إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

لأنّ العمدة فى دليل البراءة الإجماع والعقل الإجماع والعقل ليسا مختصّين بصورة عدم الظنّ بالتّكليف كما سيأتى وكذلك الأخبار مثل قوله ع كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام فما ذكره قدّس سره انّما هو من باب المماشاة والتنزل قوله فحكم الشارع ليس مخالفا للعقل لما ذكرنا سابقا انّ العقل انّما يثبت وجوب دفع الضّرر الغير المتدارك فلا بدّ من كون الضّرر غير متدارك حتّى يحكم العقل بوجوب دفعه ومع الالتزام بالتدارك ينتفى موضوع حكمه ولا يخفى انّ التدارك لا يلزم ان يكون فى مورد الظنّ بالضّرر بل يجوز ان يكون فى نوع التّكليف كالتّسهيل على المكلّفين مثلا فيجوز أن يكون العمل بالبراءة والاستصحاب العدمىّ فى مورد الظنّ بالتّكليف لأجل ان لا يقع المكلّفين فى العسر والحرج وقد اشرنا الى ذلك سابقا قوله فى الحاشية فاذا فرضنا انّ الإضرار الواقعى اه يعنى شرعا لا عقلا فانّه تابع للموضوع الوجدانى لا النّفس الأمرى وعلى هذا يكون المراد بقوله او بظنّ معتبر ما ثبت اعتباره من الشّرع لا من العقل وسنشير اليه والى وجهه عن قريب قوله فاثباتها به دور ظاهر لأنّ حجّية الظنّ وطريقيّته واعتباره موقوف على وجوب دفع الضّرر المظنون اذ الفرض عدم وجود دليل آخر يدل على حجّيته غير حكم العقل المسطور وهو موقوف ايضا على حجّيته واثبات طريقيّته وهو دور ظاهر وهو الّذى قال فى السّابق ولا يمكن اثبات الصّغرى بالكبرى هذا مع عدم امكان اثبات حجّية الظنّ وطريقيّته من الدّليل العقلى المذكور من جهة اخرى ايضا وهى انّ الظنّ بالضّرر او العنوان الأعمّ الصّادق عليه جزء للموضوع او تمام الموضوع فى حكم العقل لما ذكرنا من انّه تابع للموضوع الوجدانى لا النّفس الامرى فكيف يمكن اثبات طريقيّة للموضوع الواقعىّ بحكم العقل فتبصّر قوله فيرجع الى دليل الانسداد يعنى دليل الانسداد الجارى فى الأحكام وح لا حاجة الى التمسّك بوجوب دفع الضّرر المحتمل والمظنون بل ولا حاجة الى اجراء شبه دليل الانسداد فى الضّرر لأنّه يكون المناط هو الظنّ بالحكم سواء حصل منه الظنّ بالضّرر او احتماله ام لا وسواء قلنا بوجوب دفع الضّرر المظنون مطلقا او فى الجملة ام لا قوله فتامّل وجه التامّل انّ الفرق بين الظنّ بالحكم المتولّد من الظنّ بالضّرر والظنّ بالحكم المتولّد منه الظنّ بالضّرر غير جيد لأنّ المناط فى حكم العقل ان كان هو وجوب دفع الضّرر المظنون مطلقا فاينما حصل يجب دفعه سواء حصل ابتداء او من الظن بالحكم وان كان هو دفع مرتبة من الضّرر المظنون كالضّرر المهلك فلا بدّ من الحكم بوجوب دفعه

٤٤١

اينما حصل سواء فيه الأمران المذكوران فالحكم بوجوب دفع الضّرر المظنون الحاصل من الامارات الخارجيّة فى الشبهات الموضوعيّة دون الحاصل من الأمارات فى الشّبهة الحكميّة ليس بشيء قوله فى الحاشية امّا بالوجدان لأنّا نرى بالوجدان انّ احوال العصاة والفسّاق والكفّار احسن من احوال المسلمين والمؤمنين خصوصا فى زماننا هذا لما نرى من غلبة الكفّار على المسلمين وانّهم احسن حالا ثروة وعزّة وانّهم ممتازون ومتفرّدون بالصّنائع العجيبة والأعمال الغريبة وقد ملكوا البلاد من اجلها وقد اشار اليه الله تعالى فى الكتاب العزيز حيث قال عزّ من قائل (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) اه وفيه انّ المحسوس بالوجدان خلاف ما ذكره اذ المفاسد والمصالح لا تنحصر فى العزّة والذلّة والفقر والغنى وامثالها ونحن نرى انّه يترتّب على شرب الخمر القساوة القلبيّة والإسكار وتخمير العقل الّذى هو من اعظم المفاسد الّذى يترتب عليه المفاسد العظيمة من السبّ والشّتم والقتل والجرح وتخويف المسلمين وغير ذلك وكذلك المفاسد الّتى تترتّب على البهتان والنّميمة والغيبة والزّنا واللّواط معلومة لكلّ احد ويدلّ على ذلك ايضا انّ الأحكام على مذهب العدليّة معلولة للمصالح والمفاسد النّفس الأمريّة فلو ثبت هناك وجوب وحرمة بدون ان يترتب عليهما المصلحة او المفسدة لزم ثبوت المعلول بدون العلّة التامّة وهو محال قوله فى الحاشية وامّا لأحتمال كون المصالح والمفاسد اه العبارة تحتمل معنيين الاوّل احتمال كون المصلحة والمفسدة فى الفعل لا مطلقا بل اذا حصلت المخالفة عصيانا ولا يحصل العصيان الّا اذا كان الظنّ حجّة والفرض عدم دليل على حجّيته فى الخارج واثبات حجّيته بوجوب الدّفع دور ظاهر وهذا المعنى هو الظّاهر من العبارة والثانى احتمال كون المصلحة فى التكليف لا فى المكلّف به فالظنّ بالوجوب والحرمة انّما يكون ظنّا بالمصلحة والمفسدة اذا كانا فى الفعل لا فى التكليف وهذا المعنى قد ذكره شيخنا المحقّق قدّس سره فى مجلس البحث وذكر المعنى الاوّل الّذى ذكرنا انّه ظاهر العبارة فى الحاشية ويرد على المعنى الاوّل انّ الاحتمال المذكور ممّا لا مساغ له لما نرى من ثبوت الوجوب والحرمة فى الواقع مع عدم تنجّزه كما فى صورة القطع او الظنّ المعتبر او الاصول المعتبرة على خلافهما وكما فى صورة الجهل عن قصور فلو كانت المصلحة والمفسدة مترتبتان على المخالفة عصيانا لزم ثبوت المعلول بدون العلّة

٤٤٢

التامّة وهو محال فان قلت ان فعل الواجب علّة لاستحقاق الثواب وتركه لاستحقاق العقاب والحرام بالعكس ولا شكّ فى انّه فى مثل الصّور المذكورة الّتى ثبت فيها الوجوب والحرمة فى الواقع مع عدم تنجّزهما يلزم ما ذكر من تخلّف المعلول عن العلّة التامّة وهو الخلف المحال قلت الوجوب والحرمة ليسا علّتين لاستحقاق الثواب او العقاب مطلقا بل فى الجملة واذا كانا منجّزين ومن هذا علم انّ اخذ استحقاق الثواب او العقاب فى تعريف الواجب او الحرام ليس على ما ينبغى ثم على تقدير ثبوت الاحتمال المذكور فلا ريب انّه مرجوح واحتمال كون المصلحة والمفسدة فى الفعل مطلقا راجح ويكون الظنّ بالوجوب او التّحريم ظنّا بترتّب المصلحة او المفسدة فيتم الدليل المذكور هذا ويرد على المعنى الثّانى انّ احتمال كون المصلحة فى التكليف لا فى المكلّف به وان كان متطرّقا لكن الاحتمال المذكور فى غاية المرجوحيّة فمع عدم الدّليل عليه من الخارج لا يحسن الرّكون اليه وترتيب آثاره قال فى القوانين فى باب الامر وبما ذكرنا يعلم الجواب عمّا يقال فى هذا المقام ايضا بانّه لو جاز الامر لمجرّد مصلحة فى نفس الامر ممّا ذكر لما دلّ الامر على وجوب المقدّمة ولا النّهى عن ضدّه ولا على كون المأمور به حسنا لانّ الدّلالة على المذكورات انّما هى من خواصّ الصيغة فلا يخرج عنها الّا بالقرينة على المجاز ومجرّد الاستعمال لا يوجب الحقيقة حتّى يحصل الاشتراك الموجب للإجمال المانع عن الدّلالة اه وح فيتم الدّليل المذكور ايضا قوله فى الحاشية ولا يلزم من ذلك عدم حسن الاحتياط اه دفع لتوهّم عدم حسن الاحتياط على الاحتمال المذكور وجه التوهّم انّه على الاحتمال الأوّل لا يحسن الاحتياط لأنّ حسنه موقوف على كون المفسدة مترتبة على مخالفة الواجب والحرام مطلقا لا بعنوان العصيان فقط وعلى الاحتمال الثّانى فى العبارة ايضا لا يحسن الاحتياط لأنّ حسنه موقوف على كون المصلحة والمفسدة فى الفعل المكلّف به لا فى التّكليف لانّ الاحتياط مطلوب لأجل احراز الواقع فاذا لم يكن الفعل مطلوبا فى الواقع وحسنا فيه فكيف يكون الاحتياط لاحرازه حسنا ومطلوبا ووجه دفع التوهّم المذكور انّ حسن الاحتياط على الاحتمال الاوّل لأجل احتمال كون المصلحة والمفسدة فى ذات الفعل مطلقا لا بعنوان الإطاعة والمعصية اذ احتمال كون المصلحة والمفسدة فى الفعل بعنوان الإطاعة والمعصية ملازم لأحتمال كونهما فى الفعل مطلقا وحسن الاحتياط لأجل مراعاة هذا دون ذاك وعلى الاحتمال الثانى يكون حسن الاحتياط لأجل احتمال كون المصلحة فى المكلّف به لا

٤٤٣

فى التّكليف بمثل البيان المذكور هذا مع امكان ان يقال بانّ التوهّم مندفع من اصله لأنّه اذا كانت المفسدة مترتّبة على المخالفة عصيانا فلا بدّ ان تكون المصلحة مترتبة على الموافقة بعنوان الإطاعة فكما يتحقّق العنوان المذكور فى صورة العلم بالأمر بامتثاله التحقيقى كذلك يتحقق فى صورة احتماله بامتثاله الحكمى ولا ريب انّ الاحتياط انقياد حكمىّ واطاعة كذلك فلا بدّ ان يكون محقّقا لموضوع المصلحة على تقدير وجود الأمر فى الواقع هذا على التقدير الأوّل وامّا على التقدير الثّانى فلانّ الشّخص اذا كان فى مقام الانقياد والإطاعة الحقيقيّة يكون محرزا لمصلحة التكليف وكذلك اذا كان فى مقام الانقياد الحكمىّ واتيان الفعل بعنوان الاحتياط كما يظهر ذلك من ملاحظة الاوامر الامتحانية الّتى هى من قبيل ذلك والله العالم قوله وجوب العمل بالظنّ اذا طابق الاحتياط مفاد الدّليل المذكور كما ترى حصول الظنّ بالوجوب والتّحريم والعمل بالظنّ بالفعل فى الاوّل والتّرك فى الثّانى مطابق للاحتياط وامّا اذا قام ظنّ بالإباحة او الكراهة او الاستصحاب مع احتمال الوجوب والحرمة فلا شكّ انّ العمل بالظنّ ليس مطابقا للاحتياط وكذلك اذا قام على عدم جزئيّة شيء او عدم شرطيّته مع احتمال احدهما فلا شكّ انّ العمل بالظنّ فيهما ليس مطابقا للاحتياط وكذلك اذا قام على تعيين شيء فى المتباينين كالواجب المردّد بين شيئين او الحرام المردّد كذلك فلا ريب انّ الاحتياط ليس فى البناء على التّعيين بل الاحتياط فى الجمع بينهما فعلا فى الأوّل وتركا فى الثانى ودعوى الإجماع المركّب وعدم القول بالفصل كما ترى اذ الدّليل المثبت للعمل بالظنّ وهو احراز الواقع به فيما اذا طابق هو الّذى ينفى العمل به فيما اذا خالف قوله ويمكن ان يردّ ايضا اه يعنى انّ مفاد الدّليل المذكور على تقدير تماميته هو اثبات اصل من الاصول العمليّة وهو قاعدة الاحتياط ومن المعلوم انّ الاصول العمليّة لا تعارض الدّليل الاجتهاديّ ولا تكون حجّة فى مقابلة فلا يمكن الأخذ به فى مقابل العمومات الدالّة على الحكم الغير الضّرورى كقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ* وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الّا ان يكون ميتة وغير ذلك ومن المعلوم انّه مع عدم نهوضه فى مقابل امثال هذه العمومات يكون قليل الفائدة او عديمها او انّه خلاف المدّعى لانّ مدّعى المستدلّ اثبات حجّية الظنّ به بحيث يكون مقدّما على مثل العمومات

٤٤٤

المزبورة هذا ولكن الإيراد المذكور على الدّليل لا يتوقّف على كون مدلوله اصلا عمليّا اذ لو كان مدلوله هو حجّية الظنّ ايضا لا ينتفع به فى مقابل العمومات المزبورة اذ مفاده على التقدير المزبور هو حجّية الظنّ المطلق ومن المعلوم انّ الظنّ المطلق ليس حجّة فى مقابل الظنّ الخاصّ الّا ان يقال بانّ الظنّ المطلق الّذى يكون كذلك ما يستفاد من دليل الانسداد بخصوصه وانّ ما يستفاد من مثل الدّليل المذكور وان كانت النتيجة هى حجّية وصف الظنّ لا سبب الظنّ ليس ظنّا مطلقا فى طول الظنّ الخاصّ كما قد يتوهّم من كلماته فى باب حجّية ظواهر الألفاظ وغيره وهو بعيد غايته قوله وقد يشكل اه غرضه من ذلك انّ هذا الردّ مع الإغماض عن الجواب السّابق الّذى ذكره بقوله فالاولى ان يقال انّ الضّرر اه الرّاجع الى المنع الصّغروىّ بان يقال انّه مع تسليم الصّغرى والكبرى لا ينتج هذا الدّليل الّا وجوب العمل بالظنّ احتياطا ولا يثبت حجّيته ووجوب العمل به بحيث يكون مقدّما على العمومات الاجتهادية فتحصل المعارضة بدوا بين هذه العمومات وبين قاعدة الاحتياط المزبورة فعلى تقدير تقدّم العمومات على القاعدة من جهة كونها مثبتة للتدارك مع انّ موضوع حكم العقل هو الضّرر الغير المتدارك يمكن القول بذلك فى معارضة الاستصحاب النافى واصل البراءة مع القاعدة بان يقال انّهما ايضا مقدّمان على القاعدة لا من جهة انّهما اجتهاديّان والقاعدة اصل عملى بل من جهة اثبات التدارك بهما مع انّ موضوع القاعدة هو الضّرر الغير المتدارك فيرجع هذا الجواب ايضا الى منع الصّغرى مع انّه مبنىّ على تقدير تماميّة الدّليل وعدم المنع الصّغروى وفرض تقدم القاعدة على البراءة والاستصحاب النّافى قوله فتامّل وجه التأمّل ان مبنى هذا الردّ ليس على اثبات التّدارك بالعمومات الاجتهاديّة حتّى يرجع الى المنع الصغروىّ بل على انّ الدّليل الاجتهادي مقدّم على الاصل العملى وتسليم تماميّة القاعدة وتقدمها على اصل البراءة والاستصحاب النّافى لا ينافى تأخّرها عن العمومات المزبورة لكونها دليلا اجتهاديّا مقدّما على الاصل العملى وبعبارة اخرى نتيجة تسليم تماميّة الدّليل عدم ورود اصل البراءة والاستصحاب على القاعدة بل ورودها عليهما وهذا لا ينافى عدم تقدم القاعدة على العمومات بل تقدّمها عليها والايراد مبنىّ على هذا لا ذاك ولا ينافى تسليم ذاك عدم تسليم هذا وهذا ملخّص ما ذكره شيخنا ره فى الحاشية فتدبّر الوجه الثانى : الاستدلال بقبح ترجيح المرجوح والمناقشات الوجه الثانى : الاستدلال بقبح ترجيح المرجوح والمناقشات فيه فيه قوله الثّانى انّه لو لم يؤخذ بالظنّ لزم ترجيح المرجوح اه

٤٤٥

قول المستدلّ لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح يحتمل فى بادى النظر وجوها الأوّل ان يكون المراد به القول والفتوى بالموهوم دون المظنون والثّانى ان يكون المراد به العمل بمقتضى الموهوم بانيا على انّه حكم الله تعالى والثالث العمل به لا على انّه حكم الله بل من حيث انّه موهوم من جهة الدّواعى الخارجيّة والرّابع العمل به لا من جهة انّه حكم الله ولا من جهة انّه موهوم بل لرجاء ادراك الواقع به وبعبارة اخرى العمل به بعنوان الاحتياط وكلّ واحد منها يحتمل ان يكون فى زمان الانفتاح ويحتمل ان يكون فى زمان الانسداد وكذا الكلام فى ترجيح الراجح على المرجوح فانّه ايضا يحتمل الاحتمالات المذكورة وينبغى القطع بعدم ارادة المعنى الرّابع اذ ليس عملا بالموهوم حقيقة بل هو عمل بالاحتياط مضافا الى انّه لا معنى للحكم بقبحه بالمعنى المزبور ومع انّ المستدلّ به انّما رام اثبات حجّية الظنّ به لا الأخذ به بعنوان الاحتياط بل الظّاهر عدم ارادة المعنى الثّالث ايضا لما ذكرناه عن قريب فتعيّن ارادة احد المعنيين الاوّلين كما انّه ينبغى القطع بعدم ارادة زمان الانفتاح ولا الأعمّ منه اذ فى صورة الانفتاح يتعيّن تحصيل العلم ولا يؤخذ بالظنّ ولا الوهم فلا يتمّ ما ذكره المستدلّ من انّه لو لم يؤخذ بالظنّ لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح ولذا ذكر المصنّف قدس‌سره فى جوابه الحلّى انه راجع الى دليل الانسداد الآتي وقد ذكر فى القوانين احتمالين من الاحتمالات الأربعة المذكورة قال بعد نقل الاستدلال المذكور عن العلّامة وغيره وتوضيحه انّ لفظ الترجيح بمعنى الاختيار والمرجوح عبارة عن القول بانّ الموهوم حكم الله او العمل بمقتضاه والراجح عبارة عن القول بان المظنون حكم الله تعالى او العمل بمقتضاه ومبدا الاشتقاق فى لفظ الرّاجح والمرجوح هو الرّجحان بمعنى استحقاق فاعله المدح او الذمّ لا بمعنى كون الشّيء ذا المصلحة الداعية الى الفعل كما هو المصطلح فى لفظ المرجّح والمرجوح فى تركيب الترجيح بلا مرجّح وترجيح المرجوح المصطلحين عند نزاعهم فى انّ الترجيح بلا مرجّح محال وخلافه وكذا ترجيح المرجوح وبالجملة المراد انّ الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل والفتوى والعمل بالرّاجح حسن ووجهه انّ الأوّل يشبه الكذب بل هو هو بخلاف الثّانى ولا يجوز ترك الحسن واختيار القبيح انتهى والظّاهر انّ المراد بالعمل على مقتضاه هو ما ذكرناه فى الاحتمال الثّانى لا الثالث وانّما لم يذكر ساير الاحتمالات لما ذكرنا من عدم كونه مراد المستدلّ وقد تسامح قدّس سره فى جعل المرجوح هو القول بانّه حكم الله او العمل بمقتضاه وكذلك فى طرف الرّاجح وانّما هو معنى اختيار الرّاجح او المرجوح

٤٤٦

لا معنى الرّاجح والمرجوح فقط ويرد عليه ان جعل الرّجحان الّذى هو مبدا اشتقاق الرّاجح والمرجوح بمعنى استحقاق فاعله المدح او الذمّ خلاف المعروف من معناه فلا وجه لحمله عليه مع انّه لا داعى الى الحمل عليه ولو فرض كونه من معانيها لانّ الأخذ بالموهوم مرجوح بالمعنى المعروف بالوجدان كما انّ الأخذ بالمظنون راجح بالمعنى المعروف بالوجدان فالحمل عليه مع عدم اقتضاء الضّرورة ايّاه تكلّف مستغنى عنه مع انّ المستدلّ قد ذكر انّه لو لم يؤخذ بالظنّ لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح وهو قبيح ومعنى القبيح هو ما يستحقّ فاعله الذمّ فلو كان معنى ترجيح المرجوح على الرّاجح هو فعل ما يستحقّ فاعله الذمّ لكان معنى العبارة انّ الأخذ بالموهوم فعل ما يستحق فاعله الذمّ وهو قبيح يستحقّ فاعله الذمّ وهذا ممّا لا يمكن التفوّه به هذا مضافا الى انّ ما ذكره فى معنى الرّجحان الّذى هو مبدا الاشتقاق مناف لما ذكره فى معنى الرّاجح والمرجوح من انّهما القول بانّ المظنون حكم الله او العمل بمقتضاه والقول بانّ الموهوم حكم الله او العمل بمقتضاه هذا مع انّ فى عبارته اعنى قوله وبالجملة المراد ان الفتوى والعمل اه تسامحا ايضا وحقّى العبارة ان يقال انّ الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل والفتوى والعمل بالمظنون راجح عند العقل لأنّه فى صدد جعل المرجوح والرّاجح بمعنى ما يستحقّ فاعله المدح او الذمّ وان كان الامر فى هذا سهلا لوضوح المراد كوضوح انّ مراده بقوله كون الشّيء ذا مصلحة داعية الى الفعل انّما هو من باب المثال والمراد كون الشّيء ذا مصلحة داعية الى الفعل او التّرك اذ ترجيح احد المتساويين بالإيجاد او الأعدام مع عدم مرجّح وداع اليه محال عند المحقّقين لا الاوّل فقط والنزاع الّذى اشار اليه هو النّزاع المعروف الّذى بين الاشاعرة والحكماء والمعتزلة فانّ الاشاعرة قالوا بالإرادة الجزافية وجواز تعلّق الإرادة باحد الطّرفين المتساويين بدون مرجّح خارجىّ وداع اليه قالوا وترجح احد المتساويين بدون مرجّح ـ محال والّا لانسدّ باب اثبات الصّانع وامّا ترجيح احد المتساويين بدون داع ومرجّح اليه فهو جائز وتمسّكوا فى هذا التّجويز بقدحى العطشان ورغيفى الجائع وطريقى الهارب من السّبع مع المساوات من جميع الجهات الّتى يتصوّر الترجيح بها والحكماء والمعتزلة قالوا بان ترجيح احد المتساويين بلا مرجّح وداع اليه محال واجابوا عن الامثلة المذكورة بانه لا بد هناك من مرجّح ككون احدهما طرف اليمين والتناول باليمين اسهل وغير ذلك

٤٤٧

من المرجّحات وعلى تقدير عدم مثل المرجّحات المذكورة فلا بدّ من الالتزام بوجود مرجّح سماوىّ من جهة حركة الفلك او غيرها وامّا انّ الإرادة مرجّحة على مذهب الاشاعرة دون غيرهم فهو كلام آخر والغرض انّ النزاع بينهم بالمعنى المذكور كبروىّ وقد نسب الحكماء فى كتبهم جواز ترجيح احد المتساويين بلا مرجّح الى الاشاعرة بل نسب القوشجى فى شرح التجريد مع انّه من الاشعريّين جواز ذلك اليهم فما اورده على القوانين بعض محشّيها بانّ التّرجيح بلا مرجّح محال عند الجميع حتّى الاشاعرة وانّما النّزاع فى انّ الإرادة هل تصلح لكونها مرجّحة فالنّزاع صغروىّ غير وارد وقد اورد عليه بايرادات أخر بعضها غير وارد من ارادها فليراجع الفصول وغيره قوله قدس‌سره وربما يجاب عنه بمنع قبح ترجيح المرجوح اه هذا الجواب ذكره شيخ المحقّقين فى حاشيته على المعالم قال والجواب عنه المنع من بطلان التالى ودعوى البداهة فيه ممنوعة اذ قد يؤخذ فيه بالاحتياط وهو مع كونه عملا بخلاف المظنون حسن عند العقل قطعا فليس مجرّد العمل بخلاف المظنون مرجوحا عند العقل وقد يؤخذ فيه بالاصل نظرا الى توقف تعلّق التكليف فى نظر العقل بالاعلام للمكلّف وحيث لا علم فلا تكليف اه وفيه انّ الجواب المذكور انّما يتمشّى لو كان مراد المستدلّ من ترجيح المرجوح هو المعنى الرّابع او الأعمّ منه وقد ذكرنا عدم كونه مراد المستدلّ قطعا وعليه فلا يتوجّه الجواب المذكور اصلا ولذا اورد عليه المصنّف انّ المرجوح المطابق للاحتياط ليس العمل به ترجيحا للمرجوح الى آخر ما افاده فالاولى ان يجاب بمنع الملازمة فانّ عدم الأخذ بالظنّ بمعنى الفتوى على طبقه او العمل عليه بانيا على انّه حكم الله لا يستلزم الأخذ بالوهم باحد المعنيين المذكورين حتّى يلزم ترجيح المرجوح على الرّاجح اذ قد يؤخذ بالوهم من اجل مطابقته للاحتياط والأخذ به على النّحو المزبور ليس عملا به حقيقة حتّى يكون ترجيحا بلا مرجّح فالاستدلال المذكور انّما يصحّ على تقدير انسداد باب العلم وعدم امكان الاحتياط او عدم وجوبه وعدم جواز الرّجوع الى الاصول وهو ما ذكره المصنّف ره فى جوابه الحلّى الّذى سيأتى عن قريب قوله وفيه ان التوقّف عن ترجيح اه اذ ترجيح الرّاجح على المرجوح راجح وترك الترجيح المذكور مرجوح فالتوقّف عن ترجيح الرّاجح على المرجوح اللّازم للتّرك ترجيح المرجوح على الرّاجح وهو قبيح لكن هذا انّما يتأتّى فيما اذا كان الغرض متعلّقا بالواقع ولم يمكن الاحتياط كما اذا دار الأمر بين المحذورين او لم يجب ولذا ذكر فى تأييد

٤٤٨

هذا الردّ للجواب المذكور قوله قدس‌سره فتأمّل جدّا وذكر فى الحاشية انّ وجه التأمّل انّ مراد المستدلّ من الرّاجح والمرجوح ما هو الاقرب الى الغرض والا بعد عنه فى النّظر ولا شكّ فى وجوب التّرجيح بمعنى العمل بالاقرب وقبح تركه مطلقا فلا فرض لعدم وجوب التّرجيح يردّ به هذا الدّليل فلا فائدة فى الردّ انتهى والدليل على ما ذكرنا تعقيب قوله قدس‌سره فتامّل بقوله جدّا ومنه يظهر عدم ورود ما ذكره شيخنا المحقّق قدس‌سره فى الحاشية عليه من انّه ليس هنا مقام الامر بالتأمّل قوله فالاولى فى الجواب اوّلا بالنّقض هذا النقض قد اورده شيخ المحقّقين فى الحاشية وغيره وهو من جهة ان الحكم العقلى غير قابل للتّخصيص لكن سيجيء فى مقام ذكر دليل الانسداد والنقض عليه بالقياس واشباهه التفصّى عنه بوجوه سبعة بعضها تامّ عند المصنّف ره فيمكن التفصّى عن هذا بها ايضا ومن جملتها انّ العمل بالرّاجح لازم لكونه اقرب الى الواقع من الوهم وقد استفدنا من اخبار مخالفة القياس واشباهه انّ العمل به موجب لتفويت الواقع كثيرا وانّه يوجب محق الدّين فانتظر الوجه الثالث : ما حكى عن صاحب الرياض (قده) والمناقشة الوجه الثالث : ما حكى عن صاحب الرياض (قده) والمناقشة فيه فيه قوله باطل اجماعا يمكن ان يريد المستدلّ بالإجماع المذكور اتّفاق العقلاء لا الإجماع الاصطلاحى حتّى يقال انّ التمسّك بالإجماع يخرج الدّليل عن الدّليل العقلى مع بشاعة ادّعائه فى مثل هذه المسائل المستحدثة قوله فى غاية الضّعف والسّقوط لأنّا اذا قلنا بحجّية الظنّ وكونه طريقا الى الواقع يتعيّن العمل به ولا مساغ للاحتياط الواجب على التقدير المزبور كيف وحجّية الظنّ مبنيّة على ابطال الرّجوع اليه وامّا اذا لم يكن النتيجة ذلك بل العمل بالاحتياط كما هو مفاد الدليل المزبور فينبغى العمل عليه مطلقا الّا اذا كانت هناك ضرورة تدعو الى خلافه ومانع خارجىّ يجرّنا الى غيره ومن المعلوم انّ الضّرورات تتقدر بقدرها فاذا فرض انّ الدّاعى الى رفع اليد عن الاحتياط هو العسر والحرج فلا بدّ ان يكون رفع اليد عنه فى مورد يحصل الحرج بالعمل به دون غيره والفرض عدم الحرج بالعمل بالاحتياط فى المظنونات والمشكوكات فقط على انّ ادّعاء الإجماع البسيط او المركّب فى مثل هذه المسائل البرهانية العقليّة خصوصا مع كونها مستحدثة لا يخلو عن بشاعة كما اشرنا اليه عن قريب الوجه الرابع : دليل الانسداد وهو مركب من مقدمات : قوله او بالظنّ الخاصّ القائم مقام العلم اه او بالحجّة الشرعيّة وان لم تكن من باب الأوّل او الثّانى فاللّازم ذكره ولا وجه لتركه ولا فرق فى الظنّ الخاصّ المذكور بين كونه حجّة فى زمان الانفتاح والانسداد معا او فى زمان الانفتاح فقط فى الجملة او فى زمان الانسداد فقط فالاول كظواهر الكتاب والسنّة

٤٤٩

على مذهب المشهور والثانى كظواهرهما على مذهب المحقق القمّى ره على ما سلف من كونها حجّة للحاضرين المشافهين بالخطاب والثالث مثل ما اذا قام دليل خاصّ على حجّية خبر الواحد فى زمان الانسداد بخصوصه كما سيأتى احتماله فى مقام بيان كلام بعض معاصريه وردّه فانتظر قوله بمن لا حكم له اصلا حتّى انشاء الترخيص والإباحة كالأطفال والبهائم فانّه لم ينشأ لهما حكم اصلا قوله مع قطع النظر عن ملاحظتها اه اذ لو لوحظت المسألة منضمة الى غيرها لكان المتعيّن الرّجوع الى اصل الاشتغال الموجب للاحتياط لمكان العلم الإجمالي قوله او يعتمد على ما يحتمل كونه طريقا اه كالقرعة ونحوها قوله فيحصل من جميع تلك اه قد الحق هذا بنسخة الاصل وضرب قوله سابقا تعيّن بحكم العقل المستقل الرّجوع الى الامتثال الظنّى لئلّا تكون النتيجة عين المقدّمة الرّاجحة المقدمة الاولى : انسداد باب العلم والظن الخاص قوله فهى مبنيّة على ان لا يثبت اه قد ذكرنا فى باب نقل الأخبار لحجّية خبر الواحد انّ الأخبار تثبت مرتبة من خبر الواحد وهى الّتى تشترك فيها الاخبار الدالّة عليها ثم يمكن اثبات مرتبة سفلى منها من المرتبة المذكورة ومنها الى مرتبة اخرى وهكذا ومنه يظهر وضوح وفاء خبر الواحد مع ساير الظّنون الخاصّة والأدلّة العلميّة لاثبات معظم الأحكام بحيث لا يلزم محذور فى الرّجوع الى الاصول فى مقام فقدها ونقل عن المصنّف ره انّه يقول انّ الخبر المفيد للوثوق والاطمينان بصدوره الّذى ثبت حجّيته بالأخبار عنده واف بضميمة ما ذكر لبيان معظم الأحكام بل القائلون بالظّنون الخاصّة مطلقا يدّعون وفاء ما اختاروا بمعظم الأحكام مع اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ومنهم الشّهيد الثانى فانّه مع القول بحجّية خبر الواحد المصحّح بعدلين فقط من بين الاخبار وحصره الحجّة من بينها فيه يدّعى وفائه بمعظمها ويرجع فى مقام فقده الى الأصول والقواعد المستفادة من العقل والنّقل فلاحظ المسالك وساير كتبه تغمّده الله برحمته قوله غير انسداد باب العلم اه المراد به الاعمّ من العلم والظنّ الخاصّ لأنّ صاحب المعالم قد ذكر لزوم انسداد باب الظنّ الخاصّ ايضا حيث ذكر فى الدّليل المذكور سلّمنا لكنّه ظنّ مخصوص لا يعدل عنه الى غيره الّا بدليل ويفهم منه ما ذكرنا قوله وزاد عليه بعض من تأخّر احتمالات أخر الاحتمالات المتصوّرة كثيرة التقليد والرّجوع فى كلّ مسئلة الى ما يقتضيه الأصل فيها والتّخيير بين العمل بالمظنون والعمل بالموهوم والتخيير بين العمل بالاحتياط والعمل بالظنّ والتبعيض بين الأشخاص بمعنى انّ من لا مدخليّة له فى نظام العالم فعليه بالاحتياط ومن له مدخليّة فيه

٤٥٠

فلا والتّخيير بين العمل بالاحتياط وغيره من البراءة والظنّ والوهم والتّبعيض وقد ابطلها كلّها فى الضّوابط لكن سيجيء من المصنّف ره امكان التبعيض فى حجّية الظنّ او العمل به وان لم يحكم ـ بالحجّية فانتظر المقدمة الثانية : عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة قوله لامتثال الأحكام المجهولة بوجه ما يعنى ولو بالإطاعة الاحتماليّة قوله وادّعى فى المختلف اه قال قدس‌سره فيه فى ردّ ابن ادريس ثم دعواه انّ البراءة انّما تحصل بيقين ممنوعة ايضا فان غلبة العمل بالظنّ تكفى فى العمل بالتكاليف الشّرعيّة اجماعا قوله الثّانى انّ الرّجوع فى جميع تلك الوقائع اه جعل هذا دليلا على حدة وبرأسه لا بدّ ان يكون مع قطع النظر عن الدّليل الثالث الّذى مقتضاه قبح المخالفة القطعيّة مطلقا كثرت مواردها او قلّت وسيأتى التّصريح منه قدّه بهذا ولا اشكال فيه اذ لا يمكن الالتزام بالخروج عن الدّين وان قيل بعدم قبح المخالفة القطعيّة فى الشبهة المحصورة وغيرها ألا ترى انّ المحقق القمّى ره وغيره القائلين باصالة البراءة فى مطلق الشبهة المحصورة ويقولون بجواز الارتكاب دفعة او تدريجا لا يقولون بالرّجوع اليها فى المقام وسيأتى نقل كلام المحقق القمّى ره الدالّ على عدم الرّجوع الى البراءة وتماميّة دليل الانسداد غاية الامر انّه قدّس سره ابطل الرّجوع الى البراءة بوجه آخر ونظير ذلك فى الجملة رجوع المجتهدين الى اصل البراءة فى الشكّ فى التّكليف مطلقا مع انّهم لا يرجعون اليه فى صورة الشكّ فى الرّسالة والإمامة ولا يقولون بعدم وجوب النظر فى المعجزة من جهة ذلك لاستلزام الرّجوع اليه طرح جميع الأحكام لو كان المدّعى صادقا ولم يتديّن بقوله وهذا ظاهر قوله نعم هذا انّما يستقيم فى حكم واحد اه هذا الكلام بمنزلة الاستثناء المنقطع ومراده انّه مع الشكّ فى التكليف فى الموارد القليلة مع احراز معظم الاحكام بالدليل القطعى او الظنّى المعتبر سواء كان ظنّا خاصّا او مطلقا على تقدير اعتباره لا بأس بالرّجوع الى اصالة البراءة وليس محلّ الفرض هو اقتران الشبهة بالعلم الإجمالي بقرينة قوله كما هو دأب المجتهدين اذ ليس دأبهم الرّجوع اليها فى الفرض المزبور بل المشهور عندهم الرّجوع الى الاحتياط فيه وممّا ذكرنا يعلم انّه ليس فرض المصنّف هنا هو الشكّ المقرون بالعلم الاجمالى بناء على الإغماض عمّا سيجيء منه قدّس سره فى الوجه الثالث من قبح المخالفة القطعيّة مطلقا وان كان يرشد اليه كون كلامه فيه لأنّ حمل الكلام على ذلك لا يجتمع مع قوله قدّه كما هو دأب المجتهدين بعد تحصيل الأدلّة والأمارات قوله ولعمرى انّه يكفى مثل هذا الكلام قد ذكرنا فى باب حجّية خبر الواحد عند نقل الإجماع عليها من الشّيخ

٤٥١

قدّس سره ونقل كلامه المذكور انّ مراده قدس‌سره بما يقتضيه العقل هو ما يقتضيه فى مسئلة انّ الأشياء على الحظر او الإباحة او التوقّف قبل الشّروع او قبل العثور عليه وهو محلّ الخلاف المعروف وانّ الرّجوع الى الخطر او الإباحة او غيرهما كلّ على مذهبه مستلزم لترك اكثر الأحكام واكثر الأخبار وعدم الحكم فيها بشيء ورد الشّرع به وليس مراده الرّجوع الى اصل البراءة فقط كما يستفاد من كلام المصنّف هنا وفيما سبق نعم كلام الشيخ قدس‌سره يشمل اصل البراءة ايضا وانّ الرّجوع اليه مستلزم لطرح اكثر الاحكام ايضا فالاستدلال بكلام الشيخ ره فى هذا المقام من هذه الجهة لا غبار عليه قوله قدس‌سره ومنهم المحدّث البحرانى اقول ومنهم الوحيد البهبهانى قدس‌سره فى محكىّ الرّسالة الاستصحابيّة فانّه قدس‌سره بعد ان ذكر فى مقام اثبات حجّيته انّه مفيد للظنّ وكلّ ظنّ حجّة وذكر دليل الانسداد مستشهدا بكلام صاحب المعالم واورد ما اعترض عليه المحقّق الخوانساري ره من انّه لا دليل على الرّجوع الى الظنّ فى مقام الانسداد بل المرجع هو اصل البراءة فى كلّ مورد لم يقم هناك ضرورة او اجماع قال لو بنينا على القدر اليقينى ورفع اليد عمّا سواه بالبناء على اصالة البراءة لحصل فقه وشرع يجزم الكفّار بانّه ليس شرع نبيّنا ص فضلا عن المسلمين انتهى كلامه رفع مقامه قوله قدّه لأنّ الظنّ بالسّالبة الكلّية يناقض العلم بالموجبة الجزئيّة اه من الواضحات انّ السّالبة الكلّية نقيض الموجبة الجزئيّة والعلم بصدق احد النقيضين تفصيلا او اجمالا يستلزم العلم بكذب الآخر كذلك ولا يجتمع العلم بصدق احدهما مع احتمال صدق الآخر موهوما فضلا عن الشكّ فضلا عن الظنّ وامّا كون الظنّ بصدق السّالبة الكليّة نقيضا للعلم بالموجبة الجزئيّة فيه خفاء بل منع نعم هو ضدّ له فلعلّ المصنّف ره اراد بالنّقيض هو الضدّ فالتّرديد الّذى ذكره شيخنا قدس‌سره فى الحاشية من انّ الاستحالة المذكورة من جهة اول الاجتماع المذكور الى اجتماع النقيضين او الضّدين ممّا لا وجه له هذا ولكنّ المقرّر عند القوم ومنهم المصنّف ره اجتماع الشكّ والوهم مع العلم الإجمالي المزبور وهو ينافى ما ذكرنا فالوجه ان يقال بانّ حكم الآحاد بحسب الانفراد يغاير حكمها مع الاجتماع كما نشاهد كثيرا فى الموارد فمن حيث ملاحظة كلّ مسئلة بانفرادها يحتمل كون الحكم البراءة وعدم الحكم الإلزاميّ ومن حيث الاجتماع لا يحتمل ذلك ويتطرّق ذلك فى الظّنون التفصيليّة الشخصيّة فتامّل جيّدا قوله فى موارد الظن الضّعيف

٤٥٢

بنفى التّكليف اه وقوله بنفى التكليف متعلّق بقوله الظنّ الضّعيف وقوله بمقتضى الاحتياط متعلّق بقوله يعمل اى يعمل بمقتضى الاحتياط ويترك العمل بالظنّ فيما اذا كان الظنّ المتعلّق بعدم التكليف الإلزامي ضعيفا ويعمل بالظنّ دون الاحتياط فيما اذا كان الظنّ المتعلّق بنفى التّكليف الإلزامي قويّا قوله من التّخيير ان لم يتيسّر لهذا الشّخص الاحتياط يعنى لا بدّ لهذا الشّخص من ان يعمل فى بعض الموارد بالظّنون النافية للتّكليف ويبنى على عدم التّكليف فيها وفى بعض الموارد الآخر بمقتضى الاحتمال الموهوم وهو احتمال التكليف ويبنى عليه احتياطا وهذا ملازم لترك العمل بالظّنون النافية فيها ويتخيّر فى تعيين الموارد المزبورة الّتى عمل فيها بالظنون او باحتمال التّكليف والاحتياط فيها على تقدير كون الظنون متساوية كما هو المفروض وانّما قلنا انّه لا بدّ له ان يعمل كذا وكذا لئلّا يقع فى مخالفة الواقع كثيرا وليس المراد من العبارة ما يتراءى منها من انّه يتخيّر بين العمل بالاحتياط وبين العمل بالظنّ فى جميع الوقائع ليلزم جواز عمله به فى جميع الوقائع فيقع فى المخالفة القطعيّة الكثيرة مع عدم جواز المخالفة القطعيّة اصلا فضلا عن كثرتها والحكم فيما لو لم يكن هناك ظنّ اصلا ايضا هو ذلك ولذا شبّه المقام به او انّه يتخيّر بين الاحتياط والعمل بالبراءة وتعيين مواردهما كذلك وهذا المعنى الثانى قريب من الأوّل والفرق بينهما لا يكاد يخفى وعلى اىّ تقدير فالمراد بقوله ان لم يتيسّر لهذا الشخص الاحتياط هو الاحتياط الكلّى كما هو الظّاهر بعد ادنى تأمّل قوله ولم يجز لغيره تقليده عدم جواز تقليد الغير للمجتهد المذكور واضح لان تقليده له امّا للعمل بظنونه وآرائه الّتى ادّت الى نفى التكليف فى جميع الوقائع وامّا للعمل بالاحتياط الكلّى الّذى تكليف المجتهد المزبور العمل عليه فى نفس الأمر وان لم يلتفت الى ذلك لاداء ظنّه الى عدم التّكليف امّا عمل المقلّد بظنون المجتهد المزبور فغير جائز له لعدم جواز عمله بها فكيف بغيره مع انّ التقليد انّما شرع لأجل كون قول المجتهد اقرب الى الواقع ومع العلم الإجمالي بمخالفة ظنونه غالبا او كثيرا لا يبقى مجال ذلك وامّا عمله بالاحتياط الكلّى الّذى كان تكليف المجتهد المزبور العمل عليه فغير جائز امّا اوّلا فلأنّ التقليد المصطلح هو الاستناد بقول الغير بلا دليل لا بعمله والفرض انّ رأيه وظنّه هو عدم التّكليف فى جميع الوقائع وامّا ثانيا فلانّ فتح باب التقليد للغير بالمعنى المذكور مطلقا يوجب اختلال النظام وما هذا شانه لا يجوز انشاء وجوبه بل ولا جوازه لأنّه قبيح على الحكيم تعالى عمّا يقوله الظالمون قوله كيف و

٤٥٣

لو كانت نحو ذلك لم يكن دليل على اعتبارها الاولى ان يقول على حذر ما سيأتى منه قدّه فى باب اصل البراءة انّها لا تفيد الظنّ لا بنفسها ولا من جهة دخولها فى الاستصحاب وعلى تقدير افادتها للظنّ لا دليل على اعتبارها والاقتصار فى هذا المقام على المنع الكبروى فقط من عدم الدليل على الحجّية غير سديد قوله وذكر المحقّق القمّى ره فى منع حكم العقل المذكور قد اورد المحقق جمال الدّين على ما سيأتى من المصنّف قدس‌سره على دليل الانسداد بانّه لا ضرورة الى الرّجوع الى الظنّ عند الانسداد بل يجب الرّجوع الى اصالة البراءة وسيأتى نقل كلامه واورد عليه المحقق القمّى ره فى القوانين بمنع حكم العقل بالبراءة قال وامّا ثانيا فلأنّ قوله بل لأنّ العقل يحكم بانّه لا يثبت تكليف علينا اه هذا اوّل الكلام لأنّ حكم العقل امّا ان يريد به الى آخر ما نقله عنه المصنّف هنا قوله امّا ان يريد به الحكم القطعى او الظنّى اه ظاهر قوله قدس‌سره فكون مقتضى البراءة قطعيّا اوّل الكلام من جهة التّعبير بالمقتضى ومن جهة الحكم بكونه اوّل الكلام مع انّه قد سلّم فى باب الأدلّة العقليّة كون القاعدة المستفادة من العقل والنقل ان لا تكليف الّا بعد البيان قطعيّا بل مسلّما عندهم وظاهر كلماته الاخرى ايضا بل كاد يكون صريحها انّ مراده الحكم القطعى او الظنّى بالنّسبة الى الواقع وح فيرد عليه انّه لم يذكر احتمال كون اصل البراءة قطعيّا بحسب الظاهر بمعنى حصول القطع من جهة قبح العقاب بلا بيان بكون الحكم فى مرحلة الظّاهر البراءة وهو الحقّ والظّاهر انّه مراد المورد على دليل الانسداد حيث قال لا لأنّه يفيد ظنّا بمقتضاه وقوله لا لكونها مفيدة للظنّ بل لأنّ العقل يحكم بانّه لا يثبت تكليف علينا الّا مع العلم اه بل حمله على القطع بالعدم فى الواقع ممّا لا يصحّ من جهة عدم القائل به بل يحتمل احتمالا رابعا وهو الحكم ظنّا بالبراءة فى مرحلة الظّاهر كما انّه لا يبعد القول به على تقدير التمسّك باخبار البراءة فانّها تفيد الظنّ بكون الحكم الإباحة فى مرحلة الظّاهر امّا انّها تفيد الإباحة فى مرحلة الظّاهر لاثباتها الحكم فى مورد الشكّ كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام حتّى تعلم انّه حرام وامّا انّها تفيد الظنّ بذلك لأنّ دلالة الأخبار ظنيّة فلا بدّ له ذكر هذا الاحتمال وردّه فلم اهله الّا ان يقال بانّ اهماله من جهة انّه ليس حكما عقليّا على التقدير المزبور والكلام فيه قوله فالعلم بانّ فيه احكاما اجماليّا على سبيل اليقين اه وقد اورد عليه شيخنا قدس‌سره فى الحاشية بانّ هذا ينافى رجوعه الى اصل البراءة فى الشبهة المحصورة قلت

٤٥٤

لا يرد هذا على المحقق القمّى ره لأنّ الرّجوع الى اصل البراءة بمعنى الحكم بها فى مرحلة الظّاهر من جهة كون تنجّز التكاليف الشرعيّة مشروطا بالعلم التفصيلى كما ذكره فى الأدلّة العقليّة لا ينافى عدم الرّجوع الى اصالة البراءة بمعنى القطع بالعدم فى الواقع كما هو المفروض فى المقام بداهة انّه لا يمكن القطع بالعدم مع العلم الإجمالي المزبور مع انّ رجوعه الى اصل البراءة فى الوقائع القليلة بعد احراز معظم الأحكام بالأدلّة الاجتهاديّة لا ينافى عدم رجوعه اليه فى المعظم المستلزم للخروج عن الدين كما هو المفروض فى المقام قوله وان اراد الحكم الظنّى اه قال فى القوانين بعد ذلك كما يشعر به كلامه ايضا وفيه انّ حمل كلام المورد على الحكم الظنّى ممّا لا مساغ له اذ هو قد صرّح فى كلامه بنفى كون الرّجوع الى اصالة البراءة لأجل كونها مفيدة للظنّ مرتين فكيف يمكن حمل كلامه عليه ومن العجب ذكر قوله كما يشعر به كلامه ايضا مع انّ جعل اصل البراءة من باب الظنّ على تقدير استفادته من الكتاب والسنّة كما يستفاد من قوله فهو ايضا ظنّ مستفاد من ظواهر الآيات والاخبار اه غير سديد اذ لا نظر فيهما الى الظنّ بل هو على التّقدير المزبور اصل تعبّدى لا امارة ظنيّة نعم لو قلنا بكونه من باب العقل امكن جعله من باب الظنّ اما بنفسه او لدخوله فى الاستصحاب وان كان ممنوعا عندنا صغرى وكبرى مع انّ جعل الظنّ الحاصل من اصل البراءة ظنّا حاصلا من الكتاب والسنّة ينافى قوله سابقا انّ حكم العقل امّا ان يريد به الحكم القطعى او الظنّى وحمل كلامه هذا على انّ اعتبار الحكم العقلى الظنى المزبور وحجّيته مستفاد من ظواهر الكتاب والاخبار بعيد عن مساق كلامه قوله مع انّه ممنوع بعد ورود الشّرع والظّاهر انّ المنع من الظنّ بعد ورود الشّرع من جهة العلم الإجمالي وقد ذكر المصنّف سابقا ان العلم الإجمالي بالموجبة الجزئية ينافى الظنّ بالسّالبة الكليّة وهذا ايضا لا ينافى رجوعه الى البراءة فى الشبهة المحصورة لما ذكرنا من انّه مبنىّ على جعل اصل البراءة بمعنى الحكم بها فى مرحلة الظاهر لا الحكم بها قطعا او ظنّا فى الواقع قوله وفيه انّ حكم العقل بقبح المؤاخذة من دون اه يشعر كلام المصنّف ره بانّه فهم من كلام المحقق القمّى انّ مراده منع قطعيّة حكم العقل بالمعنى المزبور فاورد عليه بما ذكر وقد ذكرنا انّ مراده ليس منع قطعيّة حكم العقل بالمعنى المزبور بل منع قطعيّة حكم العقل بالعدم فى الواقع بل يمكن ادّعاء صراحة كلام المحقق ره فى ذلك فالصّواب ردّ المحقق القمّى بانّ مراد المورد ليس ذا ولا ذاك بل حكم العقل القطعىّ

٤٥٥

فى مرحلة الظّاهر ولا اختصاص له بما قبل ورود الشّرع الى آخره كما فعلنا سابقا ويمكن ان يكون مراد المصنّف ذلك ايضا وان كانت عبارته قاصرة قوله ظهر صحّة دعوى الإجماع على اصالة البراءة فى المقام ليس مراده الإجماع على الرّجوع الى اصالة البراءة فعلا فى المقام حتى يقال بعدم تاتّى الإجماع مع الخلاف بل مع الإجماع على عدمه قال فى القوانين انّ الإجماع على اصالة البراءة فيما ورد فى خلافه خبر الواحد اوّل الكلام ان لم ندع الإجماع على خلافه بل مراد المصنّف ره صحّة دعوى الإجماع على انّ المقام مجرى اصالة البراءة وان لم يجر فعلا مانع من جهة استلزامه الخروج من الدّين او من جهة اخرى قوله مصداق القطع بعدم الدليل اى القطع بعدمه فى مرحلة الظّاهر قوله بما تقدّم مع ردّه وما تقدّم اشارة الى ما نقل عنهما المصنّف عن قريب من انّ اعتبارها من باب الظنّ والظنّ منتف فى مقابل الخبر ونحوه من الامارات الظنّ والردّ اشارة الى ما ذكره المصنّف بقوله وفيه منع كون البراءة من باب الظنّ كيف ولو كان كذلك لم يكن دليل على اعتبارها قوله الا انّ اوّل من شيّد الاعتراض وحرّره هو المحقق جمال الدّين اه قد تبع المصنّف فى نسبة الايراد المذكور الى جمال الدين السيّد الفاضل صدر الدّين ره فى شرح الوافية قال قدّس سره فى شرح الوافية قال وحيد عصره فى الحاشية على ما نقل عنه ويرد عليه انّ انسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة غالبا لا يوجب جواز العمل بالظنّ الى آخر ما نقله المصنّف ره هنا عنه وصرّح قبل ذلك باسطر قليلة بما هذا لفظه وعلى ما نقل عن شارح المختصر ووحيد عصره جمال الملّة والدّين فى حاشيته على هذا الشّرح اه هذا لكن ذكر الوحيد البهبهانى قدس‌سره فى محكىّ الرّسالة الاستصحابيّة فى مقام حجّية الظنّ الاستصحابي من جهة البناء على حجّية كلّ ظنّ لم يقم دليل على خلافه ما هذا لفظه وممّا ذكرنا ظهر فساد ما اورده على صاحب المعالم وحيد عصره بانّ انسداد باب العلم لا يوجب جواز العمل بالظنّ وساق العبارة الى قوله ويؤكّده ما ورد من النّهى عن اتباع الظنّ انتهى ونقل فى مفاتيح الأصول عن المحقق المذكور فى الرّسالة الاستصحابيّة كلاما آخر صريح فى انّ المورد على صاحب المعالم بالرّجوع الى اصل البراءة هو الوالد المحقّق الآقا حسين استاد الكلّ فى الكلّ لا ولده جمال الدّين قدّس سرهما ففيه بعد نقل كلام المحقق الخوانساري المذكور فى شرح الدروس من انّ الظاهر حجّية الاستصحاب بمعنى آخر الى آخره بطوله وسيجيء نقله بطوله من

٤٥٦

المصنّف ره ايضا فى باب الاستصحاب واعترض عليه جدّى قدس‌سره فى الرّسالة الاستصحابيّة ان الدّليل الّذى استدلّ به من لزوم الخروج عن العهدة ليس من الاستصحاب فى شيء ثم انّه معلوم انّ هذا الشكّ فى الامتثال منشؤه انّ التّكليف الثّابت فيه اجمال لا بدّ فى مقام الامتثال من ارتكاب جميع الاحتمالات وهذا بعينه ما ذكره صاحب المعالم فى مقام اثبات حجّية ظنّ المجتهد وخبر الواحد واعترض عليه الوحيد بانّ اصل البراءة يكفينا ويمنعنا عن العمل بالظنّ فكيف فى المقام لم يتمسّك باصل البراءة بل اوجب تحصيل الظنّ انتهى الملخّص منه ودلالته على ما ذكره من كون المعترض هو الوالد واضحة فلا بدّ امّا من تخطئة احد النّاقلين او الجمع بين النقلين والثّانى اولى ولا يخفى طريقه وكيف كان فلعلّ المعترض انّما اورده ايرادا لا اعتقادا كما اشار اليه فى النتائج وفى القوانين ثم انّ الحاشية الّتى ذكرها فى الكتاب هى حاشيته على شرح المختصر وقد نسبها فى المقابيس الى المحقق جمال الدّين قدّس سره لا حاشية المعالم كما صرّح بما ذكر شارح الوافية على ما نقلنا عن قريب قوله وما لم يحصل العلم به نحكم فيه باصل البراءة اه يستفاد من كلام المحقق المزبور عدم مانعيّة العلم الإجمالي للرّجوع الى اصل البراءة بادّعاء عدم كون العلم الإجمالي منجّزا للتّكليف بل تنجّزه مشروط بالعلم التفصيلى او الظنّ الخاصّ وهذا هو الّذى نقله فى القوانين عن المحقق الخوانساري شارح الدّروس ثم قال الّا اذا ثبت التكليف بمجمل لم يظهر معناه وكان مردّدا بين امور فانّه لا يبعد الحكم بوجوب الإتيان بجميعها تحصيلا لليقين بالبراءة وعلى تقدير كون المعترض ولده فلعلّ مذهبه ايضا ذلك قوله فنحكم فيها بالتخيير اه الحكم بالتّخيير من جهة انّ اصل البراءة ينفى الوجوب التعيينى للجهر وكذا الإخفات فيبقى الوجوب التخييرى وقد يقال بانّ التّخيير مقتضى الإباحة الّتى حكم بها العقل فانّ لازمها تخيير المكلّف بين الفعل والترك وفيه انّ الإباحة الخاصّة فى العبادات غير معقولة مع انّه لا يحكم بها العقل قوله وقد عرفت انّ المحقق القمّى ره اه قد اورد عليه المحقق القمى فى القوانين ايرادات كثيرة وردّها كلّها فى هداية المسترشدين والفصول من ارادها فليراجعها قوله فالحقّ ردّه بالوجوه الثلاثة اه لكن الوجه الثالث لا يرد على المحقّق الخوانساري لأنّه يقول بانّ تنجّز التكاليف مشروط بالعلم التفصيلى قوله لحرمة تصرّف كلّ منهما على تقدير كون المبيع ملك صاحبه لا يخفى انّه على القول بافادة المعاطاة الملك المتزلزل كما هو مذهب المصنّف فى المتاجر لا يكون تصرّف كلّ منهما

٤٥٧

فى المبيع ولا فى الثمن حراما امّا المالك فظاهر وامّا غيره فلكون تصرّفه كاشفا عن سبق الملك آنا ما كما حقّق فى محلّه وعلى القول بالإباحة فالأمر اوضح نعم على ما نسب الى المفيد وغيره من افادتها اللّزوم يكون تصرّف البائع فى المبيع والمشترى فى الثمن حراما وعلى القول بفسادها يكون بالعكس لكن هذان التقديران لمّا كانا غير معلومين على ما فرضه المصنّف ره من الشكّ فالرّجوع الى اصل البراءة لا غائلة فيه وليس هنا علم اجمالى بحرمة تصرّف احدهما فيهما لما ذكرنا من احتمال الملك المتزلزل والإباحة ايضا وعلى تقديره فليس بضائر لأنّ مبنىّ اعتراض المعترض على عدم الاعتناء بالعلم الإجمالي كما اشرنا اليه عن قريب فالاولى التمسّك فى عدم جريان اصل البراءة بانّ الشكّ فى الحكم التكليفى مسبّب عن الحكم الوضعىّ والأصل فى السّبب مقدّم على الاصل فى المسبّب والأصل الجارى فيه هو الفساد وعدم النقل والانتقال وما يجرى مجراه كما افاده شيخنا فى الحاشية او لأنّ اصل الفساد داخل فى الاستصحاب وهو مقدّم على اصل البراءة امّا بالورود او بالحكومة مع قطع النّظر عمّا ذكر على ما افاده المصنّف ره فى باب الاستصحاب قوله كان اشمل قد اورد عليه بانّ اشمليّته محلّ تأمّل بل منع ولو كان اصلا مستقلّا لا من باب الاستصحاب فانّ الظّاهر عدم جريانها فيما سبق بالوجود لو لم نقل باختصاصه بما سبق بالعدم قلت انّ منشأ اصل العدم اذا كان مستقلّا فى قبال البراءة والاستصحاب امّا عدم الدّليل دليل على العدم وامّا اخبار الباب بزعم اثباتها حجّية اصل البراءة واصل العدم جميعا كما هو زعم صاحب الفصول وان كانا ضعيفين عندنا كما اشرنا اليه فى صدر الكتاب وسنشير اليه ايضا فى بابه وعلى اىّ تقدير فلمّا كان مبناه على التعبّد يشمل ما سبق بالوجود وما سبق بالعدم ومحمول الحاصل بل وكذلك اذا كان منشؤه الإجماع والسّيرة وعلى تقدير اختصاصه بما سبق بالعدم فلا شكّ انّ اصل البراءة ايضا كذلك كما ينادى اليه جعل بعض العلماء اصل البراءة من باب استصحاب البراءة فلا وجه للفرق بينهما بذلك ومنع اشمليّة اصل العدم لذلك مع انّ اثبات حديث الرّفع وامثاله على القول به على نهج واحد ثم انّ اصل العدم اشمل من اصل البراءة من جهة اخرى ايضا غير جهة شموله للعبادات والمعاملات وهى انّ اصل العدم يجرى فى جميع الأحكام الشرعيّة لأنّ الأحكام الشّرعيّة كلّها حادثة فاذا شكّ فيها فالاصل عدمها واصل البراءة لا يجرى الّا فى الأحكام

٤٥٨

الإلزاميّة لكن هذا انّما ينفع اذا قرر دليل الانسداد لأجل حفظ الأحكام وامّا اذا قرر لأجل العمل فلا يتأتّى الّا فى الأحكام الإلزاميّة قوله بناء على انّ اصل العدم من الظّنون الخاصّة الّتى قام على اعتبارها اه او من الأصول التعبّدية الّتى قام على اعتبارها الإجماع والضّرورة وانّما لم يذكر المصنّف ره هذا الاحتمال لعدم استثناء المعترض الأصول التعبّدية وانّما استثنى العلم او الظنّ الخاصّ لكن من المعلوم انّ مقصود المعترض ليس الحصر فيهما لوضوح كون الاصول التعبّدية قائمة مقام العلم والظنّ الخاصّ عند فقدهما فالأولى ذكر هذا الاحتمال ايضا كما فعلنا قوله الّا ان يمنع قيامهما اه لا يخفى انّه لم يقم اجماع ولا ضرورة ولا دليل آخر على حجّية اصل العدم مستقلا فى قبال اصل البراءة والاستصحاب سواء فى ذلك الحكم الشّرعى الكلّى او الحكم الجزئى او الامر الخارجى وسواء فى ذلك صورة وجود الظنّ على خلافه وعدمه ولذا كان الاصول منحصرة فى اربعة على ما سلف فى اوّل الكتاب وقد ذكرنا شطرا من الكلام فى ذلك سابقا وتخصيص المصنّف ره ذلك بصورة اشتباه الحكم الشّرعى مع وجود الظنّ على خلافه انّما هو لكون الكلام مفروضا فيها لا لأنّ المنع منحصر فيها فليتنبّه لذلك قوله واعتباره من باب الاستصحاب اه لكن يستفاد من بعض كلماته قدس‌سره فى باب الاستصحاب انّ الشكّ فى بقاء الأعدام شكّ فى الرّافع دائما ويشعر دليله الأوّل الّذى ذكره لحجّية الاستصحاب فى الشكّ فى الرّافع كون حجّيته فى الشكّ فى الرّافع اجماعيّا وح فيخرج عن باب الظنّ ويستقيم المطلب وان كان كلا المطلبين سيّما الثانى محلّ نظر وتأمّل بل يفهم من كلام المحقّق ره فى المعارج ان محلّ النّزاع منحصر فى الشكّ فى الرّافع وان كان هو ممنوعا اشدّ المنع وسيجيء تحقيق المطلب فى محلّه إن شاء الله الله تعالى قوله مع ابتنائه على حجّية الاستصحاب فى الحكم الشّرعى مع انّه محلّ كلام وقد انكرها الاخباريّون وان كان ضعيفا على ما سيجيء فى باب الاستصحاب إن شاء الله الله تعالى قوله رجوع الى الظنّ العقلى اه التّرديد من جهة اختلاف مشاربهم فى باب الاستصحاب فالمستفاد من القدماء انّه من باب الظنّ العقلى والمستفاد من كثير من المتاخّرين انّه من باب دلالة الأخبار وسيجيء ضعف الاوّل صغرى وكبرى وقوّة الثانى عموما كما هو الحق او خصوصا عند المصنّف قدس‌سره قوله ولا يخلو عن تامّل اذ العلم بصدور احد اخبار الاستصحاب عن المعصوم ع غير معلوم وعلى فرضه لا يفيد بعد كون بعضها دالّا و

٤٥٩

بعضها غير دالّ ومن المعلوم انّ التواتر الإجمالي غير التواتر المعنوى الّذى يوجب القطع ـ بالمضمون المشترك بين جميعها وان كان قد يطلق احدهما فى مقام الآخر فى كلماته منها ما سيجيء عن قريب المقدمة الثالثة : بطلان وجوب تحصيل الامتثال بالطرق المقرّرة للجاهل قوله وان كان طريقا شرعيّا فى الجملة انّما عبّر بذلك لأنّ اصل البراءة والاستصحاب النّافى ليسا طريقين لامتثال الأحكام المجهولة الواقعيّة وان حصل بهما الحكم بالبراءة فى مرحلة الظّاهر ويحكم معهما بالمعذوريّة او لأنّ كلّا من الامور الثّلاثة وان كان طريقا فى غير المقام لكنّه ليس طريقا فى المقام ولعلّ الاوّل اظهر قوله الّا انّ منها ما لا يجب فى المقام اه لا يتم دليل الانسداد الّا باثبات عدم جريان غير الاحتياط من البراءة فى الشكّ فى التّكليف وغيره فى غيره والتقليد واشباهه لأنّ تعيّن الرّجوع الى البراءة او الاستصحاب النافى مثلا مناف لحجّية الظنّ المطلق وامّا الاحتياط فلا يمكن اثبات منع جريانه لأنّه حسن عقلا وطريق الأحراز الواقع كذلك فغاية ما يمكن فيه هو اثبات عدم وجوبه تعيينا وعلى تقديره يكون وجوب العمل بالظنّ تخييريّا اذ الاحتياط امر لا بشرط يجتمع مع الظنّ المطلق بل مع الظنّ الخاصّ ايضا كما هو واضح قوله فهو وان كان مقتضى الاصل اه بناء على وجوب الموافقة القطعيّة من باب دفع الضّرر المحتمل فى الشّبهة المحصورة الوجوبيّة او التحريميّة كما هو مذهب المشهور والمصنّف ره ولعلّنا نتكلّم فى ذلك بعض الكلام فى الشبهة المحصورة عند تعرّض المصنّف قدّه لها قوله وهذه الدّعوى ممّا يجده المصنّف هذا الكلام اشارة الى انّ الإجماع المذكور حدسىّ مبنىّ على الحدس ويدلّ على الإجماع المذكور تسليم القائلين بالانفتاح انّ الظنّ يقوم مقام العلم حيث يتعذّر ومن المعلوم انّه مع كون الاحتياط طريقا لا يصحّ ما ذكروه فلا بدّ من التزامهم بعدم طريقية الاحتياط بحيث يكون الواجب الرّجوع اليه تعيينا قوله مضافا الى ما يستفاد من اكثر كلمات اه فان المستفاد من كلمات اكثرهم وكثيرهم استنتاج تعين الرّجوع الى اخبار الآحاد من ابطال الرّجوع الى البراءة ومن المعلوم عدم امكان الاستنتاج المذكور من الأبطال المزبور بخصوصه مع امكان كون الاحتياط مرجعا فى الدّين بحيث يرجع اليه فى الموارد المشتبهة فلا بدّ ان يكون ابطال الاحتياط عندهم مسلّما ايضا بل كلامهم يشعر من جهة عدم تعرّضهم لأبطال الاحتياط وتعرّضهم لأبطال البراءة انّ ابطال الاحتياط اوضح من ابطال البراءة بحيث لا يحتاج الى الذّكر مع انّ دليل الانسداد قد يقرّر لأجل وجوب

٤٦٠