إيضاح الفرائد - ج ٢

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٠٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

١

مباحث اصل البراءة

ربّ يسّر ولا تعسّر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة على اشرف الأوّلين والآخرين محمّد واهل بيته الطّيّبين الطّاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومنكرى فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى يوم الدّين قوله والظنّ يمكن ان يعتبر فى متعلّقه قد ذكر فى اوّل الكتاب انّ الظنّ موضوع دائما وليس مثل العلم الّذى قد يكون موضوعا وقد يكون طريقا فقد يكون موضوعا للحكم الظّاهرى طريقا الى الحكم الواقعى فيكون حجّة فى باب الأدلّة بمعنى انه يكون وسطا لاثبات حكم هو من سنخ حكم متعلّقه وقد يكون موضوعا للحكم الواقعى ولا يقال له الحجّة فى باب الأدلّة وان كان حجّة بمعنى الوسط مطلقا والمراد هنا القسم الأوّل لقوله ولكنّ العمل به والاعتماد عليه فى الشرعيّات موقوف على وقوع التعبّد به اه اذ هذا القسم وان كان كشفه ذاتيّا كالعلم الّا انّ حجّيته واعتباره بمعنى جعل المظنون بمنزلة الواقع وترتيب جميع الآثار الشرعيّة المترتبة على الواقع عليه سواء كانت بلا واسطة او معها لا بدّ ان يكون من جهة دليل دالّ على ذلك من عقل او شرع ومع عدمه فيحكم بعدم حجّيته من جهة الأدلّة الأربعة كما سلف جميع ذلك وامّا الظنّ الموضوعىّ فليس فيه التعبّد وترتيب آثار الواقع فى مرحلة الظاهر بل هو موضوع لنفس الحكم الواقعى فهو كسائر الموضوعات الواقعيّة من الحضر والسّفر وغيرهما قوله وامّا الشكّ فلما لم يكن فيه كشف اصلا صريح هذا الكلام انّ المراد بالشكّ هو تساوى

٢

الطّرفين كما هو مصطلح اهل المعقول والمراد فى باب مشكوك الصّلاة وقيل انّه المعنى المعروف عند اهل اللّغة ايضا وقد جعله موضوعا للأصول الأربعة مع ان موضوع الأصول سواء كانت شرعيّة او عقلية امّا الشكّ بمعنى خلاف اليقين او عنوان ينطبق عليه وقد ذكرنا ما به يتمحّل لدفع الإيراد المذكور فى اوّل الكتاب فراجع وقد أشار المصنّف ره هنا حيث ذكر فيما سيأتى ثم انّ الظنّ الغير المعتبر حكمه حكم الشكّ الى دفع الأشكال المذكور ايضا مع عدم اندفاع الأشكال به لأنّ المأخوذ فى الاستصحاب مثلا هو الشكّ بمعنى خلاف اليقين سواء فيه الظنّ الغير المعتبر (١) ايضا لأنّه المعنى اللّغوى المعروف على ما فى القاموس وغيره ولذا يكون تقديم الدّليل الظنّى الاجتهادي على الاستصحاب واصل البراءة اذا كان شرعيّا بالحكومة الّتى تكون تخصيصا بلسان التّفسير لا بالورود على ما سيجىء عن قريب قوله ويسمّى الدّليل الدال على هذا الحكم الظاهرى اصلا الدّليل الدالّ على الحكم الظاهرى ان لم يكن ناظر الى الواقع او كان ناظرا اليه لكن كانت جهة النظر ملغاة كان اصلا وان كان ناظرا الى الواقع وكان اعتباره لأجل نظره يسمّى دليلا وامارة بقول مطلق ودليلا اجتهاديا عند بعضهم وهذا مع وضوحه قد اشار اليه المصنّف ره فى باب الاستصحاب فى موضع تقديمه على الأصول الثلاثة وصرّح به شيخنا قدس‌سره فى هذا المقام فعلم انّ مقصود المصنّف هذا ليس حصر الدّليل الدالّ على الحكم الظاهرى فى الأصل فتامّل قوله وهذان القيدان اصطلاحان ماخوذان اه قال قدس‌سره فى فوائده الجديدة فائدة المجتهد والفقيه والمفتى والقاضى وحاكم الشّرع المنصوب عبارة الآن عن شخص واحد لأنّه بالقياس الى الأحكام الشّرعيّة الواقعيّة يسمّى مجتهدا لما عرفت من انسداد باب العلم وبالقياس الى الأحكام الظّاهريّة يسمّى فقيها لما عرفت من كونه عالما بها على سبيل اليقين وبالقياس الى انّه يفتى يسمّى مفتيا وباعتبار انّه يرفع خصومة المترافعين اليه يسمّى قاضيا ومع قطع النّظر عن التّرافع يسمّى حاكم الشّرع بالنّسبة الى ولاية الأيتام والغائبين وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ومذكورة فى الفقه وبالقياس الى شرائط الاجتهاد ويسمّى متكلّما ومحدّثا اصوليّا رجاليّا الى غير ذلك انتهى كلامه

__________________

(١) والظن المعتبر

٣

دفع مقامه وامّا المناسبة الّتى اشار اليها المصنّف فهى انّهم عرّفوا الاجتهاد باستفراغ الوسع فى تحصيل الظنّ بالحكم الشّرعى الفرعى فلا بدّ ان يكون الحكم الّذى تعلّق به الظنّ حكما واقعيّا فالدّليل الظنّى الّذى تعلّق بالواقع يناسب ان ينسب الى الاجتهاد ويسمّى دليلا اجتهاديّا وقد عرفوا الفقه بالعلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة فعلى تقدير كون العلم بمعناه الحقيقى كما هو الظاهر يكون المراد بالأحكام هى الظاهريّة لأنّ الأحكام الواقعيّة غير معلومة غالبا لابتناء الفقه غالبا على ما هو الظنّى الدّلالة او السّند فلمّا كان المطلوب فى الفقه هو العلم بالأحكام الظاهريّة فناسب ان يسمّى الدّليل المثبت للحكم الظاهرى دليلا فقاهيّا لكنه كما ترى موقوف على كون العلم بمعناه لا بمعنى الظنّ ولا بالمعنى الأعمّ وجعل الأحكام ظاهريّة فقط لا الأعمّ منها ومن الواقعيّة وفيما ذكر كلام معروف لكن لا مشاحة فى الاصطلاح هذا ولا يخفى انّ المستفاد من كلام الوحيد ره تسمية الدّليل الظنّى فقط بالدّليل الاجتهادي لا مطلقا فما يستفاد من كلام المصنّف من جعل الوحيد ره مطلق ما يدلّ على الحكم الواقعى علما او ظنّا دليلا اجتهاديّا حيث قال وقد يقيّد اى ما دلّ على الحكم الاوّل علما او ظنّا بالاجتهادى ثم قال وهذان القيدان اصطلاحان اه ليس بوجيه ولعلّه قدس‌سره قد ظفر بكلام آخر له يدلّ على ما ذكره والله العالم قوله لا ينفع بعد قيام الإجماع على عدم الفرق يعنى انّ الإجماع قائم على عدم الفرق فى حجّية الخبر مثلا بين كون الأصل على خلافه وعدمه فلو لم يعمل به فى الصورة الاولى لزم العمل به فى الصّورة الثانية لمكان الاجماع المذكور بملاحظة الإجماع المذكور يكون حكم الأصل والدّليل الظنّى المعتبر حكم العام والخاص المطلقين للزوم محذور العام والخاصّ المطلقين وهو كون جعل الخاصّ لغوا لو عمل بالعام فى مورد التعارض فى مثل المقام ايضا كما لا يخفى قوله بحكمه الواقعى الثابت له من دون مدخليّة العلم والجهل يعنى انّ الحكم الواقعى لا بدّ ان يكون لا بشرط بالنّسبة الى العلم والجهل به لعدم امكان اعتبار العلم به فى ثبوته الواقعى للزوم الدّور كما سلف وسيأتي وامّا بالنّسبة الى موضوعه فلا يلزم ان لا يكون بشرط اذ كما يحتمل ان يكون لا بشرط يحتمل ان يكون العلم او الظنّ او غيرهما ماخوذا فيه كما

٤

سبق تفصيل ذلك فى اوّل الكتاب قوله كانا متعارضين لا محالة لأنّ كلّ من الأصل والدّليل الظنّى يثبت حكما ظاهريّا فى مورد عدم العلم بالواقع والشكّ فيه فيكون كلّ منهما فى عرض الأخر وان كان بينهما فرق من جهة انّ الأوّل يثبت حكما ظاهريّا فى مورد عدم النظر الى الواقع او الغاء جهة النظر فيه والثانى يثبت حكما ظاهريّا فى مورد النظر الى الواقع مع اعتبار جهة النظر فيه فاذا كان احدهما فى عرض الأخر يكون تقديم الدّليل على الأصل من باب التخصيص لا من باب الورود ولا من باب الحكومة قوله ولكن التّحقيق انّ دليل تلك الأمارة اه فاذا كان الأصل شرعيّا كما اذا قلنا بحجّية اصل البراءة من باب الأخبار لا من باب العقل وكذلك اذا قلنا بالرّجوع الى الاحتياط من باب الاخبار بان تثبت حكما شرعيّا تاسيسيّا لا بان تكون تاكيد الحكم العقل من باب وجوب دفع الضّرر المحتمل وكذلك اذا قلنا بالاستصحاب من باب الاخبار كما هو الحق يكون الدّليل الظنّى المعارض له بملاحظة دليل اعتباره حاكما عليه لأنّ مثل قوله صدّق العادل معناه ترتيب آثار الواقع على خبره وعدم الاعتناء باحتمال العدم ولا شكّ انّ معنى الاعتناء باحتمال العدم هو الرّجوع الى الأصول فيكون معنى عدم الاعتناء باحتمال العدم واحتمال الكذب عدم الرّجوع الى الأصول فيكون بهذا الاعتبار شارحا ومفسّرا ومبيّنا وهو معنى الحكومة على ما سيجىء شرحه مفصّلا وبمثل هذا البيان يكون جميع التنزيلات الشرعيّة مقدّمة على الاصول مثل قوله عليه‌السلام الرّضا ع لحمة كلحمة النسب وقوله عليه‌السلام الطّواف بالبيت صلاة وقوله عليه‌السلام الفقاع خمر مجهول استصغره الناس وغير ذلك اذ ليس فى الاصول ترتيب آثار الواقع بل البناء على مؤدّياتها فى مرحلة الظاهر فهى فى الحقيقة احكام عذريّة نعم فى الاستصحاب ترتيب آثار اليقين السّابق كما ينادى اليه قوله ع لأنّك كنت على يقين من طهارتك اه فهو وان لم يكن امارة لكنّه قريب منهما فهو وان لم يكن فى عرض ساير الأمارات لكنّه مقدم على ساير الأصول كاصل البراءة والاشتغال والتّخيير لما ذكرنا من انّ لسانه لسان ترتيب آثار الواقع وح ففى تقديم ساير التنزيلات الشرعيّة ممّا ليست ناظرة الى الواقع بل تكون من باب التعبّد من الامثلة الّتى ذكرنا وغيرها على الاستصحاب خفاء واشكال قوله وامّا الأدلّة العقليّة القائمة

٥

فاذا قلنا باصل البراءة من باب قاعدة قبح العقاب بلا بيان وقلنا بانّ الأخبار مؤكّدة لهذا الحكم العقلى وكذلك اذا قلنا باصل الاشتغال من باب وجوب دفع الضّرر المحتمل وقلنا بانّ اخبار الاحتياط مؤكّدة له فحينئذ يكون الدّليل الظنّى واردا عليهما لارتفاع موضوع اصل البراءة والاشتغال به اذ لا يكون العقاب حينئذ بلا بيان لأنّ الدّليل الظنّى مع فرض اعتباره يكون بيانا ولا يجرى قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل مع قيام الدّليل الظنّى على خلافها لعدم احتمال العقاب مع وجوده وكذلك حكم العقل بالتّخيير فى صورة التردّد والتحيّر ومن المعلوم ارتفاع التحيّر مع وجود الدّليل الظنّى المعتبر قوله وامّا اصل التّخيير فهو اصل عقلى لا غير الرّجوع الى التّخيير فى صورة دوران الأمر بين المحذورين على ما هو المشهور انّما هو بحكم العقل من باب وجوب الالتزام بحكم الله الواقعى فلمّا لم يمكن الالتزام به تعيينا وجب الالتزام به تخييرا وهذا المطلب وان كان محلّ نظر عند المصنّف قدس‌سره بل سيصرّح فى موضعه بانّ المتعيّن الرّجوع الى التوقّف فى الصورة المفروضة لكن الثابت عند المشهور هو الرّجوع الى التّخيير العقلى وجعل الأصول اربعة من جملتها اصل التّخيير انّما هو على رايهم لا على راى المصنّف وغيره ممّن حكم بالتوقّف او بالرّجوع الى اصل الإباحة او بترجيح جانب التحريم وامّا توهّم كون التخيير المذكور شرعيّا مستفادا من حكم الشّارع بالتخيير عند تعارض الخبرين بتقريب انّ دلالة الخبرين على نفى الثالث ظنّية فاذا وجب العمل بهما فى نفى الثالث وعمل بكلّ منهما مخيّرا ففى المقام الّذى يكون نفى الثالث قطعيّا لا بدّ ان يعمل بكلا الاحتمالين تخييرا بطريق اولى فمضعّف بانّه قياس مع الفارق مع انّ القياس بطريق اولى ليس بحجّة كما يدلّ عليه رواية أبان وغيره وتسمية القياس المذكور بالفحوى وادراجه فى الدّلالة اللّفظيّة الالتزاميّة ممنوعة وسيجيء شرح المطلب مفصّلا حين تعرّض المصنّف له إن شاء الله الله تعالى قوله ثمّ انّ انحصار موارد الاشتباه فى الاصول الاربعة عقلىّ قد ذكرنا فى صدر الكتاب انّ انحصار موارد الاشتباه فى الأصول الأربعة استقرائى لا عقلى فلا بدّ ان يكون المراد ان الانحصار عقلى بمئونة الاستقراء وفيه تكلّف والأظهر انّ المراد انحصار موارد الاشتباه فى موارد الاصول الأربعة

٦

لا فى انفسها بقرينة قوله قدس‌سره والاوّل مورد الاستصحاب والثّانى مورد التّخيير وهكذا ووجه كونه عقليّا دورانه بين النفى والأثبات وامّا توهّم وجود اصول أخر غير الأربعة كاصل الطّهارة واصل العدم واصل الاباحة والخطر وغير ذلك فقد ذكرنا اندفاعه فى صدر الكتاب فراجع قوله والاوّل امّا ان يدلّ دليل عقلى قد ذكرنا انّ هذه العبارة اولى ممّا فى صدر الكتاب من عبارة الاصل ومن عبارة اخرى اذ ليس فى هذه العبارة تخصيص اصل البراءة بمورد الشكّ فى التّكليف ولا تخصيص اصل الاشتغال بمورد الشكّ فى المكلّف به كما فى عبارتى صدر الكتاب حتّى يناقش فيها بعدم اختصاص اصل البراءة بالأوّل ولا اصل الاشتغال بالثّانى قوله لأنّ الشكّ امّا فى نفس التكليف لا يخفى انّ فى العبارة حزازتين حيث حاول فيها بيان موارد الاصول المثلثة الاولى ان المستفاد منها كون مورد البراءة هو الشك فى التكليف فقط ومجرى الاشتغال هو الشكّ فى المكلّف به فقط على طبق ما ذكر فى اوّل الكتاب وهذا هدم لما بنى عليه الأمر عن قريب بقوله والأوّل امّا ان يدلّ دليل عقلىّ اه حيث انّ وجه التعبير به عدولا عمّا ذكره فى اوّل الكتاب بيان عدم استقامة ما هناك واستقامة ما هنا كما اشرنا الى ذلك عن قريب والثانية ان المستفاد منها انحصار مجرى التخيير فى الشكّ فى التكليف فقط مع عدم صحّته وجريانه فى الشكّ فى المكلّف به ايضا كما اذا كان الدّوران بين الواجب والحرام ويمكن دفع هذا الاشكال بانّ متعلّق التّكليف اذا كان مشكوكا قد يكون متعلّقا للتكليف الوجوبى وقد يكون متعلّقا للتكليف التّحريمى وقد يكون متعلّقا للتكليف المردّد بين الوجوب والتّحريم وهذا الاخير ايضا من موارد اصل التخيير وانّما اجمل هنا اتّكالا على ما سيظهر منه فى مباحث الشكّ فى المكلّف به فلا اشكال وبعبارة اخرى التكليف المشكوك متعلّقه امّا ان يكون وجوبا مشتبها بغير الحرمة وامّا ان يكون تحريما مشتبها بغير الوجوب وامّا ان يكون وجوبا مشتبها بالتّحريم وهذا الاخير من الشبهة الّتى اشتبه الواجب والحرام فيهما ويكون من موارد اصل التخيير على ما سيأتي من المصنّف فى المطلب الثالث من الموضع الثانى وبعبارة ثالثة متعلّق التكليف اذا كان ذلك المتعلّق مشكوكا قد يكون

٧

حراما مشتبها بغير الواجب وقد يكون واجبا مشتبها بغير الحرام وقد يكون حراما مشتبها بالواجب وهذا الأخير من الشكّ فى المكلّف به الّذى يجرى فيه اصالة التّخيير حتّى عند المصنّف مثال الاوّل ما اذا علم بوجوب شرب ما فى احد الإناءين واباحة ما فى الآخر واشتبه مثال الثانى ما اذا علم بحرمة شرب ما فى احد الإناءين واباحته ما فى الآخر واشتبه مثال الثالث ما اذا علم بوجوب شرب ما فى احد الإناءين وحرمة شرب ما فى الآخر وتردّد بين كون هذا واجبا والآخر حراما وبين العكس فالتّخيير فى الشكّ فى المكلّف به يوجد كثيرا فيما اذا كان متعلّق التّكليف مشكوكا وعلى هذا فقوله ره وامّا فى متعلّق التكليف مع العلم بنفسه بيان لبعض الافراد وقد وقع منه قدس‌سره فى مقام ابطال الرّجوع فى كلّ واقعة الى ما يقتضيه الاصل فيها فى مقام توضيح دليل الانسداد مسامحة فى بيان مورد اصل التخيير فى العبارة قد اصلحناها بقدر الوسع فراجع ثم انّ المراد بالتّكليف المشكوك فيه المقصود منه نوع التكليف مقابلا للمكلّف به المشكوك فيه هو المحمولات فقط لا المحمولات المنتسبة من حيث هى كذلك ضرورة انّ العلم بها كذلك موقوف على العلم بالموضوع والمحمول والنّسبة ويكون الشكّ فيها ح تارة من جهة الشكّ فى المحمول فقط وتارة من جهة الشكّ فى الموضوع فقط وتارة من جهة الشكّ فيهما كليهما فلا يكون الشكّ فى متعلّق التكليف مقابلا للشكّ فيه بالمعنى الثّانى وانّما تتصوّر المقابلة باعتبار المعنى الاول كما هو ظاهر قوله وصور الاشتباه كثيرة فانّ الصّور الثنائيّة فى كلّ من اشتباه الحرمة بغير الوجوب واشتباه الوجوب بغير الحرمة ثلث والصّور الثلاثيّة ايضا ثلث فى كلّ منهما والرّباعيّة واحدة فى كلّ منهما فمع انضمام اشتباه الوجوب والحرمة اليها تكون الأقسام والصّور خمسة عشر هذا على تقدير عدم ملاحظة كون كل واحد منهما منقسما الى اقسام اربعة من جهة كون منشإ الاشتباه فقد النصّ او اجماله او تعارض النصّين او اشتباه الأمور الخارجيّة اذ تزيد الأقسام بملاحظتها عمّا ذكر بكثيرة قوله وهذا مبنى على اختصاص التكليف بالالزام بناء على انّ التكليف من الكلفة بمعنى المشقّة الّتى لا تتاتى الّا فى الواجب والحرام وإن كان بحسب الاصطلاح اعمّ من ذلك ولذا قسّموا الاحكام التكليفيّة الى الأحكام الخمسة المشهورة قوله او اختصاص الخلاف فى البراءة والاحتياط به يعنى وان كان

٨

لفظ التكليف اعمّ من الالزام وغيره لكن الخلاف فى البراءة والاحتياط مخصوص بنوع منه وهو التكليف الالزامى ووجه اختصاص الخلاف اختصاص ادلّتهم الآتية به لانّ ادلّتهم العقليّة من قبح العقاب بلا بيان ووجوب دفع الضّرر المحتمل لا تتاتى الّا فيه وكذلك الأدلّة النقليّة للبراءة والاشتغال كتابا وسنّة واجماعا مثل قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) والأخبار باسرها مثل رفع عن امّتى ما لا يعلمون وما حجب الله علمه عن العباد والنّاس فى سعة كلّ شيء لك حلال كلّ شيء مطلق ومن اجتنب الشّبهات نجا من المحرّمات وغيرها مما سيذكره المصنّف نعم يمكن ادّعاء كون مثل قوله عليه‌السلام اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت فى الاعمّ من التكليف الالزامى فتدبّر قوله يظهر حالهما من الوجوب والحرمة لا بمعنى انّه يرجع فى نفى الاستحباب او الكراهة الى اصل البراءة بل بمعنى انه اذا دار الامر بين الاباحة والاستحباب ينفى الخصوصيّة باصل العدم واذا دار الأمر بين الاباحة والكراهة ينفى ايضا به واذا دار بين الاستحباب والكراهة تنفى الخصوصيّتان به ايضا ويلتزم بالاباحة مع جواز الرّجوع الى الحكم الثّالث فى مثله ففى العبارة ادنى مسامحة قوله كدوران الامر فى قوله تعالى جعل ذلك مثالا لاجمال النصّ المراد منه ما لم يتضح دلالته امّا لتعدّد المعنى الموضوع له او لتعدّد مجازاته او لعدم العلم بمرجع الضّمير او لغير ذلك ممّا شابهه مع انّ التمثيل به مبنى على عدم تواتر القراءات وعدم جواز الاستدلال بكلّ قراءة لا تخلو عن مسامحة والشّبهة التحريميّة الحاصلة منها عدم العلم بكون القرآن هو قوله حتّى يطهرن حتّى يستظهر منه جواز المقاربة بعد النقاء ولو لم تغتسل او انّه حتّى يطهّرن حتّى يستظهر منه عدم جواز المقاربة بعد النقاء الى ان تغتسل وعلى اىّ تقدير فاللّفظ ظاهر فى معنى ويمكن ارادته كونه فى حكم المجمل قوله والاوّل منسوب الى المجتهدين لكن قال السيّد المحقق الكاظمى فى شرح الوافية انّ صاحب الحدائق حكى عن جميع الاخباريين وبعض الاصوليين التوقّف فى الشبهة التحريميّة وكانّه اراد ببعض الاصوليّين الشيخين وهو الّذى صرّح به صاحب الفوائد المدنيّة وشيخنا الحرّ وانت خبير بانّهما توقّفا فى العقليّة دون الشرعيّة فانّهما قطعا بالاباحة شرعا انتهى كلامه دفع مقامه قوله ولا يبعد ان

٩

يكون تغايرها باعتبار تغاير العنوان بان يكون مرجع الأقوال الى شيء واحد وان يكون القول بالتوقف لأجل اخبار التوقف والقول بالاحتياط لأجل اخباره والتّحريم ظاهر الأجل انّه فى مورد الجهل بالواقع والقول بالتّحريم واقعا لاجل انّ الحكم ثابت فى المرحلة الثانويّة الواقعيّة فى موضوع الجهل ليس له حكم غيره بوصف الجهل وسيأتى بيانه فى كلام المصنّف قدس سرّه قوله قيل ودلالته واضحة ذكره صاحب الفصول والمناهج قوله فامّا ان يراد بالموصول المال وهذا المعنى هو الاظهر بقرينة الآية السّابقة واللّاحقة وهما قوله تعالى (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) وقوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) والمعنى لا يكلّف الله نفسا الّا انفاق ما ايتها بالنّسبة الى المرضعة وغيرها ولازمه عدم التّكليف الّا بقدر الوسع وقوله تعالى فلينفق ممّا آتاه الله بالنّسبة الى المرضعة فيصحّ كون قوله تعالى لا يكلف الله نفسا الّا ما آتاها بمنزلة التعليل والكبرى الكليّة ولا يكون كالتّكرار لما سبق كما ذكره شيخنا المحقّق قدس‌سره فى مقام توهين هذا الوجه قال الرّازى فى التفسير الكبير ثمّ بيّن قدر الانفاق بقوله لينفق ذو سعة من سعته امر اهل التّوسعة ان يوسّعوا على نسائهم المرضعات على قدر سعتهم ومن كان رزقه بقدر القوت فلينفق على مقدار ذلك ونظيره على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقوله تعالى لا يكلّف الله نفسا الّا ما اتاها اى ما اعطاها من الرّزق قال السدى لا يكلّف الفقير مثل ما يكلّف الغنى انتهى وقيل قوله تعالى فلينفق ممّا آتاه الله اى وان قلّ يعنى لينفق كلّ واحد من الموسر والمعسر ما يبلغه وسعه لا يكلّف الله نفسا الّا ما اتاها جلّ او قلّ فانّه لا يكلّف الله نفسا الّا وسعها وفى الصّافى ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله اى فلينفق كلّ من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه لا يكلّف الله نفسا الّا وسعها وفيه تطييب القلب المعسر سيجعل الله بعد عسر يسرا عاجلا او آجلا وهذا الحكم يجرى فى كلّ انفاق انتهى وبما ذكر ظهر انّ سبيل الآية سبيل الآيات النافية للحرج مثل قوله تعالى ما جعل عليكم فى الدّين من حرج يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ومثل قوله تعالى ولا يكلّف الله نفسا الّا وسعها بناء على ما فى تفسير الفخر من ان الوسع ما يسع

١٠

الانسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه وغيرها من الآيات ولذا جمع بينهما فى رواية عبد الاعلى فلا يثبت بها الرّجوع الى اصل البراءة فى الشّبهات التحريميّة الّا ان يكون الاحتياط فيها حرجيّا وسيأتى فى كلام المصنّف ره ضعفه قوله وهذا المعنى اظهر وجه اظهريّته عنده عدم احتياجه الى التقدير كالمعنى السّابق حيث انّه محتاج الى تقدير الدّفع والانفاق ونحوهما لكن قد عرفت قوّة دلالة السّياق على المعنى الاوّل بحيث لا يعارضها وجوب التقدير المذكور مع انّ التقدير المدلول عليه بدلالة الاقتضاء فى غاية الكثرة فى الآيات مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) اه وانّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وغير ذلك ما لا يحصى وقد عرفت تفسير اكثر المفسّرين للآية بما ذكرنا مع انّ المعنى الاوّل هو المناسب للامتنان على العباد بخلاف عدم التكليف بغير المقدور مع انّ المعنى الأوّل هو المناسب تأسيس والثّانى تاكيد اذ هو ممّا يحكم به بديهة العقل ولذا وردت آيات متعدّدة فى مقام نفى التكليف الحرجى دون التكليف بغير المقدور وسيأتى فى كلام المصنّف ره فى بيان حديث الرّفع انّ المراد بما لا يطيقون هو الحكم الحرجى دون التكليف بغير المقدور وان المراد بالآية ربّنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به هو معنى آخر لا التكليف بغير المقدور فانتظر قوله ومن المعلوم ان ترك ما يحتمل التحريم اه نعم قد قيل ان الترك بعنوان الامتثال فى المجهول كالفعل بعنوانه غير مقدور ولذا استدل السّيد ابو المكارم على البراءة بقبح التّكليف بما لا يطاق وكذلك المحقق فى المعارج والمحقق القمّى فى القوانين وسيأتى ما فيه إن شاء الله الله تعالى قوله والّا لم ينازع فى وقوع التكليف به اه يعنى انّ ترك محتمل التحريم ليس غير مقدور لانّ عدم وقوع التكليف به فى الشّرع اجماعى عند المسلمين قاطبة فضلا عن الاخباريين فكيف يقول الاخباريّون بوقوعه فى الشّرع وما نقله قدس‌سره عن الاشاعرة من انّهم وان قالوا بامكان التكليف بغير المقدور امّا مطلقا وامّا فى غير الممتنع الذّاتى على اختلاف مذاهبهم لكنّهم لم يقولوا بوقوعه فى الشّرع وان نقل عن بعضهم فى بيان مذهبهم الّا انّ الّذى نقله فى الفصول عن الاشاعرة يدلّ على قولهم بالوقوع فى الشرع قال قدّس سره حجّة القائلين بجواز التكليف بالمحال مطلقا انّه تعالى كلّف الكافر

١١

بالايمان مع انه ممتنع فى حقّه لأنّه لم يرده منه ولأنّه تعالى علم بكفره ويمتنع الجهل فى علمه تعالى وانّ الله تعالى كلّف أبا لهب بالايمان بجميع ما جاء به مع انّ من جملة ما جاء به النبىّ ص انّه لا يؤمن به فيجب عليه الايمان بانّه لا يؤمن وانّه محال بل صرّح امامهم فى التفسير الكبير عند بيان قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) بانّ جميع التكاليف المتوجهة الى العباد من قبيل التكليف بغير المقدور واقام ادلّة ستّة على ذلك من جملتها ما نقله فى الفصول والتزم لذلك بتاويل الآية المذكورة وامثالها فعلى ما نقله المصنف عنهم ما يكون من قبيل الطّيران فى الهواء والجمع بين الضدّين وغير ذلك لا مثل افعال العباد فتبصّر قوله ينافى مورد الآية لأنّ مورد الآية اعطاء المال بقدر الوسع لا الاعلام للتكليف قوله اذ لا جامع وان امكن ان يقال بانّ المراد بكلمة ما هو الشيء العام ونحوه لكن القدر المشترك ليس بموجود فى الصّلة لأنّ الايتاء بالنّسبة الى المال هو الاعطاء وبالنّسبة الى الحكم هو الاعلام ولا جامع بينهما مع امكان ان يقال بعدم وجود القدر المشترك فى الموصول ايضا ولو اريد به الشيء ونحوه لأنّ المقدر على تقدير كون المراد به المال الاعطاء وعلى تقدير كون المراد به الحكم الاطاعة والامتثال ونحوهما ثمّ على تقدير وجود الجامع فى الموصول والصّلة ليست الآية ظاهرة فيه ومع عدم الظهور لا ينفع وجود القدر المشترك ضرورة لزوم الاخذ بالظّواهر دون المحتمل مع انّك قد عرفت ظهور الآية فى اعطاء المال فقط قوله نعم فى رواية عبد الأعلى اه يمكن ان يكون المراد بالمعرفة معرفة الصّفات الثبوتية والسلبيّة للواجب وكونها عين الذّات ومعرفة صفات النبى ص والائمّة عليهم‌السلام بطريق التفصيل من الادلّة العقليّة والنقليّة المفيدة للعلم وغير ذلك من تفاصيل المعاد وغيره ممّا يكون فهمهما فى غاية المشقّة والحرج على غالب عقول العامّة القاصرى العقول الناقصى الادراك فان معرفة ذلك كذلك موضوع عنهم لانّه خارج عن وسعهم وقد سمعت ما ذكره ثقة الاسلام فى ديباجة الكافى من انّ التكليف موضوع عن اهل الضّرر والزّمانة ويدلّ عليه الاخبار ايضا واوضحنا ذلك فيما تقدم فح لا تكون الرّواية منافية لما قدّمنا من ظهور الآية فى عدم التكليف الحرجى قوله ومنها

١٢

قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) الآية فى سورة بنى اسرائيل قوله او يلتزم بوجوب التاكيد هذا الالتزام ممّا يرفع ثمرة النزاع بين الاصولى والاخبارى فى باب الملازمة اذ ثمرته انّما تظهر فى مورد عدم التاكيد وانفراد العقل بحكم كما لا يخفى ومع وجوب التاكيد من باب اللطف الممتنع اخلاله تعالى به كيف يتحقق انفراده به ولاجل هذا صرّح فى القوانين فى مقام ردّ الدليل الثالث للاخباريّين المبنىّ على قاعدة اللّطف بمنع وجوب هذا اللطف الخاصّ يعنى تاكيد العقل بالنقل هذا لكن قال فيها فى بعض كلماته السّابقة على هذا وينادى بذلك قولهم فى الكتب الكلاميّة بوجوب اللّطف وانّ اللطف انّما هو لتعاضد العقل بالنقل حتى يكمل به البيان ويثبت به الحجّة فبين كلامه تناقض صريح الّا ان يكون هذا الكلام المبنىّ على وجوب كلّ لطف مبنيّا على راى الأصحاب لا على رايه هذا ويمكن تحقق انفراد العقل بالحكم وحصول ثمرة النّزاع بانّ اللّطف حاصل مع بيان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الاحكام حتى ارش الخدش للنّاس كما هو قول بعضهم ودلّ عليه الاخبار الكثيرة واختفاء الاحكام انّما حصل بتقصير الوسائط او مع نصب الامام الغائب ارواح العالمين له الفداء الّذى بيان الاحكام قطرة من بحار فوائده عجّل الله فرجه وخفائه وغيبته الباعثان على اختفاء الأحكام انّما حصل بتقصيرنا ولذا قال المحقّق الطّوسى بانّ عدمه منّا قوله وفيه انّ ظاهره الاخبار بوقوع اه وفيه انّه ذكر بعض المفسّرين ونقل عن الكشاف ايضا فى معناها انّه وما صحّ واستقام منّا بل استحال فى سنّتنا المبنيّة على الحكم البالغة ان نعذّب قوما الّا بعد ان نبعث رسولا فيلزمهم الحجّة وهذا المعنى يشمل العذاب الاخروى ايضا وايضا فلفظة كان هنا بمعنى الاستمرار مثل قوله تعالى (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) الى غير ذلك فيشمل العذاب الاخروى ايضا وايضا رحمته وكرمه تعالى اذا اقتضى عدم العذاب الدنيوى الّا بعد البيان فاقتضاؤهما لعدم العذاب الاخروى (١) بدونه بطريق اولى ومن العجب انّه قدس سرّه اشار فى الآية الثانية الى الفحوى ولم يشر اليها هنا اصلا وممّا ذكر ظهر دلالة الآية على الرّجوع الى البراءة عند الشكّ وعدم البيان ومثل الآية المزبورة قوله تعالى (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى

__________________

(١) الاشد

١٣

حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) على ما نبّه عليه شيخنا قدس سرّه فى الحاشية وقوله تعالى ذلك (أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) وقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) وقوله تعالى (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وقوله تعالى (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) وقوله تعالى (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) وقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) الى غير ذلك من الآيات الّتى تدلّ او تشعر بعدم الاهلاك والتعذيب الّا بعد اتمام الحجّة عموما او خصوصا فهى مؤكّدة لحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان قوله ثمّ انه ربما يورد التناقض على من جمع اه الجامع بين الاستدلال بالآية لأصل البراءة وردّ من استدلّ بها لعدم الملازمة بين حكم العقل والشّرع هو الفاضل التّونى قدس‌سره وتقريب الاستدلال بالآية لاصل البراءة قد مضى فى كلام المصنّف والاستدلال بها لنفى الملازمة مبنى على جعل الرّسول بمعناه الظاهر لا كناية عن البيان سواء كان بلسان العقل او بالنّقل وعلى انّ معنى الآية عدم وقوع التعذيب فى الآخرة بدون بيان الرّسول وان حكم به العقل المستقلّ ايضا فتدلّ الآية على عدم حجّية العقل اذ لو كان حجّة لوقع التعذيب على مخالفته ولو فى الجملة كالاحكام النقليّة وقد ردّ الفاضل التّونى هذا الاستدلال بانّ المستفاد من الآية نفى فعليّة التعذيب فى الأحكام الالزاميّة العقليّة ونفى ترتّب فعليّة التعذيب على مخالفة الواجب والحرام العقلى لا يستلزم عدم كونه حجّة وما حكم بوجوبه واجبا وما حكم بحرمته حراما علينا اذا الواجب ما استحق فاعله الثواب وتاركه العقاب والحرام بالعكس فمع الاستحقاق يترتّب الوجوب والتّحريم وان لم يكن العذاب متحقّقا فعلا ويمكن ردّ الاستدلال بها لنفى الملازمة ايضا بانّ الحكم الصّادر من الله تعالى للرّسول قد يكون مستفادا من الكتاب والسنّة وغيرهما وقد يستفاد من العقل اذ بعد ما

١٤

حكم العقل بشيء من جهة قطعه بالمصلحة او بالمفسدة فبالضّرورة يقطع بانّ الحكم الصّادر من الله للرّسول ايضا هو ما ادركه العقل لأنّ الله تعالى يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر وهذا الّذى ذكرنا مستفاد من كلمات المصنّف فى باب حجّية القطع وغيره ومستفاد من القوانين ايضا وامّا المورد للتناقض على صاحب الوافية فهو المحقق القمّى ره فى القوانين حيث قال فى باب اصل البراءة والعجب من بعض الأعاظم حيث جمع فى كلامه بين الاستدلال بالآية لاصل البراءة ودفع الاشكال الوارد من جهة الآية على الأحكام العقليّة الالزاميّة بجواز العفو عن الله تعالى انتهى ووجه ايراد التناقض عليه ما اشار اليه المصنّف بقوله فانّ الأخبار بنفى التّعذيب اه يعنى انّ الاخبار بنفى التعذيب فى الآية ان دلّ على عدم استحقاق التعذيب اصلا المستلزم للاباحة فلا وجه لردّ الاستدلال بها لعدم الملازمة اذ يكون ح دلالتها على عدم الملازمة تامة اذ يكون المستفاد منها ح كون ما لم يحكم الشّرع بلزومه مباحا وان حكم العقل بلزومه وان لم يدلّ على ذلك بل دلّ على عدم فعليّة العذاب وان بقى الاستحقاق له فلا تدلّ الآية على اصل البراءة لأنّ مقتضاه عدم استحقاق العقاب الملازم لعدم الوجوب والتّحريم فى مرحلة الظاهر فقول المصنّف فانّ الاخبار بنفى التعذيب لا يراد التناقض كما انّ قوله بان نفى فعليّة التعذيب متعلّق بردّ من استدلّ اه هذا والعجب من المحقّق المزبور حيث قال فى مقام ردّ الاستدلال بالآية لنفى الملازمة فى بعض كلماته ودلالة نفى التعذيب على الاباحة فيه منع ظاهر وقال بعد ذلك فى مقام الاستدلال بالآية لاصل البراءة وعدم التعذيب كناية عن انّه ليس هناك ايجاب وتحريم حتّى نبعث رسولا والّا فيلزم انفكاك اللّازم عن الملزوم والاخبار عن العفو عن المؤاخذة عن جميع المحرّمات وترك الواجبات الى زمان يستلزم الغاء الايجاب والتحريم الّا ان يقال انّ ما ذكره قدّس سره فى السّابق ليس مذهبا له وانّما ذكره على سبيل المماشاة ولذا قال اخيرا فالتحقيق فى الجواب انّ الآية من قبيل قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) قوله بانّ عدم الفعليّة يكفى اه الّا انّه يخرج التمسّك بالآية

١٥

من الاستدلال الى الجدل الّذى اشير اليه فى الكتاب الالهى بقوله ادع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتى هى احسن مع انّ ظاهر كثير منهم وصريح الآخرين هو الاستدلال دون الجدل فما ذكره المصنّف تبعا لصاحب الفصول من التّوجيه غير مطابق لظاهر كلماتهم قوله الوقوع فى العقاب والهلاك فعلا اه لا على سبيل الحتم بل يكون سبيل ارتكاب الشبهة سبيل ارتكاب ساير المحرّمات حيث انّها يترتّب عليها العقاب مع عدم العفو بشفاعة الشفعاء وغير ذلك من الحسنات الّتى يذهبن السّيئات بل ستعرف عن الوحيد نقلا عن بعضهم انّ من ارتكب الشّبهة واتّفق مصادفتها للحرام الواقعى يهلك لا مطلقا بل هو المستفاد من حديث التثليث ونحوه الّذى هو عمدة ادلّتهم اذ يظهر منها انّ ارتكاب الشّبهات قد يوجب مصادفة المحرّمات الواقعيّة الّتى قد توجد فى ضمن المشتبهات لا دائما قوله كما يظهر من بعض ما فرّعوا عليه وهو الثواب والعقاب بل القول به اولى من القول به فى مقام وجوب الاحتياط لأنّ الأمر به ارشادى وفيه احتمال المفسدة بخلاف المقام بل هو الظاهر من مساق كلماتهم واستدلالاتهم مثل قوله عليه‌السلام انّ لله حجّتين حجّة فى الظّاهر وهى الأنبياء والرّسل وحجّة فى الباطن وهى العقل وقوله تعالى على ما نقله المعصوم عليه‌السلام بك اثيب وبك اعاقب وغيرهما فانّ المستفاد منها انّ المحرّم العقلى مثلا والمحرّم الشّرعى على السّواء فكما انّ مرتكب المحرّم الشّرعى مستحق للعقاب ويحتمل عدم فعليّته امّا من جهة العفو عن الله تعالى ابتداء او بعد شفاعة الشفعاء او من جهة غير ذلك كذلك المحرّم العقلى وصرّح بما ذكرنا المحقق القمّى ره حيث قال فى بعض الحواشى على القوانين انّ مقتضى ما تقدّم من الرّد ان يسلم عدم العقاب فعلا والمدّعى انّ العقل يحكم بالعقاب الّا مع غفران الله تعالى قوله وجاز التمسّك به هناك يعنى فى مقام نفى الملازمة قوله لا دلالة لها على المطلب فى المقامين امّا فى مقام اصل البراءة فلما ذكره المصنّف من انّ الآية واردة فى مقام نفى العذاب الدنيوى لا الاخروى وامّا فى مقام نفى الملازمة فلما ذكره ايضا من انّ نفى العذاب فعلا لا ينافى استحقاقه والمطلوب فى باب الملازمة هو ثبوت الاستحقاق فقط وقد عرفت ضعف كلا الوجهين فالانصاف دلالة الآية وامثالها على حجّية اصل البراءة وامّا فى مقام نفى الملازمة فالانصاف عدم دلالة الآية عليه كما ذكره لا لما ذكره لما ذكرنا مضافا الى انّ ما ذكره من ظهور الآية فى نفى العذاب الدنيوى ينافى تسليمه لدلالة الآية على نفى العذاب الاخروى

١٦

فعلا لا استحقاقا الّا ان يكون على سبيل التنزّل بل لما ذكره من كون بعث الرّسول كناية عن بيان التكليف او كون العموم مخصّصا بغير المستقلّات العقليّة قوله ومنها قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) الآية فى سورة البراءة قوله وفيه ما تقدّم فى الآية اه يعنى انّ الآية اخبار بعدم وقوع الخذلان الدنيوىّ من الله تعالى الّا بعد البيان ولا ربط له بتوقّف الخذلان الاخروى على البيان مع انّ دلالة هذه الآية اضعف من الآية السّابقة لأنّ مفادها توقّف العذاب على البيان ومفاد هذه الآية توقّف الخذلان على البيان وهو غير المدّعى الّا ان يقال بانّ توقّف الخذلان على البيان يستلزم توقّف العذاب الدنيوى على البيان بطريق اولى لأنّ العذاب اشدّ من الخذلان وبهذا التقرير يظهر لك عدم اضعفيّة الآية الثانية عن الاولى لكن يكون ضعف الدّلالة باقيا فيهما من جهة الاختصاص بالخذلان والعذاب الدنيوى هذا وبما ذكرنا فى الآية السّابقة يظهر لك دلالة هذه الآية ايضا على المطلوب اوّلا بانّ لفظ كان للاستمرار فيشمل الخذلان الاخروى ايضا ويتاتى فيه اولويّة توقّف العذاب الاخروى عليه وثانيا بانّه على تقدير ظهور الآية فى الخذلان الدّنيوى فقط يتم دلالتها على توقّف العذاب الاخروى على البيان ايضا بطريق اولى فتدبّر قوله وفى دلالتها تامّل ظاهر لاحتمال كون المراد بالبيّنة المعجزة الدالّة على صدق الرّسول ص وكون المراد بالهلاكة الكفر الّذى يوجب الهلاك الدّائم وكون المراد بالحياة الاسلام فتدبّر قوله طريق الرّد على اليهود كذا فى ما عندنا من نسخ الكتاب والصّواب ذكر المشركين واهل الجاهليّة وقد نصّ المفسّرون فيما عندنا من كتب التّفسير كتفسير الفخر الرّازى ومجمع البيان والبرهان على انّ هذه الآية ردّ عليهم حيث قالوا بتحريم بعض الأشياء مثل البحيرة (١) والحام والوصيلة وقالوا انّ ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورهم دون الاناث وان كانت ميتة فهم فيه شركاء وغير ذلك من عقايدهم الفاسدة ويدلّ على ذلك كون السّورة مكيّة واكثر آياتها حجاج على المشركين وعلى من كذّب بالبعث والنشور كما صرّح به فى مجمع البيان مع انّ سياق الآيات السّابقة ايضا يدلّ على ذلك حيث قال الله تعالى (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) الى قوله تعالى (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ)(٢)(وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً) الى قوله (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) الى غير ذلك من الآيات قوله فيما صدر من الله من الأحكام يعنى الأحكام الواقعيّة او الاعمّ منها ومن الظّاهريّة مع عدم

__________________

(١) والسّائبة

(٢) وانعام حرّمت ظهورها

١٧

عروض اختفاء شيء منها ومن المعلوم انّ عدم وجدان التّحريم ح مع شدّة الفحص والبحث يوجب العلم بعدمه مع انّه لو كان عدم الوجدان غير موجب للعلم وموجبا للاخذ بالعدم فى الصّورة المفروضة لا موجب للاخذ به فى مفروض بحثنا فى مورد اختفاء كثير من الأحكام قوله لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد اه فلعلّ الاخبارى لا يقول بالتزام الحكم بالحرمة بل بالتزام الترك فى مقام العمل لكن سيأتى فى مقام حكاية ما ذكره بعضهم من المذاهب الاربعة للاخباريّين القول بالاحتياط والقول بالتوقف والقول بالحرمة الظّاهريّة والقول بالحرمة الواقعيّة انّه لا يبعدان يكون تغايرها اعتباريّا وباعتبار تغاير العنوان فعليه يكون جميع الاخباريين قائلين بالحرمة امّا واقعيّة وامّا ظاهريّة قوله وهذه تدلّ على انّه لا يجوز الالتزام اه لا يخفى انّ التزام المشركين بترك الاكل انّما كان من جهة الالتزام بالتحريم فلا وجه لقوله قدّه وان لم يحكم بحرمته ويشير اليه قوله تعالى وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم قوله بسند صحيح فى الخصال كما عن التوحيد فى مرآة العقول روى الصّدوق بسند صحيح فى الخصال والتّوحيد عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص رفع عن امّتى تسعة اه وانّما خصّ الحكم بالصّحة بالخصال والتوحيد لأنّ الحديث المذكور منقول فى اصول الكافى بسند فيه رفع كما سيأتي فى كلام المصنّف ايضا قوله رفع آثارها او خصوص المؤاخذة لا يتوقّف تقريب الاستدلال على كون المراد رفع الآثار او خصوص المؤاخذة اذ يتم الاستدلال على تقدير كون المراد رفع الأثر المناسب فانّ الاثر المناسب المرفوع فيما لا يعلمون هو المؤاخذة وان امكن كونه غيرها فى غيره كلّا ام بعضا فكما انّه على تقدير خصوص المؤاخذة فى الجميع يتم المطلب كذلك على تقدير كون الاثر المناسب خصوص المؤاخذة فيما لا يعلمون ويرد على الاستدلال المزبور ايضا ان رفع المؤاخذة والعذاب فعلا لا ينافى الاستحقاق بل المناسب للامتنان والتفضّل كما هو مقتضى الاختصاص بالأمّة المرحومة هو كونهم مستحقين للعقاب والمؤاخذة عند المصادفة لكن الله تعالى دفعه عنهم لشرف النبىّ ص فيخرج الحديث عن الدلالة على حجّية اصل البراءة لأنّ مقتضاها عدم الحرمة فى مرحلة الظّاهر وعدم استحقاق العقاب اصلا ويردّه انّ الحديث المذكور يكون ح مساقا للجدل والرّد على الاخباريّين حيث التزموا بالعقاب امّا مطلقا او على تقدير المصادفة ولا يكون برهانا وظاهر الاستدلال هو الثّانى لا الأوّل قوله بانّ الظاهر من الموصول إلى قوله هو فعل المكلف اه يمكن ان يورد عليه بانّ الظّاهر وان كان هو فعل المكلّف بقرينة الاخوات

١٨

لكن لا مانع من الالتزام بالتّعميم فانّ شرب التتن وامثاله من الشبهات الحكميّة ايضا ممّا لا يعلمون فانّ تحريمه غير معلوم كما انّ شرب المائع المردّد ممّا لا يعلمون من جهة عدم العلم بكونه شرب خمر او خلّ والمستفاد من الرّواية رفع المؤاخذة عن كلّ فعل لا يعلمونه حكما او موضوعا ومن المعلوم انّ منشأ تطرّق المؤاخذة فى المائع المردّد هو احتمال حرمته لأحتمال كونه خمرا فالمرتفع اوّلا وبالذّات هو التحريم فى مرحلة الظّاهر فقط فيما لا يعلمون او فى مرحلة الواقع ايضا كما فى مورد التّكليف الشّاق والاضطرار وامثالهما فالالتزام بالتّعميم الموجب لتماميّة الاستدلال بالحديث ممّا لا ضير فيه كما قرّرنا وليس المراد التعميم حسب ما قرّره المصنّف قدس‌سره من كون المراد بما لا يعلمون هو الحكم فى الشبهات الحكميّة وفعل المكلّف فى الشبهات الموضوعيّة حتى يرد بما ذكره من انّه لا معنى للمؤاخذة على الحرمة المجهولة بل بالمعنى الّذى ذكرنا من كون المراد هو فعل المكلّف الاعمّ من مشتبه الحكم ومشتبه الموضوع ويؤيّد ما ذكرنا ما ذكره العلامة المجلسى فى مرآة العقول حيث قال بعد ذكر الحديث المرفوع الآتي المطابق لهذا الحديث ظاهره معذوريّة الجاهل مطلقا ويدلّ عليه فحاوى كثير من الآيات والاخبار ولا يبعد العمل به الّا فيما اخرجه الدليل ولكن اكثر الأصحاب اقتصروا فى العمل به على مواضع مخصوصة ذكروها فى كتب الفروع كالصّلاة مع نجاسة الثوب والبدن او موضع السّجود او فى الثوب والمكان المغصوبين او ترك الجهر والإخفات فى موضعهما اه قوله ولا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة لأنّ المؤاخذة انّما هى على فعل المكلّف والحرمة حكم شرعى صدر انشائه من الشارع ولا معنى للمؤاخذة على ما صدر من الشّارع قوله فلو جعل المقدر فى كلّ من هذه التّسعة اه مقصوده قدس سرّه ابداء الفرق بين كون المقدر المؤاخذة وبين كونه الأثر المناسب بانّه على التقدير الاوّل يكون مفاد الحديث عدم المؤاخذة على نفس الحكم الشّرعى ولا معنى له وعلى التقدير الثانى يكون مفاده رفع الاثر للحكم الغير المعلوم فيقال بانّ المؤاخذة كما تكون اثر الفعل الحرام كذلك تكون اثرا للحرمة ونهى الشّارع اذ لو لا النّهى لم يتحقق المؤاخذة كما انّه لو لا الارتكاب للمنهىّ عنه لم يتحقق المؤاخذة فتكون نتيجة رفع الاثر المناسب رفع المؤاخذة فيستقيم ح كون المراد ممّا لا يعلمون هو الحكم الشّرعى المشتبه لكن تقدير الاثر المناسب على النّهج المذكور خلاف الظاهر فانّ الظاهر عرفا تقدير المؤاخذة لا الأثر

١٩

المناسب وفيه اوّلا انّ ارتكاب الحرام سبب قريب او جزء اخير للعلّة التامّة بخلاف نهى الشّارع فانّه ليس كذلك والشّيء انّما يستند الى السّبب القريب او الجزء الاخير من العلّة التامّة لا الى غيره وثانيا انّ المراد بتقدير الأثر المناسب ليس تقدير لفظ الأثر كما يفهم من ملاحظة النظائر مثل قوله حرّمت عليكم امّهاتكم اه وانّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير حيث انّ الأثر المناسب فى الاوّل الوطى وفى الميتة الاكل وفى الدّم الشّرب او الاكل وغير ذلك فيكون المقدر فيها احد المذكورات لا الاثر فيكون المراد من تقدير الاثر المناسب بالنّسبة الى الخطاء والنسيان وما لا يعلمون وجملة ممّا ذكر فى الحديث المؤاخذة وفى بعضها كالطّيرة التاثير وفى بعضها غير ذلك فيعود المحذور من انّه لا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة ولعلّ ذلك ظاهر قوله باعتبار دلالة الاقتضاء والمدلول بدلالة الاقتضاء هو ان يكون صدق الكلام او صحّته عقلا او شرعا او عرفا موقوفا عليه قوله وهو الاقرب اعتبارا اى بحسب الاعتبار العقلى لانّ نفى جميع الآثار اقرب الى نفى الحقيقة من نفى الاثر المناسب ومن تقدير المؤاخذة فى الكلّ قوله والظاهر ان يقدر المؤاخذة فى الكلّ سيأتي فى مقام نقل بعض الرّوايات ان رفع الخطاء والنّسيان والإكراه وما لا يطاق هى الّتى استوهبها النّبى ص من الله تعالى وحكى الله ذلك فى القرآن بقوله (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) اه فيكون التعبير بقوله لا تؤاخذنا ممّا يمكن ان يكون قرينته على انّ المقدّر فى حديث الرّفع هو المؤاخذة لكن بالنّسبة الى الخطاء والنّسيان وامّا بالنّسبة الى الى التكاليف الشاقّة وما لا يطاق فالمستفاد من الآية حيث قال ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به كون السّؤال عن رفع التكليف الواقعى والمستفاد من الرّواية اجابة الله تعالى للرّسول ص فى ذلك كلّه فالحكم بلزوم تقدير المؤاخذة فى الكلّ غير واضح قوله فعن المحاسن عن ابيه اه فى الوسائل هكذا فى المحاسن عن ابيه عن صفوان بن يحيى واحمد بن محمّد بن ابى نصر جميعا عن ابى الحسن عليه‌السلام قوله فتامّل وجه التامّل ان ما ذكر تفكيك ركيك فى الرّواية لا يسوغ ارتكابه الّا ان يقال ان النّبوى المحكى فى كلام الإمام غير ما نحن فيه قوله اشكل الامر فى كثير من هذه الامور كما فى الاضطرار والإكراه والخطاء والنسيان وغيرها قوله وما اضطروا اليه ذكر الاضطرار لا يناسب المقام اذ ليس ممّا استوهبها النبىّ ص ولذا ضرب فى بعض النّسخ وهو

٢٠