إيضاح الفرائد - ج ٢

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

الاقل انما يكون اقل اذا اتحدت اشخاص الرواة فى الخبرين او تساووا فى الصّفات امّا اذا تعددوا وكانت صفات الاكثر اكثر فلا انتهى وفيه نظر ظاهر قوله وحكى عن بعض العامة وهو الكرخى قوله ولازم هذا القول اه مع ان الترجيح بالكثرة والاعدلية موجود فى الشّهادة ايضا الّا ان يقال بعدم اعتبارهما عندهم فيهما قوله كان يكون احدهما بقراءته اه والمشهور ترجيح قراءة الشيخ عليه على قراءته على الشيخ لان الشيخ اعرف بوجوه ضبط الحديث وتاديته ولانّه خليفة رسول الله ص ولأنّ النبىّ ص اخبر الناس واسمعهم ما جاء به وفى صحيحة عبد الله بن سنان قال قلت لابى عبد الله ع يجيء القوم فيسمعون منى حديثكم فاضجر ولا اقوى قال فاقرأ عليهم من اوله حديثا ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا فعدوله ع الى قراءة هذه الاحاديث مع العجز يدل على اولويته على قراءة الرّاوى والّا لامر بها انتهى قال فى القوانين بعد نقل هذا الاستدلال فيه نظر وقيل بتساوى قراءة الشيخ عليه وقراءته على الشيخ وقيل بان قراءة على الشيخ اعلى قوله وهكذا غيرهما من انحاء التحمل كالاجارة والمناولة وهو ان يناوله كتابا لنسخ اصله ويقول هذا سماعى من فلان فاروه عنى والمكاتبة بان يكتب الشيخ مروياته له والاعلام بان يعلم الشيخ الطالب انّ هذا الكتاب او هذا الحديث روايته عن فلان من غير ان يقول اروه عنى والوجادة وهى ان يجد الحديث مكتوبا قوله كون (١) اقرب الى الواقع قد صرح فى السابق انّ المناط فى الترجيح ليس هو القرب الى الواقع بل لو كان احتمال الخطاء فى احدهما اقل بالنسبة الى الآخر بحسب الاخذ به فلا بد من تاويل هذا الكلام بما يرجع اليه لانّ الظاهر يحمل على النصّ قوله ان بعضهم تخيّل وهو سيد مشايخه فى المفاتيح على ما حكى قوله بناء على انه لا دليل على الترجيح بالامور التعبّدية ان اراد بالامور التعبدية ما لا يفيد الظنّ اصلا ولو ضعيفا ففيه انه لا غضاضة فى الترجيح بها بعد اعتبار الشارع اياها بمثل قوله ع فان المجمع عليه لا ريب فيه وان اراد بها ان الشارع لم يعتبرها فهو ممنوع بعد ما سمعت مع انك قد سمعت ان اخبار التخيير لا اطلاق لها بل هى اما مهملة او محمولة على التساوى من جميع الجهات وانّ الاصل فيما يحتمل الترجيح به الترجيح به فراجع قوله كان مسقطا للخبر اه هذا ان استند فى حجّية خبر العادل الى الاجماع اذ لا بد فيه من الاخذ بالقدر المتيقن والرجوع فى غيره الى الاصل وامّا اذا استند الى اطلاق آية البناء وغيره فلا فرق فيه بين مظنون الكذب وغيره كما هو واضح قوله اذ فرق واضح اه لان ما يوجب مرجوحيّة الخبر فى نفسه يخرجه عن الحجية الثانية ايضا وما يوجب مرجوحية عند التعارض يخرجه عن الحجية الفعلية قوله واما ما يرجع الى المتن فهى امور وفى النهاية جعل الترجيحات الراجعة

__________________

(١) احدهما

١٠٤١

الى اللفظ امورا الفصيح راجح على الركيك الخاص يقدم على العام قال قيل الحقيقة مقدم على المجاز وهو ضعيف لانّ المجاز الراجح اظهر اذا كانا حقيقتين احدهما اظهر فى المعنى لكثرة ناقليه فهو اقوى من غيره اذا كان وضع احدهما على مسماه مجمعا عليه والآخر مختلف فيه فالاوّل راجح على الثانى ما يمكن العمل به بمجاز واحد اولى مما لا يمكن العمل به الّا بمجازين ما لم يدخله التخصيص اولى مما دخله التخصيص الدّال على المراد بوجهين ارجح مما يدلّ بوجه واحد الحكم اذا اقترن بالعلّة كان راجحا على المنفرد عنها المؤكّد ارجح من غيره المقترن بتهديد مقدم على غيره المنطوق مقدم على المفهوم يرجح المجاز على المجاز الآخر لشهرته الحقيقة المشهورة ارجح من غيرها ما يدل بمفهوم الموافقة اولى مما يدلّ بمفهوم المخالفة الدال من حيث الاقتضاء راجح من الدال بالاشارة لترجيحها بقصد المتكلم لها بخلاف الثانى دلالة الاقتضاء ارجح من دلالة الايماء دلالة الاقتضاء اولى من دلالة المفهوم الى غير ذلك وفى الفصول ذكر فى مرجحات المتن تقدم الفصيح على الركيك والافصح على الفصيح ثم استشكل فى هذا وما اشتمل على اسلوب كلام المعصوم على غيره والدال بطريق الحقيقة على الدال بطريق المجاز والحقيقة الشرعيّة والعرفية على اللغوية (١) قال وقد يرجح العام الغير المخصّص على العام المخصّص وربما امكن العكس وفى المناهج واما المتن فيرجح المعلّل والمؤكد والفصيح لا الافصح والمتضمّن للتهديد والمروى باللّفظ والحقيقة والاقرب اليها والشرعيّة من الحقائق ثم العرفية واشهر المجازات علاقة والاقل تجوزا والكلّ على المشترك والمنطوق على لازمه والمفهوم وبالاقتضاء على الاشارة والايماء ومفهوم الموافقة على المخالفة والعام المخصّص على الخاصّ المأوّل وغير المخصص على المخصّص وفى القوانين جعل من مرجحات المتن تقديم المروى باللفظ على المروى بالمعنى والمقر ومن الشيخ على المقر وعليه وتقدم المؤكد الدلالة على غيره سواء كان من جهة تعدد مواضع الدلالة فى احدهما او من جهة اخرى مثل تاكد الحكم بالقسم والتغليظ ومثل ما كان احدهما معلّلا دون الآخر او يكون دلالة احدهما بعنوان الحقيقة والآخر بعنوان المجاز او احدهما بعنوان المجاز الاقرب (٢) والآخر بالخصوص قوله وقد عدها من مرجحات المتن جماعة قد عرفت عن العلامة وغيره انهم جعلوا مرجّحات الدلالة من مرجّحات المتن وقد عرفت سابقا احتمال دخول مرجحات المضمون بل ومرجحات جهة الصّدور فى مرجحات المتن قوله عمل بابعدهما من قول العامة وليس فى كلامه بيان جهة وجوب الاخذ بخلاف العامة لكن فهم المحقق ره من كلامه ان وجهه التعبد كما سيجيء وهو الظاهر قوله وهو اثبات مسئلة علمية اه الظاهر ان مراده بالمسألة العلمية هى المسألة الاصولية ولا يخفى ان خبر الواحد

__________________

(١) ثم استشكل فى ذلك

(٢) والآخر بالابعد او احدهما بعنوان المنطوق والآخر بالمفهوم او احدهما بالعموم

١٠٤٢

حجة فى المسائل الاصوليّة والفقهيّة نعم لا يكون حجة فى المسائل الاصولية الاعتقادية بناء على اعتبار القطع فى الاصول وكيف لا يكون الخبر حجة فى اصول الفقه مع عموم ادلّتها (١) مثل المقبولة الّتى رواها المشايخ الثلاثة وقد سبق من المصنّف نقل مثل ذلك عن المحقق ره ورده فى باب الاحتياط فراجع قوله مع انه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة اه قال المفيد على ما حكى عنه فى الرد على اصحاب العدد حين تعلقوا فى ترجيح ما جاء فى ذلك من الأخبار على ما يعارضها بان المعارض جاء على مذهب العامة وقد قال الصّادق ع اذا اتاكم عنا حديثان فخذوا بابعدهما من قول العامة بعد ان ذكر انهم لم ياتوا بالحديث على وجهه والحديث المعروف قول ابى عبد الله ع اذا اتاكم عنا حديثان مختلفان فخذوا بما وافق منهما القرآن فان لم تجدوا لهما شاهدا من القرآن فخذوا بالجمع عليه فانه لا ريب فيه فان كان فيه اختلاف وتساوت الاحاديث فيه فخذوا بابعدهما من قول العامة ما نصه وانما المغنى فى قولهم فخذوا بابعدهما من قول العامة ما روى فى مدايح اعداء الله والترحّم على خصماء الدّين ومخالفى الايمان فقالوا اذا اتاكم عنا حديثان مختلفان احدهما فى تولّى المتقدمين على امير المؤمنين ع والآخر فى التبري منهم فخذوا بابعدهما عن قول العامة لانّ التقية تدعوهم بالضّرورة الى مظاهرة العامة بما يذهبون فى ائمّتهم وولاة امرهم حقنا لدمائهم وسترا لشيعتهم انتهى ومنه يظهران طعن المفيد ليس فى السّند كما توهمه بعض المحشين بل فى جواز حمل الأخبار المختلفة فى الفروع على ذلك مع ان فيه نظرا ظاهرا لان التقية عن العامة كما كان فى الاصول كان فى الفروع ايضا كما هو من الوضوح بمكان مثل مسئلة متعة النساء ومتعة الحج وصلاة التراويح وغير ذلك مما لا يخفى قوله كما جاز الفتوى لمصلحة اه يعنى الفتوى بما لا يحتمل التاويل او بالظاهر فيما يحتمله قوله كذلك يجوز الفتوى اه يعنى الفتوى بخلاف الظاهر فيما يحتمله قوله احدهما مجرّد التعبّد اه يعنى انه لا يعلم جهة وجوب الاخذ بمخالفة العامة تفصيلا وامّا حسن مجرد المخالفة فهو راجع الى العلم بالجهة فى الجملة ومن ثم جعله مقابلا لهذا الوجه قوله ويظهر من المحقق استظهاره اه فى الظهور المذكور تامل بعد امكان استفادة تمام الوجوه الاربعة من الأخبار وليس فى كلام المحقق الّا ان الظاهر احتجاجه فى ذلك برواية رويت عن الصّادق ع هذا مع ما سيأتي انّ الوجه الاوّل بعيد عن مساق الأخبار فكيف يسوغ جعل كلام الشيخ ره ظاهرا فيه قوله الثانى كون الرشد اه فتكون على التقدير المزبور من المرجّحات المضمونية قوله الرابع الحكم بصدور الموافق تقية فتكون من مرجحات جهة الصدور وامّا على الاوّل والثالث فيكون من المرجّحات التعبّدية بالمعنى

__________________

(١) واستفاضتها وكون بعضها

١٠٤٣

المقابل للمرجّحات المضمونية والمرجّحات من حيث جهة الصّدور بمعنى اعتبارها مع عدم ايجابها قرب المضمون او جهة الصّدور الى الواقع قوله جمع بعده عن مقام الترجيح اه لانه اذا كان اعتبار الاخيار من باب الطريقية الى الواقع فلا بدّ ان يكون ترجيح بعضها على البعض الآخر منها من جهة لحاظ الواقع ومراعاته لا من باب التعبد قوله ينافيه التعليل المذكور من ان الرشد والحق فى خلافهم قوله ومنه يظهر ضعف الوجه الثالث اذ هو مناف ايضا لكون اعتبار الأخبار من باب الطريقية وللتعليل المذكور فى اخبار الترجيح بان الحق والرشد فى خلافهم قوله للخبر المزبور وهو قوله ع ما سمعت منى يشبه قول النّاس اه قوله لان خلافهم ليس حكما واحدا اه يعنى اذا كان احد الخبرين المتعارضين دالا على الوجوب مثلا ومذهب العامة هو الالتزام بالوجوب وكان الخبر الآخر دالّا على الحرمة مثلا فيكون خلاف مذهب العامة مردّدا بين الاحتمالات الاربعة الحرمة والاباحة والكراهة والاستحباب فما ذكر فى الأخبار من كون الحق فى خلافهم لا يستلزم كونه فى الحرمة على سبيل التعيين لاحتمال كونه فيها كاحتمال كونه فى احد الثلاثة الباقية احتمالا مساويا فلا تفيد الظنّ ولو نوعا بكون الحكم الواقعى هى الحرمة معينة فوجوب الأخذ بالخبر المخالف لا يجعله من المرجح المضمونى الّذى مبناه على لحاظ الاقربية الى الواقع قوله نعم ينفع فى الأبعديّة عن الباطل اذ ح يفيد الموافقة الظنّ بالبطلان والمخالفة لا تفيده بل المخالف يحتمل الحق والبطلان على السّواء مثل الاحكام الثلاثة الاخرى فيكون الخبر المخالف من هذه الجهة ابعد عن الباطل قوله ولكنه خلاف الوجدان كيف يكون خلاف الوجدان مع ان المراد من ذلك غلبة الباطل فى احكامهم الخاصة بهم ويكون مذهب الامامية على خلافهم فلا ضير فى الالتزام بذلك ويأتى عن قريب منه ره امكان الالتزام بما ذكر من غلبة الباطل فى اقوالهم قوله لكن لا بدّ من توجيها اه يكفى فى توجيه الرواية ما ذكرنا من ان المراد عدم موافقة احكام الخاصة بهم الّتى بها يمتازون عن اهل الحقّ مثل اسقاط حىّ على خير العمل والتكليف فى الصّلاة وحرمة المتعتين وصلاة التراويح وغير ذلك للواقع لا مطلقا فلا يرجع الامر الى التعبّد بعلة الحكم قوله وهو ابعد اه لأنّ التعبّد بنفس الحكم معقول واما التعبّد بعلّة الحكم فلا اذ العلّة لا بدّ ان يكون وجدانية بحيث يعرفها المخاطب قبل ذلك حتّى يمكن اثبات الحكم بها فاذا كانت تعبدية لا يكون فى التعليل بها فائدة معتدا بها قوله لأحتمال ان يكون المراد الشباهة بقواعدهم الباطلة لا ينحصر فيما كان من هذا القبيل من مسائل اصول الدّين كما يوهمه كلام المصنف ره بل يشمل ما اذا كان كذلك فى فروع الدّين بما ثبت عندهم وتدينوا به ويكون الثابت عندنا خلافه بل يشمل ما اذا ذهب جميعهم او اكثرهم اليه مع عدم ثبوت خلافه عندنا بطريق القطع

١٠٤٤

ولا يخفى ان الرّواية بعمومها شاملة للقسم الثالث ايضا سيّما بملاحظة حصر ما فيه التقية فى ذلك مع عدم انحصاره فى القسمين الاوّلين كما هو واضح وبملاحظة ما ذكر يكون الحمل على التقية من مرجحات جهة الصّدور وتكون الرّواية دالّة عليه ولا يحتاج فى جعله كذلك الى التمسك بذيل ما سيأتى منه من الترجيح بكلّ مزية المستفاد من النصوص والفتاوى لكن على تقدير حمل الرّواية على احد القسمين الاوّلين يكون الخبر المخالف خارجا عن الحجّية راسا ولا بكون المخالفة من المرجّحات بل من الموهنات وعلى تقدير حملها على المعنى الثالث تكون من المرجحات وعلى تقدير حملها على الجميع تكون مستعملة فى معنى عام يشملها ولعلّه اولى قوله وهذا الحمل اولى من حمل القضية على الغلبة اذ على الحمل الذى ذكره المصنّف ره تكون القضية محمولة على الدوام ولا تنحصر فى مورد التعارض (١) ايضا لو كانت القضية مشابهة لقواعدهم الباطلة تكون ملغاة قوله ويمكن دفع الاشكال فى الوجه الثانى وهو ان وجه وجوب الاخذ بالخبر المخالف كون الرّشد فى خلافهم قوله بوروده على الغالب لا يخفى ان كون المسألة ذات وجهين لا تكون غالبة بل الغالب كون المسألة ذات وجوه ويكشف عن ذلك وجود الفتاوى الكثيرة فى غالب المسائل وكون مورد الاتفاق قليل ويمكن توجيه العبارة بانّ المراد غالب موارد اتفاق العامة يعنى ان غالب الموارد الّتى يتفق فيه العامة على فتوى لا تكون المسألة ذات وجوه بل تكون ذات وجهين فاذا لم تكن فى المسألة الا وجهان واتفق العامة على وجه وكان الحق منحصرا فيهما ولا يحتمل غيرهما وكان الحق فى خلاف احدهما بحسب تعيين الرواية تعين فى هذا المورد وجود الحق فى الآخر المعين ولا يحتمل غيره وكان الحق فى خلاف احدهما بحسب وفيه اشكال ايضا اذ مع كون المسألة ذات وجهين لا يحصل اتفاق العامة على واحد منهما معين غالبا قوله فيكون خلافهم ابعد من الباطل لكن حمل قضية ان الرشد فى خلافهم على مجرّد الأبعدية عن الباطل خلاف الظاهر كما لا يخفى قوله ويمكن توجيه الوجه الرابع وهو ان وجه الاخذ بالخبر المخالف هو الحكم بصدور الموافق تقية قوله على ما تقدم من المحقق حيث قال فان احتج بان الابعد لا يحتمل الا الفتوى والموافقة للعامة يحتمل التقية اه بل يظهر منه حيث قال فوجب الاخذ بما لا يحتمل وقوله قلنا لا نسلم انه لا يحتمل الا الفتوى الراجع الى منع الصغرى وجوب الاخذ بكلّ مزية وان لم توجب القرب الى الواقع والا فمع عدم تسليم الكبرى لا فائدة فى السّئوال بقوله فان احتج بانّ الابعد لا يحتمل الا الفتوى قوله كون الموافقة امارة اه يعنى ليس مراد المشهور من وجوب طرح الموافق صورة كون الموافقة

__________________

(١) اذ فى مورد التعارض

١٠٤٥

امارة ومفيدة للظنّ بصدور الموافق تقية فقط بل مرادهم الاعم من صورة الظنّ بصدوره تقية وعدمه وتطرق احتمال ورود الموافق تقية فيه دون المخالف قوله ففيه مع اشعاره بتسلّم ما ذكره المحقّق اه يظهر من تسلّم صاحب المعالم ما ذكره المحقق من معارضة احتمال التقية باحتمال التاويل وجوب الترجيح بكلّ مزيّة عنده بل يظهر منه ان الظن بوجود المزية وان لم يعلم بوجودها وجدانا يوجب الاخذ بها حيث قال انّ التقية فى كلامهم اقرب واغلب قوله منع اغلبية التقية فى الأخبار اه الظاهران التاويل فى كلام المصنّف ره اعمّ مما علم ارادته من احد الخبرين بقرينة منفصلة مثل حمله على خلاف الظاهر من جهة وجود النصّ او الاظهر على خلافه وممّا لم يعلم كذلك مثل ان يريد المتكلّم خلاف الظّاهر مع عدم نصب القرنية على خلافه لمصلحة من المصالح وح فالمنع الّذى ذكره وجيه لكن الظاهر ان مراد المحقّق وصاحب المعالم هو الثّانى فقط وح فالمنع الّذى ذكره المصنّف غير وجيه قوله ومن هنا يظهر اه قد ذكر المصنّف فى بعض كلماته السابقة ان المتعارضين على اقسام ثلاثة احدها المتعارضان اللّذان يحتاج الجمع بينهما الى تاويل كليهما والى شاهدين وثانيهما المتباينان الّذان يحتاج الجمع بينهما الى تاويل احدهما لا بعينه وثالثها العامّان من وجه ويشترك هذا مع الثانى فى ان الجمع بينهما يحتاج الى تاويل احدهما لا بعينه وذكر فى بعضها ان الرّجوع الى المرجّحات فى القسمين الاخيرين محلّ اشكال من جهة ان الرّجوع الى اخبار العلاج فيها مستلزم للتخيير بعد فقد المرجّحات مع انّ سيرة العلماء عد الشيخ ره على الرّجوع الى الاصول بعد فقدها ومن جهة ان الرجوع الى المرجّحات فى العامّين من وجه يوجب الالتزام بالتفكيك فى الصّدور فى مورد الافتراق ومورد الاجتماع وهو مستبعد جدا وقد صرّح فى بعضها ان المسألة محلّ اشكال وفى بعضها ان الرجوع الى المرجّحات فى القسمين الاخيرين ايضا هو الاقوى وفى بعضها انه المتعيّن ومنه يظهر ان الاشكال ليس مختصا بالرجوع الى المرجح المسطور اعنى مخالفة العامة فى القسمين الاخيرين بل فى الرّجوع الى المرجّحات مطلقا سواء فيها المخالفة وغيرها والمنصوصة وغيرها وان قوله فلا وجه لترجيح التقية لكونها فى كلام الائمّة ع اغلب من التخصيص ليس لاختصاص الاشكال فى الترجيح بالتقية فقط ويمكن ان يستفاد من كلام المصنّف تصريحا واشارة وجوه من الايراد على كلام صاحب المعالم الاوّل ان المستفاد من كلامه وجوب الحمل على التقية حتى فى القسمين الاخيرين مع انه محلّ اشكال وثانيها كونها من مرجّحات جهة الصّدور وقد عرفت الاشكال فى دلالة الأخبار على ذلك وان كون التقية اغلب من التّاويل ممنوع مع انه على تقدير التسليم لا دليل على اعتبار الغلبة وثالثها مسلمية الرّجوع الى كلّ مزية فى مقام الترجيح عنده مع قطع النظر عن اخبار العلاج كما يتراءى من سكوته عن ذكر الأخبار وتبعيته للمحقق فى تسليم الكلية (١) وان استفاد من

__________________

(١) وهذا

١٠٤٦

العلامة وغيره الّذين ادّعوا الاجماع على وجوب الرجوع الى اقوى الدليلين ويكون مسلما فى الجملة لكن فى شموله للقسمين الاخيرين خصوصا اذا جعلنا المخالفة من مرجحات جهة الصّدور لا من مرجّحات المضمون اشكال بل منع ولذا قال المصنّف فالعمدة فى الترجيح بمخالفة العامة بناء على ما تقدم من جريان هذا المرجح وشبهه فى هذا القسم هو ما تقدم الى آخر ما ذكره قدس‌سره ومن جميع ما ذكرنا ظهر ان قوله ومن هنا يظهر الى آخر ما ذكره مشيرا الى ما ذكره فى هذا المقام لا يخلو عن ركاكة وان الاشكال الّذى ذكره سابقا ليس مختصا بالعامين من وجه بل يشمل القسم الثّانى من المتباينين ايضا فلا يصح قوله ان ما ذكرناه من الوجه مختصّ بالمتباينين ويمكن اصلاح هذه العبارة بان مراده من المتباينين القسم الاوّل منهما وان المراد بقوله ما كان من قبيل العامين من وجه ما يشمل القسم الثانى ايضا حيث قال واما ما كان من قبيل العامين من وجه ولم يقل وامّا العامان من وجه هذا وفى بعض نسخ الكتاب الحكم بزيادة قوله ومن هنا يظهر الى قوله فتلخص وفى بعض النسخ الحكم بكونها نسخة الى اللفظ المزبور لكن يستفاد من شيخنا ره صحة النسخة المزبورة حيث شرحها من غير اشارة الى زيادتها بل ولم يشر الى ذلك فى مجلس البحث ايضا هذا وليعلم ان الاشكال الوارد فى المقام هو التفكيك فى جهة الصّدور لا فى الصّدور كما هو واضح والله العالم باحكامه قوله والثانى (١) كون المخالف ذا مزية لعدم احتمال التقية اه وتكون المخالفة على هذا من مرجحات جهة الصّدور ولا يخفى ان المخالفة للعامّة تكون من مرجحات المضمون قطعا اذا قلنا بان وجه وجوب الاخذ بالخبر المخالف هو غلبة مخالفة احكامهم للواقع فاذا اتفق كون خبر موافقا لهم يظن بكونه مخالفا للواقع وبان المطابق لهم مطابقا للواقع وان لم يحتمل ورود الموافق للتقية ويدلّ على الاخذ بهذا النّحو من الترجيح ما دلّ من الأخبار على ان الحق والرشد فى خلافهم وما استفيد من النصوص والفتاوى من الترجيح بكلّ مزية واما اذا احتمل احتمالا مساويا او مرجوحا بورود الخبر الموافق للتقية دون المخالف تكون المخالفة من مرجّحات جهة الصّدور قطعا ويدلّ على وجوب الاخذ بهذا النّحو من الترجيح ما دلّ من وجوب الاخذ بكلّ مزية المستفاد من النصوص والفتاوى وامّا اذا ظنّ بورود الخبر الموافق للتقية فيدلّ على حجّيته جميع ما تقدم من ان الرشد والحق فيما خالفهم وما استفيد من النصوص والفتاوى من الترجيح بكلّ مزية ويكون هذا القسم مجمعا للوجهين ويكون من مرجّحات المضمون وجهة الصّدور جميعا ويظهر فائدة الاختلاف فى انّها اذا كانت من مرجّحات المضمون تكون مقدّمة على مرجحات الصّدور وجهة الصدور جميعا بخلاف ما اذا كانت من مرجحات جهة الصّدور فانها تكون متاخرة عن مرجّحات الصّدور على ما سيأتى عن قريب تحقيقه وايضا اذا كانت من قبيل القسم الثالث قد يقدم هذا المرجح ممّا فيه مرجح

__________________

(١) من جهة

١٠٤٧

واحد آخر منصوص او غير منصوص بخلاف ما اذا كانت من قبيل القسم الاوّل والثّانى وايضا اذا كانت من القسم الاوّل تجرى فى كلام النّبى ص كما تجرى فى كلام الأئمّة ع بل تجرى فى كلام الله تعالى ايضا بخلاف ما اذا كانت من قبيل القسم الثالث فانّها وان كانت من المرجّحات المضمونيّة ايضا لكنّها لا تجرى فى كلام الله وكلام الرّسول ص لعدم تطرق احتمال التقية فى كلامهما فما يظهر من شيخنا قدّس سره فى الحاشية من الرّجوع الى المرجّح المزبور على تقدير كونه مضمونيا فى كلام النبىّ ص ايضا مطلقا بخلاف ما اذا كانت من مرجّحات جهة الصّدور ليس بالوجه ولعلّه اراد القسم الاوّل فقط هذا ثم انّه ذكر بعض المحققين فى هذا المقام ما محصّله ان التقيّة فى كلام الامام ع اذا كانت بارادة خلاف الظّاهر تقية كما سيجيء منه ره فيكون فى الموافق احتمال ارادة خلاف الظاهر تقية واحتمال ارادة خلافه لمصالح أخر وفى المخالف لا يكون الّا الاحتمال الاخير فيكون الثّانى اظهر دلالة من الاوّل فيرجع الى الجمع الدّلالى لا الى المرجّحات وفيه ان تقليل الاحتمال فى المخالف يجعله ابعد من الباطل الاقرب الى الواقع وعلى تقدير ايجابه القرب اليه من جهة الخارج لا يرجع الى الجمع بحسب الدلالة لانّ مناطه الرّجوع الى دلالة اللّفظ لا ما يوجب القرب الى الواقع بحسب الخارج ألا ترى ان الخبر المطابق الشّهرة الفتوائيّة لا يصير اظهر دلالة من الخبر المخالف لها مع انّها تفيد الظنّ بمطابقة مضمون الخبر للواقع وكذلك اذا وجب الاخذ بخبر لكونه مطابقا للكتاب والسّنة او بكونه مخالفا للعامّة بناء على كونها من جهة غلبة مخالفة احكامهم للواقع وكونها من المرجّحات المضمونية فان جميع ذلك لا يجعل الخبر اظهر دلالة الموجب للرّجوع الى الجمع الدّلالى وايضا مساق الأخبار الدالة على الرّجوع الى المخالفة من حيث جهة الصّدور وكذلك الاجماعات هو الرجوع اليها من حيث الترجيح لا من حيث الجمع الدّلالى المقدّم على جميع وجوه التراجيح وذلك ظاهر إن شاء الله الله قوله ولعل الثمرة اه قد ذكرنا عن قريب وجوه الثمرة بين الوجوه الثلاثة المتصوّرة فى مخالفة العامة قوله بل هو اللّائق اه بل يمكن ان يقال بعدم جواز الكذب مع المصلحة للامام ع وان قلنا بجوازه لغيره لانّ غير الامام ع ليس ملتفتا بجميع الاطراف والجوانب فربما يحصل له فى التورية مفسدة لاحتياج سوق الكلام مساق التورية فى بعض الاوقات الى التامّل فى ارادة خلاف الظاهر فيمكن ان يقال باقتضاء الحكمة تجويز الكذب فى مقام التمكن من التورية لغير الامام ع بخلاف الامام ع لعلمه باطراف الكلام وحضور جميع الاحتمالات المخالفة للظاهر عنده هذا ويفهم من كلامه الآتي عن قريب حرمة الكذب مع التمكن من التورية وقال فى جامع المقاصد و

١٠٤٨

على منواله غيره ولو اقتضت المصلحة الكذب وجبت التورية انتهى وفيه اشكال اذ ظاهر الأخبار جوار الكذب فى صورة الإصلاح وغيره منها قوله ثلث يحسن فيه الكذب المكيدة فى الحرب وعدتك زوجتك والاصلاح بين النّاس وقول الصّادق ع والله ما سرقوا ولا كذب يوسف ع والله ما فعلوا ولا كذب ابراهيم ع وذلك انّها ع اراد الاصلاح والله احبّ الكذب فى الاصلاح والبغضة فى غيره ومن الاخير بل الاوّل يظهر جواز الكذب المذكور للأنبياء والائمّة عليهم‌السلام ايضا ولا مانع منه قوله الثانى انّ بعض المحدّثين اه وما ابعد ما بينه وبين ما حكاه المحقق عن المفيد وغيره من عدم كون المخالفة للعامة مرجحة راسا وبين ما حكى عنه فى المعتبر من انه يشترط فى حمل الخبر على التقية عدم عمل احد من الاماميّة عليه ونسج على منواله صاحب الرّياض ره فى مواضع منه وهو ضعيف ايضا اذ لا دلالة فى اخبار الباب عليه ولا اشارة قوله كما اورده ح بعض الاساطين عليه هو الوحيد البهبهانى ره فى فوائده الجديدة فانه بعد ان ذكر ثلاثة وجوه فى رد صاحب الحدائق سيأتي نقلها قال الرّابع ان التقية اعتبرت لاصل ترجيح الخبر الّذى هو الحق على الخبر الذى ليس بحق وترشد على ما يظهر من الأخبار وما عليه الفقهاء فى الاعصار والامصار وهذا الفاضل المتوهّم ايضا اعتبرنا ما ادّعاه من التقيّة الّتى توهّمها لاجل الترجيح وبنى عليه المسألة الفقهية فاذا لم يكن موافقا لمذهب احد من العامة فباىّ نحو يعرف انه هو التقية حتى يعتبر فى مقام الترجيح ويقال ان معارضة حق ومذهب الشيعة انتهى قوله واستشهد على ذلك باخبار اه ومن جملتها ما عن الكافى فى الموثق عن زرارة عن ابى جعفر ع قال سألته عن مسئلة فاجابنى فيها ثم جاء رجل آخر فسئله عنها فاجابه بخلاف ما اجابنى فيها ثم جاء آخر فاجابه بخلاف ما اجابنى واجاب صاحبى فلما خرج الرجلان قلت يا ابن رسول الله ص رجلان من العراق من شيعتكم قدما يسألان فاجبت كل واحد منهما بغير ما اجبت به صاحبه فقال يا زرارة ان هذا خير لنا ولكم فلو اجتمعتم على امر لصدقكم الناس علينا ولكان اقل لبقائنا وبقائكم قال ثم قلت لابى عبد الله ع شيعتكم لو حملتموهم (١) او على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم ـ مختلفين قال فاجابنى بمثل جواب ابيه ثم اورد شطرا من الأخبار الدالة على ذلك وان الاختلاف انّما هو منهم لئلا يعرفوا فيؤخذ رقابهم قوله وهذا الكلام ضعيف مضافا الى ما ذكره الوحيد البهبهانى فى الفوائد فى ردّه من الوجوه الثلاثة الاوّل ان الحكم اذا لم يكن موافقا لمذهب احد من العامة فيكون رشدا وصوابا فكيف يكون هذا تقية لان المراد بالرّشد والصّواب ما كان فى الواقع رشدا وصوابا لا من جهة التقية ودفع الضّرر والّا فجميع ما ذهب اليه العامة يكون رشدا وصوابا الثّانى ان العامّة كانوا

__________________

(١) على الاسنّة

١٠٤٩

يتّهمون الشيعة بالرفض واذيتهم للشّيعة انما كانت بالتهمة غالبا فكيف يكون الحال اذا راوهم يفعلون فعلا لا يوافق مذهب احد منهم فتكثير المذاهب بين الشيعة سيّما مع عدم موافقته لمذهب احد منهم مخالف للحكمة موجب لزيادة الايذاء منهم لهم كما هو واضح الثالث ان الحق عندنا واحد وما ذا بعد الحقّ الّا الضلال فاى داع الى ارتكاب مخالفة الواقع وارتكاب الحرام الّذى هو اعظم لاجل التقية بالمعنى الّذى اعتبره انتهى ملخّصا قلت الوجه الثالث مندفع بان ارتكاب الحرام لاجل مصلحة اعظم منه تدعوا الى ذلك جائز بل واجب فى بعض المقامات بحسب المصالح الّتى يعلمها الامام ع وانكار كون ذلك موجبا لحفظ الشّيعة ولو فى بعض الاوقات غير سديد وعليه يحمل ما ورد من الأخبار الّتى جعل فيها القاء الخلاف موجبا لحفظ الشيعة واما فى الاكثر فلا والوجه الثانى المقتضى للسلب الكلى ايضا غير سديد فالاولى ما ذكره المصنّف من تسليم ذلك فى الجملة وعدم تسليمه فى جل الأخبار المختلفة كما ذكره صاحب الحدائق واصرّ عليه واطال فى بيانه فى المقدّمة الاولى من مقدمات الحدائق وما فى النسخ من انه بيّن فى المقدمة الثانية ذلك غير صحيح بل انما ذلك فى المقدّمة الاولى وفى المقدمة الثانية قد اشار الى ما ذكره فى المقدمة الاولى فقط واما ما ذكره بعض افاضل المحشين من ان الوجوه الاربعة فى كلام الوحيد مبتنية على كون مراد المحدّث المزبور من عدم اشتراط الموافقة فى الحمل على التقية هو الحمل فى مقام الترجيح وجعل من اجل ذلك كلام المصنف ناظرا الى رد الوجوه الاربعة كلّها وتكلّف فى بيان ذلك وتطبيق كلام المصنّف عليه فهو مع عدم موافقته لكلام المصنّف فى مقام الرد بل صراحته فى خلافه حيث قال كما اورده عليه بعض الاساطين فى جملة المطاعن غير وجيه لعدم دلالة كلام الوحيد على ذلك الّا فى الوجه الرّابع على ما دريت قوله فبين فى المقدمة الثانية بل بيّن فى المقدمة الاولى ذلك والاستشهاد بالاخبار الّتى من جملتها ما نقلت انّما هو فيها لا فى المقدّمة الثانية وقد اشرنا الى ذلك عن قريب قوله مضافا الى مخالفته لظاهر قوله ع ولظاهر قوله ع ما خالف العامة فقيه الرّشاد وقوله فان الرّشد فى خلافهم على ما عرفت فى كلام الوحيد ره ثم ان جعل المصنّف هنا حديث ما سمعت ظاهرا فى خلاف ما ادعاه صاحب الحدائق وفيما سبق عن قريب صريحا فى خلافه لا يخلو عن تهافت قوله هو ان يقال ان عمدة الاختلاف اه بل الحق ما نسبه فى الحدائق الى الى جمهور المتاخّرين وهو ان عمدة الاختلاف انما هو من الكذابين وان تهذيب الأخبار لم يبلغ مبلغا يسلم جلها عن الكذب والتحريف جهلا او عمدا وقد سمعت رواية الفيض بن المختار المتضمنة لقوله ع ان الناس قد اولعوا بالكذب علينا كان الله افترض عليهم ذلك ولا يريد منهم غيره وقول أبي عبد الله ع

١٠٥٠

انا اهل بيت صدّيقون لا نخلو من باب كذاب يكذب علينا وقوله ص ستكثر بعدى القالة وغير ذلك وقد سمعت ما فى رواية الاحتجاج عن العسكرى ع حيث قال فاما من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا ولا كرامة وانما كثير التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لتلك لان الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باسره لجهلهم ويضعون الاشياء على غير وجوهها لقلة معرفتهم وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الى نار جهنّم ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصّحيحة فيتوجهون عند شيعتنا وينتقصون بنا على اعدائنا ثم يضيفون اليه اضعافه واضعاف اضعافه من الاكاذيب علينا الّتى نحن براء منها فيقبله (١) من شيعتنا على انه من علومنا فضلوا واضلوا الى آخر الحديث الشريف بل قد قصر فيه التخليط فى الكذب جهلا او عمدا وقد ذكرنا شطرا من الكلام من ذلك فى ذكر الوجه الاوّل من دليل العقل على حجية الظنّ مطلقا قوله على ما اخترناه من ان التقية اه ليس فى كلامه السابق اختيار هذا المطلب وانّما قال بل هو اللائق ان قلنا بحرمة الكذب مع التمكن من التورية ومن المعلوم ان صدق الشرطية لا يستلزم صدق الشرط وفى المكاسب ذكر ما يظهر منه ميله الى جواز الكذب مع التمكن من التورية وجعله المستظهر من الأخبار فى بعض كلماته إلّا انه قال ان الاليق بمقام الامام ع هو الحمل على ارادة خلاف الظاهر من دون نصب قرنية لا على الكذب كما ذكره فى هذا الكتاب عن قريب قوله والى ما ذكرنا ينظر اه من ان سبب الاختلاف كثرة ارادة خلاف الظواهر ولا ينافى ما ذكره الشيخ قدّس سره ما ذكرنا ايضا من ان كذب الكذابين ايضا سبب للاختلاف اذ احتمال ذلك يكفى فى ما ذكره قوله الى مضى قصد وليس غرضه العمل بالجمع التبرعى الّذى ذكره فى موارد التعارض بل غرضه رفع استبعاد طائفة من الشيعة الّذين ارتدّوا من جهة اختلاف الأخبار قوله فان الحمد والتوحيد لا يزيد على عشر آيات هذا مبنى على ان لا يكون بسم الله آية مستقلة كما هو مذهب بعض العامة والظاهر ان الرواية وردت مورد التقية قوله فلمّا فزع السائل بتقديم الزّاء المعجمة على العين المهملة لفظ الرواية هكذا رواها العلامة المجلسى عن الشيخ بسنده عن عمّار السّاباطى قال كنا جلوسا بمنى فقال له رجل ما تقول فى النافلة فقال فريضة ففرغنا وفزع الرّجل فقال ابو عبد الله انما اعنى صلاة الليل على رسول الله ص ان الله يقول ومن الليل فتهجّد به نافلة لك ولعلّ المصنّف عشر على رواية اخرى او نقل الرواية بالمعنى وكلاهما بعيدان قوله الى غير ذلك ممّا يطّلع عليه اه مثل ما رواه فى الكافى عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قلت عورة

__________________

(١) المستسلمون

١٠٥١

المؤمن على المؤمن حرام قال نعم قلت تعنى سفليه قال ع ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره وفى الكافى عن ابى عبد الله ع فيما جاء فى الحديث عورة المؤمن على المؤمن حرام قال ع ما هو ان تنكشف فترى فيه شيئا انما هو ان تردى عليه او تعيبه وفى الوسائل عن عيون الأخبار ومعانى الأخبار عن الرّضا ع عن ابيه عن الصّادق ع ان الله يبغض البيت اللحم واللّحم السمين فقيل له انا نحبّ اللحم وما تخلو بيوتنا منه فقال ع ليس حيث تذهب انما البيت اللّحم الّذى تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة واما اللّحم السمين فهو المتجبّر المتكبّر المختال فى مشيه وفى الوسائل عن الشيخ ره عن ابى بصير عن أبي عبد الله ع قال الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصّائم قال قلت له ع هلكنا قال ع ليس حيث تذهب انما هى الكذب على الله وعلى رسوله ص وعلى الائمّة ع الى غير ذلك قوله مفسدة فضلا عن كفر الراد لا يخفى ان انكار الخبر الغير المقطوع الصّدور لا يوجب كفر الراد سواء قلنا بان سبب الاختلاف هو التقية على ما ذكره صاحب الحدائق او كثرة ارادة خلاف الظاهر كما ذكره المصنّف ره او الكذب عمدا او جهلا او خطاء كما ذكرنا فالوجه حمل الأخبار المذكورة على الأخبار المقطوعة بحسب الصّدور عنهم ع قوله اقوى من ظهور هذه الفقرة اه كون ظهور الفقرة الاولى اقوى من ظهور هذه الفقرة محلّ اشكال نعم بعض الفقرات فى الرواية تشهد بان المراد بموافقة كلا الخبرين للعامة ما ذكره قدس‌سره من عدم وجود هذا المرجح مثل قوله ع فى المرفوعة وكلاهما موافقان للاحتياط او مخالفان فكيف اضع فان المراد بها كما ذكرنا فى السّابق عدم وجود هذا المرجح وإلّا فلا يعقل كونهما موافقين للاحتياط الّذى هو احراز الواقع الّا ان يقال ان المراد بالاحتياط هو الموافقة على الحكم الالزامى بان يكون احد الخبرين دالّا على الوجوب والآخر على الحرمة لا احراز الواقع يقينا قوله فقد حكى عن تواريخهم الحاكى هو السيّد الصّدر ره فى شرح الوافية قال وقد نقل عن تواريخهم وساق الكلام الى ان قال واهل المدينة على فتاوى مالك ورجل آخر واهل البصرة على عمان وسوادة والسّعيد والربيع من فقهائهم واهل الشام على الاوزاعى والوليد واهل مصر على الليث بن سعد واهل خراسان ومرو على عبد الله بن مبارك وكان فيهم من اهل الفتوى غير هؤلاء كسعيد بن المسيّب وعكرمة وربيعة الراى وسفيان عينية ومحمد بن شهاب الزهرى وكلّ واحد من هؤلاء امام قوم برأسه ليس تابعا لغيره وكانت المذاهب الاربعة كغيرها الى ان مال هارون الرشيد الى الحنفية وغيره الى غيرها ولكن لم تترك المذاهب الأخر الى ان استقر رايهم بحصر المذاهب فحصروها فى اربعة سنة خمس وستين وستمائة كما قيل فصارت اشهر من غيرها بتوسّط السّلاطين والامراء واشتهر البعض الآخر بتوسط ما ذكر ولكونه اقرب الى الصّواب من غيره كمذهب الشافعى فعلى هذا انّما يتجه الحمل على التقية

١٠٥٢

لو وافق الخبر جميعهم او اكثرهم او علم ان مضمونه كان هو المعمول به فى زمان ذلك الامام ع الّذى اسند اليه الخبر او قامت قرائن اخرى يعلم منها انه خارج مخرج التقية فليس لاحد ان يحمل الخبر على التقية بمجرّد انّه موافق لمذهب احمد مثلا وان لم يعلم حال هذا المذهب فى زمان صدور ذلك الخبر انتهى ويظهر منه ان ما فى النسخ وهو سنة خمس وستين وثلاثمائة غلط والصّواب ستّمائة وما نقله من حصر المذهب على اربعة فى السنة المزبورة هو الذى نقله فى الحدائق عن المحدث الأسترآبادي عن بعض علماء العامة ثم انّ ما ذكره المصنّف ره من انه ربما يستفاد ذلك من اشهرية فتوى احد البعضين فى زمان الصّدور هو الّذى اوجب اختلاف العلماء فى بعض الموارد فى تعيين الخبر الّذى يحمل على التقية قال فى الرّياض فى باب الزكاة فيما لو قصد بالسّبك الفرار عن الزكاة بعد نقل مذهب القدماء بوجوب الزكاة فيها ومذهب المتاخرين بعدم وجوبها بعد نقل اخبار الطرفين وان اخبار الوجوب مطابقة لمذهب مالك واحمد وان اخبار عدم الوجوب مطابقة لمذهب الشافعى ما هذا لفظه ولا يقدح حكاية مضمون الأخبار المخالفة فان ما يوافق راى ابى حنيفة اولى بالحمل على التقية انتهى وفى مفتاح الكرامة حمل اخبار الوجوب المطابقة لمذهب مالك على التقية لأن مذهب ابى حنيفة لم يشتهر فى زمان الصّادق ع وانّما اشتهر مذهب مالك فى زمانه ع انتهى وقال فى مفتاح الكرامة ايضا فى كتاب الصّلاة فى باب المواسعة والمضايقة لم يكن الشافعى فى زمان الصّادق ع ولا اشتهر امره فى زمان الكاظم ع وانما ولد قبل وفاة الصادق ع بسنتين ونشأ بمكّة واشتهر امره بها واقام بها حتى مات ولم يشتهر مذهبه فى العراق الّا بعد حين والظاهر ان اشتهاره انما كان فى زمان الملك الظاهر فالتقية انما هى من الذى كان دابه خلاف الصادق وقد قال خالفت جعفرا فى كلّ ما سمعته منه ولا ادرى أكان يغمض عينه فى السجود او يفتحهما حتّى اخالفه انتهى ولا يخفى انه مخالف لما نقلنا عنه من ان تقية الصادق ع كان من مالك ولا يخفى على من نظر فى التواريخ ان احمد بن حنبل لم يكن معاصرا لجعفر بن محمّد ع بل كان فى زمان المأمون ومعاصرا للرّضا ع وقد حبسه المأمون لقوله بقدم القرآن وكان مذهب المأمون هو القول بحدوث القرآن بل ضربه المأمون ضربا شديدا لعلّه يرجع عن مذهبه الفاسد فلم يرجع ويجعل العامة ذلك من فضائله وكراماته والشافعى ايضا لم يكن معاصرا له عليه‌السلام بل رحل عن مكّة الى المدينة لملاقاة مالك بن انس وقد تلمذ عليه وحفظ موطأ فى ايام قليلة وبرز على اقرانه فى مدة يسيرة ولم يلاق أبا حنيفة اصلا لانه قد مات فى حبس المنصور الدوانيقى لبعض فتاويه الدالة على وجوب نصرة الفاطمى الّذى خرج بالسّيف وكان زيدى المذهب وقد رحل الشافعى

١٠٥٣

عن المدينة الى العراق والشام ومصر وغيرها واستفاد من كتب اصحاب ابى حنيفة كمحمّد بن الحسن وغيره علما كثيرا ولقى هارون الرشيد فاعطاه الف دينار واشتهر امره بعد ذلك والظاهر انه اقام بمصر اخيرا ومات فيها وقد ذكر فى حاشية المستظرف للحاكم حالات الشافعى فى رحلته من مكّة الى مدينة وغيرها فحمل اخبار الصّادق ع على التقية عن الشافعى واحمد ممّا لا وجه له اصلا نعم كان فى زمانه فتوى ابى حنيفة فى العراق فى الكوفة وبغداد وغيرهما كما ان فتوى مالك المعاصر له مشهورة فى المدينة وتوابعها فمع عدم التعارض بين مذهبيهما يمكن الحمل على التقية لموافقة مذهب ايّهما كان واما مع الاختلاف كما فى المسألة المزبورة فالذى اظن ان الراوى ان كان من اهل العراق فلا بدّ من الحمل على التقية عن ابى حنيفة وان كان من اهل المدينة وما والاها فلا بدّ من حمل الخبر على التقية عن مذهب مالك وربيعة الرّأي الّذى كان استاد المالك ومن اهل المدينة ايضا مثله والله العالم قوله بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة اه يعنى بناء على كون المخالفة من مرجّحات جهة الصدور لا من مرجحات المضمون قوله او تعبدا اه بمعنى حجّية كلا الخبرين بالفعل لو لا المعارض لا ان التعبد بمعنى ترتيب الاثر والعمل على طبق كلا الخبرين فلا تناقض بين هذا الكلام وما سيأتى منه ره قوله قلت لا معنى للتعبّد بصدورهما اه توضيح الفرق ان فى المقام لا معنى للتعبد بالصدور هما اه ثم حمل الخبر على التقية اذ معنى البناء على الصدور هو العمل به وترتيب الاثر عليه وليس الحمل على التقية عملا به حتى يكون نتيجة التعبّد بالصّدور بخلاف الترجيح فى الدلالة فان البناء على الصّدور فى الظاهر يكون عملا به فى الجملة لان جهة التصرف فيه معينة فخلاف الظاهر فيه مراد ومعيّن بالنصّ والاظهر وفى مقام التقية على تقدير التورية فعلم كون خلاف الظاهر مرادا للامام ع من غير ان يتعين المراد لعدم القرنية عليه لان الظاهر لا يكون قرنية للظاهر الآخر مع انّه لو كانت جهة التصرف معينة يفوت الغرض من التورية والتقية قوله فمورد هذا المرجح فاذا كان الخبران متواترين فالصّدور يقينى وليس هناك بناء وترتيب اثر حتى ينافى الحمل على التقية وامّا اذا كان الخبران ظنيين متكافئين فالرّجوع الى التقية فيهما من جهة اللابدية اذ لا يجوز طرح احدهما المعيّن بحسب الصّدور لفرض تكافئهما وبطلان الترجيح بلا مرجح ولا طرح كليهما لعدم الموجب مع شمول ادلّة حجّية الخبر بحسب الصّدور فلا بدّ من الرّجوع الى التقية واما مع التّرجيح بحسب الصّدور فليس هناك لابدية بل لا محيص فيه عن الرّجوع الى الترجيح بحسب الصّدور دون مرجح جهة الصّدور قوله لطرح دليل او اصل يعنى قاعدة لان ارادة خلاف الظاهر لاجل وجود قرينة من نص او اظهر ليس مخالفا للقاعدة وانما

١٠٥٤

المخالف لها ارتكاب خلاف الظاهر من دون وجود قرينة قوله واما المرجحات الخارجية الّتى هى من المرجّحات المضمونية دون الصدورية ودون مرجّحات جهة الصّدور قوله بناء على كشفها عن شهرة العمل او الفتوى به لما كانت الشهرة فى الرواية من المرجحات الداخلية لا الخارجية لان الشهرة فى الرواية متفق بها وايضا لا تكون من المرجّحات المضمونية بل الصّدورية فلاجل ذلك قال قدّس سره بناء على كشفها عن شهرة الفتوى لتكون مرجحة خارجيّة للمضمون ومع هذا التكلف لا يكون الشهرة فى الرواية من المرجّحات الخارجيّة لانّ كون المنكشف مرجّحا خارجيّا لا دخل له بكون الكاشف كذلك قوله ومنه كون الرّاوى له افقه اه لا يخفى ان افقهيّة الرّاوى متقومة به فتكون متقومة بالرواية فتكون من المرجّحات الداخليّة لا الخارجيّة المضمونية ثم ان كانت فتوى الافقه على طبق الرّواية فتكون للافقهيّة على هذا جهتان للترجيح إحداهما ترجيح الصّدور وثانيتهما ترجيح المضمون فتكون مثل الشهرة الروائية الكاشفة عن شهرة الفتوى ويمكن القول به فى موافقة الكتاب فانها من المرجحات المضمونية مع انّها ليست بادون من الاعدلية الّتى تكون من مرجحات الصّدور كما سيأتي فى مقام بيان تقديمها على المرجّحات الصّدورية فتكون المرجّحات المضمونية كلّها من المرجحات الصدورية اذا عرفت هذا عرفت النظر فى كثير مما افاده هنا وما سيأتي من جعل ما ذكر من المرجّحات المضمونية فقط قوله ومنه مخالفة احد الخبرين للعامة لا يخفى ان مخالفة احدهما للعامة ليست مرجّحة خارجية نعم فتوى العامة مرجح خارجى وكذلك الكتاب والسنة مرجحان خارجيان واما موافقتهما فهى من المرجحات الداخلية قوله بناء على ظاهر الأخبار اه من ان الرشد فى خلافهم وان الحق فيما خالفهم وغير ذلك لا من جهة انّ الموافقة امارة التقية كما هو احد الوجوه قوله ومنه كل امارة مستقلة كالاولوية الاعتبارية بناء على خروجها عن القياس المنهى عنه قوله فلازمه الظن بوجود خلل فى الآخر بمعنى ان الخبر الآخر اما غير صادرا وصدر على جهة التقية وانّما لم يذكر الدلالة لان المرجح الخارجى الّذى يجعل المضمون اقرب الى الواقع لا دخل له بعالم الدلالة فلا تجعل اللفظ اظهر وان حصل منه الظنّ بالمراد فان الاظهر بحسب الدلالة ما اذا كان حاصلا من نفس اللّفظ مع قطع النظر عن الخارج بمعنى ان يكون الظهور مستندا اليه لا اليه قوله ان المزية الداخلية الموجودة فى الصّدور او جهة الصّدور قوله كقلة الوسائط فان احتمال الكذب فى الواسطة الزائدة متطرق وهذا منتف فى قليلها لفرض عدمها قوله بناء على الوجه السابق من كونها من مرجحات جهة الصّدور على ما هو مقتضى الوجه الرابع فان احتمال صدور احدهما على وجه التقية قائم فيه دون الآخر قوله غاية الامر عدم العلم اه يعنى غاية الامر فى المقام عدم العلم تفصيلا بالاحتمال القريب فى احدهما البعيد فى الآخر هو

١٠٥٥

فى الصّدور او فى جهة الصّدور بخلاف الاعدلية مثلا فان الاحتمال القريب فيها دون الآخر معلوم انه من حيث الصّدور قوله بناء على عدم اه يعنى وان بنى على هذا البناء يمكن الاستدلال بها بالاجماع بتقريب رجوع المزيّة الداخلية الى الخارجية وان لم يبن على هذا البناء فلا حاجة الى ما ذكر من الرجوع لكون الاجماع دليلا ح بدون الحاجة الى التكلف المزبور قوله اقوى اجمالا وان لم يعلم تفصيلا انه الصّدور او جهة الصّدور قوله لان الطريقية ليست منوطة اه لانا اذا قلنا بحجّية الأخبار من باب الظنّ نقول من جهة الظن النوعى ولا ينافيه حصول الظن الشخصى فى خبر بكونه مخالفا للواقع قوله واما معقد الاجماعات الجواب التحقيقى ان يقال بان عدم العلم بالخلل فى خصوص الصّدور او جهة الصّدور لا ينافى العلم الاجمالى بالخلل فى احدهما وهو ايضا معتبر كما فى الشبهة المحصورة وما ذكره هنا رجوع عما ذكره سابقا واغماض عنه وبيان انه يمكن شمول الإجماع للمرجح الخارجى بالاستقلال من غير حاجة الى تكلف رجوعه الى المرجح الداخلى قوله من حيث الطريقية انما خصّ البيان بها لما سلف منه من ان حجّية الأخبار اذا كانت من باب السببية تكون النتيجة التخيير فلا تنفع الاقربية الى الواقع فى الترجيح بل لا بدّ فيه من اهمّية احدهما اذ يكونان من باب الواجبين المتزاحمين فتذكّر قوله فتامّل وجه التامّل ان حجية الخبر على الطريقية ان كان لاجل افادة الظن الشخصى فلا يكون التعارض بين الخبرين ابدا لأن تعارض الظنين الشخصيين محال فاذا كان احدهما مفيدة للظنّ الشخصى والآخر غير مفيد له يكون المفيد للظن الشخصى حجة دون غيره لوجود مناط الحجية فيه دون غيره وان كان حجية لأجل افادة الظنّ النوعى فيكون فى كلا الخبرين مناط الحجّية موجودا والعقل لا يحكم بحجية ما يفيد الظن الشخصى منهما فقط نعم يمكن اجراء حكم العقل هنا بتقريب ما سبق من ان حجية الأخبار اذا كان من باب الطريقية فلازمه فى الخبرين المتعارضين التوقف والتساقط والرّجوع الى الاصل الا انّ الأخبار قد دلّت على عدم التساقط والرّجوع الى احدهما فيدور الامر بين الاخذ بالراجح والاخذ بالمرجوح وحجية الراجع متيقنة وحجية المرجوح مشكوكة فيرجع الى اصالة عدم الحجّية قوله وذهب ذاهب يعنى من الخاصّة كما هو واضح قوله فلا يمكن العمل بهما لمكان التعارض قوله ولا طريقهما لان الحق فى احدهما قوله وفيه نظر لان العلة التامة مركبة من المقتضى وعدم المانع فاذا رفع المانع بالقياس فقد استند اليه فى احراز جزء العلّة قوله بعض سادة وهو السيّد السند صاحب المناهل والمفاتيح قوله كرفع العمل بالخبر السليم اه بان يكون القياس موهنا للخبر السّليم ويسقطه عن الحجّية فيرجع الى الاصل فان هذا عمل بالقياس حقيقة قوله ثم ان الممنوع هذا جواب آخر وهو ان الممنوع ليس العمل به فقط بل هو الاعتناء به سواء صدق العمل ام لا اذ المستفاد من اخبار النّهى عنه جعله كالمعدوم

١٠٥٦

بحيث لا يترتب عليه اثر اصلا قوله نعم لو بلغ المرجح الخارجى اه على التفصيل الّذى مضى فى باب حجّية الظن بان الظن الّذى لم يثبت دليل على اعتباره ان قام على خلاف ما يكون معتبرا من باب الظن الشخصى او يكون مقيدا بعدم الظنّ الشخصى على الخلاف فلا اشكال فى كونه موهنا له وان كان حجة من باب الظن النوعى المطلق فلا اشكال فى عدم كونه موهنا له وانما اجمل اعتمادا على ما سلف منه قدّس سره قوله فظاهر مقبولة ابن حنظلة اه لان الترجيح بالصّفات الّتى هى من مرجحات الصّدور يقدم على الترجيح بالشهرة الفتوائية وغيرها الّتى من مرجّحات المضمون وامّا فى المرفوعة فالترجيح بالشهرة الّتى منها الشهرة الفتوائية مقدم على الترجيح بالصّفات الّتى هى من مرجّحات الصّدور قوله ولكنّ الظاهر أنّ الامر بالعكس والسّر فى ذلك مضافا الى ان عمل العلماء على طبق المرفوعة وان الصّفات من مرجّحات الحكمين لا من مرجّحات الرواية على ما سبق ان الشارع لاحظ الواقع فى باب الترجيحات وقد اعتبرها لكونها غالب الايصال الى الواقع او ابعد عن الخطاء فاذا فرض كون خبر اقرب الى الواقع بحسب المضمون فيظن بكونه مطابقا للواقع بخلاف المرجّح الصّدورى فان ترجيحه اضافى وليس بحقيقى فالخبر العادل اقرب الى الواقع حقيقة ولما كان الواقع هو المناط فالمناسب ان يكون مظنون المطابقة الواقع الّذى هو خبر العادل حجة دون خبر الاعدل الذى كان اقرب بالاضافة ولا يفيد الظن بمطابقة الواقع الّذى هو المناط وكذلك جهة الصّدور بمثل البيان المذكور ولانه متفرع على الصدور الّذى يكون متاخرا عن المضمون لكن ما ذكر انما يصح على تقدير كون المرجح المضمونى حجة بنفسه ومرجّحا مستقلا لأجل عموم التعليل او غيره واما اذا قلنا بكونه راجعا الى المرجح الداخلى وتكون حجيته باعتباره فتقديمه على المرجح الداخلى لا يخلو عن اشكال بل هو غير معقول وايضا مقتضى ما ذكره فى دليل الانسداد كون الظن بالواقع والظن بالطريق متساويين فى الحجّية من غير ترجيح لاحدهما على الآخر إلّا ان يقال ان المناط هناك هو العقل الحاكم بكفاية الظن ببراءة الذمّة من اىّ طريق حصل لكن المناط هنا هو عموم التعليل وغيره الدال على وجوب الاخذ بما هو اقرب الى الواقع او ابعد عن الخطاء فتبصر قوله بمعنى انه لو فرض اه ولا يستلزم الظن بصدور الاعدل بل قد لا يحصل الظن بصدور احدهما اصلا قوله وكذلك الكلام يعنى ان المرجحات المضمونية مقدمة على مرجّحات جهة الصّدور لما سبق عن قريب من كونها متفرعة على الصدور قوله بناء على ان الوجه يعنى بناء على كونها من مرجّحات جهة الصّدور كما هو مقتضى الوجه الرابع دون المرجحات المضمونية كما هو مقتضى الوجه الثانى قوله وامّا القسم الثانى يعنى من المرجّحات المضمونية الخارجية

١٠٥٧

قوله مما تواتر به الأخبار المراد به هو التواتر المعنوى او الاجمالى قوله واستدلّ فى المعارج اه قال فى المعارج واذا تعارض خيران واحدهما موافق لعموم القرآن او السنّة المتواترة او الاجماع الطائفة وجب العمل بالموافق لوجهين احدهما ان كلّ واحد من هذه الامور حجة فى نفسه فيكون دليلا على صدق مضمون الخبر الموافق له الثانى ان المنافى اه قوله ان الخبر المنافى اه هذا منه مبنى على عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد والحق خلافه ومقتضى القاعدة فى هذا المقام ما ذكره من التحقيق الى قوله فتلخص انما هو مع قطع النظر عن وجوب الاخذ بما وافق الكتاب والسنة الشامل للمقام قطعا وعن عموم التعليلات الموجبة للاخذ بكل مزيّة وانّ الاصل وجوب الترجيح بكل ما يحتمل كونه مرجّحا له ونظره فى ذلك الى ان الخير الخاص المخالف لعموم الكتاب لا يكون مخالفا له حقيقة بل هو قرنية مبينة لمقدار مدلوله فلا يشمله ما دل على وجوب طرح ما يخالف الكتاب ويرد عليه بان كونه قرينة لا ينافى صدق كونه مخالفا له وقد ذكروا ان المجاز ملزوم للقرينة الصّارفة المعاندة للحقيقة وقد اشبعنا الكلام فى ذلك فيما سبق فى رد استدلال المانعين عن حجّية خبر الواحد بحيث يتضح مع ملاحظته صدق المخالفة على المخالفة من حيث العموم والخصوص وان المراد منها الاعم من ذلك ومن المخالفة من حيث العموم والخصوص من وجه ولذا عدل المصنّف عن ذلك عن قريب بقوله ويمكن ولكن الاولى ذكروا الصّواب بدله مع انه لو اشكل فى صدق المخالفة على ذلك فلا اشكال فى صدق الموافقة على معارضه فيجب الاخذ به مضافا الى غيره ممّا ذكر قوله رجح المخالف به فتكون المرجحات الخارجية الغير المستقلة على هذا اولى بالاعتبار من عموم الكتاب المستقل بالاعتبار قوله كان اللّازم التخيير لان أدلّة التخيير حسب ما زعمه المصنّف حاكم على عموم الكتاب فان معنى التخيير هو جواز الاخذ بكل منهما وجواز الاخذ بالخبر المخالف ينافى حجّية عموم الكتاب لانّ معناها وجوب الاخذ به قوله والمتيقن من المخالفة اه القدر المتيقن من اخبار العرض هو مورد التعارض ومن المخالفة هذا الفرد وهو التّباين قوله ان يكون على وجه اه الاولى ان يقال بان يكون بين الخبر المخالف وعموم الكتاب عموم وخصوص من وجه بحيث يحصل الجمع بصرف احدهما عن ظاهره قوله وعلى الترجيح بمخالفة العامة يعنى بناء على كونها من مرجحات جهة الصّدور قوله لاجل القول اه او لاجل القول بحجّيتها من باب افادة الظنّ الشخصى على ما يراه بعض قوله عليها اى على الصّورة الثانية قوله وان لم يكن اه يعنى وان لم يكن الحمل على الصورة الثانية قوله ويمكن التزام دخول اه هذا دفع للاشكال الثّانى وقد ذكرنا انّ هذا هو المتعيّن قوله وبقرينة بعض الروايات فانه قد اطلق فيها على الخبر الدال على الجبر والتفويض بانه مخالف للكتاب مردود مع ان الكتاب ظاهر فى نفيهما فيفهم منه ان ما ينافى ظاهر الكتاب

١٠٥٨

يكون مخالفا له سواء كانت المنافاة من حيث العموم والخصوص المطلق ومن وجه قوله واما الاشكال المختص اه هذا دفع للاشكال الاول والاولى ان يقال بان الترتيب ساقط وان كلّ مزية تكون عند المجتهد ارجح من غيره يقدم عليه من غير اعتبار بالترتيب الذكرى ولا فرق فى ذلك بين الشّهرة وغيرها فى امكان تقديمها على ظاهر الكتاب بعد افادتها لمزيّة اقوى وما ذكره المصنّف فى تقريب تقديم الموافقة للكتاب بان موافقة الامارة الغير المعتبرة لا تقاوم الكتاب المقطوع الاعتبار مدفوع بان القطع بالاعتبار لا يصلح لتقديمها وقد تسلم المصنّف ذلك فى الشهرة ولا فرق بينها وبين غيرها بعد فرض افادتها ما تفيده قوله ولا بعد فى تقديمها على موافقة الكتاب من حيث كونها موهنة للعموم من جهة كشفها عن الشهرة الفتوائية فيخرج الكلام عن الترجيح وان كان مذهب الشيخ خلاف ذلك قوله فى الصّورة الاولى وهو العموم والخصوص المطلق فلو كان للخبر المخالف مرجح آخر فيقدم على الموافق ويخصص به الدّليل المستقل وان لم يكن هناك مرجح آخر يحكم بالتخيير فله ان ياخذ بالمخالف ويخصص الدّليل به وان لم يحكم بالتخيير يكون الدّليل مرجعا قوله واما فى الصورتين الاخيرتين يعنى فى الصورة المخالفة من حيث العموم والخصوص من وجه ومن حيث التباين الكلّى قوله من حيث بنائهم اه بجعل اصل البراءة داخلا فى الاستصحاب وجعل الاستصحاب حجّة من باب الظنّ النّوعى المطلق او المقيّد بعدم الظنّ الشخصى على الخلاف او الظن الشخصى وعلى التقادير يخرجان عن الاصل ويدخلان فى الامارات لكن هذا البناء على غير اساس لأنّ الاصل على البناء المذكور لا يخرج عن كونه تعليقيا بالنّسبة الى خبر الواحد وامثاله فلا يكون فى مرتبته فكيف يرجح به قوله فلم يعلم منهم الاعتماد عليه اه يعنى فى الشكّ فى التكليف وامّا فى الشكّ فى المكلّف به الّذى يجب فيه الاحتياط فانّهم يستندون الى الاحتياط فيه كما لا يخفى قوله حاكم على الاصل فان ما دلّ على التخيير دلّ عليه فى المسألة الاصوليّة ومقتضاه حجّية كلا الخبرين تخييرا وجواز العمل بكل منهما وهو حاكم على الاصل فى المسألة الفرعيّة قوله لأنّها اقل موردا لانّ مورد الاستصحاب وجود الحالة السابقة مع الشكّ فى بقائها سواء كان هناك خبر ام لا معارضا مع الخبر الآخر ام لا كانا متكافئين ام كان هناك مرجح ومورد التخيير هو الخبران المتعارضان مع التكافؤ من جميع الجهات ومن المعلوم قلة مورده بالنّسبة الى موارد الاستصحاب وان العام الّذى هو اقلّ فردا مقدّم على العام الذى هو اكثر فردا وكذلك الاصول الأخر قوله يوجب اخراج كثير من مواردها بل اكثرها بل لا يبقى مورد لها لانه مع تضمن احد الخبرين للتكليف الالزامى يرجع الى الاصل البراءة او الاحتياط على الخلاف ومع تضمن الخبرين جميعا للتكليف الالزامى وجوبا وتحريما يرجع الى اصل التخيير العقل فى تعارض الاحتمالين وهو غير التخيير

١٠٥٩

فى المسألة الاصوليّة الّذى هو مفاد اخباره ومع تضمّنها لغير التكليف الالزامى فالامر واضح وح لا يبقى مورد لاخبار التخيير اصلا قوله مثل مكاتبة عبد الله بن محمد اه نقل بعضهم عن على بن مهزيار قال قرأت فى كتاب لعبد الله بن محمّد الى ابى الحسن ع اختلف اصحابنا فى رواياتهم عن أبي عبد الله ع فى ركعتى الفجر فى السّفر فروى بعضهم ان صلّها فى المحمل وروى بعضهم ان لا تصلها الّا على الارض فاعلمنى كيف تصنع انت لاقتدى بك فى ذلك فوقع ع موسع عليك بايّة عملت انتهى والاصل الّذى يرجع اليه هو اصالة الفساد فى العبارات الراجعة الى الاستصحاب او اصالة الاطلاق ان قلنا بالاعمّ فى الفاظ العبادات وفيه مع خروجه عن الفرض لأنّ الكلام فى الرّجوع الى الاصول العمليّة او الترجيح بها لا الاصول اللفظية انه لا اطلاق فى الفاظ العبادات على ما عرفت فى الجزء الثانى او اصالة البراءة لاحتمال الحرمة التشريعية وفيه عدم جريانها الا فى احتمال الوجوب او الحرمة الذاتية لا التشريعية كما سلف ايضا او بناء المسألة على البراءة والاشتغال فى مسئلة الشكّ فى الجزئية والشرطية فيما اذا قلنا بكون الفاظ العبادات اسماء للصحيح وفيه عدم جريانهما مع عدم احتمال العقاب كما هو المفروض او اصالة عدم الجزئية والشرطيّة وفيه مع عدم الحالة السابقة فى بعض الاحتمالات ومعارضتها فى بعضها عدم جريان اصالة العدم بناء على عدم مجعولية الاحكام الوضعيّة كما هو مختار المصنّف قدّس سره قوله ومكاتبة الحميرى المروية فى الاحتجاج حيث كتب الى الصاحب عجل الله فرجه يسألني بعض الفقهاء عن المصلّى اذا قام من التشهد الاوّل الى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر فان بعض اصحابنا قال لا يجب عليه تكبيرة ويجوز ان يقول بحول الله وقوته اقوم واقعد الجواب فى ذلك حديثان احدهما اذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبيرة واما الحديث الثانى فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس فليس عليه فى القيام بعد القعود تكبير والتّشهد الاوّل يجرى هذا المجرى وبايّهما اخذت من باب التسليم كان صوابا وقد نقل فى الجزء الثّانى ايضا هذه الرّواية والاصل العملى الجارى هنا هو اصل البراءة قوله بعض من عاصرناه هو السّيد المجاهد صاحب المفاتيح والمناهل على ما حكى وجه فساد الوجه الاول ان تقديم الخبر المخالف ليس من جهة التخصيص للاصل بل من جهة الحكومة اذا كان الاصل شرعيّا لتقدم مرتبة الخبر بالذات ووجه فساد الوجه الثانى ان مفاد الخبر حكم واقعى ومفاد الاصل حكم ظاهرى والظاهرى ليس فى مرتبة الواقعى فكيف يتقوى مفاد الاوّل بمفاد الثانى مع ان الظن بالحكم الظاهرى لا معنى له الّا ان يقال ان شمول عموم لا تنقض مثلا لمورد اجتماع الاصل والخبر ليس قطعيا بل يظن بشموله له من جهة اصالة الظن النوعى الحاصل فى العموم ووجه فساد الوجه

١٠٦٠