفيّة وهو مفاد اصل البراءة فاصل العدم المذكور امّا عبارة اخرى عن استصحابه او عن اصل البراءة فاين ما دامه من جعل اصل العدم اصلا على حدة وعقده له فصلا بانفراده وسيجيء بيان ذلك مفصّلا فى مباحث اصل البراءة قوله ثم دائرة اصل العدم بحسب هذا الدّليل اى الاخبار اوسع اه غريب اذ كما انّ الاستصحاب المثبت ليس بحجّة كذلك اصل العدم واصل البراءة المثبتان ليسا بحجّتين والدّليل هنا هو الدّليل فيما تسلّمه فى الاستصحاب من عدم دلالة الاخبار الّا على نفى

١٠

الحكم الشّرعى بلا واسطة فى مرحلة الظّاهر او مع اثبات الاباحة ايضا فيها فلا تدلّ على نفى الاحكام الغير الشّرعيّة ولا الشّرعيّة مع الواسطة وقد تسلّمه فى مبحث اصل البراءة وقال بعدم حجّية اصل البراءة المثبت لانّ المستفاد من ادلّته انّما هو مجرّد نفى الحكم لا اثبات لوازمه العاديّة ومستند اصل البراءة ايضا هو الاخبار المذكورة ولم نجد احدا فرّق بين الاصول المثبتة بالحجّية فى بعضها وعدمها فى بعضها الآخر نعم لو كانت الاصول حجّة من باب الظنّ كان المثبت منها ايضا حجّة مع عدم الفرق بينها لكنّها على تقديرها تدخل فى الامارات وتخرج عن الاصول بالمعنى الّذى نحن فيه فعلم ممّا ذكرنا فساد هذا الوجه من الجهة الّتى ذكرناها ايضا مضافا الى الوجوه الّتى ذكرها فى فساده قوله سلّمنا لكن لا ريب آه فيه انّ عدم الجزئيّة المنتزع من عدم اعتباره فى الكلّ ليس امرا حادثا حتّى يجرى فيه اصل العدم وتصحيحه بان يقال ان عدم الجزئيّة عبارة اخرى عن كلّية ساير الاجزاء المنتزعة من اعتبارها مستقلّة وهى لكون منشإ انتزاعها امرا حادثا يجرى فيه اصل العدم وان امكن الّا انّه يرجع الى الوجه السّابق الّذى ذكره وحكم بالتّعارض فيه مضافا الى المناقشة فى جعل عدم الجزئيّة والشّرطيّة ايضا حكما وضعيّا والاحكام الوضعيّة وان لم تنحصر فيما ذكره بعضهم من الاثنين والخمسة الّا انّه يستلزم كون عدم الوجوب وعدم الحرمة ايضا حكما تكليفيّا غير الاحكام الخمسة وكذلك عدم ساير الاحكام التّكليفيّة فتزيد الاحكام التّكليفيّة عن الخمسة وانحصار الاحكام التّكليفيّة فى الخمسة او السّتة كانّه مسلّم عندهم وقد ذكر الشّهيد الثّانى فى تمهيد القواعد عن بعضهم انّه زاد قسما سادسا وسمّاه خلاف الاولى ومشى على منهاجه فى الرّوضة فى باب مكروهات المصلّى ومستحبّاته الّا انّه لم ينقل عن احد زيادتها عليها ويستفاد من كلام المحقّق القمّى قدس‌سره فى حاشية منه فى باب مقدّمة الواجب انّ الانحصار مسلّم عندهم بل قيل ان انحصار الاحكام الشّرعيّة فى الخمسة ثابت بالضّرورة من الدّين بل جميع الملل والاديان قوله سلّمنا لكن معنى ما علم ما علم مطلوبيّة آه فيه مع المناقشة فى كون الظّاهر من الرّواية ما ذكره انّ دعوى العلم بمطلوبيّة الجزء المشكوك من باب المقدّمة ممنوعة فانّ الثّابت هو اشتغال الذّمة بما علم من الاجزاء والشّرائط دون غيره وسيجيء فى باب البراءة والاشتغال من المصنّف قدس‌سره تحقيق الكلام فى ذلك وليس هذه من المقدّمة العلميّة الّتى قيل انّها خارجة عن حريم البحث ومحلّ النّزاع فى مقدّمة الواجب وانّ وجوبها مسلّمة فلنرجع الى ما كنّا بصدده فنقول وامّا اصالة نفى

١١

الاكثر فهى داخلة فى اصل البراءة وليست اصلا على حدة كما سيجيء وامّا قاعدة عدم الدّليل دليل على العدم فليست ايضا اصلا على حدة توضيح ذلك انّ عدم الدّليل قد يكون دليلا قطعيّا على العدم كما لو ادّعى مدّع الامامة مع العجز عن اثبات مدّعاه بمعجزة فيحصل القطع بعدم كونه اماما وهذا القسم خارج عن مقصدنا وقد يكون دليلا ظنيّا على العدم كما فيما يعمّ به البلوى على ما فقل عن المحقّق فى المعتبر من التّفصيل بينه وبين غيره فاختار فيه انّ عدم الدّليل فى عامّ البلوى دليل على عدمه بخلاف غيره بناء على التّوجيه الّذى ذكره فى القوانين تبعا للمحدّث الأسترآبادي وسينقله المصنّف عنه فى مبحث اصل البراءة ايضا من انّ العادة تقتضى بانه لو كان حكم مخالف للاصل فيما يعمّ به البلوى لنقل الينا فيحصل الظنّ من عدم الوجدان بعدم الوجود وإن كان فى نسبته التّفصيل فى مسئلة البراءة الى المحقّق ما لا يخفى وهذا القسم من عدم الدّليل نمنع كونه دليلا على العدم لاجل عدم الدّليل على حجّية الظنّ المذكور مع انّه ح يكون خارجا عن الاصول وداخلا فى الامارات وقد يراد منه انّه مع عدم الدّليل يبنى فى مرحلة الظّاهر على العدم فتسميته دليلا ح مسامحة وهو راجع الى اصل البراءة ح وكون عدم الدليل دليلا على العدم اصلا متّفقا عليه بينهم لا يقتضى كونه اصلا على حدة غير اصل البراءة وقد جعل الشّهيد قدس‌سره فى محكىّ الذكرى مرجع عدم الدّليل الى اصل البراءة كما ذهبنا اليه وما فى الفصول من انّ الفرق بين اصل البراءة وبين الاصل الآخر المعروف بينهم من انّ عدم الدّليل دليل على العدم هو انّ الثّانى اعمّ باعتبار جريانه فى الحكم الوضعىّ دون الاوّل كما انّ الاوّل اعمّ باعتبار جريانه فى الموضوعات دون الثّانى فالنّسبة بينهما عموم من وجه انتهى فيظهر وجه النّظر فيه ممّا ذكرناه سابقا فانّ وجه البناء على العدم عند عدم الدّليل فى مرحلة الظّاهر انّما هو اخبار البراءة الجارية فى الشّبهات الموضوعيّة مع عدم قابليّة الاحكام الوضعيّة للجعل كما ذكرنا سابقا وفى القوانين بعد ان ذكر انّ الاصل هنا اى فى مقام اصل البراءة قابل لثلاثة منها الاوّل استصحاب البراءة السّابقة والثّانى انّ القاعدة المستفادة من العقل والنّقل ان لا تكليف الّا بعد البيان للزوم التّكليف بما لا يطاق لولاه والثّالث انّ الرّاجح عند العقل براءة الذمّة ان جعلها الرّاجح من معا فى الاصل اعمّ من المتيقن والمظنون قال ولكن الاصوليّين جعلوا كلّ واحد من المعنيين الاوّلين اصلا برأسه ودليلا على حدة واصالة البراءة دليلا ثالثا والاوّل هو ما يسمّونه استصحاب النّفى واستصحاب حال العقل والثّانى هو الاصل المتّفق عليه المعروف بينهم من انّ عدم الدّليل دليل على العدم

١٢

فجعل اصل البراءة قسما على حدة مشكل قال فى الحاشية لعدم مغايرته مع قسميه فانّه فرد من افراد الكلّى منهما ثم قال نعم هو نوع خاصّ من هذا الاصل وذلك لانّ هذا الاصل يجرى فى جميع الاحكام الشّرعيّة واصل البراءة مختصّ بقسمين منها انتهى باختصار وفيه اوّلا انّ احتمال كون اصل البراءة بمعنى استصحاب البراءة كما صرّح به اوّلا وفى الحاشية غير صحيح لانّ حجّية اصل البراءة عندنا على ما هو التّحقيق انّما هو من باب قبح العقاب بلا بيان وهذا الحكم العقلى ثابت فى صورة الشّك فلا يحتاج الى الاستصحاب مع انّ الاستصحاب هو ترتيب الآثار الشرعيّة الثابتة للمتيقّن للمشكوك فى مرحلة الظّاهر والاثر كما ذكرنا للشكّ لا للمتيقّن السّابق فلا يثبت للمشكوك فلا يجرى الاستصحاب وثانيا انّ القاعدة الّتى استند اليها فى اثبات كون عدم الدّليل دليلا على العدم غير تامّة الّا ان ترجع الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان او تنضم اليها فلا تكون اصلا برأسه وثالثا ان جعل مستند القاعدة المزبورة لزوم التّكليف بما لا يطاق يعطى اختصاصها بمحتمل الوجوب او الحرمة مثل اصل البراءة بملاحظة ما ذكره سابقا من انّ التّكليف منحصر فى الوجوب والحرمة فمن اين حكم بثبوت القاعدة فى جميع الاحكام الشّرعيّة الّا ان يتكلّف ويؤجّه بجعل التّكليف هنا اعمّ ممّا ذكره سابقا او ان ذكره لبيان المستند فى بعض افراد القاعدة ويعلم المستند فى الباقى بالمقايسة ثمّ قال قدس‌سره ويمكن الفرق بنحو آخر وهو ان يقال انّ ذلك الاصل اى عدم الدّليل ناظر الى اثبات الاحكام الشرعيّة ونفيها الموضوعات العامّة وهى اى اصالة البراءة ناظرة الى تعلّقها بخصوص ذمّة آحاد المكلّفين انتهى ومراده بقرينة قوله والحاصل آه وما سيذكره فى ردّ كلام المحقّق وتوجيهه انّ اصل البراءة لا نظر له الى الواقع بنفى ولا اثبات بل هو متكفّل لبيان الحكم الشّرعى الظّاهرى فى مقام العمل بخلاف قاعدة عدم الدّليل فانّه ناظر الى نفى الحكم الواقعى ظنّا فتكون هى من الامارات دون الاصول المبحوث عنها فى المقام فح يكون الفرق بينهما بالتّباين دون العموم والخصوص مطلقا فيكون هذا الكلام عدولا عمّا ذكره سابقا من انّه نوع خاصّ من هذا الاصل وفيه انّ افادة القاعدة المزبورة للظّن ثم حجّيته ممنوعتان فكانّ المحقّق القمّى قدس‌سره اثبت الاصل المذكور بمعنى القاعدة بناء على اصله من حجّية الظنّ مطلقا لكن لا اصل لاصله عند المحقّقين القائلين بانّ الاصل حرمة العمل بالظّن الّا ما خرج بالدّليل وامّا الاباحة والحظر فان قلنا بالاباحة الواقعيّة كما ذهب اليه المحقق القمّى فى القوانين بل نزل النّزاع والخلاف عليها وعلى الخطر الواقعى فهى خارجة عن الاصول العمليّة الّتى هى احكام

١٣

ظاهريّة للشّاك فى مقام العمل وكذلك ان قلنا بالحظر الواقعى وان قلنا بالاباحة الظّاهريّة كما ارتضاه صاحب الفصول مع تنزيله النّزاع على الاعمّ من الظّاهريّين والواقعيين فهى داخلة فى اصل البراءة غاية الامر انّها نوع منه اذ هو يجرى فيما يحتمل الاباحة الخاصة وفيما لا يحتملها كما فى صورة دوران الامر بين الاستحباب والوجوب او الكراهة والحرمة او الكراهة والوجوب بخلاف اصل الاباحة فانّه لا يجرى الا فيما يحتملها كما لا يخفى وكذلك ان قلنا بالخطر الظّاهرى فهو داخل فى الاحتياط وامّا اصالة عدم الزّيادة واصالة عدم تقدم الحادث وما يجرى مجريها على تقدير حجّيتها فهى اصول موضوعيّة لا ينتقض بها الحصر وامّا اصالة الطّهارة فهى ليست اصلا على حدة ايضا لانّ الاحكام الوضعيّة غير مجعولة عند المصنّف وسيأتى تحقيقه فى مبحث الاستصحاب فهى منتزعة عن الاحكام التّكليفيّة فمع الشّك يجرى الاصل فى منشإ الانتزاع فيقال الاصل براءة الذّمة عن وجوب الاجتناب وهو معنى الطّهارة والى هذا ينظر كلام الشّهيد قدس‌سره حيث قال انّ النّجاسة ليست الّا وجوب الاجتناب والطّهارة ليست الّا عدم وجوب الاجتناب فتحقّق وثبت بما ذكرنا كون الحصر حاصرا قوله لانّ الشكّ امّا ان يلاحظ آه يفهم منه ان الاستصحاب لا بدّ فيه من امرين الحالة السّابقة والاستناد اليه وملاحظته سواء كان الاستصحاب حكم العقل بالبقاء او حكم الشّرع بالبقاء على الاختلاف ويدلّ عليه تعاريفهم بانّه ابقاء ما كان او بزيادة على ما كان بناء على اشعار التعليق بالوصف على العلّية وانّ علّة الحكم بالبقاء لكونه كان وقولهم ان هذا قد كان ولم يظنّ عدمه وكلّما كان كذلك فهو مظنون البقاء وغيرها من التعاريف وتعليلاتهم بان ما ثبت دام الى غير ذلك وفى الاخبار ايضا دلالة عليه كقوله ع فى خبر زرارة لانّك كنت على يقين من وضوئك فشككت فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشّك آه ومن امثال الخبر المذكور يستدل على تقديم الاستصحاب على ساير الاصول العمليّة لكونه برزخا بين الاصل والامارة وان لسانه لسان ترتيب الآثار المترتّبة على المتيقّن السّابق على المشكوك اللّاحق ولذا حكموا بنجاسة ملاقى ما حكم بنجاسته من باب الاستصحاب ولم يحكموا بنجاسة ملاقى الشّبهة المحصورة الّتى حكم فيها بالنّجاسة من اجل قاعدة الاشتغال وغير ذلك من الفروع هذا وحيث ان التّقسيم المذكور لبيان تميز مجارى الاصول العمليّة بعضها عن بعض فالظّاهر منه اشتماله على تعريف كلّ واحد منها على نحو يكون جامعا لجميع الافراد ومانعا عن دخول الاغيار وعلى هذا فيكون مورد الاستصحاب ممتازا عن موارد ساير الاصول من حيث اعتبار وجود الحالة السّابقة وملاحظتها فيه بخلاف موارد ساير الاصول الأخر حيث انّها لم يلاحظ فيها الحالة السّابقة ومجاريها اعمّ من وجود الحالة السّابقة وعدمها فاصالة التّخيير تجرى فى صورة وجود الحالة السّابقة بمعنى كون

١٤

الحالة السّابقة ايضا التّخيير وعدمها وكذلك اصل الاشتغال الّا اصل البراءة فانّه لا ينفكّ عن وجود الحالة السّابقة الّا انّ حجّيته ليس لأجل الملاحظة للحالة السّابقة ومن هذا تبيّن خطاء من تمسّك لحجّية اصل البراءة باستصحابها ونذكر مفصّلا خطاء هذا الوهم فى الموضع الاليق به انش عند تعرّض المصنّف له هذا لكن ما ذكرنا من اعتبار وجود الحالة السّابقة وملاحظتها معا فى مورد الاستصحاب المستفاد من كلامه قدس‌سره هنا مناف لما سيذكره فى تعريف الاستصحاب ردّا على تعريف المحقق القمّى الاستصحاب بكون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السّابق مشكوك البقاء فى الآن اللّاحق بانّه تعريف لمحلّ الاستصحاب ومورده لا لنفسه حيث انّه يعلم منه ان مجرى الاستصحاب ومورده هو وجود الحالة السّابقة ولا يعتبر فيه ملاحظتها وان كانت معتبرة فى الاستصحاب واصرح منه ما ذكره فى مقام ذكر اخبار الاستصحاب بعد ذكر قوله عليه‌السلام كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر ان قاعدة الطّهارة اعمّ من استصحابها بحسب المورد وهو لا يجتمع مع ما ذكر فى هذا المقام حيث يفهم منه عدم كون كليهما معتبرين فى المورد وقد قيل انّه لا يلزم فى اصل البراءة ايضا وجود الحالة السّابقة ومثل له بخلق السّاعة حيث شكّ فى تكليفه ايجابا وتحريما وهو تمثيل غريب ويمكن التّمثيل بما اذا كان الحالة السّابقة الوجوب ونسخ وقلنا بعدم بقاء الجواز من اجل عدم بقاء الجنس مع ذهاب الفصل كما هو التّحقيق فانّه يرجع الى اصل البراءة فى بعض موارد المسألة مع انّ الحالة السّابقة الوجوب وكذلك فى مسئلة نسخ التّحريم وبما اذا كان الوجوب او التّحريم موقّتا بوقت وانقضى فانه يرجع الى اصل البراءة فى بعض الموارد على بعض الاقوال مع انّ الحالة السّابقة الوجوب او التّحريم وغير ذلك من الامثلة فتامّل جدّا هذا وامتياز موارد ساير الاصول بعضها عن بعض واضح وكيف كان فالعبارة المذكورة فى الكتاب لا تخلو عن شيء والعبارة الّتى سيذكرها فى مبحث اصل البراءة من ان ما يمكن فيه الاحتياط على قسمين امّا ان يدلّ دليل عقلى او نقلى على ثبوت العقاب بمخالفة الواقع المجهول وامّا ان لا يدلّ فالاوّل مورد الاحتياط والثّانى مورد البراءة اولى من العبارة المذكورة هنا اذ لا يرد عليها ما سنذكره من جريان اصالة الاحتياط فى بعض موارد الشّك فى التّكليف وجريان اصالة البراءة فى بعض موارد الشّك فى المكلّف به ولا تحتاج الى الاجوبة الّتى سنذكرها كما انّ عبارة اصل الكتاب اولى من العبارة المبدوّة بقوله وبعبارة اخرى لانّ مقتضى هذه العبارة جعل مورد التّخيير منحصرا فى الشّك فى المكلّف به مع انّ مورد التّخيير اعمّ منه ومن الشّك فى التّكليف ومثال الاوّل صورة اشتباه الواجب بالحرام ومثال الثّانى صورة اشتباه الوجوب والحرمة ودوران الامر بينهما لانّ المراد بالشّك فى التّكليف

١٥

الشّك فى نوعه وان علم جنسه كما سيصرّح به فى مباحث البراءة ثمّ اعلم انّ اصل التّخيير اصل عقلى والاستصحاب يمكن ان يكون عقليّا ويمكن ان يكون نقليّا على مذهب بعضهم كالمحقق القمّى قدس‌سره لكن مذهب المصنّف ره انّه نقلى واصل البراءة يمكن ان يكون عقليّا ويمكن ان يكون نقليّا واصل الاشتغال عقلىّ عنده مبناه دفع الضّرر المحتمل والاخبار مؤكّدة له بقى الكلام فى انتقاض مجارى الأصول بعضها ببعض فنقول قد ينتقض مجرى التّخيير بمجرى البراءة فانّ مورد التّخيير ما لا يمكن فيه الاحتياط مع عدم ملاحظة الحالة السّابقة إن كانت ويجب كونه مساويا التّخيير فى الصّدق كما هو شأن جميع المعرفات المطّردة والمنعكسة مع انّه فى صورة دوران الامر بين الوجوب والحرمة والاباحة او بينهما والكراهة او بينهما والاستحباب يرجع الى البراءة كما هو مذهب المحقّقين ومنهم المصنّف قدس‌سره ويوجه ونقل عن المصنّف قدس‌سره انّه يلاحظ التّكليف الالزامى وهو القدر المشترك بين الوجوب والحرمة مع الاباحة مثلا والاحتياط هنا الاخذ بالطّرق الالزامى فيكون من قبيل ما يمكن فيه الاحتياط فلا غرو فى الرّجوع فيه الى اصل البراءة ثمّ لو اراد المكلّف الاحتياط يتخيّر فى تحصيله فى الالتزام بالوجوب او الالتزام بالحرمة فيفعل بعنوان الوجوب رجاء الى انّه الواقع او يترك بعنوان الحرمة رجاء الى انّها الواقع اذا كان الوجوب والحرمة تعبّديين او يفعل او يترك مطلقا اذا كانا توصّليين ففى الاوّل يدرك ثمرات الواجب والحرام التعبّديين من الثّواب والعقاب وغيرهما وعلى الثّانى يدرك ثمرتهما من التوصّل الى الواجب او الحرام وضعّف بانّ الشّك عنا شكّ واحد غاية الامر انّه ذو اطراف فلا يجرى فيه الّا اصل واحد وهو البراءة وليس هنا شكّان مستقلان حتّى يجرى فيها اصلان ويمكن دفع النّقض ايضا بانّ التّقسيم المذكور مشعر بالتّعاريف على نحو يحصل به الامتياز عن بعض ما عداها وقد جوّز بعض المتاخّرين التّعريف بالاعمّ او انّ الحيثيّات معتبرة فى الحدود وبها تحصل المناص عن الانتقاض ولا يخفى ما فى الاوّل من التعسّف وما فى الثّانى بانّ الحيثيّات المعتبرة فى الحدود النّافعة فى المقام هى الحيثيّات التقييدية لا التّعليليّة والحيثيّة المتصوّرة هنا تعليليّة لا يندفع بها النّقض فان قيل اختلال تعريف مجرى التّخيير لازم على كلّ حال فانّ مذهب المصنّف قدس‌سره فى مباحث اصل التّخيير التوقّف لا الرّجوع الى التّخيير فى غير صورة كون الواجب والحرام كليهما تعبّديين او احدهما تعبّديّا والآخر توصليّا وان مال الى اصل التّخيير فى هذه الرّسالة فى الشبهات الحكميّة مع تامّل فيها على بعض الوجوه فالتّعريف غير منعكس قطعا قلنا التّعريف مبنى على مذهب المشهور القائلين بالرّجوع الى اصالة التّخيير فى جميع صور دوران الامر

١٦

بين المحذورين وان ورد الاشكال فى بعض صوره على مذهبهم ايضا كما اذا كان الحالة السّابقة الوجوب او الحرمة ودار الامر بينها فى الزّمان اللّاحق فانّ الحقّ ورود الاستصحاب على اصل التّخيير كما سيأتى فى مباحث الاستصحاب مع انّه ممّا لا يمكن الاحتياط فيه الّا ان يقال انّ التّقسيم ناظر الى ذكر بعض المميّزات فلا ينافى الاحتياج الى مميّز آخر به يكمل التّعريف وهنا لا بدّ من قيد آخر وهو كون الشّخص متحيّرا ومع جريان الاستصحاب لا تحيّر وبمثل هذا يندفع الاشكال عن اغلب النقوض المذكورة والآتية هذا وامّا على مذهب القائلين بترجيح جانب الحرمة فى صورة دوران الامر بين المحذورين لبعض الوجوه المزيّفة فلا اصل تخيير عنده فان قيل لا يمكن انكار اصل التّخيير رأسا على مذهبه ايضا لانّ التّخيير فى صورة تعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجّية مع تكافؤهما ثابت عند المشهور بل قد ادّعى عليه الاجماع قلنا ليس ذلك من التّخيير المبحوث عنه بيان ذلك انّ التّخيير على اقسام احدها التّخيير الواقعى الشّرعى فى المسألة الفرعيّة كالتّخيير فى خصال الكفّارة والتّخيير فى المواطن الاربعة وغير ذلك وخروجه عن المبحوث عنه ظاهر والثّانى التّخيير الشّرعى الظّاهرى فى المسألة الفرعيّة وقد سلك هذا المسلك جماعة من الفقهاء فى جملة من الموارد الفقهيّة ممّا هى فى صورة تعارض الخبرين او الدّليلين كما فى مسئلة السّفر الى اربعة فراسخ مع عدم الرّجوع ليومه وفى مسئلة خفاء الاذان او الجدران وفى مسئلة الاضطجاع على الايمن او على الايسر عند عدم القدرة على القيام والجلوس وفى مسئلة استحباب التحنّك فى حصوله بكلّ واحد من الارسال والادارة تحت الحنك من جهة اختلاف الاخبار فى ذلك وغير ذلك وهذا التّخيير على تقدير ثبوته يكون اصلا ظاهريّا شرعيّا فى مورد الشّك الّا انّه لا دليل عليه على هذا الوجه لانّ الفتوى بالتّخيير المذبور امّا من جهة الجمع الدّلالى او من جهة الخارج من الشّهرة والاجماع فيكون من قبيل القسم الاوّل اعنى التّخيير الواقعى فى المسألة الفرعيّة فتدبّر وامّا من جهة تخيّل استلزام الرّجوع الى التّخيير فى المسألة الاصوليّة الرّجوع الى التّخيير فى المسألة الفقهيّة او انّه عبارة اخرى عنه لكن هذا التخيّل لا منشأ له بل هو خيال فاسد لانّ الفرق بين التّخيير فى المسألة الاصوليّة والتّخيير فى المسألة الفرعيّة وعدم استلزام ايّاه اظهر من ان يخفى على احد وسيجيء توضيحه فى محلّه الثّالث التّخيير الشّرعى الظّاهرى فى المسألة الاصوليّة وهذا التّخيير خارج عن المبحوث عنه الّذى هو من الاصول العمليّة الّتى هى المرجع للشاك فى الحكم الفرعى الالهى الكلّى ولا ينافى هذا ما تقدم من كون الحكم الشّرعى اعمّ من الاصولىّ والفرعىّ اذ هو لا ينافى القول بكون المقصود بالاصالة فى الكتاب بيان الاصول الجارية فى الشّبهات

١٧

والحكميّة فى المسألة الفرعيّة وان جرى فى المسألة الاصوليّة فتكون الاصول الجارية فى المسألة الاصوليّة فقط كالتّخيير المذكور خارجة عن محلّ البحث فتدبّر الرّابع التّخيير العقلى الواقعى فى المسألة الاصوليّة كما اذا قلنا بحجّية الاخبار من باب السّببيّة والمصلحة فمع تعارض الخبرين وتكافؤهما يرجع الى التّخيير العقلى بمعنى ادراك العقل ايّاه بملاحظة عدم قدرة المكلّف على ايجاد كليهما والعمل بهما وليس التّخيير المذكور من قبيل ما انشأه العقل وحكم به ولا تخييرا شرعيّا لانّ قوله صدّق كلّ عادل مفاده الوجوب التّعيينى ولا يجوز ارادة الوجوب التّعيينى عند عدم التّعارض والتّخييرى عنده لعدم جواز استعمال اللّفظ فى اكثر من معنى ويمكن الحكم بكون التّخيير المذكور تخييرا شرعيّا لا على نحو استعمال اللّفظ فيه حتّى يرد ما ذكر بل من جهة الدّلالة التبعيّة من باب البيّن بالمعنى الاعمّ او من باب دلالة الاشارة نظير دلالة المفاهيم ووجوب الواجب على وجوب مقدّمته ودلالة الامر بالشّيء على النّهى عن ضدّه على بعض الاقوال والكاشف عنه هو العقل فهى من باب العقليّات الغير المستقلّة بمعنى الادراك لا الانشاء كما ذكرنا وتسميتنا التّخيير المذكور تخييرا واقعيّا انّما هى تبعا لما يستفاد من كلمات المصنّف قدس‌سره الخامس التّخيير الواقعىّ العقلى فى المسألة الفرعيّة مثل التّخيير بين الافراد فى مثل نحو صلّ وصم واعتق رقبة وفى مثل انقذ كلّ غريق ولا فرق فى الاوّل بين كون مدلول الامر الطبيعة او ايجادها فيما نحن فيه والتّخيير فى مثل الامثلة الاولى من جهة كفاية ايجاد الطبيعة فى ضمن فرد فيتخيّر فى ايجادها فى ضمن اىّ فرد شاء والتّخيير فى الثّانية يتصوّر فى مقام لا يقدر على ايجاد فردين او افراد منها فيتخيّر لكن يشترط فى ثبوت التّخيير فيها عدم كون احدهما اهمّ فى نظر الامر مثل ان يكون احد الغريقين نبيّا او وصيّا مثلا والتّخيير المتصوّر فى هذا القسم مثل التّخيير المتصوّر فى القسم الرّابع من جهة عدم كونه تخييرا عقليّا بمعنى انشائه بل بمعنى ادراكه كما فصّل فيما سبق وخروج هذا القسم وسابقه من التّخيير المبحوث عنه فى المقام ظاهر والسّادس التّخيير العقلى الظّاهرىّ فى المسألة الفرعيّة وهذا هو التّخيير المبحوث عنه فى المقام فظهر انّه مع انكار التّخيير فى دوران الامر بين المحذورين لا يبقى اصل تخيير هذا وقد ينتقض حدّ البراءة والاحتياط وساير الاصول فى موارد بناء على كون ما ذكر تعريفا مطّردا ومنعكسا احدها وجوب الفحص فى الشّبهات الحكميّة فى موارد اصل البراءة والاستصحاب واصالة التّخيير ومع عدمه يجب الاحتياط مع كون المورد من موارد الاصول المزبورة الثّانى الشّبهة المحصورة فيما اذا لم يكن لبعض الاطراف اثرا وكان خارجا عن محلّ الابتلاء فانّ مذهب المصنّف قدس‌سره الرّجوع فى الطّرف الآخر منها الى

١٨

البراءة مع انّ الشّك فى المكلّف به والمقام مقام الاحتياط الثّالث الشّبهة الغير المحصورة فان مذهب الاكثر ان لم يكن كلّهم الرّجوع فيها الى البراءة بشرط ابقاء مقدار الحرام الرّابع الشّك الحاصل فى الاقلّ والاكثر الارتباطيّين فانّ مذهب المصنّف قدس‌سره وجمع كما سيجيء الرّجوع فيه الى اصل البراءة مع انّ الشّك فى المكلّف به والجواب امّا عن الاوّل فبان عدم الرّجوع الى الاصول المذكورة قبل الفحص انّما لفقدان الشّرط وهو الفحص لا لوجود المانع وهذا الجواب راجع الى ما ذكرنا سابقا من ان التّقسيم للاشارة الى بعض المميّزات مجارى الاصول واحالة بيان المميّزات الأخر والشّروط والموانع الى مواضعه والّا فيشترط فى الاستصحاب مثلا ان يكون الشّك فى الرّافع وفيه وفى البراءة ان لا يكون مثبتا وغير ذلك فلا يجرى الاستصحاب فى كلّ ما لوحظ فيه الحالة السّابقة والبراءة فى كلّ شكّ فى التّكليف وكلّ ذلك يصادم كون ما ذكر تعريفا تامّا كاملا جامعا مانعا هذا وامّا جريان الاحتياط فى موارد النّقض المزبور فلانّه لمّا كان لا بشرط يجرى فى كلّ موضع لكن فى موارد النّقض للمكلّف مندوحة عنه بان يتفحّص فيرجع الى الاصول بعد اليأس عن الدّليل بخلاف الشّك فى المكلّف به فانّه لا مناص عنه والحاصل انّ المراد بالاحتياط الّذى لا يجرى الّا فى الشّك فى المكلّف به ولا يجرى فيه الّا هو هو الاحتياط اللّازم الّذى لا طريق الّا اليه ولا مناص عنه والّا فحسن الاحتياط وكونه احد فردى الواجب التّخييرى ممّا لا يمكن انكاره فى موارد الامارات والظنون المطلقة بل الخاصّة كما سيأتى شرحه إن شاء الله الله تعالى وامّا عن الثّانى فلعدم تنجز الخطابات النّاهية عن ارتكاب الشّبهة المحصورة فى حقّ غير المبتلى عقلا وعرفا فيكون الشّك فى طرف المبتلى به شكّا فى اصل التّكليف فيرجع الى اصل البراءة وامّا عن الثالث فلان جواز ارتكاب الشبهة فيها انّما هو لقيام الاجماع والاخبار والادلّة العقليّة وغيرها ولا يرجع فيها الى اصل البراءة ولذا يشترط فيها ابقاء مقدار الحرام والسرّ فيه عدم نهوض اخبار البراءة فى صورة العلم الاجمالى فليس جواز الارتكاب لاجل الاصل بل استكشف من الادلّة قناعة الشّارع بترك بعض المحتملات وجعل البعض المتروك بدلا ظاهريّا عن الحرام الواقعى وامّا عن الرّابع فلان الشّك فى وجوب الاكثر شكّ فى اصل التّكليف ولذا يرجع فيه الى البراءة قوله وقد وقع الخلاف فيها اه فبعضهم ذهب الى الاحتياط فى الشّبهة التّحريميّة التّكليفيّة كالاخباريّين وبعضهم كالمحقّق القمىّ قدس‌سره فى الشّبهة المحصورة الّتى من المقصد الاوّل فى القطع الشكّ فى المكلّف به الى البراءة وغير ذلك من الخلافات الآتية فى محالّها انش حجيّة القطع قوله وليس طريقيته

١٩

قابلة لجعل الشارع اه اى اعتباره وحجّيته ليس بجعل الشّارع والّا فطريقيّة الظنّ وكشفه ايضا ذاتى له والسرّ فى ذلك انه كما انّ الوجودات لا بدّ وان تنتهى الى وجود واجب يكون وجوده ذاتيّا والتصوّرات النّظرية منتهية الى التّصورات البديهيّة والتّصديقات النظريّة الى التّصديقات البديهيّة بناء على امتناع اكتساب التّصديق النّظرى من التصوّر البديهى كذلك لا بدّ ان تنتهى الحجج الى ما يكون حجّة بالذّات دفعا للدّور والتّسلسل فى جميعها وامّا استدلال بعضهم على حجّيته بالاجماع فهو لانّ حجّيته الاجماع المحصّل لاجل افادته القطع فلا يكون حجّية القطع لاجل الاجماع للزوم الدّور هذا وجه آخر ان الجعل سواء كان تشريعيّا ام تكوينيّا لا يمكن ان يتعلّق الّا بالامور الممكنة لامتناع ايجاد الواجب بالذّات والممتنع بالذّات والممكن ما ساوى طرفاه فلو كان جعل حجّية القطع ممكنا لكان جعل عدم حجّيته ايضا ممكنا وليس كذلك للزوم التّناقض كما سيأتى فيكون حجّية القطع ضروريّة الثبوت وذاتيّة له وما يكون بين الثّبوت لشيء لا يعلّل بشيء غيره ولا فرق فيما ذكرنا بين كون المجعول هو الماهيّة او الوجود لانّ لوازم الماهيّات ايضا على القول الاوّل ليس مجعولا بجعل آخر بل بجعل نفس الماهيّات كما قرّر فى محلّه وجه آخر انّ الغرض من الجعل امّا ترتيب الحكم الواقعى وامّا ترتيب الحكم الّذى هو من سنخ الحكم الواقعى اعنى الحكم الظّاهرى والاوّل فاسد لوجوه الاوّل ان القاطع بمجرّد قطعه يرتّب صغرى وكبرى ويحصّل منهما النّتيجة ولا يتوقّف على ملاحظة ان الشّارع جعله حجّة فيلزم لغويّة الجعل واللّغو لا يصدر عن الحكيم الثّانى انّ الاحكام الواقعيّة ليست ثابتة للخمر المقطوع مثلا بل للخمر الواقعى لانّ الكلام مفروض فى القطع الطّريقى دون الموضوعىّ الثّالث انّ الموضوع فى القضايا الشّرعية والعقليّة علّة للمحمول او منطبق عليها فلو كان الحكم الواقعى الثّابت للخمر الواقعى اللّابشرط ثابتا للخمر المعلوم مثلا لزم توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد وهو محال وهذا الوجه والوجه الثانى ناظر الى كون الغرض من الجعل ترتّب الحكم الواقعى على الموضوع الواقعى فتبصّر والثّانى ايضا فاسد لانّ جعل الحكم الظّاهرى انّما هو فى مورد الشّك وعدم العلم بالواقع ومع القطع به لا معنى للحكم الظّاهرى ويظهر من صاحب الفصول قدس‌سره القول بان حجّية القطع مجعولة وانه يكون هناك حكمان واقعى وظاهرى قال فى مسئلة الخطر والاباحة فى الاشياء قبل العثور على الشّرع فى جملة كلام له انا لا نريد بالحكم الواقعى الّا الحكم الّذى يشترط فى تعلّقه بالمكلّف علمه به فلا يكون عند عدم

٢٠