إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

الحقيقة وعكسه امارة المجاز ومنها فقدان العلاقة بين معنيين مع انحصار ما يمكن الحقيقة فيهما او بين الحقيقة ومعنى آخر اذا انحصر الموضوع له فيه ومنها الاستثناء مطّردا ومنها حسن الاستفهام ومنها اصالة عدم النّقل فى اثبات الحقيقة اللّغوية بعد ما ثبت له فى العرف حقيقة ومنها صحّة التقسيم ومنها اشتداد الحاجة الى المعنى فانّه يستلزم الوضع من واضع اللّغة ومنها شهرة اللّفظ بين النّاس فانّها تستلزم وضعه لمعنى غير خفى لا يدركه الّا الخواصّ ومنها غلبة الاستعمال ومنها التزام التقييد فى المعنى فانّه علامة للمجاز مثل جناح الذلّ ونار الحرب ومنها اطلاقه لأحد مسمّييه اذا توقف على تعلّقه بالآخر فانّه طريق للمجاز نحو ومكروا ومكر الله ومنها امتناع الاشتقاق فانّه علامة للمجاز كالأمر فانّه لمّا كان حقيقة فى القول اشتق منه الامر والمأمور ولمّا لم يكن حقيقة فى الفعل لم يوجد فيه الاشتقاق ومنها جمع اللّفظ على صيغة مخالفة لصيغة جمعه لمسمّى آخر هو فيه حقيقة فانّه علامة للمجاز كامور جمع امر للفعل وامتناع اوامر الّذى هو جمعه بمعنى القول الّذى هو حقيقة فيه باتّفاق ووجه دلالته انّه لا يكون متواطيا فيهما فامّا مشترك او حقيقة ومجاز والمجاز اولى ومنها انّهم اذا وضعوا اللّفظ لمعنى ثم تركوا استعماله فى بعض موارده ثم استعملوه بعد ذلك فى ذلك الشّيء عرف كونه مجازا عرفيّا كالدّابّة للحمار ومنها انّ المعنى الحقيقى اذا كان متعلّقا بالغير فاذا استعمل فيما لا يتعلّق بشيء كان مجاز كالقدرة اذا اريد بها المعنى الحقيقى كانت متعلّقة بالمقدور واذا اطلقت على المقدور فلم يكن لها متعلّق فيكون مجازا ومنها صحّة التصرّف بالتثنية والجمع فانّها علامة للحقيقة ومنها تقوية الكلام بالتّأكيد له فانّ اهل اللّغة لا يقولون المجاز بالتّأكيد ومنها الاستصحاب وهو ان يثبت الوضع للمعنى عرفا فيحكم بثبوته لغة ايضا لأنّ الأصل عدم النّقل وهذا يغاير ما سبق بالاعتبار ومنها انّهم اذا وجدوا اللّفظ او الاسلوب لا فائدة له سوى ما يعقلون منه قالوا انّه معناه كما فى تعليق الحكم على الوصف او الشّرط او الغاية وهذه الطّرق وإن كان بعضها محلّا للنّظر والتأمّل وقد ضعّفه العلّامة فى النّهاية وغيره لكن لا شبهة فى اعتبار اكثرها قوله وان كانت الحكمة فى اعتبارها اه الفرق بين الحكمة والعلّة انه لا بد ان يكون الحكم دائرا مدار العلّة وجود او عدما بخلاف الحكم فانّ الحكم وان كان يجب ان يكون موجودا فى مورد وجودها ولكن لا يكون معدوما فى مورد عدمها قوله والمراد بالظنّ المطلق ما ثبت اعتباره اه قد استدلّ المحقق القمّى ره فى القوانين

٢٤١

فى باب الاجتهاد والتقليد على حجّية الظنّ المطلق بآية النّبإ من جهة كون قوله فتبيّنوا ظاهرا فى التبيّن الظنّى وقد استدلّ جماعة على حجّيته ايضا بادلّة اخرى كوجوب دفع الضّرر المظنون وقبح ترجيح المرجوح على الراجح ولا يخفى انّه على تقدير تماميّتها كلّا ام بعضا يكون النتيجة هو حجّية الظنّ المطلق مطلقا فى زمان الانسداد والانفتاح وح فالمناط فى الظنّ المطلق ان تكون العبرة بوصف الظنّ من حيث هو من اىّ سبب حصل سواء كان فى زمان الانسداد فقط او فى زمان الانسداد والانفتاح جميعا وسواء كان المثبت له دليل الانسداد او غيره من الادلّة الشرعيّة او العقليّة وقد اشرنا الى شطر من الكلام فى ذلك عند التكلّم فى كلام صاحب المعالم وفى اوائل الكتاب فى باب العلم الإجمالي وح فاقتصار المصنّف قدس‌سره على دليل الانسداد لأجل كونه اشهر الادلّة لبيان المقصود المذكور وان لم يكن هو ولا ساير الأدلّة وافية لاثبات حجّية الظنّ المطلق على ما سيمرّ عليك إن شاء الله الله تعالى ثم ان قوله ما ثبت اعتباره اه يعنى به ما ثبت اعتباره من اجل انسداد باب العلم بخصوص الأحكام الشّرعيّة الكليّة الإلهيّة فما يظهر من جماعة كثيرة من اهل الظّنون الخاصّة فى الاحكام الكلّيّة الإلهيّة من العمل بالظنّ من اىّ سبب حصل لأجل اجراء شبه دليل الانسداد فى مثل الوقف والنّسب والموت والضّرر والعدالة وغيرها ممّا يتفرّع عليها الاحكام الجزئيّة لا يسمّى ظنّا مطلقا بحسب الاصطلاح على ما يظهر من كلامه قدس سرّه قوله وقد حكى عن السيّد قال قدس‌سره فى الذّريعة على ما حكاه السيّد المحقق الكاظمى فى شرح الوافية والتحقيق فى ذلك انّ المسألة الاصوليّة امّا ان تتعلّق باللّغات أو لا فان كانت من الاوّل فقد اتفق النّاس واجمع الجماهير على الاكتفاء فيها بالظنّ لكن لا ظنّ كلّ ظانّ بل ما يئول الى القطع كما فى الاحكام فان قلت الاصل عدم كفاية الظنّ فى شيء ممّا يبتنى عليه الشّريعة خرج من ذلك ما قام عليه القاطع كالاحكام الشّرعيّة والوضعيّة وبقى الباقى على الأصل قلت انّ الطّريقة استقامت على الاكتفاء بالظنّ فى المنقول حتى اذا استند احدهم الى امام من الائمّة قبل منه ولو كان فى مقام خصام انتهى الملخّص منه قوله قال الفاضل السّبزوارى قدس‌سره قد نقلنا شطرا وافيا من كلامه عن قريب فراجع قوله مع اجتماع شرائط الشّهادة قد ذكرنا انّه لا يمكن حمل الإجماعات المستفيضة المذكورة على الصّورة المزبورة قوله ألا ترى ان اكثر علمائنا قد علمت ممّا نقلنا دلالة اكثر العبادات الدّالّة على الإجماع على حجّية قول اللّغويّين فقط نعم

٢٤٢

يظهر من بعض العبارات كعبارة المحقّق السّبزوارى على كون المناط هو الخبرويّة ولكنّه لا يقدح فى الباقى مع انّه يمكن ان يقال على تقدير اعتبار العدالة بكونها معتبرة من جهة افادة الوثوق فيكون المناط هو الوثاقة ولو حصلت من غير الامامى نظير ما سننقله عن الشّيخ قدس‌سره فى مقام نقل الإجماع على حجّية خبر الواحد العادل فى كتاب العدّة انّ المراد من العدالة هى الوثاقة ولو حصلت من غير الامامى ويؤيّد ذلك ابتناء الجرح والتعديل فى كثير من الرّوات على جرح مثل حسن بن على بن فضال وعلى ابنه وتعديلهما مع كونهما فطحيّين على المشهور وقد حكى عن العلّامة قدس‌سره انّه لم يقبل رواية أبان بن عثمان لكونه ناووسيّا مع انّ كونه ناووسيّا انّما نشاء ممّا رواه الكشى عن على بن حسن بن على بن فضال من ان أبان كان ناووسيّا ويؤيّد ما ذكرنا من انّ المناط هو الوثاقة ولو حصل من مزكّ واحد غير امامى او جارح كذلك انّ المدار فى الجرح والتّعديل على مثل الشيخ والكشى والنجاشى والعلّامة وغيرهم وهم لم يكونوا معاصرى الرواة حتى يكون اخبارهم من قبيل الشّهادة مضافا الى ما قيل من ان التميز بين الرّجال مع اشتراكهم بين الثقة وغيره كثيرا ما يتعذّر الّا باعمال الظّنون والأمارات كملاحظة الطبقة والبلد وكثرة المصاحبة والرّواية وغير ذلك ولم نقف على من يصرّح باعتبار خصوص شهادة العدلين والعدل الواحد فى ذلك والاعتماد فى تعيين الرّجل على مطلق الظنّ وفى تزكيته على شهادة العدلين او العدل الواحد تكلّف صرف وتعسّف بحت انتهى الملخّص منه قوله والظّاهر اتّفاقهم على اشتراط التعدّد والعدالة قلت قد احتمل المصنّف قدّه فى كتاب المكاسب الاكتفاء فى المقوّم بالعادل الواحد امّا للزوم الحرج لو اعتبر التعدّد وامّا الاعتبار الظنّ فى مثل ذلك ممّا انسدّ فيه باب العلم ويلزم من طرح قول العادل الواحد والأخذ بالاقلّ لأصالة براءة ذمّة البائع تضييع حقّ المشترى فى اكثر المقامات وامّا العموم ما دلّ على قبول قول العادل خرج منه ما كان من قبيل الشهادة دون ما كان من قبيل الفتوى انتهى وهو ممّا يشعر بعدم ثبوت الاتّفاق عنده قدس‌سره قوله مع انّه لا يعرف الحقيقة من المجاز بمجرّد قول اللّغوى اه ان اراد عدم معرفة الحقيقة من المجاز بقول اللّغوى اصلا فقد علمت ممّا ذكرنا ونقلنا عن قريب خلافه وان اراد قلّة موارد التشخيص فهى لا تنافى الاعتماد عليه فيها مع انه يفهم من كلام الشيخ فى العدّة انّ هناك كتبا مصنّفة فى تشخيص المعانى المجازية عن الحقيقة ففيها فى مقام دفع القول بعدم ثبوت المجاز فى الكلام اصلا وان قال لا ادفعه

٢٤٣

استعمالا الّا انّى اقول انّه حقيقة كان مخالفا لاستعمال اللّغة واطلاقهم ويحتج عليه بالرّجوع الى الكتب المصنّفة فى المجاز قوله ولا يتوهّم ان طرح قول اللّغوى اه واشارة الى اثبات حجّية قول اللّغوى من باب الظنّ المطلق من جهة اجراء دليل الانسداد فى اللّغات بان يقال ان معظم الاحكام الشّرعيّة الفرعيّة انّما تستفاد من الألفاظ الّتى لا بدّ من الرّجوع الى اللّغويّين فيها لأن الاحكام المستفادة من الادلّة القطعيّة فى غاية القلّة وباب العلم فيها مسدود وكذلك الظنّ الخاصّ لأنّه المفروض على تقدير عدم تماميّة ما اقيم من الادلّة الخاصّة عليها والرّجوع الى الاصول النافية فيها مستلزم لطرح الاحكام الواقعيّة الإلزاميّة المعلومة بالإجمال المترتبة عليها والرّجوع الى الاحتياط فى الفروع موجب للحرج المنفى فلا بدّ من الحكم بحجّية مطلق الظنّ الحاصل من قول اللّغوى المستلزم للظنّ بالحكم الفرعى المترتب على الموضوع اللّغوى فمقصود المتوهّم المذكور انّه مع عدم العمل بالظنّ المطلق الحاصل من قول اللّغوى يحصل انسداد طريق استنباط الاحكام من الادلّة ويوجب الرّجوع الى الاصول النافية والاحتياط مع عدم امكان العمل بهما كما ذكرنا فاضطررنا الى الحكم بالعمل بالظنّ المطلق فى الموضوعات اللّغويّة والفرق بين ما ذكره المصنّف وما توهم ظاهر لأنّ ما ذكره المصنّف ره مبنى على اجراء دليل الانسداد فى الاحكام ابتداء واستلزام حجّية الظنّ المطلق فيها على تقدير تماميّته بحجّية الظنّ فى اللّغات وان لم يكن باب العلم والظنّ الخاصّ مسدودا فى غالب اللّغات بخلاف ما ذكره المتوهّم اذ هو مبنىّ على ادّعاء انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ فى معظم اللّغات وفيه اولا انّ النتيجة على ما ذكره المتوهّم ليس حجّية الظنّ المطلق فى اللّغات بل فى الاحكام فاذا حصل من الشهرة مثلا ظنّ بحكم واقعى ولا يحصل من الظنّ بقول اللّغوى فى مدلول لفظ يعمل بها لا به وثانيا ما حقّقه المصنّف قدّه فى المتن قوله التبادر بضميمة اصالة عدم القرينة وبضميمة اصالة عدم النّقل المسلّم عند الجميع ولا يكون ح من باب الظنّ المطلق لأنّ القائلين بالظّنون الخاصّة ايضا يعملون بالأصل المذكور فهو من باب الظنّ الخاصّ الّذى ثبت اعتباره بدليل خاصّ قوله نعم سيجيء اه فى الامر الثالث من تنبيهات الانسداد قوله وان لم تكن الكثرة اه اذ المحذور الّذى يجب الاجتناب عنه هو الوقوع فى مخالفة الواقع كثيرا بالرّجوع الى الاصول النافية لا الوقوع فى مخالفة الواقع احيانا قوله فتامّل وجه التامّل انّ المتكفّل لبيان مفهوم الألفاظ المذكورة بحيث يفهم دخول الافراد المشكوكة او خروجها ليس هو اللّغة غالبا بل اللّغوى متردّد فيه ايضا

٢٤٤

كما يعلم من الرّجوع اليها نعم قد يفهم الدّخول والخروج من قول اللّغوى لكنّه لا ينفع فى اكثر الموارد او ان ضمّ غير الحجّة الى غير الحجة لا يوجب الحجّية او انّ مؤدّييهما مختلف فانّ مؤدّى الاتّفاق كون قول اللّغوى حجّة من باب الظنّ الخاصّ ومؤدّى الوجه المذكور من الرّجوع اليه من جهة الحاجة كونه حجّة من باب الظنّ المطلق وح فكيف ينفع الضمّ وسيأتي فى باب حجّية خبر الواحد فى مقام منها : الاجماع المنقول الكلام فى الملازمة بين حجية الخبر الواحد وحجية الاجماع المنقول عدم نفع الاجماع العملىّ فيها ما يوضح ذلك فانتظر قوله عند كثير ممّن يقول باعتبار الخبر بالخصوص اه قد يفهم من هذا الكلام عدم وجود القول بحجّية الإجماع المنقول مع القول بعدم حجّية الخبر فانّ القول بحجّية متفرّع على القول بحجّيته ولعلّه كذلك اذ خبر الثقة المبنىّ على الحسّ اذا لم يكن حجّة فخبره الحدسى لا بدّ ان لا يكون حجّة بالطّريق الاولى وبه جزم فى الفصول وشيخنا المحقق قدّه فى الحاشية ثم انّ المسألة لم تكن معنونة فى كلام القدماء على ما صرّح به غير واحد ويفهم من كلام المحقّق قدس‌سره عدم حجّية الإجماع المنقول حيث انّه يقول فى مقام ردّ الإجماع المنقول انّ الإجماع انّما يكون حجّة لمن عرفه وامّا العلّامة قدس سرّه فهو وان حكى عن تهذيبه القول بحجّية الإجماع المنقول لكنّه فى النّهاية قد تردّد فى ذلك اخيرا بعد ان اختار اوّلا حجّيته وقال انّ القول بحجّيته هو الحقّ لأنّه قال بعد نقل ادلّة الطّرفين انّ الظّهور فى المسألة للمعرض من الجانبين واختلف المتأخّرون فى حجّيته بالخصوص فاختار جمع منهم حجّيته واختار جمع منهم عدم حجّيته ونقل عن بعض افاضل ـ المتأخّرين انّه قال لو قيل بعد التامّل وامعان النّظر فيما ذكرنا انّ الأصحاب متّفقون على عدم حجّيته على الوجه المتعارف فى الاعصار المتأخّرة لكان قولا حقّا ودعوى صادقا وما ابعد ما بينه وبين ما ذكره فى مفاتيح الاصول من دعوى عدم الفصل بين القول بحجّية الخبر وحجّية الإجماع المنقول وما فى شرح الوافية للسيّد المحقّق الكاظمى قدس‌سرهما من انّ المعروف فينا الحجّية ولسنا نعرف احدا يقول بحجّية خبر الواحد يقول بنفيه هنا اللهمّ الّا من شكّ فى حجّية المحصّل بل فى ثبوته ممّن يسلك مسالك الظاهريّة انتهى وقد عرفت انّ المحقّق مع قوله بحجّية خبر الواحد لا يقول بحجّية الإجماع المنقول وكذلك صاحب المعالم وصاحب الذّخيرة وغيرهم رضوان الله عليهم قوله ظاهر اكثر القائلين باعتباره بالخصوص اه ظاهر هذا الكلام وجود قائل بحجّية الإجماع المنقول بالخصوص من جهة ادلّة خاصّة به من دون ان يستدلّ عليها بالأدلّة الدالّة على حجّية خبر الواحد بالخصوص او مع قطع النّظر عنها ولم نقف عليه بل ظاهر القائلين بحجّيته بالخصوص دلالة الادلّة الدالّة على حجّية الخبر

٢٤٥

بالخصوص على حجّيته كذلك منطوقا او فحوى او بطريق القياس بالطّريق الاولى قوله ويدخل الإجماع ما يدخل الخبر من الاقسام فمنه ما يكون متواترا ومنه ما يكون منقولا بالآحاد ومنه ما يكون مسندا ومنه ما يكون مرسلا نعم لا يجرى فيه بعض الاقسام فانّه يكون من قبيل الخبر العالى السّند فقط فلا يشمل كثير الوسائط وكذا لا يجرى فى الإجماع المنقول المعروف الأقسام الأربعة لخبر الواحد من الصّحيح والضّعيف والموثق والحسن بل لا يكون فيه الّا القسم الاوّل لأنّ علمائنا المدّعين للاجماع فى اعلى درجات العدالة نعم لو كان الكلام فى مطلق الاجماع المنقول لجرت الاقسام الاربعة فيه هذا لكن قد استشكل المحقّق البهائى على ما حكاه فى القوانين وغيره فى ثبوت الاجماع المنقول بالتّواتر بانّ المعتبر فى التّواتر الرّجوع الى الحسّ فيما يخبر به وناقل الاجماع لا يرجع اليه بل الى الحدس من جهة انّ استكشاف آرائهم عن اقوالهم حدسى واجيب عنه بوجوه الأوّل منع انحصار التّواتر فى المحسوسات بل يمكن به اثبات غيره ايضا فيمكن حصول العلم بمسألة علميّة باجتماع كثير من العقلاء الازكياء سيّما مع عدم قيام دليل على بطلان قولهم كما استدلّ بعضهم على اثبات الصّانع ووحدته باتفاق الانبياء والاوصياء والعلماء قاطبة على ذلك فكذلك فيما نحن فيه الثانى انّه يكفى ثبوت اقوالهم بالتّواتر فنفهم نحن تحقق الإجماع بسبب اجتماع اقوالهم فالتواتر انّما هو فى ملزوم الإجماع لا فى نفسه الثالث انه يمكن تحقق التواتر على طريقة العامّة الّذين يقولون بحجّية الإجماع من حيث انّه اجماع لأنّ قوله ص لا تجتمع امّتى على الخطاء كما يدلّ على عدم اجتماعهم على الرّأي الخطاء يدلّ على عدم اجتماعهم على القول الخطاء ايضا انتهى ولا يخفى ضعف الاخير وامّا الاوّل فمندفع اوّلا بعدم اتفاق جميع العلماء والعقلاء على اثبات الصّانع ووحدته لمخالفة ذيمقراطيس ومن تبعه خذلهم الله فى الاوّل لإنكارهم المبدا والمعاد ومخالفة الثنويّة وغيرهم فى الثّانى مع انّ اتفاق الأنبياء والاوصياء لا يجدى فى اثبات الصّانع بل لا بدّ من اثباته بالعقل واتفاق العقلاء على شيء يكشف عن حكم العقل القطعى به اذ لا فرق فى حجّية حكم العقل بين حكمه اجمالا او تفصيلا واتفاق العقلاء على شيء يفيد القطع به لكن لا دخل له بالتواتر وقد اعترف المجيب فى باب التواتر باشتراط الحسّ فيه وانكار ذلك فى المقام لا وجه له فالحقّ هو الجواب الثّانى وتوضيحه انّ غير المحسوس اذا كان له مبادى محسوسة يكون بمنزلة المحسوس كالعدالة والشّجاعة وامثالهما وسيجيء شرحه فى

٢٤٦

كلام المصنّف وفى الكلام المنقول عن شرح الوافية عدم حجيّة الإخبار عن حدس قوله وتوضيح ذلك يحصل بامرين الأمر الاوّل لبيان عدم دلالة الأدلّة على حجّية الخبر الحدسىّ والأمر الثانى لبيان انّ نقل الإجماع غير داخل فى الخبر الحسّى بل فى الحدسى فلا يشمله ادلّة حجّية الخبر قوله انّ الأدلّة الخاصّة الّتى اقاموها قد استدلّوا على حجّية خبر الواحد بالخصوص بالأدلّة الاربعة من الإجماع القولى والسّيرة القطعيّة امّا من اهل الأديان من لدن آدم الى زماننا هذا كما ادّعاه بعض المحقّقين وامّا من المسلمين وامّا من اصحاب الأئمّة وامّا من العلماء ومن دليل الانسداد الجارى فى الاخبار لاثبات حجّيتها بالخصوص ومن الآيات ومن الاخبار المتواترة الدّالّة على ذلك كما سيأتى تفصيل ذلك وشيء منها لا يجرى فى الاجماع المنقول امّا الاجماع القولى فلوضوح كون المسألة خلافيّة بل كثير من العلماء العاملين بخبر الواحد بالخصوص لم يعملوا بالإجماع المنقول وما فى المفاتيح من عدم القول بالفصل قد عرفت ضعفه وامّا سيرة اهل الاديان من لدن آدم الى زماننا فعدم شمولها لنقل الاجماع واضحة لعدم تداوله بين النّاس قديما ومن هذا يعلم عدم جواز التمسّك بسيرة المسلمين لعدم تداوله بينهم بخلاف الرّوايات وكذلك التمسّك بسيرة اصحاب الأئمّة ع لعدم وجوده فى ازمنتهم ع وانّما حدث التمسّك به بعدهم ع وكذا لا يجوز التمسّك بسيرة العلماء مع ما نرى من ردّ كثير منهم ذلك وامّا دليل الانسداد الجارى فى خصوص الاخبار فمع عدم تماميّته لا يجرى فى الإجماع المنقول لعدم امكان تطبيق مقدّماته عليه وامّا الاخبار المتواترة فلا تشتمل الّا ما هو الشائع فى زمانهم ع من نقل الاخبار الماثورة عنهم عليهم‌السلام مع امكان ادّعاء خروج الإجماع المنقول موضوعا عنها بناء على غير طريقة الدّخول من اللطف والحدس وغيرهما اذ ليس هو نقل الحديث المصطلح من نقل ما يحكى قول المعصوم ع او فعله او تقريره وامّا الآيات فمع عدم تماميّة دلالتها العمدة منها آية النّبإ وهى لا تشمل الخبر الحدسى نعم نقل الاجماع بالطريق المنسوب الى القدماء الّذى يشتمل على قول الإمام تضمّنا حجّة قطعا فيشمله ادلة حجّية خبر الواحد لكن لا سبيل لنا اليه بل ولا لأحد من علمائنا المدّعين للاجماع وكذلك اذا كان الاتفاق المنقول واحدا او متعدّدا مستلزما بنفسه او بمعونة المحصّل عادة لقول الإمام ع او فعله او تقريره او كاشفا عن دليل قطعى او ظنّى معتبر عند الكلّ فانّه حجّة امّا باعتبار الكاشف او باعتبار المنكشف لأنّ الخبر الحدسى اذا كان له مباد محسوسة مستلزمة

٢٤٧

عادة لأمر حدسى يكون حجّة كما سيأتى توضيحه لكن مثل هذا فى غاية القلّة وكذلك اذا حصل من جهة القرائن الخارجيّة القطع بصدقه فلا كلام فى حجّيته وهو خارج عن حريم النّزاع وممّا ذكرنا ظهر ما فى الفصول حيث انّه بعد اختياره حجّيته قال وممّا يحقق ذلك عدم الفرق بين نوعى القطع فى باب الشّهادة فيعوّل على شهادة من يستند قطعه الى الحدس كما يعوّل على شهادة من يستند قطعه الى الحسّ وكذا الحال فى اخبار الوكيل وذى اليد فانّه يجوز التّعويل على اخباره وان علم استناده الى الحدس وكذلك اخبار العدل عن فتوى المفتى فان علمه بها كما قد يستند الى الحسّ كذلك قد يستند الى الحدس بملاحظة قول اتباعه او عملهم او لوقوفه على طريقته فى الفقه او ما اشبه ذلك مع انّ الاستناد فى الرّواية كما يكون الى الحسّ كذلك قد يكون الى الحدس كما فى المكاتبة والوجادة ومن هنا يتضح وجه حجّيته بناء على انسداد باب العلم الى تفاصيل بعض الأدلّة فقط كخبر الواحد دون مجملات الادلّة فان نقل الاجماع داخل فى الخبر الّذى نعلم حجّيته بالأدلّة المقرّرة فى الجملة فانّ المستفاد منها حجّية نقل قول المعصوم ع وحكايته فى الجملة ويبقى معرفة التّفاصيل ولا طريق لنا اليها فتعيّن التّعويل على الظنّ الى آخر ما افاده توضيح ما فيه انّا لا نسلّم حجّية الشهادة اذ استند قطع الشّاهد الى الحدس وعلى تقدير تسليمه لا دخل له بالمقام وما ذكره من حجّية اخبار الوكيل وذى اليد والمقلّد والاستناد الى الوجادة والمكاتبة فكثير منها اخبار حدسى ناش عن امور محسوسة مستلزمة له عادة وقد سلّمنا حجّيته وما لا يكون من قبيل ذلك لا نسلّم حجّيته والتمسّك بدليل الانسداد خارج عن فرضنا لأنّ الكلام فى حجّيته بالخصوص مع انّه غير تام كما سيجيء مع عدم دخول نقل الإجماع فى الخبر المصطلح الّا فيما لا سبيل لنا اليه كالإجماع الدّخولى وكذلك ظهر ما فى القوانين من انّه خبر وخبر الواحد حجّة الى آخر ما افاد وما فى النّهاية من انّ خبر الواحد دليل شرعى يثبت به الاحكام ويخصّص به العمومات ويقيد به المطلق فجاز ان يثبت به الاجماع كغيره من الاحكام ولانّ ظنّ العمل به حاصل فيجب دفعا للضّرر المظنون ولأنّ نقل الظنّى اذا كان موجبا للعمل فالقطعى اولى وغير ذلك مع منع الاولويّة اوّلا ومنع حجّيتها ثانيا وكذلك ما فى شرح الوافية للسيّد المحقّق الكاظمىّ قدس‌سره من الاحتجاج بعموم ما دلّ على حجّية خبر الواحد من عقل او نقل او سيرة او اجماع وكذا الاستدلال بانسداد طريق العلم فى اكثر الاحكام الى ان قال وامّا السّيرة فتتبع ما استمرّ عليه الصّحابة من

٢٤٨

الاخذ باخبار الآحاد لا يختلف بحسب المخبر به خبرا او اجماعا وعدم اتفاق المجيء كذا بالإجماع غير قادح مع القطع بانّهم لو جاءهم به العدل لاخذوا به والحاصل انّ الطّريقة مستقيمة على عدم التبيّن عند خبر العدل فى الأحكام الشّرعيّة كغيرها لمكان العدالة وكذلك الاجماع المستنبط من ذلك الى آخر ما افاده قدس سرّه قوله لا تدلّ الّا على حجّية الأخبار عن حسّ لكن قد يكون الخبر الحسّى ملحقا بالخبر الحدسى فلا يكون حجّة كما اذا لم يكن المخبر ضابطا وكان كثير السّهو والنّسيان كما سيجيء عن قريب وقد يكون الخبر الحدسى ملحقا بالحسّى فيكون حجّة كما اذا كانت له مباد محسوسة مستلزمة للمخبر به عادة كما فى الاخبار بالعدالة والشجاعة وغيرهما وكذلك مسئلة التقويم والصّرف وغيرهما ولذا يقبل الشّهادة فيها وان قلنا باشتراط كونها عن حسّ قوله وكذلك الاخبار الواردة اى الاخبار المتواترة الدالّة على ذلك لعدم امكان اثبات الظن بالظنّ وهذا مع وضوحه سيجيء منه قدس سرّه تصريحه بذلك قوله اللهم الّا ان يدّعى انّ المناط لا يخفى ضعف الدّعوى المذكورة مضافا الى ما ذكره قدس سرّه لعدم كونه قطعيّا بل ولا ظنيّا مع انّه لو كان ظنيّا لا يفيد لعدم حجّيته الاستدلال بآية النبإ على حجيّة الاجماع المنقول قوله فالعمدة فيها من حيث وضوح الدّلالة كونها العمدة فى الاستدلال لأجل استدلال المشهور بها وتماميّتها عندهم امّا من جهة مفهوم الشّرط وامّا من جهة مفهوم الوصف وان كان الاستدلال بها بل وبسائر الآيات الّتى ادّعيت دلالتها غير تامّ عند المصنّف قدس سرّه على ما سيجيء فالكلام انّما هو على الفرض والتّقدير قوله والظّاهر منها بقرينة التّفصيل بين العادل اه قد ذكر قدس سرّه قرينتين على كون المراد بالآية على تقدير دلالتها على حجّية خبر العادل هو حجّية خبره اذا كان عن حسّ فلا دلالة فيها على حجّية خبره الحدسى الاولى انّ الآية بملاحظة مفهوم الشّرط على ما هو راى جماعة او بملاحظة مفهوم الوصف فى خصوص المقام على ما هو رأى المحقق القمّى ره قد فرّقت بين العادل والفاسق والفرق المذكور انّما ينطبق على الخبر الحسّى دون الحدسى ويمكن تقرير الفرق المزبور بوجهين الأوّل انّ المراد من الآية الفاسق حين الاخبار والعادل حينه سواء كانا عادلين حين التحمل او فاسقين حينه او مختلفين كذلك والعدالة والفسق حين الاخبار لا يصلحان مناطين للفرق بينهما من جهة تصويب المخبر وتخطئته بالنّسبة الى حدسه لأنّ الخطاء بالنّسبة الى الحدس لو كان لكان حين التحمّل لا حين الاخبار لعدم ربط الأخبار بالخطاء فى الحدس بل هما انّما يصلحان للفرق بينهما من جهة احتمال تعمّد الكذب احتمالا

٢٤٩

مساويا او راجحا فى الفاسق دون العادل لانّ احتمال الكذب امر مرجوح فى نفسه فى حقّ العادل لعدالته وقوّته القدسيّة الرّادعة عن الكذب ولا يعتنى به عند العقلاء والشّرع نعم لو كان المناط العدالة والفسق حين التحمّل سواء كانا فاسقين حين الاخبار او عادلين او مختلفين كذلك لامكن الفرق بينهما فى التّصويب والتّخطئة بالنّسبة الى الحدس بان يقال انّ العادل حين تحمّل الخبر يضبط نفسه ويهتمّ غاية الاهتمام فى ضبط الخبر الحدسى والنظر الى الوجوه والاطراف ويتحققه ويتعاهده لئلّا يقع فى الخطاء بخلاف الفاسق فانّه لفسقه لا يبالى بوقوعه فى الخطاء وهذا الوجه هو الظاهر من كلام المصنّف لكن لا يخفى عدم صحّة كون الفسق والعدالة مناطين للتّصويب والتخطئة بالنّسبة الى الحدس ولاشتراك العادل والفاسق فيهما سواء جعل المناط العدالة والفسق حين الاخبار او حين التحمّل وما ذكر فى وجه الفرق ضعيف فالاولى عدم اقحام حديث الفرق بين العادل حين الاخبار والفاسق حينه فى المطلب كما سنقرّره عن قريب الثانى انّ مقتضى الآية على تقدير القول بالمفهوم الفرق بين العادل والفاسق من جهة الامر بوجوب التبيّن فى الثّانى دون الاوّل وهذا انّما يتأتّى على تقدير كون الغرض هو الاعتناء باحتمال تعمّد الكذب فى الفاسق وعدم الاعتناء به فى العادل دون ما اذا كان الغرض الفرق بينهما من جهة البناء على الإصابة فى الحدس فى العادل دون الفاسق لأنّ احتمال الخطاء فى الحدس امر مشترك بين العادل والفاسق فالتبيّن الظنّى امّا ان يكون حاصلا فى كليهما او يكون غير حاصل فى كليهما ولا معنى للفرق بل قد يكون حدس بعض الفسّاق فى بعض الموارد اقرب الى الاصابة من حدس العادل ولا بدّ فى هذا الوجه من جعل التبيّن اعمّ من العلم والظنّ الاطميناني او اعمّ منهما ومن الظنّ المستقرّ او مطلقا بدعوى كون خبر العادل مفيدا للظنّ الاطميناني بعدم تعمّد الكذب دون خبر الفاسق او مفيدا للظنّ المستقر او مطلقا على ابعد الوجوه دون خبر الفاسق ويمكن على بعد ارادة المصنّف هذا الوجه وانّ ذكر العادل حين الاخبار والفاسق حينه فى الاستدلال انّما هو لبيان الواقع من جهة ظهور الادلّة فى ذلك بنفسها اذ يستفاد منها كون المتلبّس بالفسق جائيا بالخبر كما هو ظاهر قولك جاءنى زيد الرّاكب ويجيء زيد الراكب وسيجيء زيد الرّاكب حيث ان الظّاهر كون زيد متّصفا بالرّكوب فى حال المجيء ماضيا كان او حالا او مستقبلا او من جهة عدم وجود القائل باشتراط العدالة ومانعية الفسق حين التحمّل دون

٢٥٠

الاداء كما قيل او لأن الآية على ما ذكر تكون ابعد عن بيان التخطئة والتّصويب بحسب الاعتقاد القرينة الثانية هى ملاحظة التّعليل فى قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) لأنّ احتمال الوقوع فى النّدم من جهة الخطاء فى الحدس امر مشترك بين العادل والفاسق ومن المعلوم انّ التعليل بامر مشترك لبيان الفرق فى غاية القبح بل اقبح من التّرجيح بلا مرجّح ومناط هذه القرينة كون المراد بالجهالة هو الشكّ والاحتمال المساوى كما هو ظاهر العبارة بل صريحها ومن المعلوم انّ تساوى احتمال الوقوع فى النّدم وعدمه فى الفاسق دون العادل انّما هو من جهة تعمّد الكذب حيث انّه امر مرجوح فى نفسه فى العادل دون الفاسق لا من جهة الخطاء فى الحدس كما عرفت ويمكن ان يراد بالجهالة عدم العلم والظنّ الاطميناني او عدمهما وعدم الظنّ المستقرّ الغير الاطميناني او مطلقا على ابعد الوجوه على حذو ما ذكر فى الوجه الثّانى من تقريرى القرينة الاولى وانّما حملناهما على ذلك لأن المفروض فى هذا المقام دلالة الآية على حجّية خبر العادل ولا تتم الّا على الفرض المزبور مع الالتزام بالمفهوم فيها وامّا على تقدير حمل فتبيّنوا على التبيّن العلمىّ وحمل قوله تعالى بجهالة على عدم العلم او عدم الالتزام بالمفهوم فيها كما هو الظّاهر على ما سيأتى تحقيقه فلا ارتباط للآية بالمطلب كما لا يخفى وممّا ذكر ظهر ضعف ما ذكره صاحب الفصول ره فى هذا المقام حيث قال ومنها آية النّبإ فهى وان كانت غير مساعدة على قبول خبر العادل الّا انّ جماعة ذهبوا الى دلالتها على ذلك بالمفهوم وعلى تقديره يتناول المقام ايضا فانّ ناقل الإجماع منبئ عن قول المعصوم ع فيجب قبوله واعترض بانّ النبأ وما يرادفه كالخبر انّما انّما يطلق على نقل ما يستند ادراكه الى الحسّ كالسّماع والمشاهدة وبهذا فارق الفتوى فانّها عبارة عن نقل ما يستند ادراكه الى الدّليل والحجّة وضعفه ظاهر لأنّه ان اريد انّ النّبإ لا يطلق الّا على الاشياء الّتى من شأنها ان تدرك بالحسّ وان ادركها المخبر بطريق الحدس وشبهه فهذا ممّا لا ينافى المقصود فانّ المخبر عنه هنا قول المعصوم او فعله او تقريره وهو امر من شأنه ان يدرك بالحسّ وان كان طريق النّاقل اليه الحدس وان اريد انّه لا يطلق النّبإ الّا على ما كان علم المخبر به بطريق الحسّ فواضح الفساد للقطع بانّ من اخبر عن الهام او وحى او مزاولة بعض العلوم كعلم النّجوم يعدّ منبّئا ومخبرا قال الله (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ) ولا ريب انّ اخبار عيسى لم يكن عن حسّ ومثله قوله تعالى فى غير موضع (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ

٢٥١

تَعْمَلُونَ) فانّ علمه تعالى ليس عن حسّ وقوله تعالى (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وغير ذلك وكذا الكلام فيما دلّ على حجّية خبر الواحد من الاخبار لما عرفت من شمول الخبر ومرادفاته لنقل الإجماع انتهى محصّله وليس وجه ضعفه انّ استعماله فى الخبر الحدسىّ مجاز لأنّ المجاز خير من الاشتراك لما تقرر من انّ الاشتراك المعنوىّ خير منهما مع انّ الاشتراك اللّفظى ليس بمفيد اصلا فلا معنى لحمل كلامه عليه بل لما ذكره المصنّف من القرينتين وساير المؤيّدات وقوله ره فهذا ممّا لا ينافى المقصود لأنّ المخبر عنه هنا قول المعصوم ع او فعله او تقريره ممنوع ايضا لأنّ المخبر به فى نقل الإجماع لا يكون ذلك الّا فى الإجماع الدّخولى الّذى لا يمكن الوصول اليه ونقل ما ذكر بالالتزام لا يكون الّا مع الملازمة العادية المنتفية غالبا وقوله ره لما عرفت من شمول الخبر ومرادفاته لنقل الإجماع اشدّ منعا لعدم الانصراف الأخبار اليه قطعا لعدم كونه متداولا فى ازمنة الأئمّة عليهم‌السلام وان هو الّا مثل حمل قوله ع خذ بما اشتهر بين اصحابك على الشهرة الفتوائية او على الاعمّ منها مع عدم تداول ذلك فى ذلك الزّمان وابعد منه حمل قوله يا سيّدى انّهما معا مشهوران على الشّهرة بين القدماء والمتأخّرين كما سيأتى نقل المصنّف له فيما سيجيء إن شاء الله الله قوله الا انّ المصنّف يشهد اه فانّ الآية انّما تنفى احتمال تعمّد الكذب فى العادل فلا بدّ من نفى الخطاء والغفلة بالأصل فحيثما جرى الاصل يحكم بحجّية خبر العادل من جهة الآية بانضمام الأصل المزبور وحيثما لم يجرى الاصل كما فى كثير النّسيان لأنّ مبنىّ الاصل المزبور لكونه اصلا عقلائيّا على الظنّ ولا يحصل الظنّ فى الصّورة المزبورة لا يحكم بحجّية خبر العادل فيه هذا مضافا الى انّ المفهوم امر لبّى ليس فيه عموم واطلاق حتّى يلتزم فيه بالتّخصيص والتقييد بل لا بدّ من حمله على القدر المتيقّن وهو ما اذا كان العادل ضابطا قوله هو الوجه فيما ذهب اليه المعظم اه بناء على شمول الآية للشهادة على ان يكون المراد بقبول خبر العدل هو قبوله فى الجملة فلا ينافى اعتبار انضمام عدل آخر اليه كما فى باب الشّهادة فمع عدم دلالة الآية الّا على اعتبار قول العادل فى المحسوس لا تكون الشهادة الحدسيّة حجّة ويمكن استفادة اعتبار الحس فى الشهادة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن الشهادة هل ترى الشمس فقال نعم فقال على مثلها فاشهد اودع وبما فى الخبر لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك وان كان فى الاستفادة المذكورة كلام قوله وان علّله فى الرّياض

٢٥٢

بما لا يخلو عن نظر قال فى الرّياض بعد ان ذكر ان ظاهر كلمة الأصحاب الأطباق على الحكم المزبور يعنى على اشتراط الحسّ فى الشّهادة فان تمّ اجماعا والّا فالرّجوع الى العموم اولى ما هذه عبارته الّا ان يمنع بتخيّل انّ ما دلّ عليه متضمّن لفظ الشّهادة وهى لغة الحضور وهو بالنّسبة الى العالم الغير المستند علمه الى الحسّ من نحو البصر وغيره مفقود اذ يقال له عرفا ولغة انّه غير حاضر للمشهود الى ان قال وهذا الوجه من الخيال وان كان ربّما لا يخلو عن نظر الّا ان غاية الأشكال النّاشى من الفتاوى والعمومات الرّجوع الى حكم الأصل ومقتضاه ولا ريب انّه عدم القبول فاذا الاجود ما قالوه لكن مع تأمّل انتهى وممّا نقلنا ظهر انّ التّعليل المذكور فى الرّياض محلّ نظر عنده ايضا بل اعتبار الحسّ فى الشّهادة محلّ تأمّل عنده بل ظهر منه انّ مقتضى عموم الأدلّة عدم اعتبار الحسّ وانّ منشأ عدم كفاية الحدس هو اصل العدم عند الشكّ لا ما نسبه المصنّف الى الأصحاب من عدم دلالة الآية وامثالها على وجوب التّصويب فى الاعتقاد وقد اختار فى الجواهر كفاية العلم مطلقا فى الشّهادة للعموم بل قال لعلّ الأصحاب لا يخالفون فى ذلك مع انّ الشهادة عرفا هى الاخبار الجازم على الوجه المزبور من غير مدخليّة للحضور فيها ثم انّ وجه النّظر الّذى اشار اليه المصنّف وصاحب الرّياض كثرة استعمال لفظ الشّهادة فى غير المحسوس كالشّهادة بالتّوحيد والرّسالة وغيرهما وقوله تعالى (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقوله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) وغير ذلك او انّ لفظ الشهادة ليس فى جميع الأخبار بل فى كثير منها لفظ البيّنة كقوله ص انّما اقضى بينكم بالبيّنات والأيمان وقوله ص البيّنة للمدّعى واليمين على من انكر وغير ذلك او ما نقلنا عن الجواهر من كونها فى العرف لمطلق الأخبار الجازم ولا يخفى تقديم المعنى العرفى على المعنى اللّغوى قوله قلت ليس المراد ممّا ذكرنا عدم قابليّة العدالة توضيح ذلك انّ الآية بملاحظة المفهوم وقوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) وبملاحظة التّعليل بقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) تكون دالّة على قبول خبر العادل دون الفاسق من جهة نفى احتمال تعمّد الكذب فى الأوّل دون الثّانى لكن بضميمة اصل عدم الخطاء والغفلة تدلّ الآية على حجّية خبر العادل فى المحسوس اذا كان ضابطا لكون احتمال تعمّد الكذب فى خبره امرا مرجوحا فى نفسه مع جريان اصالة عدم الخطاء والغفلة ولا تدل على عدم الاعتناء باحتمال الخطاء فى الحدس فى العادل لعدم كونه امرا مرجوحا فى نفسه فى حقه مع انه لو كان لكان فى خبر الفاسق ايضا ولا تدل ايضا على حجّية خبر العادل ولو فى المحسوس اذا لم يكن ضابطا لعدم جريان اصالة عدم الخطاء والغفلة فى حقّه لعدم كونه مرجوحا فى نفسه فى حقّه ايضا ولا تدلّ ايضا على عدم حجّية خبر الفاسق اذا علم بعدم تعمّده الكذب لكن قد يدلّ دليل من الخارج على عدم

٢٥٣

حجّية خبر الفاسق المذكور كما فى الشّهادة والفتوى وغيرهما والحاصل انّ الآية فارقة بين خبر العادل والفاسق فى الجملة وناطقة به كذلك فتدلّ على حجّية خبر العادل دون الفاسق فى بعض الموارد فقط وهو ما اذا كان احتمال تعمّد الكذب مرجوحا فى العادل دون الفاسق فاذا علم فى مورد بعدم تعمّد فاسق فى الكذب فالآية لا تدلّ على حجّية خبره ولا على عدم حجّيته بل لا بدّ فيه من التماس دليل آخر فان دلّ على حجّيته او على عدم حجّيته كما فى الشهادة والفتوى وغيرهما عمل به والّا فيرجع الى اصالة عدم الحجّية فعلم ممّا ذكرنا انّ مقصود المصنّف قدّه ليس عدم دلالة الآية على حجّية خبر العادل فعلا اصلا كما زعمه بعض المحقّقين حيث قال ولا يخفى انّ ما افاده قدّه من استظهار كونها بصدد بيان الفارق بين الفاسق والعادل من حيث احتمال تعمّد الكذب لا من حيثيّة اخرى كما يشهد تصريحه بذلك فى ذيل قلت جوابا عن ان قلت الثّانى وتفريعه عليه بقوله فالآية لا تدلّ ايضا على اشتراط العدالة الى آخرها كما لا يخفى ظاهر فى المنع عن دلالتها على حجّية خبر العادل فعلا مع انّ الظاهر من سوق كلامه قدّس سره كونه بصدد بيان الفارق بين خبر العادل عن حدس وعن حسّ على تقدير دلالتها على حجّية خبره فى الجملة الى آخر ما افاده ره ثم انّه قدس سرّه جعل الامر بالتّأمّل اشارة الى ما ذكره من الايراد على المصنّف وانت خبير بانّ كلام المصنّف كالصّريح فى دلالة الآية بضميمة اصالة العدم على حجّية خبر العادل دون الفاسق فى الجملة لا مطلقا وليس ظاهرا فيما ادّعاه فتبصّر قوله فتأمّل وجه التأمّل انّ المراد بالتبيّن كما ذكر فى وجه الاستدلال هو الأعمّ من العلم والظنّ الاطمينانى او الأعمّ منهما ومن الظنّ المستقر او مطلقا وكذلك المراد من الجهالة هو عدم العلم والظنّ الاطميناني او عدمهما والظنّ المستقرّ او مطلقا على ما سبق فتكون الآية دالّة على حجّية خبر الفاسق اذا افاد الظنّ ولذا عمل المشهور بالخبر الضّعيف المنجبر بالشّهرة والخبر الموثق وعلى هذا فيكون الخبر الفاسق الّذى علم بعدم تعمّده الكذب حجّة مطلقا غاية الامر خروج الشهادة والفتوى ونحوهما باعتبار العدالة وموضوعيّتها فيها بالإجماع ونحوه او انّ وجهه ما افيد من انّهم قد استدلوا على اعتبار العدالة فى الشّاهد وعدم قبول شهادة الفاسق بالآية الشّريفة والجواب المذكور انّما يستقيم فيما لو كان الدّليل على اعتبار العدالة فى الشاهد غير الآية وليس الأمر كذلك قال قدس سرّه وان امكن التأمّل فيه بانّ غرضهم الاستدلال

٢٥٤

بالآية فى الجملة ولا ينافى ذلك اعتبارهم للعدالة بعنوان الموضوعيّة بدليل آخر هذا البحث عن الاجماع المحصّل الاجماع فى مصطلح الخاصة والعامّة قوله بل العامّة الّذين هم الاصل له وهو الاصل لهم كون العامّة اصلا للاجماع من جهة انّهم عنونوا اوّلا الإجماع وجعلوه دليلا برأسه فى قبال الأدلّة الثلاثة من جهة كون الإجماع من حيث هو حجّة عندهم وامّا عند الخاصّة فليست حجّة كذلك بل لكشفه عن قول المعصوم او فعله او تقريره فهو داخل فى السنّة عندهم وجعله دليلا رابعا انّما هو من جهة متابعة اهل السّنة قال السيّدان قدّس سرهما على ما حكى بعد ان التزاما بكونه ليس دليلا آخر وراء السنّة انّا لسنا بادين فى ذلك اى فى جعله دليلا رابعا حتّى يلزمنا ارتكاب اللّغو وانّما بداه مخالفونا فعرضوه علينا فرأيناه حجّة عندنا لا للعلّة الّتى اعتمدوا عليها بل لكونه مشتملا ومتضمّنا لقول المعصوم ع فارتضيناه وقلنا بحجّيته فنحن متّفقون معهم فى حجّيته ومختلفون فى وجهها انتهى وامّا كونه اصلا لهم فلأنّه مبنى دينهم لإنكار اكثرهم النصّ على الخلافة وانّما اعتمد غالبهم على الإجماع الّذى ادّعوه مع انّه لا اصل له لمخالفة بنى هاشم وغيرهم ولغير ذلك ممّا ثبت فى الكتب الكلاميّة كنهج الحقّ للعلّامة واحقاق الحقّ للسيّد الشهيد وغيرهما واختلف العامّة ايضا فيه فادّعى بعضهم عدم امكانه وبعضهم عدم وقوعه وبعضهم عدم حجّيته الى غير ذلك من الخلافات الّتى لهم ولذا عدل بعض المتاخّرين منهم على ما حكاه العلّامة المجلسىّ وغيره عن الاعتماد عليه وذهب الى امكان اثبات الخلافة ببيعة واحد او اثنين قوله فى عصر اه اعتبار كون الاتفاق فى عصر واحد انّما يناسب مذهب من ذهب الى طريقة اللّطف كالشيخ والمحقّق الثّانى وغيرهم ممّا سيأتى نقله ولذا قالوا انّه لا قول للميّت بالإجماع لانعقاد الإجماع على خلافه ميتا مع عدم امكان انعقاد الإجماع على خلافه حيّا وامّا على طريقة المتأخّرين من الحدس والتقرير ولا يخفى عدم اعتباره كذلك فيها ولعلّه الى ما ذكرنا نظر الوحيد البهبهانى قدس سرّه فى القواعد وفى حاشية المدارك فى باب غسل الجنابة حيث قال انّ الشيعة لم يعتبروا فى الإجماع كون الاتفاق فى عصر واحد قوله وقال صاحب غاية البادى فى شرح المبادى وهو العلّامة ركن الدّين محمد بن على الجرجانى وقد نسب السيّد الصّدر فى شرح الوافية شرح المبادى اليه وكذا المحقق الكاظمى فى حاشية كشف القناع وجه حجية الاجماع عند الإماميّة قوله لكن لا يلزم من كونه حجة تسميته اجماعا فى الاصطلاح اه ليس ببعيد كون المصطلح عند المتأخّرين من الخاصّة غير ما هو المصطلح

٢٥٥

عند العامّة والالتزام باصطلاح خاصّ للخاصّة وان كان فى السّابق مجازا مشهورا عندهم اذ الخاصّة لا يطلقون الإجماع الّا على هذا المعنى الّذى شاع بينهم فاذا لم يلتزم بالهجر والنّقل فيه مع عدم استعماله فى المعنى المعروف للعامّة اصلا الّا نادرا فلا بدّ من عدم التزام النّقل فى مورد من موارد استعمال اللّفظ فى المعنى المشهور اصلا وما ذكره المصنّف من انّ المراد بما اشتهر بينهم من عدم قدح خروج معلوم النّسب عدم قدحه فى الحجّية لا فى التّسمية غير مسلّم ويدلّ على ذلك ما اعترف به من اطلاقهم الإجماع بقول مطلق على اجماع الإماميّة فقط مع انّهم بعض الأمّة لا كلّهم وما ذكرنا هو ما اختاره جمع منهم العلّامة الطباطبائى فى فوائده حيث قال قدس‌سره الاجماع عندنا هو الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم ع سواء انفردت به الفرقة النّاجية او انضمّ اليها غيرها من فرق المسلمين وسواء بلغ حد الضّرورة من المذهب او الدّين او لم يبلغ ذلك مع حصول اليقين وسواء عمّ الاعصار كلّها او اختصّ ببعضها عمّ فقهاء عصر واحد او اختصّ بالبعض الكاشف عن قول الحجّة من الطّائفة المحقّة انتهى فالاجماع المصطلح عند الخاصّة او متأخّريهم فقط هو الاتفاق الكاشف سواء كان الكشف من جهة اشتماله على قوله بالتضمّن او بالالتزام وعلى التقدير الأخير كان منشؤه اللّطف او كان منشؤه الحدس او التّقرير قوله فظاهر اطلاقهم ارادة دخول قول الإمام ع فى اقوال المجمعين اه المسامحة فى اطلاق الإجماع اعلم انّ للعلماء طرقا فى تحصيل الإجماع الكاشف عن قول المعصوم ع وقد انهاها السيّد المحقق الكاظمى فى شرح الوافية الى ستّة قال احدها انّه لما ثبت بالأدلّة العقليّة والنقليّة ان زمان التّكليف لا يخلو من امام معصوم ع حافظ للشّريعة كان اذا اجتمعت الأمّة او مؤمنوها او علمائها داخلا فيهم لأنّه من الأمّة وسيّد المؤمنين وافضل العلماء وعليه صاحب المعالم وجماعة والعلم بهذا الإجماع اعنى الاطّلاع على اتّفاق من يقطع بدخول المعصوم ع فيهم يعقل فى زمان الظّهور تارة بطريق النّقل وذلك بان يحصل التّظافر والتّسامع من كلّ جانب انّ جميع الأمّة او المؤمنين او العلماء على هذا الحكم مثلا فيقطع بانّ الإمام ع عليه ايضا لأنّه ع واحد منهم سواء كان النقل من الكلّ او انّه شاهد البعض وحكى له من الباقين وتارة بطريق المشاهدة بان يشاهد الكلّ ويراسلهم او شاهد جماعة يقطع بانّ الإمام ع فيهم او يراسلهم ولا بدّ على هذين من دخول مجهول يجوز ان يكون هو الإمام

٢٥٦

بخلاف الاوّل اعنى النقل وامّا فى زمان الغيبة فلا يتصوّر العلم به الّا بطريق النّقل المتواتر عن الماضين المقطوع بدخول المعصوم فيهم بطريق المشاهدة ونحوها لأنّ ذلك انّما يتم لو قطع بدخول الغائب فى المشاهدين ولا قطع ودخول المجهول لا يفيد الظنّ فضلا عن القطع واليه رجع السيّد المرتضى بعد حين وقد اعتبر الاكثرون دخول مجهول النّسب فى المجمعين بزعم انّه هو الإمام ع بل عدم خروج مجهول بل حكموا ببطلانه عند خروج المجهول وان كان هناك مجاهيل لجواز كونه ع ذلك الخارج ومن ثم حكموا بانّ خروج المعلوم غير قادح ونحن نقول انّ هذا الاعتبار ان خصّ بزمان الظهور توجّه انّ المهمّ الاستكشاف بعد الغيبة على ان الظّاهر انّهم انّما اعتبروا ذلك ليكون طريقا لاستعلام الغائب المستور الّذى لا يكون ظهوره الّا متنكّرا وانّى يخفى امر الإمام ع فى ايّام الظّهور عن الأعداء فضلا عن الأولياء فان قلت او ليس من الجائز ان يتفق جماعة فى دار على امر ويقطع بدخول المعصوم ع فيهم ولكن لا نعرفه بعينه قلت تحصيل مثل هذا لا يتوقف على عدم خروج المجهول بل لو خرج العلماء كلّهم لأمكن محصّله انّما الكلام فى استعلام دخوله بتتبع العلماء وان كان فيما هو اعمّ كما هو الظّاهر قلنا انّى يتيسّر العلم باتّفاق كلّ معلوم ومجهول ولئن سلّمنا فاقصاه الاحاطة بمن ظهر من المجاهيل دون من استتر ولا يعرف له مقام ولا يذكر بمقال ولم تجر العادة بظهوره سلّمنا فمن اين لنا بالقطع بظهوره ودخوله ثم ينبغى على هذا الاكتفاء فى تحقق الإجماع بالمجاهيل وان خرج كلّ معلوم حتّى اذا كان هناك مائة معلوم وواحد مجهول كانت الحجّة فى مقالته دونهم وكفى بذلك ضعفا الى ان قال ثم اعتبار الاكثرين دخول مجهول النّسب فى المجمعين قاض باشتهار هذه الطّريقة اذ على الثانية اى طريقة اللّطف لا يحتاج الى اعتبار دخول المجهول لعدم ابتنائها على دخول المعصوم ع بنفسه فى المجمعين بل على ان سكوته دليل الرّضا فيتمّ وان كان الكلّ معلومين لكن المعروف فى الأصحاب انّما هو الثّانية وقد يظهر من كلام الشّيخ ره اعتبار دخول المجهول ايضا كما سيأتى مع انّه لا يعرف الّا الطّريقة الثانية ويصرّح ببطلان الأولى وح لا يبعد تنزيل كلام الأكثرين على ذلك ايضا وان لم يكن لهذا الاعتبار وجه الثّانى ما اشتهر بين اصحابنا قديما وحديثا حتّى قال السيّد ره انّها طريقة اصحابنا وقال الشيخ انّه لا يعلم دخول الإمام ع الّا بهذا

٢٥٧

الاعتبار والّا فلا حجّة فى الإجماع وهو ان فى امساك الإمام عن النكير دلالة على رضاه بما اجمعوا عليه اذ لو اجمعوا على باطل لوجب عليه ان يظهر حتّى يردّهم الى الحقّ ولو بالبحث بخلاف ما اذا لم يجمعوا فانّه ح لا يجب عليه الظهور ليردّ المبطل اذا الموجب انّما هو اظهار كلمة الحق فيهم وقد ظهرت ولو على لسان البعض والاصل فى ذلك ما استفاضت به الاخبار بل ادّعى الاستاد ره تواتره من انّ الأرض لا تخلو عن حجّة يعرف به الحلال عن الحرام اذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم وان نقصوا ائمّة لهم وانّ الالطاف الواجبة اظهار كلمة الحقّ على لسان داع يدعو اليها باقامة حجّة بيّنة تدلّ عليها كآية نصّة او سنّة متواترة حتّى لو فرض وما كان ليكون اجماع على خلافها لم يجب الظّهور وكان قيام تلك الحجّة كافية فى الدّلالة على بطلانه ثمّ تجاوز الشيخ عن هذا المقام حتّى ادّعى وجوب ظهور الإمام ع حين تحقق الخلاف ايضا لكن حيث لا يكون هناك مميّز لما له الحقّ من آية او رواية الى ان قال ثم لم يقنع الشيخ بذلك حتّى تجاوز عن هذا المقام ايضا فحكم بحجّية قول نشاء ولم يوجد له مخالف وان لم يقم عليه دليل محتجّا بانّه لو لم يكن حقّا لوجب الظّهور وتصوير ذلك ان يحكم فقيه بحكم لم يتعرّض له احد لندوره وكم من فرع تعرّض له المتأخّرون ولم يلمّ به المتقدّمون وقضية ان ما انفردت به التّذكرة ونحوها من الاحكام حجّة وان لم تقم عليه حجّة وهو كما ترى واورد على هذه الطّريقة اعنى القول بوجوب الظهور فى المقام الاوّل فضلا عن الآخرين منع كون الامساك للرّضاء لم لا يكون للخوف المعلوم حصوله للغائب المستور ادام الله حراسته وجعلنا فدائه ولو وجب الظهور لاظهار الحقّ لوجب لإقامة الحدود وهى معطّلة الى ان قال وامّا الخبر فنعترف به ونقول بمضمونه ونقرّ بانّ الأرض لا تخلو عن امام ع متّصف بصفات جليلة هذه إحداها ثم لا نقتصر فى هذه على موقع الإجماع بل نقول انّه نصب لهداية كلّ احد وردّ كلّ خارج وابطال كلّ بدعة وتتميم كلّ نقيصة وان لم يقع فى الكلّ على ما يقضى به العموم حتّى اذا زاد قبيل او اهل بلدة او قرية او نحو ذلك فى الدين شيئا او نقصوا وجب عليه ان يردّهم الى الحقّ ويدلّهم على ما اهملوا وبالجملة فقد نصب لتقويم النّاس وتعليمهم ونقول انّ هذا الإمام المتصف بتلك الصّفات موجود الآن عمّر الله الأرض بطول بقائه بل ذلك من ضروريّات مذهبنا غير انّه قد منع من ذلك وخذله النّاس حتّى وجب عليه الاستتار وحرموا من تلك الالطاف

٢٥٨

الى ان قال وكيف كان فان نهض الخبر بحجّية الإجماع نهض بحجّية الشّهرة فانّها ممّا تصدّق بالزّيادة والنقيصة اذا لم تطابق الواقع وامّا دعوى كونه من الألطاف الواجبة فاوّل ما فيه انّ اللّطف الواجب مما يقرّب الى الطّاعة ويبعّد عن المعصية وليس فى الانقياد مع الدّليل عصيان بل العصيان فى التخلف وانّما هو طاعة ثم انّ ما يجب من اللّطف كما يجب للكلّ يجب للبعض للاشتراك فى التكليف وقضيّة ذلك وجوب الظّهور لخطاء البعض ولا قائل به وامّا تجاوز الشّيخ الى وجوب الظّهور لردّ البعض حيث لا تميّز ولا متعرّض فقد كفانا مئونة ردّه عدم قيام الحجّة على وجوب ظهوره لردّ الكلّ ويتوجّه عليه ح انّ الّذى يخشى عليه من الضّلالة ان كان مجتهدا فما كان ليجوز له التّقليد بل يجب عليه الاخذ بالدّليل وان كان مقلّدا فليس عليه الّا الأخذ من المجتهد اصاب او أخطأ ولو تمّ ذلك لوجب الظّهور لردّ كلّ مجتهد مخطئ لئلّا يضلّ مقلّده ثم التحقيق انّ القدر المسلّم من وجوب الظّهور لردّ الرّعية الى الحقّ هو ما اذا اجمعوا على باطل يخرج بهم عن الدّين وبالجملة اذا خيف على بيضة الإسلام وجب الدّفاع وسقط الاتّقاء ومن هنا وجب تجديد الإرسال عند اشراف الاديان عن الاضمحلال قال المحقق الطّوسى فى التّجريد وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا ومن ثم اعرض السيّد ره عن هذه الطّريقة بعد ان جرى عليها دهرا قال فى المسائل الطّرابلسيّات الثانية عند قول السّائل هل يجوز ان يكون الحق عند الإمام والنّاس على باطل قد اجبنا عن هذا السّئوال فى كتاب الغيبة والشافى والذّخيرة بانّه لو كان كذلك لوجب عليه ان يظهر لإيضاح الحقّ ولا تسعة التقيّة والحال هذه وقلنا انّ ذلك لو لم يجب لكنّا مكلّفين بما لا طريق لنا الى علمه وذلك لا حق بتكليف ما لا يطاق فى القبح وجرينا فى الجواب بذلك على طريقة اصحابنا فانّهم عوّلوا فى الجواب من هذا السّئوال على هذه الطّريقة والّذى يقوّى الآن فى نفسى ويتّضح عندى انّه غير ممتنع ان يكون عند امام الزّمان غائبا او حاضرا من الحقّ فى بعض الاحكام الشرعيّة ما ليس عندنا سيّما مع قولنا بانّه يجوز ان يكتم الأمّة شيئا من الدين ولا يكون تكليفنا بمعرفة ذلك الحقّ تكليفا بما لا يطاق من حيث انّا قادرون على ازالة الخوف عنه ومتمكّنون ولو ذال لظهر وأبان لنا ألا ترى انّا نقول انّ الله تعالى قد كلّف الخلق على طاعة الامام ع والانقياد له والانتفاع به وذلك كلّه منتف فى حال الغيبة والتكليف به مع ذلك ثابت لأنّ

٢٥٩

التمكّن فينا قائم من حيث تمكّننا من ازالة تقية الإمام ع وخوفه فاىّ فرق بين الامرين وقال فى الذّريعة يجوز ان يكون الحق فيما عند الإمام ع والأقوال الأخر كلّها باطلة ولا يجب عليه الظّهور لأنّه اذا كنّا نحن السّبب فى استتاره فكلّما يفوتنا من الانتفاع به يكون قد أتانا من قبل نفوسنا ولو اذ لنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدّى الينا الحقّ الحقّ الّذى عنده فكلام السيّد والمحقق قدس سرّهما وان كان مطلقا ولكن لا يبعد تنزيله على ما لا يذهب بالدّين فانّه اذا افضى الى ذهاب بيضة الإسلام فلا شك فى وجوبه فامّا قول الشّيخ فى العدّة بعد حكاية ما فى الذّريعة وهذا عندى غير صحيح لأنّه يؤدّى الى ان لا يصحّ الاحتجاج باجماع الطّائفة اصلا لأنّا لا نعلم دخول الإمام ع الّا باعتبار الّذى بيّناه فهو كما ترى اذ لعلّ هناك دليل آخر يدلّ على حجّية الإجماع فلا يلزم من اهمال هذا الدّليل بطلان الحجّية رأسا نعم يتوجّه عليه انّ التّكليف متعلّق بكلّ واحد منّا وكلّ واحد منّا غير قادر على ازالة الخوف انّما القدرة للمجموع والتكليف لا يتعلق بالمجموع من حيث هو مجموع بل اللهمّ يتوجّه عليه انّ المطلوب الأصلى وان كان هو الواقع لكن التكليف انّما هو بما تقود اليه الأدلّة من اصله او من ظاهر الخطاب او نحو ذلك اصاب الواقع او أخطأ وذلك ممّا يطاق ثم انّ السيّد بعد ان اعرض عن هذه الطّريقة سلك فى الاستكشاف مسلكا آخر ليرجع الى الاوّل قال فى جواب أسئلة الشريف الرّضى ره ما حاصله ان ليس الإمام ع الّا عالم من علمائهم وكما انا نعلم وفاق العلماء وان لم نعرفهم باعيانهم وانسابهم فانّا نعلم ضرورة انّ كلّ عالم من علمائهم يذهب مثلا الى انّ الإمام ع يجب كونه معصوما منصوبا وان لم نعلم كلّ قائل بذلك وبالجملة نستعلم مقالة من لا نعرفه باتفاق من فعرفه كذلك نعلم وفاقه وان لم نعرفه بعينه واقول ان اراد الإمام الغائب كما هو الظاهر فلقائل ان يقول انا انّما استعملنا بمقالة من نعرف مقالة من لا نعرف من العلماء الّذى جرت العادة بحكاية اقوالهم وذكر مذاهبهم من حيث انّه لو كان هناك مخالف لحكى خلافه وهذا انّما يعقل فى الظّاهر المشهور دون الغائب المستور ومن ذا الّذى رأى الامام ع وعرف مذاهبه كى يحكى عنه بخلاف ما فى ايدى النّاس وان اراد الإمام الظّاهر فلا يبعد ان يكون كذلك ايضا لعدم جريان العادة بنقل مذاهبهم فى المذاهب بل ولا بنقل اقوال ساير العلماء كزرارة ومحمّد بن مسلم وليث وأبان وجميل وابن ابى عمير ويونس و

٢٦٠