إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

على عدم حجّية خبر الواحد فهم موافقون للسيّد قدّه فى دعوى الإجماع لا يخطئونه فيها اصلا او انّ الإجماع على طريقة السيّد ره المبنيّة على الدّخول لا ينافى الخلاف كما سبق تحقيقه سابقا فى مبحث الإجماع فقطعهم بكون المسألة خلافيّة لا ينافى تصديق السيّد ره فى دعوى الإجماع ويمكن ان يقرّر مراد المصنّف ره بوجه آخر وهو ان خبر السيّد خارج عند المثبتين لمثل ما ذكر فى الوجه السّابق وعند النّافين من جهة تسليمهم كون خبر العادل الظنّى غير حجّة مطلقا وقد تقدّم عن قريب فى كلام المصنّف ره قوله ولذا لو سألنا السيّد عن انّه اذا ثبت اجماعك لنا بخبر الواحد هل يجوز الاتّكال عليه فيقول لا او انّ خبر السيّد ره مقطوع الصّدق عندهم من جهة اقترانه بالإجماع المحصّل الّذى يعتقدونه وقد تقدّم سابقا انّ الخبر الّذى علم صدقه خارج عن المنطوق والمفهوم معا فوجه التأمّل انّ مثل هذا الاتّفاق الّذى نشأ عن فتويي طائفتين مختلفتى المأخذ لا يكشف عن قول الإمام عليه‌السلام وسيجيء توضيحه عند ردّ بعض طرق الإجماع المدّعاة على حجّية خبر الواحد فانتظر قوله وقد اجاب بعض من لا تحصيل له اه وجه ضعف الجواب المذكور انّ المورد قد ادّعى كون الإجماع الّذى نقله السيّد ره داخلا فى ظاهر الكتاب وفى مفهوم آية النّبإ فاذا كان ظاهر الكتاب قطعى الاعتبار فيكون هو كذلك ولا يكون هناك تعارض حتّى يقدم عليه مع انّ مظنون الاعتبار لا يكون حجّة ولا يقع التعارض بين الحجّة واللّاحجّة قوله وضعف هذا الإيراد بظاهره واضح والظّاهر انّ مبنى الإيراد المذكور ان النّبإ منصرف الى الخبر بلا واسطة فلا يشمل الأخبار المعروفة فى الكتب المأثورة عن الأئمّة عليهم‌السلام لأنّ الأخبار عنهم عليهم‌السلام فيها مع الواسطة والجواب التحقيقى منع انصراف النّبإ الى الأخبار بلا واسطة وامّا الجواب المذكور فهو بظاهره لا ينطبق على الإيراد المذكور ويمكن تطبيقه عليه بانّ المراد ليس الأخبار عن الإمام عليه‌السلام حتّى يتوجّه عليه الايراد المذكور بل المراد اخبار كلّ لاحق عن اخبار سابقه ولا ريب انّ اخبار كلّ لاحق عن سابقه يكون بلا واسطة فعلى تقدير تسليم انصراف النّبإ الى الأخبار بلا واسطة تشمل الآية الأخبار المأثورة عن الأئمّة عليهم‌السلام قوله ولكن يشكل الامر بانّ ما يحكيه اه يمكن ان يستشكل فى المقام بامور الأوّل انّ خبر الشّيخ مثلا بقوله حدّثنى المفيد خبر سبب لثبوت خبر المفيد فى مرحلة الظّاهر ولا يمكن شمول

٣٤١

الآية لكلّ من السّبب والمسبّب نظير ما سيذكره المصنّف ره فى باب الاستصحاب من انّه لا يشمل الشكّ السّببى والمسبّبى كليهما سواء كان الاستصحابان فيهما موافقين او مخالفين بل ولو قلنا بحجّية الاستصحاب من باب الظنّ يكون الحكم ايضا كذلك وفيه وضوح الفرق بين ما نحن فيه وبين الاستصحاب فان الاستصحاب فى الشكّ السّببى يزيل الاستصحاب فى الشكّ السّببى وحاكم عليه ورافع للشكّ فى المسبّب ولو حكما ومع كونهما متعارضين لا يمكن شمول الأخبار لهما بخلاف المقام اذ لا مانع فيه من شموله للسّبب والمسبّب كليهما مع عدم التّعارض بينهما الثانى انّ وجوب التصديق حكم شرعى لا يثبت الموضوع اصلا فكيف يمكن اثبات الخبر بمجرّد وجوب التصديق والجواب انّ المراد ليس اثبات الموضوع واقعا به بل اثباته ظاهرا وتعبّدا بمعنى ترتيب الآثار الشرعيّة ولو مع الواسطة فلا يرد الإيراد المذكور اصلا الثالث انّ ما يحكيه الشيخ عن المفيد انّما يصير خبرا للمفيد بحكم وجوب التّصديق اذ ما لم يحكم بوجوب التّصديق لا يثبت خبر المفيد وبعد الحكم به يثبت فلا يمكن ان يشمل وجوب التّصديق لخبر المفيد اصلا للزوم كون المحمول مؤخّرا عن الموضوع فلو شمله لزم كون المحمول مقدّما على الموضوع وهو بديهىّ البطلان نعم لو كان حكم آخر لأمكن ان يشمله بعد احرازه بوجوب التّصديق الثابت بالآية والفرض عدمه والجواب عنه ما ذكره المصنّف ره وسيجيء توضيحه إن شاء الله الله تعالى الرّابع انّ وجوب التّصديق بمعنى ترتيب الآثار الشرعيّة فلا بدّ ان يكون هناك اثر شرعىّ آخر يترتّب على خبر الواسطة من جهة الحكم بوجوب التّصديق والمفروض انّه ليس لخبر الواسطة اثر شرعى غير وجوب التّصديق وهذا الأشكال غير الأشكال الثّالث ولا يندفع بما ذكره المصنّف ره فى الكتاب من الجواب النّقضى والحلّى ولا بما ذكره بعض المحقّقين فى مقام دفع الأشكال من انّ اللّفظ وان كان قاصرا بنفسه عن الدلالة على الحكم بوجوب التّصديق بلحاظ جميع الآثار حتّى نفس هذا الأثر الّا انّه بضميمة العلم بالمناط قطعا يكون دالّا على ذلك مع انّه يمكن دعوى عدم قصوره عن ذلك ايضا بدعوى ظهور انّ الحكم ليس بلحاظ الأفراد واشخاص الآثار بل بلحاظ نفس طبيعة الأثر من دون ملاحظة خصوصيّات افرادها فيسرى الحكم ح الى نفس هذا الحكم ضرورة سراية حكم الطبيعة الى جميع افرادها ومنها نفس هذا الأثر انتهى اذ لا يعقل ان

٣٤٢

يكون نفس وجوب التّصديق اثرا شرعيّا مترتّبا على خبر من غير ان يكون له اثر شرعىّ آخر اذ لا معنى لوجوب التّصديق الّا ترتيب الآثار الشّرعيّة فاذا لم يكن هناك اثر شرعىّ فكيف يحكم فيه بوجوب التّصديق ألا ترى انّ المصنّف ره وغيره قالوا انّ الاستصحابين اذا تعارضا وكان لأحدهما اثر شرعى دون الآخر يؤخذ به لا بالآخر مع انّه على ما ذكر لا معنى لعدم الأثر الشّرعى فى الاستصحاب اصلا اذ كلّ استصحاب له اثر شرعى ولو كان هو الحكم بكونه حجّة ووجوب الأخذ به ومن المعلوم بطلان ذلك بل الحقّ فى دفع الأشكال ترتّب الآثار الشرعيّة مطلقا حتّى مع واسطة او وسائط كثيرة على مؤدّيات الطّرق والأمارات ممّا يكون حجّة من باب الطّريقيّة الى الواقع وإن كانت فيها جهة مصلحة وتعبّدية بخلاف الاصول الّتى لم تعتبر للنظر الى الواقع اذ لا يترتب عليها غير الآثار الشرعيّة بلا واسطة وهذا ما يقولون بانّ الأصل المثبت لا يكون حجّة وسيجيء توضيح الحال فى ذلك فى باب الاستصحاب وغيره فانتظر قوله بانتقاضه بورود مثله فى نظيره الثّابت بالإجماع كالإقرار بالإقرار وجه كونه نظيره انّ اثبات الإقرار السّابق بالإقرار الفعليّ من جهة قوله ع اقرار العقلاء على انفسهم جائز لا يمكن الّا بعد حمل قوله ع جائز على الإقرار وليس هناك محمول آخر يترتّب على الإقرار السّابق حتّى يكون نافذا فلو اثبت نفوذ الاقرار السّابق من جهة الخبر المذكور لزم اثبات الموضوع بالمحمول وهو غير جائز لأنّ الموضوع لا بدّ ان يكون مقدّما حتّى يترتّب عليه المحمول والفرض تاخّره عن المحمول المذكور لثبوته به قوله فتامّل وجه التامّل انّ فى الإقرار توسعة والإقرار بالإقرار اقرار بالحقّ فى العرف فيشمله قوله ع اقرار العقلاء على انفسهم جائز فلا يكون هو نظير المقام قوله واخبار العادل بعدالة مخبر اه وجه كونه نظير المقام انّ الموضوع هو خبر العادل فعلى تقدير عدم امكان ثبوت خبر العادل بالآية من جهة عدم امكان اثبات الموضوع بالمحمول على ما تقرر فى الأشكال يلزم عدم امكان اثبات عدالة المخبر ايضا بالآية من الجهة المزبورة لانّ كلّا منهما جزء للموضوع مع انّ شمول الآية للاخبار بعدالة المخبر ممّا لا اشكال فيه قوله ليس من هذه الجهة بل من جهة الاستظهار من الأدلّة كون الشّهادة بالحقّ عند الحاكم معتبرة فى القضاء قوله وهو انّ الممتنع هو توقف فردية اه يعنى ان المحال كون ثبوت الحكم لبعض الافراد واسطة

٣٤٣

لثبوت الحكم لبعضها الآخر فى الخارج وامّا اذا كان واسطة فى الأثبات كما فى المقام فلا مانع منه اذ يكون ثبوت الحكم لبعض الأفراد سببا للعلم بفرديّة بعض الأفراد الآخر من غير ان يكون سببا لفرديّته فى الواقع اذ يمكن ان يكون خبر المفيد ثابتا فى الواقع مع قطع النظر عن اخبار الشّيخ عنه بخلاف كلّ خبرى صادق فانّ كونه من مصاديق الخبر فى الواقع لا يمكن الّا بعد حمل صادق على قوله كلّ خبرى ضرورة انّه قبل حمله عليه لا يكون خبرا وجملة خبريّة وفيه انّ قوله كلّ خبرى صادق يكون فردا واقعيّا للخبر وان لم يشمله قوله كلّ خبرى صادق بحسب مدلول اللّفظ وامّا فى المقام فليس بمعلوم كونه فردا واقعيّا لخبر الواحد العادل حتّى مع ملاحظة وجوب التّصديق لأحتمال الخطاء والنّسيان بل الكذب فى اخبار العادل فالمقام ادون بحسب المرتبة عن المثال المذكور ومنه ظهر ان العلم بانكشاف فرديته فى الواقع لا يترتب على ثبوت الحكم للبعض الآخر نعم العلم بانكشاف فرديته فى الظّاهر مترتب عليه ولكنّه ليس بموضوع الحكم اذا النّبإ ظاهر فى النّبإ الواقعى لا فى الظّاهرى ولا فى الأعمّ فليتنبّه له ولعلّه لأجل ما ذكر ضرب المصنّف عليه كما قيل فى الدّورة الاخيرة من مباحثته قوله بل لا قصور فى العبارة اه اذ القضيّة امّا ان تؤخذ حقيقته فتشمل الافراد الموجودة فى الخارج وما فرض وجوده فيه فيشمل قوله كلّ خبرى كاذب هذه القضيّة لكون الكذب وصفا لازما له وامّا ان تؤخذ خارجيّة ومن المعلوم انّ الحكم فيها لا تنحصر فى الأفراد الموجودة فى الماضى او الحال بل الأعمّ منهما ومن الأفراد الموجودة فى المستقبل فتشمل نفسها بلا كلام قوله فهو مثل ما لو اخبر زيد اه الاولى ذكر هذا الكلام قبل قوله بل لا قصور فى العبارة اذ من المعلوم انّه راجع الى المطلب السّابق اعنى قصور اللّفظ بحسب الدّلالة اللفظيّة وشمول المناط قوله بالإجماع المركّب والاولويّة يعنى لو كان المفهوم من الآية هو حجّية خبر العادل الواحد فى الموضوعات لاستلزم قبوله فى الأحكام بالإجماع المركّب والاولويّة اما الإجماع المركّب فلان كلّ من قال بحجّية خبر العدل الواحد فى الموضوعات قال بحجّية فى الاحكام ايضا وامّا الاولويّة فتقرر بوجهين الاوّل ان حجّية خبر العدل فى الموضوعات تدلّ على الاهتمام بها والاهتمام بالأحكام اكثر الثّانى ان القول بحجّية خبر العادل فى الموضوعات مع عدم قول المشهور بها يستلزم القول بحجّيته

٣٤٤

فى الأحكام لذهاب المشهور اليها لكن ليس كذلك بل المفهوم منها حجّية خبر العدل مع انضمام العدل الآخر اليه فى الموضوعات وهو لا يستلزم حجّية خبر العدل الواحد فى الأحكام بالإجماع المركّب والاولوية فان قيل ان حجّية خبر العدلين فى الموضوعات تستلزم حجيته فى الأحكام بالإجماع المركب والاولوية قلت ليس كذلك اذ مع كون خبر العدلين معتبرا فى الموضوعات عند السيّد واتباعه لا يكون معتبرا فى الاحكام عندهم لعدم حجّية خبر الواحد الغير المفيد للعلم عندهم مطلقا فيها قوله وهذا ليس من اخراج المورد المستهجن فى شيء فان المورد داخل فى المنطوق والمفهوم معا امّا فى المنطوق فلانّ مدلوله وجوب التبيّن فى خبر الفاسق مطلقا وعدم العمل به مع عدمه سواء فى ذلك الاخبار عن الموضوعات او عن الاحكام وامّا فى المفهوم فلانّ مدلوله حجّية خبر العادل فى الاحكام والموضوعات ففى الاوّل بطريق الإطلاق وفى الثّانى مقيّد بانضمام عدل آخر اليه فقد عمل بالمورد فى المنطوق والمفهوم كليهما واخراج المورد المستهجن ان لا يعمل به فى المنطوق والمفهوم اصلا قوله وقد عرفت ضعفه مع انه بناء على الاحتمال الضّعيف المذكور يثبت المطلوب ايضا لانّ التوقّف هو عدم المضىّ والرّجوع الى الاصول العمليّة فى مقام العمل فتكون عبارة اخرى عن الردّ فيلزم كون العادل أسوأ حالا من الفاسق وهو باطل كما سبق تحقيقه قوله والظنّ الّذى لا يتمسّك به اه هذا على زعم من ذهب الى ان نتيجة دليل الانسداد على تقدير تماميّته هى حجّية مطلق الظنّ فى الفروع فقط دون الاصول كصاحب الرّياض وشريف العلماء وغيرهما وامّا على مذهب من زعم انّ نتيجته على تقدير تماميّته هى حجّية فى اصول الفقه والفروع معا كالمحقق القمىّ ره فى القوانين فى باب حجّية الخبر وفى اوّل الكتاب وان خالفه فى باب مقدّمة الواجب حيث صرّح بانّ الإجماع المنقول فى المسائل الاصوليّة غير ثابت الحجّية وكالمصنّف ره فلا يتأتى ما ذكر فيه فلعلّه ذكره على مذهب الغير وفى العبارة اشكال آخر اذ يفهم من هذا الكلام انّ الظنّ الخاصّ حجّة فى اصول الدّين والفقه مطلقا مع تصريحه فى قوله والاصول الّتى لا يتمسّك فيها بالظنّ مطلقا يعنى لا الظنّ المطلق ولا الظنّ الخاصّ هى اصول الدّين الّا ان يحمل هذا الكلام على المهملة قوله او من هو دونه لا يخفى انّ من هو دون المعصوم ع لا يفيد قوله العلم اذ يحتمل فى حقّه الخروج عن طاعة الله ولو بفعل الصّغائر فالاولى عدم ذكر قوله او من هو دونه قوله فالمراد به امّا الكافر ولا ينافى الحمل المذكور ما ورد

٣٤٥

فى شأن النزول من انّ المراد به الوليد بن عقبة وكونه مأمورا من قبل الرّسول ص باخذ الصّدقات من بنى المصطلق لإمكان كونه مظهرا للايمان ومبطنا للكفر وكان النّبى ص مامورا بالمداراة فيهم والمعاملة معهم معاملة الإسلام وقد ظهر من الوليد المذكور فى ايّام معاوية من السبّ وقتاله امير المؤمنين وغيرهما من المنكرات ما لا يخفى على احد لكن يخدشه شيئان الاول ان همّ جماعة من العقلاء على الاقدام بمجرّد خبر الوليد الّذى حاله كذا فى غاية البعد خصوصا بملاحظة همّ الرّسول على الاقدام على غزو بنى المصطلق كما نقلناه سابقا عن مجمع البيان وقد ذكر المصنّف ايضا سابقا انّ جماعة من العقلاء لا يقدمون على خبر مع عدم الوثوق به حيث يظهر منه كونهم واثقين بخبره وهو ينافى كونه كافر الثّانى انّ المفهوم على التقدير المزبور يكون حجّية خبر المسلم مطلقا ولا يقولون به وفيه انّه لا يرد على المصنّف ره ومن يقول بمقالته من عدم المفهوم للآية وايضا نقول على تقدير الالتزام بالمفهوم للآية انّ غاية الأمر الالتزام بتقييد المفهوم بما اذا كان المسلم عادلا من جهة ما دلّ من الخارج على اعتبار العدالة ولا ضير فيه قوله كما هو الشّائع فى الكتاب فانّه قد استعمل فى الكافر فى القرآن كثيرا كما فى قوله تعالى (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) وقوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وقوله تعالى (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) اه على ما يظهر من المفسّرين وغير ذلك قوله فى عرفنا المطابق للعرف السّابق لا يخفى انّ مطابقة عرفنا للعرف السّابق غير معلوم ومع الشكّ فى النّقل فى زمان نزول الآية فلا ريب انّ الاصل عدمه مع انّه مع تسليم ثبوت النّقل فى زمان نزول الآية فلا مساغ للحمل على الكافر كما ذكره اذ المعنى المذكور يكون معنى مجازيّا ولا ريب انّه لا بدّ من الحمل على الحقيقة فى صورة الدّوران الّا ان يكون مجازا مشهورا وهو محلّ تامّل وعلى تقديره لا بدّ من التوقّف فالاولى التمسّك به لا بما ذكره الّا ان يكون مراده قدس‌سره التّرديد ايضا قوله مضافا الى قوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ) اه ومثله قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) وقوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ولعلّ وجه الاستدلال انّ الآية فى مقام مدح مجتنبي الكبائر وان لم يجتنب الصّغائر كما انّ آية النّبإ فى مقام ذمّ الفاسق ومع ملاحظة ما ذكر لا يمكن حمل آية النّبإ على مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بفعل الصغائر فقط اذ قد عرفت من

٣٤٦

الآيات الاخرى كون مرتكب الصّغائر مع اجتناب الكبائر ممدوحا لا مذموما فلا بدّ من حمل آية النّبإ على مرتكب الكبائر سواء ارتكب الصّغائر ايضا ام لا فتمّ ما دامه المصنّف ره من الاستدلال بآية ان تجتنبوا كبائر اه فتدبّر قوله مع انّه يمكن اه اذ ليس المراد بالفاسق الفاسق فى جميع عمره بل حين الاخبار كما انّ المراد بالعادل العادل حين الأخبار فصحّ ما ذكره قدس‌سره من فرض الخلوّ عن الصّغيرة والكبيرة وح فان كان التّائب المذكور ممّن فرض عود الملكة اليه فهو عادل فلا يجب التبيّن فى خبره قطعا وان لم يكن له ملكة العدالة فيمكن دخوله فى عموم المفهوم فلا يجب التبيّن فى خبره ومع فرض عدم دخوله فيكون واسطة وكيف كان فلا ينحصر غير الفاسق فى المعصوم ع الّذى يكون خبره مفيدا للعلم هذا ويمكن اثبات الواسطة ايضا فيما اذا بلغ الصبىّ ولم يصدر عنه ذنب قوله لانّ ظاهر قوله ان جاءكم فاسق اه مع فرض عدم شمول ظاهر الآية على ما ذكره قدس‌سره فلا شكّ فى عموم المناط وح فلا بدّ من الحكم فيه بعدم الحجّية ايضا من جهة اصالة عدم الحجّية كما ظهر نظيره منه قدّه سابقا قوله شهرة العلماء على العمل اه الاولى اشارة الى الشهرة الاستنادية بانّ استند المشهور الى الخبر والثانية الى الشّهرة الفتوائية الخارجيّة المطابقة لمضمون الخبر والثالثة الى شهرة صدور الرّواية قوله فيدخل الموثق وشبهه المراد بالموثق ان يكون جميع سلسلة السّند او بعضها مع توثيق الكلّ غير امامى عادلا فى مذهبه والمراد بشبهه هو خبر غير الامامى المتحرز عن الكذب الفاسق بجوارحه الغير العادل فى مذهبه وكذلك الامامى المتحرز عن الكذب الفاسق بجوارحه ثم انّ قوله فيدخل الموثق مبنى على شمول الفسق لعدم الأيمان على ما ذكره بعضهم من انّه لا فسق اعظم من عدم الايمان وعدم اختصاصه بالفسق بالجوارح وعلى تقدير اختصاصه به فلا يشمل خبر الفاسق المتحرز عن الكذب الخبر الموثق قوله بل الحسن ايضا الظّاهر انّه عطف على الموثق فيكون الخبر الحسن من افراد خبر الفاسق المتحرز عن الكذب وفيه انّ الحسن كما ذكروا هو خبر امامى ممدوح لم يصرّح فيه بعدالة ولا فسق فادخاله فيه لا يخلو عن تكلّف وصعوبة ولو جعلناه عطفا على قوله خبر الفاسق لزال هذا الأشكال لكنّه خلاف ظاهر العبارة قوله دعوى صدقه على الاطمينان اه بل نقل عن صاحب الجواهر على ما اشرنا اليه سابقا ايضا انّ الظنّ الاطمينانى

٣٤٧

داخل فى العلم لغة وعرفا فيكون حجّة مطلقا فى الموضوعات وغيرها ولا يحتاج الى دليل ازيد من اعتبار العلم وفيه نظر ظاهر الاستدلال بآية النفر قوله وامّا لان رجحان لرجحان اه وامّا لما ذكره بعضهم من انّ الكلام المزبور بعد صرفه عن المعنى الحقيقى لا بدّ ان يكون انشائيّا مفيدا للطّلب وهو ظاهر فى الوجوب امّا بطريق الحقيقة بان يدّعى كون الخبر الّذى هو فى معنى الإنشاء موضوعا له فقط او بطريق الانصراف كما هو ممشى بعضهم فى صيغة الامر وما فى حكمه وتنظر فى الظّهور المذكور المحقّق القمىّ ره فى القوانين قال لما بيّناه فى مبحث الاوامر مشيرا الى انّ القدر المسلّم كون صيغة الامر حقيقة فى الوجوب وامّا ما هو بمعناه فلا وفيه نظر قوله ممّا لا يرضى الامر بانتفائه اه فان كان من قبيل الافعال الاختياريّة فلا بدّ ان يكون واجبا وان لم يكن من قبيل الأفعال الاختيارية سواء كان فعلا غير اختيارى او لم يكن فعلا اصلا فح لا يعقل الوجوب على المامور قوله كما فى قوله تب لعلّك تفلح اه قال شيخنا قدّه فى مجلس البحث وفى الحاشية تمام الامثلة المذكورة لما لا يكون متعلّقا للتكليف ضرورة انّ الفلاح ودخول الجنّة وتذكر الغير وخشيته ليس ممّا يقبل تعلّق التّكليف به وفيه تأمّل بالنّسبة الى المثال الاخير ضرورة انّ الخشية ممّا يتعلّق به الأمر والنّهى وتقع موردا للمدح والذمّ وهى كاشفة عن كونها اختيارية قابلة لتعلّق التكليف بها كيف ولو كان كذلك لكان الحذر الّذى هو بمعنى الخوف والخشية المتعلّق بالمتخلّفين المترتّب على التفقّه والأنذار الّذين هما فعلان المنافرين غير قابل لتعلّق التّكليف به مع انّ المصنّف ره بصدد اثبات وجوبه كما لا يخفى فتأمّل قوله نعم ربّما يترتّبان عليه بناء على ما قيل اه يعنى انّه ليس المراد بالتفقّه هو التفقّه الاصطلاحي بل هو بمعنى البصيرة فى الدّين بمشاهدة آيات الله وظهور اوليائه على اعدائه وهو يترتّب قهرا وعادة على النفر الى الجهاد ويترتّب على ذلك ما جرت العادة به من الاخبار بما راو او سمعوا وهو المراد بالإنذار فتخرج الآية على هذا عن مورد البحث ويؤيّد ذلك ما نقل عن بعض السّلف من انّ التفقّه فى صدر الإسلام لم يكن بمعنى العلم بالأحكام الشّرعيّة الفرعيّة بل هو فهم ما يتعلّق باصول الدّين وانّ جعل الفقه بالمعنى المذكور اصطلاح محدث للفقهاء هذا وانت خبير بانّ هذا غير معلوم بل الفقه فى القرآن هو بمعنى مطلق الفهم قال الله تعالى (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) وقال ايضا (ما نَفْقَهُ كَثِيراً) ممّا تقول غاية

٣٤٨

الامر انّ التفقه فى الدّين بمعنى طلب فهم كلّ ما يتعلّق بالدّين اصولا وفروعا فتخصيصه بالأصول او الفروع ليس ممّا ينبغى بل لا بدّ من حمله على المعنى الاعمّ ويؤيّد ذلك استشهاد الإمام ع بالآية فى كلا الموردين فى الاخبار الكثيرة الّتى يأتى بعضها ومنه يعلم عدم دلالة الآية على ما راموه من حجّية خبر الواحد ولو كان التفقّه والأنذار امرين اختياريّين مترتّبين على النّفر ضرورة عدم حجّية خبر الواحد فى اصول الدّين ولا حاجة الى التمسّك بذيل ما الايراد بذكر الآية فى آيات الجهاد وجوابه قيل من انّ المراد حصول البصيرة اه قوله وذكر الآية فى آيات الجهاد اه لا يخفى انّ الآية ظاهرة بحسب السّياق فى الجهاد وظهور السّياق متبع ما لم يكن هناك صارف عنه كما فى آية التّطهير الواردة فى شأن اهل البيت مع ورود الآية فى سياق الآيات الواردة فى شأن ازواج النبىّ ص وكما فى آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الواردة فى شان امير المؤمنين ع بعد نصبه فى غدير خم مع ورودها فى غير ذلك وغير ذلك ويؤيّده ما فى مجمع البيان فى بيان شأن النزول حيث قال قيل كان رسول الله اذا خرج غازيا لم يتخلّف عنه الّا المنافقون والمعذّرون فلمّا انزل الله عيوب المنافقين وبيّن نفاقهم فى غزاة تبوك قال المؤمنون والله لا نتخلف عن غزاة يغزوها رسول الله ولا سريّة ابدا فلمّا امر رسول الله ص بالسّرايا الى الغزو نفر المسلمون جميعا وتركوا رسول الله فانزل الله وما كان المؤمنون لينفروا اه عن ابن عبّاس فى رواية الكلبى ولا صارف عن السّياق الّا ظهور اللّام فى الغاية لا الفائدة ويردّه استعمال اللّام فى الفائدة كثيرا فى القرآن وغيره كقوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وقوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) وقوله تعالى (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) بل قيل انّ قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) من ذلك ايضا بناء على نفى الغرض فى افعاله تعالى وفيه نظر وقوله تعالى فى الحديث القدسىّ خلقت هؤلاء للجنّة ولا أبالي وخلقت هؤلاء للنّار ولا أبالي وقول القائل لدوا للموت وابنوا للخراب وقول الشّاعر فللموت ما تلد الوالدة فليكن هذا من ذلك ويؤيّد كون اللّام للفائدة لا للغاية ما نقله المصنّف ره عن قريب عن بعضهم والظّاهر انّ مراد المصنّف ره من العبارة المسطورة بقرينة قوله والحاصل انّ ظهور الآية فى وجوب التفقّه اه ان ظهور اللّام فى الغاية اقوى من ظهور

٣٤٩

السّياق فلا بدّ ان يؤخذ به لا بهذا وصرّح بهذا المعنى شيخنا قدس‌سره فى الحاشية ايضا ويمكن تقويته بأنّ اللّام موضوعة للغاية لا للفائدة واستعمالها فى بعض المواضع للفائدة كما فى مثل الآيات المذكورة للقرينة لا يستلزم حملها عليها مطلقا مع انّ الاصل الحقيقة وما نقلنا عن مجمع البيان عن ابن عبّاس فى شأن النّزول لا ينافيه لأنّ منع المؤمنين كافة عن النّفر الى الجهاد انّما هو لأجل ان يبقى مع النبىّ ص جماعة ليتعلّموا عنه معالم الدّين ويخبروا الطّائفة النافرة بعد رجوعهم عن الجهاد ولذا نقل فيه عن ابن عبّاس انّ معنى الآية فهلا خرج الى الغزو من كلّ قبيلة جماعة ويبقى مع النبىّ ص جماعة ليتفقّهوا فى الدّين يعنى الفرقة القاعدين يتعلّمون القرآن والسّنن والقوانين والأحكام فاذا رجعت السّرايا وقد نزل بعدهم قران وتعلّمه القاعدون قالوا لهم اذا رجعوا اليهم انّ الله قد انزل بعدكم على نبيّكم قرانا وقد تعلّمنا فيتعلّمه السّرايا فذلك قوله تعالى ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم اى وليعلّموهم القرآن ويخوفوهم به اذا رجعوا اليهم لعلّهم يحذرون فلا يعملون بخلافه ويؤيّد ذلك الاخبار الواردة فى هذا المضمار كما اشار اليها المصنّف فى الكتاب ويؤيّده ايضا ما فى مجمع البيان عن بعض المفسّرين من انّ التفقّه راجع الى النافرة والتقدير ما كان لجميع المؤمنين ان ينفروا الى النبىّ ص ويخلو ديارهم ولكن لينفر اليه من كلّ ناحية طائفة لتسمع كلامه وتتعلّم الدّين منه ثم ترجع الى قومها فتبيّن لهم ذلك وتنذرهم لكن قد عرفت انّ التفقّه فى الدّين شامل للاصول والفروع ومن المعلوم انّ قول النبىّ ص يفيد القطع للحاضرين وانّ خبر الواحد ليس بحجّة فى الأصول فمن اين يثبت ما رامه المصنّف ره من حجّية قول الحاضرين عند النبىّ ص للغائبين سواء كان الحاضرون عنده عليه‌السلام حاضرين فى المدينة ايضا ام لا على اختلاف التّفسيرين ثم انّه يرد على المصنّف ره ايضا بانّ القول بعدم ظهور سياق الآية فى الجهاد بنفسه او بملاحظة اللّام الظّاهرة فى الغاية لا الفائدة ممّا لا ينبغى التعرّج عليه اذ ظهور الآية فيه بنفسه بملاحظة صدرها والآيات السابقة الواردة فيه والآية اللّاحقة وهى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) اه ممّا لا ريب فيه خصوصا بملاحظة ما نقل فى شأن النّزول وما ذكره المفسّرون الّا شاذا منهم ولا يعارضه ظهور اللّام فى الغاية لا الفائدة اذ التعارض هو

٣٥٠

تنافى مدلولى الدّليلين بحسب التّناقض او التضادّ على ما سيأتى فى التعادل والتّرجيح ولا منافاة بين كون النفر للجهاد والتفقّه فى الدّين كليهما على ان يكون النافرون هم المتفقهون على ما بنى عليه فى الجواب الثانى وذكره بعض المفسّرين ولعلّه الظاهر من الآية وكذلك لا منافاة بين ان يكون نفر طائفة من كلّ فرقة للجهاد وتخلّف المتخلّفين وتشرفهم بحضور النبىّ ص للتفقّه فى الدّين وانذار قومهم النافرين بعد مراجعتهم من الغزو على ما بنى عليه الامر فى الجواب الثّالث وذكره بعض المفسّرين بل ورود الرّواية على طبقه عن الباقر عليه‌السلام على ما سنذكره فاين التنافى حتّى يلتجأ الى رفع اليد عن ظهور السّياق ويقال انّ ذكر الآية فى آيات الجهاد لا يدلّ على ذلك وهذا بمكان من الظّهور فالصّواب اسقاط الجواب الاوّل والتمسّك بغيره قوله وثانيا لو سلّم ان المراد النفر اه هذا الجواب مبنىّ على ان يكون الضّمير فى قوله تعالى وليتفقّهوا ولينذروا راجعا الى النافرين وان يكون المراد بيان حالهم وتكليفهم فى الغزوات وملخّص مراد المصنّف كما يدلّ عليه قوله لأجل مجرّد الجهاد وقوله ولو كان لمحض الجهاد وان ابى عنه ظاهر ذيل كلامه الغير المراد قطعا من انّ ايجاب اصل النفور لأجل الجهاد وايجاب النفر على طائفة من كلّ قوم لأجل التفقّه والأنذار انّ النفر ليس لأجل الجهاد فقط اذ لو كان لأجل مجرّد الجهاد لم يتعيّن ان ينفر من كلّ قوم طائفة اذا الغرض من الجهاد هو قمع الأعداء واستيصالهم وهو كما يحصل مع نفر طائفة من كلّ قوم كذلك يحصل مع نفر قبيلة مثل بنى تميم او بنى اسد مثلا باجمعهم فلا بدّ ان يكون نفر طائفة من كلّ قوم لأجل الجهاد ولأجل ان يتعلّموا احكام الدّين من النبىّ ص ويعلّموا قومهم المتخلّفين بعد مراجعتهم فيحصل فيه كلا الغرضين من قمع الأعداء وتعلّم النّاس جميعا احكام الشرع المطهّر بلا واسطة لجمع ومعها لجمع آخرين وهم المتخلّفون فالغرض من الآية بيان الواجب الكفائى وهو الجهاد والواجب العينى وهو تعلّم الأحكام الواجب على جميع الناس ويحصل منها بيان واجب كفائى آخر وهو تعليم احكام الشّرع للنّاس فيستفاد منها بيان واجبات ثلاثة اثنان منها كفائيان وهما الجهاد وتعليم الأحكام وواحد منها عينى وهو تعلّم احكام الدّين ويستفاد الاوّل من صدر الآية والآيات السّابقة عليها والآية اللّاحقة ولذا لم يذكرها هنا فى الغايات صريحا و

٣٥١

يستفاد الثانى من قوله تعالى (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) ويستفاد الثالث من قوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا) ظهور الآية فى وجوب التفقه والإنذار (فِي الدِّينِ) مع قوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قوله وثالثا انّه قد فسّر الآية هذا الجواب مبنى على ان يكون المراد بيان حال النافرين فى السّرايا والمتخلّفين جميعا وان يكون الضّمير فى ليتفقّهوا ولينذروا راجعا الى الفرقة المتخلّفة وان يكون المراد بالقوم هم النافرين وان يكون الضّمير فى لعلّهم يحذرون راجعا اليهم ويكون الغرض ايضا بيان واجبات ثلاثة كما سلف عن قريب الجهاد وتعلّم المتخلّفين الاحكام عن النبىّ ص وتعليمهم للنّافرين لأجل الجهاد والتفسير المذكور هو الّذى نقله فى مجمع البيان عن ابن عبّاس وقد اختصره المصنّف وقد نقلناه عن قريب فراجع وهذا التّفسير انسب بصدر الآية حيث انّه تضمّن نهى المؤمنين ان ينفروا جميعا اذ معه يتعطّل الواجبات الأخر ان اعنى التعلّم والتّعليم مع كون النبىّ ص فى المدينة ويمكن تطبيق التفسير الاوّل الّذى بنى عليه فى الجواب الثّانى عن الصّدر ايضا اذ مع نفر جميع المؤمنين فى الغزوات مع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتعطّل امور المعاش من الحرث والزّرع وساير وجوه الكسب وتحصيل المعاش ايضا واجب كما انّ تحصيل المعاد واجب ثم انّه قد اورد شيخنا قدس‌سره فى الحاشية وغيره على هذا الجواب اوّلا بانّ خبر الواحد ليس بحجّة فى مقام حجّية خبر الواحد وثانيا بانّه على تقدير التسليم لا دليل على التّفسير المذكور حيث انّه غير مروى عن الأئمّة عليهم‌السلام انتهى والثانى يندفع بانّه قد روى فى مجمع البيان هذا التّفسير عن الباقر عليه‌السلام قال قدس‌سره بعد ان نقل التفسير المذكور عن ابن عبّاس وقتادة والضّحاك وقال الباقر عليه‌السلام كان هذا حين كثر النّاس فامرهم الله ان ينفر طائفة ويقيم طائفة للتفقّه وان يكون الغزو نوبا ورواه فى الصّافى ايضا عنه ع قال بعد نقله اقول يعنى يبقى مع النبىّ ص طائفة للتفقّه وانذار النافرة فيكون النفر للغزو والقعود للتفقّه انتهى ويمكن دفع الإيراد الاوّل ايضا بانّه ليس المقصود التمسّك بالتّفسير المذكور لاثبات حجّية خبر الواحد بل مقصوده التمسّك بظهور الآية فى نفسها فى وجوب التفقّه والأنذار وان ورود الآية فى الجهاد لا ينافيه لاحتمالها التفسير المزبور وهذا ظاهر جدّا قوله ظهور الآية فى وجوب التفقّه لا ريب فى ظهور الآية فى وجوب التفقّه لكن بالمعنى الأعمّ من الفروع والاصول ولذا لا تدلّ على حجّية خبر الواحد لعدم حجّيته فى الاصول قطعا وقد ذكرناه عن قريب قوله وان لزم مخالفة الظّاهر فى سياق

٣٥٢

اه قد ذكرنا عدم لزوم مخالفة الظّاهر فى السّياق لعدم منافات السّياق لوجوب التفقّه على كلا التّفسيرين فراجع قوله وممّا يدلّ على ظهور الآية اه دلالة الأخبار على ظهور الآية من جهة الاستشهاد ممّا لا خفاء فيه لأنّ الاستشهاد لا بدّ ان يكون بامر وجدانى معروف عند العرف ولا معنى للاستشهاد بالأمر التعبّدى ولكن كونها دليلا على ذلك موقوف على تواترها ولو اجمالا وهو غير معلوم فالاولى التّعبير بالتّأييد كما فعلنا سابقا قوله ومنها صحيحة عبد الاعلى قال العلّامة المجلسىّ قدس‌سره الحديث حسن على الظّاهر وقوله من مات وليس له امام اه المشهور من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهليّة ولعلّه نقله بالمعنى والحديث فى غاية الظّهور فى انّ المراد الإمام المعروف من جهة ظهور لفظ الإمام فى ذلك وان صحّ اطلاقه على القرآن كما فى قوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) فقيل انّ المراد به القرآن وقيل غير ذلك لكن الشّائع هو غيره ومن جهة ظهور قوله ص امام زمانه فى اختلافه باختلاف الأزمنة فمن العجيب ما ذكره بعض العامّة من انّ المراد من امام زمانه هو القرآن ثم انّ قوله ص ميتة الجاهليّة بكسر الميم لبيان النّوع ونصب على المصدريّة والمفعول المطلق فيه نوعى كما فى قوله تعالى (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) قوله لم يسعه ذلك فيه تقدير الاستفهام يعنى اذا كان الرّجل بخراسان ألم يسعه ذلك يعنى عدم معرفته الإمام بسبب غيبته قال ع لا يسعه ذلك بل لا بدّ من الطّلب والنفر وقوله ع وحقّ النفر فعل ماض يعنى وجب النفر على الغائبين اذا بلغهم موت الإمام ع قوله ومنها رواية عبد المؤمن الأنصارى اه فى الصّافى عن العلل وفى الوسائل عن معانى الاخبار والعلل عن على بن احمد بن محمد بن عمران الدقاق عن ابى الحسين محمّد بن جعفر الأسدى عن صالح بن ابى حمّاد عن احمد بن هلال عن ابن ابى عمير عن عبد المؤمن الأنصارى قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انّ قوما يروون انّ رسول الله ص قال اختلاف امّتى رحمة فقال صدقوا فقلت ان كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث تذهب وذهبوا انّما اراد قول الله عزوجل فلو لا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا فى الدّين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلّهم يحذرون فامرهم ان ينفروا الى رسول الله ص فيتعلّموا ثم يرجعوا الى قومهم فيعلّموهم انّما اراد اختلافهم من البلدان لا اختلافهم فى دين الله انّما الدّين واحد انّما الدين واحد قوله فالمعنى لعلّه يحصل لهم العلم فيحذروا وقد تبع

٣٥٣

المصنّف ره فى ذلك الشيخ ره فى العدّة حيث قال فى مقام الجواب وهذه الآية لا دلالة فيها لأنّ الّذى يقتضيه ظاهر الآية وجوب الأنذار على الطّائفة وليس فى وجوب الأنذار عليهم وجوب القبول منهم لأنّه غير ممتنع تعلق المصلحة بوجوب الأنذار عليهم ولا تتعلّق بوجوب القبول منهم الّا اذ انضاف اليه شيء آخر ألا ترى انّه قد يجب التحذير والأنذار من ترك معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وان لم يجب القبول من المخبر فى ذلك بل يجب الرّجوع الى ادلّة العقل وما يقتضيه وكذلك يجب على النبىّ ص الأنذار وان لم يجب القبول منه الّا اذا دلّ العلم المعجز على صدقه فيجب ح القبول منه فكك القول فى تحذير الطّائفة انّه يجب عليهم التحذير ويجب على المنذر الرّجوع الى طرق العلم وايضا يجب على احد الشّاهدين اقامة الشّهادة ولا يجب على الحاكم تنفيذ الحكم بشهادته الّا اذا انضاف اليه من يتكامل الشّهادة به وكذلك يجب على آحاد المتواترين النقل فيما طريقه العلم وان كان لا يحصل العلم بخبره ولا يجب علينا ان نعتقد صحّة ما اخبر به ولذلك نظائر كثيرة فى العقليّات ألا ترى انّه قد يجب على واحد منّا العطيّة الى غيره وان كان ذلك الغير لا يجوز له اخذها ألا ترى انّ من ألجأ غيره ظلما بتخويف القتل الى اعطائه المال او الثياب يجب عليه اعطائه بحكم العقل خوفا من القتل ولا يجوز للظّالم الملجأ اخذ ذلك على وجه من الوجوه الى آخر ما افاده قدس الله سرّه المناقشة فى الاستدلال بهذه الآية قوله الثانى انّ التفقّه الواجب اه الاولى التشبّث فى مقام اثبات عدم دلالة الآية بذيل ما ذكرناه من انّ الدّين هو الاحكام الثابتة من الشّارع اصولا وفروعا ومن الواضح عدم حجّية خبر الواحد فى اصول الدّين وحمل الآية على وجوب الاخذ بما اخبر به المتفقّهون المنذرون اذا افاد العلم فى الاصول ومطلقا فى الفروع وان امكن لكن ليست الآية ظاهرة فى ذلك ومن المعلوم انّه يجب الأخذ بظواهر الألفاظ لا بكلّ ما يحتمله اللّفظ وان لم يكن ظاهرا فيه قوله الّا معرفة الامور الواقعيّة من الدّين التخصيص بالأمور الواقعيّة من الدّين ليس على ما ينبغى اذ كما يجب معرفة الامور الواقعية من الدّين كذلك يجب معرفة الامور الظّاهرية منه وكما يجب الاقرار بالامور الواقعية الثابتة من صاحب الشّرع من جهة وجوب الإقرار بما جاء به النبىّ ص كذلك يجب الاقرار بالأحكام الظّاهريّة الثابتة من صاحب الشّرع من جهة ما ذكر لكن يتم الايراد الّذى اورده المصنّف ره على تقدير التعميم الّذى ذكرنا لأنّ العلم كما هو شرط التنجّز فى الأحكام

٣٥٤

الواقعيّة كذلك هو شرط فى تنجّز الأحكام الظاهريّة وكما امتنع كونه شرطا للحكم الواقعى للزوم الدّور كذلك يمتنع كونه شرطا للحكم الظّاهرى الّذى يقال له الواقعى الثانوى للزوم الدّور ايضا فعلى تقدير احراز الواقع بالعلم يترتب عليه ما ذكر فى الآية من وجوب الحذر وعلى تقدير عدمه لا يعلم بكون المنذر انذر واخبر بالدين الواقعى ولا شكّ انّه مع الشكّ يرجع الى الاصل وهى اصالة عدم الحجّية بمعنى القاعدة المستفادة من الأدلّة الاربعة على التحقيق او استصحاب عدم الحجّية او غيره على مذاق بعضهم وقد سلف ثم انّه يمكن الذبّ عن الايرادين الّذين اوردهما المصنّف بانّ المراد من الآية انذار كل واحد من النافرين اقوامه وعشيرته وطائفته واهل بلده مثلا لا انذار كلّ واحد من النافرين كلّ واحد من النّاس والخبر المذكور لا يفيد العلم غالبا فلو حمل عليه لكان حملا على الفرد النّادر مضافا الى انّ وجوب الأنذار مع عدم افادة قولهم العلم وعدم وجوب الحذر لغو لا فائدة فيه لكن دفع الثّانى قد ظهر ممّا نقلناه عن الشيخ قدس‌سره من ذكر الامثال والنظائر فراجع ودفع الاوّل ايضا يظهر ممّا اسلفناه من ظهور قوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) فى الأعمّ من الاصول والفروع ولا بدّ فى الاوّل من حمل وجوب الحذر على تقدير افادة اخبار المنذرين العلم امّا بالتّواتر وامّا بالاحتفاف بالقرينة القطعيّة المفيدة له قوله ثم الفرق بين هذا الايراد وسابقه الفرق بين الايرادين ان فى الثانى النّطق بالاختصاص لا بمعنى كون العلم مأخوذا فى اللفظ بل لانّ المراد بالإنذار الأنذار بالامور الواقعيّة من جهة ظهور لفظ الدّين فى ذلك واحرازها يكون بالعلم لكونه شرطا لتنجزها كما سلف الاشارة اليه وامّا فى صورة الشكّ فيرجع الى الاصول بخلاف الايراد الاوّل فانّ الاقتصار على العلم فيه انّما هو لأجل الأخذ بالقدر المتيقّن مع فرض كون القضيّة مهملة فى قوّة الجزئية فليس فيها نطق بالاختصاص بل يحتمل شمولها لغير العلم ايضا إلّا انّه لا يحكم به لعدم الطريق اليه بعد وجوب الاخذ بالقدر المتيقن الّذى مقتضاه الاقتصار على العلم قوله لا يجب الّا على الوعّاظ اه فعلى تقدير وجوب الوعظ من باب اللطف يجب التخويف على الواعظ من بابه ايضا لانه ادخل فى الرّدع ثم ان الفرق بين الوعظ والامر بالمعروف والنّهى عن المنكر انّ الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر فى مقام اشتغال المكلّف بالمنكر وتركه للمعروف بخلاف الوعظ فانّه لا يعتبر فيه ذلك والفرق بينهما وبين الارشاد انّ الإرشاد فى مقام جهل المكلّف بخلافهما قوله او على المرشدين

٣٥٥

فى مقام ارشاد الجهّال وجوب التخويف على المرشد امّا بملاحظة انّ فى بيان الأحكام انذار فى الجملة ولو فى بعضها فوجوب الإرشاد يستلزم وجوب الأنذار وامّا لأنّ الجاهل المتورّط فى الجهل القاسى القلب لا يكفى فى ارشاده محض بيان الأحكام بل يمكن اعتبار وجوب الأنذار والتخويف فيه ليكون اوقع فى الرّدع والزّجر فيكون وجوب الأنذار فى مقام الإرشاد لأجل اللّطف فتدبّر قوله توضيح ذلك كون ما ذكره قدس‌سره توضيحا لما سبق موقوف على شيئين احدهما ادراج المفتى والحاكى عن الحجّة فى المرشد لارشاد الأوّل مقلّديه وارشاد الثّانى النّاس مطلقا ولا يخلو عن تأمّل والثّانى وجوب الأنذار والتخويف على المفتى والحاكى عن الإمام عليه‌السلام ليناسب ما سبق من عدم وجوب الأنذار والتخويف الّا على الوعّاظ او على المرشدين ولينطبق على ما دلّ عليه الآية من وجوب الأنذار على ما بنى عليه فى الاستدلال ولم يبيّن الثّانى فى كلامه بل ذكر انّ المنذر امّا ان ينذر او يخوّف على وجه الإفتاء اه ويمكن اثبات الثّانى بما سنذكره عن قريب واشرنا اليه من انّ فى بيان الوجوب والتّحريم سواء كان بلسان الفتوى او غيرها انذارا فاذا كان بيان الوجوب والتّحريم واجبا يكون الأنذار ايضا واجبا فانتظر ويمكن ان يكون ما ذكره المصنّف توضيحا لأصل الإيراد مع قطع النّظر عمّا ذكره من عدم وجوب التخويف الّا على الوعّاظ او على المرشدين وهذا ابعد قوله فالآية الدالّة على وجوب التخوف عند تخويف المنذرين اه قد تحقّق فى محلّه واشرنا اليه فى صدر الكتاب انّ النّاس كانوا فى زمن النبىّ ص والأئمّة عليهم‌السلام على اصناف ثلاثة مجتهد ومقلّد وعامل بالأخبار وهذا الأخير اذا شافه المعصوم ع وكان مخاطبا بخطاباته يحصل له العلم غالبا كما هو المشاهد فى الألفاظ المستعملة فى محاورات النّاس حيث انّه يحصل العلم غالبا بالمشافهة بمراد المتكلّم وقد يحصل له الظنّ بمراد المعصوم ع والعامل بالاخبار كان يعمل بكلا قسميه فى الفروع ضرورة حجّية ظواهر الألفاظ فيها وإن كان يقتصر على القطع فى الاصول وذكرنا عن قريب انّ التفقّه فى الآية بمعنى مطلق فهم المسائل وان لم يكن له ملكة الاستنباط والاجتهاد وليس المراد به ما هو المصطلح عليه فى زماننا هذا وما ضاهاه من العلم بالأحكام الشّرعيّة الفرعيّة عن ادلّتها التفصيليّة اذ هو اصطلاح مستحدث لا مساغ لحمل الآية عليه ثم انّ المتفقّه المذكور قد يكون راويا عن المعصوم ع وروايته قد يكون بنقل لفظ المعصوم ع وقد

٣٥٦

يكون بنقل لفظ المعصوم ع وقد يكون بالنقل بالمعنى وكلّ منهما قد يكون بنقل الحكم الإلزامي وقد يكون بنقل غيره ونقل الحكم الإلزامي على قسمين الاوّل الاخبار عن المعصوم ع بانّه قال انّ الشّيء الفلانى واجب او حرام الثّانى الأخبار عنه بانّه قال مثلا من ترك الصّلاة متعمّدا فقد كفر او من ترك الصّوم كذلك استحق النّار والقسم الاوّل اخبار بالحكم الإلزامي بالمطابقة وانذار باستحقاق العقاب على الفعل او التّرك بالالتزام والقسم الثانى اخبار باستحقاق العقاب على الفعل او الترك وانذار به بالمطابقة واخبار بالحكم الإلزامي بالالتزام فاذا فرض انّ الخبر صريح الدّلالة على الحكم الإلزامي مطابقة او التزاما وفرض ان لا معارض له ولا فيه ساير وجوه الاختلال ونقله المتّفقة المزبور وان لم يكن مجتهدا لغيره سواء كان الغير ـ مجتهدا او عاملا بالخبر مثل الرّاوى المذكور فقد عمل بما وجب عليه من التفقّه ومن نقل الأخبار الّتى يتحقّق بها الأنذار ومقتضى الآية وجوب الحذر على المنقول اليه سواء كان مجتهدا او عاملا بالأخبار فى الفرض المزبور ولازم وجوب الحذر وجوب العمل بالخبر وتصديق المخبر والبناء على الصّدور فاذا فرض دلالة الآية على حجّية خبر الواحد فى المورد المزبور ثبت حجّيته فى غيره من الموارد ايضا بالإجماع المركّب وممّا ذكر ظهر فساد ما ذكره المصنّف ره فى هذا المقام وظهر صحّة ما ذكره فى القوانين والفصول وغيرهما من انّه اذا ثبت بالآية جواز العمل بالخبر عند قصد الأنذار ثبت مع عدمه لعدم قائل بالفرق وظهر النظر ايضا فيما ذكره شيخنا المحقق قدّه فى الحاشية اولوية الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد والتقليد قوله اولى من الاستدلال بها وجه الاولويّة قد ظهر ممّا قرّره المصنّف ره وليس المراد تماميّة الاستدلال بها لأنّا لو سلّمنا عدم ورود هذا الإيراد فالإيرادان السّابقان بحالهما ومعهما لا يمكن الاستدلال على حجّية الخبر ولا على وجوب الاجتهاد كفاية ولا على وجوب التقليد كما لا يخفى كما انّ ما قرّرناه فى الحاشية السّابقة من تماميّة الاستدلال بها على حجّية خبر الواحد انّما هو مع قطع النظر عمّا اورده كلام الشيخ البهائى فى المقام المصنّف قدّه وما اوردناه على الاستدلال بها وذلك ظاهر فى الغاية قوله انّ الاستدلال بالنّبوى المشهور سيأتى من المصنّف ره فى مقام نقل الاخبار الحكم بكونه متواترا حيث قال بل المتواتر وسيأتى الكلام فى معنى الحديث المذكور ايضا إن شاء الله الله فانتظر قوله ضعيف جدّا كما سيجيء اه سيأتى منه قدس‌سره انّ فى الاستدلال بالخبر المذكور نظرا ولم يذكر وجه

٣٥٧

النظر فان كان مراده قدّه من هذا الكلام بيان وجه الضّعف كما لعلّه الظاهر منه فهو وعد لم يف به الاستدلال بآية الكتمان والمناقشة فيها قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) اه الآية فى سورة البقرة ومثلها آية اخرى فى سورة البقرة ايضا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) اه وآية اخرى فى سورة آل عمران (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) اه قوله ويشهد لما ذكرنا انّ مورد الآية اه هذا قول اكثر المفسّرين حيث ذكروا انّ المعنى بالآية اليهود والنّصارى مثل كعب بن اشرف وكعب بن اسيد وابن صوريا وغيرهم من علماء اليهود والنّصارى الّذين كتموا امر محمّد ص ونبوّته وهم يجدونه مكتوبا عندهم فى التّورية والإنجيل مثبتا فيهما نقل ذلك عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وغيرهم وقيل انّه متناول لكلّ من كتم ما انزل الله وهو اختيار البلخى قال فى مجمع البيان وهو اقوى لأنّه اعمّ فيدخل فيه اولئك وغيرهم انتهى ولا يخفى عدم دلالة الآية على التقدير الثّانى ايضا لأنّ شمول الآية لأصول الدّين ممّا لا شبهة فيه ومن المعلوم عدم حجّية الظنّ فيها وقد ذكر فى مجمع البيان الوجهين ايضا فى الآية الثانية وفى الآية الثالثة وجوها ثلاثة احدها انّ المراد بهم اليهود والثانى انّ المراد بهم النّصارى والثالث كلّ من له علم بشيء ممّا فى الكتب فكان الاولى ذكر المصنّف النّصارى ايضا قوله وبآية وجوب اقامة الشّهادة مثل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) اه وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) اه وقوله تعالى (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) وقوله تعالى (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) وقوله تعالى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وقوله تعالى فى ذيل الآية الاولى (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) حيث نقل عن الباقر ع فى تفسيرها وان تلووا اى تبدّلوا الشّهادة او تعرضوا اى تكتموها هذا ولكن قد سمعت ما نقلنا عن الشيخ ره فى العدّة فى ردّ الاستدلال بآية النفر على حجّية خبر الواحد حيث قال وايضا يجب على الشّاهدين اقامة الشهادة ولا يجب على الحاكم تنفيذ الحكم بشهادته الّا اذا انضاف اليه من يتكامل الشهادة به انتهى ومنه يظهر عدم دلالة الآيات على وجوب القبول مطلقا كما هو المنظور بل بالشّرط قوله مع امكان كون وجوب الإظهار اه هذا الإمكان انّما هو فى آية النفر وآيات

٣٥٨

الكتمان الّتى عدّدناها لإمكان تعدّد المخبرين فيها ويكون فائدة وجوب الأخبار ما ذكره من رجاء وضوح الحق بتراكم الأخبار ولا يتأتى ذلك فى آية تحريم كتمان ما فى الأرحام على النّساء ولعلّ المصنّف قدس‌سره اراد ذلك ايضا الاستدلال بآية السؤال من أهل الذكر والمناقشة فيها قوله تعالى (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) اى بالبراهين والكتب متعلّق بقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا) اى وما ارسلنا بالبيّنات والزّبر الّا رجالا نوحى اليهم دون الملك فاسئلوا او متعلّق بارسلناهم محذوفا اى ارسلناهم بالبيّنات والزّبر قوله وقد عقد فى اصول الكافى بابا لذلك بل نقل بطرق العامّة ايضا فعن تفسير محمّد بن موسى الشّيرازى من علماء الجمهور الّذى استخرجه من التّفاسير الاثني عشر عن ابن عبّاس فى قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر) قال هو محمّد وعلى وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلم وعن الشّهرستانى فى تفسيره عن جعفر بن محمّد ع انّ رجلا سأله فقال من عندنا يقولون فى قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) انّ الذكر هو التّورية واهل الذّكر هم علماء اليهود فقال عليه‌السلام والله اذن يدعوننا الى دينهم بل نحن والله اهل الذكر الّذين امر الله بردّ المسألة الينا قال وكذلك نقل عن علىّ ع انّه قال نحن اهل الذّكر وروى عن سفيان الثورى عن السّدى عن الحرث ايضا انّ اهل الذكر هو محمّد وعلىّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلم قوله وقد ارسله فى المجمع عن علىّ ع اه ارسله فى مجمع البيان فى سورة الأنبياء عنه عليه السّلم وامّا فى سورة النّحل فقد ارسله عن أبي جعفر ع وفى مجمع البحرين ارسله عن أبي جعفر عليه السّلم وفى مجمع البيان ذكر له تفاسير احدها انّ المراد باهل الذكر اهل العلم باخبار من مضى سواء كانوا مؤمنين ام كافرين وسمّى الذّكر علما لانّ الذّكر منعقد بالعلم فانّ الذّكر هو ضدّ السّهو وثانيها انّ المراد باهل الذّكر اهل الكتاب اى فاسئلوا اهل التورية والإنجيل وثالثها انّ المراد به اهل القرآن او اهل الرّسول اقول وقد سمّى الله تعالى القرآن ذكرا حيث قال (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وقوله تعالى (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) والرّسول ذكرا فى قوله تعالى (ذِكْراً رَسُولاً) قوله وردّ بعض مشايخنا هذه الأخبار اه لا يحتاج فى ردّ هذه الاخبار الى التمسّك بضعف السّند اذ مع صحّتها ايضا لا يمكن التمسّك بها فى منع الاستدلال بالآية لكونها آحادا لا تنفع فى الأثبات والمنع الّا ان يقال انّه اذا وردت اخبار صحيحة سيّما اذا كانت مستفيضة فى تفسير آية تكون مصادمة لظهورها فى غير مفادها ونصير سببا لاجمالها وان لم تثبت حجّيتها قوله وهما

٣٥٩

روايتا محمّد بن مسلم اه روى فى الكافى عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال انّ من عندنا يزعمون انّ قول الله عزوجل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) انّهم اليهود والنصارى قال اذا يدعونكم الى دينهم قال ثم مال قال نسخه بيده الى صدره نحن اهل الذكر ونحن المسئولون وفيه عن الوشاء عن ابى الحسن الرّضا ع قال سمعته يقول قال علىّ بن الحسين عليه‌السلام على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا امرهم الله عزوجل ان يسألونا قال فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فامرهم ان يسألونا وليس علينا الجواب ان شئنا اجبنا وان شئنا امسكنا وهما صحيحتان وامّا رواية اخرى للوشاء عن ابى الحسن الرّضا ع الّتى فى آخرها هذا عطائنا فامنن او امسك بغير حساب فهى ضعيفة على ما نصّ عليه فى مرآة العقول قوله ورواية ابى بكر الحضرمى حسنة او موثقة روى فى الكافى عنه قال كنت عند ابى جعفر عليه‌السلام ودخل عليه الورد اخو الكميت فقال جعلنى الله فداك اخترت لك سبعين مسئلة ما يحضرنى منها مسئلة واحدة فقال ولا واحدة يا ورد قال بلى قد حضرنى منها واحدة قال وما هى قال قول الله تبارك وتعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) من هم قال نحن قلت علينا ان نسألكم قال نعم قلت عليكم ان تجيبونا قال ذاك الينا الاستدلال بآية الأذن والمناقشة فيها قوله فى الحسن بابن هاشم قد اختلف فى ابراهيم بن هاشم والد على صاحب التّفسير والمشهور فيه كونه ممدوحا وقيل بانّه ثقة والعمدة فى الحكم بتوثيقه اعتماد ابنه الجليل الشّأن عليه والحديث المذكور هو ما رواه فى محكىّ فروع الكافى انّه كانت لاسماعيل بن ابى عبد الله دنانير واراد رجل من قريش ان يخرج الى اليمن قال إسماعيل يا أبه انّ فلانا يريد الخروج الى اليمن وعندى كذا وكذا دينارا فترى ان ادفعها يبتاع لى بضاعة من اليمن فقال ابو عبد الله ع اما بلغك انّه يشرب الخمر فقال إسماعيل هكذا يقول النّاس فقال ع يا نبىّ لا تفعل فعصى اباه ودفع اليه دنانير فاستهلكها فلم يأت بشيء منها فخرج إسماعيل وقضى انّ أبا عبد الله ع حجّ وحجّ إسماعيل فى تلك السنة فجعل يطوف البيت ويقول اللهم اجرنى واخلف علىّ فلحقه ابو عبد الله ع فغمزه بيده من خلفه وقال منه يا بنىّ مالك على الله هذا ولا لك ان يؤجرك ولا يخلّف عليك وقد بلغك انّه يشرب الخمر فائتمنته فقال إسماعيل يا ابه انّى لم اره يشرب الخمر انّما سمعت النّاس يقولون فقال ابو عبد الله عليه‌السلام يا بنىّ انّ الله عزوجل يقول فى كتابه

٣٦٠