معاني القرآن - ج ٣

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٩
الجزء ١ الجزء ٣

وقوله : (أَكْدى) (٣٤).

أي : أعطى قليلا ، ثم أمسك عن النفقة.

(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) (٣٥) حاله فى الآخرة ، ثم قال : (أَمْ (١) لَمْ يُنَبَّأْ) (٣٦) المعنى : ألم.

(وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧) : بلّغ ـ أن (٢) ليست تزر وازرة وزر أخرى ، لا تحتمل الوازرة ذنب غيرها.

وقوله : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٤٢).

قراءة (٣) الناس ـ (وأنّ) ، ولو قرىء إنّ (٤) بالكسر على الاستئناف كان صوابا.

[حدثنا محمد بن الجهم قال] (٥) حدثنا الفراء قال : حدثنى الحسن بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس : أنّه قرأ ما فى النجم ، وما فى الجنّ ، (وأنّ) بفتح (٦) إنّ.

[حدثنا محمد بن الجهم قال] حدثنا (٧) ـ الفراء قال : حدثنى قيس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بمثل ذلك (٨).

وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) (٤٣).

أضحك أهل (٩) الجنة بدخول الجنة ، وأبكى أهل النار بدخول النار.

والعرب تقوله فى كلامها إذا عيب على أحدهم الجزع والبكاء يقول : إنّ الله أضحك ، وأبكى. يذهبون به إلى أفاعيل أهل الدنيا.

__________________

(١) أم : لم نثبت في ح.

(٢) فى (ب) أي مكان أن ، تحريف.

(٣) فى ب : قرأه.

(٤) فى ش : وإنّ.

(٥) زيادة من ب ، وفى ح ، ش : حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء ... إلخ.

(٦) يريد : (وأنه تعالى) وما بعدها فى هذه السورة إلى : (وأنا منا المسلمون) ، وفتح الهمزة قراءة ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وقراءة أبى جعفر فى (وأنه تعالى) ، (وأنه كان يقول) ، (وأنه كان رجال) ، وقراءة الباقين بكسر الهمزة. الإتحاف : ٢٦٢.

(٧) فى ش : قال الفراء حدثنى ... إلخ.

(٨) فى ب ، ش : بمثل هذا.

(٩) فى ش : هو ، تحريف.

١٠١

وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) (٤٨). رضّى الفقير بما أغناه به (وأقنى) من القنية والنشب.

وقوله : (رَبُّ الشِّعْرى) (٤٩). الكوكب (١) الذي يطلع بعد الجوزاء.

وقوله : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) (٥٠).

قرأ الأعمش وعاصم (عادا) يخفضان النون ، وذكر القاسم بن معن : أنّ الأعمش قرأ (عاد لّولى) ، فجزم النون ، ولم يهمز (الأولى).

وهى قراءة أهل المدينة : جزموا النون لمّا تحرّكت اللّام ، وخفضها من خفضها لأن البناء على جزم اللام التي مع الألف فى ـ الأولى (٢) والعرب تقول : قم لآن ، وقم الآن ، وصم الاثنين وصم لثنين على ما فسرت لك.

وقوله (عاداً الْأُولى). (٣) بغير [١٨٦ / ب] (٤) همز : قوم (٥) هود خاصة بقيت منهم بقية نجوامع لوط ، فسمّى أصحاب هود عادا (٦) الأولى.

وقوله : (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) (٥١).

ورأيتها بعض مصاحف (٧) عبد الله (وثمود فما أبقى) بغير ألف (٨) وهى تجرى فى النصب فى كل التنزيل إلّا قوله : (وآتينا ثمود النّاقة مبصرة) (٩) فإنّ هذه ليس فيها ألف فترك إجراؤها.

__________________

(١) فى (ا) فى الكواكب.

(٢) قرأ : عاد لولى بإدغام التنوين في اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها وصلا نافع ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ويعقوب.

والباقون ؛ وهم : ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بكسر التنوين ، وسكون اللام ، وتخفيف الهمزة من غير نقل فكسر التنوين لالتقاء الساكنين وصلا والابتداء بهمزة الوصل (الإتحاف ٤٠٣ ، ٤٠٤)

(٣ ، ٤) سقط فى ح ، ش.

(٥) فى ح ، ش ، هم قوم.

(٦) زيادة فى ح ، ش.

(٧) كتبت كلمة «بعض» فى (ا) بين السطرين ، وجاء فى هذه النسخة : فى بعض مصحف.

(٨) قرأ : وثمود. بغير تنوين عاصم وحمزة ويعقوب ، والباقون بالتنوين (الإتحاف ٤٠٤). وانظر المصاحف للسجستانى : ٧١.

(٩) لم تثبت (مبصرة) فى ح ، ش ، والآية فى الإسراء : ٥٩

١٠٢

وقوله : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى) (٥٣).

يريد : وأهوى المؤتفكة ؛ لأنّ جبريل ـ عليه‌السلام ـ احتمل قريات قوم لوط حتى رفعها إلى السماء ، ثم أهواها وأتبعهم الله بالحجارة ، فذلك قوله : (فغشّاها ما غشّى) من الحجارة.

وقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) (٥٥).

يقول : فبأىّ نعم ربّك تكذب أنها ليست منه ، وكذلك قوله : (فتماروا بالنّذر) (١).

وقوله : (هذا نَذِيرٌ) (٥٦). يعنى : محمدا صلّى الله عليه.

(مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) (٥٦) يقول القائل : كيف قال لمحمد : من النذر الأولى ، وهو آخرهم؟ ، فهذا فى الكلام كما تقول : هذا واحد من بنى آدم وإن كان آخرهم أو أولهم ، ويقال : هذا نذير من النّذر الأولى فى اللوح المحفوظ.

وقوله : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) (٥٧) قربت القيامة.

وقوله : (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) (٥٨).

يقول : ليس بعلمها كاشف دون الله ـ أي لا يعلم علمها غير ربّى ، وتأنيث (الكاشفة) كقولك : ما لفلان باقية. أي بقاء والعافية والعاقبة (٢) ، وليس له ناهية ، كل هذا فى معنى المصدر.

وقوله : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) (٦١) لاهون.

__________________

(١) سورة القمر الآية : ٣٦.

(٢) سقط فى ح ، ش.

١٠٣

ومن سورة القمر

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل :

(وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) ذكر : أنّه انشقّ ، وأنّ عبد الله بن مسعود رأى (١) حراء (٢) من بين فلقتيه فلقتى القمر.

وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً). يعنى القمر (يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٢).

أي : سيبطل ويذهب.

وقال بعضهم : سحر يشبه بعضه بعضا.

وقوله : (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (٣).

سيقر قرار تكذيبهم ، وقرار قول المصدّقين حتىّ يعرفوا حقيقته (٣) بالعقاب والثواب.

وقوله : (مُزْدَجَرٌ) (٤) منتهىّ.

وقوله : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) (٥).

مرفوع على الرّد على (ما فيه مزدجر) ، و (ما) فى موضع رفع ، ولو رفعته على الاستئناف كأنّك تفسّر به (ما) لكان صوابا ، ولو نصب على القطع لأنّه نكرة ، وما معرفة كان صوابا.

ومثله فى رفعه : (هذا ما لدىّ عتيد) (٤) ولو كان (عتيد) منصوبا كان صوابا. (٥) وقوله : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (٦) (٥).

__________________

(١) سقط في ح.

(٢) فى ح جزاء مكان حراء تحريف.

(٣) فى ش : بحقيقته.

(٤) سورة ق الآية ٢٣.

(٥) قوله : كان صوابا ، لأن «هذا» و «ما» معرفتان ، فيقطع العتيد منهما. كمن قرأ : هذا بعلى شيخا انظر الآية ٢٣ من سورة ق فيما سبق.

(٦) رسمت فى ا ، ب : تغنى ، ورسم المصحف : تغن بحذف الياء.

١٠٤

إن شئت جعلت (ما) جحدا تريد : ليست تغنى عنهم النذر ، (١) وإن شئت جعلتها فى موضع أىّ ـ كأنك قلت. فأىّ شىء تغنى النذر (٢). [١٨٧ / ا]

وقوله : خاشعا أبصارهم (٧).

إذا تقدّم الفعل قبل اسم مؤنث ، وهو له أو قبل جمع مؤنث مثل : الأبصار ، والأعمار وما أشبهها ـ جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه ، وقد أتى بذلك فى هذا الحرف ، فقرأه ابن عباس (خاشعا).

[حدثنى محمد بن الجهم قال] (٣) حدثنا الفراء قال : وحدثنى هشيم وأبو معاوية عن وائل ابن داود عن مسلم بن يسار عن ابن عباس أنّه قرأها (خاشعا).

[حدثنى محمد قال] (٤) حدثنا الفراء قال : وحدثنى هشيم عن عوف الأعرابى عن الحسن وأبى رجاء العطاردىّ أن أحدهما قال : (خاشعا) والآخر (خُشَّعاً).

قال الفراء : وهى فى قراءة عبد الله (خاشعة أبصارهم) (٥). وقراءة الناس بعد (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) (٦).

وقد قال الشاعر :

وشباب حسن أوجههم

من إياد بن نزار بن معدّ (٧)

وقال الآخر.

يرمى الفجاج بها الركبان معترضا

أعناق بزّلها مرخى لها الجدل (٨)

__________________

(١ ، ٢) ساقط فى ح ، ش.

(٣ ، ٤) زيادة فى ب.

(٥) انظر قراءة عبد الله : خاشعة أبصارهم ، فى المصاحف للسجستانى ص : ٧٢.

(٦) جاء فى تفسير الطبري : واختلفت القراء فى قوله : خاشعا أبصارهم ؛ فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض المكيين والكوفيين : خشعا بضم الخاء وتشديد الشين بمعنى خاشع ، وقرأه عامة قراء الكوفة وبعض البصريين : خاشعا أبصارهم بالألف على التوحيد (الطبري ٢٧ / ٤٨).

(٧) البيت للحرث بن دوس الأنصاري ، ويروى لأبى دؤاد الأنصاري (انظر تفسير القرطبي ١٧ / ١٢٩) (والبحر ٨ / ١٧٥) وفى ح : وشهاب مكان وشباب ، تحريف. وفى ش : إياد نزار ، سقط.

(٨) انظر البحر المحيط ٨ / ١٧٥ واختلاف الرواية فيه.

١٠٥

قال الفراء : الجدل : جمع الجديل ، وهو الزمام ، فلو قال : معترضات ، أو معترضة لكان صوابا ، مرخاة ومرخيات.

وقوله : (مُهْطِعِينَ) (٨). ناظرين قبل الداع.

وقوله : (وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (٩).

زجر بالشتم ، وازدجر افتعل من زجرت ، وإذا (١) كان الحرف أوله زاى صارت تاء الافتعال فيه دالا ؛ من ذلك : زجر ، وازدجر ، ومزدجر ، ومن ذلك : المزدلف ويزداد هى من الفعل يفتعل فقس عليه ماورد.

وقوله : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢).

أراد الماءين : ماء الأرض ، وماء السماء ، ولا يجوز التقاء إلّا لاسمين ، فما زاد ، وإنّما جاز فى الماء ، لأن الماء يكون جمعا وواحدا.

وقوله : (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ). قدر (٢) فى أمّ الكتاب.

ويقال : قد (٣) قدر أن الماءين كان مقدارهما واحدا. ويقال : (٤) قد قدر (٥) لما أراد الله من تعذيبهم.

وقوله : (وَحَمَلْناهُ) (١٣).

حملنا نوحا على ذات ألواح يعنى : السفينة ، (ودسر) (١٣) مسامير السفينة ، وشرطها التي تشد بها.

وقوله : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) (١٤).

__________________

(١) فى ش : وإن.

(٢) سقط فى ب ، ح ، ش.

(٣) سقط فى ش.

(٤ ، ٥) سقط فى ح.

١٠٦

أي : جحد.

يقول : فعلنا به وبهم ما فعلنا جزاء لما صنع بنوح وأصحابه ، فقال : لمن (١) يريد القوم ، وفيه معنى ما. ألا ترى أنّك تقول : غرّقوا لنوح ولما صنع بنوح ، والمعنى واحد.

وقوله : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) (١٥).

يقول : أبقيناها من بعد نوح آية.

وقوله : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٥).

المعنى : مذتكر ، وإذا قلت : مفتعل فيما أوّله ذال صارت الذال وتاء الافتعال دالا مشدّدة وبعض بنى أسد يقولون : مذكر ، فيغنبون الذّال فتصير ذالا مشددة.

[حدثنا محمد بن الجهم قال] : (٢) حدثنا الفراء قال : و (٣) حدثنى الكسائي ـ [وكان والله ما علمته إلّا صدوقا] (٤) ـ عن إسرائيل والقرزمىّ عن أبى إسحاق عن الأسود بن يزيد قال : قلنا لعبد الله : فهل من مذّكر ، أو مدّكر ، فقال : أقرأنى رسول الله [١٨٧ / ب] صلى الله عليه : (مدّكر) بالدال.

وقوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١٦).

النذر هاهنا مصدر معناه : فكيف كان إنذارى ، ومثله (عذرا ونذرا) (٥) (١٥) يخفّفان ويثقلان كما قال (إِلى شَيْءٍ (٦) نُكُرٍ) فثقل فى (اقْتَرَبَتِ) وخفف فى سورة النساء القصرى (٧) فقيل «نكرا».

(٨) وقوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) (٩) (١٧).

__________________

(١) فى ح : لما.

(٢) زيادة فى ب ، وفى ح ، ش ، : حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ...

(٣) سقط فى ش.

(٤) ما بين الحاصرتين زيادة فى ح ، ش.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى فى سورة المرسلات : ٥ ، ٦ (فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا).

(٦) سقط فى ح.

(٧) سورة النساء القصرى هى سورة الطلاق ، كما فى بصائر ذوى التمييز : ١ : ٤٦٩ ، و (نكرا) فى الآية ٨ من هذه السورة.

(٨ ، ٩) فى هامش ش.

١٠٧

يقول (١) : هوّناه ولو لا ذلك ما أطاق العباد أن يتكلموا بكلام الله. ويقال (٢) : ولقد يسرنا القرآن للذكر : للحفظ ، فليس من كتاب بحفظ ظاهرا غيره.

وقوله : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (١٩). استمر عليهم بنحوسته.

وقوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) (٢٠). أسافلها. منقعر المصرّع من النخل

وقوله : (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٢٤). أراد بالسّعر : العناء للعذاب :

وقوله : (كَذَّابٌ أَشِرٌ) (٢٥). قرأ مجاهد وحده : الأشر.

[حدثنا محمد بن الجهم قال :] حدثنا الفراء قال : وحدثنى سفيان بن عيينة عن رجل عن مجاهد أنه قرأ (سيعلمون) بالياء كذا قال سفيان (غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (٢٦) وهو بمنزلة قولك فى الكلام : رجل حذر ، وحذر ، وفطن ، وفطن (٣) وعجل ، وعجل (٤).

[حدثنا محمد بن الجهم قال] (٥) حدثنا الفراء قال : حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن عن على بن أبى طالب أنه قرأ : سيعلمون غدا ـ بالياء.

وقوله : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) (٢٨).

للناقة يوم ، ولهم يوم ، فقال : بينهم وبين الناقة.

وقوله : (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) (٢٨). يحتضره أهله ومن يستحقه.

وقوله : (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٣١).

الذي يحتظر على هشيمه (٦) ، وقرأ الحسن وحده : كهشيم (٧) المحتظر ، فتح الظاء فأضاف الهشيم إلى

__________________

(١ ، ٢) فى هامش ش.

(٣ ، ٤) ب : بين حذر وفطن.

(٥) زيادة فى ب.

(٦) فى ش هشيميه.

(٧) سقط فى ح ، ش.

١٠٨

المحتظر ، وهو كما قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُ (١) الْيَقِينِ) ، والحق هو اليقين ، وكما قال : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ (٢) خَيْرٌ) فأضاف الدار إلى الآخرة ، وهى الآخرة ، والهشيم : الشجر إذا يبس.

وقوله : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (٣٤).

سحر هاهنا يجرى ؛ لأنه نكرة ، كقولك : نجيناهم بليل ، فإذا ألقت منه العرب الباء لم يجروه ، فقالوا : فعلت هذا سحر يا هذا ، وكأنهم فى تركهم إجراءه أنّ كلامهم كان فيه بالألف واللام ، فجرى على ذلك ، فلما حذفت الألف واللام ، وفيه نيتهما لم يصرف. كلام العرب أن يقولوا : مازال عندنا هذا السحر ، لا يكادون يقولون غيره.

وقوله : (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) (٣٦). كذّبوا بما قال لهم.

وقوله : (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) (٣٨) :

العرب تجرى : غدوة ، وبكرة ، ولا تجريهما ؛ وأكثر (٣) الكلام فى غدوة ترك الإجراء وأكثره فى بكرة أن تجرى.

قال : سمعت (٤) بعضهم يقول : أتيته بكرة باكرا ، فمن لم يجرها جعلها معرفة ؛ لأنها اسم تكون أبدا فى وقت واحد بمنزلة أمس وغد ، وأكثر ما تجرى العرب غدوة إذا قرنت (٥) بعشية ، فيقولون : إنى لآتيك غدوة وعشية ، وبعضهم غدوة وعشية ، ومنهم من لا يجرى عشية [١٨٨ / ا] لكثرة ما صحبت غدوة.

وقوله : (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) (٣٨).

يقول : عذاب حق.

وقوله : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) (٤٣)

__________________

(١) سورة الواقعة الآية : ٩٥.

(٢) سورة يوسف الآية : ١٠٩.

(٣) فى ح : وأكبر ، تحريف.

(٤) فى ب ، ش : وسمعت.

(٥) فى ش : قربت وهو تصحيف.

١٠٩

يقول : أكفاركم يأهل مكة خير من هؤلاء الذين أصابهم العذاب أم لكم براءة فى الزبر؟ يقول : أم عندكم براءة من العذاب ، ثم قال : أم يقولون : أي أيقولون : نحن جميع كثير منتصر ، فقال الله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥) وهذا يوم بدر.

وقال : الدبر فوحّد ، ولم يقل : الأدبار ، وكلّ جائز ، صواب أن تقول : ضربنا منهم الرءوس والأعين ، وضربنا منهم الرأس واليد ، وهو كما تقول : إنه لكثير الدينار والدرهم ، تريد الدنانير والدراهم (١).

وقوله : (وَالسَّاعَةُ أَدْهى (٢) وَأَمَرُّ) (٤٦). يقول : أشد (٣) عليهم من عذاب يوم بدر ، وأمرّ من المرارة.

وقوله : (يَوْمَ (٤) يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (٤٨).

وفى قراءة عبد الله «يوم يسحبون إلى النار على وجوههم».

وقوله : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (٤٨). سقر : اسم من أسماء جهنم لا يجرى ، وكل اسم كان لمؤنث فيه الهاء أو ليس فيه الهاء فهو لا يجرى (٥) إلا أسماء (٦) مخصوصة خفت فأجريت ، وترك بعضهم إجراءها ، وهى : هند ، ودعد ، وجمل ، ورئم ، تجرى ولا تجرى. فمن لم يجرها قال : كل مؤنث فحظه ألا يجرى ، لأن فيه معنى الهاء ، وإن لم تظهر ألا ترى أنك إذا حقّرتها وصغرتها قلت : هنيدة ، ودعيدة ، ومن أجراها قال : خفت لسكون الأوسط منها ، وأسقطت الهاء ، فلم تظهر فخفّفت فجرت.

وقوله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (٥٠). (٧) أي : مرة واحدة (٨) هذا للساعة كلمح خطفة.

__________________

(١) فى ب ، ش : الدراهم والدنانير.

(٢) فى ش : أهو ، تحريف.

(٣) فى ح ، ش : امتد ، تحريف.

(٤) سقط «يوم» فى ح ، وسقط «يوم يسحبون» فى ش.

(٥) فى ش : فهو لا يجوز ، تحريف.

(٦) فى ب : إلا اسما.

(٧ ، ٨) سقط فى ح.

١١٠

وقوله (١) : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٥٣). يريد : كل صغير من الذنوب أو كبير فهو مكتوب.

وقوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (٥٤). معناه : أنهار ، وهو فى مذهبه كقوله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (٤٥). وزعم الكسائي أنه سمع العرب يقولون : أتينا فلانا فكنّا فى لحمة ونبيذة فوحد (٢) ومعناه الكثير.

ويقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) فى ضياء وسعة ، وسمعت بعض العرب ينشد (٣) :

إن تك ليليا فإنى نهر

متى أرى الصبح فلا أنتظر (٤)

(٥) ومعنى نهر : صاحب نهار (٦) وقد روى «وما أمرنا إلّا وحدة» بالنصب وكأنه أضمر فعلا ينصب به الواحدة ، كما تقول للرجل : ما أنت إلا ثيابك مرة ، ودابتك مرة ، ورأسك مرة ؛ أي : (٧) تتعاهد ذاك.

وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : إنما العامري عمّته ، أي : ليس يتعاهد من لباسه إلا العمة ، قال الفراء : ولا أشتهى نصبها فى القراءة.

__________________

(١ ، ٢) مثبتة فى ح ، ش.

(٣) استشهد به القرطبي ، نقلا عن الفراء ، ولم ينسبه؟

(٤) ورواية الطبري : متى أتى الصبح مكان متى أرى ...؟

(٥ ، ٦) سقط فى ح ، ش.

(٧) سقط فى ش.

١١١

ومن سورة الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله عزوجل : (بِحُسْبانٍ) (٥). حساب ومنازل [١٨٨ / ب] للشمس والقمر لا يعدوانها.

وقوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (١) (٦). النجم : ما نجم مثل : العشب ، والبقل وشبهه. والشجر : ما قام على ساق. ثم قال : يسجدان ، وسجودهما : أنهما يستقبلان الشمس إذا طلعت ، ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء ، والعرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل : السدر ، والنخل جعلوا فعلهما واحدا ، فيقولون : الشاء والنعم قد أقبل ، والنخل والسدر قد ارتوى ، فهذا أكثر كلامهم ، وتثنيته جائزة.

قال الكسائي : سمعت العرب تقول : مرت بنا غنمان سودان (٢) وسود.

قال الفراء : وسود أجود من سودان ؛ لأنه نعت تأتى على الاثنين ، فإذا (٣) كان أحد الاثنين مؤنثا مثل : الشاء والإبل قالوا : الشاء والإبل مقبلة ؛ لأن الشاء ذكر ، والإبل أنثى ، ولو قلت : مقبلان لجاز ، ولو قلت : مقبلتان تذهب إلى تأنيث الشاء مع تأنيث الإبل كان صوابا ، إلا أن التوحيد أكثر وأجود.

فإذا قلت : هؤلاء قومك وإبلهم قد أقبلوا ذهبت بالفعل إلى الناس خاصة ؛ لأن الفعل لهم ، وهم الذين يقبلون بالإبل ، ولو أردت إقبال هؤلاء وهؤلاء لجاز ـ قد أقبلوا ؛ لأن الناس إذا خالطهم شىء من البهائم ، صار فعلهم كفعل الناس كما قال :

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) (٤) فصارت الناقة بمنزلة الناس.

__________________

(١) زيادة فى ب.

(٢) فى ح : «سوان «تحريف.

(٣) فى (ا) : إذا.

(٤) سورة القمر الآية : ٢٨.

١١٢

ومنه قول الله عزوجل : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) (١) ، و «من» إنما تكون للناس ، فلما فسّرهم وقد كانوا اجتمعوا فى قوله : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (٢) فسرهم بتفسير الناس.

وقوله : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) فوق الأرض (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٧). فى الأرض وهو العدل.

وفى قراءة عبد الله : وخفض الميزان ، والخفض والوضع متقاربان فى المعنى.

وقوله : (أَلَّا تَطْغَوْا) (٨).

وفى قراءة عبد الله : لا تطغوا بغير أن فى الوزن وأقيموا اللسان.

وقوله : (أَلَّا تَطْغَوْا) إن شئت جعلتها مجزومة بنية النهى ، وإن شئت جعلتها منصوبة بأن ، كما قال الله : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ) (٣) وأن تكون ـ (تطغوا) فى موضع جزم أحبّ إلىّ ؛ لأن بعدها أمرا.

وقوله : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) (٩).

وقوله : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) (١٠). لجميع الخلق.

وقوله : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) (١٢). خفضها الأعمش ، ورفعها الناس (٤). فمن خفض أراد : ذو العصف وذو الريحان ، ومن رفع الريحان جعله تابعا لذو. و (٥) العصف ، فيما ذكروا : بقل الزرع ؛ لأن العرب تقول : خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه شيئا قبل أن يدرك فذلك العصف ، والريحان هو رزقه ، والحب هو الذي يؤكل منه. والريحان فى كلام العرب :

__________________

(١ ، ٢) سورة النور الآية : ٤٥ ، و (خالق) قراءة حمزة والكسائي ، كما فى الإتحاف : ١٦٩.

(٣) سورة الأنعام الآية : ١٤.

(٤) جاء فى الإتحاف : ٤٠٥ ـ واختلف فى (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) : فابن عامر بالنصب فى الثلاثة على إضمار فعل أي أخص ، أو خلق أو عطفا على الأرض ، وذا صفة الحب. وقرأ حمزة والكسائي وخلف برفع الأولين : أعنى الحب ، وذو. وجرّ الريحان عطفا على العصف وافقهم الأعمش ، والباقون بالرفع فى الثلاثة عطفا على المرفوع قبله. أي : فيما فاكهة ، وفيما الحب ، وذو صفة.

(٥) سقط فى ش.

١١٣

الرزق ، ويقولون : خرجنا نطلب ريحان الله. الرزق عندهم (١) ، وقال بعضهم : ذو العصف المأكول من الحب ، والريحان : الصحيح الذي (٢) لم يؤكل.

ولو قرأ قارئ : «والحبّ ذا العصف والريحان» لكان جائزا ، أي : خلق ذا وذا ، وهى فى مصاحف أهل الشام : والحبّ ذا (٣) العصف ، ولم نسمع بها قارئا ، كما أن فى بعض مصاحف أهل الكوفة :

«والجار ذا القربى» (٤) [١٨٩ / ا] ولم يقرأ به أحد ، وربما كتب الحرف على جهة واحدة ، وهو فى ذلك يقرأ بالوجوه.

وبلغني : أن كتاب على بن أبى طالب رحمه‌الله كان مكتوبا : هذا كتاب من على بن أبو طالب كتابها : أبو. فى كل الجهات ، وهى تعرّب فى الكلام إذا قرئت.

وقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣). وإنما ذكر فى أول الكلام : الإنسان ففى ذلك وجهان :

أحدهما : أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين ، فيقال : ارحلاها ، ازجراها يا غلام.

والوجه الآخر : أن الذّكر أريد فى الإنسان والجان ، فجرى لهما من أول السورة إلى آخرها.

وقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (١٤).

وهو طين خلط برمل ، فصلصل كما يصلصل الفخار ، ويقال : من صلصال منتن يريدون به : صلّ ، فيقال : صلصال كما يقال : صرّ الباب عند الإغلاق ، وصرصر. والعرب تردد اللام فى التضعيف فيقال : كركرت الرجل يريدون : كررته وكبكبته ، (٥) يريدون : كببته (٦).

وسمعت بعض العرب يقول : أتيت فلانا فبشبش بي من البشاشة ، وإنما فعلوا ذلك كراهية اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد.

__________________

(١) فى ب : رزق عندهم.

(٢) سقط فى ش.

(٣) فى ح : والحب ذو.

(٤) النساء الآية ٣٦.

(٥ ، ٦) سقط فى ح.

١١٤

وقوله : (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) (١٥).

والمارج : نار دون الحجاب ـ فيما ذكر الكلبي ـ منها (١) هذه الصواعق ، ويرى جلد السماء منها.

وقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١٧).

اجتمع القراء على رفعه ، ولو خفض يعنى فى الإعراب على قوله : فبأى آلاء ربكما ، ربّ المشرقين كان صوابا.

والمشرقان : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، وكذلك المغربان.

وقوله : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) (١٩). يقول (٢) : أرسلهما ثم يلتقيان بعد.

وقوله : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) (٢٠).

حاجز لا يبغيان : لا يبغى العذب على الملح فيكونا عذبا ، ولا يبغى الملح على العذب فيكونا ملحا

وقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٢٢).

وإنما يخرج من الملح دون العذب. واللؤلؤ : العظام ، والمرجان : ما صغر من اللؤلؤ.

وقوله : (وَلَهُ الْجَوارِ) (٣) المنشئآت (٢٤).

قرأ (٤) عاصم ويحيى بن وثاب : (المنشئات) بكسر الشين ، يجعلن اللاتي يقبلن ويدبرن فى قراءة عبد الله بن مسعود (الْمُنْشَآتُ) ، وكذلك قرأها الحسن وأهل الحجاز بفتح الشين يجعلونهن مفعولا بهن أقبل بهن وأدبر.

وقوله : (كَالْأَعْلامِ) (٢٤).

كالجبال شبه السفينة بالجبل ، وكل جبل إذا طال فهو علم.

__________________

(١) فى ح ، ش : فيها ، تحريف.

(٢) فى ش : البحرين : يلتقيان.

(٣) فى ب ، ح ، ش : الجواري. ورسم المصحف من غير ياء.

(٤) فى ب ، ح : قرأها.

١١٥

وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ) (٢٧).

هذه ، والتي فى آخرها ذى (١) ـ كلتاهما فى قراءة عبد الله ـ ذى ـ تخفضان (٢) فى الإعراب ؛ لأنهما من صفة ربك تبارك وتعالى ، وهى فى قراءتنا : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ]) (٣) [ذو] (٤) تكون من صفة وجه ربنا (٥) ـ تبارك وتعالى.

وقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩) غير مهموز.

قال : وسألت الفراء [١٨٩ / ب] عن (شان) فقال : أهمزه فى كل القرآن إلّا فى سورة الرحمن ، لأنه مع آيات غير مهموزات ، وشانه [فى كل يوم أن يميت ميتا ، ويولد مولودا ، ويغنى ذا ، ويفقر ذا فيما لا يحصى من الفعل] (٦).

وقوله : سنفرغ لكم (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣١).

[حدثنا أبو العباس قال (٧) حدثنا محمد بن الجهم قال] حدثنا الفراء قال : حدثنى أبو إسرائيل قال : سمعت طلحة بن مصرّف يقرأ : «سيفرغ لكم» (٨) ويحيى بن وثاب كذلك والقراء بعد : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) «وبعضهم [يقرأ «سيفرغ لكم»] (٩) وهذا من الله وعيد لأنه عزوجل لا يشغله شىء عن شىء ، وأنت قائل للرجل الذي لا شغل له : قد فرغت لى ، قد فرغت لشتمى. أي : قد أخذت فيه ، وأقبلت عليه.

وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) (٣٣) ولم يقل : إن استطعتما ، ولو كان لكان صوابا ، كما قال : (يرسل عليكما) ، ولم يقل :

__________________

(١) سقط فى ح ، ش.

(٢) فى ش : يخفضان.

(٣) مثبت فى ب.

(٤) زيادة من ش.

(٥) فى ح ، ش : ربك تعالى.

(٦) ورد فى النسخة ب : بعد قوله : غير مهموز ... وقبل قوله : قال : وسألت الفراء ...

(٧) زيادة فى ح :

(٨) فى ش : سنفرغ.

(٩) سقط فى ح ، ش.

١١٦

عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ، فثنى فى : عليكما ، وفى : تنتصران للّفظ ، والجمع على المعنى. والنحاس : يرفع ، ولو خفض كان صوابا يراد : من نار ومن نحاس.

والشواظ : النار المحضة. والنحاس : الدخان. أنشدنى بعضهم :

يضىء كضوء سراج السلي

ط لم يجعل الله منه نحاسا (١)

قال الفراء : قال لى أعرابى من بنى سليم : السليط : دهن السنام ، وليس له دخان إذا استصبح به.

وسمعت أنه الخلّ وهو دهن السمسم. وسمعت أنه الزيت. والزيت أصوب فيما أرى.

وقرأ الحسن : (شواظ) بكسر الشين كما يقال للصوار من البقر صوار وصوار.

وقوله : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) (٣٧) أراد بالوردة الفرس ، الوردة تكون فى الربيع وردة إلى الصفرة ، فإذا اشتد البرد كانت وردة حمراء ، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة ، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخيل ، وشبهت الوردة فى اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه.

ويقال : إن الدهان الأديم (٢) الأحمر.

وقوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) والمعنى : لا يسأل إنس عن ذنبه ، ولا جان عن ذنبه ؛ لأنهم يعرفون بسيماهم كما وصف الله : فالكافر (٣) يعرف بسواد وجهه ، وزرقة عينه ، والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه

وقوله : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) (٤٣) وهى فى قراءة عبد الله : هذه جهنم (٤) التي كنتما بها تكذبان ، تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان تطوفان.

وقوله : (يَطُوفُونَ (٥) بَيْنَها) (٤٤)

__________________

(١) البيت للنابغة الديوان انظر تفسير الطبري ٢٧ / ٧٤ والقرطبي ١٧ / ١٧٢ وفى ب ، ح ، ش فيه مكان منه.

(٣) فى ح ، ش : الكافر.

(٢ ، ٤) سقط فى : ح.

(٥) فى ب : بطوفان سهو من الناسخ.

١١٧

بين عذاب جهنم وبين الحميم إذا عطشوا ، والآنى : الذي قد انتهت شدّة حره.

وقوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤٦)

ذكر المفسرون : أنهما بستاتان من بساتين الجنة ، وقد يكون فى العربية : جنة تثنيها العرب فى أشعارها ؛ أنشدنى بعضهم :

ومهمين قذفين مرتين

قطعته [بالأمّ] لا بالسّمتين (١)

يريد : مهمها وسمتا واحدا ، وأنشدنى آخر :

يسعى بكيداء ولهذمين

قد جعل الأرطاة جنتين

وذلك أن الشعر له قواف يقيمها الزيادة والنقصان ، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام.

قال الفراء : الكيداء : القوس ، ويقال : لهذم ولهذم لغتان ، وهو السهم.

وقوله : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) (٥٤) الإستبرق : ما غلظ من الديباج ، وقد تكون البطانة : ظهارة ، والظهارة بطانة فى كلام العرب ، وذلك أن كل واحد منهما [١٩٠ / ا] قد يكون وجها ، وقد تقول العرب : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي تراه.

قال : وأخبرنى بعض فصحاء المحدثين عن ابن الزبير يعيب قتلة عثمان رحمه‌الله فقال : خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية ، فقتلهم الله كلّ قتلة ، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب.

يريد : هربوا ليلا ، فجعل ظهور الكواكب بطونا ، وذلك جائز على ما أخبرتك به.

وقوله : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ [إِنْسٌ]) (٢) (٥٦) قرأت القراء كلهم بكسر الميم فى يطمثهن. حدثنا الفراء قال : وحدثنى رجل عن أبى اسحق

__________________

(١) فى القرطبي : بالسمت لا بالسمتين ـ لخطام المجاشعي ، ويروى البيت الثاني : جبتهما بالنعت لا بالنعتين والقذف : البعيد من الأرض. والموت : الأرض لا ماء فيها ولا نبات. الكتاب : ١ : ٢٤١ ، والخزانة : ١ : ٣٧٦ ، وشرح شواهد الشافية : ٦٠ ، ٩٤.

(٢) التكملة من ب.

١١٨

قال : كنت أصلى خلف أصحاب على ، وأصحاب عبد الله فاسمعهم يقرءون (لم يطمثهن) برفع الميم. وكان الكسائي يقرأ : واحدة برفع الميم ، والأخرى بكسر الميم لئلا يخرج من هذين الأثرين وهما : لم (١) يطمثهن (٢) ، لم يفتضضهن (قال وطمثها أي : نكحها (٣) ، وذلك لحال (٤) الدم (٥))

وقوله : (مُدْهامَّتانِ) (٦٤) يقول : خضراوان إلى السواد من الري.

وقوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (٦٨).

يقول بعض المفسرين : ليس الرمان ولا النخل بفاكهة ، وقد ذهبوا مذهبا ، ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة.

فإن قلت : فكيف أعيد النخل والرمان إن كانا من الفاكهة؟

قلت : ذلك كقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٦). وقد أمرهم بالمحافظة على كل الصلوات ، ثم أعاد العصر تشديدا لها ، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبا لأهل الجنة ، ومثله قوله فى الحج : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ). (٧) ثم قال : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ). وقد ذكرهم فى أول الكلمة فى قوله : (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، وقد قال بعض المفسرين : إنما أراد بقوله : (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) الملائكة ، ثم ذكر الناس بعدهم.

وقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) (٧٠).

__________________

(١) سقط فى ش.

(٢) فى الإتحاف : ٤٠٦ قرأ الكسائي بضم الميم فى الأول فقط ، فيما رواه كثير من الأئمة عنه ، وروى الآخرون كسر الأول. وضم الثاني عن أبى الحارث.

وروى بعضهم عن أبى الحارث الكسر فيهما معا. وروى بعضهم عنه ضمهما.

وروى ابن مجاهد بالضم والكسر فيما ، لا يبالى كيف يقرؤهما.

وروى الأكثرون التخيير فى أحدهما عن الكسائي من روايتيه بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني ، وإذا كسر الأول ضم الثاني. هذا وقد ذكرت (لم يطمثهن) الأخرى فى الآية ٧٤ من هذه السورة.

(٣) فى (ا) يقال : طمثها إذا نكحها.

(٤) فى ش : لحام خطأ من الناسخ.

(٥) ورد ما بين القوسين فى هامش النسختين ا ، ب.

(٦) سورة البقرة الآية : ٢٣٨.

(٧) سورة الحج الآية : ١٨.

١١٩

رجع إلى الجنان الأربع : جنتان ، وجنتان ، فقال : فيهن ، والعرب تقول : أعطنى الخيرة منهن ، والخيرة منهن ، والخيّرة منهن ، ولو قرأ قارئ : الخيرات ، أو الخيّرات كانتا صوابا.

وقوله : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ) (٧٢).

قصرن عن أزواجهن ، أي حبسن ، فلا يردن غيرهم ، ولا يطمحن (١) إلى سواهم ، والعرب تسمى الحجلة المقصورة ، والقصورة ، ويسمون المقصورة من النساء : قصورة :

وقال الشاعر (٢) :

لعمرى لقد حببت كلّ قصورة

إلىّ وما تدرى بذاك القصائر

عنيت قصورات الحجال ولم أرد

قصار الخطا ، شرّ النساء البحاتر (٣)

والبهاتر ، وهما جميعا القصيرتان ، والرجل يقال له : بحتر ، وبحترى ، وبحترة ، وبحترية.

وقوله : (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) (٧٦).

ذكروا أنها رياض الجنة ، وقال بعضهم : هى المخاد (٤) ، (وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) (٧٦) الطنافس الثخان.

[حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال] (٥) حدثنا الفراء قال : وحدثنى معاذ بن مسلم بن أبى سادة قال :

كان [١٩٠ / ب] جارك زهير القرقبى يقرأ : متكئين على رفارف خضر وعباقرى حسان.

قال : الرفارف (٦) ـ قد يكون صوابا ، وأما العباقرى فلا ؛ لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف ، ولا ثلاثة صحاح.

__________________

(١) فى ش : لا يطحن ، تحريف.

(٢) هو كثيّر عزة ، وقد أوردهما ابن سيده فى المخصص : ١٢ : ٩٦ ، والقرطبي فى تفسيره؟ كما يلى :

وأنت التي حببت كلّ قصيرة

إلىّ وما تدرى بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ، ولم أرد

قصار الخطا ، شرّ النساء البحاتر

وفى البحر المحيط : ولم تشعر مكان : وما تدرى.

(٣) البحاتر : جمع بحترة ، بضم الباء ، القصيرة المجتمعة الخلق.

(٤) فى الأصل : المحابس ، ولا معنى لها هنا ، والتصحيح من مفردات القرآن للراغب الأصفهانى؟.

(٥) الزيادة من ش.

(٦) فى ب ، ش : فالرفارف.

١٢٠