خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ٢

السيد صدر الدين الصدر

خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد صدر الدين الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

بقائها ولا يقدح فيه زوال الاسم وان كان باعتبار المسمّى اعتبر بقاء التّسمية ولا يجدى مع زوالها بقاء الحقيقة ولا يلزم العلم بالبقاء واقعا بل يكفى ثبوته فى الظّاهر ولو بالاستصحاب وموضوع هذا الاستصحاب ليس نفس الموضوع ليلزم الدّور بل مادة الموضوع فى استصحاب حقيقية الصّورية ومعروضة باستصحاب عوارضه المعتبرة فى التّسمية وبقائهما معلوم ولو فرض الشّك فى بقاء المعروض فى القسم الثّانى استصحب ايضا كما فى القسم الاوّل وبالجملة فمحصّل هذا الشّرط ان يتحد الموضوع بالأعتبار الّذى هو بحسبه موضوع فلو تعدد الموضوع يتعدّد الحقيقة فيما موضوعه الحقيقة او المسمّى لم يجرو ان اتحدت المادة فى الأوّل والحقيقة فى الثّانى فالاوّل كالحطب المتنجّس اذا استحال رمادا او دخانا والماء المتنجّس اذا استحال فاكهة وبخارا والغذاء المتنجّس اذا استحال جزء لحيوان طاهر الى غير ذلك والثّانى كانقلاب الخمر خلّا وانتقال الدّم من ذى النّفس الى غيره على وجه لا يضاف حقيقة الّا اليه كما فى القمّل والبعوضة والا جرى فيه الأستصحاب كالدّم المنتقل الى جوف الطّاير والشّاة ونحوهما فيستصحب حكمه السّابق من طهارة ونجاسة والفرق بين المقامين انّ عروض النّجاسة العرضية على الأعيان المتنجّسة انّما هو باعتبار كونها اعيانا لاقت نجاسة برطوبة ولا مدخل للأسم فى ذلك بخلاف لحوق النّجاسة والتّحريم للخمر والدّم من ذوى النّفس فانّ لحوقهما لهما انّما باعتبار كونهما خمرا ودما لذى النّفس لأنّ ذلك هو العنوان الّذى اعتبره الشّارع فى اثبات الحكم فصّح انّ موضوعيّة الاوّل باعتبار الحقيقة والثانى باعتبار المسمّى ثم الاصل فى هذا الاشتراط هو انّ الاصل فى حجّية الأستصحاب فى امثال هذه الموارد الاخبار وهى انّما تساعد على حجّيته مع بقاء موضوع الحكم على الوجه الّذى هو موضوع الحكم لا مع انتفائه لدلالتها على ما عرفت على حجّية الأستصحاب فيما يكون من شانه البقاء لو لا طروّ المانع وليس من مقتضى الحكم المتعلّق بعنوان مخصوص او عين مخصوصة تعدّيه الى عنوان اخر او عين اخرى ويؤيّده ملاحظة موارده الّتى وردت تلك الأخبار فى بيانها ويؤكدّه ملاحظة السّيرة المستمرّة الجارية فى الامثلة المذكورة ونظايرها فاتّضح ممّا حقّقناه انّ الحكم بطهارة الخمر وحلّيتها من حيث الأنقلاب وبطهارة الدّم من حيث الأنتقال على ما مرّ على حسب الاصل وان كان الحكم بطهارة محلّ الخمر المتنجّس بملاقاتها تبعا لها على خلاف الأصل ولهذا يقتصر فيه على مورد النّصّ وهو انقلابها خلا ولو فرض الأنقلاب فى الهواء وبين الماء الكثير او حال الجمود لم يكن فى حكمها المذكور ما يوجب الخروج عن مقتضى الأصل سواء كان الى الخلّ او الدّبس او غيرهما فما ذكره بعض الاجلاء من انّ قضيّة الاستصحاب نجاسة فقيع الزّبيب بالغليان لثبوتها له حال العنبية فيستصحب مما لا وجه له على ما ذكرناه وكذا ما تخيّله بعضهم من انّ عموم اخبار الباب ما يتناول ما اذا حصل اليقين بشيئ ثم عاد شكا لانّه ان اريد تناولها له باعتبار كونها يقينا بالشّيئ ففيه انّ الظّاهر من نقض اليقين بالشّك نقض ما هو يقين حال النّقض لا ما كان يقينا قبله وقد مرّ توضيحه فى مسئلة المشتق وان اريد استصحاب حكم ذلك اليقين فهو وان كان

٤١

يقينا فعليّا الّا ان اليقين السّابق لم يقتضيه مطلقا بل ما دام ثابتا فلا سبيل الى استصحابه بعد ذلك اليقين لزوال المقتضى وامّا الأعمال الواقعة على حسب ذلك المتيقن حال حصوله فلا يحكم بفسادها بمجرد زواله كما لو تيقّن ملك شيئ فباعه او اوقفه ثم شكّ بمضى البيع او الوقف ويؤيّده قوله (ع) لانّه حين فعله كان اذكر وقس على ذلك زوال الظّن حيث يعتبر كما فى عدد الركعات ثم الوحدة المعتبرة فى المقام هى الوحدة العرفية لمساعدة ظاهر الأخبار الّتى هى الاصل فى المقام عليها فحيث يكون موضوعية الموضوع باعتبار الحقيقة لم يقدح تعدّدها بحسب العقل ما دامت باقية على وحدتها العرفية كما فى الحبوب المتنجّسة اذا صارت دقيقا والعجين المتنجّس اذا صار خبزا وكما فى صيرورة متنجّس الدّبس خلّا والحطب فحما والطّين خزفا واجرا والماء ثلجا ونحو ذلك فانّ الحقيقة وان تعدد فى المذكورات عقلا نظرا الى تعدّد فصولها المتقومة بها الموجبة لتعدّد الحقيقة الّا انّها بحسب العرف تعدّ حقيقة واحدة وتعدّ الاختلاف الطّارى عليها من باب الأختلاف فى الصّفات وان اختلفت الأسامى عندهم بحسب اختلافها فانّ الأسم قد يزول ولا يزول حقيقة المسمّى وذلك حيث يكون التّسمية بازاء الحقيقة مع صفة من صفاتها شطرا او شرطا فتزول التّسمية بزوال الصّفة بخلاف الحقيقة

القول فى القياس

فصل اختلف اصحابنا فى حجّية القياس المنصوص العلّة فالمعروف بينهم انّه حجّة فيتعدّ الحكم الى موارد العلّة وذهب بعضهم كالسّيّد الى المنع وقد وقع النّزاع هنا فى مقامين الاول انّ التعليل بالعلّة المضافة الى الاصل كقولنا حرمت الخمر لاسكارها هل يقتضى عدم مدخلية الأضافة فى العلّة كاضافة الأسكار الى الخمر فتكون العلّة هو الامر المطلق المتحقّق فى بقية موارده اولا فيكون الثّابت هو غلبة المقيّد المقصور على اصل الاسكار المخصوص بالخمر والنّزاع على هذا لفظى لغوىّ والثّانى انّه اذا ثبت عليّة امر لحكم فى مورد من غير ان يكون لخصوص المورد مدخل فيه فهل يثبت علّيته له فى ساير موارد ثبوته فيتعدى الحكم اليها اولا بل يقتصر به على مورد الثّبوت والنّزاع على هذا عقلى معنوى ويظهر من العلّامة اختصاص النّزاع بالمقام الأوّل مشعرا بنفيه على المقام الثّانى وحكى فى المعالم عن السيّد مخالفته فى المقام الثّانى وكيف كان فالمختار فى المقام الاوّل ظهور اللّفظ فى علية المطلق وفى المقام الثانى لزوم تحقق الحكم فى موارد تحقق العلّة لنا على الأوّل قضاء العرف فانّ المفهوم من نحو حرمت الخمر لأسكارها انّ العلّة فى التحريم هى الأسكار المطلق المتحقّق فيها من غير ان يكون للخصوصيّة مدخل فى ذلك وكذا الخال فى نظائره الا ترى انّ قول الطّبيب لا تاكل هذا الشّيئ لانّه حارّ او يابس يدلّ عرفا على المنع من اكل كلّ حارّ او يابس دون خصوص الشّيئ المذكور حجة الخصم انّ اضافة الاسكار الى ضمير الخمر تفيد التّقييد بها وعليّة المقيّد لا تستلزم عليّة المطلق وايضا الاسكار اسم معنى واضافته يفيد الاختصاص فيكون مفاد التّعليل عليّة الأسكار المختصّ بالخمر فلا يتعدّى الى اسكار غيرها والجواب انّه لا كلام فى انّ علّة تحريم الخمر الاسكار

٤٢

المقيّد بها واختصّ بها بمعنى عدم مشاركة اسكار غير الخمر فى حرمته وانّما الكلام فى انّ علّته هل هو من حيث كونه اسكارا مطلقا او مقيّدا وقد عرفت انّ المتبادر منه عرفا هو الأوّل فيجب التّعويل عليه ولنا على المقام الثّانى انّه اذا ثبت عليّة امر لحكم عليّة تامّة وجب ثبوته فى جميع موارده اذ لو انفكّ عنها لكان امّا من جهة اشتراطه بامر غير حاصل كعدم حصوله فى ذلك المورد او عدم حصول امر اخر فيه فيلزم عدم تماميّة العلّة وقد فرضناها تامّة اوّلا فيلزم تخلف المعلول عن علّته التّامّة وكلاهما متّضح الأستحالة احتج السّيّد بانّ علل الشّرع انّما تنبأ عن الدّواعى الى الفعل او عن وجه المصلحة فيه وقد يشترك الشّيئان فى صفة واحدة ويكون فى احدهما داعى الى فعله دون الاخر مع ثبوتها فيه قال وهذا باب فى الدّواعى معروف واذا صحّت هذه الجملة لم يكن فى النّصّ على العلّة ما يوجب التخطّى والقياس وجرى النّص على العلّة مجرى النّص على الحكم فى قصره على موضعه هذا كلامه على ما حكاه فى المعالم ودلالته على المخالفة فى المقام الثّانى غير واضحة اذ محصّل كلامه انّ تأثير الشّيئ ممّا يختلف باختلاف المحالّ والموادّ فقد يؤثر الشّيئ فى محلّ دون اخر وفى مادة دون اخرى وهذا صالح للتّنزيل على المنع فى المقام الاوّل لحمله على المنع من استلزام عليّة العلّة للحكم فى موارد عليّتها له فى ساير الموارد سواء حمل العلّة فى كلامه على العلّة التّامّة او النّاقصة او الأعمّ فيعتبر العليّة على الأوّل بالنّسبة الى الامر المقيّد بالمورد الخاصّ ولا ريب انّ عليّتها مع انضمام الخصوصيّة تامّة وتعتبر على الاخرين بالنّسبة الى الأمر المطلق وعلى المنع فى المقام الثّانى بحمله على المنع من استلزام عليّة العلّة للحكم فى مورد عليّتها له فى غيره مع تسليم كونها علّة تامّة للحكم المطلق لكن وضوح فساد الثّانى يمنع من تنزيل كلام مثله عليه فيتعيّن الحمل علّى الأول وربّما كان فى كلامه تلويحات اليه وكيف كان نقول انّ علل الشّرع على ضربين الأوّل العلل المجعولة فى الشّرع عللا واسبابا لأحكام مخصوصة كعليّة الحدث لوجوب الطّهارة وشبه ذلك وهذا النّوع من العلل معرّفات لا عللا حقيقيّة لحصرها فى الأربع وليس هى منها الثّانى العلل الّتى هى منشأ الحكم وجهات حسن تشريعه كاسكار الخمر وهى علل حقيقيّة اذ مرجعها الى العلّة الغائية فانّ المقصود من تحريم الخمر حفظ المكلّف عن السّكر وفساد العقل اذا عرفت هذا فنقول اذا كانت العلّة المنصوصة من القسم الثانى دار الحكم مدارها اينما وجدت كما عرفت تتمة القياس بالطّريق الاولى هو القياس الّذى تكون علّة الحكم فى الفرع اقوى من الأصل ولا بدّ فى الحجّية من العلم بها ويكونها كافية فى ثبوت الحكم وبتحققها فى الفرع ولا يكفى مجرّد الظن باصل العلّة او بتماميّتها او بتحقّقها فى الفرع ما لم يكن باحد الظّنون المعتبرة

القول فى الاجتهاد والتقليد

مقدمة الأجتهاد لغة تحمل الجهد والمشقة فى تحصيل امر وعرف عرفا بتعاريف اعرفها ما ذكره الحاجى وتبعه جماعة من انّه استفراغ الفقيه الوسع فى تحصيل الظّن يحكم شرعىّ فالأستفراغ جنس ويخرج بتقييده بالقيود المذكورة استفراغ غير الفقيه واستفراغه بغير الوضع واستفراغه فى غير تحصيل الظّن او فى تحصيل الظّن بغير الحكم الشّرعى

٤٣

فصل ينقسم المجتهد الى مطلق ومتجزّى قالوا والمراد بالمجتهد المطلق من له ملكة تحصيل الظّنّ فى جميع الأحكام والمتجزى من له ملكة البعض خاصّة ويشكل تعذّر تحصيل الظّنّ فى جميع الاحكام عادة لقصور الأدلّة احيانا فالأولى ان يقال بجملة من الأحكام يعتدّ بها اذا عرفت ذلك نقول امّا المجتهد المطلق فلا ريب فى انّ ظنونه الذى ادّى نظره الى حجّيتها حجّة فى حقه وحق مقلّديه مع وجود ساير الشّرايط وهو اجماعىّ بل ضرورى ويدلّ عليه مضافا الى ذلك العقل والنّقل امّا الأوّل فلانّ انسداد باب العلم المعلوم بالوجدان وبقاء التّكليف بالأحكام المعلوم بالضّرورة يوجبان عقلا جواز تعويل العالم على ظنّه بالبيان الّذى سلف وتعويل غيره عليه دفعا للتّكليف بما لا يطاق وامّا النّقل فلقوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وتفسيره فى جملة من الأخبار بالائمة (ع) لا ينافى عمومه لجوازان يكون ذلك من باب بيان الفرد الأكمل والاظهر دون التخصيص وقوله جل اسمه انّ الّذين يكتمون ما انزلنا من البيّنات الاية فانّ ترك الكتمان يتحقّق بابراز الحكم بطريق الفتوى والزّاوية ووجوبه يدل على وجوب القبول والّا لكان هذرا وعبثا وقوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الى قوله (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فانّ الانذار كما يكون بطريق الرّواية كذلك يكون بطريق الفتوى واطلاقه يدلّ على مقبوليّته بالوجهين ولا يقدح عدم حجّية الأول فى حق العامى والثّانى فى حق المجتهد لخروجه بالاجماع وغيره فيبقى الاطلاق سليما فى الباقى وقد تقدّم الكلام فى هذه الايات وكالأخبار الدّالّة على ذلك منها قول ابى جعفر (ع) لابان بن تغلب اجلس فى مسجد الكوفة وافت النّاس فانى احيب ان يرى فى شيعتى مثلك وعن الصّادق عليه‌السلام من علّم خيرا فله اجر من عمل به قلت فان علّمه غيره يجرى ذلك قال ان علم النّاس كلّهم جرى له قلت فان مات قال وان مات فانّه بعمومه يتناول الفتوى والرّواية وعن الرّضا عليه لسّلم يقال للفقيه يعنى يوم القيمة يا ايّها الكافل لايتام ال محمّد (ص) الهادى ضعفاء محّبيهم ومواليهم قف حتى نشفع لكلّ من اخذ منك او تعلّم منك فيقف فيدخل الجنّة ومعه فئام وفئام وفئام حتى قال عشرا وهم الّذين اخذوا عنه علومهم واخذوا عمّن اخذ عنه الى يوم القيمة فانه كسابقه يعمّ الأخذ بطريق الفتوى والرّواية لكن يشكل بانّ تعميمها الى الفتوى يستلزم جواز تقليد الأموات كما يدلّ عليه قوله (ع) عمّن اخذ عنه الى يوم القيمة وهذا غير مرضىّ عند الاكثر ويمكن دفعه بانّ المراد من اخذهم عمن اخذ ما يعمّ الفتوى والرّواية وتعليم كيفيّة الاستنباط يتخصّ الأخذ بالفتوى بحال الحيوة جمعا بينه وبين الوجوه الاتية فى محلّها وفى مقبولة عمر بن حنظله انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر فى حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فلترضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما يحكم الله استخفّ وعلينا رد والرّاد علينا رادّ على الله وهو على حدّ الشّرك بالله بناء على تعميم الحكم الى ما يتناول الفتوى ولا ينافى ذلك ورودها فى مقام المنازعة لانّ المتداعيين قد يتفقان فى الموضوع ويختلفان فى الحكم من غير بصيرة فيكتفيان بالفتوى من غير حكومة وقريب منها رواية ابى خديجة قال بعثنى ابو عبد الله (ع) الى اصحابنا فقال قل لهم ايّاكم اذا وقعت بينكم او دعوى خصومة او تدارى بينكم فى شيئ من الأخذ والعطاء ان تحاكموا الى احد من هؤلاء الفسّاق اجعلوا بينكم رجلا

٤٤

ممّن عرف حلالنا وحرامنا فانّى قد جعلته قاضيا الحديث الى غير ذلك وانكار بعض من لا تحقيق له من الفرقة الموسومة بالأخبارية حقيقة امر الأجتهاد بالكلّية لزعمهم انّ الأخبار قطعيّة المتن والدّلالة فلا سبيل الى الاخذ بالظّنون الأجتهادية مكابرة بيّنة ومباهلة جليّة وهل هو الّا قول زور او كلام صدر من غير شعور ولقد اغنى فى فساده العيان عن اقامة الحجّة عليه والبرهان وتشبّثهم فى ذلك بما ورد فى الكتاب العزيز من الذّم على اتّباع الظّن وما ورد فى الاخبار من النّهى عن القول براى مدفوع بان الذّم على اتّباع الظّن فى اصول الدّين او الظّن الّذى لا دليل على جواز اتباعه فانّ اتّباع الظّن الّذى قام دليل قاطع على وجوب اتباعه اتّباع لذلك الدّليل القاطع عند التحقيق دون الظّن وقد سبق الكلام فى ذلك والرّاى عبارة عن القول بالهوى والتّشهىّ من القياس والاستحسان فانّ الأخذ بالكتاب والسنة او ما يرجع اليهما لا يسمّى قولا بالرّاى ومثل ذلك منع البعض من جواز التّقليد وسيأتى الكلام فيه فصل واما القسم الثّانى وهو المتجزّى فقد وقع البحث فيه فى مواضع الاول فقد اطبق المحققون ظاهرا على امكان بلوغ النّاظر فى الأحكام الشّرعية درجة من العلم بحيث يتمكن من معرفة بعض الأحكام دون بعض وهذا هو الحقّ بدليل وقوعه المعلوم بالوجدان الثانى فى حجّية ظنّه فى حقه وهو موضع خلاف بين القائلين بامكانه ونسب الى الاكثر القول بحجّية والظّاهر انّه وهم وكيف كان فقد استدلّوا بوجوه الاول انّ المتجزّى اذا استفرغ وسعه فى مسئلة فقد ساوى المجتهد المطلق فيها وقصوره عن غيره لا مدخل له فى معرفة تلك المسئلة وح فكما جاز للمجتهد المطلق التعويل على نظره فكذلك المتجزّى والجواب انّه قياس مستنبط لجواز ان يكون لعموم القدرة مدخل فى جواز التّعويل عليه الثانى انّ قضيّة انسداد باب العلم وبقاء التّكليف يعيّن التّعويل على الظّن ولا ريب انّ المتجزى اذا حصل له الظّن على خلاف ظنّ المجتهد المطلق كان ظنّه عنده وهما ضرورة انّ رجحان احد النّقيضين يستلزم مرجوحيّة الاخر فيتعيّن عليه الأخذ بظنّه والجواب انّ انسداد باب العلم انّما يوجب جواز التّعويل على الطّرق الظّنّية كما عرفت لا على مطلق الظّن فى الأحكام الثالث انّ ما دلّ من الكتاب والسّنة على حجّية الأدلّة المقرّرة فى حق المجتهد المطلق يدلّ بعمومه على حجّيتها فى حق المتجزّى ايضا والجواب منع العموم ولو سلّم فهو معارض بظهور بعضها بالمجتهد المطلق بالمعنى الّذى ذكرناه حجة القول بالمنع وجوه منها استصحاب ما كان وظيفته قبل التجزىّ من التّقليد اذ لا قطع بارتفاعها به وهذه الحجّة مبنيّة على القول بحجّية الاستصحاب ولو عند الشّكّ فى قدح العارض وفيه انّه اخصّ من المدّعى ومنها انّ المتجزى غير عالم بالحكم اذ لا قطع له بحجّية مؤدّى الظّنّ فشأنه الرّجوع الى المجتهد المطلق لانّ ذلك وظيفة الجاهل ويشكل بمنع كلية الكبرى اذلا اجماع فى رجوع مثل هذا الجاهل ومنها انّ صحّة اجتهاد المتجزّى مبنيّة على صحّة اجتهاده فى جواز التّجزى وصحّة اجتهاده فيه مبنيّة على صحّة اجتهاده فى المسائل فيدور والجواب امكان ان يكون مجتهدا مطلقا فى الاصول دون الفقه فلا دور والتّحقيق فى جواز تعويله على ظنّه وعدمه رجحان امارة التّقليد فى حق المتجزّى قضاء لحكم الأستصحاب وامّا من بلغ متجزّيا فالأدلّة متعارضة فى حقه وقضيّة ذلك التّخيير فى مورد التّعارض ولو عجز عن الأجتهاد

٤٥

فى مسئلة التّجزّى رجع الى المجتهد المطلق ولا يجوز له استفراغ الوسع قبل رجوعه او بعد فتوى المجتهد المطلق بعد الجواز الثالث فى حجّية فطره فى حق غيره والحق عدم حجّية مع التمكن من الرجوع فى المجتهد المطلق للأصل ويظهر من رواية ابى خديجة المتقدمة بناء على ما فهموا منها جواز المرافعة اليه فى الحكومات وهو يستلزم جواز المرافعة اليه فى الفتوى ايضا فى ما يظهر من الأصحاب لكن قد عرفت ضعف الرّواية سندا ودلالة وعدم نهوضها دليلا وحجّة فصل يعتبر فى المجتهد المطلق ان يكون متمكنا من استنباط الأحكام الشّرعيّة الفرعيّة وذلك يتمّ بامور منها معرفة اللّغة والنّحو والتّصريف لانّ من جملة الأدلّة الكتاب والسّنة وهما عربيان لا يمكن معرفة معاينهما الّا بالعلوم المذكورة بمقدار الحاجة ويدخل فى معرفة اللغة معرفة المعانى العرفية فى زمن النّبى (ص) والأئمة (ع) وزاد بعضهم معرفة المعانى والبيان لتوقف معرفة جملة من النّكات الأدبيّة عليه وهو حسن ومنها ما يبتنى صورة الأستدلال عليه من الباحث المنطقيّة تمييزا بين صحيح الدّليل وفاسده وربّما يقل الحاجة اليها لانّ الغالب فى مقام الأستدلال صورة الدّليل على هيئة الشّكل الاول او القياس الأستثنائى وكلاهما متضحا الانتاج فيندر موارد الأحتياج ومنها معرفة ما يتوقف عليه حجّية الأدلّة من علم الكلام كوجوده تعالى وعلمه وحكمته ورسالة الرّسول وخلافة اوصيائه وحجّية اقوالهم وقد يتوقف العلم ببعض الأحكام على معرفة بعض مباحث الأمور العامّة او الجواهر والأعراض ومنها علم الأصول لانّ مقاصد الفقه نظرية مستنبطة من ادلّة مخصوصة فلا بدّ من تعيين تلك الأدلّة ومعرفة طرق الاستنباط منها وقد وقع النّزاع فى كثير من مباحثها فيتوقّف معرفتهما على معرفة مداركهما والمتكفّل لذلك علم الأصول ومنها معرفة حجّية الكتاب والسّنة وجملة من المدارك الفقهيّة ووجوه التّرجيح عند التّعارض ومنها معرفة احوال الرّجال ولو بالرّجوع الى الكتب المعتمدة لانّ ما بايدينا ليست باجمعها معتبرة فيتوقف معرفة ما هو معتبر وما ليس بمعتبر عليه ومن زعم انّ اخبار الكتب الأربعة قطعيّة الصّدور فقد خالف الوجدان ومنها معرفة الادلّة الشّرعيّة من الكتاب والسّنة والأجماع والعقل فعلا او قوّة قريبة منه كما هو ظاهر ومنها ان يكون له قوّة يتمكّن به من ردّ الفروع الى الأصول على وجه يعتدّ به عند اهل الصّناعة وهى المعبر عنها بالقوّة القدسيّة وتشخيصها منوط بمراجعة اهل الخبرة ومنها ان يكون عالما بجملة يعتدّ بها من الأحكام فعليا بحيث يسمّى فى العرف فقيها وهذا الشّرط ذكره بعض افاضل متاخّرى المتاخرين والتحقيق انّ الملكة المعتبرة فى الأجتهاد المطلق لا تحصل غالبا الّا بالممارسة المستلزمة للفعلية المذكورة فهى طريق الى حصول الملكة غالبا لاشترط فى الأعتداد بها نعم لا يبعد اعتبارها فى صدق اسم الفقيه عرفا فصل التّحقيق انّ لله تعالى فى كل واقعة حكما معيّنا فى الواقع والمجتهد ان ادركه فقد اصاب والّا فقد اخطأ وانّه غير اثم فى خطائه لنا على اصل التّخطئة وجوه منها اجماع اصحابنا الأماميّة على ذلك ومنها تواتر الأخبار ودلالتها على انّ لله فى كلّ واقعة حكما معيّنا وهى وان كانت مختلفة الألفاظ الّا انّها مشتركة الدّلالة على ما ذكرنا فهى متواترة بالمعنى ومنها انّه قد تقرّر عند العدلية انّ احكامه تابعة لمصالح واقعيّة

٤٦

فى مواردها لاحقة لذواتها او لوجوه واعتبارات طارية عليها وحينئذ فما من واقعة الّا ولها حكم معيّن يتوقّف تعلّقه بالمكلف على زوال جهله ولا فعلى بالحكم الواقعى الّا هذا ومنها انّه لو اصاب كلّ مجتهد لزم الجمع بين المتنافيين وهو قطعه بالحكم مادام ظانّا والقطع والظّن متنافيان لا يتواردان على محلّ واحد ولا يلزم ذلك على المخطئة لتغاير المحلّ عندهم اذ مورد الظّن نفس الحكم ومورد القطع وجوب البناء عليه او مورد الظّن الحكم الواقعى ومورد القطع الحكم الظّاهرىّ وهما متغايران فصل اذا رجع المجتهد عن الفتوى انتقضت فى حقه بالنسبة الى مواردها المتاخّرة عن ومن الرّجوع قطعا وهو موضع وفاق ولا فرق فى ذلك بين ان يكون رجوعه من القطعى الى الظّنى او عن احدهما الى مثله ولا بين رجوعه عن الحكم الواقعى الى الظّاهرى او العكس او عن احدهما الى مثله ولا بين تذكره لمدارك قطعه او ظنّه السّابق وبين عدمه وان احتمل ان يقال فى ما لو لم يتذكّر انّه يبنى على مقتضى قطعه ما لم يعارضه مستند اقوى لانّه لا يقتصر عن نقل الأجماع لكنّه لو عول على هذا الأحتمال خرج عن محلّ البحث لأنّ الكلام على تقدير الرّجوع وامّا بالنّسبة الى مواردها الخاصّة الّتى يبنى فيها قبل رجوعه عليها فان قطع ببطلانها واقعا فالظّاهر وجوب التّعويل على قطعه عملا باطلاق ما دلّ على ثبوت الحكم المقطوع به وكذا لو قطع ببطلان دليله واقعا وان لم يقطع ببطلان نفس الحكم كما لو زعم حجّية القياس فافتى بمقتضاه ثم قطع ببطلانه لقطعه بانّ حكمه الواقعى حال الافتاء لم يكن ذلك ولانّ ثبوت الحكم الشّرعىّ يتوقف على قيام دليل ثابت الحجّية فان انكشف عدم الدليل انكشف عدم الحكم وفى الحاق القطع بقول المعصوم (ع) المحتمل للتّقية فى المقامين كما قد يستكشف عنه فى بعض اقسام الأجماع وجهان وان لم يقطع ببطلانها ولا ببطلانه فان كانت الواقعة عمّا يتعين فى وقوعها شرعا اخذها بمقتضى الفتوى فالظّاهر بقائها على مقتضاها السّابق فيترتّب عليها لوازمها بعد الرّجوع اذا الواقعة الواحدة لا تتحمّل الأجتهادين ولو بحسب زمانين لعدم الدّليل عليه ولئلّا يؤدّى الى العسر والحرج لعدم وقوف المجتهد غالبا على رأى واحد فيؤدّى الى الأختلال فيما يبنى منه عليها من الأعمال ولئلّا يرتفع الوثوق فى العمل من حيث انّ الرّجوع فى حقّه محتمل وهو مناف للحكمة الداعية الى تشريع حكم الأجتهاد ولا يعارض ذلك بصورة القطع لندرته وشذوذه ولأصالة بقاء اثار الواقعة اذ لا ريب فى ثبوتها قبل الرّجوع بالأجتهاد ولا قطع بارتفاعها بعده اذ لا دليل على تأثير الأجتهاد المتاخر فيها فانّ القدر الثّابت من ادلّة جواز الأعتماد عليه بالنّسبة الى غير ذلك فيستصحب وامّا عدم جريان الاصل بالنسبة الى نفس الحكم حيث لا يستصحب الى المورد المتاخّرة عن زمن الرّجوع فلمصادمة الأجماع مع اختصاص مورد الاستصحاب على ما حققناه بما يكون قضيّة البقاء على تقدير عدم طروّ المانع وليس بقائه بعد الرّجوع منه لأنّ الشّكّ فيه فى تحقق المقتضى لا فى طروّ المانع فان العلّة فى ثبوته هى ظنّه به وكونه مؤدّى نظره وقد زالت بعد الرّجوع فلو بقى الحكم بعد زوالها لاحتاج الى علّة اخرى وهى حادثة فيتعارض الاصلان اعنى اصالة بقاء الحكم واصالة عدم حدوث العلة وكون العلّة هنا اعداديّة واستغناء بعض الحوادث فى بقائها عن علّتها الأعداديّة غير مجد لأنّ الأصل

٤٧

بقاء الحجّة لثبوتهما عند الحدوث فتستصحب ولا يتوجّه مثله فى استصحاب بقاء الاثار وبعد الرجوع فانّ المقتضى لبقائها حينئذ متحقق وهو وقوع الواقعة على الوجه الّذى ثبت كونه مقتضيا لأستتباع اثارها وانّما قوله فى مانعيّة الرّجوع فيتوجّه التّمسّك فى بقائها بالأستصحاب وبالجملة فحكم رجوع المجتهد فى الفتوى فيما مرّ حكم النّسخ فى ارتفاع الحكم المنسوخ عن موارده المتأخّرة عنه وبقاء اثار موارده المتقدمة ان كان بها اثار وعلى ما قرّرها فلو بنى على عدم جزئية شيئ للعبادة وعدم شرطيته فاتى بها على الوجه الّذى بنى عليه ثم رجع بنى على صحّة ما اتى به حتى انّها لو كانت صلوة وبنى فيها على عدم وجوب السّورة ثم رجع بعد تجاوز المحلّ بنى على صحّتها من جهة ذلك او بنى على صحّتها فى شعر الأراتب والثّعالب ثمّ رجع ولو فى الأثناء اذا نزعها قبل الرّجوع وكذا لو بنى على طهارة شيئ ثم صلّى فى تلافيها ورجع ولو فى الأثناء وكذا لو تطهّر بما يراه طاهرا او طهورا ثم رجع ولو فى الاثناء فلا يلزمه الأستيناف وكذلك القول فى بقيّة مباحث العبادات وساير مسائل العقود والأيقاعات فلو عقل واوقع بصيغة يرى صحّتها استصحب احكامها من بقاء الملكيّة والزّوجيّة والبينونة والحرمة وغير ذلك ومن هذا الباب حكم الحاكم والظّاهر انّ انتقاضه بالرّجوع موضع وفاق ولا فرق بين بقاء حكم فتويه التى فرع عليه الحكم وعدمه فمن الاوّل ما لم ترافع اليه المتعاقدان بالفارسيّة فى النّكاح فحكم بالزّوجيّة او فى البيع فحكم بالنّقل والملكية فانّ فتويه التى يتفرّع عليها الحكم وهى صحّة ذلك العقد يبقى بعد الرّجوع ومن الثانى ما لو اشترى احد المتعاقدين لحم حيوان بقول الحاكم بحلّيته فترافعا اليه فحكم بصحّة العقد وانتقال الثّمن الى المشترى ثم رجع الى القول بالتحريم فانّ الحكم بصحّة العقد وانتقال الثّمن الى البايع يبقى بحاله ولا يبقى الحكم بحلّيته فى حق المشترى بحاله وهكذا وقد يتخيّل انّ الحاكم اذا حكم بطهارة ماء قليل لاقاه نجاسة وما اشبه ذلك ثم رجع لم ينتقض حكمه بالطّهارة بالنّسبة الى ذلك الماء للأجماع على انّ الحكم لا ينتقض بالرّجوع وهو غير جيد لأنّ المراد بالحكم هناك ما يتعلّق بالدّعاوى والمرافعات ولهذا لا يلزم متابعته فى الحكم بالطّهارة ولو كانت الواقعة مما لا يتعيّن اخذها بمقتضى الفتوى فالظّاهر تغيّر الحكم بتغيّر الأجتهاد كما لو بنى على حلّية حيوان فذكى ثم رجع بنى على تحريم المذكّى منه وغيره او على طهارة شيئ كعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنى على نجاسته ونجاسة ملاقيه قبل الرّجوع وبعده او على عدم تحريم الرضعات العشر فتزوج من ارضعته ذلك ثم رجع بنى على تحريمها لأنّ ذلك كلّه رجوع عن حكم الموضوع وهو لا يثبت بالأجتهاد على الأطلاق بل ما دام باقيا على اجتهاده فاذا رجع ارتفع كما يظهر من تطيّر ذلك بالنسخ وامّا الأفعال المتعلّقة بالموضوع المتفرعة على الأجتهاد السّابق فهى فى الحقيقة امّا من مشخّصات عنوان الموضوع كالملاقات او من المتفرعات على حكم الموضوع كالتّذكية والعقد ولا اثر لها فى بقاء حكم الموضوع وربّما امكن التّمسك فى بقاء الحكم فى هذه الصّور بلزوم الجرح وارتفاع الوثوق فى العمل الّا انّ ذلك مع انتقاضه بصورة الجهل والنّسيان والتّعويل على الظّواهر الّتى ينتقض حكمها عند ظهور الخلاف لا يصلح بمجرّده دليلا امّا الاوّل فلانّ الجرح المقتضى لسقوط التّكليف قد يكون شخصيا فيدور سقوط التكليف به مدار ثبوته وقد يكون

٤٨

نوعيّا وهذا وان لم يكن سقوط التّكليف به دائر مدار ثبوته لكن يعتبر تحقّقه فى النّوع غالبا والا فما من تكليف الّا وقد يتحقّق الحرج على بعض تقاديره وانتفاء الغلبة فى مقام معلوم وامّا الثّانى فوجه استحسانى لا ينهض دليلا وانّما تمسّكنا بذلك فى المقام السّابق على وجه التّاييد لا الأستدلال ومما قررنا يتّضح الحال فيما لو بنى فى الفروض السّابقة على التّحريم او النّجاسة ثم رجع فانه يبنى على مقتضى رجوعه لكن لا يبعد القول بتحريمه لا من جهة بقاء حكم الموضوع بل من جهة انّ التذكية صدرت منه حال عدم الأعتداد بها فى فتواه فى التحليل فلا يعتدّ بها بعد الرّجوع للأصل وكذا لو عقد على من يحرم عليه فى مذهبه ثم رجع فلا يستحلّها بذلك العقد وامّا لو بنى على الفتوى ولكن لم يبن عليها فى خصوص الواقعة اما لعدم علمه بها او لعدم تذكّره فيها للفتوى كما لو تزوج بمن ارضعته عشر رضعات وهو يقول فيها نبشر الحرمة او بعدمه وام يعلم بالواقعة او لم يتذكّر لفتويه فيها الّا بعد الرّجوع ففى البناء على مقتضى الفتوى السّابقة وعدمه وجهان يبتنيان على انّ الاحكام المستنده الى الأجتهاد هل يثبت فى حق صاحبه مطلقا او مع نبائه فى مواردها عليها فيعتبر علمه بها مع تذكره لفتويه فيها والثّانى اقرب اقتصارا فيما خالف الليل على موضع اليقين وممّا يؤيدّه او يدلّ عليه انّ الأحكام الثّابتة بالاجتهاد احكام ظاهريّة وهى لا تثبت الّا مع الجهل والغفلة وممّا قررنا يظهر حكم التقليد بالمقايسة فان المقلّد اذا رجع مجتهده عن الفتوى او عدل الى من يخالفه حيث يسوغ له العدول او بلغ درجة الأجتهاد وادّى نظره الى الخلاف فانّه يتصور فى حقه الصّور المذكورة ويجرى فيه الكلام المذكور تتمة اذا افتى المفتى لمقلّديه بحكم ثم رجع ففى وجوب اعلامه اياهم بذلك وجهان بل قولان يدلّ على الوجوب ظاهر قوله تعالى (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) وانّ فى ترك اعلامهم اغراء لهم بالجهل وترك لهم فيما هو باطل عنده ويدلّ على نفيه الأصل واستنباط المقلّد فى عمله الى طريق شرعى وهو استصحاب عدم الرّجوع فلا يجب ردعه كما لو قلّد مجتهدا اخر يخالفه فى المذهب وجريان طريقة السّلف على الظّاهر على خلاف ذلك وتعذّره غالبا لانتشار المقلّدين ولو قيل بالفرق بين ما لو قطع بالبطلان يجب الأعلام بقدر الامكان وبين ما اذا لم يقطع به فلا يجب كان قريبا ثم ما يقع من المقلّد بين رجوع المفتى وبين علمه برجوعه مما يأتى به على وجه للتقليد السّابق هل يلحق بما لو وقع منه قبل الرّجوع او لا وجهان وقضية الادلّة الّتى قررناها فى المبحث السّابق تعيين الاوّل ولو سهى المجتهد فى تعيين مؤدى نظره فعمل بغيره لم يعتدّ به مطلقا قضاء لحكم الاصل من بقاء الحكم الثابت فى حقّه بالاجتهاد ولعدم كون السّهو من الطّرق المعتبرة وكذا لو سهى المقلّد فى الحكم الثّابت فى حقه بالتقليد ومثله ما لو سهى فى اصل الأجتهاد او التقليد ولا يتعيّن على المقلّد حينئذ ان يأخذ بقول من يوافق زغمه السّابق للأصل

القول فى التقليد

مقدّمة التّقليد لغة تعليق القلادة فى العنق وعرفوه عرفا بالاخذ بقول الغير وينبغى ان يراد بقوله فتواه فى الحكم الشّرعى ولو ابدل به لكان اولى فان هذا هو المعنى المتداول فى العرف المبحوث عنه فى المقام ويخرج الأخذ بقول الراوى والشّاهد وحكم الحاكم واخذ الاعمى بقول الغير فى معرفة الوقت والقبلة فانّ شيئا من ذلك لا يسمّى تقليدا وان

٤٩

اطلق على الاخير فى لسان الفقهاء فصل لا ريب فى جواز التّقليد لغير المجتهد مع عدم حضور المعصوم للقطع ببقاء التّكليف بالأحكام وانسداد طريق تحصيلها فى حقّه بغير طريق التقليد غالبا ولجريان طريقة السّلف عليه من غير نكير ولانّ فى امر الكلّ بالأجتهاد حرجا على الأنام والزاما بما فيه اخلال بالنّظام ولقوله تعالى ولينذروا قومهم المتناول للانذار بطريق الفتوى ايضا وللاخبار المستفيضة الدالّة صريحا وفحوى منها قول ابيجعفر (ع) لأبان بن تغلب اجلس فى مسجد الكوفة وافت النّاس فانى احّب ان يرى فى شيعتى مثلك وامّا المجتهد فلا يجوز له تقليد غيره فى المسائل الشّرعيّة الّتى اجتهد فيها اجماعا على ما حكاه بعضهم وامّا المسائل الّتى لم يجتهد فيها مع تمكّنه من الأجتهاد فالحق عدم جواز التقليد فيها ايضا وان كان قد قلّد فيها قبل الأجتهاد ولا اظنّ انّ احدا من اصحابنا يخالف فى ذلك وامّا المسائل الّتى يتردّد فيها فان كان تردّده لعدم امعان النّظر فى ادلّتها فلا يجوز ايضا مع تمكّنه وجوازه مع عدم امكانه وان كان تردّده بعد امعان النّظر لتكافؤ الادلّة فى نظره فالحكم التخيير او طرحها والرّجوع الى الأصول الظّاهريّة ولا يجوز له التّقليد ايضا كما انّه يجوز له التقليد فى المسائل الّتى لا سبيل له الى الأجتهاد فيها كمباحث اللّغة لكن جواز التقليد فيها من حيث الظّن لا التعبّد هذا كلّه فى المجتهد المطلق واما المتجزّى بناء على جوازه فلا يبعد الحاقه بالمجتهد المطلق بالنّسبة الى المسائل التى يتمكّن من الاجتهاد فيها لا سيّما مع عدم احتمال التّخيير بين ذلك وبين التقليد وكيف كان فالحكم يدور مدار نظره او نظر من يرجع اليه فى ذلك وامّا التقليد فى اصول الدّين فقد اختلفوا فيها فقيل بتحريمه ووجوب النّظر وقيل بجوازه وقيل بوجوبه وتحريم النّظر والمراد بالتّقليد هنا معناه المعروف اعنى الاخذ بقول الغير من غير حجّة ومعنى الأخذ بقوله هنا الألتزام به اذا كان مفيدا للاعتقاد فيرجع النّزاع الى انّ طريق تحصيل الأعتقاد المعتبر فى اصول الدّين هل هو منحصر فى النّظر فلا يجوز الأعتماد على الأعتقاد الحاصل من التّقليد او لا يجوز النّظر او لا ينحصر فى احدهما بل يتخيّر بينهما وانّما اعتبرنا حصول الاعتقاد بالتقليد للاجماع على انّ الايمان لا يتحقّق بدونه ولم يعتبر خصوص القطع ليتمّ على القول بكفاية الظّن ولا ريب انّ كلا من النّظر والتّقليد طريق فى نفسه الى تحصيل الأعتقاد وان اعتبر بلوغه مرتبة القطع وكون الاعتقاد فى حدّ ذاته غير مقدور لا ينافى لانّه مقدور بواسطة القدرة على اسبابه من نظر او تقليد وترك النّظر فيما يؤدّى الى التّشكيك فاتّضح مما قرّرنا انّه لا سبيل الى ما يقال من انّ حصول الأعتقاد من قول الغير امر غير اختيارى فلا يصّح التّكليف به لما عرفت من انّه اختيارى بواسطة كون اسبابه اختيارية ولا الى ما يقال من انّ مرجع هذا النّزاع الى اشتراط القطع فى الأصول وعدمه فان اعتبرناه تعيّن القول بعدم جواز التقليد لما عرفت من انّ التقليد قد يفيد القطع فصل محل التقليد فى الاحكام الفرعيّة ما لا علم للمقلّد بها من غير حجة التقليد اذا كانت مما يحتاج اليها المقلّد فى العمل سواء كانت من المباحث المحرّرة فى الاصول كمسائل التقليد او لا كمسائل الفقه ومثلها مسائل علم الاخلاق وانّما اعتبرنا عدم علمه بها من غير جهة التّقليد احترازا من الاحكام المعلومة عنده بضرورة او اجماع او دليل قاطع ولو بالمال كما فى المتجزّى العالم بحجيّة ظنّه ونظره فانّه لا سبيل الى

٥٠

التقليد فيها وكذا لو علم ببطلان ما افتى به مفت بالخصوص ولم يتعيّن عنده احد الأقوال المخالفة له فيقلّد غيره فى غيره وان كان مفضولا او ميّتا مع الانحصار وانّما يتعيّن التّقليد فى حق المقلّد حيث لا يتمكن من العمل بالاحتياط والّا تخيّر بينه وبين التقليد فانّ التحقيق انّ الأخذ بالاحتياط مسلك اخر يغنى عن الأجتهاد والتّقليد فى كثير من مواردهما والحصر فيهما كما وقع عن البعض لا مأخذ له والادلّة الدّالّة على وجوبهما لا تدلّ على تعيينهما بالنّسبة الى الأخذ بهذه الطّريقة وحصول البرائة فى العمل بها فى مواضعها قطعىّ بل نقول قضيّة الأصل الأبتدائى هو لزوم السّلوك بطريق الأحتياط بقدر الأمكان تحصيلا للبرائة اليقينيّة عن الشّغل الثّابت بالضّرورة الدّينيّة لكن وسعة الشّريعة الصّحة قضت بعدم تعيينه لأدائه الى الضّيق والعسر تصور كثير من النّاس عن اداء قليله وامّا سقوطه بالكلّية فلا شاهد عليه بل وفى بعض الأخبار دلالة على عدمه نعم لا بدّ للعامل بهذا الطّريق من علمه بحصول التّخلّص به ولو بالتّقليد ان كان من اهله لئلا يؤدّى الى التشريع وليحصل به اليقين بالبرائة من الشغل المقطوع به ثم انّ موارد العمل مختلفة منها ما يمكن فيها الاحتياط ومنها ما لا يمكن ولا بدّ من معرفتها وكيفية العمل اجتهادا او تقليدا فصل يعتبر فى انعقاد التقليد شرائط يرجع بعضها الى المستفتى وبعضها الى المفتى وبعضها الى الحكم المفتى به امّا الشرايط المعتبرة فى المستفتى فامور منها ان يكون عاقلا حال التّقليد لعدم الأعتداد بفعل المجنون ومنها ان يكون بالغا اذ لا عبرة بتقليد الصّبى وان كان مميّزا ان جعلنا افعاله تمرينيّة ولو جعلناها شرعيّة صحّ ومنها ان لا يكون مجتهدا متمكّنا من استنباط الحكم على الوجه المعتبر ومنها ان يكون عالما بجواز تقليد من يرجع اليه ومنها ان يكون مؤمنا حال التقليد اذا كان المفتى مؤمنا فلا عبرة بتقليد الكافر والمخالف له لعدم كونه اخذا بقوله حقيقة لكونه على خلاف معتقده وامّا الشّرايط المعتبرة فى المفتى فمنها الاسلام والايمان اذا كان المستفتى مؤمنا للاصل ولعدم ما يدلّ على حجّية نظره لاختصاص بعض الأدلّة بالمؤمن وانصراف اطلاق البواقى اليه ومنها ان يكون بالغا فلا عبرة بفتوى الصّبى لعدم شمول الأدلّة له ومنها العدالة فلا يعتبر فتوى الفاسق لجواز قوله بخلاف معتقده او تقصيره فى الأجتهاد فلو علم بتحرّزه عن التقصير فى الأجتهاد والقول بخلاف المعتقد مطلقا او فى خصوص الفتوى فوجهان من الشّك فى حجّية قوله ومن انّ العدالة انّما تعتبر للوثوق بالامرين وكلاهما منفيان والحقّ انّ العدالة شرط فى الأستفتاء لا فى الأفتاء لأنّ اية النبأ انّما تدلّ على منع قبول النّبأ الفاسق نبأ على شمولها للفتوى كما هو الظّاهر لا على منع الأفتاء وامّا المفتى الغير العادل اذا لم يتصف بعد بالفسق فالوجه الحاقه بالعادل لعدم اتصافه بالفسق واقعا وامّا مجهول الحال فالوجه الحاقه بالفاسق كما فى الرّواية ولو تعذّر الوصول الى فتوى العادل مطلقا جاز التّعويل على فتوى الفاسق مع الضّرورة وحصول الظّنّ بعدم تقصيره وموافقة قوله لمعتقده ومنها ان يكون ضابطا فلا عبرة بفتوى من تكثر عليه السّهو الّا مع الامن منه فيما يرجع اليه ووجهه واضح ممّا مرّ فى الخبر الواحد ومنها ان يكون مجتهدا مطلقا فلا يجوز تقليد غيره وان كان عالما بالحكم

٥١

عن طريق معتبر كالمقلّد والمتجزّى والقاطع بالحكم اقتصارا فيما ثبت الأشتغال به وهو التّقليد على ما يقطع فيه بحصول البرائة وهو تقليد المجتهد المطلق ومنها ان يكون حيّا فلا يجوز تقليد الميّت مع امكان الرّجوع الى الحىّ على ما هو المعروف بين اصحابنا خلافا لشاذ فاجاز الرجوع اليه مطلقا والأقوى هو الأوّل لنا وجوه الاوّل الاصل السّالم عن المعارض لعدم شمول الأدلّة الدّالّة على حجّية فتوى المفتى للمفتى الميّت فانّ منها الأجماع وانتفائه فى محلّ الكلام واضح ومنها الضّرورة وتندفع بالرّجوع الى الحىّ مضافا الى ثبوت المرجح اعنى اليقين بالبرائة ومنها اية اهل الذكر واية الانذار وحديث ابان ومنها الاخبار الدّالّة بفحواها على حجّية فتوى من افتى النّاس بعلم وكلّها ظاهرة فى الحىّ الثانى الأجماع المنقول على المنع حكاه غير واحد من اصحابنا الثالث انّ التقليد هو الأخذ بما هو قول المفتى وانما يصدق الاخذ حقيقة مع ثبوت الرّاى حال الاخذ ضرورة انّ المقيّد يزول بزوال قيده ويشهد له عدم جواز الاخذ بما رجع عنه فانّ الوجه فيه عدم صدق الأخذ بفتواه حينئذ وثبوت رايه الثّابت حال الحيوة بعد موته ممنوع من وجهين الاول انّ طريق اثباته منحصر بالأستصحاب وهو لا يجرى فى المقام لتغيّر الموضوع فانّه كان فى حيوته لاحقا له وهو نوع مخصوص اعنى كونه انسانا وبعد الموت تزول عنه هذه الحقيقة لزوال الحيوانية الّتى كانت من مقومات حقيقة الانسانية الثانى انّ اكثر معتقدات المجتهد ظنّية وبعد الموت لا يبقى له ظنّ بل امّا ان يصير جاهلا بالحكم بالكلّية او ينكشف له الواقع ويعلم بحقيقة الحال امّا مطابقا لما ظنّه او مخالفا له والعلم الظّاهرى كما يحتمل الموافقة لظنّه السّابق كذلك يحتمل المخالفة ولا سبيل الى تعيينه ويشكل بانّ دعوى زوال ظنون المجتهد بالموت وانكشاف الواقع له مما لا قاطع عليه من عقل ولا نقل نعم ينكشف ذلك له فى القيمة لكن البحث فى تقليده قبل قيامها سلّمنا لكن الأعتقاد الرّاجح المتحقّق فى ضمن الظّن مما يمكن بقائه بموافقة العلم الطّارى له فيستصحب بقائه لعدم القطع بزواله اذ التقدير جواز موافقة علمه لظنّه وزوال تجويز النّقيض لا يقدح فى حجّيته لانّ حجية الظّن باعتبار ما فيه من الأعتقاد الراجح دون تجويز النّقيض والعبرة فى البقاء والحدوث فى الاستصحاب الى الظّواهر العرفية دون التّدقيقات الحكميّة ولا خفاء فى انّ الأعتقاد المانع من النّقيض عرفا هو الأعتقاد المانع السّابق عليه مع زيادة قوة اثرت فيه المنع فحكمه حكم اللّون الضّعيف اذا تكامل واعترته الشدّة فانّ العرف يرى انّ الشّديد هو الضّعيف السّابق مع لحوق تكامل وشدة به ولا ريب انّ حجّية الاستصحاب سمعيّته فيجرى حيث ما يحكم بوحدة الشّيئ فى الحالين عرفا حجة القول بجواز تقليد الميّت امور منها الأصل ومرجعه الى استصحاب جواز تقليد الثّابت حال الحيوة وهذا قد يعتبر وصفا للمفتى نظرا الى كونه ممن ثبت جواز تقليده حال الحيوة فيستصحب وقد يعتبر وصفا لقوله نظرا الى كونه مما ثبت جواز التّقليد فيه حال الحيوة فيستصحب وحيث انّ الوصف الاول من عوارض النّفس والثّانى من عوارض القول القائم بها لم يلزم من انعدام الحيوة انعدام موضوع الحكم لينافى جريان الاستصحاب والجواب انّ القدر الثّابت فى حيوته هو جواز تقليد معاصريه له لامتناع تحقّق الجواز فى حق

٥٢

المعدومين فمنع الأستصحاب لتعدّد الموضوع ولو قرّر الأستصحاب فى الحجّية اعنى كونه بحيث يجوز العمل به عند تحقّق الشّرايط جاز ثبوته فى حق المعدومين الّا انّ مجرّد الجواز لا يكفى فى الحكم بالثبوت فانّ الادلّة انّما تساعد على الاثبات فى حق المعاصرين فقط ولو اقتصر فى التّمسّك بالأصل على اثبات الجواز فى حق من عاصر المجتهد ثم امرار تقليده بعد موته لدفعناه بانّ الأحكام اللّاحقة لموضوعات خاصّة باعتبار كونها موضوعات خاصّة لا تستصحب بعد زوالها كما مرّ تحقيقه فى محلّه ولا خفاء فى انّ الايان والاحيان كدالّة على المقام انّما تدلّ على جواز تقليد الحىّ فتختصّ موردها بحال الحيوة فلا تستصحب الى تاله الموت والأجماع الثابت هنا اما كاشف عن صحّة تلك الظواهر او مستنده اليها فلا يزيد معنادها على مفادها ومثله الكلام فى الضرورة والضّرورة الى التّقليد انّما ينهض حجّة اذا قطعنا النّظر عن تلك الادلّة لابتنائها على انسداد باب العلم واما مع انفتاحه بقيام تلك الأدلّة فلا سلّمنا لكن الشّهرة العظيمة المؤيّدة بالأجماع المنقول المعتضدة باصالة الاشتغال قد قدحت فى التّعويل على الأصل هنا فلا سبيل الى التّمسك به مضافا الى ما مرّ ذكره انفا فى الدّليل الثّالث وبهذا يظهر الجواب ايضا عن ظاهر بعض الرّوايات الدّالّة على جواز الأخذ بقول الميّت قد مرّ التّنبيه عليه عند بيان حجّية فتوى المجتهد ومنها ما ذكره بعض المعاصرين من انّ قول الميّت مفيد للظّن فى حق العامى وكلّ ما يفيد الظّن فى حقّه فهو حجّة امّا الصّغرى فمعلومة بالوجدان وامّا الكبرى فلانّها قضيّة انسداد باب العلم فى حقه مع علم ببقاء التّكليف بالاحكام والجواب منع انسداد باب العلم فى حقّه فانّه يتمكّن من الرّجوع الى المجتهد المطلق الجامع لشرايط التّقليد والغالب وجوده فى كلّ عصر وتمكّن العامى من الرّجوع اليه مع انّ قضية كلامه عدم جواز تقليد الميّت مع عدم حصول الظّن بقوله وهذا التّفصيل ممّا لم يذهب اليه ذاهب على الظّاهر ومنها انّ التّقليد شرّع للأستكشاف به عن الحكم الشّرعىّ من حيث انّه تعويل على قول من يتبع الأدلّة وعرف مفادها حال كونه ممن له اهلّية ذلك وهذا مما لا يعقل لبقاء حيوة المتتبع وعدمه مدخل فيه فيتنقّح المناط ويثبت الجواز فى الحالين وايضا اذا ثبت انّ ما ادّى اليه نظر المفتى هو الحكم الشّرعى وانكان بالنّظر الى الظّاهر لزم ثبوته مطلقا فانّ حكم الله فى الأولين والاخرين سواء او لانّه لو ارتفع عند موت المفتى لاحتاج الى رافع شرعىّ فيكون ناسخا له وهو باطل اذ لا نسخ بعد النّبى (ص) اتفاقا والجواب امّا عن الأوّل فبمنع وضوح المناط لا سيّما بعد وجود الفارق الذى ذكرناه عن احاطة المتأخّر غالبا ممّا لا احاطة للمتقدّم به واما عن الثّانى فبانّ الاوّلين والاخرين انّما يتساويان فى الأحكام الواقعيّة دون الظّاهريّة كما يشهد به اختلاف الأحكام الثّابتة فى حق المختلفين فى الأجتهاد ومقلّدهم وامّا عن الثّالث فبانّ جواز تقليد المفتى مشروط ببقائه فزواله بزواله لا يكون نسخا كما فى انتفاء كلّ حكم مشروط بزوال شرطه واعلم انّ ما قرّرناه من المنع من تقليد الميّت انّما هو من تقليده الأبتدائى كما هو الظّاهر واليه ينصرف اطلاق كلام المانعين وامّا استدامة تقليده المنعقد حال حيوته الى حال موته فالحقّ ثبوتها وفاقا لجماعة للاصل لثبوت الحكم المقلّد فيه قبل موته فيستصحب الى ما بعده ولظاهر الايات

٥٣

والأخبار الدّالّة على جواز التّقليد فانّ المستفاد منها ثبوت الحكم المقلّد فيه فى حق المقلّد مطلقا اذ لم يشترط فى وجوب الحدّ وبقاء المنذر والمستفاد من الأمر بمسئلة اهل الذّكر التّعويل على قولهم وقضيّة اطلاقه عدم الفرق بين بقائهم بعد التّعويل على قولهم وعدمه وكذلك الكلام فى البواقى ولما فى الالزام باستيناف التّقليد من الحرج او الضّيق على المقلّدين لكثرة ما يحتاجون اليه من المسائل لا سيّما مع تقارب موت المفتين وذهب بعض افاضل معاصرينا الى بطلان التقليد بموت المفتى واحتج عليه بانّ التّقليد لا يفيد معرفة الحكم الشرعى فى حق المقلّد وانّما يفيد جواز العمل به بالنّسبة الى الوقايع الخاصّة الّتى يلتزم فيها به فيكون التّقليد بالنّسبة الى كلّ واقعة تقليدا ابتدائيا ويمكن ان يستدلّ عليه ايضا باطلاق كلامهم فى المنع من تقليد الميّت وفى نقل الاجماع عليه فانّه يتناول التّقليد الأبتدائى والأستدامى والجواب اما عن الاوّل فبانّ المستفاد من ايات المقام واخباره جواز التقليد فى معرفة الأحكام الشّرعيّة بقول مطلق فيستلزم ثبوتها فى حق المقلّد بقول مطلق وهذا ايضا هو الظّاهر من الأجماع والضّرورة القائمين على جواز التّقليد وامّا قضيّة انسداد باب العلم فهى وان امكن نهوضها بضميمة اصل العدم على ما ذكره القائل المذكور لكن قد عرفت عدم ثبوته لقيام غيره من الأدلّة على جواز التّقليد وامّا عن الثّانى فيما عرفت من انّ اطلاق المنع من تقليد الميّت ينصرف الى التقليد الأبتدائى دون الأستدامى وهو ظاهر ولو تسافل المجتهد عن الاجتهاد او صار مجنونا مطبقا ففى الحاقه بالميّت فى الحكم السّابق وجهان اظهرهما ذلك لعوم بعض الأدلّة السّابقة وامّا الجنون الأدوارى والسّكر والأغماء فلا يقدح فى جواز التّقليد مطلقا على اشكال فى الاوّل ومنها ان لا يكون مجتهدا اخر افضل منه فى الفقه والورع فلا يجوز تقليد المفضول فى ذلك مع امكان الرّجوع الى الافضل وقد نسبه بعضهم الى الأصحاب مدّعيا عليه الاجماع ويدلّ عليه بعد الاصل ظاهر مقبوله عمر بن حنظلة الاتية فى اختلاف الحاكمين فانّ فيها الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما فى الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما حكم به الاخر فانّ ظاهرها عدم الأعتداد بحكم الاخر مطلقا فيدلّ على عدم جواز التّعويل على فتوية امّا لانّها داخلة فى اطلاق الحكم او لعدم ثبوت قائل بالفرق بين الحكم والفتوى فيتمّ المنع فيها بالأجماع المركّب وانّ العدول عن الأفضل الى المفضول عدول عن اقوى الامارتين الى اضعفهما وهو غير جايز وانّ من ادلّة جواز التقليد الأجماع والضروره وهما لا ينهضان الّا على جواز تقليد الأفضل ويشكل يمنع الأجماع لا سيّما بعد تصريح جماعة بالجواز والاصل مدفوع بعموم ايات المقام ورواياته فانّ المستفاد منها عدم تعيين الافضل فيتخير بين تقليده وتقليد المفضول والرّواية المذكورة بعد تسليم سندها واردة فى صورة التّعارض فى الحكم فلا تدلّ على عدم الاعتداد بحكم المفضول عند عدم المعارضة فضلا عن دلالته على عدم الاعتداد بفتويه مطلقا فانّ الحكم المذكور فى الرّواية غير الفتوى كما يشهد به سياقها وو الأجماع المدّعى على عدم الفرق ممنوع وحجّية التّقليد تعبديّة وليست منوطة بالظّن فلا يقدح قوة الظّن فى فتوى الافضل مع انّها على اطلاقها ممنوعة فانّ المقلّد قد يقف على مدارك الفريقين فيترجّح فى نظره فتوى

٥٤

المفضول والحجّة على جواز التقليد لا ينحصر فى الأجماع والضّرورة فلا يثبت المنع بمجرّد عدم قيامهما على جواز تقليد المفضول مع قيام غيرهما عليه كما عرفت على انّ الظّاهر من المانعين عدم جواز الرّجوع الى المفضول مع امكان الرّجوع الى الأفضل ولو بالرّجوع الى من يروى عنه الفتوى وهذا يؤدّى الى عدمه جواز التّعويل على فتوى احد فى زمن المعصوم وماة او به مع امكان الرّجوع الى الرواية عنه بطريق الاولويّة فيجب على المفتى حينئذ العدول عن ذكر الفتوى الى نقل الرّواية عند حاجة المستفتى ولا قائل به ظاهرا ورواية ابان بن تغلب السّابقة كالصّريح فى نفى ذلك والسّيرة المستمرة شاهدة على بطلانه مع ما فى تعيين الأفضل من الضّيق القريب من الحرج وبهذه الوجوه يمكن القدح فى كون الشّهرة المدّعاة فى المقام قادحة فى عموم الأدلّة فالقول بالجواز اذن اوضح وان كان المنع احوط وقد يخصّ المنع ببلد الأفضل ووجهه غير ظاهر لأمكان الأطلاع على فتاوى غير الحاضر بالرجوع الى النّقلة عنه والى كتبه الّتى حرّروها لبيان فتاويه نعم يتّجه ذلك فى الحكومات لتعذّر وصول غير اهل بلده اليه غالبا مع ما فى تاخير الحكومة اليه من الضّرر المنفى وكذلك الولايات حيث لا يوجد منه منصوبة على اشكال فى ترجيح منصوبه على تقدير وجوده لا سيّما اذا لم يكن اورع من المفضول ثم على تقدير المنع فهل يمنع من الرّجوع الى المفضول مطلقا فيلزم المقلّد بالتّفتيش والاستعلام او يخصّه بما لو علم بافضليّة البعض وجهان ظاهر الادلّة يقتضى الأوّل ثمّ على تقدير العلم بافضلية البعض فهل نمنعه من الرّجوع الى المفضول مطلقا او نخصّه بما لو علم بمخالفته الأفضل له فى الفتوى وجهان ايضا وظاهر بعض الأدلّة المذكورة يقتضى الأوّل ولو كان احد المفتيين افقه من الاخر والاخر اورع منه فالظّاهر التّخيير مع احتمال تقديم الأفقه لأنّ مدخليّة الفقه فى معرفة الحكم اكثر من مدخلية الورع فيها وهل العبرة فى الأفقه بان يكون افقه فى اغلب المسائل او يكفى كونه افقه ولو فى المسئلة الّتى يرجع فيها وجهان اظهرهما فى كلامهم هو الأول وقضيّة بعض الوجوه السّابقة هو الثّانى وعلى تقديره فالظّاهر تعيين الافقه فى البعض بالنّسبة الى البعض الذى موافقه فيه حتى انّه لو كان احدهما افقه فى مباحث الطّهارة والاخر فى مباحث التّجارة تعيّن تقليد كلّ منهما فيما موافقه فيه وتخيّر فى الباقى فى الرّجوع اليهما والى من يساويهما فيه ولو كان احدهما افضل فى بعض العلوم الّتى يتوقف عليها الاجتهاد كالعلوم العربيّة وعلم الأصول والرّجال فلا يبعد الحاقه بالأفقه من هذه الجهة لما فيه من مزيد بصيرة فى الفقه ولو كان الاخر افضل منه فى علم اخر من تلك العلوم لم يبعد الترجيح بزيادة الافضليّة ويكون ما فيه الأفضليّة ادخل فى الفقه كالأصول بالنّسبة الى النّحو والصّرف وامّا العلوم التى لا مدخل لها فى الأستنباط كعلم الهندسة والحساب فلا مدخل لها من حيث نفسها فى التّرجيح وقد يتحقق الافضلية فى الفقه باعتبار قوة الحفظ او الذّكاء او كثرة التّامّل او كثرة الأطّلاع او سعة الباع فى الفكر والتّصرف او اعتدال السّليقة او زيادة التّحقيق او التّدقيق او اقدميّة الأشتغال ومزيّة الأستيناس وقد يتحقّق التّعارض بين هذه الوجوه والتحقيق انّ المرجع فى ذلك كلّه الى ما يعدّ صاحبه افقه عرفا وضبطه على وجه يستغنى معه من الرّجوع اليه متعذّر على الظّاهر وكذلك الحال فى الأورعيّة فانّها قد يطّرد فى جميع الأحوال والأعمال وقد يختلف باختلاف

٥٥

الأحوال والأعمال والمرجع الى ما ذكرناه ولو قلّد المفضول ثم وجد الأفضل ففى جواز العدول اليه بناء على المنع منه وجهان وكذا لو قلّد الأفضل ثم تسافل فصار مفضولا واعلم انّ الشّهيد الثّانى عدّ فى اوّل كتاب القضاء من الرّوضة فى شرايط الأفتاء الذّكوريّة وطهارة المولد والنّطق والكتابة والحريّة وادّعى الأجماع على الأولين والشّهرة على الأخيرين فيمكن ان يريد بالأفتاء القضاء وان يريد به مطلق الفتوى كما هو الظّاهر ثم على التقدير الثّانى فهل يعتبر هذه الشّرايط فى اعتبار فتواه مطلقا او بالنّسبة الى غيره خاصّة وجهان اظهرهما الثّانى ووجهه ظاهر وامّا الشّرايط المعتبرة فى الحكم المفتى به فمنها ان لا يكون معلوما للمقلّد بطريق اخر غير التقليد ومنها ان لا يكون المقلّد قاطعا بفساده ومنها كونه من المسائل الّتى يحتاج اليها فى العمل دون مسائل اصول الدّين ونحوها اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ومنها ان لا يكون مسبوقا فيه بتقليد مفت اخر وامّا بالنّسبة الى الوقايع الخاصّة التى التزم فيها بتقليده فموضع وفاق على الظّاهر وامّا بالنّسبة الى غيرها فمحلّ خلاف فذهب جماعة الى المنع فيه وربّما كان مستندهم اصالة بقاء الحكم المقلّد فيه فى حقه لثبوته بالتّقليد فيستصحب ولأستلزامه البناء على حكمين فى واقعتين يقطع بفساد احدهما فى احداهما ولانّ اية اهل الذّكر دلّت على جواز التّقليد عند عدم العلم بالحكم والمقلّد عالم بتقليده الاول والجواب انّ اصالة بقاء الحكم المقلّد فيه معارضة باصالة بقاء التّخيير قبل التّقليد وهى محكّمة عليها وانّ مبنى التقليد على الظّاهر فلا يقدح العلم الأجمالى بعدم ثبوت احد الحكمين وبانّ ادلّة التّقليد لا تنحصر فى الاية المذكورة نعم يشكل التّمسّك باصالة بقاء التّخيير فيما اذا كان القول الاخر حارثا بعد التّقليد اذ لا تخيير حينئذ وبالجملة فالمسئلة قويّة الأشكال جدّا والأحتياط لا ينبغى تركه ومنها ان يعلم كون المفتى مفتيا به بالفعل ولو بمعونة الأستصحاب فلا يجوز تقليده فيما علم رجوعه عنه والظاهر انّه موضع وفاق ولا فى ما لا يعلم باعماله النّظر فيه فصل يعرف اجتهاد المجتهد بالأختيار المفيد للعلم ويعتبر فى المختبر علمه بما يعتبر فى الأجتهاد ولو بتقليد من علم اجتهاده وبشهادة العدلين من اهل الخبرة او مطلقا فى وجه وبالاستفاضة المفيدة للعلم او بدونه بناء على حجّيتها كالبيّنة وبحكم معلوم الاجتهاد به بناء على تعميم مورد الحكم الى مثل ذلك كما هو الظّاهر وهذه الطّرق كلّها فى مرتبة واحدة واذا تعذّرت جاز له التّعويل على الظّنّ على التّفصيل الاتى لأنّ ذلك قضيّة انسداد باب العلم عند القطع ببقاء التّكليف ولا نتحاشى عن القول بجواز العمل بالظّن مع تعذّر الرّجوع الى فتوى الميّت المعلوم اجتهاده وامّا مع امكانه فوجهان ولعلّ اظهرهما العدم وحيث يقول على الظّن فلا بدّ من تقديم الأقوى فالأقوى مع تعذر المفتين ويتخير مع التّساوى فصل اذا قلّد المقلّد من ثبت عنده جواز تقليده فى جواز الرجوع الى مفت جاز له الرّجوع اليه وان كان من مذهبه عدم جواز الرّجوع اليه فمن قلّد الأفضل فى جواز الرّجوع الى المفضول مع التّمكن من مراجعة الأفضل جاز له الرّجوع الى المفضول فى بقيّة المسائل مع التّمكن وان كان من مذهبه عدم جواز الرّجوع الى المفضول حينئذ ومن قلد حيّا فى جواز تقليد الميّت

٥٦

مع التمكّن من تقليد الحىّ جاز له تقليد الميّت فى بقيّة المسائل وان كان فى مذهبه عدم جواز تقليد الميّت حينئذ وذلك لمغايرة كل من مسئلتى جواز تقليد المفضول والميت لبقيّة المسائل فيجوز الأخذ فيهما او فى احداهما بقول الأفضل او الحىّ وفى غيرهما بفتاوى المفضول او الميّت فصل المعروف من مذهب الأصحاب انّ جاهل الحكم غير معذور الّا فى مقامين فى الجهر والأخفات وفى الأتمام فى محلّ القصر وكلامهم هذا يحتمل وجوها الاول انّ الجاهل وان لم يكن مقصرا غير معذور بمعنى انّ جهله لا ينافى فعلية الحكم فى غير المقامين وهذا على اطلاقه لا يتم على طريقة العدلية بقبح تكليف الغافل عقلا الثانى انّ الجاهل بقسميه غير معذور بالنّسبة الى الحكم الوضعى بمعنى انّ جهله لا يرفع الحكم الوضعى الّا فى المقامين وهذا الوجه وان امكن صحّته الّا انّ كلماتهم لا تساعد على ارادة التّخصيص بالوضعى الثالث انّ الجاهل المقصّر غير معذور فيما يلزمه من الأحكام تكليفية كانت او وضعيّة فى غير المقامين وهذا امتن من سابقه والوجه فى اطلاقهم القول بعدم المعذوريّة وضوح امر القيد مع مراعات ما هو الغالب فى المكلّفين من التّقصير فى تعلّم الأحكام ولا ريب انّ العلم الاجمالى بالتّكليف مع التّمكن من استعلام التفصيل كاف فى ثبوته على المكلّف عقلا ونقلا هذا كلّه بحسب الأصل وامّا عند قيام دليل على اشتراط ثبوت التكليف بالعلم التّفصيلى فلا اشكال ومنه يظهر وجه المعذوريّة فى المقامين لأنّ وجوبهما لما كان مشروطا بعلم المكلّف به تفصيلا لم يحكم بعصيان الجاهل المقصّر فيهما ولا ببطلان صلوته الا ان يكون تقصيره بحيث يفوت فى حقّه قصد القربة فيقوم البطلان من جهة فواتها خاصّة ولو فرض تحقّقها فلا ريب فى معذوريّته بالنّسبة الى مرحلة التّكليف ولا يخالف فى ذلك احد من العدليّة لكن لما كان الفرض نادرا اورد والكلام على ما هو الغالب واعلم انّ جماعة من اصحابنا صرّحوا بانّ النّاس فى امثال زماننا صنفان مجتهد ومقلّد وانّ عبادة الخارج من الطّريقين باطلة وظاهرهم البطلان وان كان غافلا عن وجوب تقليد المجتهد وشكّ بعد العمل فى المطابقة بل وان علم بها وذهب المحقق الأردبيلى الى الصّحة مع موافقة الواقع والتّحقيق انّ العامل اذا اتى بعبادة على كيفية مخصوصة فهناك صور عديدة منها ان يأتى بها عالما بشرعيتها كذلك بطريق معتبر كالأجتهاد والتّقليد ولا اشكال فى صحّة علمه حينئذ ما لم يعلم بالخلاف ومنها ان ياتى بالعمل بطريق لا يعلم باعتذاره شرعا ولا ريب فى بطلان العبادة حينئذ لفوات قصد القربة ومنها ان يأتى بالعمل عالما بشرعيّته بطريق غير معتبر فان استمرّ على ذلك الى ان مات فانّما حسابه على ربّه نعم ربّما يحتاج الى معرفة حكمه بالنّسبة الى ما يتعلق بما له او بوصيّته وان تنبّه واستبصر وجب عليه ان يطلب حكم الواقعة بطريق معتبر من اجتهاد او تقليد وحينئذ فلا يخلو امّا ان يعلم بموافقة عمله السابق لمعتقده اللّاحق او بمخالفته له اولا يعلم شيئا منهما فعلى الاوّل يحكم بصّحة عمله اذ التّقدير اشتماله على جميع ما يعتبر فيه حتى قصد القربة وعلى الثّانى لا اشكال فى بطلان عمله فيما لم يثبت افتقاد الجهل فيه وعلى الثّالث لا يبعد الحكم بالصّحة لا سيّما مع خروج الوقت عملا بالأخبار الدالّة على عدم العبرة بالشّك بعد الفراغ وبعد خروج الوقت

٥٧

و لنتعرّض لأدلّة القوم فنقول احتج القائلون بمعذوريّة الجاهل بوجوه منها الأصل فان اريد به اصالة عدم اشتراط صحة العبادة بالأخذ من المجتهد فهو راجع الى الوجه الثالث وسيأتى وان اريد به اصالة برائة الذّمة عن تعيين الرّجوع الى المجتهد فان اريد ذلك مطلقا فسيأتى التّنبيه على ضعفه وان اريد ذلك بالنّسبة الى غير الملتفت فمسلّم كما نبهّنا عليه وان اريد عدم وجوب الرّجوع اليه بعد الألتفات بالنّسبة الى ما وقع من الأعمال قبله وان بقى محل التّدارك فممنوع اذ بعد انكشاف بطلان الطّريق لا بدّ من استعلام حال العمل ليتدارك على تقدير الفساد والسرّ فيه انّ الوظيفة الواقعيّة للعامى فى امثال زماننا وهو زمن انسداد باب معرفة الحكم الغير القطعىّ عليه بطريق معتبر غير التّقليد انّما هى الرّجوع الى المجتهدين فغفلته عن ذلك لا تسقط عنه ما كلّف به واقعا وامّا الاخبار الدّالة على عدم العبرة بالشّك بعد الفراغ او بعد خروج الوقت فهى واردة فى الشّك فى وقوع الفعل لا فى حكمه وتوضيح المقام انّ التّكاليف امور واقعية متعلّقة بمواردها الواقعية وهى مستفادة غالبا من الألفاظ وهى موضوعة بازاء معاينها الواقعيّة ولا مدخل للعلم والجهل فيها والامتثال للتّكليف الواقعى لا يتحقق الّا بالأتيان بمورده الواقعى وحيث انّه لا بدّ فى الكشف عن الواقع من طريق يعتمد عليه فالطرق المعتبرة امّا ان يكون اعتبارها واقعيا او ظاهريا مستندا الى اعتقاد المكلّف كونها طرقا معتبرة فمن القسم الأوّل العلم وما ثبت قيامه مقامه مطلقا او عند تعذّره وهذا النّوع من الطريق قد يستمرّ بقائه وقد يزول مع انكشاف الخلاف وعدمه فان استمرّ فالحكم واضح وان زال وانكشف الخلاف فلا ريب حينئذ فى عدم حصول الأمتثال للامر الواقعى فيجب التّدارك ان كان واجبا وبقى المحلّ فان قام دليل حينئذ على عدم وجوب التّدارك فذلك مستلزم لأحد امرين الاول التوسّع فى الأمر بجعله مشروطا بما اذا لم يتفق صدور ذلك من المكلّف فيكون المأتىّ به مسقطا للامر الواقعى او مانعا من تعلّقه لا امتثالا له الثانى التوسع فى الماهيّة المأمور بها بحيث تتناول المأتى ويندرج فى افرادها الواقعيّة ومن هذا الباب من تلبّس بالصّلوة قبل الوقت واتمّها فيه وصلوة من جهل النّجاسة ومن اتمّ فى موضع القصر جاهلا الى غير ذلك فانّ ما دلّ على صحّة الصّلوة فى هذه الموارد يدلّ على عدم شرطيّة الامر المتروك او عدم جزئيّته للماهيّة الواقعة عند طريان السّهو والجهل فالماهيّة الواقعيّة قد تختلف باختلاف احوال المكلّف من سهو او جهل او عدمهما كما انّها قد تخلف بحسب اختلاف احوال اخر كالقدرة والعجز والحضر والسّفر وان زال الطريق ولم ينكشف الخلاف كما لو ادى نظر المجتهد الى حجّية الشّهرة او الأجماع المنقول او الخبر الموثّق ثم شكّ وظن العدم فالمتّجه فى ذلك البناء على مقتضاه بالنسبة الى الأعمال السّابقة على الزّوال عملا باصالة بقاء اثر الطّريق السّابق فيما وقع من الاعمال على حسبه اذ لا دليل على زواله عنها بزوال الطّريق وقد مرّ التّنبيه على ذلك فى مسئلة رجوع المفتى عن فتواه ومن القسم الثّانى ما لو اعتقد المجتهد حجّية دليل غير معتبر واقعا او اعتقد العامى اهليّة رجل للفتوى مع انتفائها عنه واقعا فان لم ينكشف له بطلان الطّريق الى ان تعذّر التّدارك فلا ثمرة يعتدّ بها فى البحث

٥٨

عنه وان انكشف قبله وجب عليه ان يطلب طريقا معتبرا من العلم وما فى حكمه فان وافق الطّريق السّابق اتّجه الحكم بالصّحة وان خالف مقتضاه لزمه التّدارك فيما لم يثبت معذورية الجاهل فيه ومنها تعسّر العلم بالمجتهد واستجماعه للشّرايط المعتبرة فى حقّ كثير من العوام فتعيينه للرّجوع ينافى الشّريعة السّمحة وقضيّة هذا البيان جواز الرّجوع الى غير المجتهد للغافل والملتفت وفساده ظاهر اذ لا عسر فى معرفة المجتهد غالبا ولو تعذر العلم به فالظّن طريق الى معرفته ومنها انّ المأمور به منى اوقع فى الخارج على وجهه لزم حصول الامتثال والخروج عن عهدة التكليف والأصل عدم مدخليّة كونه مأخوذا عن المجتهد وهذا الدّليل يتّجه فى حق الجاهل اذا لم يكن مقصرا بحيث ينتفى فى حقّه قصد القربة لعدم صحّة العبادة بدونه وامّا فى حق غيره فلا يتم اذا قلنا بعدم تعيّن الرّجوع الى المجتهد عليه وقد عرفت ما فيه احتج القائلون بعدم معذوريّة الجاهل ايضا بوجوه منها انّ التّكاليف معلومة الثّبوت بالضّرورة والاصل حرمة العمل فيها بغير العلم خرج العمل بقول المجتهد بالاجماع فيبقى غيره تحت عموم المنع والجواب انّه ان اريد بالعمل قوله موافقا لقوله ولو بعد العمل فهذا لا ينافى صحّة العمل مع الموافقة للتّقليد اللاحق وان اريد موافقته لتقليد مقارن فتحريم غيره فعلا فى حق الغافل غير معلوم ومنها انّ القول بمعذورية الجاهل تستلزم احد المحذورين امّا سقوط جلّ التكاليف او تاثير الامر الغير الأختيارى فى ترتب العقاب وعدمه والتّالى بقسميه فاسد امّا الملازمة فلانّا اذا فرضنا جاهلين بشرط واجب اصابه احدهما دون الاخر فامّا ان يستحقّا العقاب او لا او يستحقه احدهما دون الاخر وعلى الأوّل يثبت المطلوب وعلى الثّانى يلزم المحذور الاوّل لأنّ سقوط العقاب يستلزم سقوط الوجوب فيلزم سقوط جلّ التكاليف لأمكان تطرق الجهل الى كلّ فعل من افعال العبادات وشرايطها وعلى الثّالث يلزم المحذور الثّانى لأستواء الجاهلين فى الحركات الأختيارية وامّا بطلان الشقّ الاوّل من اللّازم فلانّ الألتزام بسقوط جلّ التّكاليف فى حق الجاهل لا يمكن الألتزام بها وامّا بطلان الشّق الثّانى فلانّ تجويز مدخليّة الأتفاق فى استحقاق الثواب والعقاب مما اتّفقت كلمة العدليّة على فساده والجواب انّ الجاهل بالشّرطيّة ان كان ملتفتا لأحتمالها ولوجوب مراعاتها ولتحريم الاقدام على العمل قبله فلا ريب فى بطلان عبادته من جهة انتفاء قصد القربة وان كان غافلا او التفت لكن اعتقد عدم تحريم الاقدام على العمل قبل المراعات اختلّ القسم الثّانى والتّحقيق صحّة الصّلوة ممّن صادف الواقع مع استجماعها لبقية الشّرائط ويدلّ عليه جملة من الأخبار فصل تعارض الدّليلين عبارة عن تنافى مقتضاهما امّا بالعقل كالوجوب والتّحريم او بالسّمع كصحّة العتق وبطلان الملكية ولا يقع التّعارض بين الدّليلين القطعيّين اعنى المفيدين للقطع بمؤداهما بالفعل سواء كانا عقليّين او سمعيّين او كان احدهما عقليا والاخر سمعيّا لادّائه الى الجمع بين المتنافيين بحسب المعتقد الّا ان يكون جاهلا بالتّنافى فيخرج عن محلّ البحث وبالجملة الدّليلان ان كانا قطعيين امتنع وقوع التّعارض بينهما وان كان احدهما قطعيا والاخر ظنّيا رجّح القطعى وان كانا ظنّيين فيعبّر عنهما بالامارتين فان اعتبر الظنيّين بالفعل او اجدهما

٥٩

امتنع اعتبار المعارضة بينهما كما فى القطعيّين وان اعتبر اظنيتين شانيين او احدهما امكن وقوع المعارضة بينهما ومورد تعارضهما حينئذ امّا موضوع الحكم الشّرعى او نفس الحكم الشّرعى امّا الأوّل فلا نزاع فى وقوعه وتعارضهما فيه قد يكون من حيث تعيين المفهوم والامارتان المتعارضتان فيه قد يكونان رواية عن المقصود وسيأتى الكلام فيهما وقد يكونان نقلا عن اللّغة فان كان لأحدهما مرجّح تعيّن الأخذ به والّا فان كان بينهما عموم مطلق تعيّن الأخذ بالأخصّ ان لم يكن الأمتثال به منوطا بفعل الباقى ولو بالاصل والا تعين الأخذ بالأعم تحصيلا للبرائة وان كان بينهما عموم من وجه فالاحوط الأخذ بالقدر المشترك مع الامكان ومع عدمه فالتخيير وان كان بينهما التّباين فالظّاهر التّخيير ايضا وقد يكون من حيث تعيين المصداق فان كان لاحدهما مرجح فلا كلام والّا فقضيت الأصل وجوب الاتيان بما يعلم معه بالبرائة وامّا الثّانى اعنى تعارضهما فى نفس الحكم الشّرعى فالحق وقوعه شرعا وقضيّة عموم ما دلّ على حجّية الامارات حجيتهما ولو عند التّعارض ايضا وهو ايضا مقتضى ما دلّ على التخيير فى العمل بهما ومعنى حجّية كلّ واحدة منهما لا على التّعيين بجواز ترك العمل بها الى الاخرى.

القول فى التعديل

ولنبدء قبل الخوض فى المرام بذكر الأخبار الواردة فى المقام فنقول روى المشايخ الثّلاثة باسانيدهم عن عمر بن حنظلة قال سئلت ابا عبد الله (ع) عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة الى ان قال فان كان كلّ رجل يختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكون النّاظرين فى حقّهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا فى حديثكم قال الحكم بالحكم باعدلهما وافقهما واصدقهما فى الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الاخر قال قلت فانّهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منهما على الاخر قال فقال ينظر الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الّذى حكما به المجمع عليه من اصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشّاذّ الّذى ليس بمشهور عند اصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه الى ان قال قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثّقات عنكم قال ينظر بما وافق حكمه حكم الكتاب والسّنّة وخالف العامة فيؤخذ ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسّنة ووافق العامّة قلت جعلت فداك ارايت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسّنة فوجدنا احد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لهم باىّ الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامّة ففيه الرّشاد قلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال ينظر الى ما هم اليه اميل حكمائهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالاخر قلت فان وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك فانّ الوقوف عند الشّبهات خير من الاقتحام فى الهلكات ووجه الدّلالة انّ هذه الرّواية قد تضمنت وجوب الأخذ بالحكم الّذى اعتضدت الرّواية الدّالّة عليه باحد الوجوه المذكورة عند اختلاف الحكمين فيستفاد منها وجوب الأخذ بها وان تجردتا او احديهما عن الحكم فانّ ترجيح الحكم لترجيح دليله ولكن يشكل بظاهرها انّ وظيفة المتحاكمين الرّجوع الى الحاكم الشّرعى وليس وظيفتهما النّظر فى حجّته على الحكم كما دلّت عليه الرواية ولا يقدح فى حكمه ضعف مستنده فى زعمهما ما لم يقطع بفساده ويمكن التفصّى عن ذلك بتنزيلهما على احد

٦٠