إيضاح الفرائد - ج ٢

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

المعتبر من التفصيل اذ هو لا يجتمع مع الحكم العقلى المزبور بل ليس مراد المحدث الأسترآبادي بيان الحكم فى هذه الصّورة بل مراده الصّورة الثانية لوجهين الاوّل تصريحه بان فى العامّ (١) يجوز التمسّك بانّ عدم الدليل دليل على نفى الحكم فى الواقع الثانى قوله ينبغى ان يحكم قطعا عاديا بعدمه اذ فى هذه الصّورة يحصل القطع الحقيقى بعدمه لا القطع العادى بل صرّح فى شرح الوافية والقوانين فى مقام الفرق بين عدم الدليل واصل البراءة ان فى الاوّل يكون عدم الدليل دليلا على نفى الحكم فى الواقع وفى اصل البراءة مع عدم الدليل يحكم فى الظاهر بعدم الحكم قوله لو سمّيناه حكما بالنّسبة الى الكلّ والتعليق لاجل امكان ان يقال ان الواقع فى الواقع صرف الانشاء او مدلول الخطابات او غير ذلك ويعتبر فى اطلاق الحكم والتكليف تعلقه بالمكلّف وكونه منجزا قوله فلا يجوز الاستدلال على نفيه بما ذكره المحقّق لما ذكره من عدم اناطة التكليف به لأنّ التكليف منوط بالحكم الفعلى المنجز مع انه لا يكون تكليفا بما لا يطاق مع امكان الاحتياط ومن هذا يعلم عدم صحّة الاستدلال بما ذكره المحقق من التعليل لا فى نفى الحكم الفعلى ولا فى نفى الحكم الواقعى وقد دريت ممّا ذكرنا ان مراده ومراد المحدث والقوم نفى الحكم الواقعى قوله نعم قد يظنّ من عدم وجدان الدليل اه كما قد يظن فى غير عام البلوى ايضا من عدم الوجدان بعدم الوجود مع ظن عدم المانع من اوّل الامر بل قد ذكرنا فى السابق ان داعى الاختفاء امر مرجوع فى نفسه قوله لكن هذا الظنّ لا دليل على اعتباره لانه لا دليل بالخصوص عليه حتى يكون ظنا خاصّا وكونه حجّة من باب دليل الانسداد موقوف على تماميته وقد تحقق سابقا عدم تماميته مع ان حجّية الظنّ المطلق لا يناسب مذهب الموجّه المزبور وساير الاخباريين اصلا قوله ولا دخل له باصل البراءة الّتى هى من الادلّة العقليّة لان اصل البراءة حجّة من باب حكم العقل القطعى بعدم التكليف فى مرحلة الظاهر لا من باب الظنّ بعدم الحكم الواقعى كما هو مبنى توجيه المحدّث المزبور قوله ولا بمسألة التكليف بما لا يطاق لانّ حصول الظن فى عام البلوى من جهة الفحص والبحث البالغ مع ظن عدم المانع من نشره فى اول الامر من الشارع او من خلفائه او من وصل اليه لا من جهة بطلان التكليف بما لا يطاق قوله ولا بكلام المحقق لانّه ليس فى كلامه دلالة بل ولا اشارة الى الفرق بين عام البلوى وبين غيره ولا بين العامة والخاصة كما ذكره المحدّث مع ان كلامه فى اصل البراءة الذى هو من الادلّة العقليّة فلا بدّ من الرّجوع

__________________

(١) البلوى

١٠١

الى العقل القطعى من قبح العقاب بلا بيان المقتضى لعدم التكليف الفعلى هذا مضافا الى انّ فى كلامه دلالة على عدم الفرق بين عام البلوى وغيره من جهة ان عدم جواز التكليف بما لا يطاق لا يفرق فيه بين عام البلوى وغيره قوله مع انه غير تام فى نفسه اجنبى عنه بالمرّة امّا كونه غير تام فلاجل ان حصول الظن فى عام البلوى ليس دائميا بل قد يحصل وقد لا يحصل مع انّه لو حصل الظنّ منه فليس مستندا الى عموم البلوى فقط كما هو ظاهر كلامه بل مع ظن عدم المانع من نشره فى اوّل الامر مع ان الظنّ قد يحصل فى غير عام البلوى ايضا فلا فرق كما ذكرنا مع انه لو حصل الظنّ فلا دليل على اعتباره هذا مضافا الى ما اوردناه على المحدّث المزبور واما كونه اجنبيا عنه بالمرة فلما ظهر من ان كلامه فى اصل البراءة الّذى هو من الادلة العقليّة الى آخر ما ذكرنا فى بيان قوله ولا بكلام المحقق والتحقيق ان كلا من كلمات المحقق وكلمات المحدّث وكلمات المصنّف محلّ نظر اما كلمات المحقق فلان مراده مما ذكره فى المعارج ان كان من البراءة الاصليّة هو اصل البراءة وممّا ذكره من وجوب نفى الحكم الفعلى بطريق القطع يرد عليه مع انّه خلاف ظاهره وخلاف ما استفاده القوم منه كما عرفت مما نقلنا عن شرح الوافية ومع انه لا يناسب التّفصيل الّذى ذكره فى المعتبر الا ان يحمل هو فقط على قاعدة عدم الدّليل دون هذا وهو بعيد لوحدة سياق كلماته فى المقامين كما لا يخفى على من امعن النظر فيه انه لا يناسب التعليل بامتناع التكليف بما لا يطاق لان القطع بعدم الحكم الفعلى مستند الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو إلى الاجماع القطعى بحسب الفتوى أو إلى تراكم الاجماعات المنقولة المقيد للقطع أو إلى الاجماع العملى الّذى نقله المصنف سابق لا الى بطلان التكليف بما لا يطاق وان كان عدم الدليل دليل على العدم كما هو الظاهر الّذى فهمه القوم ويشير اليه ما ذكره فى المعتبر فان اراد به كونه دليلا قطعيا على العدم فى الواقع فلا يخفى عدم استقامته بعدم افادة الفحص والبحث القطع بعدم الدليل فى الواقع وعلى تقديره لا يحصل القطع بعدم الحكم فى الواقع بعد ملاحظة ضياع كثير من الكتب واختفاء كثير من الاحكام مع انه لو فرض حصوله لا يعلل بما ذكره المحقق ره وان اراد به كونه دليلا ظنيا على نفى الحكم فى الواقع ففيه ان افادته الظنّ ليس دائميّا بل قد يحصل وقد لا يحصل سواء فى ذلك عام البلوى وغيره فما ذكره فى المعتبر من الفرق

١٠٢

غير سديد مضافا الى انّ الظن المذكور على تقدير حصوله لا دليل على حجّية بعد ان كان الاصل حرمة العمل بالظّن وعدم تماميّة دليل الانسداد مع ان حصول الظنّ المذكور غير مرتبط بما ذكره من التكليف بما لا يطاق هذا ويمكن الالتزام بكون الظن المذكور حجة عند المحقّق اما لان عدم الدليل هو المعروف المتفق عليه عندهم كما ذكره فى شرح الوافية والقوانين واما لان الظنّ فى هذا المقام حجّة من جهة بناء العقلاء وقد ذكر فى المعارج فى باب الاستصحاب على ما سيأتى نقله من ان الرّاجح هو البقاء وهذا يكفى فى العمل به بل المستفاد من مثله كون مطلق الظن حجّة عنده ولذا جعل المحقق القمىّ فى باب الاجتهاد والتقليد امثال هذه الكلمات منه ومن العلامة والشهيد وغيرهم دليلا على كونهم من القائلين بحجيّة الظنّ المطلق وان كان هو كسابقيه ممنوعا عندنا وامّا كلمات المحدّث فلما اوردناه وبعض ما اورده المصنّف عليه واما كلمات المصنّف فلانّ ذكر الشق الاوّل فى مقام ردّ المحدّث المبنى على القطع بنفى التكليف الفعلى من جهة قبح العقاب بلا بيان مع انه خلاف كلام المحقّق وخلاف التفصيل الّذى ذكره فى المعتبر من جهة كونه صريحا فى نفى الحكم الواقعى لظهور كلام المعارج فيه بل هو الّذى استفاده جملة من العلماء منه خلاف صريح كلام المحدّث من جهة دلالته على نفى الحكم الواقعى فلا يرد عليه هذا الايراد الا على تقدير كون مراد المحقق نفى الحكم الفعلى وهو ممنوع كما عرفت مع ان نفى الحكم الفعلى بطريق القطع لا يرتبط بدليله وهو بطلان التكليف بما لا يطاق لما ذكرنا وذكره من انه مستند الى قبح العقاب بلا بيان لا اليه مع انّ ما ذكره فى مقام رد الشق الثانى فقط من بطلان استناده الى قبح التكليف بما لا يطاق دون الاول ربما يرشد الى صحّة استناده اليه وفيه قد عرفت عدمها مضافا الى ان قوله نعم قد يظن كما يرد على المحدث يرد على المحقق بناء على ما ذكرنا من ان مراده هو ذلك فتوجيه الايراد عليه دونه غير سديد وكذا توجيه قوله لكن هذا الظن لا دليل على اعتباره على المحدّث لا على المحقق غير وجيه وايضا لا يرد على المحدّث ما ذكره بقوله ولا دخل له باصل البراءة الّتى هى من الادلّة العقليّة اذ قد ذكرنا ان مراد المحقق من البراءة الاصليّة هو عدم الدليل دليل على العدم على ما سيجيء عن المصنّف عن قريب ايضا وكونه وكون اصل البراءة من الادلة العقليّة القطعيّة لا يستلزم كون عدم الدليل كذلك مضافا الى منع كون اصل البراءة من الادلة القطعيّة عند المحقق

١٠٣

لجعله اياه من باب الاستصحاب فى المعتبر مع كونه من باب الظن عنده وعند كثير من القدماء والمتأخرين حيث جعلوه من باب حكم العقل ظنا بالبقاء على ما سيجيء عن المصنّف عن قريب ايضا وامّا قوله ولا بمسألة التكليف بما لا يطاق فكما يرد على المحدّث يرد على المحقق لما ذكرنا من عدم امكان استناد كلا الشقّين اليه ويمكن تصحيح القطع بانتفاء التكليف الفعلى من جهة قبح التكليف بما لا يطاق بناء على التّوجيه الذى ذكره المصنّف لكلام ابى المكارم ابن زهرة وح يندفع عن (١) المصنّف كثير مما اوردناه عليهما لكن عرفت عدم تماميّة توجيه له فراجع قوله نعم قد يستفاد من استصحاب البراءة السابقة اه لما ذكر فى ردّ المحدّث حيث قال يحصل الظنّ الاطمينانى الّذى سمّاه قطعا عاديا بعدم الحكم فى الواقع انه لا دخل له باصل البراءة الّذى هو من الادلّة العقليّة وكان يمكن ان يورد عليه بان كون الاصل من الادلة العقليّة لا ينافى كونه من باب الظنّ بان يكون المراد بالدّليل العقلى هو حكم العقل الظنى على ما اشرنا اليه عن قريب كما انّ استصحاب البراءة كذلك عند الشيخ البهائى وصاحب المعالم بل عند المحقق ايضا وجمع آخر كما اشرنا اليه ايضا اجاب بان كون الدّليل عقليّا وان كان لا ينافى اعتباره من باب الظن لكنّ التعليل يلزم والتكليف بما لا يطاق ينافيه لما ذكر من عدم اناطة التكليف بالحكم الواقعى حتّى يلزم ما ذكر ولان الدّليل المذكور يناسب القطع بعدم الحكم الفعلى لا الظنّ بعدم الحكم الواقعى على ما يستفاد منه قدّس سره وكما ان التعليل المذكور يدل على ان حكم العقل هنا قطعى لا ظنّى يدل ايضا على ان عدم الدليل المذكور ليس حجّة ودليلا على العدم عند المحقق من جهة ملاحظة الحالة السّابقة بل من جهة التكليف بما لا يطاق والّا لعلّله بها لا بدّ فظهر ان افادة استصحاب البراءة السّابقه للظنّ وكونه معتبرا من بابه عند بعضهم لا يستلزم كون المراد باصل البراءة هو استصحابه عند المحقق فى المعارج ايضا من الكلام الّذى ذكره فيه فظهر انّ الفرق حاصل بين عدم الدّليل الّذى ذكره المحقّق وعلّله بالتعليل المزبور من جهة عدم الاشكال فيه على الحالة السابقة وبين استصحاب البراءة الّذى اعتبره بعضهم من جهة الاشكال فيه على الحالة السّابقة لكن قد عرفت بعض المناقشات فى ذلك قوله ومن هنا يعلم ان تغاير القسمين الاوّلين يعنى وممّا ذكرنا من الفرق بين عدم الدّليل واستصحاب البراءة السابقة يعلم ان تغاير القسمين الاوّلين من الاقسام الثلاثة الّتى ذكرها المحقق فى المعتبر

__________________

(١) المحقق وعن

١٠٤

وهما القسمان المذكوران باعتبار كيفيّة الاستدلال حيث انّ المناط فى عدم الدليل الملازمة بين عدم الدليل وعدم الحكم اما من جهة قبح العقاب بلا بيان وامّا من جهة قبح التكليف بما لا يطاق وامّا من جهة حصول القطع بالعدم بعد الفحص والبحث فى عام البلوى من غير ان يكون الاتكال فيه على ملاحظة الحالة السّابقة فيجرى حتى فيما لم يعلم فيه الحالة السّابقة وامّا المناط فى الاستصحاب فهو ملاحظة الحالة السّابقة والحكم بالبقاء فيه من جهة وجوده فى السّابق قوله فجعله من اقسام الاستصحاب مبنى اه يعنى انّ الغالب فى عدم الدّليل العلم بالحالة السّابقة وان الحكم بعدم الحكم من جهة عدم الدليل موافق لعدم الحكم الثابت فى السّابق فيكون الحكم فيه غالبا على طبق الحالة السّابقة مع عدم كون الاتكال عليها ولذا سمى هو ايضا استصحابا والّا فليس هو استصحابا حقيقيا من جهة عدم لزوم العلم بالحالة السّابقة فيه وعدم الاتكال عليها لو وجدت هذا لكن جعل عدم الدليل واصل البراءة من قبيل الاستصحاب الّذى مبناه على الظنّ عندهم على ما يستفاد من تعريف العضدى وصرّح به فى المعارج على ما نقلناه ايضا وسيأتي يكاد يفيد القطع بانّ مراده ممّا ذكره فى المعارج هو الظن سواء كان مراده من البراءة الاصليّة هو عدم الدّليل او اصل البراءة بالمعنى المعروف فاين ارادته القطع بنفى الحكم الفعلى على ما يستفاد من المصنّف قوله حتى مع عدم العلم بعدم الدّليل او مع عدم الحكم بالعدم من جهة عدم الدليل فان فى تلك الصّورتين لا نعمل بعدم الدليل لكن يمكن العمل فيها بالاستصحاب مع حصول شرائطه قوله ويشهد لما ذكرنا من المغايرة الاعتبارية ليس المراد من المغايرة الاعتبارية كون الفرق بينهما اعتباريا غير حقيقى كيف والفرق بينهما حقيقى منشأ للآثار الخارجيّة بل المراد ان الفرق الحقيقى الحاصل بينهما حصل من جهة اختلافهما بحسب الملاحظة حيث انّه لوحظ شيء فى احدهما غير ما لوحظ فى الآخر قوله نعم هذا القسم الثانى اعم موردا من الاول اه يعنى ان عدم الدليل وان كان مبائنا للاستصحاب ذاتا لكنه اعم منه مطلقا موردا والمقصود ملاحظة النّسبة بحسب المورد بين عدم الدليل واستصحاب البراءة خاصّة ولذا حكم بكون الاوّل اعم والّا فلا يكون اعمّ مطلقا من مطلق الاستصحاب لجريانه فى الموضوعات الجزئيّة واللغويّة والعرفيّة وغيرها مما لا يجرى فيه عدم الدليل وجريان عدم الدليل فى الاحكام المستندة الى العقل وغيرها من الاحكام الفرعيّة بخلاف الاستصحاب

١٠٥

فانّه لا يجرى فى الاحكام المستندة الى العقل كما سيأتى من المصنّف ره فى باب الاستصحاب فيكون بين مطلق الاستصحاب وعدم الدّليل عموم من وجه وتوضيح نسبة العموم والخصوص المطلقين بين عدم الدليل واستصحاب البراءة خاصّة على ما اشار اليه المصنّف ره ان يقال عدم الدليل يجرى فى الاحكام العقليّة وغيرها بخلاف استصحاب البراءة فانه لا يجرى الا فى غير الاحكام العقليّة من الاحكام الشرعيّة هذا على تقدير كون المراد بالاحكام العقليّة الاحكام المستندة الى العقل وعدم جريان الاستصحاب فيها على ما يراه المصنّف فى باب الاستصحاب واما على تقدير كون المراد بالاحكام العقليّة الاحكام الشرعيّة الواردة فى مورد حكم العقل من غير ان تستند اليه وكون المراد بغيرها الاحكام الشرعيّة الغير الواردة فى مورد حكم العقل كالاحكام التعبّدية فيكون معنى العبارة ان عدم الدليل اعم لجريانه فى الاحكام العقليّة بالمعنى المزبور وغيرها بخلاف استصحاب البراءة فانه لا يجرى الا فى الاحكام العقليّة بالمعنى المزبور ويمكن حمل العبارة على راى القوم فانّهم يجعلون استصحاب البراءة مختصا بالأحكام العقليّة ولو على التقدير الاوّل لكنه خلاف ما يظهر من المصنف فى مقام بيان مراد القوم فظهر ان مقصود المصنّف بيان نسبة العموم والخصوص بين عدم الدّليل وخصوص استصحاب البراءة وذكر شيخنا المحقق فى الحاشية انّ النّسبة بين الاصلين بحسب المورد هى العموم والخصوص من وجه لجريان الاصل المذكور فى المسائل الاعتقادية والعمليّة دون الموضوعات الخارجية وجريان الاستصحاب فى الاحكام الشرعيّة العملية بالمعنى الاعمّ من الاصوليّة العمليّة والفقهيّة والموضوعات الخارجيّة دون المسائل الاعتقادية فغرضه قدس سرّه من الحكم بتعميم مورد الثانى انما هو لدفع توهم كونه اخص مطلقا من الاستصحاب موردا لا لبيان كون الاستصحاب اخصّ منه مطلقا انتهى ولا يخفى انه خلاف ظاهر عبارة المصنّف كما عرفت لكن قد انقدح منه معنى آخر أوجز واحسن للاحكام العقليّة يكون عدم الدليل باعتباره ايضا اعم من استصحاب البراءة ثم ان ثبوت عدم الدليل بحيث يكون اصلا آخر غير اصل البراءة والاستصحاب غير معلوم وكذا كون اصل البراءة من باب استصحابها وقد عرفت فى اوّل الكتاب وستعرف فى هذا الجزء ضعف الاوّل كما انك عرفت فى اوّل هذا الجزء وستعرف فى باب الاستصحاب مستوفى ضعف الثانى ثم ان الفرق بين استصحاب البراءة

١٠٦

الذى جعله المحقق استصحاب حال العقل وقسما اولا مع القسم الثالث الّذى جعله استصحاب حال الشرع على تقدير كون المراد باستصحاب حال العقل استصحاب الحكم المستند اليه واضح وعلى تقدير كون المراد به استصحاب الحكم الشّرعى الّذى ورد فى مورد حكم العقل يكون الفرق بينهما اختصاص الثالث بالاحكام الشرعيّة التعبديّة والاوّل بما ورد فى بيانه العقل ايضا هذا وهنا مورد افتراق آخر لعدم الدّليل وهو جريانه فى جميع الاحكام الخمسة بخلاف استصحاب البراءة فانه لا يجرى الّا فى الالزاميين اشار الى الفرق المذكور فى القوانين قوله مقتضى الادلّة المتقدمة كون الحكم الظاهرى اه لا يخفى انه لا بدّ من صرف احد اللفظين عن الظاهر اما لفظ الاباحة بجعلها بمعنى عدم الحرج فى فعله وتركه واما لفظ الادلّة بجعلها بمعنى البعض او بتقدير لفظى البعض لان مقتضى اكثر الادلّة من العقل وما حجب الله ورفع عن امّتى وبعض تقريرات الاجماع هو البراءة وعدم العقاب بلا بيان وليس فيها اثبات الاباحة الخاصة نعم مقتضى مثل قوله كل شيء مطلق وكلّ شيء لك حلال وغيرهما هو اثبات الحلّية وانشائها فى مرحلة الظاهر قوله منهم صاحب المعالم حيث قال واصالة البراءة والاستصحاب لا يفيدان الا الظنّ قوله ومنهم شيخنا البهائى حيث قال والبراءة ظنّية قوله حيث لا يتمسكون فيه الا باستصحاب البراءة السّابقة والظاهر منهم حيث انّهم لم يتمسّكوا فى الاستصحاب الا بالعقل وليس فى التمسّك بالاخبار له عين ولا اثر عندهم كون مبناه عندهم على الظنّ قوله وظاهره اه مع ما عرفت ان الظاهر منهم كون الاستصحاب معتبرا من باب الظنّ قوله انّما هو على طبق الحالة السّابقة وهذا فيما علم له حالة سابقة والّا فاصل البراءة يجرى فيما لم يعلم فيه الحالة السّابقة ايضا ولا ينحصر فيما علم فيه الحالة السّابقة نعم ينطبق مجراه فى الاكثر على ما علم فيه الحالة السابقة قوله ولا يحتاج اليه الاجماع احد الادلة وتكثير الادلّة لا ضير فيه وقد استدل هو فى السّابق مضافا الى العقل والاخبار بالاجماع فالحكم هنا بعدم الاحتياج اليه غير سديد ولعله اراد ان الاجماع على العمل على طبق الحالة السّابقة انّما يفيد فى الصّورة المزبورة فقط ولا يجرى فيما لم يعلم فيه الحالة السّابقة والاخبار والعقل يدلان على البراءة مطلقا حتى فيما لم يعلم فيه الحالة السّابقة فتدبر قوله وهل الاوامر الشرعيّة للاستحباب اى للاستحباب المولوى فيثاب عليه وان لم يتفق المطابقة للواقع قوله سوى الخاصية المترتبة اه

١٠٧

فلو ارتكب المشتبهات بالشبهة التحريميّة وقع فى الحرام الواقعى فى بعض الاحيان وترتب على فعله الخاصّية الدنيويّة المترتبة على فعل الحرام الواقعى لعدم اشتراط ترتّبها بالعلم ولو تركها فى جميع الاوقات حصل الاجتناب عن الحرام الواقعى لو فرض وجوده فى المشتبه وترتب على تركه خاصّية ترك الحرام وفعل الواجب لما ذكرنا من عدم اشتراط ترتبها بالعلم قوله من ظاهر العلم الامر بعد فرض عدم ارادة الوجوب قد ذكرنا فى بعض الحواشى السابقة ان المصنّف قد اجاب عن اخبار التوقف بان الامر فيها للارشاد وقد ذكر فى مقام الجواب عن اخبار الاحتياط ان الامر للارشاد او لطلب القدر المشترك وذكر فى بعض المقامات ان الامر فى الاخبار المذكورة قد يستعمل فى الوجوب وقد يستعمل فى الاستحباب وذكر فى هذا المقام ان الامر اما للاستحباب المولوى واما للاستحباب الارشادى وقد سمعت ما ذكره شيخنا قدّس سره فى مقام الجمع بين كلماته من ان الامر مستعمل فى القدر المشترك فى جميع الاخبار وان خصوصيّة الوجوب او الندب انّما جاءت من الخارج وذكرنا فى مقام الجمع ان مراده كون الامر فى الاكثر للقدر المشترك ولكن قد يستعمل فى خصوص الوجوب وقد يستعمل فى خصوص الندب والفرق بينهما غير خفى فتوجيه كلام المصنّف انّه على تقدير إرادة خصوصيّة الندب من الخارج فى بعض المقامات على ما ذكر او استعمال الامر فى خصوص النّدب فى بعض الموارد على ما ذكرنا فهل يحمل على الاستحباب المولوى او على الاستحباب الارشادى وجه الاول ان الاصل فى اوامر الشّارع ان يكون مولويّا اما لكونه الغالب وامّا لكونه جامعا لجهتى السّلطنة والسّياسة والعلم والحكمة كما اشرنا اليه فى باب تقرير دليل الانسداد بخلاف الامر الارشادى فانه لا بد ان يكون صادرا عن جنبة العلم والحكمة فقط ووجه الثانى الاشارة فى الاخبار اليه على ما سيجيء عن قريب شرحه قوله وظاهر ان حكم العقل بالاحتياط اه لا يخفى ان حكم العقل فى جميع الموارد للارشاد والحكم الشّرعى المستكشف عنه يكون مولويّا فى الموارد القابلة له ويكون ارشاديّا فى الموارد الغير القابلة له قوله ودفع احتمال العقاب الظاهر ان المراد بالعقاب هو الضّرر الدّنيوى فاذا كان ارتكاب المضر حراما شرعيّا فاذا قطع بكون شيء مضرّا تثبت الحرمة الواقعية واذا ظن به وقد ثبت حجّيته تثبت الحرمة فى مرحلة الظاهر واذا شكّ فيه تكون الشبهة موضوعية لا يجب الاجتناب منها من جهة قبح العقاب بلا بيان لكن يحكم العقل برجحان ترك المشتبه وانما قلنا

١٠٨

ذلك لانّه لو كان المراد احتمال العقاب الاخروى لا يكون الامر مستحبا بل يكون واجبا لوجوب دفع العقاب المحتمل كما صرّح به المصنّف مرارا قوله انّ ظاهر الاخبار حصر حكمة الاجتناب عن الشبهة اه انما ادّعى الحصر لان وجود الجهة الغيريّة لا يوجب بمجرده كون الاستحباب غيريا ولذا قال المحقق القمىّ فى القوانين ان الواجب التعبدى ما لم يعلم انحصار المصلحة فيه فى شيء بل الامر كذلك فى جميع الواجبات السمعيّة فانّها الطاف فى الواجبات العقليّة وتابعة للمصالح النّفس الأمريّة بل الامر كذلك عند غير العدليّة اذ هم لا ينكرون مثل قول الله تعالى انّ (الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) ومع ذلك يقولون بكونها واجبة نفسية بل الامر كذلك فى معرفة الله تعالى وما يتلوها من الواجبات الاعتقادية فانها شرط لصحّة الاعمال الفرعيّة فلها رجحان غيرى وان لم يكن الامر بها من هذه الجهة بل من جهة النفسيّة فهى واجبة نفسيّة راجحة غيرية عكس الوضوء والغسل قوله واقترانه مع الاجتناب اه عطف على محلّ انّ واسمها يعنى يشهد لما ذكرنا اقتران الاجتناب عن المشتبه مع الاجتناب عن الحرام المعلوم فى كونه وربما والاقتران المذكور وقع فى رواية الفضيل قال قلت لابى عبد الله ع من الورع من الناس قال الّذى يتورّع عن محارم الله ويتجنّب هؤلاء فاذا لم يتق الشبهات وقع فى الحرام وهو لا يعرفه وقد نقلها المصنّف سابقا قوله وهو الاجتناب عن الحرام والضّمير راجع الى الخاصّية وتذكير الضمير باعتبار الخبر وهو مترتب على الموافقة كما ان الفوت مترتب على المخالفة قوله سوى ما يترتب على نفس الاجتناب وهو الوقوع فى الحرام فى بعض الاحيان لو فعله وعدم الوقوع فى الحرام لو تركه قوله ولا يبعد التزام ترتب الثواب عليه يعنى لا يبعد ترتب الثواب على الاحتياط نفسه لكونه انقيادا واطاعة حكميّة قوله ولكن الظاهر من بعض الاخبار اه وهذه الاخبار هى الّتى تدلّ على انّ اجتناب الشبهة يوجب كما لا فى النفس ودرجة رفيعة لها بحيث لا تكون مرتكبة للاعمال الشنيعة والمحرّمات الواقعة فى الشريعة فتكون المراد بالمحرمات هى المحرّمات المعلومة لا المحرّمات الّتى تتفق وجودها فى ضمن المشتبهات احيانا كما هو مبنى الوجه الاوّل ومن المعلوم ان ما يوجب ذلك يكون من المستحبّات النفسيّة لا الغيريّة اذ يكون سبيله سبيل الواجبات الشرعيّة الّتى تترتّب عليها فوائد جليله وآثار شريفة من النّهى عن الفحشاء والمنكر وغيره لكونها موجبة لكمال فى النفس وصفاء فيها وقد ذكرنا عن قريب

١٠٩

ان ترتب بعض مصالح شيء على الغير لا يوجب كونه غيريا قوله هو كون الامر به للاستحباب هذا وما سبق وما سيأتي مما يؤيد ترجيحنا لكلام المصنّف قدّس سره من انّ الامر قد يستعمل فى الاستحباب لا انّه قد استفيد من الخارج وان الامر لم يستعمل الا فى القدر المشترك فى جميع الموارد كما افاده شيخنا قدّس سره قوله ولازم ذلك استحقاق الثواب اه فيحصل للمكلّف العامل بالاحتياط فى صورة مصادفة الواقع ثلاثة ثوابات احدها لنفس الاحتياط بناء على ما ذكره عن قريب بقوله ولا يبعد اه وثانيها لاجل الامر الاستحبابى وثالثها لأجل العمل بالواقع قوله وظهور الاخبار المتقدمة فى ذلك لان الاخبار الآمرة بالاحتياط او التوقف واردة فى مطلق ما يحتمل التحريم وغير الوجوب سواء كان غير الوجوب هو الاستحباب او الاباحة او الكراهة قوله ولا يتوهّم انه يلزم من ذلك اه لما ذكر انّ فى احتمال التحريم وغير الوجوب يكون الاحتياط فى الترك ولو احتمل الاستحباب جاز لمتوهم ان يتوهّم انه مستلزم لان لا يشرع الاحتياط فى الفعل فيما اذا كان من العبادات المستحبّة احتمالا كالفضيلة والاعرابى وغيرهما فدفعه بقوله ولا يتوهم ومقصوده دفع التوهّم المذكور من جهة ان التحريم المحتمل هنا تشريعى والتحريم التشريعى يندفع بفعل المحتمل رجاء للواقع وبعنوان الاحتياط لانّه رافع لموضوع التشريع لانه ادخال ما لم يعلم انه من الدين فيه لا الفعل بعنوان الرجاء وان شئت قلت ان ما ذكرنا من ان الاحتياط فى الترك فى دوران الامر بين الحرام والمستحبّ فى الحرام الذاتى لا التشريعى قوله وثالث الى اوامر ترك الشبهات مقدمة هذه العبارة انما تنطبق على احد الاحتمالين وهو كون الامر بالاحتياط ارشاديا ولا تنطبق على ما اذا كان الامر بالاحتياط مولويّا ولا يخفى ان كون الامر بالاحتياط ظاهريا واردا فى الموضوع المشتبه الحكم يتأتى على كلا التقديرين قوله فانّ هذا الموضوع فى نفسه اه فان الموضوع المشتبه من حيث هو كذلك لا حكم له الا الحرمة عندهم وليس له حكم آخر ليكون مسبوقا به فيكون ظاهريا نعم هذا الموضوع مع قطع النظر عن كونه مشتبها له حكم آخر قوله والأظهر ان التوقف اعم بحسب المورد اه قال فى القوانين واما التوقف والاحتياط فلم اتحقق الفرق بينهما وقال بعض المتاخرين ان التوقف عبارة عن ترك امر محتمل الحرمة وحكم آخر من الاحكام الخمسة والاحتياط عبارة عن ارتكاب امر محتمل الوجوب وحكم آخر غير التّحريم من الاحكام الخمسة

١١٠

كما هو ظاهر موارد التوقف والاحتياط ومن زعم ان التوقف هو الاحتياط فقد سها وغفل قال اقول المراد بالتوقف هو السّكوت عن الحكم فى الواقعة الخاصة ثم بعد ذلك امّا ان يحكم بالبراءة او بالاحتياط فالقول بالتوقف لا ينفك عن احد القولين ثم قال فالظاهر ان كلّ من يوجب الاحتياط يوجب التوقف عن الحكم الخاصّ والحكم بالبراءة الاصليّة عموما وان القائل بوجوب التوقف يوجب الاحتياط قلت لعله لا يخلو عن منافات لما سبق الى ان قال وامّا ما يتوهم من انّ المراد من التوقف التوقف فى الإفتاء والمراد من الاحتياط الاحتياط فى العمل فهو غلط لانّ من اوجب الاحتياط يفتى بوجوب الاحتياط والحاصل ان جعل التوقف والاحتياط قولين فى المسألة لا يرجع الى محصّل انتهى كلامه رفع مقامه وقال السيّد المحقق الكاظمى ره فى شرح الوافية وقد سمعت ما حكا الاستاد عن بعضهم من الاحتياط فكان مذهبا رابعا لهم والظاهر انه عمل اصحاب التوقف وليس مذهبا لهم برأسه بدليل ان صاحب الفوائد ينادى بوجوب التوقف ولما اورد على نفسه الأسئلة فى المواطن المشكلة اوجب الاحتياط انتهى والظاهر من كلام المصنّف ان بين موردى التوقف والاحتياط عموم وخصوص من وجه اذ التوقف يجرى فى جميع الاحكام المشتبهة من الاموال والاعراض والنفوس فيجرى فيما لا يجرى فيه الاحتياط مما دار الامر فيه بين محذورين فيما يتعلق بحقوق الناس واعراضهم فيكون من هذه الجهة اعم من الاحتياط والاحتياط يجرى فيما لا يجرى فيه التوقف ممّا لا يحتمل فيه الحرمة ويحتمل فيه الوجوب وغير التحريم وهذا بناء على كون التوقف مختصّا بالشبهة التحريميّة كما ذكره المصنّف سابقا حيث قال وظاهر التوقف المطلق السكون وعدم المضىّ فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل وفى موضع آخر ان المراد بالتوقف هو التوقف فى العمل فى مقابل المضى فيه على حسب الارادة وقد سها قلم شيخنا المحقق عطر الله مرقده فى الحاشية على قول المصنّف والاحتياط اعمّ موارد احتمال التحريم حيث قال فيكون التوقف الاعمّ من الاحتياط اعمّ ايضا من موارد احتمال التحريم فمن عبّر بالتوقف اراد الاعم من محتمل التحريم ومحتمل الوجوب فانّك قد عرفت سابقا ان المراد من التوقف هو السّكون عند الشبهة وعدم الدّخول فيها سواء كانت الشبهة فى الفعل او فى الترك اه اذ هو مع انه كاد يكون خلاف صريح عبارة المصنّف هنا خلاف صريح عبارته فيما سبق و

١١١

يمكن الخدشة فى عبارة المصنّف من الفرق بانّه خلاف مذهب الاخباريّين وقد سمعت ما حكاه المحقق الكاظمى عن صاحب الفوائد حيث يفهم منه انّ مرجع التوقّف الى الاحتياط وفى الوسائل باب وجوب التوقف والاحتياط فى القضاء والفتوى والعمل فى كلّ مسئلة نظرية لم يعلم حكم ما بنصّ من الائمّة عليهم‌السلام ثم ذكر فى الباب اخبار التوقف والاحتياط قوله مثل وجوب السّورة او وجوب الجزاء اه انما مثل بذلك لأنّ الشيخ الحرّ العاملى مع انه قد ادّعى فى الوسائل عدم الخلاف فى الرّجوع الى البراءة فى الشبهة الوجوبيّة قال الّا اذا ثبت التكليف بعبارة مرددة بين فردين كالظهر والجمعة وجزاء واحد للصيد او اثنين فانه يجب الاحتياط فعلم بانّهم يقولون بالاحتياط فى الاقلّ والاكثر الارتباطى بل الاستقلالى بناء على كون جزاء الصيد منهما ولا حاجة الى ما ذكره المصنّف فان ظاهر بعض كلمات المحدّثين البحرينى والأسترآبادي كما سينقله وجوب الاحتياط فى غيرهما ايضا فى بعض موارد الشبهة الوجوبيّة فانتظر وكذلك اذا تعارض نصّان دلّ احدهما على الوجوب والآخر على غير التحريم فانه يجب الاحتياط فيه عندهم قوله بانّ المعتبر بالاولى قد لاحظ الحرمة اه لا يخفى انه راجع الى الفرق الاعتبارى الّذى ذكره سابقا مع انه قدّس سره بصدد بيان الفرق الحقيقى قوله فتامّل وجه التامّل ان الاذن والترخيص فى الواقع لا ينافى المنع فى الظاهر كالعكس لاختلاف موضوعيهما مع انّ هذا الكلام يستلزم اما نفى الحكم الظاهرى راسا واما نفى الحكم الواقعى كذلك وكلاهما واضح البطلان قوله انّما يتمسّك فى ذلك باصالة الحظر وفى شرح الوافية للمحقّق الكاظمى قدس‌سره ان منهم من يحكم لمكان هذا النّهى بالتحريم ظاهرا ويسمّيها الحرمة الظاهريّة اى انا لا نعلم ما هو عليه فى نفس الامر من تحريم او إباحة لكنا نهينا عن الاقدام بمثله بل منهم من يقول بالحرمة الواقعيّة متعلّقا بانه تصرف فى مال الغير فيكون حراما فى نفس الامر حتّى يرد الاذن قلت هذا مبنى على ان يكون الاخبارى قائلا بحجّية العقل قبل ورود الشّرع مع ان المعلوم من مذهبهم كما صرّح به فى اوّل الكتاب عدم حجّية العقل مطلقا لكن يمكن ان يكون حكم العقل المذكور فطريا او بديهيّا او غيرهما مما يقولون بحجّية كما احتملناها فى تقرير الوجه الثانى والاوّل من دليل العقل للاخباريّين ويمكن ان يكون على طريق الجدل والالزام لكن التوجيه المذكور لا يلائم هذا المقام كما لا يخفى قوله يقول بانه لا حرمة ظاهرا اصلا ان اراد انه ليس فى المشتبه حرمة ظاهرية اصلا حتى

١١٢

الحرمة الارشادية الّتى لا عقاب على تركه لاجلها من حيث هو بل لاجل مخالفة الواقع ان اتّفقت فهو مع انّه مبنى على تجويز خلو الواقعة عن الحكم الفعلى مناف لقوله بعد ذلك ولعلّ هذا القائل الى قوله نعم الارشاد على مذهب هذا الشخص على وجه اللّزوم وان اراد انه ليس فيه الحرمة الظاهريّة الّتى توجب العقاب وان كان فيه الحرمة الارشادية ففيه مع انّه ليس قولا بالحرمة الواقعيّة فقط خلاف ظاهر كلامه هنا مثل قوله بل ليس فيه الّا الحرمة الواقعيّة على تقدير ثبوتها وقوله لا حرمة ظاهرا اصلا والظاهر ان مراده هو المعنى الثّانى لتقدم النصّ على الظاهر والامر فى ذلك سهل قوله فى موضع آخر من الفائدة المزبورة الّتى ذكر فيها انّ للاخباريّين مذاهب اربعة لا فى موضع آخر من فائدة اخرى قوله ويخطر بخاطرى ليست هذه العبارة الى قوله بهذا المعنى فى نسختنا من الفوائد قوله لا للأولوية يعنى فى الشبهة التحريمية المبحوث عنها لا مطلقا اذ قد ذكر انّ الامر للقدر المشترك قوله ولا يلزم من تسليم استحقاق الثّواب للتفكيك بين الانقياد الحكمى المتحقق فى الاحتياط والمخالفة الحكميّة الّتى فى التّجرى بالثواب فى الاول دون العقاب فى الثانى فى غاية الاشكال ان كان مبنى الكلام على الاستحقاق كما هو الظاهر منه قوله انّما هو مع عدم اصل موضوعى او ما يجرى مجراه كاستصحاب الحرمة اذ لو جرى الاستصحاب المذكور لم يجر اصل الاباحة لكون الاستصحاب حاكما عليه على ما ستعرف قوله لأصالة عدم التذكية اه اى لاصالة عدم وقوع التذكية على الحيوان المشكوك فى صحّة تذكيته على ما عبّر به فى كتاب الطّهارة وان شئت قلت لاصالة عدم تحقق التذكية وعدم تحققها امّا لعدم قبوله لها وامّا لغير ذلك قوله فيحكم بعدمها اى يحكم بعدم القابليّة لا بجريان استصحاب عدم القابليّة لعدم الحالة السّابقة المتيقّنة بل لما ذكرنا من اصالة عدم وقوع التّذكية (١) قوله وكون الحيوان ميتة اى غير مذكى والّا فلو كانت الميتة امرا وجوديّا لا يمكن اثباتها باصل العدم المذكور لعدم حجّية الاصل المثبت قوله ويظهر من المحقّق والشّهيد الثانيين قال الاوّل فى جامع المقاصد ولو لم يغلب عليه صورة احد النّوعين فهو طاهر غير حلال تمسّكا بالاصل فى الامرين وقال الثّانى فى الروضة ولو انتفى المماثل فالاقوى طهارته وان حرم لحمه للاصل فيهما بل يظهر منه فى تمهيد القواعد كون القائل بجريان الاصلين المذكورين جماعة قبله حيث قال فانّهم حكموا بطهارته وتحريمه عملا

__________________

(١) ويمكن ارجاع الضمير الى التذكية اى يحكم بعدم التذكية وكون الحيوان ميتة فيكون العطف تفسيريا وهذا اظهر

١١٣

بالاصلين المنضبطين ومن هذا تبيّن ان ما قيل من انه لم يسبقهما ولم يلحقهما احد فى ذلك محلّ نظر قوله وعدم عموم يدلّ على جواز تذكية كل حيوان اه فانه اذا كان عموم شامل للمقام لا يرجع الى الاصل المذكور لانه اصل عملى لا يجرى مع الدليل الاجتهادى وقد اختار المصنّف فى كتاب الطّهارة وجود العموم المذكور حيث قال الاقوى اصالة وقوع التّذكية على كل حيوان عدا ما خرج ويدلّ على الاصل المذكور قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ) اه كما قيل (١) وقوله تعالى (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ويدلّ على اختياره ذلك هنا قوله وكيف كان فلا يعرف وجه لرفع اليد عن الحلّ والاباحة فان قلت كما يرد الايراد على المحقق والشّهيد الثانيين حيث رجعا الى الاصلين يرد على المصنّف الّذى رجع الى احتمال عدم التذكية فى صورة الشكّ قلت مضافا الى انّ الرّجوع الى الاصل ينفع فى الشبهة الموضوعيّة رجوع المصنّف الى الاصل من جهة انّه قدس‌سره هنا فى مقام بيان الحكم الاصولى وليس فى مقام الفتوى فى المسألة الفقهيّة حتّى يذكر جميع ما له مدخلية فى الحكم بخلاف المحقق والشّهيد الثانيين فانّهما فى مقام الفتوى فى المسألة الفرعيّة فلا بدّ لهما من ابطال الرّجوع الى مثل العمومات المذكورة حتى يمكن لهما التمسّك بالاصلين المزبورين قوله ففيه انّ الحرمة قبل التذكية اه توضيحه انّ المستصحب امّا الحرمة الذاتية وامّا الحرمة العرضية ولا سبيل الى اجراء الاصل فى واحد منهما اما الحرمة الذاتية فانّها كانت مشكوكة فى السّابق ايضا فكيف تستصحب مع ان فى الاستصحاب يعتبر وجود الحالة السّابقة المتيقّنة وامّا الحرمة العرضية فانّها كانت مترتبة فى السّابق على على موضوع الميتة يعنى غير المذكى فانّ الحيوان فى حال حياته كان غير مذكّى فبعد اثبات جواز تذكيته ووقوعها جامعة للشرائط من فرى الأوداج وذكر اسم الله وغير ذلك خرج عن الميتة الّتى هى بمعنى غير المذكاة لصدق المذكّاة على جثة الحيوان المرقوم فقد تغير الموضوع ومن المعلوم انه مع احتمال تبدّل الموضوع لا يجرى الاستصحاب فضلا عن تبدله بطريق القطع فمقصوده من قوله فاذا فرض اثبات جواز تذكية ليس ابداء كفاية اثبات جوازه بل المراد وقوع التذكية بعد الجواز المفروض وهذا الّذى ذكرنا هو مراد المصنّف فيما ذكره فى كتاب الطّهارة ردّا على استصحاب الحرمة ان حرمة الاكل فى حال

__________________

(١) وقوله تعالى (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) قلت وكذا قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله ع ليس الحرام الّا ما حرّم الله

١١٤

الحياة لعدم التذكية فهى حرمة عرضية ترتفع بالتذكية قطعا والمقصود اثبات الحرمة الذاتية انتهى قوله نعم ذكر شارح الرّوضة وجها آخر ونقله بعض محشّيها عن الشّهيد فى تمهيد القواعد فى بعض النسخ كما ذكر قال الشهيد الثّانى فى تمهيد القواعد فى المقصد الخاص بعد ان ذكر الاختلاف فى الافعال قبل البعثة هل هى على الاباحة او التّحريم او التوقف وامّا بعد الشرع فمقتضى الادلّة الشرعيّة ان الاصل فى المنافع الاباحة لقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ونقل بعضهم فيها ثلاثة اوجه كالسّابقة اذا علمت ذلك فللمسألة فروع منها اذا وجدنا شعرا ولم ندر هل هو من ماكول ام لا نجس العين ام لا فهل هو نجس او طاهر وعلى تقدير طهارته هل يعفى عنه فى الصّلاة ام لا اوجه مبنيّة على هذا الاصل ويقوى الفرق بين الطهارة والعفو لانّ النجاسات محصورة والاصل عدم كونه منها بخلاف غير العفو عنه فانه غير منحصر لكثرة الحيوان المحرم على وجه لا ينضبط كما نبهوا عليه فى مواضع ومنها فى المتولّد بين ماكول وغيره اذا لم يكن باحدهما ولا بمعلوم النّجس فانّهم حكموا بطهارته وتحريمه عملا بالأصلين المنضبطين وعلى هذا فيحكم بطهارة الشعر المذكور وعدم العفو عنه وكذا القول فى العظم ونحوه اه ولا يخفى انه ليس فيه كون المحلّلات مضبوطة وانّما فيه كون النجاسات مضبوطة ولعلّ الناقل فهم من قوله عملا بالاصلين المنضبطين فى المتولّد بين مأكول وغيره ذلك والله العالم وفى بعض النسخ ونقله بعض محشّيها عن الشّهيد فى القواعد وليس عندى قواعد الشّهيد الاوّل حتى ألاحظه لكن راجعت بعد ذلك قواعد الشّهيد فلم اجد ذلك فيه وفى الحدائق وامّا الاصل فى الثانى يعنى اصالة التحريم فلا اعترف له وجها الّا ان بعض المحشين على الرّوضة ذكر ان مراده باصالة التحريم هو ما علّله فى تمهيد القواعد بان المحرّم غير منحصر لكثرته على وجه لا ينضبط وفيه ما لا يخفى فان بناء الأحكام الشرعيّة على مثل هذا الاصل الغير الاصيل مجازفة محضة انتهى قوله بل المحرّمات محصورة لأنّ بناء الشرع على بيان المحرّمات والمحظورات دون المباحات وليس المراد هنا وفيما سبق الحصر الاصطلاحى حتى ينافى الشكّ والرجوع الى الاصل كما هو واضح قوله فى مقام الجواب عن الاستفهام قال الله فى سورة المائدة (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) اه قوله قلنا ان التحريم محمول فى القرآن على الخبائث والفواحش

١١٥

قال الله تعالى فى سورة الاعراف (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) اه وفى سورة الشّورى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) وفى سورة والنّجم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) وفى سورة الاعراف (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) الآية ولا يخفى ان ما ذكره المصنّف بقوله قلنا ان التحريم محمول اه غير محتاج اليه فيما قصده من تعارض الاصلين والرّجوع الى اصل الإباحة او العموم الّذى يذكره عن قريب لأنّ الآية اذا كانت فى مقام حصر المحلّلات فى الطيّبات فلا شكّ انه فى موضوع الشكّ فى كون الشيء طيّبا لا يمكن التمسّك بعموم المنطوق لاثبات الحلية فيه ولا بعموم المفهوم الدالّ على عدم حليّة غير الطيّب لاثبات حرمته فلا بد من الرّجوع الى الاصول العمليّة ولا شكّ فى انّ ما ذكر من ان الاصل عدم احلال الشّارع له معارض بانّ الاصل عدم تحريم الشارع له لانّ الاحكام الشرعيّة كلّها حادثة مسبوقة بالعدم ومع تعارضهما وتساقطهما يرجع الى ما ذكر من العموم او اصل الاباحة قوله وعموم قوله تعالى قل لا اجد اه وقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله تعالى (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) قوله مع انه يمكن كون الحيوان مما ثبت اه وشك فى حرمته لاجل الشكّ فى قبوله للتّذكية وح فلا يجرى اصل عدم احلال الشّارع له الذى كان يجرى فى صورة الشكّ فى كونه طيّبا على ما ذكره الموجّه بل لا بدّ من الرّجوع الى العمومات الدالّة على الاباحة كما نقله المصنّف عن بعض وارتضاه فى الفقه او الى اصالة عدم تحقق التذكية كما ذكره المصنّف قبل ذلك فى الكتاب وعلى اىّ تقدير فلا مسرح للرّجوع الى اصالة عدم احلال الشارع التى ذكرها الموجه قوله فتدبّر وجهه ان مورد الاصل ان كان عدم وجود القذر فان اريد به اثبات قذارة هذا الشخص المشكوك يكون مثبتا ومع عدم اثبات عدم قذارته لا يكون مفيدا وان كان عدم قذارة هذا الشخص فليس له حالة سابقة متيقنة ولو امر بالتامّل كان اولى قوله فالامر يدور بين الوجوب والتحريم لاحتمال وجوب الاحتياط فيجب عليه الافتاء بوجوبه وعدم وجوبه فيحرم عليه الافتاء بوجوبه لعدم مرجح فى البين على ما هو

١١٦

قوله والّا فالاحتياط اه يعنى وان لم يثبت وجوب الافتاء فالاحتياط فى ترك الفتوى لكن على تقدير عدم ثبوت استحباب الفتوى ايضا ولا يخفى ان ما ذكره على سبيل الفرض والتقدير اذ لا شكّ فى وجوب الفتوى ولو فى غير هذا المورد ووجوب تقليد المقلّد له فتدبّر قوله وح فيحكم الجاهل بما يحكم به عقله يعنى على تقدير عدم افتاء المجتهد الحىّ بناء على عدم وجوبه عليه فالجاهل امّا ان يلتفت الى قاعدة القبح بلا بيان ويقطع بها من جهة عقله فيجوز له ارتكاب المشتبه بمقتضى حكم عقله وامّا ان يلتفت الى قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل مع ثبوت الصّغرى عنده وهو احتمال العقاب فيجب عليه اجتناب المشتبه بحسب حكم عقله فمع التفاته الى حكم العقل براءة واحتياطا وقطعه بذلك وقلنا بعدم وجوب التقليد للمجتهد مطلقا حيّا وميّتا مع قطعه ولو بالحكم الظاهرى او قلنا بعدمه مع عدم التمكّن من المجتهد الحىّ كما هو المفروض فى المقام لا بدّ له من الرّجوع الى ما حكم به عقله ولا ينفعه قول الاصولى بالبراءة ولا قول الاخبارى بالاحتياط لفرض عدم الدليل على حجّية اقوالهم له قوله اذا قلنا باشتراكه لفظا او معنى مع فرض عدم كون القدر المشترك مرادا وكون المراد الخصوص مع عدم القرينة المعينة له قوله ولم يكن هناك اطلاق يؤخذ به بان ثبت الحكم بالدّليل اللبىّ او بالدّليل اللّفظى وكونه منصرفا الى غيره او كونه فى مقام بيان حكم آخر او غير ذلك قوله وربما يتوهم وقد يتوهم عدم جريان ادلّة البراءة هنا لورود البيان بنهى الشّارع فيكون الحكم الاحتياط عند الاصوليّين ايضا وهو فاسد لانّ البيان المصحّح للعقاب هو البيان التام الّذى علم المراد منه موضوعا ومحمولا فمناط المعذورية حاصلة قوله وهو فاسد لانّ الشبهة الموضوعيّة الّتى يجرى فيها اصالة البراءة بالاتفاق هو ما يكون منشأ الاشتباه فيه الامور الخارجيّة لا الشكّ فى الموضوع المستنبط الكلّى لانّه يكون من الشبهة الحكمية الّتى معناها عدم العلم بالموضوع او بالمحمول كما اشرنا الى ذلك مرارا قوله يا سيدى انّهما معا مشهوران ان كان المراد الشهرة فى الرّواية كما هو الظاهر وقد حققه فى باب الشهرة فكون الخبرين مشهورين امر واضح وان قلنا بشمولها الشهرة الفتوائية فلا بد من حمل هذا الكلام على عدم وجود هذا المرجّح بالنّسبة اليها لعدم امكان وجود الشهرتين الفتوائيّتين فى كلا الخبرين قوله قلت ربما كانا موافقين او مخالفين لهم لا يخفى انه لو كان المراد بموافقة العامة موافقة جميعهم او اكثرهم لا يمكن كون الخبرين موافقين لهم فلا بد من حمل هذا الكلام على عدم وجود هذا المرجّح فيكون غرض السّائل عدم

١١٧

وجود هذا المرجّح من جهة كون احد الخبرين موافقا لبعض العامّة مخالفا لبعضهم والخبر الآخر كذلك نعم مخالفة الخبرين لجميع العامة او اكثرهم ممكنة من جهة امكان عدم ذهاب احد من العامة او اكثرهم على طبق احد الخبرين قوله انّهما موافقان للاحتياط لو كان المراد بالاحتياط هو الحكم الالزامى يتصور الموافقة للاحتياط فى كلا الخبرين بان يكون احدهما دالّا على الوجوب والآخر على التحريم وعلى تقدير كون الاحتياط هو احراز الواقع لا يمكن كون الخبرين كليهما موافقين للاحتياط فلا بد من حمل هذه الفقرة على عدم وجود هذا المرجّح ايضا قوله وهذه الرّواية وان كانت اخصّ اه اخصّية هذا الخبر انّما هى بالنّسبة الى اكثر اخبار التخيير حيث حكم فيها بالتخيير مع فقد المرجّح على اختلاف مضامينها وعباراتها فيكون المراد منها الرّجوع الى التخيير مطلقا مع فقد المرجّح سواء امكن الاحتياط ام لا ومضمون المرفوعة الحكم بالتّخيير مع عدم امكان الاحتياط فتكون اخص منها بهذه الملاحظة لكن قد ورد كثير من اخبار التخيير فى مورد التعارض مع عدم ذكر مرجّح فيها اصلا فلا بد من حملها على التسوية من جميع الجهات حتى من جهة الاحتياط وغيره وح فلا تعارض بينهما اصلا ولا مانع من العمل بالمرفوعة من جهتها حتى يحتاج الى التّخصيص نعم لو كان المراد منها التسوية من سائر الجهات من دون جهة الاحتياط لعدم امكان كون الاحتياط مرجّحا بل ان كان ولا بد يكون مرجعا يكون التعارض بينهما حاصلا فيحتاج الى الحكم بالتخصيص فيها ايضا ثم ان اخبار التخيير اخصّ من الاخبار العامّة لورودها فى المتعارضين فقط لا مطلق الشبهة واما اخبار التثليث فلا دلالة فيها على وجوب الاحتياط حتى تعارض اخبار التخيير واما المقبولة فواردة فى صورة التمكّن من الرّجوع الى الامام ع فلا تعارض اخبار التخيير اذا جمع بينهما بالحمل على التوقف وجوبا فى صورة التمكن والتخيير عند عدمه وسيجيء وجوه الجمع بينهما فى التعادل والترجيح إن شاء الله الله قوله إلّا انّها ضعيفة السّند قد يتوهم عمل المشهور بالمرفوعة فى الجملة حيث انهم يقدمون الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصّفات كالأوثقيّة والأعدليّة كما هو مضمون المرفوعة دون العكس كما هو مضمون المقبولة ولذا قال المصنف فى باب التعادل والترجيح انّ عمل العلماء على طبق المرفوعة لا المقبولة لكنّه فاسدان لم يعلم ان مستند المشهور فى تقدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصّفات من جهة المرفوعة فلعلّهم فهموا من التعليل فى المقبولة

١١٨

بان المجمع عليه لا ريب فيه الترجيح بكلّ مزية ولو بالاضافة مع كون الظن الحاصل من الشهرة اقوى من الظنّ الحاصل من الصّفات عندهم مع ان ظاهر المرفوعة لعلّه غير معمول به حتى عند الاخباريّين لانّ مفادها الترجيح بالاحتياط والأخباريّون يجعلونه مرجعا لا مرجّحا قوله وقد طعن صاحب الحدائق فيها وكذلك العلّامة المجلسىّ قدس سرّه قال فى المجلّد الاوّل من البحار وكتاب غوالى اللّئالى وان كان معروفا ومؤلّفه بالفضل مشهورا لكنه لم يميّز القشر من اللباب وادى روايات متعصّبى المخالفين فى روايات الاصحاب قوله او كون الحكم الوقف او التساقط الفرق بين الوقف والتساقط المراد به التساقط الرّأسى ان فى الوقف بعمل بالخبرين فى نفى الثالث بخلاف التساقط وان فى الوقف لا بدّ من الرّجوع الى الاصل الموافق لاحدهما بخلاف التساقط فانّه يرجع فيه الى الاصل مطلقا كان مطابقا لاحدهما او كان مخالفا لهما فيكون المراد من قوله والرّجوع الى الاصل هو الرّجوع اليه مطلقا فى التساقط والّا فيرجع الى الاصل المطابق لأحد الخبرين فى الوقف ايضا فلا يصح تفريع الرّجوع الى الاصل على التساقط فقط دون الوقف قوله او التخييرين الخبرين مذهبه قدس سرّه بل المشهور هو هذا كما سيجيء فى باب التعادل والترجيح وليس هنا فى مقام التحقيق حتى يحوم حوله قوله وهو ان الاصوليّين عنونوا اه قد ذكروا فى وجه تقديم الخبر المخالف ان الغالب فى لسان الشارع بيان الإلزاميات وان التّأسيس اولى من التاكيد وكونه متيقنا فى العمل وانه مقتضى قوله ص دع ما يريبك الى ما لا يريبك وقولهم ما اجتمع الحرام والحلال الّا وغلب الحرام على الحلال وغير ذلك وفى وجه تقديم الخبر الموافق انه راجح على المخالف من جهة اعتقاده بالاصل بناء على كون الاصل من باب الظن عندهم او بناء على جواز الترجيح بالامور التعبّدية او انّهما متعارضان ويتساقطان فيرجع الى الاصل الى غير ذلك ثم ان الظاهر ان المراد من المقرر هو الخبر المطابق للبراءة او الاباحة وان المراد من الناقل هو الخبر المخالف لهما وهو قد يكون دالا على الوجوب وقد يكون دالّا على الخطر والتّحريم فيكون المسألة الثانية من مصاديق المسألة الاولى ومن جزئياته وح فيرد الاشكالان اللذان ذكرهما المصنف بحسب الظّاهر قوله والخلاف فى المسألة الاولى ينافى الوفاق فى الثانية ويمكن دفع هذا الاشكال بوجوه الاوّل ان دعوى الاتفاق غير ثابتة وانّ

١١٩

التحقيق هو ذهاب الاكثر كما ذكره المصنّف فى باب التعادل والترجيح والثانى انّ المسألة الثانية غير المسألة الاولى بان المراد بالحظر والاباحة الحظر والاباحة الواقعيان بتنزيل النّزاع فيهما على ما ذكر على ما قرّره المحقق القمىّ وغيره فى الاشياء قبل العثور على الشّرع وانّ المراد من المقرّر هو الخبر الدالّ على البراءة والإباحة الظاهرية فتفارق اصلا الاباحة فى المسألتين فلا تكون المسألة الثانية من جزئيات المسألة الاولى وقد عرفت ان مبنى الاشكال عليه وفيه تامل الثالث ما ذكره المصنّف هنا من تنزيل المسألة الاولى على الشبهة الوجوبية والثانية على الشبهة التحريميّة وسيجيء ما فيه قوله كما انّ قول الاكثر فيهما مخالف لما نشاهد اه هذا هو الاشكال الثانى وتوضيحه ان ذهاب الاكثر على تقديم الخبر الناقل فى المسألة الاولى والحاظر فى المسألة الثانية مخالف لعمل علمائنا فى المسألة الفرعيّة فانّ علمهم فى المسائل الفرعية ليس على تقدم الخبر المخالف بل اما على التخيير فى الاخذ بواحد من الخبرين وهو التخيير الظاهرى فى المسألة الاصوليّة وامّا على الرّجوع الى الاصل بناء على الترجيح به براءة واحتياطا او كونه مرجعا بعد الحكم بتساقط الخبرين والمراد بقوله مضافا الى ذهاب جماعة من اصحابنا فى المسألتين الى التخيير هو ذهابهم الى التخيير وفتواهم به فى الكتب الاصوليّة فلا يكون هذا تكرارا بعد ذكر قوله بل التخيير فان المراد به هو العمل به فى المسائل الفرعيّة والكتب الفقهيّة والمراد بالثانى هو فتواهم به فى المسائل الاصوليّة وكتب الاصول الا ان ذهاب جماعة فى الكتب الاصوليّة الى التخيير لا ينافى قول الاكثر بتقديم الخبر المخالف وانّما ينافى الاجماع على تقديمه إلّا ان يكون المراد بهم الاكثر او الجماعة الكثيرون جدا بحيث ينافى قول الاكثر قوله ويمكن ان يقال مرادهم اه هذا اشارة الى رفع الاشكال الاوّل بانّ الخلاف فى الاولى ينافى الوفاق فى الثانية وملخّصه ان الخلاف فى المسألة الاولى انما ينافى الوفاق فى الثانية اذا كانت المسألة الثانية من جزئيّات المسألة الاولى وليس هذا بثابت لامكان ان يكون المسألة الاولى فى صورة دوران الامر بين الوجوب وغير التحريم والمسألة الثانية فى صورة دوران الامر بين التحريم وغير الوجوب فتكون المسألة الثانية مبانية للمسألة الاولى وهذا هو الّذى ذكره فى آخر باب التعادل والترجيح ثم ردّه بقوله لكن فيه مع جريان بعض ادلة تقديم الحظر فيها يعنى مثل قوله ع

١٢٠