إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

النظر والاستدلال حرام نقله الشّهيد الثّانى فى رسالة حقايق الايمان عن جماعة والمحقق القمىّ فى القوانين عن بعض والظاهر من العبارة وجوب تحصيل الظنّ وعدم وجوب تحصيل العلم لأنّ التقليد ظاهر فيه وقد سمعت عبارة العضدى ونقل عن المحقق البهائى فى حاشية الزّبدة انّ النزاع فى جواز التّقليد وعدمه يرجع الى النزاع فى جواز العمل بالظنّ وعدمه ويؤيّده ايضا اقتران التقليد فى الاصول فى كلماتهم بالتقليد فى الفروع الثامن كفاية الظن الاطمينانى بحيث يرتفع التحيّر والتزلزل مع امكان تحصيل العلم وكفاية الظنّ مطلقا مع عدمه وهو الّذى اختاره فى القوانين مسائل اصول الدين على قسمين قوله الاعتقاد باطنا والتديّن ظاهرا لعلّ المصنّف اراد بالتديّن الّذى التزم بوجوبه هو اظهار ما اعتقده وعلم به والإقرار به ويرشد اليه قوله عن قريب وان اراد والتدين به الّذى ذكرنا وجوبه فى الاعتقاديّات وعدم الاكتفاء فيها بمجرّد الاعتقاد كما يظهر من بعض الاخبار الدالّة على انّ فرض اللّسان القول والتعبير عمّا عقد عليه القلب مستشهدا على ذلك بقوله قولوا آمنّا بالله وما انزل الينا اه ويمكن ان يريد به ما ذكره جمع من المتكلّمين من انّه يعتبر وراء العلم والاعتقاد القطعى عقد القلب على مقتضاه وجعله دينا له وعازما على عدم انكاره بل على الاقرار به واظهاره الّذى من ثمرات كما له الرّضا والتسليم لقضاء الله وقدره وجميع احكامه ومن ثمرات كما له ايضا اجتناب النّواهى وامتثال الاوامر واعتبار هذا المعنى لا يخلو عن قوة لا لأنّ العلم وساير الادراكات امور اضطراريّة لا يمكن تعلّق التكليف بها لأنّ متعلّقه لا بدّ ان يكون فعلا اختياريّا حتّى يرد عليه انّه يكفى فى تعلّق التكليف بها كون مقدماتها امورا اختياريّة وانّ المقدور بالواسطة مقدور بل لدلالة ظواهر الآيات والاخبار عليه قال الله تعالى (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) وقال تعالى (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) وقال تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) وقال تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) وغير ذلك وفى رواية ابى عمر والزّبيرى عن ابى عبد الله ع فامّا ما فرض الله على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد

٦٠١

والرضا والتسليم بان لا إله الّا الله وحده لا شريك له الها واحدا احدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا وانّ محمّدا ص عبده ورسوله والاقرار بما جاء به من عند الله من نبىّ او كتاب فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله الى ان قال ع وفرض الله على اللّسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به وفى رواية حماد بن عمرو النصيبى المرويّة فى الكافى عن العالم ع فامّا ما فرض على القلب من الايمان والاقرار والمعرفة والتّصديق والتسليم والعقد والرّضا بان لا إله الّا الله وحده لا شريك له احد صمد لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا وانّ محمّدا ص عبده ورسوله وفى الكافى عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الايمان فقال شهادة ان لا إله الّا الله والاقرار بما جاء من عند الله وما استقر فى القلوب من التصديق بذلك فتامّل وقد اختلف كلمات القوم فى بيان الامر الزّائد من الاعتقاد والعلم فى الاصول وفى اعتباره ففى القوانين والتحقيق انّه لا يكفى فيه مجرّد حصول العلم بل لا بدّ من عقد القلب على مقتضاه وجعله دينا له عازما على الاقرار به فى غير حال الضّرورة والخوف بشرط ان لا يظهر منه ما يدلّ على الكفر والحاصل انّ محض العلم لا يكفى والألزم ايمان المعاندين من الكفّار الذين يجحدون ما استيقنت به انفسهم كما نطقت به الآيات انتهى وعن شارح المقاصد والمذهب انّ التّصديق غير العلم والمعرفة لأنّ من الكفّار من كان يعرف الحقّ ولا يصدق به عنادا واستكبارا قال الله تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وقال تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى حكاية عن موسى لفرعون (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فاحتيج الى الفرق بين العلم بما جاء به النبىّ ص وهو معرفته وبين التصديق ليصحّ كون الأوّل حاصلا للمعاندين دون الثّانى وكون الثّانى ايمانا دون الاوّل فاقتصر بعضهم على انّ ضدّ التصديق هو الانكار والتكذيب وضدّ المعرفة النكارة والجهالة واليه اشار الغزالى حيث فسّر التصديق بالتسليم فانّه لا يكون مع الانكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة وفصّل بعضهم زيادة التفصيل وقال التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من اخبار المخبر وهو امر

٦٠٢

كسبى يحصل باختيار المصدّق ولذا يؤمر ويثاب عليه بل يجعل راس العبارات بخلاف المعرفة فانّها ربّما تحصل بلا كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة انه جدار وحجر وحققه بعض المتأخّرين زيادة تحقيق فقال المعتبر فى الايمان هو التصديق الاختيارى ومعناه نسبة الصّدق الى المتكلّم اختيارا وبهذا القيد يمتاز عن التّصديق المنطقى المقابل للتصوّر فانّه قد يخلو عن الاختيار كما اذا ادّعى النبىّ ص النبوّة واظهر المعجزة فوقع فى القلب صدقه ضرورة من غير ان ينسب اليه اختيارا فانّه لا يقال فى اللغة انّه صدّقه فلا يكون ايمانا شرعيّا كيف والتصديق مأمور به فيكون فعلا اختياريّا زائدا على العلم ـ لكونه كيفيّة او انفعالا وهو حصول المعنى فى القلب والفعل القلبى ليس كذلك بل هو ايقاع النّسبة اختيارا الّذى هو كلام النّفس ويسمّى عقد القلب فالسّوفسطائى عالم بوجود النّهار وكذا بعض الكفّار بنبوّة النبىّ ص لكنّهم ليسوا مصدّقين لانّهم لا يحكمون اختيارا بل ينكرون وعن بعض المحقّقين انّ التسليم الّذى فسّر به الغزالى ليس من جنس العلم بل امر ورائه ومعناه گردن دادن وگرويدن وحق دانستن مر آن را كه حق دانسته باشى وعن المحقق الدّوانى فى شرح العقائد اعلم انه لو فسّر التّصديق المعتبر فى الايمان بما هو احد قسمى العلم فلا بدّ من اعتبار قيد آخر ليخرج الكفر العنادىّ وقد عبر عنه بعض المتاخرين بالتّسليم والانقياد وجعله ركنا من الايمان والاقرب ان يفسّر التصديق بالتّسليم الباطنى والانقياد القلبى ويقرّب منه ما قيل انّ التصديق ان تنسب باختيارك الصّدق الى احد وهو يحوم حول ذلك وان لم يصب المنحر انتهى وقال الشّهيد الثّانى فى رسالة حقايق الأيمان انّ القوم اختلفوا فى معنى التّصديق فقال اصحابنا هو العلم وقال الاشعريّة هو هو التصديق النّفسانى وعنوا به انّه عبارة عن ربط القلب على ما علم من اخبار المخبر فهو امر كسبى يثبت باختيار المصدّق ولذا يثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة فانّها ربما تحصل بلا كسب كما فى الضروريّات وقال فى موضع آخر بعد نقل جملة ممّا نقلنا عن شارح المقاصد وغيره ويرد على علمائهم القائلين بكون الأيمان ليس معرفة وانّه معنى مغاير لها ان يكون من حصل له العلم بالمعارف الإلهيّة عن الهام او خلق علم ضرورىّ بذلك او تصفية النّفس او غير ذلك من اسباب العلم ان لا يثاب على ايمانه ولا يكون مؤمنا لأنّ

٦٠٣

الايمان هو التصديق بالمعنى الّذى زعموه وهذا ليس كذلك وبطلانه ظاهر كنار على علم ثم قال وامّا حكاية الإثابة على الأيمان فالكسبى منه يثاب عليه وعلى اثباته اذ الكلّ فعل الكاسب احدهما مباشرة والآخر توليدا كما هو الحق عند العدليّة وامّا غير الكسبىّ منه فانّه وان لم يتحقق للعبد فعل منه لكنه يثاب على العزم على البقاء عليه وعلى آثاره فانّها فعله وامّا الآيات الّتى استدلّوا بها على انّ الأيمان ليس هو المعرفة فهى حجّة عليهم لا لهم وذلك انّ القطع بكفرهم مع معرفتهم انّما كان لإنكارهم وجحدهم الإقرار بذلك وتركهم الأتباع لما علموا حقيّة لا لعدم التّصديق وقال الفاضل المجلسىّ بعد نقل كلمات القوم والحقّ انّ اثبات معنى آخر غير العلم والمعرفة مشكل وكون بعض افراده حاصلا بغير اختيار لا ينافى التكليف به لمن لم يحصل له ذلك وترتب الثواب على ما حصل من غير اختيار امّا تفضّل او هو على الثبات عليه واظهاره والعمل بمقتضاه نعم المعنى الّذى نفهمه هنا زائدا على العلم هو العزم على اظهار اعتقاده او على عدم انكاره ظاهرا بغير ضرورة تدعوا اليه ويمكن عدّه من لوازم الأيمان او من شرائطه كما يومي اليه بعض الآيات والأخبار قوله وان ترتّب عليها بعض الآثار العمليّة كتوقف صحّة صلاته وساير عباداته عليها ولا ضرر فى كون شيء واجبا نفسيّا وواجبا شرطيّا لواجب آخر وكالطّهارة وحلية النّكاح وغير ذلك القسم الاول : ما يجب الاعتقاد والتدين به اذا حصل العلم به قوله فكيف بالاحكام الاعتقاديّة العلميّة لاستلزامه التكليف بما لا يطاق كذا فى الكتاب المذكور توضيحه انّ المطلوب فى الاعتقاديّات تحصيل الاعتقاد الجزئى ولا يمكن تحصيله من خبر الواحد ولو كان صحيحا بل لا بدّ من النظر والاستدلال فلو وجب العمل بخبر الواحد لكان مكلّفا بتحصيل العلم منه وهو تكليف بما لا يطاق قوله وظاهر كلام الشيخ فى العدّة انّ عدم جواز التعويل فى اصول الدّين اه ان اراد الشيخ قدّس سره به حرمة الاكتفاء به فهو حق بناء على مذهبه من وجوب النظر والاستدلال مستقلّا وان اراد عدم كفايته فليس بسديد لأنّ مذهبه كفاية الظنّ الحاصل من التقليد مع كون النظر واجبا مستقلا لكنّه معفوّ عنه كما نقله المصنّف عنه عن قريب ومن المعلوم انّ تقليد الإمام عليه‌السلام لا يقصر عن تقليد المعلم والابوين وغيرهم قوله وان اراد والتديّن الّذى ذكرنا وجوبه اه

٦٠٤

قد يظهر من هذا الكلام انّ المراد بالتديّن الواجب هو الإقرار باللّسان وانّه مع كونه واجبا معتبر فى الاسلام وانّه لا يكتفى فيه بمجرّد الاعتقاد بدون الاقرار باللّسان وفيه انّا قد ذكرنا ان مراد المتكلّمين القائلين باعتبار شيء غير العلم هو العقد القلبى والتّسليم الباطنى والعزم على عدم انكاره بل على الاقرار به وجعله دينا له وطريقة له امّا الإقرار باللّسان فانّه وان كان واجبا على تقدير العلم لكنه غير التديّن الّذى التزموا باعتباره فى الإسلام مع انّه ليس معتبرا فى الاسلام والايمان قطعا كما سيأتى تحقيقه مضافا الى منافاته لما سيجيء منه من انّ الإقرار ليس معتبرا بل الإنكار مضرّ لا مطلقا بل مع الثبوت من الدّين وامّا الرّواية وهى رواية ابى عمرو الزّبيرى المرويّة فى الكافى فهى وان كانت ظاهرة فى وجوب الإقرار باللّسان بل فى اعتباره وساير اعمال الجوارح فى الايمان لكن لا بدّ من توجيهها بما لا ينافى ما ذكرنا كما سيجيء إن شاء الله الله تعالى مع انّها ظاهرة فى وجوب الاقرار باللّسان واعمال ساير الجوارح واعتبارها فى الأيمان على تقدير الاعتقاد الجزمى فالآثار المذكورة آثار للمعتقد لا للواقع حتّى يشملها ادلّة حجّية خبر الواحد كما سيشير اليه المصنّف ايضا عن قريب مع انّه على تقدير الإغماض عن ذلك لا يمكن شمول ادلّة حجّية الخبر لمثل الآثار المذكورة لاستلزامه كون الإقرار باللّسان واجبا ظاهرا وشرطا فى الايمان كذلك فى صورة قيام خبر الواحد ولا اظنّ احدا يلتزمه ويحكم بكفر من لم يقر بذلك كذلك قوله وهو فى غاية الأشكال اذ قد عرفت وستعرف انّ الشيخ قدس‌سره قائل بوجوب النّظر مستقلا وانّه معفوّ عنه مع حصول المعرفة بدونه وان جمعا كثيرا من اعيان العلماء ـ قائلون بكفاية الظنّ الحاصل من النظر بل عن التقليد فكيف يجوز ادّعاء الإجماع على وجوب المعرفة القطعيّة بالدّليل وانّ الجاهل بالمعرفة كذلك خارج عن ربقة المسلمين مستحق للعذاب الدائم مع انّ العقل يحكم بطريق القطع معذوريّة الجاهل الغافل او القاصر بحسب الخلقة او العاجر عن طريق تحصيل العلم بالنظر وغيرهم ممّا يجرى مجراهم وانّه يقبح عقابهم فى الآخرة فكيف يصحّ منه ادّعاء الإجماع بطريق الإطلاق مع انّه لا دليل على وجوب تحصيل بعض تفاصيل المعارف ممّا ذكره هو قدس‌سره او غيره بالدّليل فضلا عن اعتباره فى الإسلام والأيمان والا لزم كفر اكثر النّاس الّا من شذّ وندر مع انّه يمكن ادّعاء قيام سيرة النبىّ ص والأئمّة عليهم‌السلام مع النّاس على خلاف ما ذكره قدّه

٦٠٥

قوله نعم يمكن ان يقال اه غرضه ابداء انّ الاصل فى المعارف وجوب تحصيل العلم بها الّا ما خرج بالدّليل فيكون اغلب المسائل الاصوليّة من القسم الاوّل لكن التمسّك بعمومات الكتاب والسنّة انّما هو بعد اثبات واجب الوجود لذاته وعدله وصدقه وانّه لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب واثبات الرّسول ص وصدقه بالدّليل العقلى فالعمومات انّما تنفع فى غير ما هو من هذا القبيل من المعارف كما هو ظاهر وينبغى ان يعلم انّ العمومات المذكورة انّما تثبت وجوب المعرفة القطعيّة مطلقا وامّا اعتبار كونها حاصلة عن النّظر والاستدلال فلا قوله وقوله عليه‌السلام ما اعلم شيئا بعد المعرفة اه فعن الكلينى فى الصّحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله ع عن افضل ما يتقرب به العباد الى ربّهم واحبّ ذلك الى الله عزوجل فقال ما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه الصّلاة ألا ترى الى العبد الصّالح عيسى بن مريم ع قال واوصانى بالصّلاة والزّكاة ما رمت حيّا والمراد من قوله هذه الصّلاة هى الصّلاة اليوميّة لأنّها الفرد المتعارف المعهود وليس فى الخبر الصّلوات الخمس فما فى العبارة نقل بالمعنى ثم انّ الاستدلال بالحديث على كون الصّلاة اليوميّة افضل كما فى الفيّة الشهيد وغيرها من ساير الأعمال بعد المعرفة موقوف على كون عدم وجدان الإمام ع دليلا على عدم الوجود فى الواقع وهو كذلك لاحاطته عليه‌السلام بالاحكام باسرها لكن لا دلالة فيه على كون المعرفة واجبة اذ هى موقوفة على عدم امكان افضليّة المستحبّ عن الواجب وهو محلّ نظر فانّ الابتداء بالسّلام مستحبّ مع انّه افضل من الردّ الواجب وابراء المعسر من الدّين مستحبّ مع انّه افضل من انظاره به وهو واجب واعادة المنفرد الصّلاة مستحبة مع انّها افضل من الاولى الواجبة الّا ان وجوب المعرفة معلوم من الخارج ثم انّ هنا دقيقة ينبغى التنبيه لها وهى انّ السّئوال انّما وقع عن افضل الاعمال الّتى يتقرّب بها الى الله ولا شكّ انّ معرفة الله لا يتحقق فيها التقرب ولا يتوقف على النيّة لتوقف نية القربة على معرفة المتقرب اليه فلو توقفت المعرفة عليها دار والجواب ان فى الجواب عدولا عمّا اقتضاه السّئوال وتحقيق للمقام بوجه آخر وهو انّ المعرفة بالله افضل من الصّلاة بمعنى انّ الله جعل جزائها اعظم الجزاء والحاصل انّ المعرفة

٦٠٦

موجبة للقرب لا للتقرّب كذا ذكره الشّهيد الثّانى قدس‌سره فى المقاصد العليّة ويمكن ابقاء لفظ التقرّب على ظاهره وتخصيص المعرفة بغير معرفة الله تعالى ممّا يمكن فيه اعتبار التقرّب ومن المعلوم ان التخصيص اولى من ساير المجازات فتدبّر قوله ومن هنا قد يقال قد عرفت انّ الآيات والاخبار لا تدلّ على وجوب المعرفة بالاستدلال بل مقتضى عمومها كفاية الجزم الحاصل من التقليد وعلى تقدير الدّلالة فليس فيه وجوب تحصيلها بالاشتغال بكتب الحكمة والكلام على الوجه الّذى يبحث عند العلماء لإمكان القول بكفاية مطلق الدّليل الّذى يطمئنّ اليه النفس ولو كان مثل دليل العجوز كما صرّح به المحقق الثّانى والشهيد الثّانى فى شرح الألفية فبناء القول المذكور على ما ذكر من عمومات الآيات والاخبار ليس بوجيه قوله لأنّ المعرفة المذكورة اه هذا الكلام مع بنائه على التلازم بين الاجتهاد فى الاصول والاجتهاد فى الفروع مع انّه فى محلّ المنع سيّما على القول بالتجزّى المستلزم لامكان كون الشخص مجتهدا فى العبادات مثلا دون المعاملات لكثرة ممارسته فى الاولى دون الثانية صدره وذيله متهافتان لأنّ المستفاد من قوله لا تحصل الّا بعد تحصيل قوة استنباط المطالب اه وقوله ومثل هذا الشّخص مجتهد فى الفروع قطعا عدم امكان تحصيل المعرفة المذكورة الّا للمجتهد ومقتضى قوله لا تحصل غالبا بالأعمال المبتنية على التقليد امكان تحصيلها بالتقليد فى بعض الأوقات ويمكن دفع هذا الأشكال بانّ مقصوده فى الذيل كما هو واضح عدم حصول المعرفة فى غالب مسائل الاصول بالتقليد ومقصوده فى الصّدور عدم حصول المعرفة بتفاصيل جميع المسائل الاصوليّة الّا بالاجتهاد وان امكن حصول المعرفة ببعضها بالتقليد فلا منافات ويمكن دفعه ايضا بانّ المقصود من قوله لانّ المعرفة المذكورة اه بيان توقفها على الاجتهاد على زعم القائل المزبور والمقصود فى الذّيل بيان المطلب بحسب الواقع وان للمعرفة طريقين احدهما طريق النظر والاستدلال والرّجوع الى الكتب المصنّفة فى ذلك وثانيهما طريق التقليد فاذا كانت للمعرفة طريقان كالعلم المتكفّل لكيفية العمل اعنى علم الفروع فلا معنى للحكم بتعيّن الطريق الاوّل فى الاصول والثانى فى الفروع مع تأدّى الضرورة بالعكس فتامّل ويمكن ان يريد بما ذكره فى الذّيل انّه مع التقليد فى الفروع لا تحصل المعرفة بطريق النظر والاستدلال وهذا المعنى قد اشار اليه شيخنا

٦٠٧

قدس سرّه فى الحاشية وضعفه ظاهر بالوجدان والبرهان قوله بل يدلّ على خلافه الاخبار الكثيرة المفسّرة للاسلام والأيمان اه ويرد على ظواهر الأخبار الواردة فى هذا الباب ممّا نقله المصنّف ولم ينقله اشكالات الاوّل اختلاف الاخبار وعدم معلوميّة مناط الاسلام بها ففى بعضها الاقتصار على الشّهادتين وفى بعضها انضمام الولاية وفى بعضها انضمام البراءة وفى بعضها انضمام الزّكاة وفى بعضها انضمام الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ وغير ذلك من الاختلافات مع ورودها فى مقام التّحديد الآبي عن التخصيص والجواب عنه باحد وجهين الاوّل حملها على اختلاف مراتب الايمان والإسلام شدّة وضعفا بناء على كون كلّ منهما حقيقة واحدة ذات مراتب مختلفة بالشدّة والضّعف كالنّور حيثما تقوّى وضعف واعلى المراتب ما اشتمل على جميع ما اشتمل عليه الاخبار كلّها اذ كلّما زاد الأيمان قوّة زاد آثارا الى ان يصل الى درجة فوق الدّرجات وهى درجة خاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله الطّاهرين او على اختلاف افرادهما بناء على كون كلّ واحد منهما حقيقة واحدة ذات افراد متباينة مختلفة كالوجود على مذهب جمع من اهل المعقول او على اختلاف انواعها بناء على كون كلّ منهما حقيقة واحدة ذات انواع متباينة كمراتب السّوادات والبياضات على مذهب طائفة منهم هذا على تقدير كونهما بمعنى التصديق القلبى الّذى هو قسم من العلم الّذى هو مرادف للتصوّر المطلق ومن قبيل الكيف على مذهب بعضهم حقيقة او بالمسامحة ويشير الى ما ذكرنا تقسيم بعضهم الايمان الى ايمان العام وايمان الخاصّ وايمان خاصّ الخاصّ وبعضهم الى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وقد اشير اليه فى الكتاب الإلهيّ حيث قال عزّ من قائل كلّا لو تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم ثم لترونّها عين اليقين وان هذا لهو حقّ اليقين وانّه لحقّ اليقين واشير فيه ايضا الى زيادة الايمان والكفر ونقصانهما حيث قال عزوجل فامّا الّذين آمنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون وامّا الّذين كفروا فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون انّهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدى ليستيقن الّذين اوتوا الكتاب ويزداد الّذين آمنوا ايمانا واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وليزدادوا ايمانا مع ايمانهم وما زادهم الّا ايمانا وتسليما والّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقويهم

٦٠٨

وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين الّا خسارا ولا نزد الظّالمين الّا تبارا ولا تزد الظّالمين الّا ضلالا انّ الّذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا وغير ذلك من الآيات ويدلّ عليه من الاخبار ما رواه فى الكافى عن ابى عمرو الزبيرى عن أبي عبد الله ع قال ع الايمان حالات ودرجات وطبقات فمنه التامّ المنتهى تمامه ومنه الناقص البيّن نقصانه قلت انّ الايمان ليتمّ ويزيد وينقص قال نعم الى ان قال ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على الآخر ولاستوى النّاس وبطل التفضيل ولكن بتمام الأيمان دخل المؤمن فى الجنّة وبالزّيادة فى الأيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النّار وفى رواية عمّار بن ابى الاحوص عن أبي عبد الله ع قال انّ الله وضع الأيمان على سبعة اسهم ثم عدّدها ثم قال ثم قسم ذلك بين النّاس فمن جعل فيه هذه السّبعة اسهم فهو كامل محتمل وقسم لبعض النّاس السّهم ولبعض السّهمين ولبعض الثلاثة حتّى انتهوا الى سبعة الحديث وعن خادم لأبى عبد الله ع عنه انّ من المسلمين من له سهم ومنهم من له سهمان ومنهم من له ثلاثة اسهم ومنهم من له اربعة اسهم اه وفى رواية شهاب انّ الله خلق اجزاء بلغ بها تسعة واربعين جزء ثم جعل الأجزاء اعشارا فجعل الجزء عشرة اعشار ثم قسّمه بين الخلق الحديث وفى رواية عبد العزيز عن أبي عبد الله ع ان الايمان عشر درجات وفى رواية سدير عن أبي جعفر ع انّ المؤمنين على منازل منهم على واحدة ومنهم على اثنين ومنهم على ثلاث كذا اه وفى رواية اخرى لأبى عمرو الزّبيرى المرويّة فى الكافى عن أبي عبد الله ع قال قلت له انّ للايمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله قال نعم والحديث طويل وغير ذلك من الاخبار ويدلّ على ذلك العقل ايضا لانّا نقطع بانّ ايماننا ليس كايمان الكمّل من النّاس وانّ ايمانهم ليس كايمان الانبياء والمرسلين والأئمّة الطّاهرين سلام الله عليهم اجمعين وينبغى ان يعلم انّ المراد بالزيادة والنقيصة ليس ما هو مختصّ بالكمّيات بل المراد بهما ما يرادف الشدّة والضّعف المختصّين بالكيفيّات اذ قد عرفت انّ الأيمان من قبيل الكيف اما بالحقيقة

٦٠٩

او بالمسامحة ثم انّ كون الأيمان ذا مراتب مختلفة لا يستلزم كون الزائد مأمورا به لكلّ مكلّف كيف وتكليفنا بايمان النبىّ ص والوصىّ ع والكمّل تكليف بما لا يطاق وهو ممّا يحكم العقل بقبحه مضافا الى ما ورد من النقل على طبقه فلا يرد عليه انّ الأيمان مكلّف به بالنصّ والإجماع والزائد غير مكلّف به فلا يكون داخلا فى حقيقة الأيمان ويقال من اجل ذلك بانّ حديث ابى عمرو الزّبيرى دالّ على عدم قبول حقيقة الايمان للزّيادة والنّقصان لا دليل على قبولهما كما ذكره الشّهيد الثّانى قدس‌سره فى رسالة حقايق الأيمان والتزم من اجل ذلك وغيره بصرف الآيات والأخبار عن ظواهرها ثم قال على انّ هذا الحديث يعنى حديث ابى عمرو الزّبيرى لو قطعنا النظر عمّا ذكرناه وحملناه على ظاهره لكان معارضا بما سبق من حديث جبرئيل ع للنبىّ ص حيث سأله عن الأيمان فقال ع ان تؤمن بالله ورسله واليوم الآخر اى تصدّق به ولو بقى من حقيقته شيء سوى ما ذكره له لبيّنه له فدلّ على انّ حقيقته تتم بما اجابه به بالقياس الى كلّ مكلّف امّا للنّبىّ ص فلانّه المجاب به حين سأله وامّا لغيره فللتأسّى به وطريق الجمع بينهما حمل ما فى حديث الجوارح من الزّيادة على ذلك على مرتبة الكمال كما بيّنته سابقا انتهى وانت خبير بانّ القائل بقبول الأيمان للزّيادة والنّقصان لا يريد به ازيد ممّا ذكره من التفاوت فى مرتبة الكمال وهو لا يستلزم كون المرتبة الزائدة مطلوبة لله تعالى بالنّسبة الى كلّ مكلّف وما ذكره من حديث جبرئيل ع لا ينقص ما رمناه من كونه حقيقة واحدة ذات مراتب او ذات افراد او انواع متباينة ومن العجيب انه قدس‌سره قد اجاب عن استدلال بعض المحقّقين على انّ حقيقة التّصديق الجازم الثابت بقتل الزّيادة والنقصان بانّا نقطع بانّ تصديقنا ليس كتصديق النّبى ص بقوله اقول لا ريب بانّا قاطعون بانّ تصديق النبىّ ص اقوى من تصديقنا واكمل لكن هذا لا يدلّ على اختلاف حقيقة الايمان الّتى قرّرها الشّارع باعتقاد امور مخصوصة على وجه الجزم والثبات فانّ تلك الحقيقة انّما هى من اعتبارات الشارع ولم يعهد من الشّارع اختلاف حقيقة الأيمان باختلاف المكلّفين فى قوّة الإدراك بحيث يحكم بكفر قوىّ الادراك لو كان جزمه بالمعارف الإلهيّة كجزم من هو اضعف ادراكا منه

٦١٠

نعم الّذى يتفاوت فيه المكلّفون انّما هو مراتب كماله بعد تحقق اصل حقيقته الّتى يخاطب بتحصيلها كلّ مكلّف ويصير بها مؤمنا عند الله ويستحقّ الثّواب الدّائم وبدونها العقاب الدائم انتهى اقول قد ذكرنا انّ اختلاف الايمان بحسب الحقيقة لا يوجب كون المرتبة الزائدة مكلّفا بها لكلّ مكلّف اذ من المعلوم انّ المستدلّ للزّيادة بالقطع بان تصديقنا ليس كتصديق النبىّ ص لا يقول بكوننا مكلّفين بمثل تصديق النبىّ ص مع انّه محال والتّكليف بالمحال محال وكذلك المستدلّ بقوله تعالى تعالى (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) لا يقول بعدم كونهم مؤمنين قبل حصول الزّيادة مع دلالة الآية على كونهم مؤمنين قبل حصول الزّيادة نعم لو ثبت ما ذكره قدس‌سره من انّ القائل بالزّيادة والنقيصة يقول بانّ المستعدّ للزّيادة مكلّف بها ولا يقبل منه غيرها كان لما ذكره وجه لكنه بعيد ومناف لما ذكروه فى هذا المقام فلنذكر بعض كلمات بعض من وافقنا فى ذلك قال شارح المقاصد على ما حكى عنه ظاهر الكتاب والسنّة وهو مذهب الأشاعرة والمعتزلة والمحكى عن الشافعى وكثير من العلماء انّ الأيمان يزيد وينقص وعند ابى حنيفة واصحابه وكثير من العلماء انّه لا يزيد ولا ينقص لأنّه اسم للتّصديق البالغ حدّ الجزم والاطمينان ولا يتصوّر فيه الزّيادة والنقصان والمصدّق اذا ضمّ الطّاعات اليه او ارتكب المعاصى فتصديقه بحاله لم يتغيّر اصلا وانّما يتفاوت اذا كان اسماء للطّاعات المتفاوتة قلّة وكثرة ولهذا قال الإمام الرّازى وغيره انّ هذا الخلاف فرع تفسير الايمان فان قلنا هو التّصديق فلا يتفاوت وان قلنا هو الأعمال فيتفاوت ثم قال ولقائل ان يقول لا نسلّم انّ التّصديق لا يتفاوت بل يتفاوت قوّة وضعفا كما فى التّصديق بطلوع الشمس والتّصديق بحدوث العالم لانّه امّا نفس الاعتقاد القابل للتفاوت او مبنى عليه قلّة وكثرة كما فى التّصديق الإجمالي والتّفصيلى الملاحظ لبعض التفاصيل او اكثر فانّ ذلك من الايمان لكونه تصديقا بما جاء به النبىّ ص اجمالا فيما علم اجمالا وتفصيلا فيما علم تفصيلا لا يقال الواجب تصديق يبلغ حدّ اليقين وهو لا يتفاوت لأن التفاوت لا يتصوّر الّا باحتمال النقيض لأنّا نقول اليقين انّما هو من باب العلم والمعرفة وقد سبق انّه غير التصديق ولو سلم انّه التصديق وان المراد به حدّ الإذعان والقبول ويصدق عليه المعنى المسمّى بگرويدن ليكون تصديقا قطعا فلا نسلّم انّه لا يقبل التفاوت بل لليقين مراتب من اجل البديهيّات

٦١١

الى اخفى النّظريّات وكون التفاوت راجعا الى مجرّد الجلاء والخفاء غير مسلّم بل عند الحصول وزوال التردّد التفاوت بحاله وكفاك قول الخليل ص ولكن ليطمئنّ قلبى وعن على ع لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا على انّ القول بانّ المعتبر فى حقّ الكلّ هو اليقين وان ليس للظنّ الغالب الّذى لا يخطر معه النقيض بالبال حكم اليقين محلّ نظر وقال العلّامة المجلسى ره والحقّ انّ الأيمان يقبل الزّيادة والنقصان سواء كانت الأعمال اجزائه او شرائطه او آثاره الدالّة عليه فانّ التصديق القلبى باىّ معنى فسّر لا ريب فى انّه يزيد وكلّما ازدادت آثاره على الأعضاء والجوارح فهى كثرة وقلّة تدل على مراتب الايمان زيادة ونقصانا وكلّ منهما يتفرع على الآخر فانّ كل مرتبة من مراتب الايمان يصير سببا لقدر من الاعمال يناسبها فاذا اتى بها قوى الايمان القلبى وحصلت مرتبة اعلى تقتضى عملا اكثر وهكذا قلت ولعلّ هذا هو السرّ فى تعبير الله تبارك وتعالى بالعبارة حيث قال وما خلقت الجنّ والأنس الّا ليعبدون فيكون للاشارة الى انّ المعرفة تكمل بالعبارة والوجه الثانى لدفع اشكال اختلاف الاخبار من الجهة الّتى ذكرناها الحمل على اختلاف معانى الأيمان والإسلام امّا بالاشتراك اللّفظى او بالحقيقة والمجاز ويختلف الآثار دنيوية واخروية فى اول البعثة وغيره بحسب اختلافها ولو فى الجملة الاوّل التّصديق بوحدانيّة الله تعالى ورسالة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به اجمالا وهذا المعنى لا شكّ فى ترتب الآثار الدنيوية من الطّهارة وجواز النكاح والدية التامة وغير ذلك عليه وكذلك الآثار الاخرويّة من النجاة عن النار والانسلاك فى زمرة الاخيار فى دار عدن وجنة نعيم فى اوائل البعثة ويدلّ عليه رواية محمّد بن سالم عن أبي جعفر المرويّة فى الكافى قال ع فلم يمت بمكة فى تلك العشر سنين احد يشهد ان لا إله الّا الله تعالى وانّ محمّدا رسول الله ص الا ادخله الله الجنّة باقراره وهو ايمان التّصديق وقد نقلها المصنّف ره فى الكتاب وجعلها ادلّ الرّوايات وغير ذلك من الاخبار الدالّة على ما ذكرنا ثم انّ ما فى حديث محمّد بن سالم مخالف لما هو المشهور من اقامة الرّسول ص بعد البعثة فى مكّة ثلث عشر سنة فقيل هو مبنىّ على اسقاط الكسور بين العددين وهو بعيد وقيل انّه مبنىّ على ما يظهر من الاخبار انّه لما نزل وانذر عشيرتك الاقربين وكان اوّل بعثته ص دعى رسول الله ص بنى عبد

٦١٢

المطلب واظهر لهم رسالته ودعاهم الى بيعته والأيمان به ص فلم يؤمن به الّا علىّ ع وخديجة ع ثم جعفر رضى الله عنه وكان على ذلك ثلث سنين حتى نزل فاصدع بما تؤمر عرض عن المشركين فدعا النّاس الى الإسلام فلم يعد تلك الثلث سنين من ايّام البعثة لانّها لم تكن بعثة عامّة مؤكّدة قال ويحتمل ان يكون مبنيّا على اسقاط سنى الهجرة الى شعب أبي طالب ع او اسقاط الثلث سنين بعد وفاة أبي طالب لكنّهما بعيدان وقوله ع فيه يشهد ان لا إله الّا الله اه الظّاهر انّ المراد به الشهادة القلبية بالتوحيد والرّسالة وما يلزمهما فقط او مع الاقرار باللّسان او عدم الانكار الظّاهرى لا مجرّد الإقرار باللّسان بقرينة قوله ع وهو ايمان التصديق ويكون المراد بقوله ع وهو ايمان التصديق انّه الايمان بمعنى تصديق فقط ولا يدخل فيه الاعمال شطرا ولا شرطا وان كانت سببا لكماله بخلاف الايمان بعد الهجرة فانّ الأعمال قد دخل فيه على احد الوجهين كذا قيل وفيه نظر والثّانى التصديق وحدانية الله تعالى وبرسالة الرّسول ص وجميع ما جاء به غير الولاية وهو الّذى عليه اهل السنّة والجماعة والتحقيق هو الحكم باسلامهم وترتيب جميع الآثار الدنيويّة المترتبة على المسلمين عليهم على اشكال فى بعضها كالنّكاح فى بعض الصّور وهو مذهب المشهور وبه قال المحقق الطّوسى فى التجريد حيث قال قدّس سره محاربوا علىّ ع كفرة ومخالفوه فسقة ولعلّه قدس‌سره اراد بعض المخالفين ممّن لم ينكر النصّ الجلى المعلوم لديه وقد استدلّ على مذهب المشهور بالقطع بمخالطة الأئمّة عليهم‌السلام واصحابهم معهم ومعاملتهم معهم معاملة الطّهارة والاسلام واستصحاب طهارة الملاقى وقد حكى الإجماع فى كشف اللثام والروض على عدم احتراز الائمّة عليهم‌السلام واصحابهم عنهم فى شيء من الازمنة وبالنّصوص المستفيضة الدالّة على حليّة ما يوجد فى اسواق المسلمين مع ندرة سوق مخصوص بالاماميّة فى ازمنة صدور الروايات عن ائمّة الهدى ع فلا ينبغى الاهتمام به فى الاخبار الكثيرة ولشدّة العسر والحرج على تقدير النجاسة المنفيّين بالعقل والآية والرواية وقد حكى فى مفتاح الكرامة عن استاده ان الإجماع على طهارتهم معلوم اقول وقد دلّت على اسلامهم الاخبار المتفرقة فى الكافى وغيره الصّريحة الدّلالة على ذلك ففى الكافى عن حمران بن اعين عن أبي جعفر ع قال

٦١٣

سمعته يقول الأيمان ما استقر فى القلب وافضى به الى الله وصدّقه العمل بالطّاعة لله تعالى والتسليم لأمره والاسلام ما ظهر من قول او فعل وهو الّذى عليه جماعة النّاس من الفرق كلّها وبه حقنت الدّماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصّلاة والزّكاة والصّوم والحج فخرجوا بذلك عن الكفر واضيفوا الى الأيمان والإسلام لا يشرك الأيمان والأيمان يشرك الإسلام وفى الكافى عن القاسم الصّيرفى قال سمعت أبا عبد الله ع يقول الإسلام يحقن به الدم وتؤدّى به الامانة وتستحلّ به الفروج والثواب على الأيمان وفى الكافى عن سفيان بن السّمط قال سئل رجل أبا عبد الله ع عن الإسلام والأيمان فلم يجبه الى ان قال فسئله عن الإسلام والايمان ما الفرق بينهما فقال الاسلام هو الظّاهر الّذى عليه النّاس شهادة ان لا إله الّا الله وانّ محمّدا رسول الله ص واقام الصّلاة وايتاء الزّكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام والأيمان معرفة هذا الامر فان أقر بها ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالّا وفى الكافى ايضا عن سماعة قال قلت لأبى عبد الله ع اخبرنى عن الإسلام والايمان أهما مختلفان فقال انّ الايمان ليشارك الإسلام والاسلام لا يشارك الأيمان فقلت فصفهما لى فقال عليه‌السلام الإسلام شهادة ان لا إله الّا الله والتّصديق برسول الله به حقنت الدّماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة النّاس والأيمان الهدى وما يثبت فى القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به وفى البحار عن المحاسن عن العلاء عن محمّد قال سألت أبا جعفر عن الايمان فقال ع الأيمان ما كان فى القلب والإسلام ما كان عليه المناكح والمواريث وتحقن به الدّماء والأخبار الدالّة على ذلك فى غاية الكثرة ودلالتها ايضا واضحة مؤيّدة بالشهرة المحققة والإجماعات المنقولة بل نقل عن الاستاد الأكبر فى شرح المفاتيح انّ الاخبار بذلك متواترة ثم انّ ما ذكرنا حكم اغلبهم والّا فلا ريب فى كفر كثير من القادة والرّؤساء وعلمائهم من الأوائل والاواخر ممّن ثبت فى حقّهم النصّ الجلى فى غدير خم وغيره بولاية امير المؤمنين بالسّماع او بالاخبار المتواترة او بالأدلّة القطعيّة لإنكارهم ما ثبت من الدّين بطريق القطع وسيأتي عدم انحصار الكافر فى منكر ما ثبت انّه من الدّين بطريق الضّرورة بل يشمله وغيره وممّا ذكرنا

٦١٤

وفصّلنا ظهر انّه لا وجه لما اطنب فى الحدائق من كفر المخالفين تمسّكا باخبار كفر النّاصبى اذ من المعلوم انّ الناصبى من نصب العداوة لأهل البيت كما اعترف به هو ايضا مع انّه مقتضى ما نقل عن القاموس ايضا والظّاهر عدم الصّدق العرفى الّا على الخوارج وامثالهم ممّن يسبّون عليّا عليه‌السلام ويبرءون منه ومن اولاده عليهم‌السلام ولا ريب فى كفرهم وهو غير المدّعى وامّا اطلاق الناصبى على من نصب العداوة لشيعتهم فى بعض الرّوايات معلّلا بانّك لا تجد احدا يقول انا ابغض محمّدا وآل محمّد فهو بمعنى آخر لا يترتب عليه الكفر والتّنجيس وقد استدلّ ايضا بالأخبار الدالّة على ان من لم يعرف عليّا وجحده وانكره كان كافرا مع انّ الكفر يطلق على معان لا تستلزم كلّها المطلوب ألا ترى انّهم عليهم‌السلام قالوا انّ تارك الصّلاة كافر وتارك الحج كافر وغير ذلك مع انّ الكفر ليس بمعناه المعروف الّا مع الحمل على الانكار والجحد والاستخفاف والاقرب حملها على انّه قريب الى الكفر وكذلك فى المقام ومن الغريب انّه قدس سرّه اعرض من الاخبار الكثيرة الصّريحة المذكورة فى الكافى وغيره من انّ من شهد الشّهادتين فهو مسلم يجرى عليه احكام المواريث والنّكاح وغيرهما وليس بمؤمن وقد تلونا لك بعضها ومع فرض التعارض لا بدّ من الرّجوع الى ما هو اصرح دلالة ولا يخفى انّ صراحة الدّلالة مع الاخبار المذكورة وحملها على التقيّة غير ممكن اذ مع الجمع الدّلالى لا مسرح لها ومع الغضّ عن ذلك فجميع فقرات الأخبار المذكورة آبية عن الحمل عليها كما لا يخفى على من نظر اليها مع انّ الجحد والإنكار ظاهران فيما اذا ثبت عندهم خلافة امير المؤمنين عليه‌السلام بالدّليل القاطع وانكروه عنادا واستكبارا كما اعترف هو به وسننقله عن الشهيد الثانى ايضا فتدلّ الاخبار المذكورة على كفر من كان من العامّة كذلك وقد تسلّمنا ذلك ولا يدل على كفر سوادهم وجماعتهم وعموم اهل اسواقهم هذا مع كون الإجماعات المنقولة والشهرات المحققة والمنقولة مرجّحة لاخبارنا وسيأتى فى محلّه وجوب الترجيح بها واعجب من ذلك حكمه بكفر فرق الشّيعة كلّها غير الإماميّة تمسّكا ببعض الاخبار مع انّ الخبر الّذى لا يوجد فى سنده واحد منهم او اكثر قليل مع انّ بعضا منهم كبعض بنى الفضال مثل على بن حسن بن فضال واخيه وابيه كانوا فى غاية الجلالة وكانوا مرجعا فى الجرح والتعديل ولم صار اقوال هذه الكفّار حجّة لنا ان هذا الّا شيء عجاب فلنفصّل

٦١٥

الكلام فى ذلك فى الجملة فنقول قد نسب الى السيّد قدّس سره وابن ادريس وتبعهما صاحب الحدائق القول بنجاسة المخالفين بل ربما يشعر عبارته فيها بانّ اوّل من اظهر القول بطهارتهم هو المحقّق فى المعتبر وانّ المفيد فى المقنعة والشيخ فى التّهذيب والشيخ ابن نوبخت فى كتابه فصّ الياقوت والعلّامة فى شرحه وفى كتابه المنتهى والمولى محمّد صالح المازندرانى فى شرح اصول الكافى والقاضى نور الله الشهيد التسترى فى احقاق الحق والشّهيد الثانى فى الرّوض فى بحث السؤر وفى شرحه على الرّسالة الألفية والسيّد الجزائرى على كفرهم ونجاستهم وامّا استدلّوا او استدلّ لهم به وجوه الاوّل الاخبار الدالّة على كفر منكر على ع لانّه العلم الّذى نصبه الله بينه وبين عباده وانّه باب من ابواب الجنّة ومن دخله كان آمنا ومن خرج عنه كان كافرا وقد نقلناها عن قريب وعلى كفر منكر ساير الأئمّة ع ايضا بقوله ص من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهليّة المشهور بين الفريقين والاخبار الواردة فى ذلك فوق حد الإحصاء كما لا يخفى على من لاحظ تفسير الإمام الحسن العسكرى عليه وعلى آبائه وابنه سلام الله وتفسير الصّافى فى آيات متكثرة جدّا عند نقله الاخبار المتعلّقة بها بل يمكن ادّعاء كونها متواترة والثّانى كون المخالفين باجمعهم من النّواصب الّذين دلّ على نجاستهم الاخبار وحكى الإجماع وعدم الخلاف عليها وفيها ويدلّ على كونهم منهم الاخبار فعن الصّادق ع ليس النّاصب من نصب لنا اهل البيت لانّك لا تجد احدا يقول انا ابغض محمّدا وآل محمّد ولكن النّاصب من نصب لكم وهو يعلم انّكم تتولّانا ونحوه خبر معلّى بن خنيس والمنقول عن مستطرفات السّرائر اقول ويؤيّد هذا تصديق بعض المخالفين بذلك ففى تاريخ ابن خلّكان على ما هو ببالى وعلى ما نقله القاضى الشّهيد نور الله التسترى ره عنه فى ترجمة على بن جهم القرشى وانّه كان منحرفا عن علىّ ع معتذرا عنه بانّ محبّة علىّ ع لا يجتمع مع التسنّن وعن الزّمخشرى فى كشافه ومن البدع ما روى عن بعض الرافضة انه قرء فاذا فرغت فانصب بكسر الصّاد أي فانصب عليّا للإمامة قال ولو صحّ هذا للرّافضى لصح للنّاصبى ان يقرأ هكذا ويجعله امرا بالنّصب الّذى هو بغض علىّ ع وعداوته الثالث قوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وقوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) مع قوله تعالى (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) من جهة

٦١٦

دلالتها على انّ غير المؤمن غير المسلم وانّه يكون نجسا لا محالة فلا يمكن ان يكون شخص مسلما غير مؤمن وطاهرا كما يدّعيه القائل باسلام المخالف والرّابع عدم الخلاف فى كفرهم كما عن السّرائر وعن الشّيخ بن نوبخت وبنو نوبخت من متكلّمى اصحابنا المتقدّمين حيث قال فى فصّ الياقوت دافعوا النّص كفرة عند جمهور اصحابنا ومن اصحابنا من يفسقهم الى آخره اقول ويمكن ان يستدلّ لهم بوجه خامس وهو ما دلّ من الاخبار على عدم كونهم مؤمنين وقد اطلق فى كثير منها عليهم اسم الضّلال وقضية مناظرة زرارة فى ذلك مع الإمام ع معروفة مرويّة فى الكافى وغيره كما اشار اليه المصنّف فى الكتاب وبوجه سادس وهو ان سطوع نور امير المؤمنين عليه‌السلام وظهور برهانه وحجته وجمعه لجميع الصّفات الكماليّة النفسيّة والبدنيّة والخارجيّة كشف الحجاب ورفع النقاب بحيث لا يبقى لمن له ادراك شكّ فى عدم مناسبته مع المتصدّين لمقامه اين من قال سلونى قبل ان تفقدونى ولو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ومن قال فى حقّه الرّسول المختار انا مدينة العلم وعلىّ بابها مع من لم يعلم معنى الكلالة والأب ومن قال كلّ النّاس افقه منى حتّى المخدّرات فى الحجال واين من قال والله لو تظاهرت العرب على قتالى لما ولّيت منهم وكون الفتح بيده فى الغزوات مع من كان عادته الفرار فى الحروب كلّها ما للكرّار والفرّار واين من شكّ فى انّه الله ومن شكّ فى انّه عبد الله كما قاله امامهم الشّافعى وح فالتمسّك باذيال المتقدّمين عليه من الأغبياء الجهّال امّا لأجل انّهم جحدوا بها واستيقنتها انفسهم وامّا لأجل تقصيرهم وعدم الرّجوع الى ما استقرّ فى قلوبهم من قبح ترجيح المرجوح على الراجح وعدم الرّجوع الى الأخبار والآثار الواردة فى فضائله وفى مطا عن من تقدّم عليه وبوجه سابع وهو دلالة الاخبار المذكورة فى الكتاب وغيره ممّا دلّ على بناء الإسلام على خمس منها الولاية على ذلك ولا شكّ فى انتفاء الكلّ بانتفاء الجزء خصوصا الرّكن الاعظم كما هو مفاد الأخبار المذكورة باسرها والجواب عن كثير منها وان ظهر بالتأمّل فيما فصلنا الّا انا نعيده توضيحا فنقول امّا الجواب عن الاوّل فهو انّ الكفر فيها بمعنى عدم الاسلام الحقيقى الّذى يترتب عليه جميع الآثار دنيويّة واخرويّة فكفرهم باطنى لا ظاهرى او انّ الكفر فيها بمعنى عدم الأيمان عمن من شانه ان

٦١٧

يكون مؤمنا وهو المسمّى بالكفر الإيماني او انّهم قريبون الى الكفر فكما انّ للاسلام والأيمان اطلاقات كذلك الكفر ألا ترى انّ الله تعالى قال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وورد فى الاخبار تارك الصّلاة كافر ولا يزنى الزّانى وهو مؤمن ولا يسرق السّارق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الرّبا وهو مؤمن ولا يسفك الدّم الحرام وهو مؤمن على ما رواه فى الكافى عن اصبغ بن نباته عن على ع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نبّه على تنوع وجوه الكفر الإمام عليه‌السلام فيما رواه فى الكافى ايضا والمقصود ممّا ذكر اثبات انّ للكفر اطلاقات كثيرة وليس المقصود اثبات انّ كفر تارك الولاية مثل كفر تارك الصّلاة مثلا لوضوح فساده من جهة كون كفر تارك الولاية موجبا للخلود فى النّار عند المشهور كما دلّ عليه قوله ص ستفرق امّتى على بضع وسبعين فرق واحدة منها ناجية والباقون فى النّار مع ما دلّ على تعيين الفرقة الناجية من قوله ص انّى تارك فيكم ما ان تمسّكتم به لن تضلّوا ابدا كتاب الله وعترتى وغير ما ذكر بخلاف كفر تارك الصّلاة مثلا وانّما حملنا الكفر فى الاخبار على ذلك جمعا بينهما وبين ما هو اظهر منها من الادلّة السّابقة وامّا الجواب عن الثانى فبان الظّاهر من الناصبى هو من نصب العداوة لأهل البيت كما عن العلّامة والمحقّق وغيرهما ونقل عن صاحب القاموس كما دريت وهو الإطلاق الشّائع المستفيض فلا بدّ ان يحمل الاخبار الدالّة على كفرهم ونجاستهم على ما هو المعروف مضافا الى انه مقتضى الجمع بين تلك الاخبار والاخبار الدالّة على كونهم مسلمين مضافا الى الادلّة الاخرى الّتى اشرنا اليها قال الفاضل المقداد على ما حكى عنه انّ النّاصب يطلق على خمسة اوجه الاوّل الخارجى القادح فى على ع والثانى من ينسب الى احدهم ع ما يسقط العدالة والثالث من ينكر فضيلتهم لو سمعها والرّابع من اعتقد فضيلة غير علىّ والخامس من انكر النصّ على علىّ ع بعد سماعه او وصوله على وجه يصدقه اما من انكره للاجماع او مصلحة فليس بناصب انتهى وامّا الجواب عن الثالث فبان الأيمان قد يطلق على ما يرادف الإسلام الّذى هو الإقرار بالشهادتين وهو المراد من الايمان

٦١٨

فى الآيات المذكورة وغيرها وقد يطلق على الاقرار بهما مع الولاية وهذا المعنى كان شايعا فى ازمنة الأئمّة والسنتهم وهو اخصّ من الاوّل فالمقصود انّ المخالفين مسلمون ومؤمنون بالمعنى الاوّل المقصود من الآيات الواردة قبل بيان الولاية وليسوا بمؤمنين بالمعنى الثّانى مع كونهم مسلمين فلا اشكال وامّا الجواب عن الرّابع فبعدم حجّية عدم الخلاف والشّهرة مع انّ الشّهرة المحقّقة والإجماعات المنقولة على خلاف ما ذكراه مع انّ الظّاهر من دافعى النّص هو من سمع النّص او ثبت عنده بطريق القطع وانكره ولا ريب فى كفره وامّا الجواب عن الخامس فبانّ الاخبار المذكورة كما تكون قادحة لمذهبنا قادحة لمذهب الخصم حيث يحكم بكفرهم اذ المصرّح به فيها عدم كونهم كافرين وانّهم ضلّال فحاصل المطلب انّ الواسطة بين المسلم والمؤمن بالمعنى الاخصّ والكافر موجودة فلا ينافى كونهم مسلمين بالمعنى الاعمّ وفى بعض الاخبار تصريح بذلك الّذى ذكرنا ففى رواية سفيان بن سمط المذكورة فى الكافى عن أبي عبد الله فانّ أقر بهما ولم يعرف هذا الامر كان مسلما وكان ضالّا فلا اشكال وامّا الجواب عن السّادس فبانّه لا اشكال فى كفر من ثبت عنده النصّ القطعى وانكره وانّما الكلام فى غيرهم وما ذكر لا يثبت كفرهم وامّا الجواب عن السّابع فبانّ الحكم باسلامهم ظاهرىّ يترتب عليه الآثار الدّنيوية فقط ولا ينافى ذلك كون الإسلام الحقيقى الواقعى مبنيّا على الولاية وعدم كونهم مسلمين بالمعنى المذكور المزبور هذا كلّه بالنّسبة الى الثمرات الدّنيويّة وامّا الثمرات الاخرويّة فالمشهور عدم ترتبها على اسلام المخالف على ما ذكرنا بل كاد يكون اجماعا ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة الخارجة عن حد الاحصاء المذكورة فى تفسير الصّافى متفرقة وغيره منها ما ذكرنا من حديث الرّسول ص المشهور بين الفريقين ستفرق امّتى على بضع اه بضميمة ما دلّ من حديث الثقلين وغيره من الادلّة النقليّة والعقليّة على كون الفرقة الناجية هى الإماميّة الاثنا عشريّة كثرهم الله تعالى ومنها ما رواه فى الكافى عن القاسم الصّيرفى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول الاسلام يحقن به الدّم وتؤدّى به الامانة ويستحلّ به الفروج والثّواب على الايمان وفى الكافى عن زرارة عن أبي جعفر ع اما لو انّ رجلا قام ليله وصام نهاره و

٦١٩

تصدق بجميع ما له وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولىّ الله فيواليه ويكون جميع اعماله بدلالته اليه ما كان على الله حق فى ثوابه ولا كان من اهل الأيمان ثم قال اولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضل رحمته ولكن الحق استثناء المستضعفين والقاصرين ومن يحذو حذوهما منهم ويدلّ عليه وجهان الاوّل انّا قد اثبتنا فى مقام بيان التصويب والتخطئة فى اوائل الكتاب فيما علقنا عليه انّ الحق وجود القاصر العاجز مطلقا وسيصرّح به المصنّف قدس‌سره ايضا عن قريب فى هذا الفصل ولا ريب فى حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر فاذا لم يكن القاصر فى مسئلة التوحيد والنبوة وامثالهما معاقبا فكيف يكون الجاهل القاصر المقرّ بالشهادتين معاقبا وهذا الوجه تامّ فى المطلب والثانى دلالة الاخبار على ذلك منها ما رواه المصنّف ره فى الكتاب من قوله ع أرأيت امّ ايمن فانّى اشهد انّها من اهل الجنّة وما كانت تعرف ما انتم عليه ويدلّ عليه ايضا كثير من الاخبار الواردة فى الكافى فى باب مناظرة الامام عليه‌السلام مع زرارة وغيره بطرق متكثرة وما ورد فى اصحاب الاعراف وقوله ع فى ذيل الحديث السّابق اولئك المحسن منهم يدخلهم الله الجنّة بفضل رحمته بان يكون اشارة الى المستضعفين من المخالفين كما احتمله العلّامة المجلسى قدّس سره بل جعله اظهر وما اخترناه هو مذهبه ايضا ونقل عن بعض المحققين ما يفهم منه ذلك ايضا قال قال بعض المحقّقين الأيمان الخالص المنتهى تمامه هو التسليم لله تعالى والتصديق بما جاء به النبىّ ص لسانا وقلبا على بصيرة مع امتثال جميع الاوامر والنّواهى كما هى وذلك انما يمكن تحققه بعد بلوغ الدعوة النبويّة فى جميع الأمور امّا من لم تصل اليه الدّعوة النبويّة فى جميع الأمور او فى بعضها لعدم سماعه او لعدم عدم فهمه فهو ضالّ او مستضعف ليس بكافر ولا مؤمن وهو اهون النّاس عذابا بل اكثر هؤلاء لا يرون عذابا واليهم الإشارة بقوله سبحانه (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) الى آخر ما قال قدس‌سره والثالث من معانى الإسلام والأيمان الإقرار بالشهادتين وولاية الأئمّة عليهم‌السلام وجميع ما ثبت من الدّين من المعاد وغيره وهذا هو الحقيقى التامّ المثمر فى الدّنيا والآخرة وهو الّذى عليه الشّيعة الاثنا عشريّة ايّدهم الله تعالى والرّابع الإقرار بالشهادتين فقط او مع الولاية مع

٦٢٠