معاني القرآن - ج ٣

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٩
الجزء ١ الجزء ٣

ومن قرأ : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٨) ففيه وجهان : سئلت : فقيل لها : (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) ثم يجوز قتلت. كما جاز فى المسألة الأولى ، ويكون سئلت : سئل عنها الذين وأدوها. كأنك قلت : طلبت منهم ، فقيل : أين أولادكم؟ وبأى ذنب قتلتموهم؟ وكل الوجوه حسن بيّن إلّا أن الأكثر (سئلت) فهو أحبّها إلىّ.

وقوله عزوجل : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (١٠).

شدّدها يحيى بن وثاب ، وأصحابه ، وخففها آخرون من أهل المدينة (١) وغيرهم. وكلّ صواب ، قال الله جل وعز (صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (٢) ، فهذا شاهد لمن شدّد ، ومنشورة عربى ، والتشديد فيه والتخفيف لكثرته ، وأنه جمع ؛ كما تقول : مررت بكباش مذبّحة ، ومذبوحة ، فإذا كان واحدا لم يجز إلا التخفيف ، كما تقول : رجل مقتول ، ولا تقول : مقتّل.

وقوله جل وعز (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) (١١).

نزعت وطويت ، وفى [١٢٩ / ا] قراءة عبد الله : «قشطت» بالقاف ، وهما لغتان ، والعرب تقول : القافور (٣) والكافور ، والقفّ والكفّ ـ إذا تقارب الحرفان فى المخرج تعاقبا فى اللغات : كما يقال : جدف وجدث ، تعاقبت الفاء الثاء فى كثير من الكلام ، كما قيل : الأثافى والأثاثى (٤) ، وثوب فرقبى وثرقبى (٥) ، ووقعوا فى عاثور شرّ ، وعافور شر (٦).

وقوله عزوجل : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (١٢).

خففها الأعمش وأصحابه ، وشددها الآخرون (٧).

وقوله تبارك وتعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤) جواب لقوله (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) (١) ولما بعدها ، (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (١٣) قربت.

__________________

(١) قرأ بالتخفيف جماعة منهم : أبو رجاء وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم (البحر المحيط ٨ / ٤٣٤).

(٢) سورة المدثر : ٥٢.

(٣) ونقدمت قراءة عبد الله : «قافورا» فى (كافُوراً). (البحر المحيط ٨ / ٤٣٤).

(٤) الأثافى : جمع أثفية ، وهى الحجر الذي توضع عليه القدر.

(٥) الثرقبية والفرقبية : ثياب كتان بيض وقيل : من ثياب مصر ، يقال : ثوب ثرقبى وفرقبى.

(٦) العاثور : ما عثر به ، وقعوا فى عاثور شر ، أي : فى اختلاط من شر وشدة.

(٧) منهم نافع وابن ذكوان وحفص وأبو بكر (الإتحاف : ٤٣٤).

٢٤١

وقوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (١٥).

وهى النجوم الخمسة تخنس فى مجراها ، ترجع وتكنس : تستتر كما تكنس الظباء فى المغار ، وهو الكناس. والخمسة : بهرام ، وزحل ، وعطارد ، والزّهرة ، والمشترى.

وقال الكلبي : البرجيس : يعنى المشترى.

وقوله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) (١٧).

اجتمع المفسرون : على أن معنى (عَسْعَسَ) : أدبر ، وكان بعض أصحابنا يزعم أن عسعس : دنا من أوله وأظلم ، وكان أبو البلاد النحوي ينشد فيه (١)

عسعس حتى لو يشاء أدّنا

كان له من ضوئه مقبس

يريد : إذ دنا ، ثم يلقى همزة إذ (٢) ، ويدغم الذال فى الدال ، وكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع.

وقوله : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨).

إذا ارتفع النهار ، فهو تنفس الصبح.

وقوله عزوجل : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩).

يعنى : جبريل صلّى الله عليه ، وعلى جميع الأنبياء.

وقوله : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ) بظنين [١٢٩ / ب] (٢٤).

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال (٣)] حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس بن الربيع عن عاصم ابن أبى النجود عن زر بن حبيش قال : أنتم تقرءون : (بِضَنِينٍ) ببخيل ، ونحن نقرأ (بظنين) (٤) بمتّهم. وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت (بِضَنِينٍ) وهو حسن ، يقول : يأتيه غيب السماء ، وهو منفوس (٥) فيه فلا يضن به عنكم ، فلو كان مكان : على ـ عن ـ صلح أو الباء

__________________

(١) البيت منسوب فى تفسير القرطبي ١٩ / ٢٣٧ إلى امرئ القيس ، وقد رجعت إلى ديوانه فلم أجده هناك.

ورواية القرطبي : «كان لنا من ناره» مكان : «كان له من ضوئه». ورواية اللسان متفقة هى ورواية الفراء.

(٢) سقط فى ش.

(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ش.

(٤) وهى قراءة ابن كثير ، وأبى عمرو ، والكسائي ، ورويس. (الإتحاف : ٤٣٤)

(٥) فى النسخ منفوش ، والتصويب من اللسان ، نقلا عن الفراء.

٢٤٢

كما تقول : ما هو بضنين بالغيب. والذين قالوا : بظنين. احتجوا بأن على تقوى (١) قوهم ، كما تقول : ما أنت على فلان بمتهم ، وتقول : ما هو على الغيب بظنين : بضعيف ، يقول : هو محتمل له ، والعرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل : هو ظنون. سمعت بعض قضاعة يقول : ربما دلّك على الرأى الظنون ، يريد : الضعيف من الرجال ، فإن يكن معنى ظنين : ضعيفا ، فهو كما قيل : ماء شريب ، وشروب ، وقرونى ، وقرينى ، وسمعت : قرونى وقرينى ، وقرونتى وقرينتى (٢) ـ إلا أنّ الوجه ألّا تدخل الهاء. وناقة طعوم وطعيم ، وهى التي (٣) بين الغثّة والسمينة.

وقوله عزوجل : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢٦)؟

العرب تقول : إلى أين تذهب؟ وأين تذهب؟ ويقولون : ذهبت الشام ، وذهبت السوق ، وانطلقت الشام ، وانطلقت السوق ، وخرجت الشام ـ سمعناه فى هذه الأحرف الثلاثة : خرجت ، وانطلقت ، وذهبت. وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : انطلق به الفور ، فتنصب على معنى إلقاء الصفة ، وأنشدنى بعض بنى عقيل (٤) :

تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا

وأىّ الأرض تذهب للصّياح

يريد : إلى أي الأرض تذهب [١٣٠ / ا] واستجازوا فى هؤلاء الأحرف إلقاء (إلى) لكثرة استعمالهم إياها.

ومن سورة إذا السماء انفطرت

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) : انشقت.

وقوله عزوجل : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) (٤).

خرج ما فى بطنها من الذهب والفضة ، وخرج الموتى بعد ذلك ، وهو (٥) من أشراط الساعة : أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها. قال الفراء : الأفلاذ القطع من الكبد المشرح والمشرحة (٦) ، الواحد فلذ ، وفلذة.

__________________

(١) فى ش : يقوى.

(٢) وقرونى وقرينى ، وقرونتى وقرينتى ، وهى النفس والعزيمة.

(٣) فى ش : وهى بين.

(٤) نقل القرطبي فى تفسيره ، ما حكاه الفراء عن العرب هنا ، ثم أورد البيت وجعل «بالصياح» مكان «للصياح» (تفسير القرطبي : ١٩ / ١٤٢).

(٥) سقط فى ش.

(٦) من هامش ب ، وصلب ش.

٢٤٣

وقوله تبارك وتعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) من عملها (وَأَخَّرَتْ) (٥).

وما أخرت : ما سنت من سنة حسنة ، أو سيئة فعمل بها.

وجواب : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ).

وقوله جل وعز : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (٧).

قرأها الأعمش وعاصم : (فَعَدَلَكَ) مخففة (١). وقرأها أهل الحجاز : (فَعَدَلَكَ) مشددة. فمن قرأها بالتخفيف فوجهه والله أعلم : فصرفك إلى أىّ صورة شاء إما : حسن ، أو قبيح ، أو طويل ، أو قصير.

قال : [حدثنا (٢) الفراء قال] (٣) : وحدثنى بعض المشيخة عن ليث عن ابن أبى نجيح أنه قال : فى صورة عمّ فى صورة أب ، فى صورة بعض القرابات تشبيها.

ومن قرأ : (فَعَدَلَكَ) مشددة ، فإنه أراد ـ والله أعلم : جعلك معتدلا معدّل الخلق ، وهو أعجب الوجهين إلىّ ، وأجودهما فى العربية ؛ لأنك تقول : فى أي صورة ما شاء ركبك ، فتجعل ـ فى ـ للتركيب أقوى فى العربية من أن يكون (٤) فى للعدل ؛ [١٣٠ / ب] لأنك تقول : عدلتك إلى كذا وكذا ، وصرفتك إلى كذا وكذا ، أجود من أن تقول : عدلتك فيه ، وصرفتك فيه.

وقوله جل وعز : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) (٩).

بالتاء ، وقرأ بعض أهل المدينة بالياء (٥) ، وبعضهم بالتاء ، والأعمش وعاصم بالتاء ، والتاء أحسن الوجهين لقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ) ولم يقل : عليهم.

وقوله جل وعز : (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) (١٦) :

يقول : إذا دخلوها فليسوا بمخرجين منها. اجتمع القراء على نصب (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) (١٩) والرفع

__________________

(١) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف ، وافقهم الحسن والأعمش (الإتحاف ٤٣٤).

(٢) فى ش : قال الفراء : وحدثنى.

(٣) زيادة فى ش.

(٤) فى ش : تكون.

(٥) ممن قرأ بالياء : أبو جعفر والحسن.

٢٤٤

جائز لو قرىء به (١). زعم الكسائي : أن العرب تؤثر الرفع إذا أضافوا اليوم إلى يفعل ، وتفعل ، وأفعل ، ونفعل فيقولون : هذا يوم نفعل ذاك ، وأفعل ذاك ، ونفعل ذاك. فإذا قالوا : هذا يوم فعلت ، فأضافوا يوم إلى فعلت أو إلى إذ (٢) آثروا النصب ، وأنشدونا :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

وقلت ألمّا تصح والشّيب وازع؟ (٣)

وتجوز (٤) فى الياء والتاء ما يجوز فى فعلت ، والأكثر ما فسّر الكسائي.

ومن سورة المطففين

قوله عزوجل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (١).

نزلت أول قدوم النبي صلّى الله عليه إلى المدينة ، فكان أهلها إذا ابتاعوا كيلا أو وزنا استوفوا وأفرطوا. وإذا باعوا كيلا أو وزنا نقصوا ؛ فنزلت (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فانتهوا ، فهم أو فى الناس (٥) كيلا إلى يومهم هذا.

[قال] (٦) قال الفراء : ذكر أن (وَيْلٌ) واد فى جهنم ، والويل الذي نعرف (٧).

وقوله عزوجل : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ [١٣١ / ا] وَزَنُوهُمْ) (٨) (٣) الهاء فى موضع نصب ، تقول : قد كلتك طعاما كثيرا ، وكلتنى مثله. تريد : كلت لى ،

__________________

(١) قرأ بالنصب زيد بن على والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وباقى السبعة (البحر المحيط ٨ / ٤٣٧) بإضمار يدانون (تفسير الزمخشري ٤ / ١٩٣) وقرأ بالرفع ابن أبى إسحق ، وعيسى ، وابن جندب وابن كثير وأبو عمرو (البحر المحيط ٨ / ٤٣٧) ، وأجاز الزمخشري فيه أن يكون بدلا مما قبله أو على : هو يوم لا تملك (تفسير الزمخشري ٤ / ١٩٣).

(٢) فى ش : وإلى إذ.

(٣) فى ش : وأنشدوا ، والبيت للنابغة ، ورواية الديوان : ألمّا أصح مكان ألمّا تصح وازع : زاجر. (الكتاب : ١ : ٣٦٩).

(٤) فى ش : ويجوز.

(٥) عبارة القرطبي التي نقلها عن الفراء : فهم من أوفى الناس (تفسير القرطبي ١٩ / ٢٥٠).

(٦) سقط فى ش.

(٧) أي : العذاب والهلاك.

(٨) فى جميع النسخ ورد الكلام عن الآية ٣ قبل الآية ٢.

٢٤٥

وكلت لك ، وسمعت أعرابية تقول : إذا صدر الناس أتينا التاجر ، فيكيلنا المدّ والمدّين إلى الموسم المقبل ، فهذا شاهد ، وهو من كلام أهل الحجاز ، ومن جاورهم من قيس.

وقوله عزوجل : (اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) (٢).

يريد : اكتالوا من الناس ، وهما تعتقبان : على ومن ـ فى هذا الموضع ؛ لأنه حقّ عليه ؛ فإذا قال : اكتلت عليك ، فكأنه قال : أخذت ما عليك ، وإذا قال : اكتلت منك ، فهو كقولك : استوفيت منك.

وقوله عزوجل : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) (٦).

هو تفسير اليوم المخفوض لمّا ألقى اللام من الثاني ردّه إلى (مَبْعُوثُونَ) ، (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) فلو خفضت يوم بالرّد على اليوم الأوّل كان صوابا.

وقد تكون فى موضع خفض (١) إلّا أنها أضيفت إلى يفعل ، فنصبت إذ أضيفت إلى غير محض (٢) ، ولو رفع على ذلك (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) كما قال الشاعر :

فكنت كذى رجلين : رجل صحيحة

وأخرى رمى فيها الزّمان فشلّت (٣).

وقوله عزوجل : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) (٨).

ذكروا أنها الصخرة التي تحت الأرض ، ونرى أنه صفة من صفاتها ؛ لأنه لو كان لها اسما لم يجر.

وإن قلت : أجريته لأنى ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها.

وقوله عزوجل : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤).

يقول : كثرت المعاصي والذنوب منهم ، فأحاطت بقلوبهم فذلك الرّين عليها. وجاء فى الحديث : إن عمر (٤) بن الخطاب رحمه‌الله ، قال للأسيفع (٥) أصبح قدرين به. يقول : قد أحاط بماله [١٣١ / ب] ، الدين وأنشدنى بعض العرب (٦) :

__________________

(١) فى الكشاف (٢ : ٥٣١) : وقرىء بالجر بدلا من (يوم عظيم).

(٢) فى ش : مخفوض.

(٣) البيت لكثير عزة ، والرفع على القطع ، وهو وجه جائز مع الجر على البدل. (الكتاب ١ : ٢١٥) وانظر (الخزانة ٢ / ٢٧٦).

(٤) هذه رواية ش ، وبقية النسخ : «أن فى عن عمر» ش : أن عمر قال.

(٥) أسيفع جهينة ، روى أن عمر خطب فقال : ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة قد رضى من دينه وأمانته ، بأن يقال : سبق الحاج فادّان معرضا ، وأصبح قدرين به (اللسان مادة : رين).

(٦) فى اللسان : أنشده ابن الأعرابى ١٣ / ١٩٣ ، والرواية فيه :

ضحيت حتّى أظهرت ورين بي

ورين بالسّاقى الذي كان معى

٢٤٦

لم ترو حتى هجرت ورين بي

يقول : حتى غلبت من الإعياء ، كذلك غلبة الدّين ، وغلبة الذنوب.

وقوله عزوجل : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (١٨).

يقول القائل : كيف جمعت (علّيون) بالنون ، وهذا من جمع الرجال ؛ فإن (١) العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين ، فقالوه فى المؤنث ، والمذكر بالنون ، فمن ذلك هذا ، وهو شىء فوق شىء غير معروف واحده ولا أثناه.

وسمعت بعض العرب يقول : أطعمنا مرقة مرقين (٢) يريد : اللحم إذا طبخت بمرق.

قال ، [وقال الفراء مرة أخرى : طبخت بماء] (٣) واحد. قال الشاعر :

قد رويت إلا الدّهيدهينا

قليّصات وأبيكرينا (٤)

فجمع بالنون ؛ لأنه أراد : العدد الذي لا يحدّ ، وكذلك قول الشاعر :

فأصبحت المذاهب قد أذاعت

بها الإعصار بعد الوابلينا (٥)

أراد : المطر بعد المطر غير محدود. ونرى أن قول العرب :

عشرون ، وثلاثون ؛ إذ جعل للنساء وللرجال من العدد الذي يشبه هذا النوع ، وكذلك عليّون : ارتفاع بعد ارتفاع ؛ وكأنه لا غاية له.

وقوله عزوجل : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٢٤)

__________________

(١) عبارة القرطبي فى المسألة نقلا عن الفراء هى : «والعرب إذا جمعت جمعا ، ولم يكن له بناء من واحده ، ولا تثنيته ، قالوا فى المذكر والمؤنث بالنون» (تفسير القرطبي ١٩ / ٢٦٣).

(٢) عبارة اللسان نقلا عن الفراء : سمعت بعض العرب يقول : أطعمنا فلان مرقة مرقين يريد : اللحم إذا طبخ ، ثم طبخ لحم آخر بذلك الماء.

(٣) ساقط فى ش.

(٤) الدهداء : صغار الإبل : جمع الدهداء بالواو والنون ، وحذف الياء من الدهيديهينا للضرورة (اللسان نقلا عن ابن سيده). وجاء فى اللسان : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكرة بمنزلة الإنسان ، والقلوص بمنزلة الجارية ، ويجمع البكر على أبكر ، قال الجوهري : وقد صغره الراجز وجمعه بالياء والنون فقال : وأورد البيت ـ والبيت غير منسوب ـ فى اللسان ـ وروايته فى مادة (دهده) متفقة وما جاء هنا .. وجاء رواية فى مادة بكر : شربت مكان رويت (اللسان) وانظر (الخزانة ٣ / ٤٠٨).

(٥) رواه المخصص غير منسوب ، وفيه : فإن شئت جعلت الوابلين : الرجال الممدوحين ، وصفهم بالوبل سعة عطاياهم ، وإن شئت جعلته وبلا بعد وبل ، فكان جمعا لم يقصد به قصد كثرة ولا قلة (المخصص : ٩ : ١١٤).

٢٤٧

يقول. بريق النعيم ونداه ، والقراء مجتمعون على (تعرف) إلا أبا جعفر المدني ؛ فإنه قرأ : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (١) و (يُعْرَفُ) أيضا يجوز ؛ لأنّ النّضرة اسم مؤنث مأخوذ من فعل وتذكير فعله قبله [١٣٢ / ا] وتأنيثه جائزان.

مثل قوله : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا (٢) الصَّيْحَةُ) وفى موضع آخر. (وَأَخَذَتِ) (٣).

وقوله عزوجل : خاتمه مسك (٢٦).

[قرأ الحسن وأهل الحجاز وعاصم والأعمش (خِتامُهُ مِسْكٌ) (٤). حدثنا أبو العباس قال : حدثنا (٥) محمد قال : حدثنا الفراء قال : [و] (٦) حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السّائب (٧) عن أبى عبد الرحمن عن علىّ أنه قرأ «خاتمه مسك» [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد] قال : (٨) حدثنا الفراء قال : [و] (٩) حدثنى أبو الأحوص عن أشعث بن أبى الشعناء المحاربي قال : قرأ علقمة بن قيس «خاتمه مسك» (١٠). وقال : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل لى خاتمه مسكا تريد : آخره ، والخاتم والختام متقاربان فى المعنى ، إلا أن الخاتم : الاسم ، والختام : المصدر ، قال الفرزدق :

فبتن جنابتى مصرّعات

وبتّ أفضّ أغلاق الختام (١١)

ومثل الخاتم ، والختام قولك للرجل : هو كريم الطابع ، والطباع ، وتفسيره : أنّ أحدهم إذا شرب وجد آخر كأسه ريح المسك.

وقوله عزوجل : (وَمِزاجُهُ) (٢٧)

__________________

(١) وهى أيضا قراءة يعقوب وشيبة وابن إسحاق ، كما فى القرطبي : ١٩ / ٢٦٥.

(٢) سورة هود : ٦٧ ، ٩٤ على الترتيب.

(٣ ، ٤) سقط فى ش : من قرأ الحسن إلى مسك.

(٥) فى ش حدثنى.

(٦ ، ٨) سقط فى ش.

(٧) عطاء بن السائب : هو أبو زيد الثقفي الكوفي أحد الأعلام ، أخذ القراءة عرضا عن أبى عبد الرحمن السلمى ، وأدرك عليا. روى عنه شعبة بن الحجاج ، وأبو بكر بن عياش ، وجعفر بن سليمان ، ومسح على رأسه ، ودعا له بالبركة. مات سنة ست وثلاثين ومائة (طبقات الفراء : ١ / ٥١٣).

(٩) سقط فى ش.

(١٠) وهى أيضا قراءة الكسائي (الإتحاف : ٤٣٥) ، وعلى وعلقمة وشقيق والضحاك وطاووس (القرطبي ١٩ / ٢٦٥).

(١١) الديوان : ٢٥٢ ، ونقل اللسان عبارة الفراء هنا (مادة ختم) ، وأورد البيت بروايته عن الفرزدق.

٢٤٨

مزاج الرحيق (مِنْ تَسْنِيمٍ) (٢٧) من ماء يتنزل عليهم من معال. فقال : (من تسنيم ، عينا) تتسنمهم عينا فتنصب (عينا) على جهتين : إحداهما أن تنوى من تسنيم عين ، فإذا نونت نصبت. كما قرأ من قرأ : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ، يَتِيماً) (١) ، وكما قال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً) (٢) ، وكما قال من قال : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٣) والوجه الآخر : أن تنوى من ماء سنّم عينا.

كقولك : رفع عينا يشرب بها ، وإن [لم] (٤) يكن التسنيم اسما للماء فالعين نكرة ، والتسنيم معرفة ، وإن كان اسما للماء فالعين معرفة (٥) ، فخرجت أيضا نصبا.

وقوله جل وعز : فاكهين (٣١) : معجبين ، وقد قرىء : (فَكِهِينَ) (٦) وكلّ صواب مثل : طمع وطامع.

ومن سورة إذا السماء انشقت

قوله عزوجل : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١).

تشقق بالغمام.

وقوله عزوجل : [١٣٢ / ب](وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) (٢).

سمعت (٧) وحق لها ذلك. وقال بعض المفسرين : جواب (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) قوله : (وَأَذِنَتْ) ونرى أنه رأى ارتآه المفسر ، وشبهه بقول الله تبارك وتعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (٨) لأنا لم نسمع جوابا بالواو فى «إذ» مبتدأة ، ولا قبلها كلام ، ولا فى (إِذا) إذا ابتدئت ، وإنما تجيب العرب بالواو فى قوله : حتى إذا كان ، و «فلما أن كان» لم يجاوزوا ذلك.

__________________

(١) سورة البلد : : ١٤ ، ١٥.

(٢) سورة المرسلات الآيتان : ٢٥ ، ٢٦.

(٣) سورة المائدة : الآية ٩٥.

(٤) زيادة من اللسان نقلا عن الفراء ، وبها يتضح المعنى.

(٥) كذا فى اللسان ، وفى النسخ نكرة ، تحريف.

(٦) هذه قراءة حفص وأبى جعفر وابن عامر فى إحدى روايتيه. (الإتحاف : ٤٣٥).

(٧) سقط فى ش.

(٨) سورة الزمر الآية : ٧٣ ، هذا على أن واو (وفتحت) زائدة. ويجوز أن تكون أصلية والجواب محذوف ، لأنه فى صفة ثواب أهل الجنة : فدل بحذفه على أنه شىء لا يحيط به الوصف. وانظر (الكشاف : ٢ : ٣٠٧).

٢٤٩

قال الله تبارك وتعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، وَاقْتَرَبَ) (١) بالواو ، ومعناه : اقترب. والله أعلم. وقد فسرناه فى غير هذا الموضع.

وقوله عزوجل : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (٣).

بسطت ومدّدت كما يمدّد (٢) الأديم العكاظي (٣) والجواب فى : (إِذَا (٤) السَّماءُ انْشَقَّتْ) ، وفى (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) كالمتروك ؛ لأنّ المعنى معروف قد تردّد فى القرآن معناه فعرف. وإن شئت كان جوابه : يا أيها الإنسان (٥). كقول القائل : إذا كان كذا وكذا فيأيها الناس ترون ما عملتم من خير أو شر. تجعل يا أيها الإنسان (٦) هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، وقد فسّر جواب : إذا السماء ـ فيما يلقى الإنسان من ثواب وعقاب ـ وكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا انشقت السماء.

وقوله عزوجل : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) (١٠).

يقال : إن أيمانهم تغل إلى أعناقهم ، وتكون شمائلهم وراء ظهورهم.

وقوله عزوجل : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) (١١).

الثبور (٧) أن يقول : وا ثبوراه ، وا ويلاه ، والعرب تقول : فلان يدعو لهفه (٨) إذا قال : وا لهفاه.

وقوله : (وَيَصْلى سَعِيراً) (١٢).

قرأ الأعمش وعاصم : (وَيَصْلى) ، وقرأ الحسن والسلمى وبعض أهل المدينة : (وَيَصْلى) (٩) وقوله : (ثمّ الجحيم صلّوه) (١٠).

__________________

(١) سورة الأنبياء الآيتان : ٩٦ ، ٩٧.

(٢) فى ش : ومدّت كما يمد.

(٣) أديم عكاظى منسوب إلى عكاظ ، وهو مما حمل إلى عكاظ فبيع بها.

(٤) سقط فى ش.

(٥ ، ٦) فى ش : الناس.

(٧) سقط فى ش.

(٨) يقال : نادى لهفه ، إذا قال : يا لهفى.

(٩) قرأ بها الحرميان ، وابن عامر والكسائي. (الإتحاف : ٤٣٦).

(١٠) الحاقة الآية : ٣١

٢٥٠

يشهد للتشديد لمن قرأ (وَيَصْلى) ، و «يصلى» أيضا جائز لقول الله عزوجل : (يصلونها) (١) ، و (يَصْلاها  (٢)). وكل صواب واسع (٣) [١٣٣ / ا].

وقوله عزوجل : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى) (١٥).

أن لن يعود إلينا إلى الآخرة. بلى ليحورنّ ، ثم استأنف فقال : (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) (١٥).

وقوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) (١٦).

والشفق : الحمرة التي فى المغرب من الشمس [حدثنا أبو العباس قال : (٤)] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثنى ابن أبى يحيى عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده رفعه قال : (٥) الشفق : الحمرة. قال الفراء : وكان بعض الفقهاء يقول : الشفق : البياض لأنّ الحمرة تذهب إذا أظلمت ، وإنما الشفق : البياض الذي إذا ذهب صلّيت العشاء الآخرة ، والله أعلم بصواب ذلك. وسمعت بعض العرب يقول : عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق ، وكان أحمر ، فهذا شاهد للحمرة.

وقوله عزوجل : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) (١٧) : وما جمع.

وقوله تبارك وتعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) (١٨).

اتساقه : امتلاؤه ثلاث عشرة إلى ست عشرة فيهن اتساقه.

وقوله عزوجل : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩).

[حدثنا أبو العباس قال : (٦)] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحاق : أن مسروقا قرأ : «لتركبنّ يا محمد حالا بعد حال» وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ : (لَتَرْكَبُنَّ) وفسر (لَتَرْكَبُنَّ) السماء حالا بعد حال.

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال : (٧)] ، حدثنا الفراء قال : و (٨) حدثنى سفيان بن عيينة

__________________

(١) سورة إبراهيم الآية : ٢٩ ، وسورة ص : الآية ٥٦ ، وسورة المجادلة الآية : ٨.

(٢) سورة الإسراء الآية : ١٨ ، وسورة الليل الآية : ١٥.

(٣) سقط فى ش.

(٤) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.

(٥) فى ش : فقال.

(٦) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.

(٧) ما بين الحاصرتين زيادة فى ش.

(٨) فى ش : حدثنى.

٢٥١

عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ : (لَتَرْكَبُنَّ) (١) وفسر : لتصيرن الأمور حالا بعد حال للشدة. والعرب تقول : وقع فى بنات طبق ، إذا وقع فى الأمر الشديد (٢) ، فقد قرأ هؤلاء : (لَتَرْكَبُنَّ) واختلفوا فى التفسير. وقرأ أهل المدينة وكثير من الناس : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً) يعنى : الناس عامة! والتفسير : الشدة (٣) وقال بعضهم فى الأول : لتركبن أنت يا محمد سماء بعد سماء ، وقرئت : «ليركبنّ طبقا عن طبق» ومعانيهما معروفة ، (لَتَرْكَبُنَّ) ، كأنه خاطبهم ، «وليركبنّ» (٤) أخبر عنهم.

وقوله عزوجل : (بِما يُوعُونَ) (٢٣).

الإيعاء : ، ما يجمعون فى صدورهم من التكذيب والإثم. والوعى لو (٥) قيل : والله أعلم بما يوعون [١٣٣ / ب] لكان صوابا ، ولكنه لا يستقيم فى القراءة.

ومن سورة البروج

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (١).

اختلفوا فى البروج ، فقالوا : هى النجوم ، وقالوا : هى البروج التي تجرى فيها الشمس والكواكب المعروفة : اثنا عشر برجا ، وقالوا : هى قصور فى السماء ، والله أعلم بصواب ذلك.

وقوله جل وعز : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٢).

ذكروا أنه القيامة ، (وَشاهِدٍ) (٣) يوم الجمعة ، (وَمَشْهُودٍ) (٣) يوم عرفة ، ويقال : الشاهد أيضا يوم القيامة ، فكأنه قال : واليوم الموعود والشاهد ، فيجعل (٦) الشاهد من صلة الموعود ، يتبعه فى خفضه.

__________________

(١) «لتركبن» ، وهى قراءة أبى عمرو ، وأبى العالية ، ومسروق ، وأبى وائل ، ومجاهد ، والنخعي ، والشعبي ، وابن كثير ، وحمزة ، والكسائي (تفسير القرطبي : ١٩ / ٢٧٨)

(٢) بنات طبق : الدواهي ، ويقال للداهية : إحدى بنات طبق ، ويقال للدواهى : بنات طبق ، ويروى : أن أصلها الحية ، أي : أنها استدارت حتى صارت مثل الطبق.

(٣) فى ش : الشديد ، تحريف.

(٤) التصحيح من ش ، وفى ب : وليركبو.

(٥) فى ش : ولو ، تحريف.

(٦) فى ش : فتجعل.

٢٥٢

وقوله جل وعز : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤).

يقال فى التفسير : إن جواب القسم فى قوله : (قُتِلَ) ، كما كان جواب (والشمس وضحاها) (١) فى قوله! (قَدْ أَفْلَحَ) (٢) : هذا فى التفسير ، ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو «لا» أو «إن» أو «ما» فإن يكن كذلك فكأنه مما ترك فيه الجواب : ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر ، كما قيل : يا أيها الإنسان فى كثير من الكلام.

وقوله جل وعز : (أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤).

كان ملك خدّ لقوم أخاديد فى الأرض ، ثم جمع فيها الحطب ، وألهب فيها النيران ، فأحرق بها قوما وقعد الذين حفروها حولها ، فرفع الله النار إلى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم ، ونجا منها المؤمنون ، فذلك قوله عزوجل : (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) (١٠) فى الآخرة (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (١٠) فى الدنيا. ويقال : إنها أحرقت من فيها ، ونجا الذين فوقها.

واحتج قائل هذا بقوله : (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧) ، والقول الأول أشبه بالصواب ، وذلك لقوله : (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) ولقوله فى صفة الذين آمنوا (ذلِكَ) [١٣٤ / ا](الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (١١) يقول : فازوا من عذاب الكفار ، وعذاب الآخرة ، فأكبر به فوزا.

وقوله عزوجل : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤).

يقول : قتلتهم النار ، ولو قرئت : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) ، بالرفع كان صوابا (٣) ، وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (٤) رفع الشركاء بإعادة الفعل : زينه (٥) لهم شركاؤهم. كذلك قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) قتلتهم النار ذات الوقود. ومن خفض : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) وهى فى قراءة (٦) العوام ـ جعل النار هى الأخدود إذ كانت النار فيها كأنه قال : قتل أصحاب النار ذات الوقود.

__________________

(١ ، ٢) سورة الشمس : ١ ، ٩.

(٣) قرأ بالرفع : أشهب العقيل ، وأبو السّمال العدوى ، وابن السميفع ؛ أي : أحرقتهم النار ذات الوقود (تفسير القرطبي ١٩ / ٢٨٧).

(٤) سورة الأنعام الآية : ١٣٧.

(٥) فى ش : زين.

(٦) فى ش : وهى قراءة.

٢٥٣

وقوله عزوجل : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (١٥).

خفضه يحيى وأصحابه.

وبعضهم رفعه جعله من صفة الله تبارك وتعالى. وخفضه من صفة العرش ، كما قال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (٢١) فوصف القرآن بالمجادة.

وكذلك قوله : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢).

من خفض جعله من صفة اللوح (١) ، ومن رفع جعله للقرآن ، وقد رفع المحفوظ شيبة ، وأبو جعفر المدنيان (٢).

ومن سورة الطارق

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) (١).

الطارق : النجم ؛ لأنه يطلع بالليل ، وما أتاك ليلا فهو طارق ، ثم فسره فقال :

(النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (٣) والثاقب : المضيء ، والعرب تقول : أثقب نارك ـ للموقد ، ويقال : إن الثاقب : هو (٣) النجم الذي يقال له : زحل. والثاقب : الذي قد ارتفع على النجوم. والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعا : قد ثقّب. كل ذلك جاء (٤) فى التفسير.

وقوله عزوجل : (لَمَّا عَلَيْها) (٤).

قرأها العوام (لَمَّا) ، وخففها بعضهم. الكسائي كان يخففها ، ولا نعرف جهة التثقيل ، ونرى أنها لغة فى هذيل ، يجعلون إلّا مع إن المخففة (لمّا). ولا يجاوزون (٥) ذلك. كأنه قال : ما كل نفس إلا عليها [١٣٤ / ب] حافظ.

__________________

(١) وهى قراءة الجمهور.

(٢) وقرأ أيضا (مَحْفُوظٍ) بالرفع الأعرج ، وزيد بن على وابن محيصن ونافع بخلاف عنه (البحر المحيط ٨ / ٤٥٣)

(٣) فى ش : هذا.

(٤) فى ش : قد جاء.

(٥) فى ش : ولا يجوزون ، وهو تحريف.

٢٥٤

ومن خفف قال : إنما هى لام جواب لإن ، (وما) التي بعدها صلة كقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (١)) يقول : فلا يكون فى (ما) وهى (٢) صلة تشديد.

وقوله عزوجل : (عَلَيْها حافِظٌ) (٤) :

الحافظ من الله عزوجل يحفظها ، حتى يسلمها إلى المقادير.

وقوله عزوجل : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٦).

أهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم ، أن يجعلوا المفعول فاعلا إذا كان فى مذهب نعت ، كقول العرب : هذا سرّ كاتم ، وهمّ ناصب ، وليل نائم ، وعيشة راضية. وأعان على ذلك أنها توافق رءوس الآيات التي هنّ (٣) معهن.

وقوله عزوجل : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧).

يريد : من الصلب [والترائب] (٤) وهو جائز أن تقول للشيئين : ليخرجن (٥) من بين هذين خير كثير ومن هذين. [والصلب] (٦) : صلب الرجل ، والترائب : ما اكتنف لبّات المرأة مما يقع عليه القلائد.

وقوله عزوجل : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٨).

إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر.

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال :] (٧) حدثنا الفراء قال : وحدثنى مندل عن ليث عن مجاهد قال : إنه على رد الماء إلى الإحليل لقادر.

وقوله جل وعز : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) (١١).

تبتدئ بالمطر ، ثم ترجع به فى كل عام.

وقوله عزوجل : (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) (١٢).

تتصدع بالنبات.

__________________

(١) سورة النساء الآية : ١٥٥ وسورة المائدة : ١٣.

(٢) فى ش : وهى فى صلة ، تحريف.

(٣) فى ش : هى.

(٤ ، ٦) سقط فى ش.

(٥) تصحيح فى هامش ش.

(٧) زيادة من ش.

٢٥٥

ومن سورة الأعلى

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ) (١) ، و (بِاسْمِ رَبِّكَ (١)).

كل ذلك قد جاء وهو من كلام العرب.

وقوله عزوجل : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣).

قدّر خلقه فهدى الذكر لمأتى الأنثى من البهائم.

ويقال : قدّر فهدى وأضل ، فاكتفى من ذكر الضلال بذكر الهدى لكثرة ما يكون معه. والقراء مجتمعون على تشديد (قدّر). وكان أبو عبد الرحمن السلمى يقرأ : قدر مخففة (٢) ، ويرون أنها من قراءة على بن أبى طالب (رحمه‌الله) [١٣٥ / ا] والتشديد أحب إلىّ لاجتماع القراء عليه.

وقوله عزوجل : (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥).

إذا صار النبت يبيسا فهو غثاء. والأحوى : الذي قد اسودّ عن العتق (٣) ويكون أيضا : أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء ، فيكون مؤخّرا معناه التقديم.

وقوله عزوجل : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٧).

لم يشأ أن ينسى شيئا ، وهو كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ (٤)) ولا يشاء. وأنت قائل فى الكلام : لأعطينك كل ما سألت إلّا ما شئت ، وإلّا أن أشاء أن أمنعك ، والنية ألا تمنعه ، وعلى هذا مجارى الأيمان يستثنى فيها. ونية الحالف التمام.

وقوله تبارك وتعالى : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) (١١)

يتجنب الذكرى فلا يذكر.

وقوله جل وعز : (النَّارَ الْكُبْرى) (١٢)

هى السفلى من أطباق النار.

__________________

(١) فى سورة الواقعة الآيتان : ٧٤ ، ٩٦ : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) وفى سورة الحاقة : الآية : ٥٢.

(٢) وقرأ بالتخفيف أيضا الكسائي من القدرة ، أو من التقدير والموازنة (البحر المحيط : ٨ / ٤٥٨).

(٣) عبارة اللسان مادة : حوى ، نقلا عن الفراء : الأحوى : الذي قد اسود من القدم والعتق.

(٤) سورة هود : الآيتان ١٠٧ ، ١٠٨.

٢٥٦

وقوله عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤)

عمل بالخير وتصدق ، ويقال : قد أفلح من تزكى : تصدق قبل خروجه يوم العيد.

(وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥)

شهد الصلاة مع الإمام.

وقوله عزوجل : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦)

اجتمع القراء على التاء ، وهى فى قراءة أبىّ : «بل أنتم تؤثرون الحياة» تحقيقا لمن قرأ بالتاء (١).

وقد قرأ بعض القراء : «بل يؤثرون (٢)».

وقوله عزوجل : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٨)

يقول : من ذكر اسم ربه فصلى وعمل بالخير ، فهو فى الصحف الأولى كما هو فى القرآن.

ومن سورة الغاشية

بسم الله الرحمن الرحيم

[تصلى ، وتصلى (٣)] (٤) قراءتان.

وقوله عزوجل : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (٦) وهو نبت يقال له : الشّبرق ، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس ، وهو (٤) سم.

وقوله عزوجل : لا يسمع (فِيها لاغِيَةً) (٥) (١١) :

حالفة على كذب ، وقرأ عاصم والأعمش وبعض القراء : (لا تَسْمَعُ) بالتاء ، وقرأ بعض أهل

__________________

(١) فى ش : على التاء.

(٢) قرأ بها عبد الله وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة وغيرهم. (البحر المحيط : ٨ / ٤٦٠).

(٣) قوله : تصلى تصلى بعد سورة الأعلى ، وأول سورة الغاشية.

(٤) فى ش : فهو.

(٥) قال فى الإتحاف (٢٧٠) : «واختلف فى (لا يسمع فيها لاغية) : فنافع بالتاء من فوق مضمومة بالبناء للمفعول (لاغية) بالرفع على النيابة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول أيضا (لاغية) بالرفع ، على ما تقدم ، والباقون بفتح التاء من فوق ونصب (لاغِيَةً) على المفعولية».

٢٥٧

المدينة : «لا يسمع فيها لاغية» : ولو قرئت : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) وكأنه للقراءة موافق ؛ لأن رءوس الآيات أكثرها بالرفع (١).

وقوله عزوجل : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) (١٣)

يقال : مرفوعة مرتفعة : رفعت لهم ، أشرفت ، ويقال : مخبوءة (٢) رفعت لهم.

وقوله عزوجل : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) (١٥)

بعضها إلى جنب بعض ، وهى الوسائد واحدها : نمرقة. قال : وسمعت بعض كلب يقول : نمرقة [بكسر النون والراء] (٣).

وقوله عزوجل : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦) هى : الطنافس التي لها خمل رقيق (مبثوثة) : كثيرة.

وقوله عزوجل : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١٧)

عجّبهم من حمل الإبل أنها تحمل وقرها باركة ثم تنهض به ، وليس شىء من الدواب يطيق ذلك إلّا البعير.

وقوله عزوجل : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمسيطر) (٢٢)

بمسلّط ، والكتاب (بِمُصَيْطِرٍ) ، و (الْمُصَيْطِرُونَ) (٤) : بالصاد والقراءة بالسين (٥) ، ولو قرئت بالصاد كان مع الكتاب وكان صوابا.

وقوله عزوجل : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣)

تكون مستثنيا من الكلام الذي كان التذكير يقع عليه وإن لم يذكر ، كما تقول فى الكلام : اذهب فعظ وذكّر ، وعمّ إلا من لا تطمع فيه ، ويكون أن تجعل : (من تولّى وكفر) منقطعا

__________________

(١) فى ش : الرفع.

(٢) فى ش : مخبوة.

(٣) مزيد بين السطور فى ب ، وساقط فى ش.

(٤) سورة الطور الآية : ٣٧.

(٥) قرأ بالسين هشام ، واختلف عن قنبل وابن ذكوان وحفص (الإتحاف : ٤٣٨).

٢٥٨

عما قبله. كما تقول فى الكلام : قعدنا نتحدث ونتذاكر الخبر إلّا أن كثيرا من الناس لا يرغب ، فهذا المنقطع.

وتعرف المنقطع من الاستثناء بحسن إن فى المستثنى ؛ فإذا كان الاستثناء محضا متصلا لم يحسن فيه إن. ألا ترى أنك تقول : عندى مائة إلّا درهما ، فلا تدخل إن هاهنا فهذا كاف من ذكر غيره.

وقد يقول بعض القراء وأهل العلم : إن (إلا) بمنزلة لكن ، وذاك منهم تفسير للمعنى ، فأما أن تصلح (إلّا) مكان لكن فلا ؛ ألا ترى أنك تقول : ما قام عبد الله ولكن زيد فتظهر الواو ، وتحذفها. ولا تقول : ما قام عبد الله إلا زيد ، إلّا أن تنوى : ما قام إلا زيد لتكرير (١) أوّل الكلام.

سئل الفراء [١٣٦ / ا] عن (إيّابهم (٢)) (٢٥) فقال : لا يجوز على جهة من الجهات.

ومن سورة الفجر

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل : (وَالْفَجْرِ) (١) (وَلَيالٍ عَشْرٍ) (٢).

[حدثنا أبو العباس قال (٣)] : حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس بن الربيع عن أبى إسحق عن الأسود بن يزيد فى قوله : (وَالْفَجْرِ) قال : هو (٤) فجركم هذا. (وَلَيالٍ عَشْرٍ) قال : عشر الأضحى. (وَالشَّفْعِ) (٣) يوم الأضحى ، و (الْوَتْرِ) (٣) يوم عرفة.

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد (٥) قال] : حدثنا الفراء قال : وحدثنى شيخ عن عبد الملك ابن أبى سليمان عن عطاء قال الله تبارك وتعالى : الوتر والشفع (٦) : خلقه.

__________________

(١) فى ش : بتكرير.

(٢) قرأ (إِيابَهُمْ) بتشديد الياء أبو جعفر. قيل مصدر أيّب على وزن فيعل كبيطر يبيطر ... والباقون بالتخفيف مصدر : آب يؤوب إيابا رجع ، كقام يقوم قياما (الإتحاف : ٤٣٨).

(٣) زيادة من ش.

(٤) سقط فى ش.

(٥) زيادة من ش.

(٦) كذا فى النسخ بتقديم الوتر ، كأنه لا يريد التلاوة.

٢٥٩

قال حدثنا الفراء قال (١) : وحدثنى شيخ عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال : الوتر آدم ، شفع بزوجته. وقد اختلف [القراء] (٢) فى الوتر : فقرأ الأعمش والحسن البصري : الوتر مكسورة الواو ، وكذلك قرأ ابن عباس (٣) ، وقرأ السلمى وعاصم [وأهل المدينة] (٤) (الْوَتْرِ) بفتح الواو ، وهى لغة حجازية (٥).

وقوله عزوجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٤).

ذكروا أنها ليلة المزدلفة ، وقد قرأ القراء : «يسرى» بإثبات الياء ، و (يَسْرِ) بحذفها (٦) ، وحذفها أحب إلىّ لمشاكلتها رءوس الآيات ، ولأن العرب قد تحذف الياء ، وتكتفى بكسر ما قبلها منها ، أنشدنى بعضهم.

كفّاك كفّ ما تليق درهما

جودا ، وأخرى تعط بالسيف الدّما (٧)

وأنشدنى آخر :

ليس تخفى يسارتى قدر يوم

ولقد تخف شيمتى إعسارى (٨)

وقوله عزوجل : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٥).

لذى عقل : لذى ستر ، وكله يرجع إلى أمر واحد من العقل ، والعرب تقول : إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها ، كأنه أخذ من قولك : حجرت على الرجل.

وقوله جل وعز [١٣٦ / ب](إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) (٧).

لم يجر القراء (إرم) لأنها فيما ذكروا اسم بلدة ، وذكر الكلبي بإسناده أن (إرم) سام بن نوح ، فإن كان هكذا اسما فإنما ترك إجراؤه لأنه كالعجمى. و (إرم) تابعة لعاد ، و (العماد) : أنهم كانوا أهل عمد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان ، ثم يرجعون إلى منازلهم :

__________________

(١) فى ش : قال : حدثنا الفراء وحدثنى.

(٢ ، ٤) سقط فى ش.

(٣) وهى أيضا قراءة حمزة والكسائي وخلف. وافقهم الحسن والأعمش (الإتحاف : ٤٣٨).

(٥) والكسر لغة تميم (لسان العرب).

(٦) قرأ الجمهور : (يَسْرِ) بحذف الياء وصلا ووقفا ، وابن كثير بإثباتها فيهما ، ونافع وابن عمرو بخلاف عنه بياء فى الوصل ، وبحذفهما فى الوقف. (البحر المحيط ٨ / ٤٦٨).

(٧) أورده فى اللسان ولم ينسبه. مادة ليق. وانظر (الخصائص ٣ / ٩٠ ، ١٣٣ ، وأمالى ابن الشجري ٢ / ٧٢).

ومعنى : ما تليق : ما تحبس وتمسك. يصفه بالكرم والشجاعة.

(٨) رواه اللسان كما هنا ولم ينسبه ، وفى ب : قدرتهم مكان قدر يوم ، وهو تحريف.

٢٦٠