إيضاح الفرائد - ج ١

السيّد محمّد التنكابني

إيضاح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد التنكابني


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

النظر عنه وقد يدعى كون النّزاع فيه وممّا ذكرنا ظهر انّ الحكم بالامكان فى غاية الوضوح وان الحكم بالامتناع انّما نشاء من عدم اعطاء التّأمّل حقّه وقد انقدح ايضا بما ذكرنا انّ الامكان فى محلّ النّزاع هو الامكان الخاصى الواقعى وان حكم العقل به انّما هو بطريق القطع وقد قيل انّ المراد بالامكان فى محلّ النزاع هو الامكان الوقوعى الّذى لا يلزم من فرض وقوعه محال والفرق بينه وبين الامكان الخاصى الذّاتى انّه يمكن ان يقترن مع فقد شرط او وجود مانع بخلاف الوقوعى والمراد به غير الامكان الاستعدادى الّذى بينه وبين الامكان الخاصى الذاتى فرق من وجوه قال المحقّق القمّى ره فى كتاب الغنائم فى باب بيع الفضولى اعلم انّ الامكان الخاصّ ثلاثة اقسام الأوّل الامكان الذّاتى وهو كون الموضوع قابلا للتحقّق والوجود بالذّات سواء كان محفوفا بالموانع ام لا وسواء كان المانع مستمرّا ام لا وسواء كان المستمرّ مرجوّ الزّوال ام لا والثّانى الامكان الوقوعى وهو ما لم يكن محفوفا بمانع مستمرّا الوجود كتلبّسه بضدّه الحقيقى او احد اضداده المشهوريّة فإن كان محفوفا به فهو وان كان ممكنا بالذّات لكنّه ممتنع بسبب ما وقع فى الخارج من المانع المستمرّ والثّالث الإمكان الاستعدادى وهو الامكان الذّاتى بشرط زوال المانع وحصول الشّرائط بالفعل او بالقوّة القريبة منه ويسمّى الاوّل استعدادا تامّا والثّانى غير تامّ والمشهور لم يفرقوا بين الوقوعى والاستعدادى بل ادرجوا الاوّل فى الثّانى انتهى وصرّح باطلاق الامكان الوقوعى على المعنيين المزبورين الاستعدادى وغيره فى شرح المنظومة ايضا وفيه انّه ان اريد به الحكم بالإمكان وعدم الامتناع قطعا وفى مرحلة الواقع ففيه ان عدم مانعيّة ما ذكره ابن قبة لا يستلزم عدم وجود مانع آخر وما لم يسدّ انحاء الاحتمالات لا يمكن الحكم به واقعا ودعوى قطع العقل بعدم الموانع مطلقا ممنوعة على مدّعيها سواء ادّعى القطع ابتداء او بعد عدم وجدان ما يكون مانعا فيحكم من عدم الوجدان بعدم الوجود وسند المنع انّ الحاكم اذا كان هو الشّارع وان التعبّد لو فرض كان من جهته فعدم وجدان العقل سببا للمنع كيف يصحّح امكان تعبّد الشّارع به وانّه ليس هناك مانع وان اريد الحكم بالامكان ظاهرا وهو يصحّ مع الظنّ وان لم يقطع بعدم المنع ففيه انّ المسألة عقليّة يطلب فيها اليقين مع انّ الكلام انّما هو فى امكان حجّية الظنّ وعدمه ولا يمكن اثباته بظنّ الامكان والامكان الظّاهرى لأنّه محال هذا وقد يحتج فى اثبات الامكان بأنّ الاصل فى صورة دوران الامر بين الامكان والامتناع هو الإمكان نظرا الى ما اشتهر عند الحكماء

١٠١

قالوا كلّما قرع سمعك من العجائب ولم يذدك عنه قائم البرهان فذره فى بقعة الامكان وفيه انّ الاصل إن كان بمعنى الاستصحاب فليس له حالة سابقة مع انّه لا يفيد الظنّ ولو افاده لم يكن حجّة فى الفروع فكيف فى الاصول فكيف فى المقام والتعبّد فى المسائل العقليّة غير معقول سواء اريد به تعبّد الشّرع او تعبّد العقل مع انّ تعبد العقل لا معنى له مطلقا وإن كان بمعنى الظّاهر من جهة غلبة الممكنات فيرد عليه ايضا ما سبق وإن كان بمعنى اصالة عدم رجحان الوجود حتّى يجب والعدم حتّى يمتنع كما ذكره بعضهم فهو اشنع لأنّ اصل العدم بعنوان الاستقلال ليس حجّة فى الفروع ولو من باب التعبّد مع انّه لو كان حجّة فى الفروع فانّما يكون كذلك مع عدم كونه مثبتا وهو هنا مثبت مع انّه لو كان حجّة فى الفروع لا يكون حجّة فى الاصول قطعا ومقصود الحكماء من الامكان فى قولهم فذره فى بقعة الامكان هو الاحتمال العقلى يعنون انّك اذا لم تعلم بكون شيء ممكنا او ممتنعا فلا تحكم بواحد منهما مع عدم البرهان عليه وكن باقيا على الاحتمال والاشتباه وهذا واضح وقد صرّح به جمع من اساطين فنّ المعقول منهم صدر المحقّقين وهذا ممّا لا ربط له بما فهموه منه وكيف يكون مرادهم ما فهموا مع تصريح رئيسهم انّ من تعوّد ان يصدّق من غير دليل فقد انسلخ عن الفطرة الانسانيّة وممّا ذكرنا ظهر وجه النظر فى كثير ممّا ذكره صاحب الفصول وشيخنا المحقّق وغيرهما فى المقام والله العالم ادلّة ابن قبة على الامتناع قوله لجاز التعبّد به فى الاخبار عن الله تعالى اه الظّاهر انّه اراد الاخبار عن الله فى مقام التحدّى وادّعاء الرّسالة او الامامة وح نسلّم بطلان اللّازم لاناطة جميع احكام الدّين عليه ولذا لا يجوز التمسّك مع الشكّ باصل البراءة مع انّ الشكّ فى اصل التّكليف ولكن نمنع الملازمة على هذا التقدير اذ لا يلزم من عدم جواز التعبّد بالاخبار عن الله على النّحو المذكور عدم جواز التعبّد به مطلقا وان اراد عدم جواز التعبّد بالأخبار عن الله مطلقا فنمنع بطلان اللّازم فلو فرض اخبار شخص من جهة حكم عقله القطعى الكاشف عن حكم الشّرع بقاعدة الملازمة او من جهة الاجماع القطعى على طريقة العامّة بل على طريقة الخاصّة ايضا عن حكم الله تعالى فلا مانع من التعبّد به بل الاخبار عن المعصوم يستلزم الاخبار عن الله ونسبة امكان التعبّد اليهما على السّواء بل لا معنى لامكان التعبّد بالاوّل بدون الثانى وح فللخصم ان يثبت بالدّليل امتناع التعبّد بالاخبار عن الله تعالى على النّحو المزبور وانّى له بذلك هذا ونحن بعد ان كتبنا ذلك وقفنا على عبارة العلّامة فى النّهاية حيث قال فى مقام نقل دليلهم الوجه الثّانى لو جاز قبول خبر الواحد فى الاحكام الشّرعيّة عن الرّسول ص عند ظنّ الصّدق لجاز التعبّد بخبر الواحد عن الله تعالى فى الاحكام الشّرعيّة بدون

١٠٢

اقتران المعجز والتّالى باطل بالاجماع فالمقدّم مثله وهذا كما ترى صحيح فى المعنى الاوّل الّذى استظهرنا وكذلك كلام الشّيخ فى العدّة فراجع قوله والتّالى باطل اجماعا اه اى اتفاقا من العقلاء اذ هو كاشف عن حكم عقلهم بذلك وليس المراد الاجماع المصطلح الكاشف عن حكم الشّارع لعدم حصول الاستكشاف من اتفاق العلماء فى المسألة العقليّة اذ شأن الشّارع بيان الحكم الشّرعى دون العقلى وقد عرفت انّ حكم العقل على التقدير الاوّل مسلّم ولكن الملازمة ممنوعة وعلى التقدير الثّانى غير مسلّم استدلال المشهور على الامكان قوله واستدل المشهور على الامكان اه يمكن ارجاع استدلالهم الى ما ذكرنا فى الحاشية السّابقة من الوجه الثّانى للامكان إن كان النّزاع مع قطع النّظر عن الوقوع فى الخارج والى الوجه الاوّل ايضا ان كان النّزاع فى الاعمّ بان يكون القائل بالامتناع قائلا بعدم الوقوع او غافلا عنه والّا فعلى تسليم الوقوع لا معنى للقول بالامتناع كما لا يخفى قال العلّامة فى النّهاية فى مقام الاستدلال بالامكان ولأنّ التعبّد بخبر الواحد واقع على ما ياتى فيكون جائزا بالضّرورة وهو يدلّ على ان النّزاع فى الاعمّ الغير المتصوّر الا بالتوجيه المذكور ويمكن ارجاعه الى الاوّل ايضا بتقريب انّ وقوع بعض الافراد يدلّ على امكانه دون امكان الماهيّة والمدّعى هو هذا الّا ان يقال انّ المدعى عدم امكان التعبّد بشيء من الظّنون وهو يرتفع بالايجاب الجزئى او ان المدّعى وإن كان التعبّد بماهيّة الظنّ من حيث هى الّا ان امكان بعض الافراد من جهة وقوع التعبّد به يستلزم امكان التعبّد بالماهيّة من جهة عدم امكان التشكيك فى الذّاتى لكن كون الماهيّة هنا ذاتيّة ممنوع وعلى تقديره فعدم جواز التشكيك فى الذّاتى ايضا ممنوع كما تقرّر فى محلّه قوله فالاولى ان يقرّر اه لا ينفع تغيير الدّليل بعد الاعتراف بعدم احاطة العقل بالجهات المحسّنة والمقبّحة فعدم قطع العقل ابتداء بالامكان يلازم عدم القطع به بعد عدم وجدان ما يوجب المنع وقد شرحنا فيما سبق تفصيل الكلام فى ذلك فراجع قوله وهذا طريق يسلكه العقلاء اه لعلّه اشارة الى ما اشتهر عند الحكماء وقد ذكرنا انّ مرادهم بالامكان هو الاحتمال العقلى ولا دخل له بما هو بصدده بل لا يمكن الحكم مطلقا فى صورة احتمال كون الممكن بالذّات واجبا بالغير وممتنعا به ايضا لعدم جواز الترجيح بلا مرجّح بل لا بدّ لكلّ واحد منهما من البرهان وهذا واضح ممّا قرّرنا المناقشة فى أدلّة ابن قبة قوله انّ الاجماع اه ان كان مراد المجيب هو المعنى الاوّل الّذى استظهرنا فى بعض الحواشى السّابقة فلا معنى لمنع الاجماع على الامتناع بل لا معنى للتعبّد فيه وان كان المراد المعنى الثّانى الّذى احتملناه فيه فلا يتجه الاجماع على عدم الوقوع بل يمكن الاجماع على خلافه ولو فى الجملة قوله

١٠٣

بعد تسليمه اه يمكن تقريره بوجوه الاوّل بطلان القياس مطلقا والثّانى انّه مع الفارق فى المقام لأنّ النبوّة رئاسة عامّة والاخبار عن الله مقترنا بها فوز عظيم يكثر دواعى النّاس فيه فلا يلزم من امكان التعبّد بخبر الواحد فى الاوّل امكانه فى الثّانى قال الشّيخ فى العدّة ولاحد ان يقول اذا لم يصحّ ان يتعبّد الله بالقبول من النّبى بلا علم معجز يظهر عليه فبان لا يجوز القبول من غيره اولى وذلك ان فقد ظهور العلم على الرّسول ص يقتضى الجهل بالمصالح الّتى لا نعلم الّا من جهته وليس فى فقد الدّلالة على صدق خبر الواحد ذلك وذلك انّه يصحّ بقول النّبى وجوب ما اخبر به الواحد فيصير فى حكم علم قد ظهر عليه وان جوّزنا كونه كاذبا فيه لانّه لا يمتنع ان يكون المصلحة لنا فى العمل به وان كان كاذبا اه وهذا وجه آخر لكون القياس مع الفارق فتنبّه له والثّالث انّه لا يجوز التمسّك به فى المقام مع قطع النّظر عمّا ذكر لأنّه لا يفيد الّا الظنّ وهو غير مفيد فى المقام كما مرّ مرارا الّا ان يدّعى تنقيح المناط القطعى وعليه منع ظاهر قوله ممّا ثبت اصل الدّين اه ان اراد جميع المسائل المتعلّقة بالاصول لجميع النّاس فعليه منع ظاهر لعدم امكان حصول القطع لاحد حتّى للعلماء فى بعضها كبعض تفاصيل المعاد كما ستعرف فى مباحث حجّية الظنّ فى الاصول وعدمها وح فلا معنى لمنع جواز التعبّد بل لا معنى لمنع وجوبه اذا اخبر العادل به من جهة انّه بعض مراتب تصديق العادل وان اراد بعض المسائل المتعلّقة بها كذلك فلا معنى لانكار امكان حجّية الظنّ فى غيرها امّا مطلقا كما هو احد الاقوال او اذا لم يمكن تحصيل القطع كما هو القول الآخر ومن هذا علم المنع فى ثبوت جميع الفروع بالادلّة القطعيّة مع انّها غير متناهية ولو بالتّناهى اللّايقفى فكيف يمكن ادّعاء قطعيّتها ولو لأصحاب الائمّة عليهم‌السلام ايضا الاولى فى الجواب عن دليله الثانى قوله والاولى ان يقال اه انّما عدل عن جواب صاحب الفصول لأنّه لا مساغ لعدم تسليم القبح فى جميع الموارد كما يظهر منه قدّه بل المناسب التّفصيل بين كون الامارة حجّة من باب الطريقية وبين كونها حجّة من باب الموضوعيّة وتسليم القبح على الاوّل فى صورة الانفتاح كما فعله المصنّف فيما سيأتى من كلامه قدّه قوله كالبهائم والمجانين اه الاولى ذكر هذا بعد قوله فان التزم انّ مع عدم التمكّن لا وجوب ولا تحريم اذ المفروض فى المقام هو نفى الحكم الفعلى فقط وان كان له حكم فى الواقع قوله وعلى الثّانى يلزم ترخيص اه يعنى انّ المستدلّ ان التزم مع نفى الحكم الواقعى فعلا بوجود الحكم الواقعى فى الواقع فان

١٠٤

قال مع ذلك بعدم جواز خلو الواقعة عن الحكم الظّاهرى والتزم بالاباحة الظّاهريّة فيلزم ترخيص فعل الحرام الواقعى وترك الواجب الواقعى وان لم يقل بذلك ولم يلتزم فى مرحلة الظّاهر بشيء فيلزم تفويت الواقع القبيح عنده وان لم يكن فيه ترخيص ارتكاب القبيح الواقعى وان لم يلتزم مع نفى الحكم الواقعى فعلا بوجود الحكم الواقعى فى الواقع فمع انه باطل مستلزم للدّور والتّصويب وكوننا كالبهائم والمجانين المعلوم بطلانه لا يتّجه فيه دليل المنع لعدم تطرق تحليل الحرام وتحريم الحلال فيه كما لا يخفى اذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك انّ فى كلام المصنّف ره قصورا فى التّعبير قوله لأنّ المفروض انسداد اه يظهر من كلامه قدّه انّ الفتوى حجّة فى مورد الانسداد فقط وهو خلاف التحقيق سواء اراد حجّيتها من اجل دليل خاصّ خارجى كالاجماع ونحوه او اراد حجّيتها من اجل دليل الانسداد لأنّ الادلّة الدالّة على حجّيتها من الكتاب والسّنة شاملة لزمان الانسداد والانفتاح كليهما وكيف يمكن حمل مقبولة عمر بن حنظلة الواردة فى مقام الحاجة عادة المعيّنة للرّجوع الى من نظر فى حلالهم وحرامهم وعرف احكامهم وغيرها على زمان الغيبة المتأخّرة مائة سنة تقريبا دون زمان حضورهم وكذلك قول الامام العسكرى ع فللعوام ان يقلّدوه على ذلك وابعد من ذلك حمل آية ولو لا نفر اه على تقدير دلالتها على وجوب التّقليد مع انّها واردة فى مقام بيان تكليف اصحاب الرّسول ص على ذلك بل لا يمكن ذلك فيها كما لا يخفى وكذلك لا يمكن ذلك فى بعض الاخبار مثل قوله عليه‌السلام يا أبان اجلس فى مسجد الكوفة وافت النّاس بل يمكن ادّعاء الاجماع على حجّية الفتوى فى كلا الزّمانين وقد ادّعى المحقق القمىّ فى القوانين الاجماع القولى والعملى على انّ ظنّ المجتهد كان حجّة عليه وعلى مقلّده حتّى فى زمانهم عليهم‌السلام بل جعل ذلك كاشفا عن حجّية ظنّ المتجزى ايضا فى زمانهم ع ايضا وان كان فى بعض ما ذكره تامّلا وقال فى موضع آخر يمكن ان يقال انّه يظهر من التامّل فى سير الائمّة عليهم‌السلام واصحابهم وطريقة رواية الاخبار وتجويزهم رجوع النّاس الى اصحابهم ورخصتهم لاصحابهم فى الاحكام بمجرّد انّهم علّموهم طريقة الجمع بين مختلفات الاحاديث واستخراجهم الفروع من الاصول مع انّهم ليسوا بمعصومين عن الخطاء والنسيان والاشتباه انّهم كانوا راضين بعملهم بظنونهم الحاصلة من تلك الطّرائق ودعوى انّهم كانوا قانعين بالحكم الشّرعى ولم يكن عندهم احتمال الخطاء مجازفة من القول والقول

١٠٥

بالفرق بين الظنّ الحاصل لأصحاب الائمّة عليهم‌السلام والموجودين فى زمان الغيبة اعتساف مع انّ الاضطرار فى هذا الزّمان الى العمل بالظنّ اشدّ انتهى وقبله الشّيخ فى العدّة قال والّذى نذهب اليه انّه يجوز للعامى الّذى لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالم يدلّ على ذلك انّى وجدت عامة الطّائفة من عهد امير المؤمنين عليه‌السلام الى زماننا هذا يرجعون الى علمائها ويستفتونهم فى الاحكام والعبادات ويفتونهم العلماء فيها ويسوّغون لهم العمل بما يفتونهم به وما سمعنا احدا منهم قال لمستفت لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به وقد كان منهم الخلق العظيم عاصرو الائمّة عليهم‌السلام ولم يحك عن واحد من الأئمّة ع النكير على احد من هؤلاء ولا ايجاب القول بخلافه بل كانوا يصوّبونهم فى ذلك فمن خالف فى ذلك كان مخالفا لما هو المعلوم خلافه انتهى وقد قيل بانّ المصنّف ره صرّح فى غير هذا الكتاب بخلاف ما ذكره هنا وان حجّية الفتوى عنده من باب الظنّ الخاصّ المطلق لا الظنّ الخاصّ المقيّد وابعد منه احتمال كونها من باب الظنّ المطلق ومن اجل دليل الانسداد اذ يرد عليه مضافا الى ما ذكرنا عدم جريان دليل الانسداد فيه مع انّه غير تامّ عنده مع انّه لو تمّ لكان المناط هو الظنّ الشّخصى وليس بناء القائلين عليه قطعا قوله حتّى لو لم يتمكن من الظنّ الاجتهادى اه اذا لم يتمكّن من له قوة الاستنباط من الظنّ الاجتهادى لفقدان الاسباب ففى جواز التقليد عليه وعدمه اقوال متشتتة منها الجواز مطلقا ومنها عدم الجواز مطلقا ومنها التّفصيل بضيق الوقت وعدمه فيجوز فى الاوّل دون الثّانى ومنها التّفصيل بين كون الغير اعلم وعدمه فيجوز فى الاوّل دون الثّانى ومنها غير ذلك وقد نسب المصنّف القول بعدم الجواز مطلقا الى الاكثر واستظهر من ذهابهم اليه فى المسألة المذكورة وايجابهم الاحتياط عليه ذهابهم الى عدم جواز التقليد مع التمكن من العلم بطريق اولى وفيه مع عدم وضوح الاولويّة كما قيل من جهة ان منع من له ملكة الاجتهاد عن التقليد لا يلازم منع العامى عنه كما هو المفروض فى المقام ان ذهابهم الى عدم جواز التقليد فى المسألة المزبورة من جهة عدم الدّليل عليه من الاستصحاب وغيره لا ينافى ذهابهم الى الجواز فى المقام من جهة عمومات الادلّة وخصوصاتها كما اسمعناك شرح القول فيه فى الحاشية السّابقة التعبد بالخبر على وجهين : الطريقية والسببية قوله فنقول ان التعبّد بالخبر يتصوّر اه التعبّد بالخبر يتصوّر على وجوه ثلاثة الاوّل الطريقية الصّرفة بان لا يلاحظ

١٠٦

فيه سوى الكشف عن الواقع الثانى السببيّة الصّرفة بان تكون حجّيته من باب الموضوعيّة ولم يلاحظ فيه الكشف عن الواقع وإن كان كاشفا طنّا والثّالث الطّريقية والموضوعيّة بان يكون الكشف عن الواقع ملحوظا فيه مع التزام وجود المصلحة ولو فى الامر يتدارك بها فوت مفسدة الواقع على تقدير التخلّف وهذا هو الحقّ ومختار المصنّف بل لعلّه مختار كلّ من يقول بحجّية اخبار الآحاد من باب الطّريقيّة فى صورة الانفتاح كما يستفاد ممّا ذكروه فى هذا المقام فى ردّ ابن قبة اذ لا يمكن سدّ باب مفسدة تفويت الواقع القبيح الّا بذلك عدم الامتناع بناء على السببية قوله قال فى النّهاية اه قال قدّه فيها فى مقام الاستدلال على امكان التعبّد بخبر الواحد منها ان فرض وقوعه لا يستلزم المحال فكان جائزا بل لا استبعاد فيه وتجويز الكذب لا يمنع من ذلك كما فى المفتى والشاهدين ولأنّه واقع على ما ياتى فيكون جائزا بالضّرورة ولأنّه خبر فجاز التعبّد بالعمل به كالمتواتر والفارق لا يصلح مناطا للحكم لأنّه شيئان الاوّل العمل بخبر الواحد غير معلوم وهو باطل بان يدلّ دليل قاطع على وجوب العمل به فيحصل العلم بوجوب العمل به كالمتواتر الثّانى العمل به موقوف على صدق الخبر ووجوب العمل وقبحه لا يقفان على الظنّ وهو باطل لجواز توقفه على الظنّ لأن الفعل الشّرعى الى آخر ما نقله المصنّف عنه قال بعده بلا فاصل ولهذا يلزم المسافر سلوك طريق وتجنّب آخر اذا اخبر بسلامة ذلك واختلاف هذا من يظن بصدقه ويجب على الحاكم العمل بالشّهادة مع ظنّه فان قيل نمنع عدم استلزام المحال باعتبار امر من خارج وان لم يكن ذاتيّا وبيانه انّ التّكليف مبنى على المصلحة ودفع المفسدة فلو تعبّدنا باتّباع خبر الواحد والعمل به لزم الاقدام على المفسدة بان يتضمّن الخبر عن رسول الله ص سفك دم واستحلال محرّم مع احتمال كذبه فلا يكون العمل بمقتضى قوله مصلحة بل محض مفسدة وهو خلاف المشروع ولذا امتنع العمل بخبر الصّبى والفاسق والجواب ينتقض ما ذكروه اوّلا بورود التعبّد بقبول شهادة الشّهود والمفتى ويجوز ورود الخبر فيما يتعلّق بامور الدّنيا كالاخبار المتعلّقة بالمعاملات وينتقض بالشّهادة فيما لا يجوز فيه الصّلح وكما انّ الخبر يقتضى اثبات امر شرعى فكذا الشّهادة على القتل والسّرقة وغير ذلك يستلزم اثبات امر شرعىّ وهو القتل والقطع والحكم عند الخبر يثبت بدليل قاطع فوجب العمل به كالشّهادة انتهى وقال الشّيخ قدّه فى العدّة فامّا من قال لا يجوز التعبّد به عقلا فالّذى يدلّ على بطلان قوله ان يقال اذا تعبّد الله بالشّيء فانّما يتعبّد به لأنّه مصلحة لنا وينبغى ان يدلّنا عليه وعلى

١٠٧

صفته الّتى اذا علمناه عليها كان مصلحة لنا وصحّ منا ادائه على ذلك الوجه ولا يمتنع ان تخلف الطّرق الّتى بها يعلم انّ الله سبحانه تعبّدنا به كما لا يمتنع اختلاف الادلّة الّتى بها تعلم صحّة ذلك فاذا صحّت هذه الجملة لم يمتنع ان يدلّنا على انّه قد امرنا بان نفعل ما ورد به خبر الواحد اذا علمناه على صفة ظنّنا انّه صادق كعلمنا انّه تعبّدنا بما انزله من القرآن وان كان احدهما وقد علّق بشرط والآخر لم يعلّق به واذا صحّ هذا وكان صورة الخبر الواحد هذه الصّورة فيجب ان لا يمتنع ورود العبادة بالعمل به والّذى يبيّن ذلك ايضا ورود العبادة بالشّهادات وان لم يعلم صدقهم وليس لاحد ان يقول اذا لم يصحّ ان يتعبّد الله بالقبول من النّبى ص بلا علم معجز يظهر عليه فبان لا يجوز القبول من غيره اولى وذلك ان فقد ظهور العلم على الرّسول يقتضى الجهل بالمصالح الّتى لا يعلم الّا من جهته وليس فى فقد الدّلالة على صدق خبر الواحد ذلك لأنّه يصحّ ان يعلم بقول النّبى وجوب ما اخبر به الواحد فيصير فى حكم علم قد ظهر عليه وان جوّزنا كونه كاذبا فيه لأنّه لا يمتنع ان يكون المصلحة لنا فى العمل به وان كان هو كاذبا كما لا يمتنع ان يكون الواجب علينا ترك سلوك الطّريق اذا خوّفنا الواحد من سبع او لصّ فيه وان كان كاذبا انتهى كلامه رفع مقامه وقد تقدّمهما فى ذلك بعض العامة كقاضى قضاتهم وابى الحسين على ما نقله فى النّهاية عنهما ولا يخفى انّ ظاهر ما ذكراه احداث الظنّ مصلحة فى نفس الفعل دون الامر وهو يستلزم التّصويب الباطل عند الاماميّة وحمل كلامهما على الصّدور تبعا للعامّة غفلة عن حقيقة الحال كما ذكره صاحب المعالم فى غير هذا المورد بعيد كلّ البعد فلا محيص عن التزام خلاف الظّاهر فى كلامهما وتطبيقهما على ما يجتمع مع قواعد الاماميّة كما فعله المصنّف ره فى الكتاب فشكر الله سعيه ثم انّ ما ذكراه مبنىّ على ما تقرّر عند العدليّة من التحسين والتقبيح العقليين وامتناع صدور القبح عن الله تعالى وانّ الحكم الشّرعى كالحكم العقلى مبنىّ على المصالح والمفاسد وبطلان الارادة الجزافية الّتى مبناها على جواز الترجيح بلا مرجّح الّتى يقول بها الاشعرى وهذه كلّها محقّقة مبرهن عليها فى محلّه ولا ريب انّ المصالح والمفاسد تختلف بالوجوه والاعتبار غالبا فيختلف الاحكام بحسبها لكنّه فيما يمكن فيه التّنويع بخلاف المقام الّذى لا يمكن فيه ذلك من جهة استلزامه الدّور والتصويب الباطل ولذا صعب تصويره على وجه لا يستلزم محالا ولا باطلا قوله الا انّ الظّاهر بطلانه ايضا كما اعترف به العلّامة اه لعلّه اشار به الى ما ذكره العلامة فيها بعد ان اجاب عن ادلّة المصوبة بانّ المجتهد قبل الخوض فى الاجتهاد كان تكليفه طلب ذلك الذى

١٠٨

عيّنه الله ونصب عليه ذلك الدّليل الظّاهر فاذا اجتهد وأخطأ ولم يصل الى ذلك وظن شيئا آخر تغير التّكليف فى حقّه وصار مأمورا بالعمل بمقتضى ظنّه والعامل به عامل بحكم الله وانّما يجب البراءة والتّفسيق لو عمل بغير حكم الله وليس كذلك لأنّه بعد الخطاب تكلّف بالعمل بمقتضى ظنّه فلا يلزم شيء ممّا ذكروه وفيه نظر فانّ الحكم تابع للمصالح لا للظنون ولا نسلّم تغيّر حكم الله باعتبار حصول ظنّ غير المعيّن بل الحقّ فى الجواب انّ التّكليف لم يتغيّر نعم لا يأثم ولا يفسق من حيث العذر الحاصل له انتهى ما اردنا نقله ولا يخفى انّ ما ذكره فى ردّ الجواب المذكور يمكن تطبيقه على كون المصلحة فى الامر بل هو شديد الانطباق عليه سيّما بملاحظة ما ذكره فى بحث عدم جواز امر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه حيث قال والاصل فى ذلك ان الامر قد يحسن لمصالح ينشأ من نفس الامر لا من نفس المأمور به وقد يحسن لمصالح تنشأ من المامور به فجوّزه من جوّزه لذلك وامّا المانعون فقالوا انّ الامر لا يحسن الّا لمصالح تنشأ من المأمور به انتهى وامّا الجواب المذكور فهو بعينه ما ذكره فى ردّ ابن قبة وغيره القائلين باستحالة تعبّد الشارع بخبر الواحد ومن هذا يظهر انّ ما صدر منه قدّه هناك غفلة عمّا يلزمه من التصويب الباطل وبعد تطبيقه على كون المصلحة فى الامر كما فعله المصنّف هنا وكذلك الجواب المذكور المنقول هنا عنه يوجب الفاء الرّد المذكور بقوله وفيه نظر اه كما لا يخفى قوله واجاب به صاحب المعالم فى تعريف الفقه اه قال العلّامة ره فى النهاية فى مقام الجواب عن سؤال انّ الفقه من باب الظّنون فكيف جعلتم جنسه العلم لانّا نجيب عنه انّ المجتهد اذا غلب على ظنّه ثبوت الحكم بدليل ظنّى كخبر الواحد وشبهه قطع بوجوب العمل بظنّه فالحكم معلوم والظنّ وقع فى طريقه لا يقال اذا كانت احدى مقدّمات الدّليل ظنّية كان الدّليل ظنيّا لأنّا نقول هنا مقدّمتان قطعيّتان إحداهما انّ الحكم مظنون وهى وجدانيّة والثّانية وجوب العمل بالظنّ وهى اجماعيّة فيحصل القطع بالحكم انتهى وقد فهم منه صاحب المعالم ما ذكر من انّه اذا قامت امارة تحدث فيما قامت عليه مصلحة راجحة على المصلحة الواقعيّة فيكون ما قام عليه الامارة حكما واقعيّا من غير ان يكون حكم آخر على خلافه وهذا ايضا قسم من التّصويب الباطل كما سيأتى شرحه هذا ولكن كلامه هذا كالصّريح فى انّ المعلوم هو الحكم الظّاهرى كما فهمه صاحب القوانين لا الحكم الواقعى كما فهمه صاحب المعالم الّا انّه لا بدّ من الاستخدام فى قوله والظنّ فى طريقه لأنّ الظنّ ليس فى طريق الحكم الظّاهرى

١٠٩

بل الواقعىّ ولعلّه دعى صاحب المعالم الى الاعتراض عليه ويمكن تفسيره على وجه لا يحتاج الى الاستخدام بان يكون المراد وقوع الظنّ فى مقدّمات القياس اذ لا بدّ ان يقال فى مقام اثبات حجّية الظنّ وثبوت الحكم الظّاهرى هذا ما ادّى اليه ظنّى وكلّ ما ادّى اليه ظنّى فهو حكم الله فى حقّى وقد سبق فى اوّل الكتاب انّ الظنّ بالنّسبة الى الحكم الظّاهرى موضوعىّ دائما فراجع قوله واغمضنا النّظر عمّا سيجيء اه الظّاهر انّ ما ذكره تصويب وسيصرّح به عن قريب وما سيجيء من عدم التّصويب انّما هو اذا فرض المصلحة فى الامر بالعمل بالامارة وهنا قد فرض كون المصلحة فى فعل صلاة الجمعة مثلا وهذا لا ينفكّ عن التّصويب وقد احتمل الاستاد المحقّق قدّه فى مقام التّوجيه رجوع الاشارة الى مجرّد ملاحظة المصلحة فانّه لا يستلزم التصويب اذ يمكن فرضها فى الامر لا المأمور به وسيجيء عدم كون هذا تصويبا وانت خبير بانّه لا يرتبط الجواب ح بالسّؤال المذكور ويحتمل ان يكون المراد ان هذا وان كان تصويبا لكن ليس تصويبا مجمعا على بطلانه وكيف يمكن ادّعاء الاجماع على بطلانه مع مساعدة ظاهر كلام الشيخ والعلّامة قدس‌سرهما عليه وح فالنّفى والاثبات راجعان الى القيد الاخير كما هو مقتضى القاعدة وح فيكون معنى قوله واغمضنا النظر عمّا سيجيء من عدم كون ذلك تصويبا الى تصويبا مجمعا على بطلانه لكن فيه انّه ليس فيما سيجيء من كلامه التّصريح ولا الاشارة الى عدم كون ذلك مجمعا على بطلانه بل يصرّح بكون الفرض تصويبا باطلا ويمكن ان يكون وجه البطلان هو الاجماع كما انّه يمكن ان يكون وجهه هو الاخبار المتواترة الدّالّة على ثبوت الحكم المشترك بين العالم والجاهل لكن هذا القسم من التّصويب ليس محالا من جهة الدّور كما فى القسم الآخر الّذى سيأتى بل باطل من اجل ما ذكرنا مسلك السببيّة قوله الثّانى ان يكون ذلك لمدخليّة اه محصّل هذا الوجه الالتزام بحصول مصلحة امّا فى نفس ما قام عليها الأمارة وامّا فى الامر بها فهذا القسم من جهة المعنى المذكور يكون موردا للوجوه الثلاثة الآتية اذ فى الوجهين منها الالتزام بالمصلحة فى نفس ما قامت عليه الامارة وفى الثّالث منها الالتزام بها فى الأمر كما سيأتى شرحه عن قريب وليس المراد من العبارة ابداء كون المصلحة فى السّلوك وإن كان يوهمه ظاهرها فانّ السّلوك ليس الّا العمل على طبق الامارة وهو ليس الّا فعل صلاة الجمعة مثلا فلا يمكن كون العبارة عليه موردا للوجوه الآتية كما لا يخفى وجوه مسلك الطريقية قوله وان لم يعلم بذلك المكلّف اه المناسب

١١٠

ان يقال ولم يعلم بذلك المكلّف اذ مع علم المكلّف يكون الاعتبار به لا بالامارة ويمكن حمل الكلام المذكور عليه ايضا بان يكون الواو للحال وكلمة ان لمجرّد التّاكيد والرّبط فيكون من قبيل قولهم زيد وان كثر ماله بخيل وعمرو وان اعطى جاها لئيم قوله كونها فى نظر الشّارع غالب المطابقة بمعنى ان تكون مطابقة الأمارة للواقع غالبة ومخالفتها له نادرة قوله اغلب مطابقة اه وهذا الفرض قد يصدق مع كون اكثر العلوم الحاصلة جهلا مركّبا وقد يصدق مع عدمه والمناط غلبة المطابقة بالاضافة الى العلم فذكر الاوّل ليس من جهة الانحصار وانّما قيد بذلك لأنّ الامارة اذا كانت مساوية للعلوم الحاصلة للمكلّف كان جعل الامارة الظنّية مستغنى عنه الّا ان يفرض وجود مرجح خارجا للجعل على عدمه اذ القطع ولو كان جهلا مركّبا لا يحتاج الى الجعل بل لا معنى له كما سلف وجوه مسلك السببية قوله احدها ان يكون الحكم مطلقا تابعا اه لا باس بذكر مجمل من الابحاث المتعلّقة بالتّصويب والتخطئة فى هذا المقام لعدم امكان فهم المطلب كما هو حقه إلّا به فنقول أفتى العلماء على التّخطئة فى اصول العقائد وانّ المصيب فيها واحد وانّ النافى للاسلام آثم مخطئ كافرا اجتهد ام لم يجتهد وقد تنظر بعضهم فى قولهم انّ المخطى آثم معذّب فى الآخرة بعد حمل الاجماع على الكفّار المقصّرين او المعاندين وكذلك ظواهر الآيات بانّ القول به مطلقا مناف للقواعد العدليّة من حرمة الظّلم والقبح على الله تعالى لأنّ كثيرا من العوام اذا لم يتفطّنوا لوجوب النّظر واطمأنّوا بما حصّلوه من الاعتقاد ولم يحصل لهم تردّد فى زمان من الازمنة كيف يمكن الحكم بتعذيبهم وكذلك الحكم فى غيرهم اذا لم يقصر وافى المقدّمات وادّى نظرهم الى خلاف الواقع فالقول بتعذيبهم فى الآخرة مع فرض اداء النّظر حقّه وعدم تقصيرهم دون من هو مثلهم الّا انّه ادّى نظره اتّفاقا الى اصابة الواقع مناف لقواعد العدل ودعوى ان عدم اصابة الواقع كاشف عن التقصير فى مرتبة من المراتب كما يدلّ عليه قوله تعالى (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) مجازفة فى حق اكثر العوام بل فى حقّ بعض الخواصّ ايضا فى كثير من مسائل الاصول مثل القول بتجرّد الواجب وكيفيّة علم الواجب وعينيّة الصّفات ممّا لم يتيقنه العلماء المتبحرون وظهور الآية فيما ذكروه ممنوع مع انّه على تسليمه يدفع بالقاطع نعم ترتّب احكام الكفر عليه فى الدّنيا من النجاسة ووجوب القتل وغير ذلك ممّا لا نمنعه انتهى ما اخذنا عنه فى مواضع من كلماته قدس‌سره اقول ترتّب احكام الكفر مطلقا عليه ايضا لا يخلو عن اشكال اذ المستفاد من كثير من الاخبار انّ الكفر مترتّب على الجحود والانكار للحقّ مع اليقين

١١١

به او مع الشكّ ففى رواية محمّد بن مسلم سئل ابو بصير أبا عبد الله ع قال ما تقول فيمن شكّ فى الله قال كافر يا أبا محمّد قال فشكّ فى رسول الله ص قال كافر ثمّ التفت الى زرارة فقال انّما يكفر اذا جحد وفى رواية اخرى لو انّ النّاس اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا فتأمّل وسيجيء شرح القول فى ذلك عند تعرّض المصنّف له ويرد عليهم مضافا الى ما ذكره ان ما ذكروه من ان الحقّ فى اصول الدّين فى واحد وانّ عليه دليل قطعىّ فمن اخطأه فهو آثم لا يتأتّى فى كثير من مسائلها مثل بعض تفاصيل البرزخ وغيرها ممّا لم يرد فيه دليل نقلى قطعى ولا طريق للعقل اليه اللهمّ الّا ان يكون مرادهم معظم المسائل او ان امثال ما ذكر ليس من المسائل الّتى يجب النّظر فيها والبحث عنها لعدم السّبيل اليها من العقل والنّقل القطعىّ ويرد عليهم ايضا انّ ما ذكر يستلزم كون فرق الاسلام حتّى الفرقة الحقّة الاماميّة معذّبين فى النّار لأنّ اختلافهم فى بعض مسائل الاصول مشهور ونزاعهم فى كتب الكلام مسطور هذا بعض الكلام فيما يتعلّق باصول الدّين قالوا وقد اتّفقوا على التّخطئة ايضا فى الاحكام الفرعيّة العقليّة كقبح الظّلم ووجوب ردّ الوديعة وغير ذلك قالوا انّ المصيب فيها واحد وغيره مخطئ وقد اتّفقوا على التّخطئة ايضا فى الاحكام الفرعيّة الّتى عليها دليل قاطع سواء كانت نظريّة او ضروريّة وقد قيل انّه لا نزاع فى الاحكام الظاهريّة ايضا وقد اتّفقوا على التّصويب فيها اذ الحكم الظّاهرى يختلف باختلاف الاشخاص وكل مكلّف بما ادّى اليه ظنّه فى مرحلة الظّاهر لكن هذا انّما يتأتّى فيما لم يكن عليه دليل قاطع والّا فلا بدّ من القول بالتّخطئة فيها ايضا على حذو ما سبق فالنّزاع انّما هو فى الاحكام الشرعيّة الفرعيّة الّتى ليس عليها دليل قاطع فالإماميّة وبعض العامّة على انّ لله تعالى فى كلّ واقعة حكما معيّنا والمصيب فيها واحد ومن أخطأ فهو معذور لا اثم عليه وذهب كثير من العامّة الى انّه لا حكم لله تعالى فى كلّ واقعة بل حكمه تعالى فيها تابع لرأى المجتهد وكلّ مجتهد مصيب لحكم الله غير آثم ثمّ انّ هؤلاء اختلفوا فمنهم من قال بالأشبه وهو انّه وان لم يوجد فى الواقعة حكم الّا انه وجد ما لو حكم الله بحكم لما حكم الّا به وهو منسوب الى كثير من المصوّبين ومنهم من لم يقل بذلك ايضا وهو قول باقى المصوّبين والاوّلون افترقوا ففرقة قالوا بانّه ليس على الحكم المعيّن عند الله دلالة ولا امارة وفرقة قالوا بانّ عليه دلالة وهؤلاء اختلفوا فقال بعضهم انّ المجتهد لم يكلّف باصابة ذلك الدّليل الظنّى لخفائه وغموضه فلهذا عذر المخطى او اجر عليه و

١١٢

هو قول الفقهاء كافة ونسب الى الشّافعى وابى خيفة وقال آخرون بانه مأمور بطلبه اوّلا فان أخطأ وغلب على ظنّه شيء آخر تغيّر التّكليف وصار مأمورا بالعمل بظنه وسقط عنه الاثم كذا قرّره العلّامة قدس‌سره فى النّهاية وقد استدلّوا على بطلان التّصويب بوجوه نذكر منها ثلاثة الاوّل الدّور ويقرّر بوجهين الاوّل ما تكرّر فى لسان شيخنا المحقّق قدّه وذكره فى الحاشية ايضا انّ العلم وكذا الظنّ لكونهما ادراكين لا بدّ ان يتعلّقا بمعلوم او مظنون مقدّم عليه فى الوجود فلو كانا متأخّرين عنه كما هو لازم القول بالتّصويب يلزم الدّور المستحيل انتهى ولا يرد هذا فى الاحكام الظّاهريّة الّتى تثبت فى موضوع الظنّ بل العلم ايضا على مذهب صاحب هداية المسترشدين واخيه صاحب الفصول حيث ذهبا الى ثبوت الحكم الظاهرى بالمعنى الّذى فسّراه اعنى الحكم الفعلى فى صورة العلم وان كان ممنوعا عندنا اذ الظنّ والعلم يتعلّق بالحكم الواقعى الموجود فيهما فاذا تعلّق العلم او الظنّ به ثبت الحكم الظّاهرى ولا ضير فيه اصلا وقد اشرنا الى ذلك مرارا ويرد عليه انّ تعلّق العلم والظنّ بالامور المستقبلة فى حق الواجب والممكن ممّا لا ريب فيه مع ورود النقض عليه بالجهل المركّب والحلّ انّ المعلوم لا بدّ ان يكون موجودا ولو فى الذّهن ولا يلزم ان يكون موجودا فى الخارج قبل تعلّق العلم به بل ولا مطلقا غاية الامر انّه مع عدم وجوده فى الخارج اصلا ومطلقا يكون حاله حال شريك البارى والمجهول المطلق وقدم العالم وغير ذلك من حيث انّ المنكشف عنها امر باطل الذّات ولا يقاس المقام بما ذكرنا فى اوّل الكتاب من انّ العلم او الظنّ بالحكم الواقعى لو كانا جزءين لموضوعى الحكم الواقعى المذكور يثبت الدّور لأنّ الكلام هناك مبنى على المذهب الحقّ من التّخطئة وبطلان التّصويب وتسليم انّ لله تعالى فى كلّ واقعة حكما معيّنا ثابتا فى صورتى العلم والجهل ومن المعلوم عدم امكان اخذ العلم والظنّ به فى موضوعه بخلاف المقام الّذى نحن فيه فى صدر ابطال التّصويب مع انّ بعضهم قائلون بالأشبه فيجوز ان يكون الظنّ متعلّقا به فيحدث الحكم الواقعى بعد حصول الظنّ لكن هذا والجواب الآتي انّما يتأتّيان فى الظنّ وسيجيء جواب آخر فى العلم غير ما ذكرنا مع انّ من المصوّبة من يقول بان الجاهل محكوم بما يعلم الله انّ الأمارة تؤدّى اليه فانّه على هذا القول يكون الحكم الواقعى مقدّما ويكون الامارة كاشفة عنه وقد اعترف به قدس‌سره عند حاشيته على قول المصنّف ره او انه محكوم بما يعلم الله

١١٣

انّ الامارة تؤدّى اليه ولا يخفى عدم تطرّق الدّور على التقدير المزبور وقد وجّه شيخنا المبرور المذكور بعد ايراد الدّور كلامهم على وجه لا يستلزمه قال الّا ان يجعل المراد من الحكم المختصّ بالعالم ما يكشف عنه الخطابات اى الارادة النّفسانية لا مدلول الخطاب وهذا غير بعيد عمّن يقول بالكلام النّفسى فالخطاب يتعلّق بالمكلّف الملتفت الشّاعر وبعد العلم بمدلول الخطاب الكاشف عن الارادة يتعلّق الحكم بالعالم فلا يلزم دور هذا وفيه انّ الحكم ليس بمعنى الإرادة النفسيّة عند احد منهم حتّى عند القائلين بالكلام النّفسى لأنّ الكلام النّفسى إن كان امرا او نهيا فهو انشاء قائم بنفس المتكلّم وان كان غيرهما فهو شيء آخر قائم بنفس المتكلّم والحكم عندهم هو الاوّل فلا بدّ ان يكون انشاء فلا معنى لكونه هو الارادة النفسيّة عندهم مع انّ الحكم عندهم هو الكلام النّفسى كما صرّحوا به والكلام النّفسى امر قائم بنفس المتكلّم مغاير للعلم والارادة والكراهة فكيف يكون الحكم هو الارادة مع اعتبارهم فى الكلام النّفسى كونه مغايرا للارادة النفسيّة مع انّ المقصود ورود الدّور على تقدير كون العلم بالحكم المعروف ماخوذا فى الموضوع بناء على استفادة ذلك منهم والّا فكون العلم المتعلّق بشيء آخر ماخوذا فى الموضوع بحيث يكون الحكم الشّرعى متفرعا عليه ممّا لا ريب فى صحّته ووقوعه وبما ذكرنا ظهر ما فى قوله فالخطاب يتعلّق بالمكلّف الشّاعر لأنّه خارج عن المفروض مع انّ المنقول منهم كون الطّلب غير الارادة خلافا لكثير من العدليّة حيث قالوا انّه عينها فكيف يمكن القول بكون الحكم الّذى هو الطّلب فى الاقتضائى عين الارادة عندهم مع انّ القول بالتّصويب ليس مخصوصا بالاشعرى القائل بالكلام النفسى بل كثير من المعتزلة القائلين ببطلانه يقولون به ايضا كما صرّحوا به فى مقام نقل الخلاف ولا يخفى عدم تطرّق التّوجيه المزبور على مذهبهم والثّانى من وجهى تقرير الدّور ما ذكره العلّامة قدس‌سره فى النّهاية قال قدّه الوجه الرّابع المجتهد طالب فله مطلوب مقدّم فى الوجود على وجود الطّلب فيثبت الحكم قبل الطّلب فيكون مخالفه مخطئا لا يقال لا نسلّم طلب المجتهد حكم الله بل غلبة الظنّ كمن يقال له ان ظننت السّلامة ابيح لك ركوب البحر وان ظننت العطب حرّم وقبل الظنّ لا حكم فيه عليك بل يترتّب الحكم على ظنّك بدون الاباحة والتّحريم لأنّا نقول المجتهد لا يطلب الظنّ كيف كان اجماعا بل الظنّ الصّادر عن امارة تقتضيه والنظر فى الامارة يتوقّف على وجودها ووجودها يتوقّف على وجود المدلول

١١٤

فطلب الظنّ يتوقف على وجود المدلول بمراتب فلو توقف وجود المدلول على حصول الظنّ لدار انتهى كلامه رفع مقامه ويرد عليه نظير ما سبق اذ الطّلب لا يستلزم كون المطلوب موجودا فربّ مطلوب لم يوجد ولا يوجد وعلى التنزّل لا يستلزم وجوده فعلا فيمكن تعلّق الطّلب بما يعلم الله انّ الامارة تؤدّى اليه مع انّه يمكن توجّه الطّلب الى ما هو الاشبه على ما هو قول بعضهم على ما حكوه عنهم وان كان باطلا فلا يتم الاستدلال على كون التّصويب محالا باطلا مطلقا مع انّه على التّقدير الثّانى بان يكون الجاهل محكوما بما يعلم الله انّ الامارة تؤدّى اليه لا يلزم دور اصلا كما لا يخفى والثّانى الاجماع ظاهرا على التّخطئة ومعذورية المخطى ولا ينافيه قول الشّيخ قدّه فى العدّة والّذى اذهب اليه وهو مذهب جميع شيوخنا المتقدّمين والمتأخّرين وهو الّذى اختاره سيّدنا المرتضى قدّس الله روحه واليه كان يذهب شيخنا ابو عبد الله انّ الحقّ فى واحد وانّ عليه دليلا من خالفه كان مخطئا فاسقا واعلم انّ الأصل فى هذه المسألة القول بالقياس والعمل باخبار الآحاد لأنّ ما طريقه التّواتر وظاهر القرآن فلا خلاف بين اهل العلم فى انّ الحقّ فيما هو معلوم من ذلك وانّما اختلف القائلون بهذين الاصلين فيما ذكرناه وقد دلّلنا على بطلان العمل بالقياس وخبر الواحد الّذى يختصّ المخالف بروايته واذا ثبت ذلك دلّ على انّ الحقّ فى الجهة الّتى فيها الطّائفة المحقة انتهى فانّ الحكم بالفسق وعدم المعذورية انّما هو من جهة العمل بالقياس وخبر الواحد الّذى رواه المخالف ممّا ثبت الدّليل على عدم حجّيته فلا ينافى كون الاختلاف الّذى حصل للطّائفة المحقّة من جهة اختلاف الظّنون موجبا للمعذوريّة والثّالث تواتر الاخبار بالتواتر الاجمالى او المعنوى انّ الحقّ فى كلّ واقعة معين انزله الله تعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بيّنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لوصيّه وهو مخزون عند اهله اصابه من اصابه واخطأه ولا شبهة فى ذلك قوله فيكون الاحكام الواقعيّة مختصّة فى الواقع اه ولا يخفى انّ هذا الكلام ممّا يستفاد منه ورود الدّور على القائلين بالتّصويب ولعلّ الاستاد قدس‌سره ذكر ما ذكر تبعا له ويرد عليه ما سبق مضافا الى انّ محلّ النّزاع فى التّصويب والتخطئة انّما هو فى الاحكام الفرعيّة الّتى ليس عليها قاطع من العقل والنّقل وتكون محلّا لورود الانظار والاختلافات فيها كما صرّحوا به فى مقام نقل الخلاف واذا كان عليها قاطع من العقل والنّقل فقد اتّفقوا على التّخطئة فيها كما حكوه وفقلناه

١١٥

فى الحاشية السّابقة ففى الصّورة الاولى ليس هناك حكم واقعى معين عند المصوّبة بل حكمه تعالى عندهم تابع لرأى المجتهد وفى الصّورة الثّانية الحكم الواقعى لله المعين ثابت عندهم اصابه من اصابه ويكون الحكم عندهم ثابتا فى الموضوع اللّابشرط فى جميع الحالات والاوقات سواء علم به او بعدمه او ظنّ فيه او شكّ فيه كما هو مقتضى القول بالتّخطئة فلا يصحّ ما ذكره المصنّف من انّ الاحكام الواقعيّة مختصّة بالعالمين بها وكذلك قوله قدّه والجاهل مع عدم قيام الامارة عندهم على حكم العالمين قوله الاخبار والآثار وقد دلّت على التّخطئة اجماع الاماميّة ظاهرا عليها ولم يذكره ولعلّه لأنّه غير ثابت عنده كما نقلناه سابقا ويفهم هذا الإجماع من كلام الشيخ فى العدّة والشّهيد الثّانى فى تمهيد القواعد وقد ادّعاه صريحا فى القوانين والفصول والمراد بالآثار هو ما نقل من تخطئة الصّحابة والتّابعين بعضهم بعضا فى اجتهاداتهم فلو لا ثبوت التخطئة لما صحّ ذلك قوله الثّانى ان يكون اه الفرق بين هذا الوجه والوجه السّابق انّ فى الوجه السّابق الحكم الواقعىّ مختصّ بالعالم به ومع عدم الامارة لا حكم اصلا ومع قيام الامارة على الخلاف يكون الحكم الواقعىّ هو ما قام الأمارة عليه ومع قيام الأمارة على الحكم الواقعى الثّابت للعالم يكون الحكم الواقعى ثابتا لموضوعى العالم والظانّ لكن حدث الحكم الواقعى بسبب قيام الظنّ وفى هذا الوجه يلتزم بوجود الحكم الواقعى المشترك بين العالم والجاهل واذا قامت الامارة على الخلاف يكون الحكم الواقعى هو مؤدّى الأمارة لكن يكون قيام الامارة على الخلاف مانعا عن اقتضاء المقتضى وعن فعليّة ذلك بمعنى تحقّقه ووجوده وهو مراد المصنّف لا التنجّز كما لا يخفى بخلاف السّابق فان قيام الأمارة على خلاف حكم العالمين صار سببا لحدوث المقتضى له لا انّه مانع عن اقتضاء المقتضى واذا لم يكن هناك امارة اصلا يكون الحكم الواقعى موجودا وان لم يكن منجّزا مع الجهل ومع قيام الامارة على طبق الحكم الثابت للعالمين لم يحدث له بسببها حكم بل كان موجودا مع عدمها ايضا فالفرق بين الوجه الثّانى والوجه الأوّل من وجوه وان اقتصر المصنّف على بعضها ثم انّ هذا الوجه ايضا تصويب باطل كما سيصرّح به والوجه فى بطلانه هو تواتر الاخبار فانّ المستفاد منها هو ثبوت حكم واحد فى جميع الحالات سواء علم به او ظنّ به او بخلافه او شكّ فيه والالتزام بوجود حكم واحد فى صورة العلم به والظنّ به وعدم وجودهما اصلا لا مع التزام عدمه فى صورة

١١٦

قيام الامارة على الخلاف كما سمعت شرح الكلام فيه سابقا ويدلّ على بطلانه ايضا الاجماع من الاماميّة عليه لكن ظاهر كلمات الشيخ والعلّامة المنقولة سابقا شديد الانطباق عليه وان كان بعض كلمات العلّامة صريحا فى بطلانه ايضا كما اشرنا الى جميع ذلك فيما سبق المصلحة السلوكية قوله الثالث ان لا يكون للأمارة اه محصل الوجه الثّالث التزام ثبوت مصلحة مصحّحة للجعل ثابت فى الامر من دون ان يحدث فى الفعل مصلحة اصلا كما هو فى الوجه الاوّل والثّانى وتلك المصلحة كسائر المصالح راجعة الى المكلّف نافعة له ولو فى غير القضيّة الشخصيّة اذ لا اقلّ من ان تكون سببا لوصول المصالح وفوائد الواجبات الأخر اليه والمصلحة الملتزمة فيه تتصوّر على وجهين الاوّل ان تكون مصلحة يتدارك بها فوت الواقع والثانى ان تكون مصلحة مصحّحة للجعل فقط من دون ان يتدارك بها مفسدة فوت الواقع بان لا تكون مصلحة حقيقيّة يترتّب عليها ما ذكر كمصلحة التّسهيل للمكلّف وعلى الوجه الثّانى من الوجه الثالث يتضح الفرق بينه وبين الوجه الثّانى وعلى الوجه الاوّل منه يكون الثّمرة فى بعض الموارد كما سيمرّ عليك بيانها فان قلت بما ذكره المصنّف هنا من تصحيح كون المصلحة فى نفس التّكليف دون المكلّف به تنثلم قاعدة الملازمة الواقعيّة بين حكم العقل والشّرع اذ مبنى الانثلام المزبور والقول بالملازمة الظّاهريّة كما هو مذهب صاحب الفصول هو ملاحظة امثال ما ذكر ممّا ورد فى الشّرع مثل الاوامر الامتحانيّة والاوامر الصّادرة عن المعصومين تقية خوفا من الاعادى حفظا لأنفسهم الشّريفة وغير ذلك من ادلّتها فكيف يجتمع هذا مع مذهب المصنّف من الملازمة الواقعيّة المبنيّة على بطلان ذلك قلت ان نزاع صاحب الفصول مع المشهور انّما هو فى الملازمة بين حكم العقل والشّرع دون العكس وعليه فلا يتوجّه السّؤال المزبور لعدم حكم العقل هنا بشيء حتّى يكون ورود الحكم الشّرعى على خلافه لكون المصلحة فى التّكليف دون المكلّف به موجبا لعدم الملازمة مع ان ما رامه المصنّف فى المقام من الالتزام بكون المصلحة فى الامر لا فى المكلّف به انّما هو لتصحيح جعل الحكم الظّاهرى مع الالتزام بتدارك مفسدة فوت الواقع بالمصلحة المزبورة لئلّا يلزم تفويت الواقع الّذى لا شك فى قبحه مع عدم التّدارك وما ذكره صاحب الفصول من انّه قد يكون المصلحة فى التّكليف لا فى المكلّف به فيجوز ورود حكم الشّرع على خلاف حكم العقل لعدم احاطة العقل بجهات التّكليف انّما هو فى مقام امكان ورود حكم الشّرع على خلاف حكم العقل واقعا وفى مقام

١١٧

نفى الملازمة الواقعيّة بين حكم العقل والشّرع فاين احدهما من الآخر مع انّ ما تخيّله فاسد من اصله على ما تقرّر فى محلّه فعلم انّ وقوع التّكليف الظّاهرى فى الشّرع لأجل المصلحة فى التكليف فقط لا يجدى لصاحب الفصول ولا يضرّ المشهور بل لا يجديه ورود الأمر الامتحاني والاوامر الواردة تقية ايضا امّا اوّلا فلخروجهما عن مورد البحث فى الملازمة اذ مع حكم العقل القطعى بشيء لا معنى للامتحان والتقيّة وامّا ثانيا فلانّ فيهما اظهار الطّلب فقط وليس هناك حكم اصلا اذ المحذور فى التقيّة مثلا يندفع بمحض اظهار الطّلب وان لم يكن له طلب اصلا وكذلك الامتحان ومن هذا يعلم عدم صحّة اطلاق الحكم الظّاهرى على مدلول الامر الوارد تقيّة حقيقة فما ذكره فى اوّل القوانين من انّ المكلّف اذا سمع من لفظ الإمام ع حال التّقية يحصل العلم بالحكم وان لم يكن هو حكم الله الواقعى ولكن هو حكم الله فى حقّه بالنسبة اليه منظور فيه ان اراد به الحكم الظاهرى كما هو الظاهر وان اراد به انّه ليس بحكم واقعى ولا ظاهرى مع كونه حكما حقيقة ففساده اظهر فسبيله سبيل ساير الاحكام المعلومة مع كون العلم خطاء وجهلا مركّبا فمع عدم انكشاف الفساد يكون معذور الامتناع التّكليف مع الجهل وعدم معنى وجوب العمل على طبق الأمارة التقصير قوله كما يوهمه ظاهر عبارة النّهاية اه قد ذكرنا انّ عبارتيهما شديدتا الانطباق على الوجه الثانى من التّصويب وان كان صريح بعض عبارات العلّامة قدّه على خلافه كما فضلنا سابقا وانّما اسنده الى الظهور لإمكان تاويلهما بما يرجع الى الوجه الثالث وان كان بعيدا قوله فاذا ادّت الى وجوب صلاة الجمعة واقعا يعنى اذا كان مفاد الأمارة هو وجوب صلاة الجمعة يظنّ بوجوبها واقعا وان كان بملاحظة حجّية الظنّ المذكور يصير حكما ظاهريّا ومعنى حجّيته كما ذكرنا مرارا هو ترتيب جميع آثار الواقع على مؤدّيها فاذا كان فى اوّل الوقت يجوز له الدّخول فيها بقصد الوجوب لفرض كونها واجبة فى مرحلة الظّاهر ويرد عليه انه ان كان المراد قصد الوجوب الواقعى علما فهو غير مقدور وان كان قصد الوجوب الظّاهرى كذلك فى مرحلة الظّاهر فهو غير صحيح لأنّ الامر الظاهرى غيرى ارشادى لا يصحّح قصد التقريب وإن كان المراد قصد الوجه الواقعى ظنّا فهو ممكن مع عدم حجّية ايضا ويمكن ان يؤجّه بان مقصود المصنف ره توقف كفاية القصد المزبور على حجّية الظنّ لا توقف امكان القصد المزبور عليها قوله الّا ان يقال انّ غاية ما يلزم اه هذا الاستثناء لتصحيح وجوب القضاء والإعادة مطلقا

١١٨

وان قلنا انّ القضاء متوقّف على صدق الفوت المتوقف على فوات الواجب من حيث ان فيه مصلحة لعدم صدق الفوت بالمعنى المذكور على الواجب المتروك لأنّه موقوف على كون مصلحة الفائتة متداركة بمصلحة اخرى ومصلحة التّسهيل ليست مصلحة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع بل هى مصلحة لتصحيح المعذوريّة والجعل فقط وتوضيحه انّ المصلحة الملتزمة فى المقام اعنى مصلحة التّسهيل لا تلزم ان تكون راجعة الى اشخاص المكلّفين فى اشخاص الوقائع بل يمكن ان تكون راجعة الى نوع المكلّفين او الى اشخاصهم لا فى اشخاص الوقائع الّتى اتفقت مخالفة عملهم بالأمارة للواقع بل فى الوقائع الأخر فربّما فاتت المصلحة فى الموارد الشخصيّة من غير ان يحصل لهم فيها شيء فالتّدارك لم يحصل حقيقة ونظير هذا من بعض الجهات ما وقع فى الشّرع من رفع العسر والحرج لكثير من الاحكام ولو قلنا برفع العسر والحرج النّوعى للاحكام كان التقريب اظهر ويقرب ما ذكر فى الجملة انّ النّاس فى صدر الاسلام كانوا مكلّفين بالتّوحيد والرّسالة وكان ذلك سببا لدخول المتّصف بهما الجنّة وقد ورد بذلك الاخبار الكثيرة الّتى سيأتى بعضها فى باب حجّية الظنّ فى اصول الدّين والسّر فيه انّ مصلحة الايمان بالله وبالرّسول كانت اكد عند الشّارع من مصالح الاحكام الفرعيّة فلو كلفهم بالاعمال الفرعيّة فى ذلك الزّمان لربّما رجعوا قهقرى فيفوت ما فيه مصلحة اهمّ وهو الايمان ويحصل نقض الغرض وحاصل المطلب انّه وان فات الواقع ولكن لا يكون نقضا للغرض لانّ الغرض يحصل بادراك المكلّفين مصالح الواجبات الأخر فى الوقائع الأخر وتفويت الواقع ليس قبيحا الّا من جهة نقض الغرض والفرض عدم نقض غرضه بذلك وان قلت ان مصلحة التّسهيل اذا كانت سببا لرفع الحكم الواقعى مطلقا كما فى موارد العسر والحرج حيث ان ادلّتهما حاكمة على ادلّة التكاليف اذا لم تكن ثابتة فى مورد الحرج فقط كالجهاد وغيره فلأنّ تكون سببا لرفع آثاره كما فى المقام اولى ومقتضاه سقوط القضاء والاعادة وسقوط العقاب على مخالفة الواقع المجهول قلت رفع العسر والحرج للاحكام الواقعية فى غير المقام انّما هو لحصول التّنويع كالحاضر والمسافر بخلاف المقام لأنّ التّنويع بالنّسبة الى العلم والجهل غير ممكن او باطل كما اشبعنا الكلام فيه سابقا فلا بدّ من الالتزام بوجود الحكم الواقعى فى المقام والالتزام بثبوت الواقع مع عدم تنجزه لا ينافى ثبوت القضاء والاعادة مع انكشاف الخلاف غاية الامر سقوطهما فى صورة عدم الانكشاف لئلّا يلزم

١١٩

لغوية جعل الامارة اذ المفروض عدم علم المكلّف بمطابقة الأمارة ومخالفتها هذا غاية توضيح المقام ويرد عليه انّ مصلحة التّسهيل امّا ان تكون قابلة لتدارك ما فات من الواقع وامّا ان لا تكون قابلة لذلك وعلى الثّانى يلزم تفويت الواقع مع عدم تداركه بشيء وقد اعترف المصنّف قدّه بقبحه فيما سبق وعلى الاوّل يلزم القول بسقوط القضاء والاعادة مطلقا فلا يصحّ الاستثناء والتّحقيق ان يقال انّها قابلة للتّدارك كيف وقد ذكرنا انّه قد يكون سببا لارتفاع الحكم الواقعىّ رأسا الّا انّا نقول انّه لا يحكم بالتّدارك الّا بقدر قاد الدّليل اليه ففى صورة عدم انكشاف الخلاف يحكم العقل بملاحظة قبح تفويت الواقع من الشّارع مع عدم تداركه وجعله الامارة حجّة مطلقا ان فوت الواقع متدارك وامّا فى صورة الانكشاف فلا ضرورة الى الالتزام بالتّدارك مطلقا ولا دليل عليه نعم مع ثبوت الدّليل من الخارج على اكتفاء الشّارع بما اتى به المكلّف يستكشف التّدارك ومع عدمه فلا وسيجيء بعض الكلام فى ذلك عن قريب قوله فيشكل الفرق بينه وبين التّصويب اه وجه الاشكال انّه يكون العمل بالطّريق ح فى قبال الواقع وفى عرضه اذ كما انّ الاتيان بالواقع مع العلم به مجز فكك العمل بالطّريق مع الجهل بالواقع مجز مطلقا سواء انكشف المخالفة ام لا ولازمه الالتزام بوجود المصلحة الّتى يتدارك بها مفسدة فوت الواقع مطلقا ولا فرق بين هذا القول والقول بالتّصويب بحسب النتيجة وحاصل المراد لكن لا يخفى انّ نظير الاشكال المذكورات على القول بعدم الاجزاء اذ لا بدّ معه من القول بالاجزاء فى صورة عدم انكشاف الخلاف مع كون الامارة مخالفة للواقع فى الواقع كيف وهو فائدة الأمر بالطّرق ولو لاها لمّا كان له فائدة اصلا والقائلون بعدم الاجزاء ملتزمون به فى الفرض فعلى هذا يشكل الفرق بينه وبين التّصويب بحسب النتيجة وحاصل المعنى ايضا اذ لا بدّ فيه ايضا من التزام تدارك فوت الواقع بمصلحة الطّرق والّا لكان قبيحا كما اعترف به قدس‌سره هذا وقد اجاب عن الاشكال فى مطارح الانظار بان ما ذكر وان كان نوعا من التّصويب لكن لا دليل على بطلانه مطلقا وفيه انّ الاخبار المتواترة الّتى هى عمدة الأدلّة قد دلّت على بطلان التّصويب مطلقا اذ المستفاد منها كون حكم الله الواقعى الّذى اتى به جبرئيل من قبل الله تعالى النّبى ص واحد معين فلا معنى للتّفكيك بين اقسام التّصويب بالبطلان وعدمه وما ذكر فيها من انّ الاخبار تدلّ على بطلان التّصويب بحيث لا يكون فى الواقعة حكم واقعى اصلا فهو ممنوع مع انّ القسم الثّانى من التّصويب الّذى مال الى

١٢٠