إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

لا صلاح فيه بل هو فساد محض ويرد عليه ايضا انّ الظّاهر من الافساد عدم مطابقته للواقع لا للظّاهر مع انّه ظاهر ايضا فى الاستناد مثل قوله ع رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم ولا معنى للتّفكيك بينهما فتدبّر قوله ونفس ادلة الاصول اه مثل قوله ع كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام فانّ فيه دلالة على ثبوت الحلّية الظاهريّة الى حين العلم بالحرمة ففى صورة عدم العلم يحكم بالحلّية مطلقا حصل الظنّ او الشكّ او الوهم وكذلك غيره من اخبار اصل البراءة مثل قوله النّاس فى سعة ما لم يعلموا وقوله ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وقوله ص رفع عن امّتى ما لا يعلمون وغير ذلك وكذلك ما ورد فى باب الاستصحاب حيث قال عليه‌السلام فى صحيحة زرارة لا حتّى يستيقن انّه قد نام حتّى يجيء من ذلك امر بيّن وقوله ع لا تنقض اليقين بالشكّ حيث انّ الشكّ خلاف اليقين كما عن القاموس وغيره وقوله عليه‌السلام بل تنقضه بيقين آخر وقد ذكر المصنّف قدس‌سره شواهد على ذلك فى باب الاستصحاب وكذلك الاصول العقليّة مثل اصل التّخيير الّذى هو بحكم العقل فانّ حكم العقل به فى موضوع التحيّر والتردّد ولا يخفى تحققه فى صورة الظنّ الغير المعتبر وكذلك مبنىّ الاحتياط هو دفع الضّرر المحتمل ولا يخفى تحقّق الاحتمال فى صورة الظنّ الغير المعتبر بل وكذلك اصل البراءة اذا كان عقليّا فانّ مبناه قبح العقاب بلا بيان ولا يخفى عدم صلاحية الظنّ مع عدم اعتباره للبيان بل وكذلك الاستصحاب اذا كان عقليّا مبنيّا على الظنّ النّوعى المطلق كما قد نسب الى المشهور نعم اذا كان عقليّا مبنيّا على الظنّ النّوعى المقيّد بعدم الظنّ الشخصى على خلافه كما يستفاد من كلام العضدى او مبنيّا على الظنّ الشخصى كما يستفاد من كلام الشّيخ البهائى قدّه لا يكون حجّة مع عدم حصول الظنّ الشخصىّ او مع حصول الظنّ الشخصى على خلافه لكن اصل كونه عقليّا ضعيف وكونه مبنيّا على ما ذكر فيه ضعف على ضعف وكذلك كون اصل البراءة عقليّا مبنيّا على الاستصحاب وكونه مبنيّا على ما ذكر فانّ فيه ضعفا على ضعف ايضا قوله وامّا اذا قلنا باشتراط عدم كون الظنّ على خلافهما اه الاصوب ان يقال وامّا اذا قلنا باشتراط عدم كون الظنّ على خلافها او قلنا باشتراط كونها مفيدة للظنّ الشّخصى كما هو احد الاقوال فى الاصول اللّفظيّة وفى الاستصحاب واصل البراءة على تقدير كونهما من باب الامارات فانّ الحكم على التّقدير المذكور ايضا ما ذكره المصنّف قدّه فان قلت لم يتعرض قدّه لما ذكر لكونه فى غاية الضّعف قلت كونها مقيّدة بعدم الظنّ الشخصى على خلافها ايضا فى غاية الضّعف وقد ادّعى قدّه فى باب الاستصحاب الاجماع القطعى على عدم تقييده بعدم

١٤١

كون الظنّ الشّخصى على خلافه على تقدير استفادته من الاخبار مضافا الى القرائن الّتى فى الاخبار الدالّة على ذلك قوله فغاية الامر التّخيير بينهما او تقديم الظنّ اه الظّاهر ان مراده بالتّخيير هو التّخيير فى المسألة الاصوليّة اى التّخيير بين العمل بالاصل والاستناد اليه وجعل مدلوله حكم الله وبين العمل بالظنّ كذلك وتكون كلمة او ح للتّرديد ويرد عليه بانّه لا معنى للتخيير المذكور اذ التّخيير امّا عقلىّ كالتّخيير بين الخبرين المتعارضين على تقدير كونهما حجتين من باب السّببيّة او شرعىّ ولا مساغ للاوّل لفرض عدم الدّليل على حجّية الاصل والظنّ المذكورين فضلا عن كونهما حجّتين كذلك وكذلك لا مساغ للثّانى لعدم الدليل عليه كذلك وكذلك لا معنى لتقديم الظنّ لكونه اقرب الى الواقع لأنّه انّما يتأتّى على تقدير تماميّة دليل الانسداد وهى غير مسلّمة عند المصنّف كما سيأتى شرح القول فيه فى بابه الّا ان يحمل على مذهب غيره ويحتمل بعيدا ان يكون مراده من التّخيير الّذى يحكم به العقل فى المسألة الفرعيّة مع فرض الكلام فى صورة دوران الامر بين المحذورين فقط وتكون كلمة او للتّقسيم ح وهذا المعنى وان كان يؤيّده ملاحظة مجموع ما ذكره سابقا من مثال كون الظنّ بالوجوب على خلاف الاستصحاب الّذى يقتضى التّحريم وكذلك قوله سابقا انّ العمل بالظنّ فى مورد مخالفته للاصول والقواعد الّذى هو محلّ الكلام مخالفة قطعيّة لحكم الشّارع اه بعد حمل الاصول على الاصول المثبتة للتّكليف الإلزامي وبعد ملاحظة المثال الّذى ذكره هناك بقوله مثلا اذا فرضنا ان الاستصحاب يقتضى الوجوب والظنّ حاصل بالحرمة وما سيذكره قدّه فى باب دليل الانسداد من انّه على تقرير الحكومة يحكم فى كلّ واقعة لا يمكن فيها الاحتياط بالتخيير مع الشكّ وبالظنّ فى المظنونات وان كان فى غاية الضّعف لأنّ الموافقة الظنّية اولى من غيرها الّا انّه خلاف ظاهر كلامه هنا بل كاد ان يكون خلاف صريحه من جهة انّ مرجع الضّمير فى قوله بينهما هو التعبّد بالظنّ والتعبّد بالأصل الموجود على خلافه وهو لا يجتمع مع الاحتمال الثّانى وكذلك من جهة اخرى واضحة فلا بدّ من تنزيل العبارة على الاحتمال الاوّل الّذى قد ذكرنا ما فيه فتدبّر قوله وانّ الضّرر الموهوم لا يجب دفعه اه هذا ايضا لا بدّ ان يحمل على مذهب الغير والّا فعلى مذهب المصنّف وكثير من المحقّقين دفع الضّرر المحتمل اذا كان اخرويّا واجب قطعا وسيأتى التّصريح من المصنّف فى مواضع فى دليل الانسداد ومباحث اصل البراءة والاشتغال على ذلك وقد ذكر سابقا ايضا ان العقل يحكم بوجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعى وقد قيل انّ ما ذكره محمول

١٤٢

على مذهب المحقّق القمىّ ره حيث ذهب الى ذلك وجوّز من جهته العمل بالظنّ فى صورة الانفتاح ايضا فى صورة احتمال الضّرر كما فى صورة احتمال الوجوب والحرمة وفى غيرهما بعدم القول الاستدلال على اصالة الحرمة بالآيات الناهية عن العمل بالظن بالفصل ولذا بنى قدّه على اصالة حجّية الظنّ قوله قدّه وقد اطالوا الكلام فى النّقض اه مثل كونها واردة فى اصول الدّين او فى مقام ظنّ السّوء والتّهمة بالمسلمين او انّها من خصائص النّبى ص لعدم جواز عمله ص بالظنّ او انّها قائلة نفسها لأنّها انّما تفيد الظنّ وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال وغير ذلك ممّا قيل فيها قوله فيكفى فى ذلك الادلّة الواقعيّة اه فى هذا الكلام نظر واضح اذ الادلّة الواقعيّة لا نظر لها الى جواز العمل بالظنّ وعدم جوازه ويدفع بانّ المقصود دلالة الادلّة الواقعيّة على ذلك بضميمة الادلّة العقليّة والنقليّة الدالّة على لزوم تحصيل العلم بالواقع وقد ذكرنا نظير هذا المطلب عند ذكر وجه التأمّل فى بعض فروع العلم الاجمالى فراجع قوله فيكفى فيه ايضا ادلة الاصول اه قد ذكرنا وجه دلالة ادلّة الاصول عقليّة وشرعيّة على وجوب الأخذ بها مع عدم العلم بخلافها فى بعض الحواشى السّابقة فراجع قوله والظاهر انّ مضمون الآيات هو التعبد بالظن اه لعلّ فى ذكر الآيات على صيغة الجمع المحلّى مسامحة لأنّ مضمون بعض الآيات كما اعترف به قدس‌سره سابقا حيث قال وقد اشير فى الكتاب والسنّة الى الجهتين هو حرمة العمل بالظنّ لأجل استلزامه فوت الواقع لا تعبّدا وممّا ذكرنا ظهر عدم التهافت بين كلماته قدس‌سره فتدبّر قوله بيان ما خرج او قيل بخروجه اه وضابط الاوّل ما كان خروجه اجماعيّا او كان خلافيّا وكان الحق عند المصنّف حجّية وخروجه من الاصل وضابط الثانى ما كان خلافيا وكان الحق عند المصنّف عدم حجّيته فى الظنون المعتبرة الخارجة عن اصالة حرمة العمل بالظن منها : الامارات المعمولة فى استنباط الاحكام الشرعية من الفاظ الكتاب والسنّة قوله منها الامارات المعمولة لاستنباط اه هذا على تقدير كون موضوع البحث فى مباحث الالفاظ هو الفاظ الكتاب والسنّة ليكون البحث عنها بحثا عن المسائل ظاهر وامّا على تقدير كون موضوع البحث فيها هو مطلق الالفاظ ليكون البحث عنها بحثا عن المبادى فلأنّ المقصود لذاته من عقد المباحث المذكورة هو فهم الاحكام من الفاظ الكتاب والسّنّة القسم الاول : ما يعمل لتشخيص مراد المتكلّم قوله واصالة العموم والاطلاق انّما افردهما عن سابقهما مع انّهما من قبيله لرجوعهما الى اصالة الحقيقة امّا لاختصاصهما بمزيد ابحاث لا تجرى فى مطلق الحقيقة والمجاز وامّا لعدم القطع بكونهما داخلين فى السّابق اذ مذهب جمع من المحققين ومنهم السّلطان والمصنّف على ما حكى عدم كون التقييد مجازا ومذهب كثير منهم فى العام المخصّص بكلمة الاستثناء وغيره عدم كونه مجازا وكونه داخلا فى الحقيقة على ما فصّل الكلام فيه فى محلّه

١٤٣

قوله ومرجع الكلّ الى اصالة عدم القرينة اه والسّر فى جعل مرجع اصالة الحقيقة والعموم والاطلاق الّذين هما نوعان منها الى اصالة عدم القرينة هو انّ وضع الألفاظ انّما هو لتدلّ على المعانى بانفسها ولكنّ الواضع رخّص فى نصب القرينة مع ارادة خلاف الظّاهر فالوضع بنفسه مقتض للظّهور والقرينة مانعة عنه ومن المعلوم انّه ما لم يحرز عدم المانع ولو بالاصل لا يمكن الحكم بالظّهور الفعلى فيكون ظهور اللّفظ فعلا فى المعنى الحقيقى بعد احراز المقتضى ووجوده مسبّبا عن ظهور عدم القرينة ومن المعلوم انّ الشكّ اذا كان سببيّا ومسبّبيا يجرى الاصل فى السّبب دون المسبّب سواء فى ذلك الاصل اللّفظى والاصل العملى وسيجيء تحقيق ذلك فى باب الاستصحاب مفصّلا إن شاء الله الله ثم انّ التّعبير باصالة عدم القرينة فقط مع انّه قد يكون الشكّ فى ارادة المعنى الحقيقى من جهة احتمال تورية المتكلّم او ارادة خلاف الظاهر من جهة مصلحة اخرى كما فى صورة تاخير البيان عن وقت الحاجة لمصلحة رآها المتكلّم انّما هو من جهة الغالب والكلام فيهما ايضا هو الكلام فيه من جهة كون الشكّ فيهما ايضا سببيّا ومسبّبيا لا بدّ من اجراء الاصل فى السّبب دون المسبّب وممّا ذكرنا يعلم توجّه النّظر الى ما ذكره بعض المحقّقين فى مقام الايراد على المصنّف حيث قال وممّا ذكرنا انقدح انّه لا وجه لارجاعه قدس‌سره تلك الاصول الوجوديّة الى العدميّة بل كما عرفت يكون الامر بالعكس والحاصل انّ اصالة الحقيقة لانطباق اصالة الظّهور عليها فيما اذا شكّ فى ارادة المعنى الحقيقى مع القطع بعدم الاحتفاف بما يوجب الصّرف او الاجمال ممّا لا اشكال فى اعتبارها مع انّه لا مجال لاصالة عدم القرينة فيه كما لا يخفى وامّا اصالة عدم القرينة فيما شكّ فيه الاحتفاف مع القطع بارادة المعنى الحقيقى لولاه او بدونه وإن كان من الممكن اعتبارها به لكن الانصاف عدم الاختلاف بين الشكّ فى الاحتفاف والقطع بعدمه فيما ينبّهون عليه عند الشكّ فى ارادة المعنى الحقيقى بل ينسبون فيهما الى اصالة الحقيقة الّتى لا مجال لغيرها فى صورة القطع بالعدم انتهى ثم انّ مراد المصنّف قدس‌سره بقوله الصارفة عن المعنى هو الأعمّ من الصّرف عن المعنى الحقيقى الى المعنى المجازى او الى غيره فلا غبار فى الرّجوع الى اصالة الاطلاق على مذهب المصنّف وغيره تبعا للسّلطان قدس‌سره من كون التّقييد حقيقة من باب تعدد الدالّ والمدلول على ما سيأتى بعض الكلام فيه فى باب التّعادل والترجيح إن شاء الله الله تعالى ثم ان القطع بارادة المتكلّم للمعنى الظّاهر مع القطع بعدم القرينة انّما يصح مع

١٤٤

القطع بعدم التورية والتقيّة والاتقاء ومصلحة اخرى مجوزة لتاخير البيان عن وقت الحاجة والّا فمع احتمال احد من المذكورات لا يحصل القطع بارادة المتكلّم الظّاهر ولو كان حكيما كما لا يخفى ثم انّ الاولى كما اشار اليه شيخنا قدّه فى الحاشية وفى مجلس البحث تاخير قوله ومرجع الكلّ الى اصالة عدم القرينة اه عن قوله وكغلبة استعمال المطلق اه وعن قوله وكالقرائن المقاميّة اه بعد جعل المعنى الظّاهر المراد الاعمّ من المعنى الحقيقى والمجازى اذ مرجعهما ايضا الى اصالة عدم القرينة الصّادفة عن الظهور العرضىّ الحاصل بالغلبة وغيرها قوله بناء على عدم وصوله الى حدّ الوضع اه قد ذكرنا انّ للمجاز المشهور مراتب إحداهما كونه حقيقة فى المعنى المشهور بهجر المعنى الاوّل وصيرورته مجازا فيه محتاجا الى القرينة على تقدير ارادته وقد ذكر المحقق القمىّ ره فى المطلق الّذى له افراد شايعة فى باب العامّ والخاصّ فى ذيل كلام الشّهيد الثّانى ره فى تمهيد القواعد وجوها ثلاثة احدها هجر المعنى الحقيقى وصيرورته حقيقة عرفية فى المعنى المشهور ثمّ ردّه بانّ اثبات الحقيقة العرفية دونه خرط القتاد والثّانى كونه مشتركا لفظيّا بين المعنى الكلّى والفرد المشهور والثّالث كونه مجازا مشهورا فيه ولم يرجح احد هذين الوجهين الّا انّه قال ان ارادة الافراد الشّائعة لمّا كان متحقق الحصول على اىّ تقدير فتعين ارادته ويصير الباقى مشكوكا فيه وذلك ليس لترجيح المجاز المشهور او احد معنيى المشترك بسبب اشتهاره بل لدخوله فى اللّفظ على اىّ التقديرين انتهى وظاهره كون مذهبه فى المطلق دائرا بين هذين الوجهين وما ذكره من كون الفرد الشّائع متيقّن الارادة هو لازم كلّ من ذهب الى الاجمال فيه سواء ذهب بكونه مجازا مشهورا فيه او بالاشتراك اللّفظى وقد ذكره قدس‌سره فى باب المطلق والمقيّد بهذه العبارة ولئن سلّمنا تساوى الاحتمالين فنقول ان البراءة اليقينيّة لا تحصل الّا بالعمل بالمقيّد كما ذكره العلّامة فى النّهاية ومن المعلوم انّ الرّجوع الى اصالة الاشتغال الّتى هى اصل عملىّ لا يصحّ فى المقام الّا مع الالتزام بالاجمال ومن جميع ما ذكر يظهر ان ما ذكره بعض الافاضل فى مقام نقل الاقوال والوجوه فى دلالة المطلقات على الافراد الشائعة فى مقابل الوجوه المذكورة وغيرها من ان من جملتها القول بالرّجوع الى اصل الاشتغال ونسبه الى المحقّق القمىّ قدّه فى غير محلّه ثم انّ ما نقله المحقّق القمىّ ره فى القوانين عن علم الهدى بانّه لم يعتبر الشّيوع وراعى اصل الحقيقة لعلّه مبنىّ على القول بكون التّقييد

١٤٥

مجازا مع ترجيح جانب الحقيقة فى مسئلة تعارض الحقيقة مع المجاز المشهور كما هو احد الاقوال فيها الّا انّه قيل ان علم الهدى انّما ذكر عدم انصراف المطلق الى الافراد الشّائعة فيما اذا قام الاجماع مثلا على ثبوت الحكم فى بعض الافراد النّادرة ايضا كالطّهارة بماء النفط والكبريت فاستكشف من ذلك جواز التّطهير بالماء المضاف وانّ المراد من المطلق جميع الافراد والّا فهو فى غير الصّورة المزبورة يقول بانصراف المطلق الى الفرد الشائع كالمشهور وعليه لا يكون السيّد قدّه مخالفا ثمّ ان استناد الظهور الى الغلبة مع عدم الوصول الى حدّ الوضع وكون اللّفظ مجازا فى المعنى المشهور انّما يصحّ اذا قلنا فى مسئلة تعارض الحقيقة مع المجاز المشهور بترجيح جانب المجاز على الحقيقة وامّا اذا قلنا بالتوقّف او ترجيح جانب الحقيقة فلا يصحّ ما ذكر او اذا قلنا بتفاوت مراتب المجاز المشهور مع الوصول الى حد يغلب جانب المجاز على جانب الحقيقة حتّى بملاحظة الوضع ايضا وامّا اذا لم يصل الى الحدّ المذكور بان وصل الى حدّ يجب التوقّف او الى حدّ يترجح جانب الحقيقة فلا يصحّ ما ذكر ايضا مع انّه يمكن تصحيح استناد الظّهور الى الغلبة مع الوصول الى حدّ الوضع بان يكون المطلق المذكور مشتركا لفظيّا فى الجملة ايضا بان تكون الغلبة معيّنة لارادة احد معنيى المشترك وممّا ذكر يعلم انّه قدّه لو قال وكغلبة استعمال المطلق فى الفرد الشّائع فى مقام يكون الظّهور مستندا اليها لكان اولى قوله ونحو ذلك كما اذا كان هناك مجاز قريب ومجاز بعيد فانّه يعين الحمل على المجاز القريب دون البعيد لما قالوا من انّه اذا تعذّرت الحقيقة فاقرب المجازات اولى وغير ذلك قوله والشكّ فى الاوّل مسبّب عن الاوضاع اللّغوية والعرفيّة اه لعلّه اراد الاعمّ من الوضع الحقيقى والوضع النّوعىّ التّاويلى الحاصل فى المجازات والّا فالشكّ فى انّ وقوع الأمر عقيب توهم الحظر هل يوجب ظهوره فى الاباحة المطلقة وغير ذلك من الامثلة الّتى ذكرها المصنّف قدّه وغيرها ليس مسبّبا عن احدهما كما لا يخفى وقد اورد عليه بانّ ما ذكره قدس سرّه لا يتمّ بالنّسبة الى الظّهور العقلى الّذى اثبتوه لجملة من الالفاظ كالقضايا المشتملة على المفهوم مثل القضيّة الشّرطية وغيرها بناء على القول بظهورها فى الانتفاء عند الانتفاء من جهة اللغويّة بل لا يتم بناء على اثبات المفهوم لها بتبادر السّببيّة التامّة الغير المستندة الى الوضع انتهى وفيه انّ الكلام فى الظّهور المستند الى اللّفظ والظهور العقلى خارج عن مفروض البحث وعلى القول بتبادر السببيّة التامّة من الجملة الشرطيّة مثلا

١٤٦

يكون داخلا فى ظواهر الالفاظ امّا على تقدير كون الانتفاء عند الانتفاء معنى تضمّنيا فظاهر وامّا على تقدير كونه معنى التزاميّا كما هو الاظهر ليجتمع مع كونه مفهوما بان تكون مفاد الجملة الشرطيّة مثلا هو تعليق الوجود على الوجود على نحو التوقّف وهو معنى يلزمه الانتفاء عند الانتفاء فلانّ الدّلالة الالتزاميّة البيّنة داخلة فى دلالة الالفاظ ولذا استدلّوا له بالتّبادر فمعنى كون الجملة الشّرطيّة مثلا حقيقة فى الانتفاء عند الانتفاء هو كونها حقيقة فى معنى يلزمه ذلك كما انّ كون الامر حقيقة فى الوجوب معناه انّه حقيقة فى معنى يلزمه ذلك فانّ الوجوب على ما صرّحوا به ليس معنى مطابقيّا لصيغة افعل ولا تضمنيّا وذلك ظاهر الخلاف الاول فى حجية ظواهر الكتاب الدليل الاول على عدم حجية ظواهر الكتاب قوله وامّا الكلام فى الخلاف الاوّل فتفصيله انّه ذهب جماعة اه الاخباريّون على مذاهب ثلاثة فمنهم من ذهب الى عدم حجّية القرآن كلّه وهو الّذى نقله الفاضل المحدّث السّيد نعمت الله قدّه عنهم فى محكى منبع الحياة ويستفاد من الكلام المحكىّ عن المحدّث فى الفوائد قيل وتبعه فى ذلك شيخنا الحرّ العاملى وقال السيّد الصّدر فى شرح الوافية انّ التامّل فى كلام المصنّف قدّه يعطى انّه فهم من كلامهم صحّة ما نسبه اليهم السيّد قدّه وقال بعد ذلك ولو لا ان السيّد نسب ذلك اليهم وهو يظهر من كلامهم لتبادرت الى تكذيب هذه النّسبة ومنهم من ذهب الى التّفصيل بين النّصوص والظّواهر وهو للسيّد الصّدر شارح الوافية وسيجيء نقل كلامه وغيره ويستفاد من صاحب الحدائق ايضا لكن صرّح فى مقدّمات الحدائق بالتّفصيل بين العمل بالظواهر فى آيات الاحكام فلا يجوز وغيرها فيجوز ويستفاد هذا من بعض كلمات السيّد الصّدر ايضا كما سيأتى نقله ومن العجيب انّه جعل مذهبه موافقا لمذهب الشيخ قدّه حيث قال فى الحدائق على ما حكى والقول الفصل والمذهب الجزل ما افاده الشّيخ فى التّبيان مع ان كلامه المحكى فيه صريح فى ان مذهبه جواز العمل بظواهر القرآن وطريقته فى الاصول والفروع والتّفسير معلوم لكلّ احد ومنهم من ذهب الى تفصيل آخر قال المحدّث الكاشانى فى اوائل الصّافى انّ من اخلص الانقياد لله ولرسوله واقتفى آثارهم وحصّل جملة من اسرارهم حتّى يحصل له الرّسوخ فى العلم والطّمأنينة فى المعرفة وانفتح عينا قلبه وهجم به العلم على حقايق الامور وباشر روح اليقين واستلان ما استوعره المترفون وانس ما استوحش منه الجاهلون وصحب الدّنيا ببدن روحه متعلّقة بالملاء الاعلى فانّ لمثله ان يستفيد من القرآن بعض غرائبه ويستنبط منه بعض عجائبه فليس السّعادة وقفا على

١٤٧

قوم دون آخرين فحمل اخبار الجواز على امثال هؤلاء واخبار المنع على ما حملها عليه ابن ميثم وسيأتى نقل كلامه قيل ما ابعد ما بين هذين المحملين وكان ينبغى له حمل اخبار المنع على من لم يبلغ الدّرجة الّتى اشار اليها وان برع فى العلم ثمّ انه يمكن ان يستفاد من بعض كلمات بعض المفصّلين كالسيّد الصّدر وصاحب الحدائق ان نزاعهم فى عدم حجّية الظّواهر انّما هو فى الظّواهر المتعلّقة بالأحكام الفرعيّة لا مطلقا ومن العجيب ما يفهم من بعض الطّائفة الاولى من عدم حجّية ظواهر السنّة المرويّة عن النّبى ص ايضا الّا بعد ورود التفسير من اهل الذّكر فقد نقل عن المحدّث الأسترآبادي انّه قال لا يجوز استنباط الاحكام النظريّة عن ظواهر كتاب الله وعن ظواهر سنّة الرّسول ص الّا ببيان اهل الذّكر فى الجواب عن هذا الدليل قوله ثم لو سلّم كون مطلق حمل اللّفظ على معناه تفسيرا اه قال المحقّق السيّد الكاظمى ره فى شرح الوافية قال العالم الربّانى كمال الدّين ابن ميثم البحرانى ره ان قلت كيف يتجاوز الانسان فى القرآن المسموع وقد قال ص من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده فى النّار قلت الجواب عنه من وجوه الاوّل انّه معارض بقوله ص انّ للقرآن ظهرا وبطنا وحدّا ومطلعا وبقول امير المؤمنين الّا ان يؤتى الله عبدا فهما للقرآن الثّانى انه لو لم يكن غير المنقول لاشترط ان يكون مسموعا من الرّسول ص وذلك لا يصادف الّا فى بعض القرآن فامّا ما يقوله ابن عبّاس وابن مسعود وغيرهما من المفسّرين فلا ينبغى ان يقبل ويقال هو تفسير بالرّأى الثالث انّ الصّحابة والمفسّرين اختلفوا فى تفسير بعض الآيات وقالوا فيها اقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها وسماع ذلك من رسول الله ص محال فكيف يكون الكلّ مسموعا الرّابع انّه ص دعى لابن عباس فقال اللهمّ فقّهه فى الدّين وعلّمه التّاويل فان كان التّاويل مسموعا كالتنزيل ومحفوظا مثله فلا معنى لتخصيص ابن عباس بذلك الخامس قوله تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) فاثبت للعلماء استنباطا ومعلوم انه وراء المسموع فاذا الواجب ان يحمل النّهى عن التّفسير بالرّاى على معنيين احدهما ان يكون للانسان فى شيء رأى وله اليه ميل بطبعه فيتأوّل القرآن على وفق طبعه ورأيه حتّى لو لم يكن له ذلك الميل لما خطر ذلك التأويل سواء كان ذلك الرّأى صحيحا او غير صحيح وذلك كمن يدعو الى مجاهدة القلب القاسى فيستدلّ على تصحيح غرضه من القرآن بقوله تعالى (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ويشير الى انّ قلبه هو المراد من فرعون كما يستعمله بعض الوعّاظ تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وهو ممنوع الثّانى ان يتبرّع الى تفسير القرآن بظاهر

١٤٨

العربيّة من غير استظهار بالسّماع والنقل فيما يتعلّق بغرائب القرآن وفيما فيه من الالفاظ المبهمة وما يتعلّق به من الاختصار والحذف والاضمار والتقديم والتأخير ومن بادر الى التّفسير واستنباط المعانى بمجرّد فهم العربيّة كثر غلطه ودخل فى زمرة من فسّر القرآن بالرّاى مثاله قوله تعالى (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) فالنّاظر الى ظاهر العربيّة ربّما يظن انّ المراد انّ النّاقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء والمعنى آية مبصرة هذا كلامه قدّه وفى كثير من كلماته نظر والاولى فى الجواب معارضة الاخبار المذكورة بالاخبار المتواترة لفظا او معنى مثل خبر الثقلين واخبار العرض على الكتاب وغير ذلك وذكر الفاضل المحدّث الكاشانى بعد ان حمل اختلاف الاخبار على تفاوت مراتب استعداد النّاس وقد ذكرنا كلامه فيما سبق حمل اخبار المنع على التّفسير بالرّاى على المعنيين الّذين ذكرهما الفاضل ابن ميثم البحرانى المذكور ولكن بابسط ممّا ذكره وما ذكره المصنّف ره من الحملين فى المقام فكانّه مأخوذ منهما لأنه راجع الى ما ذكراه لكن فى عبارته مسامحة واضحة لأنّه قدّه قال لكن الظاهر انّ المراد بالرّأى هو الاعتبار العقلى الظنّى الرّاجع الى الاستحسان فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على معانيها اللغويّة والعرفيّة وح فالمراد بالتّفسير بالرّاى اه اذ الظاهر منه كون المعنى المذكور مقسما للحملين مع انّه منطبق على المعنى الاوّل فقط ثم انه قد اورد عليه بانّ الاخبار المانعة ليست مقصورة على لفظ التفسير وعلى لفظ الرّأي فانّ منها ما روى عن الباقر ع ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض الّا كفر والرّواية الثانية الّتى نقلها المصنّف ره من قال فى القرآن بغير علم فليتبوّأ وحمل المطلق على المقيّد لا يتأتّى هنا لعدم المنافاة واجيب عنه بانّ امعان النّظر فى الاخبار يقتضى كونها مسوقة لبيان معنى واحد ومفهوم فارد لا لبيان مطالب متعدّدة ويمكن ان يجاب عنه بانّ غرض الاخباريّين ذكر الاخبار المتواترة وما يمكن ادّعاء تواتره هو ما اشتمل على لفظ التّفسير بالرّاى دون غيره قوله قدس‌سره اذ لا عبرة بالرّاى عندهم مع الكتاب والسنّة اه مخالفة ابى حنيفة لنصوص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برأيه وقوله قال رسول الله ص كذا وانا اقول كذا فى الموارد الكثيرة الّتى منها قوله ص للراكب سهمان وللراجل سهم معروفة وفى الكتب مسطورة سيّما كتاب احقاق الحقّ للقاضى الشّهيد نور الله الحسينى نوّر الله ضريحه نعم هى غير معروفة عن ساير ائمة اهل السنّة مثل الشّافعى والمالك واحمد بن حنبل وغيرهم قوله ع

١٤٩

امر النبىّ ص مثل القرآن اه فى نسختنا من الكافى عدم ذكر منه وذكر يكون بعد قوله ع وقد كان اه وعن الشّيخ البهائى ره انّ قوله ع ناسخ خبر ثان لأن او خبر مبتداء محذوف اى بعضه ناسخ وبعضه منسوخ او بدل من مثله وجرّه من البدليّة للقرآن ممكن فان قيام البدل مقام المبدل منه غير لازم عند كثير من المحقّقين وقوله ع كان يكون اسم كان ضميرا الشّأن وجملة يكون من رسول الله الكلام خبر له له وجهان نعت للكلام لانّه فى معنى النّكرة كذا قيل وهو مبنىّ على ما ذكروا من انّ العهد الذهنى فى معنى النكرة ولذا يجوز توصيفه بالجمل الّتى هى فى معنى النّكرة مثل قوله ولقد امر على اللّئيم يسبّني وقوله تعالى (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) على ان تكون جملة لا يستطيعون صفة لا حالا قوله وفى رواية ابن مسلم انّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن على تقدير شمول الحديث للرّوايات الاماميّة لا بدّ من ان يكون النّسخ فى اخبارهم ع من جهة ان الرّسول اودعه عندهم فاظهروه فى وقته والّا فلا يجوز نسخ الكتاب والسّنة النّبوية باخبار الائمّة عليهم‌السلام وسيشير الى ما ذكرنا المصنّف ره فى التعادل والتّرجيح قوله مع معارضة الاخبار المذكورة باكثر منها اه الاخبار الآمرة بالتمسّك بالكتاب وعرض الاخبار عليها متواترة وسيجيء منه قدس‌سره انّ الاخبار المذكورة تفيد القطع بعدم ارادة الاستدلال بظواهر الكتاب بعد ورود تفسيرها عن الائمّة ع وح فالتّعبير بالمعارضة غير جيّد بالنّسبة الى الاخبار المزبورة اذ لا معنى لمعارضة الظنّى بالقطعى من جميع الجهات وح فيكون ذكر لفظ المعارضة من باب المماشاة وارخاء العنان ويمكن توجيه كلامه الآتي بما لا ينافى ما ذكره هنا ولعلّنا نذكره فيما بعد إن شاء الله الله قوله وعرض الاخبار المتعارضة اه اخبار العرض كثيرة جدّا بل متواترة وسيأتى ذكر جملة منها وشطر من الكلام فيها فى باب حجّية خبر الواحد وهى صنفان صنف يدلّ على عرض مطلق الاخبار عليه وصنف يدلّ على عرض الاخبار المتعارضة عليه وقد حملوا المطلق على المقيّد لأنّ المشهور عندهم تخصيص الكتاب بخبر الواحد ودلالة الاخبار المذكورة مطلقا على حجّية ظواهر الكتاب ممّا لا يستريب فيه ذو مسكة اذ حملها على عرض الاخبار على نصوص الكتاب ضعيف جدّا مع ما هو مشاهد من ندرة نصوص الكتاب غاية النّدرة ومناقشة المحقق القمىّ ره فى القوانين على من مثل للنّص بما مثل كالشّيخ البهائى والفاضل الجواد وغيرهما معروفة ومن المعلوم ان ندرتها تمنع من اهتمامهم عليهم‌السلام بعرض اخبارهم

١٥٠

على الكتاب وكذلك حملها على عرضها على الكتاب بعد ورود التّفسير ممّا يمكن ادّعاء القطع بعدمه كيف والمستفاد منها كون الكتاب ميزانا لصحّة الخبر وسقمه وعلى الاحتمال المذكور لا يكون ميزانا بل الميزان هو الخبر الموافق له المفسّر له وقد اعترف بهذا السيّد الصّدر فى شرح الوافية حيث قال العرض على الكتاب المفسّر بالخبر عرض فى الحقيقة على الخبر انتهى وقوله ع لمّا قال زرارة من اين علمت اه هذه الرّواية قد ذكرها فى الصّافى نقلا عن الفقيه والعيّاشى عن زرارة قال قلت لأبى جعفر ع من اين علمت وقلت انّ المسح ببعض الرّأس فضحك ع ثم قال يا زرارة قاله رسول الله ونزل به الكتاب من الله لأنّ الله تعالى يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعرفنا ان الوجه كلّه ينبغى ان يغسل ثم قال وايديكم الى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا انه ينبغى لهما ان يغسلا الى المرفقين ثم فصّل بين الكلام فقال وامسحوا برءوسكم فعرفنا حين قال برءوسكم انّ المسح ببعض الرّأس ثم وصل الرّجلين بالرّأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وارجلكم الى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرّأس انّ المسح على بعضهما ثم فسّر ذلك رسول الله للنّاس فضيّعوه الحديث وقوله ع لكان الباء يحتمل وجهين احدهما كون الباء للتبعيض وعليه فلا وجه لما نقل عن سيبويه من انكاره مجيئها له فى سبعة عشر موضعا من كتابه ووافقه ابن جنى وغيره مع انّه قد نقل عن جماعة منهم مجيء الباء للتّبعيض كالفيروزآبادي حيث قال فى سياق معانى الباء وللتّبعيض نحو عينا يشرب بها عباد الله وامسحوا برءوسكم وكالاصمعى والفارسى والقتيبي وابن مالك قيل والكوفيّين وجعلوا منه عينا يشرب بها عباد الله وقوله شربن بماء البحر ثم ترفعت وقوله شرب النزيف ببرد ماء الحشرج مع انّه قد ثبت فى موضعه عدم سماع شهادة النّفى فى اللّغات هذا لكن من الواضحات انّ الاستدلال لا بد ان يكون بامر معلوم مركوز فى الاذهان ومن المعلوم انّ مجيء الباء للتّبعيض لا يستلزم كون المراد من الآية هو ذلك والحمل على التعبّد يخرج الكلام عن الاستدلال اليه الّا ان يدفع بما نقل عن العلّامة فى المنتهى من ان الباء اذا كان داخلا فى المفعول يكون ظاهرا فى التّبعيض والثّانى ان يكون مراده عليه‌السلام انّه يفهم التّبعيض من جهة تغيير الاسلوب فلا ينافى كون الباء للالصاق مع ارادة التّبعيض من جهة ما ذكر فانّ المسح ممّا يتعدّى بنفسه الى المفعول فتعديه الى المفعول بالباء لا بدّ له من نكتة وهى كون الباء للالصاق الملازم للتبعيض فى المقام فعلى هذا لا ينافى استدلال الامام ع بان يكون ما

١٥١

ذكره عليه‌السلام تنبيها للرّاوى بالامر المركوز فى الاذهان فتبصّر قوله فى رواية عبد الاعلى فى حكم من عثر اه إن كان مراد الامام بقوله هذا واشباهه يعرف من كتاب الله اه هو عدم وجوب المسح على البشرة مع كونه حرجيّا من غير ان يفهم وجوب المسح على المرارة ايضا منه فدلالته على جواز التمسّك بظاهر القرآن واضح ويكون قوله ع امسح عليه بيانا للحكم المستأنف الغير المستفاد من ظاهر القرآن الّا انّه خلاف ظاهر الحديث على ما اعترف به فى شرح الوافية وغيره وإن كان مراده استفادة مجموع النّفى والاثبات من ظاهر القرآن ففهمه منه فى غاية الاشكال وما ذكره المصنّف ره انّه يعرف بالتّامّل ففيه ان ما يمكن معرفته بعد التّامّل على تقدير تسليمه فهم مجموع الحكمين من مجموع الآية وما دلّ على عدم سقوط الميسور بالمعسور وما يجرى مجراه لا من الآية وحدها فتعيّن ح حمل الحديث على المعنى الاوّل وإن كان فيه مخالفة للظّاهر فى الجملة ويتم الاستدلال عليه كما ذكرنا ثم انّه يحتمل ان يكون مراد السّائل من الظفر المنقطع هو ظفر اليد ويحتمل ان يكون ظفر الرّجل ولعلّ الثانى اظهر قوله وفى بعض الرّوايات ان قرئت عليه وفسّرت له اه هذه الرّواية رواها فى الوسائل والبحار وغيرهما عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر ع قالا قلنا لابى جعفر ع ما تقول فى الصّلاة فى السّفر كم هى وكيف هى فقال انّ الله عزوجل يقول (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فصار التّقصير فى السّفر واجبا كوجوب التمام فى الحضر قالا قلنا انّما قال الله (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل افعلوا كيف اوجب ذلك كما اوجب التّمام فى الحضر فقال عليه‌السلام او ليس قد قال الله عزوجل (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) الا ترون ان الطّواف بهما واجب مفروض لانّ الله عزوجل ذكره فى كتابه وصنعه نبيّه ص وكذلك التّقصير فى السّفر شيء صنعه النّبى وذكره الله فى كتابه قالا قلنا له فمن صلّى فى السّفر اربعا أيعيد ام لا قال إن كان قد قرئت عليه آية التّقصير وفسّرت له وصلّى اربعا اعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه والصّلاة كلّها فى السّفر الفريضة ركعتان كلّ صلاة الّا المغرب فانّها ثلث ليس فيها تقصير وتركها رسول الله فى السّفر والحضر ثلث ركعات الحديث ثمّ ان التّعبير بنفى الجناح فى آية القصر امّا لما ذكره المصنّف هنا او لما عن الكشّاف من انّهم لما الفوا التمام فكان مظنته لأن يخطر ببالهم انّ عليهم نقصانا فى القصر فنفى الجناح لتطيب انفسهم بالقصر ويطمئنّوا اليه وامّا التّعبير بنفى الجناح فى

١٥٢

آية الطّواف فهو لما عن الكافى عن الصّادق انّ المسلمين كانوا يظنّون انّ السّعى بين الصّفا والمروة شيء صنعه المشركون فانزل الله هذه الآية او لما عنه وعن العيّاشى عن الصّادق ع ايضا انّه سئل عن السّعى بين الصّفا والمروة أفريضة ام سنّة فقال ع فريضة قيل او ليس قال الله عزوجل فلا جناح عليه ان يطوّف بهما قال كان ذلك فى عمرة القضاء انّ رسول الله ص شرط عليهم ان يرفعوا الاصنام من الصّفا والمروة فتشاغل رجل عن السّعى حتّى انقضت الايّام واعيدت الاصنام فجاءوا اليه فقالوا يا رسول الله ص انّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة وقد اعيدت الاصنام فانزل الله عزوجل (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الى قوله (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) اى وعليه الاصنام انتهى ثم انّ قوله ع صنعه النبىّ ص اى فعله على الوجوب والجواز مستفاد من الآية فيدلّ على انّ التأسّى واجب مطلقا وان لم يعلم انّ فعله على وجه الوجوب الّا ان يقال انّه صنعه على وجه الوجوب او واظب عليه او الصّنع كناية عن اجرائه بين النّاس وامره به كذا قال العلّامة المجلسى فى كتاب البحار ومنه يعلم عدم دلالة الايتين على وجوب القصر والطّواف وانّما الدّليل عليه السنّة وانقدح ايضا الاحتياج الى التفسير فى اثبات تعيين القصر على المسافر وان الرّواية الّتى نقلها المصنّف الّتى اقتصر فيها على لفظ ان قرئت فقط وان لم اجدها فيما عندى من البحار والوسائل والصّافى وغيرها لا بدّ ان تحمل على الرّواية الّتى فيها لفظ التّفسير ايضا لما ذكر او لوجوب حمل المطلق على المقيّد ويمكن ان يقال بانّ آية القصر محتاجة الى التّفسير من جهة اخرى وهى انّ ظاهر الآية اعتبار شيئين فى القصر احدهما الضّرب فى الأرض والثانية الخوف ولا تدلّ الآية على القصر فى الصّورة الاولى فقط كما هو مورد السّؤال الّا على احد وجوه احدها ان يكون ذكر الخوف لوجوده عند نزولها فهو فائدة التقييد لا المفهوم كما قيل والثانى ان يكون قد خرج مخرج الاغلب عليهم فى اسفارهم فانّهم كانوا يخافون الاعداء فى غايتها كما قيل ايضا والثالث ان قوله تعالى ان خفتم منفصل عمّا قبله وروى عن ابى ايّوب الأنصارى انه قال نزلت الى قوله ان تقصروا من الصّلاة ثم بعد حول سألوا رسول الله ص عن صلاة الخوف فنزل (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية هو فى الظّاهر متّصل به وهو منفصل عنه قيل وعلى هذا فيجوز ان يكون التقدير اقصروا من الصّلاة ان خفتم الا جناح عليكم (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) اقول ويؤيّده ما فى تفسير الصّافى عن الكافى والفقيه والتّهذيب عن الصّادق ع فى هذه الآية انّها

١٥٣

فى الركعتين تنقص منهما واحدة يعنى فى حال الخوف قوله والظّاهر ولو بحكم اصالة الاطلاق اه ان اراد بباقى الرّوايات هو ما نقله بقوله ان المصلّى فى السّفر اربعا اذا قرئت عليه آية القصر وجب عليه الاعادة والّا فلا ففيه انّه لا بدّ من حملها على الرّواية المقيّدة لما ذكرنا فى الحاشية السّابقة من الوجهين وان اراد بباقى الرّوايات الروايات الّتى دلّت على جواز الرّجوع الى الظواهر بقول مطلق ففيه انّه لا دخل لها فى الاستدلال بالرّواية المذكورة بل هو دليل مستقلّ على جواز الاخذ بظاهر الكتاب ويحتمل ان يكون مقصود المصنّف الاخذ باطلاق رواية ان قرئت فى غير كلمة فليس عليكم جناح فيؤخذ فى ساير الفاظ الآية بالاطلاق المزبور فيدلّ على جواز الاخذ بالظّواهر مع انّ لفظ التّفسير الّذى هو بمعنى كشف المغطّى ظاهر فى ذلك وانّما لم يذكره اعتمادا على ما سلف قوله وقد ذكر زرارة ومحمّد بن مسلم اه ليس فى الآية المتعلّقة بالقصر والرّواية لفظ لا جناح بل لفظ فليس عليكم جناح والمصنّف قدس‌سره نقله بالمعنى الدليل الثانى على عدم حجية ظواهر الكتاب وجوابه قوله الثّانى من وجهى المنع انا نعلم بطرق التخصيص والتقييد وغيرهما اه اقول العلم اجمالا بوجود مخالفات الظّواهر فى الادلّة احد الادلّة على وجوب الفحص عن المخصّص فى العمل بالعام مثلا وقد انهيناها الى عشرة فيما علّقنا على القوانين فى البحث المذكور وذكرنا تماميّة كثير منها وإن كان فى بعضها اشكال بل منع فان قلت على ما ذهب اليه جمع من جواز ارتكاب بعض الاطراف فى الشبهة المحصورة والرّجوع الى اصالة البراءة فيه ولعلّه يظهر منا ايضا على ما سيأتى تقريبه فى باب الشّبهة المحصورة هل يجوز الرّجوع الى الاصول اللّفظيّة قبل الفحص عن المخصّصات والمقيّدات وغيرهما ام لا قلت لا لأنّ المناط فى العمل بالاصول اللّفظيّة هو الظّهور ولو نوعا فمع عدم الظّهور المذكور لا معنى للتمسّك بها مضافا الى ما ادّعى من الاجماع على عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ولا يعتدّ بخلاف نفر يسير ومن هذا علم انّ ما ذكره المحقّق القمىّ قدس‌سره فى عداد الادلّة على وجوب الفحص عن المعارض من العلم الاجمالى بوجود المعارض لا ينافى ما ذكره فى مبحث الادلّة العقليّة من جواز التمسّك باصالة البراءة فى الشّبهة المحصورة وجواز ارتكاب جميع الاطراف تدريجا مع انّ القائل بجواز الارتكاب فى جميع اطراف الشبهة المحصورة او بعضها من جهة اصل البراءة لا يقول به فى مثل المقام ممّا يكون الشكّ فيه متعلّقا بطريق الاطاعة بل لا بدّ فيه من الرّجوع الى اصالة الاشتغال على خلاف التحقيق او الى القاعدة المستفادة من الادلّة الاربعة من اصالة حرمة العمل بغير العلم على ما سلف تحقيقه قوله فان قلت العلم الاجمالى اه

١٥٤

توضيح السّئوال انّ العلم الاجمالى اذا كان سببا للاجمال الموجب للتوقّف فلا يرتفع بالفحص كما لا يرتفع اذا كان الاجمال ذاتيّا بان كان اللّفظ مشتركا بين المعنيين فصاعدا او عرضيّا حاصلا بسبب العلم الاجمالى الخاصّ كما اذا علم اجمالا بمخالفة احد الظّاهرين لظاهره بان علم بان ظاهر احدهما غير مراد كما فى العامين من وجه وشبههما من المتباينين المتعارضين سواء احتيج فى الجمع بينهما الى اخراج احدهما عن ظاهره او الى اخراج كليهما عن ظاهريهما فقد حمل السّائل الاجمال العرضى الحاصل من جهة العلم الاجمالى فى نوع المسائل على الاجمال الذّاتى الحاصل فى المشترك اللّفظى وعلى الاجمال العرضى الحاصل فى شخص المسائل قوله فانّ العلم الاجمالى امّا ان يبقى اثره اه ولا يخفى قصور العبارة عن الدّلالة على المقصود وتوجيهه على ما اشار اليه بعضهم ان العلم الاجمالى امّا ان يبقى اثره وهو الاجمال والتوقّف ولو بعد العلم التّفصيلى بوجود عدّة مخصّصات اما ابتداء او بعد الفحص فى الجملة بان يكون مقدار المعلوم بالاجمال مثلا مائة وما حصل القطع به خمسون وامّا ان لا يبقى اثره بعد العلم التّفصيلى المذكور فان بقى اثره وهو الاجمال بعد العلم التّفصيلى المذكور فلا يرتفع بالفحص فان غاية الامر تحصيل خمسة وعشرين من المخصّصات بعد الفحص البالغ ولا يخفى انّه لا يحصل به انحلال العلم الاجمالى رأسا لأنّ انحلاله كذلك موقوف على وجدان خمسة وعشرين مخصّصا اخرى ليحصل الانحلال والفرض عدمه وان لم يبق اثره وهو الاجمال والتوقف بعد العلم التّفصيلى بوجود عدّة مخصّصات فلا مقتضى للفحص زائدا على ما ذكر لأنّ المقتضى للفحص هو الاجمال والتوقف ومع عدمهما لا معنى لوجوبه بداهة انتفاء المعلول بانتفاء العلّة وانت خبير بان استفادة هذا المطلب من العبارة لا تخلو عن صعوبة قوله وتندفع هذه الشّبهة اه توضيح دفع الشّبهة انّ المعلوم بالاجمال ينحلّ بعد الفحص عمّا بايدينا من الكتب اذ بعد الفحص عن الصّوارف والمعارضات فيما بايدينا من الامارات ووجدان جملة منها وافية بالمقدار المتيقّن من المعلوم بالاجمال ينحلّ العلم الاجمالى والزّائد عنه غير معلوم ويكون الشكّ بالنّسبة اليه شكّا بدويّا يرجع فيه الى الاصل ويكون المقام مثل ما اذا قطع بوجود قطرة دم فى احد الإناءين المشتبهين فاذا قطعنا بعدم وجود الدّم المعلوم بالاجمال فى احد الإناءين واحتملنا وجود نجاسة اخرى فيه فلا مانع فى الرّجوع الى اصل الطّهارة او استصحابه بالنّسبة اليه وهذا واضح ومناط

١٥٥

الجواب كما دريت هو تقييد المعلوم بالاجمال بما فى ايدينا من الكتب والامارات وفيه انّ كلماته قدّه فى هذا الكتاب مضطربة فى هذا الباب فيشكل التّعويل عليه فلا بدّ من نقل بعض كلماته فى هذا المقام منها ما ذكره عن قريب فى مقام توجيه كلام المحقق القمىّ ره القائل بكون حجّية الكتاب فى امثال زماننا من باب الظنّ المطلق قال قدّه بل لا يبعد دعوى العلم بانّ ما اختفى علينا من الاخبار والقرائن اكثر ممّا ظفرنا به ومنها ما ذكره فى مبحث دليل الانسداد حيث قال كدعوى ان العلم الاجمالى المقتضى للاحتياط الكلّى انّما هو فى موارد الامارات دون المشكوكات فلا مقتضى فيها للعدول عمّا يقتضيه الاصول الخاصّة فى مواردها فانّ هذه الدّعوى يكذّبها ثبوت العلم الاجمالى بالتّكليف الالزامى قبل استقصاء الامارات بل قبل الاطّلاع عليها وقد مرّ تضعيفه سابقا فتامّل فيه فانّ ادّعاء ذلك ليس كلّ البعيد ومنها ما ذكره فى مبحث دليل الانسداد بعد تقرير الاشكال فى العمل بالاصول اللّفظيّة من جهة العلم الاجمالى بمخالفة الظواهر فى كثير من الموارد حيث قال ودفع هذا الاشكال كالسّابق منحصر فى ان يكون نتيجة دليل الانسداد حجّية الظنّ كالعلم ليرتفع الاجمال فى الظّواهر لقيامه فى كثير من مواردها كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد بحيث لا يبقى علم اجمالا فى الباقى او يدّعى انّ العلم الاجمالى الحاصل فى تلك الظّواهر انّما هو بملاحظة الامارات فلا يقدح فى المشكوكات سواء ثبت حجّية الظنّ ام لا وانت خبير بانّ دعوى النتيجة على الوجه المذكور يكذّبها مقدّمات دليل الانسداد ودعوى اختصاص المعلوم بالاجمال من مخالفة الظّواهر بموارد الامارات مضعّفة بانّ هذا العلم حاصل بملاحظة الامارات ومواردها ومنها ما ذكره فى موضع آخر من مبحث دليل الانسداد حيث قال انّه لا علم ولا ظنّ بطروّ مخالفة الظّواهر فى غير الخطابات الّتى علم اجمالها بالخصوص مثل اقيموا الصّلاة ولله على النّاس حجّ البيت وامّا كثير من العمومات الّتى لا يعلم اجمال كلّ منها فلا يعلم ولا يظنّ بثبوت المجمل بينها لأجل طروّ التّخصيص فى بعضها انتهى وهذه كما ترى مخالفة لما هنا وغيره لأنّ مبنىّ كلامه هنا على ثبوت العلم الاجمالى مطلقا وانحلاله بعد الفحص ومنها ما ذكره فى اصل البراءة عند ايراد دليل الاخباريّين بالعلم الاجمالى بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة وانّ مقتضاه الاحتياط حيث قال وثانيا انّه اذا ثبت فى المشتبهات بالشّبهة المحصورة وجوب الاجتناب عن جملة منها اقتصر فى الاجتناب على ذلك القدر المعلوم لاحتمال

١٥٦

كون المعلوم بالاجمال هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصيلا سواء كان ذلك الدّليل سابقا على العلم الاجمالى ام لا ومنها ما ذكره قدّه فى مقام شرائط اصل البراءة الّتى منها الفحص بعد ان ادّعى انحصار اطراف العلم الاجمالى بوجود التكاليف الواقعيّة فى الاخبار الّتى يمكننا الوصول اليها حيث قال ولكن هذا لا يخلو عن نظر لأنّ العلم الاجمالى انّما هو بين جميع الوقائع من غير مدخليّة لتمكّن المكلّف من الوصول الى مدارك التّكليف وعجزه عن ذلك ودعوى اختصاص اطراف العلم الاجمالى بالوقائع المتمكّن من الوصول الى مداركها مجازفة انتهى الى غير ذلك من الكلمات الّتى بعضها موافقة لما ذكره فى هذا المقام وبعضها مخالفة له فمع الاضطرابات المذكورة كيف يمكن الرّكون الى ما ذكره قدّه هنا ويرد عليه ايضا انّ غاية ما يحصل من الفحص هو الظنّ المطلق الحاصل للمجتهد فى مجموع الامارات والادلّة بعدم المعارض والمخصّص والمقيّد وغيرها ولا ريب انّ هذا الظنّ لكونه مطلقا لا يصير سببا لعود الظّهور فى باب الالفاظ ليصير ظنّا خاصّا وحجّة لأجل الدّليل الخاصّ فالفحص انّما ينفع لمثل المحقق القمىّ القائل بكون ظواهر الالفاظ حجّة لنا من باب الظنّ المطلق لا الظنّ الخاصّ هذا مع انّ فى تعيين الواقع بالظنّ ولو كان ظنّا خاصّا وانحلال العلم الاجمالى به ما لم يقم الظنّ المزبور على التّعيين كلام يأتى إن شاء الله الله فى مباحث اصل البراءة والاشتغال فانتظر نعم لو كان مفاد دليل حجّية الظنّ جعله كالعلم يمكن القول بحصول انحلاله حكما مع اشكال فيه ايضا من جهة انّ مفاد التّنزيلات الشّرعيّة ترتيب الآثار الشرعيّة وانحلال الجهل بالعلم امر قهرى عقلى ولكن قد ذكر فى اوّل الكتاب انّ مفاد دليل حجّية الظنّ ليس جعله كالعلم بل ترتب آثار الواقع على المظنون هذا وقد اجاب عن اصل الاشكال شيخنا فى مجلس البحث وفى الحاشية بعد تضعيف ما ذكره المصنّف قدّه من اختصاص المعلوم بالإجمال بما فى ايدينا من الكتب بان الامر دائر بين الزّائد والنّاقص ومن المعلوم انّ قضيّة القاعدة العقليّة والشّرعيّة فى مسئلة دوران الامر بين الزّائد والنّاقص هو البناء على النّاقص مثلا اذا علمنا بوقوع دم فى الإناءين وشككنا فى كونه قطرة واحدة حتّى يكون احد الإناءين طاهرا او قطرتين فيكون كلاهما نجسين فاذا علمنا بالقطرة الواحدة فى احد الإناءين فيحكم فى الإناء الآخر المشكوك نجاسته باحتمال وقوع قطرة دم اخرى بالطّهارة لأجل اصالة الطّهارة انتهى ما هو المقصود من نقله ويرد عليه بعض ما اوردناه على المصنّف

١٥٧

من انّ غاية ما يحصل بعد الفحص هو الظنّ بل الظنّ المطلق ولا يحصل العلم حتّى يحصل انحلال المقدار المتيقّن من المعلوم بالاجمال والدّليل عليه مع وضوحه انّا لو سلّمنا حصول القطع بعدم وجود الصّارف فيما بايدينا فلا ريب انّ القطع بانتفاء القرائن الحالية لا يمكن حصوله لنا مع انّه لا يمكن حصول القطع بانتفاء الصّوارف بسبب الفحص فيما بايدينا لامكان وجوده مع عدم العثور عليه او كونه ممّا زاغ البصر عنه وعلى تقدير امكان حصول القطع فليس بمعتبر قطعا لمكان ادلّة نفى العسر والحرج ولذا لم يعتبر العلماء القطع بل الظنّ مع انّ القول بوجود المقدار المتيقّن من المعلوم بالاجمال فيما بايدينا من الامارات فقط فرق بين شيئين لا فرق بينهما ويمكن الجواب عن اصل الاشكال بقيام الاجماع على الرّجوع الى الاصول اللّفظيّة والعمليّة بعد الفحص البالغ وما ذكره المصنّف فى مبحث دليل الانسداد فى ردّ الاجماع المزبور بقوله وفيه انّ هذا الاجماع مع ملاحظة الاصول فى انفسها وامّا مع طروّ العلم الاجمالى بمخالفتها فى كثير من الموارد غاية الكثرة فالاجماع على سقوط العمل لا على ثبوته لا يرد على ما ذكرنا لأنّا ندّعى الاجماع بعد الفحص التامّ ويدل عليه انّ احدا من العلماء لم يستشكل فى العمل بالاصول اللفظيّة والعمليّة بعد الفحص ومخالفة جمع من الاخباريّين فى العمل بظواهر الكتاب حتّى بعد الفحص وكذلك باصل البراءة مثلا فى الشّبهة التحريميّة بعده لا يقدح فى الاجماع المبنى على الحدس وكذلك ما ذكر بعضهم من لزوم تحصيل القطع بعدم المخصّص ايضا لا يقدح فيه لما ذكر ويؤيّد تحقّق الاجماع المذكور ما سيأتى من المصنّف فى ردّ المحقق القمىّ ره من ادّعاء اجماع العلماء والعقلاء واهل اللّسان على حجّية ظواهر الالفاظ مطلقا حتّى بالنّسبة الى المعدومين هذا ولكن دعوى الاجماع المذكور انّما تنفع فى العمل بالاصول العمليّة المبنيّة على التعبّد بعد الفحص وامّا بالنّسبة الى الاصول اللّفظيّة الّتى تكون حجّيتها من باب الظنّ النّوعى او الظهور العرفى فمع عدم الظّهور كيف يمكن القول بحجّيتها بعد الفحص مع عدم الانحلال الّا ان يقال بكون الظّواهر حجّة من باب التعبّد او قلنا بالتّفصيل بين الموارد بالتعبّد فى بعضها وبالظنّ فى بعضها وكلا الوجهين بعيد ان سيّما الثّانى فالاولى الالتزام بالجواب الّذى ذكره شيخنا قدس‌سره ومنع كون الظنّ الحاصل من الفحص ظنّا مطلقا بل هو ظنّ خاصّ والتزام حصول الانحلال بالقطع والظنّ الخاص وان لم يقم على التعيين فى العمل بالاصول اللّفظيّة وبهما

١٥٨

وبالظنّ المطلق ايضا فى العمل بالاصول العمليّة وسيجيء الكلام فى ذلك اشكالا وحلّا فى مبحث دليل الانسداد وفى مباحث اصل البراءة والاشتغال إن شاء الله الله تعالى فى كلام السيد الصدر فى المسألة وجوابه قوله الّا انه يظهر من كلام السيّد الصّدر فى شرح الوافية اه قال السيّد الصّدر فى شرح الوافية قال الفاضل السيّد نعمت الله قدس‌سره فى رسالته منبع الحياة امّا الاخباريّون فذهبوا الى انّ القرآن كلّه متشابه بالنّسبة الينا اقول التّامّل فى ما تقدم من كلام المصنّف ايضا يعطى انّه ايضا فهم من كلامهم صحّة ما نسبه قدس‌سره اليهم وقد استدلّوا اوّلا بالآيات الدّالّة على وجوب اتباع الرّسول واولى الامر وعلى وجوب الردّ اليها عند الاختلاف وعلى ما يفيد مثل هذين وبالآيات الدّالّة على ذمّ اتباع الظنّ قال الشّيخ ره فى الفوائد اعلم انّ لنا ان نستدلّ بالقرآن ولا يلزم التّناقض لوجهين الاوّل انّه دليل الزامى للخصم لأنّه يعتقد صحّة تلك الظّواهر مطلقا وثانيهما وجود النّصوص المتواترة المخالفة للتقيّة الموافقة لتلك الظواهر فاستدلالنا فى الحقيقة بالكتاب والسنّة معا ولا خلاف فى وجوب العمل بهما انتهى واستدلّوا ثانيا بالاخبار الدالّة على انّ علم القرآن منحصر فى النّبى ص وخلفائه وانّه لا يجوز تفسير القرآن بالرّاى اقول انّ هذه الادلّة ان اقيمت على انّه لا يجوز العمل بالظّواهر الّتى ادّعيت افادتها للظنّ المحتملة لمثل التّخصيص والتّقييد والنّسخ وغيرها لصيرورة اكثرها متشابها بالنّسبة الينا فلم يبق افادته للظنّ وما افاده منعنا من العمل به مع قبول انّ فى القرآن محكما بالنّسبة الينا ايضا فلا كلام معهم فلا يرد عليهم شيء وان كان بعض ادلّتهم غير واف بمطلوبهم وامّا اذا اقيمت على ما نسبه السيّد اليهم فكلّا لما اشرنا اليه فيما تقدّم من انّ الله تبارك وتعالى انزل الى رسوله كتابا عربيّا بلسان قومه وامر عباده فيه ونهاهم ووعدهم واوعدهم وذكر لهم ادلّة على وجوده وصفاته الجماليّة والجلاليّة وقصّ عليهم قصص الماضين ليعتبروا وغير ذلك وقد فهم القوم تلك المقاصد منه وقطعوا بانّ الله اراد منهم ما فهموه ولم يبيّن النّبىّ ص جميع ما فى القرآن ولم يكن له قيّم غيره وكيف يسوغ لاحد ان يقول ان الله الغز وعمّى واحال البيان الى النبىّ ص بل الى من يجيء بعد البعثة بقريب من ثلاثمائة سنة ولو لا انّ السيّد ره نسب هذا القول اليهم وهو يظهر من كلامهم لتبادرت الى تكذيب هذه النسبة وجملة القول فيما استدلّوا على ما نسب اليهم السيّد ره وتقدم بعض منه فى المبحث السّابق من هذه

١٥٩

الرّسالة انّ القدر المسلّم من دلالة هذه الادلّة وغيرها انّ علم جميع القرآن عند من خوطب به وانّ فيه ما لا علم لأحد به ولم يبيّنه لأحد الّا لعترته ص ولا احتياج للنّاس الى العلم به وفيه ما لا يحيطون به علما الّا بعد البيان وفيه ما لا يعذرون بجهله الى ان قال وامّا دلالتها على انّ الكلّ متشابه بالنّسبة الينا وان كلّ ما دلّ من الآيات على المسائل الفرعيّة فهى متشابهة فليست كما زعموه بل لو فرضنا انّ بعض الاحاديث دلّ صريحا على هذه الدّعوى لاوّلناه ورددنا علمه الى العالم ع لمخالفته لما علم بالضّرورة فينبغى النّزاع فى جواز العمل بالظّواهر بالمعنى الّذى اشرنا اليه وقد اشرنا الى انّ الحقّ مع الاخباريّين والقول الفصل مع تفصيل وتوضيح يظهر بعد مقدّمتين الى ان قال بعد ذكر ما نقله المصنّف الى قوله لانّ الاصل الثابت عند الخاصّة هو عدم جواز العمل بالظنّ الّا ما اخرجه الدّليل مثل عمل اصحاب النّبى ص والائمّة ع بالظّواهر المستفادة من الاخبار اذ سمعوها منهم ع من غير فحص وتحصيل قطع بالمراد وتقريرهم على ذلك لا يقال انّ الظّاهر من المحكم ووجوب العمل بالمحكم اجماعىّ لانّا نمنع الصّغرى اذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنصّ وامّا شموله للظّاهر فلا كيف وهم قد عرّفوه بتعريفات متخالفات ولم يقيموا دليلا على انّ المعنى الشامل للظاهر هو المراد منه فى القرآن والاخبار ولا يظهر ايضا من الاحاديث الواردة فى تفسيره هذا الشمول الى ان قال وانا انقل تعريفاتهم مع بعض الاحاديث الواردة فى تفسيره حتّى يظهر لك انّ دعوى الشمول او المساواة بين المحكم والظاهر مع هذا الاختلاف لا بدّ له من دليل قطعى وامّا التعاريف فمنها ما اتضح معناه لكلّ عارف باللّغة ومنها انّه ما كان محفوظا من النسخ ومنها انّه ما كان محفوظا من التخصيص ومنها انّه ما كان محفوظا منهما ومنها انّه ما كان متضمّنا لترتّب الافادة امّا مع تاويل او بدونه وقد يفسّر بالمضبوط المتقن وهو المعنى اللّغوى كما صرّح به فى مجمع البحرين ومن فسّره كذلك اعترف بمساواته للنصّ وقال شيخنا الطّبرسى قيل فى المحكم والمتشابه اقوال احدها انّ المحكم ما علم المراد منه بظاهره من غير قرينة تقترن اليه ولا دلالة تدلّ على المراد لوضوحه نحو قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) ونحو ذلك ممّا لا يحتاج فى معرفة المراد منه الى دليل انتهى امّا الظّاهر فعرّفوه بانّه اللّفظ الدّالّ على احد محتملاته دلالة راجحة لا ينتفى معها الاحتمال وانت اذا تأمّلت النّسبة بين

١٦٠