خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ١

السيد صدر الدين الصدر

خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد صدر الدين الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٩
الجزء ١ الجزء ٢

١

ديباجة الكتاب

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين والصّلاة والسّلام على من اختاره على البريّة اجمعين محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين الى يوم الدّين امّا بعد فانّ طلّاب العلوم الدّينيّة وفّقهم الله تعالى لمراضيه وجعل مستقبل امرهم خيرا من ماضيه اذا انتهوا الى علم اصول الفقه سطوحا وفرغوا من كتاب المعالم شرعوا فى كتاب القوانين او الفصول (واكرم بكلّ واحد منهما) ولكن مع الأسف سعة مباحثهما ربما عاق الطّالب عن الغاية المطلوبة او عن اتمام الكتاب فعزمت بحول الله وقوّته على اختصار الثّانى ليكون المرجع فى هذا الباب ومن الله اسأل التّوفيق فانّه خير رفيق عزمت على اختصار الثّانى دون الأوّل لأنّه اقرب الى خطّة مشايخنا المتاخّرين قدّس الله تعالى اسرارهم وفيه من المطالب العالية والتحقيقات الشّافية ما لا يوجد فى الأوّل والاختصار وقع باسقاط ما نشير اليه

الأوّل تعريف اصول الفقه باعتبار علمه التّركيبىّ الإضافي

الثّانى التّعاريف المتفرّقة فى الأبواب والنّقض والإبرام فيها

الثّالث بعض المباحث المذكورة استطرادا

الرّابع ما اورده على صاحب القوانين

الخامس ما يحصل الغرض بدونه وذكرت البقيّة من الكتاب على ما هو عليه

٢

اختصرت الكتاب وصرفت شطرا من عمرى فى هذا الباب وليس الغرض الّا تسهيل الأمر على الطّلّاب سيّما الهيئة العلميّة فى دار الأيمان قم مركز العلم ومهبطه فى ايران فان تفضّل سبحانه وتعالى علىّ بثواب واجر فقد اهديته لمؤسّس هذه الهيئة المرحوم المبرور حضرت آية الله الحاج شيخ عبد الكريم اليزدى الحائرى قدّس الله سرّه وزيّن به فى الجنان الأسرّة اداء لبعض حقّه وسمّيته خلاصة الفصول فى علم الأصول.

قم ... سيّد صدر الدّين الصّدر

٣

تعريف علم الأصول

قال طاب ثراه ورتبته على مقدّمة ومقالات وخاتمة

امّا المقدّمة : ففي تعريف العلم وبيان موضوعه وذكر نبذة من مباديه اللّغويّة وامّا وجه الحاجة اليه فسيأتي بيانه فى محلّه إن شاء الله الله تعالى.

القول فى تعريفه فقد ذكروا له تعريفات عديدة اظهرها انّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الشرعية الفرعيّة عن ادلّتها التّفصيليّة فالعلم جنس او بمنزلته والمراد به امّا الملكة او الإدراك او التّصديق اليقينى بحمل القواعد على القواعد الظّاهريّة او الأعمّ منه ومن الظّنّى اعنى مطلق الاعتقاد بحملها على الواقعيّة والكلّ محتمل والمراد بالقواعد القضايا الكلّية فيخرج بالتّقييد بها العلم بغيرها من القضايا الشّخصيّة وغير القضايا من التّصوّرات مطلقا واذا فسّر العلم بغير الملكة ينبغى ان يحمل اللام فيها على الاستغراق العرفى لئلّا يرد النّقض بما لو جهل الأصولى بعض المسائل النّادرة منها ويخرج بهذا القيد العلم بالجزئيّات وبقولنا الممهّدة لاستنباط الأحكام الشّرعيّة الفرعية العلم بالقواعد الممهّدة لغير الاستنباط كالكلام او لاستنباط غير الأحكام كمباحث التّصوّرات من علم المنطق فانّها ممهّدة لاستنباط التّصوّرات النّظرية من التّصورات الضّرورية وقولنا عن ادلّتها التّفصيليّة متعلق بالاستنباط وزعم بعضهم انه لا حاجة اليه بعد انحصار طرق الاستنباط فيها وفيه ان الأحكام الشّرعيّة قد تستنبط من الأدلّة الاجماليّة كما فى حقّ المقلّد فلو ترك القيد لدخل فيه مبحث التّقليد وقد صرّحوا بخروجه منه.

القول فى موضوعه موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذّاتية والمراد بالعرض الذّاتى ما يعرض الشيء لذاته اى لا بواسطة فى العروض سواء احتاج الى واسطة فى الثبوت ولو الى مباين اعمّ او لا امّا الأوّل فكالاحكام الشرعية الطّارية على افعال المكلّفين باعتبار وعلى الأدلّة باعتبار بواسطة جعل الشّارع وخطابه وهو امر مباين للأفعال والأدلّة وان كان له نوع تعلّق بهما واعمّ من كلّ منهما لتحققه فى الاخرى واما الثانى فكالحاجة اللاحقة للممكن المبحوث عنه فى فنّ المعقول فانه يتّصف بها من حيث الذّات على ما هو التحقيق

٤

وامّا ما يعرض للشّيء بواسطة فى العروض مطلقا ويعبّر عنه بالعرض الغريب كالسّرعة والشّدّة اللاحقتين للجسم بواسطة الحركة والبياض فلا يبحث عنه فى علم يكون موضوعة ذلك الشّيء بل فى علم يكون موضوعه ذلك العرض لأن تلك الصّفات فى الحقيقة انّما تكون لاحقة له وان لحقت غيره بواسطة نعم قد يكون موضوع العلم عبارة عن عدّة امور نزّلت منزلة امر واحد لما بينهما من الارتباط والمناسبة من حيث الغاية كموضوع هذا العلم فى وجه فيبحث عن كلّ بحسب ما يعرض له بدون واسطة فى العروض وان عرض للآخر بالواسطة او لم يعرض له اصلا اذ ليس البحث عنه فيه بهذا الاعتبار هذا ما يساعد عليه النّظر الصّحيح قد اشتهر انّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات والتّحقيق ان تمايز العلوم امّا يتمايز الموضوعات كتمايز علم النّحو عن علم المنطق وتمايزهما عن علم الفقه او بتمايز حيثيات البحث كتمايز علم النّحو عن علم الصّرف وتمايزهما عن علم المعانى فان هذه العلوم وان اشتركت فى كونها باحثة عن احوال اللفظ العربى الا انّ البحث فى الاوّل من حيث الأعراب والبناء وفى الثّانى من حيث الأنبية وفى الثّالث من حيث الفصاحة والبلاغة فهم وان اصابوا فى اعتبار الحيثيّة للتّمايز بين العلوم لكنّهم أخطئوا فى اخذها قيدا للموضوع والصّواب اخذها قيدا للبحث وهى عند التحقيق عنوان اجمالى للمسائل التى تقرر فى العلم اذا تقرّر هذا فنقول لمّا كان البحث فى هذا العلم عن الأدلّة الأربعة اعنى الكتاب والسّنّة والإجماع والعقل وعن الاجتهاد وعن التّعادل والتّراجيح من حيث استنباط الأحكام الشّرعية منها نظر بعضهم الى ظاهر ذلك فجعل موضوعه هذه الأمور الثّلاثة وبعضهم ادرج الثّالث فى الأوّل نظرا الى انّ البحث عن التّعادل والتّراجيح راجع فى الحقيقة الى البحث عن دلالة الأدلّة وتعيين ما هو الحجّة منها عند التّعارض وذهب بعض المحقّقين الى انّ موضوعه الأدلّة الأربعة وان ساير المباحث راجعة الى بيان احوالها وذلك لأنّ البحث عن الأدلّة امّا من حيث دلالتها فى نفسها وهو الأمر الأوّل او من حيث دلالتها باعتبار التّعارض وهو الأمر الثّالث او من حيث الاستنباط وهو الأمر الثّانى وهذا اولى بالضّبط الا ان ارجاع مباحث الاجتهاد الى بيان احوال الأدلّة لا يخلو من تعسّف وامّا التّقليد فمباحثه خارجة عن مباحث الفن وان التزموا بذكرها استطرادا كما مرّ ولو جعلنا ذكرها فيه بالأصالة امكن ادراجه فى الاجتهاد على التّغليب فان قلت اكثر مباحث الفنّ باحثة عن احوال غير الأدلّة كمباحث الامر والنّهى والعامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد وكالمباحث الّتى يبحث فيها عن حجّية الكتاب وخبر الواحد وكالمباحث الّتى يبحث فيها عن عدم حجّية القياس والاستحسان امّا القسم الأوّل فلانّ مباحثها عامّة كعموم مباحث النّحو والصّرف واللّغة ولا اختصاص لها بالأدلّة وامّا القسم الثّانى فلان البحث فيها ليس عن الأدلّة اذ كونها ادلّة انما تعرف بتلك المباحث وامّا القسم الثّالث فلان البحث فيها ليس عن الدّليل بل عمّا ليس بدليل قلت امّا المباحث الاول فانما يبحث عنها باعتبار وقوعها فى الكتاب والسّنة فعند

٥

التّحقيق ليس موضوع مباحثهم مطلق تلك الأمور بل المقيّد منها بالوقوع فى الكتاب والسّنة وامّا بحثهم عن حجية الكتاب وخبر الواحد فهو بحث عن الأدلّة لان المراد بها ذات الأدلّة لا هى مع وصف كونها ادلّة فكونها ادلّة من احوالها اللاحقة لها فينبغى ان يبحث عنها ايضا واما بحثهم عن عدم حجّية القياس والاستحسان ونحوهما فيمكن ان يلتزم بانه استطرادى تتميما للمباحث او يقال المقصود من نفى كونها ادلّة بيان انحصار الأدلّة فى البواقى فرجع الى البحث عن احوالها او انّ المراد بالأدلّة ما يكون دليلا ولو عند البعض او ما يحتمل عند علماء الإسلام ولو بعضهم ان يكون دليلا فيدخل فيها وفيه تعسّف.

القول فى المبادئ اللّغويّة تقسيم اللّفظ الموضوع امّا ان يتّحد فى الاعتبار او لا وعلى التّقديرين امّا ان يتحد المعنى الموضوع له او لا فان اتّحد اللّفظ وتعدد المعنى فان تعدد الوضع فمشترك ان كانت الاوضاع ابتدائية بان لم يلاحظ فى بعضها مناسبة للآخر ولا عدمها والا فان لوحظ فى الثّانى مناسبته للاوّل فمنقول تعيينى او تعيّنى والثّانى مسبوق بالتّجوز ان لم يكن النّقل من المطلق الى المقيّد او من العامّ الى الخاصّ والّا اى وان لا يلاحظ المناسبة بينهما فمرتجل وقد يترك القيد الاخير فى حدّ المشترك فيتناول المرتجل وقد يقتصر فيه على مجرّد تعدد الوضع فيتناول المنقول ايضا وهذا اقرب الى الاعتبار الّا انّ المعروف هو الأول وان لم يتعدد الوضع فالوضع عامّ والموضوع له خاصّ وان تعدّد اللّفظ واتّحد المعنى وكانت الدّلالة من جهة واحدة فالالفاظ مترادفة وان تعدّدا فمتباينة وقد يجتمع بعض هذه الأقسام مع البعض ويفرق بالحيثيّة ثمّ اللفظ ان استعمل فيما وضع له واعتبر من حيث انه كذلك فحقيقة وان استعمل فى غيره لعلاقة فمجاز والحقيقة تنسب الى ما ينسب اليه واضعها ان لغة فلغويّة او عرفا فعرفيّة عامّة او خاصّة شرعيّة او غيرهما وانّما اعتبرنا الحيثيّة احترازا امّا لو وضع المتكلّم الفقيه مثلا لفظا فى الكلام او الفقه فانه بعد الاستعمال لا يعدّ حقيقة فقهيّة على الأوّل ولا كلامية على الثّانى لانتفاء الحيثيّة وان حصلت النّسبة وما يقال من ان الحقيقة تنسب الى واضعها نفسه يعرف ما ذكرناه وكذلك المجاز ينسب الى ما تنسب اليه حقيقته واعلم ان التّقسيم الى الكلّى والجزئى انّما يلحق اللّفظ باعتبار نفس معناه المطابقى فى الذّهن بقبول الصّدق على كثيرين وعدمه وظاهر انّ الوصف به كذلك يقتضى كون المعنى بحيث يمكن ملاحظة العقل ايّاه بنفسه وهذا انّما يجرى فى الأسماء الّتى تستقلّ بالدّلالة على معانيها المطابقية دون الحروف لان مداليلها معان آليّة يمتنع ملاحظة العقل ايّاها بنفسها ودون الأفعال لاشتمالها على النّسبة الأستادية الّتى هى معنى خرقى ودون الأسماء الّتى تتضمّن معنى الحرف كاسماء الإشارة والضّمائر والموصولات فى اظهر الوجهين وامّا الانقسام الى الحقيقة والمجاز والمشترك والمترادف والمنقول وغير ذلك فمشترك بين الكلّ اذ لا تستدعى شيء منها كون المعنى ملحوظا فى نفسه تحديد الحقيقة هى الكلمة المستعملة فى ما وضعت له من حيث انّها كذلك فيقيد الاستعمال خرجت

٦

الكلمة المجرّدة عن الاستعمال فانّها لا تسمّى حقيقة كما لا تسمّى مجازا وبقولنا فى ما وضعت له خرجت الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له وبقيد الحيثية خرج مثل لفظ الصّلاة اذا استعملها المتشرّع فى الدّعاء او اللّغوى فى الأركان والمجاز هى الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له لعلاقة فخرج بقيد الاستعمال ما مرّ وبقولنا فى غير ما وضعت له الكلمة المستعملة فى ما وضعت له واللّفظ المستعمل الغير الموضوع وان استعمل فى مثله وبقولنا لعلاقة يخرج الكلام الغلط وان اشتمل على علاقة لان المراد بها العلاقة المعتبرة.

فصل

الوضع تعيين اللّفظ للدلالة على المعنى بنفسه فالتّعيين جنس يشمل جميع التعيينيات والمراد به هنا ما يتناول التّعيين عن قصد كما فى المرتجل ويسمّى هذا النّوع من الوضع بالوضع التعيينى والتّعيين من غير قصد كما فى المنقولات بالغلبة ويسمّى هذا النّوع من الوضع بالوضع التّعيّنى وخرج بتقييده باللّفظ تعيين غيره ولو للدّلالة كالخطوط والنّصب فانه ليس بالوضع المصطلح عليه اصلا والمراد به ما يتناول الحرف الواحد والهيئة كالحركة والسّكون ولو بالتّوسع فى لفظه وخرج بقولنا للدّلالة على معنى تعيين اللّفظ للتّركيب كما فى الحروف الهجائية فى وجه والظّاهر من كون التّعيين للدّلالة اعنى الدّلالة حال الاستعمال كونه بلا واسطة وحينئذ فيخرج التّعيين الاستعمال والتّعيين للوضع ايضا وقولنا بنفسه احتراز عن المجاز فان فيه تعيينا للدّلالة على المعنى لكن لا بنفسه بل بواسطة القرينة ثمّ الواضع ان لاحظ فى وضعه امرا جزئيا حقيقيا كان الموضوع له حينئذ معنى جزئيا لا محالة فيكون الوضع خاصا والمعنى خاصا كما فى الأعلام الشّخصيّة ومنهم من اجاز ان يكون الموضوع له حينئذ عاما كما لو شاهدنا حيوانا فتوصّلنا به الى وضع اللّفظ بازاء نوعه وفيه ان الملحوظ فى الوضع حينئذ انّما هو الكلّى المنتزع من الجزئى دون نفس الجزئى والوضع ايضا بازائه فيكون من القسم الآتي وان لاحظ امرا كلّيّا فالوضع عام وحينئذ فان وضع اللّفظ بازائه من غير اعتبار خصوصيّة غير معيّنة نوعيّة او شخصيّة معه شطرا او شرطا فالموضوع له عام كما فى اسماء الأجناس وانّ وضعه بازائه مع اعتبارها فالموضوع له خاصّ لكونه من جزئياته الحقيقيّة او الإضافيّة كما فى اعلام الأجناس بناء على انها موضوعة للأجناس من حيث تعيّناتها الذّهنيّة وكما فى الحروف واسماء الإشارة والضّمائر والموصولات وغيرها ممّا يتضمّن معانى الحروف فان التحقيق ان الواضع لاحظ فى وضعها معاينها الكلّية ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلّقاتها الخاصّة فلاحظ فى وضع من مثلا مفهوم الابتداء المطلق ووضعها بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلّقاتها الخاصّة من السير والبصرة مثلا فيكون مداليلها خاصّة لا محالة وكذلك لاحظ فى وضع اسماء الإشارة مفهوم المشار اليه ووضعها بازاء ذاته بضميمة الإشارة الخارجة المأخوذة آلة ومرآة لتصرف حال الذّات فيكون معاينها جزئيّات لا محالة لوضوح ان الماهية اذا اخذت مع تشخص لا حق لها كانت جزئية هذا على ما هو المختار وفاقا لجماعة من المحقّقين لأن

٧

المتبادر منها ليس الّا المعانى الخاصّة وانّها لا تستعمل الّا فيها ومنهم من انكر ذلك وقال بوضعها بازاء معانيها الكلّية واستدلّ عليه بوجوه الأوّل انّ اهل اللّغة صرّحوا بذلك حيث قالوا انا للمتكلّم ومن للابتداء وفيه ان ذلك منهم محمول على ما مرّ للقطع بانّها لم تستعمل فى تلك المعانى قطّ الثّانى انّ احدا لم يذكر تلك الألفاظ فى متكثّر المعنى وفيه انّ عدم ذكر المتقدّمين مبنى على طريقتهم حيث لم يثبتوا هذا القسم فتبعهم المتأخرون تسامحا الثّالث انّ وضعها للجزئيات يقتضى اوضاعا غير متناهية وهو محال وفيه انّ وضعها للجزئيّات اجمالى فلا يلزم تعدد الوضع فضلا من عدم تناهيه ثم اعلم انّ اللّفظ الموضوع ان عيّن من حيث الخصوصيّة فالوضع شخصىّ وهذا ظاهر والّا فنوعىّ ومنه وضع اكثر صيغ المشتقّات فانّ التّحقيق انّ منها ما هو موضوع بالوضع الشّخصى كالمفرد المذكر الغائب المبنى للفاعل من الماضى والمضارع المجرّدين فانّ اختلاف هيئاتهما فى المواد المختلفة مع عدم قدر جامع بين ما اتّفق منها فيها يوجب كونهما موضوعين بالوضع الشّخصى وكون افعال السّجايا موضوعة على الضّم على تقدير ثبوت الاطراد فيها لا يجدى فى غيرها ومنها ما هو موضوع بالوضع النّوعى كسائر صيغ الماضى والمضارع وجملة صيغ الامر واسم الفاعل والمفعول فانّ التّحقيق انّ الواضع لاحظ كلّ نوع منها مما له قدر جامع بعنوان كلّى وهو ذلك القدر الجامع ووضع كلّ واحد من خصوصيّاته الملحوظة تفصيلا او اجمالا على ما مرّ بازاء معاينها المعهودة وعلى هذا فالمشتقّات تدلّ على معانيها من الحدث والزّمان والنّسبة وغيرهما بوضع واحد شخصىّ او نوعىّ هذا ما يساعد عليه التحقيق والمعروف بينهم انّ مواد المشتقّات اعنى حروفها الاصليّة موضوعة بالوضع الشخصى لمعانيها الحدثية وهيئاتها موضوعة بالوضع النّوعى للمعانى الزّائدة عليها من الزّمان والنّسبة او غيرهما بمعنى انّها موضوعة كذلك فى كلّ مادّة للمعنى اللّاحق لمعناها من حيث الخصوصيّة ويشكل بانّهم ان ارادوا انّ المواد موضوعة بوضع المصادر فيتضح الفساد لانّ هيئات المصادر معتبرة فى وضعها لمعانيها قطعا وان ارادوا انّها موضوعة للمعانى الحديثة يوضع آخر مشروط باقترانها باحدى الهيئات المعتبرة لئلّا يلزم جواز استعمالها بدونها فبعيد جدّا

فصل

قد يطلق اللّفظ ويراد به نوعه مطلقا او مقيّدا كما يقال ضرب موضوع لكذا او فعل او انّه فى قولك زيد ضرب خبر اذا لم يقصد به شخص القول وقد يطلق ويراد به فرد مثله كقولك زيد فى قولك ضرب زيد فاعل اذا اريد به شخص القول وربّما يرجع هذا كسابقه الى القسم الاوّل اذا كانت الخصوصيّة مستفادة من خارج وامّا لو اطلق واريد به شخص نفسه كقولك زيد لفظ اذا اردت به شخصه ففى صحّته بدون تاويل نظر لاستلزامه اتحاد الدّالّ والمدلول او تركب من جزءين مع عدم مساعدة الاستعمال عليه ثم الدّلالة المذكورة ليست بالوضع والّا لكانت جميع الألفاظ موضوعة لاشتراكها فى هذه الدلالة وهو ظاهر الفساد وايضا يلزم ان يكون جميع الالفاظ الموضوعة مشتركة وهو

٨

ممّا لم يقل به احد ولا بالطّبع سواء اريد به طبع اللّفظ او اللّافظ او السّامع والوجه ظاهر ولا بالعقل على ما يذهب اليه الوهم لأنه ان اريد انّ دلالة اللّفظ على ارادة اللّفظ منه عقلية فظاهر الفساد اذ لا ملازمة ولا اطّراد كما هو شان العقليّات وان اريد انّ دلالة اللّفظ على نفس اللّفظ عقليّة فممنوع امّا فى الصّورة الأولى فلانّ تصوّر الشخص مط لا يستلزم تصوّر نوعه او صنفه وامّا فى الصّورة الثّانية فلظهور ان لا ملازمة بين تصوّر لفظ وتصوّر لفظ مماثل له وهذا مما لا سترة عليه اللهمّ الّا ان تفسير الدلالة العقليّة بمعنى آخر على انّ مجرّد الدّلالة لا يصحّح الإرادة والّا لجاز ان يقال زير متكلّم وبيز قائم لدلالتهما على اللّافظ الموصوف بتلك الصّفتين وفساده ممّا لا يخفى على احد بل الحق انّ هذه الدّلالة انما تستفاد من اللّفظ بواسطة قرائن مقاميّة او مقاليّة كما فى المجاز فانّ قولك اسم او فعل او مبتدأ او نحو ذلك قرينة ظاهرة على انّ المراد بزيد وضرب مثلا نفس اللّفظ دون المسمّى والمعنى ولهذا تجد انّ الذّهن لا ينصرف اليه الّا بعد ملاحظة القرينة والمجوّز لهذا النّوع من الاستعمال انّما هو العقل والطّبع نظرا الى وجود المناسبة الصّورية بينهما اعنى المشابهة اللّفظية وهذا نظير ما نقول به فى باب المجاز على ما سيأتي. فصل الجمهور على انّ المجاز موضوع بالوضع التّاويلى التّعيينى النّوعى وانّ صحّته متوقفة على نقل النوع ولا حاجة الى نقل الآحاد وخالف فى ذلك شرذمة فاعتبروا نقل الآحاد ويلزمهم ان يكون المجازات التى احدثها فصحاء المتاخرين وغيرهم ممّا لا يسع حد حصرها غلطا وهو غلط لا يلتزم به ذو مسكة وربّما فصّل بعض الافاضل بين الالفاظ الّتى ضبطوا معانيها المجازية كالحروف وصيغ الامر والنهى وبين غيرها فاقتصر فى الاوّل على القدر المنقول دون الثّانى فان اراد انّ الظّاهر فى الصّورة الاولى ان لا يكون هناك معنى آخر يكون بينه وبين معانيها الحقيقية علاقة معتبرة لحصرهم المعوّل فيه عندهم على الاستقراء فله وجه وان ثبت منهم فى مقام حصر والا فضعفه ظاهر ثم اعلم انّ الأكثر لم يبالغوا فى حصر انواع العلاقة وضبطها كما يشهد به تصفّح كتبهم وكان ذلك تنبيه منهم على انّ المعتبر فى العلاقة انّما هو تحقّق المناسبة التى يقبل الطّبع اطلاق اللّفظ الموضوع لاحدهما على الآخر وهذا هو التحقيق الذى ينبغى تنزيل كلماتهم عليه والمدار فى الطّبع على طبع اهل الاستعمال وهذا قد يختلف باختلاف الطّباع ولهذا يرى ان بعض المجازات المعتبرة فى اللّغة العربيّة لا يستحسن فى مرادفاتها من لغة اخرى ثم اعلم انّ العلاقة المعروفة انما تعتبر اذا كانت بين المعنى المجازى وبين المعنى الموضوع له فلا تعتبر اذا كانت بينه وبين معنى مجازى آخر الّا اذا كانت بحيث توجب العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقى فتعتبر من هذه الحيثية ولهذا تريهم يمنعون سبك المجاز من المجاز والدّليل عليه عدم مساعدة الطّبع او الرّخصة على الاعتداد بمثل تلك العلاقة لبعدها عن الاعتبار تنبيه التحقيق عندى انّه لا حاجة فى المجاز الى الوضع والرّخصة بل جوازه طبعى مبنى على المسامحة والتّأويل فى الوضع الأصلىّ حيث ما يتحقق بين المعنيين علاقة معتبرة عند الطّبع وان كان وقوع الاستعمال فى بعضها ممّا يوجب تاكد العلاقة او تعميم مواردها فانّ الضّرورة قاضية بانّ من وضع لفظا بازاء الشمس جاز اطلاقه على وجه يشابه الشّمس فى الحسن والبهاء بملاحظة وضعه للشمس وان قطع النّظر عن كلّ اصطلاح الى غير ذلك وهذا فى الاستعارة ظاهر وفى غيرها لا يخلو من نوع خفاء ولا يلزم من ذلك خروج المجازات عن كونها عربية اذ يكفى فى النسبة

٩

توقّفها على اوضاع عربيّة وابتنائها عليها وكذلك نسبة المجاز الى ساير اللّغات والاصطلاحات

فصل

الحق كما عليه المحقّقون امكان الاشتراك ووقوعه فى اللّغة منهم من اوجب وقوعه ومنهم من احاله ومنهم من صنفه فى خصوص القرآن والظّاهر انّ النّزاع فى الألفاظ اللّغوية الأصليّة او فيها وفيما يجرى مجراها لا غير ضرورة انّ كلّ واضع لا يلزم ان يكون حكيما ولا مطلعا على جميع اوضاع القصة وينبغى ان يراد بالاشتراك هنا مجرّد كون اللّفظ الواحد موضوعا باوضاع متعدّدة سواء كانت الأوضاع ابتدائية أو لا والمراد من الوجوب لزوم وقوعه من حيث الحكمة الدّاعية اليه على التّعيين وبالامتناع لزوم عدمه من حيث اخلاله بها وبالإمكان انتفاء ما يوجب شيئا من ذلك لنا على امكانه عدم ما يقتضى وجوبه وامتناعه وعلى وقوعه فى اللّغة نصّ اللّغويّين عليه فى الفاظ كثيرة كالقرء فى الطّهر والحيض والعين فى الجارية والجارحة وثبوت الاشتراك فى هذه الالفاظ يقتضى وقوعه فى القرآن لوقوعها فيه حجّة من اوجب وقوع الاشتراك انّ المعانى غير متناهية والألفاظ متناهية لتركّبها من حروف متناهية فاذا وزّعت الالفاظ على المعانى بقى ما زاد على عدد الألفاظ مجرّدا عن لفظ يكون بازائها وح فامّا ان لا تكون تلك الألفاظ وضعت ثانيا بازائها فيلزم الإخلال بالمصلحة الّتى تضمّنها الوضع او وضعت فيلزم الاشتراك وفيه انّ المعانى وان كانت غير متناهية لكن وضع الألفاظ بازاء آحادها يوجب اوضاعا غير متناهية وهى على تقدير صحّة صدورها من الواضع لا فائدة فيها الّا فى قدر متناه منها لامتناع تعقّل امور غير متناهية او استعمال الألفاظ بحسب اوضاع غير متناهية فيلغو الوضع فيما زاد عليه سلّمنا لكنّ المعانى انّما لا تكون متناهية بجزئياتها وامّا بالنّظر الى كلّياتها العالية او ما قاربها فهى متناهية وظاهر انّ الوضع بازائها مغن غالبا عن الوضع بازاء الخصوصيّات والجزئيّات لحصول المقصود بتركيب بعضها ببعض سيّما مع انفتاح باب المجاز فلا يلزم تناول الوضع لجميع الألفاظ فضلا عن وقوع الاشتراك فيها احتجّ من احال الاشتراك بانّه يخلّ بالتّفهيم المقصود من الوضع لخفاء القرائن وجوابه انّ البيان يمكن بمعونة القرائن الواضحة مع انّ القصد قد يتعلّق بالبيان الإجمالي لحكمة داعته اليه حجة من منع وقوعه في القرآن انه لو كان مبيّنا لزم التّطويل بلا فائدة لإمكان الاداء بغيره دونه والّا لزم عدم الإفادة وشيء منهما لا يليق بكلامه تعالى والجواب : انّ المقام ربّما يعيّن المعنى المقصود من غير حاجة الى قرينة لفظية فلا يلزم التّطويل مع انّ القرنية اللّفظيّة ربّما تكون مقصودة فى الخطاب لنفسها كما فى قوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) فلا يلزم التّطويل بغير فائدة على انّ اللّفظ المشترك قد يكون اصح من غيره واوفق بالقافية ونحو ذلك فيترجّح من جهته مضافا الى انّ المشترك لا يخلو من دلالة اجمالية والغرض قد يتعلّق بها فصل : الترادف واقع فى اللّغة لنص اللّغويّين عليه فى الفاظ كثيرة

١٠

خلافا لبعضهم حيث منع من وقوعه وجعل ما عدّ منه من باب اختلاف الذّات والصّفة كالحيوان والماشى او اختلاف الصّفات كالمنشى والكاتب او اختلاف الصّفة وصفة الصّفة كالمتكلّم والفصيح ونحو ذلك واحتجّ بامرين احدهما انّ احد الوضعين مغن عن الآخر لحصول المقصود وهو الأفهام به فيكون عبثا فيمتنع صدوره عن الواضع الحكيم والثّانى انّه لو وقع فاللّفظ الثّانى تعريف لما عرف بالاول وهو محال للزوم تعريف المعرّف وتحصيل الحاصل والجواب امّا عن الحمل المذكور فبانه تعسّف ظاهر فى كثير من الموارد يأبى عنه كلماتهم فلا وجه لان يرتكب من غير ضرورة تلجأ اليه وامّا عن الاحتجاج الأوّل فبانّه انّما يتمّ اذا كان المقصود من الوضع الثّانى مجرّد التّفهيم وليس كذلك اذ قد يقصد به التّوسعة فى المحاورة وتيسّر التّفنّن فى المكالمة وموافقة الوزن والسّجع وتيسّر انواع البديع الى ذلك وامّا عن الثّانى فبانّ الوضع الثّانى ليس محصّلا لشخص التّعريف الحاصل بالاوّل بل لمثله كما فى الأسباب المتعدّدة ولا محذور فيه واعلم انّ ما ذكرناه انّما يتّجه بالنّسبة الى مطلق الألفاظ العربيّة او اللّغوية كما هو الظّاهر وامّا اذا كان بالنّسبة الى الألفاظ الّتى وضعها الواضع الاوّل فالّذى اوردناه فى معرض الأثبات لا ينهض دليلا عليه لأنّ نصّ اللّغويّين على ترادف بعض الألفاظ لا يقتضى ان يكون ذلك بحسب اصل اللّغة مع انّ الأصل تاخّر الحادث فصل : يعرف كلّ من الحقيقة والمجاز بعلامات مع سلامته عن المعارض وامّا عند التّعارض فان امكن الجمع تعيّن والّا فان كان التّعارض بين النّفى والأثبات تعيّن القول بالإثبات لأنّ مرجع الأثبات الى الاطلاع ومرجع النّفى الى عدم الاطّلاع غالبا والّا فالتّعويل على ما كان الظّن معه اقوى كالمعتضد بالشّهرة او باكثرية اطلاع نقلته او حذاقتهم او نحو ذلك ثمّ التّعويل على النّقل مقصود على الألفاظ الّتى لا طريق الى معرفة حقائقها ومجازاتها الّا بالنّقل وامّا ما يمكن معرفة حقيقته ومجازه بالرّجوع الى العرف وتتبّع موارد استعماله فلا سبيل الى التّعويل على النّقل (١) من قبل التّقليد وهو محظور عند التّمكن من الاجتهاد فالعدول عنه عدول عن اقوى الامارتين الى اضعفهما وهو باطل الثّانية : التّبادر وتبادر الغير فالأوّل علامة الحقيقة والثّانى علامة المجاز والمراد بالتّبادر ظهور اللّفظ المجرّد عن القرينة فى المعنى وانسباقه منه الى الفهم فلا يرد النّقض بالمجاز المحفوف بالقرينة لانّه اذا تجرّد عنها لم ينسبق معناه المجازى الى الفهم ولا فرق فى القرينة بين ان تكون شهرة او غيرها واشكل بانّ هذه العلامة دوريّة لتوقّف التّبادر على العلم بالوضع فلو توقف العلم بالوضع على التّبادر لزم الدّور والجواب : انّ ما يتوقّف عليه التّبادر انّما هو العلم بالوضع ولو اجمالا وما يتوقّف على التّبادر انّما هو العلم به تفضيلا على انّ ما يتوقف على علمنا بالوضع انّما هو نفس التّبادر واما علمنا بالتبادر فلا لامكان استفادته من تنصيص اهل اللّغة والتّتبع فى موارد استعماله لا يقال مجرّد التّبادر

__________________

(١) التنهاذ الى انّ التّعويل على النّقل

١١

فى الموارد لا يستلزم الحقيقة لجواز ان يكون لقرينة خفية لازمة كما فى المجاز المشهور لأنّا نقول لمّا كان المدار فى اثبات الوضع على الظّن غالبا فمثل هذا الاحتمال لندرته لا يورث الوهن فانّ الظّنّ يلحق الشّيء بالأعمّ الأغلب الثّالثة : صحّة سلب المعنى وعدمها حسب نفس الأمر اى من غير مسامحة وتاويل والاوّل علامة المجاز والثّانى علامة الحقيقة وانّما اعتبرنا القيد الأخير احترازا عمّا لو اعتبر صحّة السّلب وعدمها بحسب الدّعوى ثمّ انّ على هذه العلامة إشكال وهو انها منتقضة بالمجاز المستعمل فى الجزء او لازم المحمولين كالانسان فى النّاطق والضّاحك فانّه لا يصحّ ان يقال الإنسان ليس بضاحك مع انّه ليس حقيقة فيه وكذلك العام اذ استعمل فى الخاص من حيث الخصوصيّة فانّ عدم صحّة السّلب متحقّق ولا حقيقة والجواب : انّ هذا الاشكال انّما يتوجّه اذا اعتبر السّلب بالحمل المتعارف كما زعمه بعضهم وامّا اذا اعتبر بالحمل الذّاتى اعنى ما يكون مفاده الاتّحاد فى الحقيقة فلا اشكال اذ يصدق فى تلك الأمثلة انّ مفهوم الإنسان ليس مفهوم النّاطق والضّاحك وانّ مفهوم العام ليس مفهوم الخاص هذا ما يستفاد من كلمات القوم الرّابعة : الاطّراد وعدمه امّا الأوّل [وهو الاطراد] فهو علامة الحقيقة على ما نصّ عليه بعض المتأخّرين والمراد به ان يكون المعنى الّذى صحّ باعتباره الاستعمال من غير تاويل بحيث كلّما تحقّق صح الاستعمال فيه كذلك وذلك كرجل وضارب فانّ المعنى الذى صحّ باعتباره اطلاقهما على زيد مثلا من غير تاويل هو بحيث كلّما وجد صح اطلاقهما عليه كذلك ونحو هذا فانّ المعنى الّذى صحّ باعتباره استعماله فى خصوص زيد من غير تاويل وهو كونه فردا من افراد المذكر المشار اليه هو بحيث كلّما تحقّق صح استعماله فى خصوصيّة كذلك حيثما يتحقّق الاطراد على الوجه الأوّل فهو علامة لكون كل من الوضع والمعنى عاما وحيث ما كان على الوجه الأخير فهو علامة كون الوضع عاما والموضوع له خاصا والاظهر عندى ان يفسّر الاطراد بان يكون المعنى الّذى صحّ باعتباره استعمال اللّفظ على الحقيقة او من غير تاويل فى موارده المعلومة من حيث القدر المشترك بحيث يصحّ ان يستعمل كلّ فى موارده المشكوكة فيستعلم من ذلك انّ اللّفظ موضوع للقدر المشترك بين تلك الموارد وانّ المعنى الّذى يصحّ استعمال اللّفظ باعتباره تحقق فى الجميع كما لو علمنا مدلول لفظ الماء الحقيقى اجمالا وترددنا فى تفضيله وتعيينه بين ان يكون موضوعا لخصوص القدر المشترك بين المياه الصّافية او الاعم من ذلك اعنى القدر المشترك بينها وبين المياه الكدرة فبصحة اطلاقه على المياه الكدرة من غير تاويل باعتبار ذلك المعنى نستعلم كونه حقيقة فى المعنى الاعمّ وامّا [الثاني وهو] عدم الاطراد فقد ذكره جماعة علامة للمجاز ومثّلوا بنحو اسأل القرية فانّ المصحّح لاستعمال القرية فى اهلها علامة الحلول وليس كلّما تحقّقت هذه العلاقة صحّ الاستعمال اذ لا يقال اسأل البساط والحجرة ونحوهما ولكن الحق سقوط هذه العلاقة راسا اذ المجاز ايضا يطّرد حيثما توجد علاقة

١٢

معتبرة وهى المناسبة المصحّحة لاعادة لفظ احدهما للآخر فى اصطلاح التّخاطب فانّ هذا هو المعيار فى سبك المجاز وعليه المدار فى الاستعمال فحينئذ تسقط العلاقة المذكورة والحقّ انّ المجاز ايضا يطّرد حيثما توجد علاقة معتبرة الخامسة : الاستقراء وهو تصفّح كثير من الجزئيات لاثبات حكم كلّيها او ما يلازم حكم كلّيها كحكمنا على كلّ فعل بانّه يجمع على فعول وكحكمنا على كلّ فاعل بانّ حقّه الرّفع وعلى كلّ مفعول بانّ حقه النّصب الى غير ذلك من القواعد المقرّرة فى محلّها فان تلك القواعد وان لم يسمع كلّها او جلّها من العرب لكن ما نجده من محافظتهم عليها فى الموارد الّتى تصفّحناها ممّا يوجب القطع او الظّنّ بتاسيس الواضع لتلك القواعد ووضعه ايّاها ويسمّى الحكم المستفاد منه عند علماء الأدب حكما قياسيا ويمكن ارجاع هذا بنوع من التّوجيه الى علامة الاطوم وحجّية هذا الطّريق ممّا لا خلاف فيه فصل : في استفادة المراد من اللفظ متى ورد من المتكلّم لفظ وعرف مراده بالقرائن الخارجيّة من شواهد علميّة او امارات ظنّية ممّا يقول عليه فى المحاورات العرفيّة حمل عليه سواء كان حقيقة او مجازا واذا انتفت القرائن الخارجيّة فان اتّحد معناه الحقيقى واحتمله المقام من غير معارض حمل عليه كما سيأتي وان تعدد فلا يخلو امّا ان يكون بطريق الاشتراك او النّقل فان كان للاوّل فان كان لبعض المعانى اشتهارا واختصاص فى عرف المخاطبين حمل عليه والّا فان انتفى الامر ان وجب الوقف والرّجوع الى الأصول وعلى هذا القياس مشترك الكتابة اذا تجرّد عن القرينة كحديث لا سبق المحتمل للفتح فيدل على تحريم اخذ المال المشترك والسّكون فيدلّ على حرمة العمل ويلزمها حرمة المال فيبنى على الاوّل لأصالة جواز الفعل مع احتمال ترجيح الثّانى فى خصوص المقام باصالة عدم حركة العين وباصالته للاوّل فيرجّح على الفرع وقد يتطرّق هذان الوجهان فى اللّفظ المسموع اذا شكّ فى حركته ولو لتطرّق النّسيان اليه والأخير خاصة فيما اذا تساوى الاصل والفرع هيئته كفلك مفرد او جمعا وان اختص الاختصاص باحدى المعنيين او الاشتهار فيه يعرف احدهما وبالآخر فى عرف الآخر ففى الحمل على ما يقتضيه عرف المتكلّم او المخاطب او الوقف وجوه هذا اذا علم يعلم المتكلّم بعرف المخاطب او جهل به وان علم بعدم علمه حمل على مقتضى عرف المتكلّم بلا اشكال كما انه يحمل على عرف المخاطب اذا علم بعلم المتكلّم بعدم علمه بعرفه وان كان الثّانى اى النّقل فان علم سبق النقل على الاستعمال او العكس فلا كلام والّا امكن ترجيح المعنى المنقول منه مع العلم بتاريخ الاستعمال والمعنى المنقول اليه مع العلم بتاريخ النّقل اخذا باصالة تاخّر الحادث ما لم يعتضد خلافه بشواهد خارجيّة ومن هنا وقع النزاع فى الالفاظ الّتى وردت مستعملة فى الشّرع ممّا تعارض فيه العرف واللّغة فقيل بتقديم اللّغة للاصل وقيل بتقديم العرف بدلالة الاستقراء وهو قوى ثمّ للّفظ احوال خمسة معروفة مخالفة للأصل هى المجاز والاشتراك والنّقل والتّخصيص والاضمار فلا يصار اليها الّا بدليل فان اقتضى

١٣

بعضا منها معيّنا توبع مقتضاه وان اقتضى بعضا لا بعينه فهذه صور تعارض الأحوال فان دار الامر بين المجاز والاشتراك قدم المجاز لكثرته انواعا وافرادا وسعة واستغنائه من تعدد الوضع واذا دار بين النّقل والاشتراك رجح الاشتراك لانفراد النّقل عن الاشتراك بعد مشاركتهما فى الحاجة الى تعدد الوضع بالاحتياج الى هجر المعنى الاوّل وعدم احتياج الاشتراك اليه هذا اذا اريد بالمنقول المنقول بالغلبة والهجر ولو اريد ما وضع للمعنى الثّانى لمناسبة المعنى الاول من غير هجر امكن ترجيح الاشتراك ايضا باصالة عدم هذه الملاحظة ومنه يظهر رجحان الاشتراك على الارتجال ايضا واذا دار بين الاضمار والاشتراك رجّح الأضمار لأنّ وجوب الاضمار من توابع عدم الاشتراك ولوازمه بالنسبة الى بعض موارد الاستعمال واذا دار بين التخصيص والمجاز رجح التّخصيص لكثرته وشيوعه وان قلنا انّه منه اذ المراد بالمجاز هنا ما عدى التّخصيص بقرينة المقابلة واذا دار بين التّخصيص والاشتراك رجّح التّخصيص لرجحانه على المجاز الرّاجح على الاشتراك واذا دار بين المجاز والنّقل رجّح المجاز لرجحانه على الاشتراك الرّاجح على النّقل واذا دار بين الأضمار والنّقل رجّح الأضمار لرجحانه على الاشتراك الرّاجح على النّقل واذا دار بين المجاز والاضمار قيل بتساويهما لاحتياج كلّ منهما الى القرينة ويمكن ترجيح المجاز لغلبته واذا دار بين التّخصيص والأضمار فالتّرجيح للتّخصيص لغلبته واعلم انّ حجّية ظواهر الألفاظ موضع وفاق قديما وحديثا ولا فرق بين الظّهور المستند الى نفس اللّفظ او الى القرائن ولا بين الألفاظ الملفوظ بها المكتوبة ويجرى فى المكتوبة ما قلناه فى الملفوظة فصل قد اشتهر بينهم انّ الاصل فى الاستعمال الحقيقة وانّ الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز فمن موارد القاعدة الاولى ما لو علم المعنى الحقيقى والمجازى وجهل المراد فيحمل على المعنى الحقيقى ومورد القاعدة الثّانية ان يتعدد المستعمل فيه ويجهل الموضوع له او يعلم الوضع فى البعض ويجهل فى الباقى فالسيد يبنى على الاشتراك ويجعل استعمال اللّفظ فى المعانى المتعددة علامة الحقيقة والاكثر على ان الاستعمال اعمّ من الحقيقة والمجاز وهذا هو الحق لانّ الاشتراك يتوقف على تعدد الوضع فحيث لا دليل عليه فالأصل عدمه فصل : اختلف القوم فى اثبات الحقيقة الشّرعيّة ونفيها فذهب الى كلّ فريق ومنهم من اثبتها فى العبادات ونفاها فى المعاملات ومن النّافين من ذهب الى صيرورة هذه الالفاظ حقيقة عند المتشرعة فى زمن الشّارع ومنهم من خصّها بالألفاظ المتداولة ويظهر من بعضهم نفى ذلك ايضا وقد يحكى عن بعضهم نفيها فى ما تقدم على زمن الصّادقين (ع) وربما عزي الى الباقلانى القول بانّ هذه الألفاظ باقية على معاينها اللّغويّة والزّيادات شروط لقبولها وصحّتها وهو غير ثابت والاقوى عندى انّ جملة من تلك الألفاظ قد كانت حقايق فى معاينها الشّرعية فى الشّرائع السّابقة كالصّلاة والصّوم والزّكاة والحجّ لثبوت ماهياتها فيها كما يدلّ عليه قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) وقوله تعالى لابراهيم (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) وقوله تبارك اسمه (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ

١٤

مِنْ قَبْلِكُمْ) الى غير ذلك واذا ثبت انّ هذه الماهيات كانت فى الشّرائع السّابقة ثبت كون هذه الألفاظ حقيقة فيها فى لغة العرب فى الزّمن السّابق لتديّنهم بتلك الأديان وتداول الفاظها بينهم وعدم نقل لفظ آخر منهم بازائها ولو كان لقضت العادة بنقله ولا يقدح وقوع الاختلاف فى ماهيّاتها وان قلنا بان مسمياتها الماهيّات الصّحيحة لانا نلتزم بانّها موضوعة بازاء القدر المشترك الصّحيح فيكون الاختلاف فى المصاديق حجّة القول الأوّل [بالإثبات] وجوه [الوجه] الاوّل : القطع بانّ الصّلاة والصّوم والحجّ اسماء لمعانيها الشّرعيّة لتبادرها منها عند الإطلاق وذلك لا يكون الّا بنقل الشّارع ايّاها والجواب : انّ المتبادر المدّعى ان كان بالنّسبة الى زمان اهل الشّرع فمسلّم لكنّه لا يثبت به الّا الحقيقة عندهم وان كان بالنّسبة الى زمان الشّارع فممنوع [الوجه] الثّانى : انّ هذه المعانى ممّا تشتدّ

الحاجة الى ايرادها والتّعبير عنها فمقتضى الحكمتان يضع الشّارع بازائها الفاظا ليستغنى به عن القرينة مع انّ فى الوضع من السّلامة من الإخلال بالفهم ما ليس فى القرينة اذ ربّما تخفى فيختلّ فهم المقصود ثم اذا ثبت الوضع فليس الموضوع الّا هذه الألفاظ المتداولة على السنة اهل الشّرع وذلك ظاهر والجواب : انّ مرجع هذا الوجه الى الاستحسان ولا تعويل عليه سيّما فى اثبات الوضع مع انّه لا يقتضى خصوص الوضع بل ما يوجب الغناء عن تكرير القرينة ولو ينصب قرينة عامة [الوجه] الثالث : الاستقراء فانّا تتبعنا استعمالات الشّارع لهذه الألفاظ فوجدناه يستعملها غالبا فى معانيها المخترعة عنده وذلك يفيدنا الظّنّ بانّه قد بنى من اوّل الأمر على النّقل ألا ترى انّا نحكم على الألفاظ المتداولة فى عرف ارباب العلوم والصّنائع بانّها منقولات عندهم بمجرّد غلبة استعمالهم اياها فى معاينها المخترعة عندهم والجواب : انّ غلبة الاستعمال لا يوجب البناء على النّقل لجواز البناء على التّجوز فان رجّح الاوّل بانّه اوفق بالحكمة رجع الى اثبات الوضع بالاستحسان وقد مرّ فساده ولا يذهب عليك ان هذا الاستقراء ليس بالاستقراء الذى ذكرنا انّه حجّة فى مباحث الألفاظ [الوجه] الرّابع : نقل جماعة من العلماء وقوعها والظّاهر انّ هذه المسألة لغوية يكتفى فيها ينقل الواحد فضلا عن المتعدّد لا يقال هذا النّقل معارض بنقل عدم وقوعها لأنّا نقول المثبت مقدّم على النّافى والجواب : انّ مستند النّاقلين لمّا كان بعض الوجوه المتقدّمة او الآتية وهى لا تنهض دليلا على الأثبات لم يتّجه الاستناد الى نقلهم [الوجه] الخامس : انّ علماء الأعصار لا يزالون يحملون هذه الألفاظ على معانيها الشّرعية ويستدلّون بها فى موارد الحاجة ومواضع الخلاف من غير نكير وذلك اجماع منهم والجواب : انّ الاجماع المدّعى ان كان بالنّسبة الى المثبتين فسلّم لكن لا يثبت به الدّعوى وان كان بالنّسبة الى المنكرين ايضا فممنوع حجّة من فصّل بين ألفاظ العبادات وغيرها انّ العبادات ماهيات مخترعة فى الشرع بخلاف المعاملات وتوابعها كالبيع والصّلح والهبة والدّين والرّهن والإجارة والعارية والوديعة والغصب والقصاص

١٥

والدية وغيرها فانّها باقية على حقائقها الأصليّة لم يتصرّف الشّارع فيها الا بان جعل لها شرائط واحكام وذلك لا يقتضى اختلاف ماهيتها لانّ الشّرط خارج عن حقيقة المشروط ومن هنا قالوا العبادات توقيفية دون المعاملات وارادوا بذلك موضوعاتها بمعنى انّ موضوعات العبادات تتوقف على بيان الشّارع دون موضوعات المعاملات فانّ المرجع فيها الى العرف ولم يريدوا احكامها فانّ الأحكام كلّها توقيفية لا بد فيها من الأخذ من الشّارع واجيب بمنع الاطراد فى المقامين اما فى العبادات فانّ مثل لفظ الاحرام والطّواف ونظائرهما باق على معناه الأصلى اذ لم يجعل الشارع لها الّا شرائط وهو لا يقتضى الاختلاف فى الماهية وامّا فى غيرها فانّ لفظ الخلع والمبارات والنّكاح والإيلاء والعدالة والفسق والطّهارة والنّجاسة والحدث وغيرها منقولات فى الشّرع اذ لم يعهد مفاهيمها من اهل اللّغة وليست بالفاظ عبادات وفيه نظر لكن يرد انّ مستند هذا القائل فى ثبوت النّقل فى الفاظ العبادات راجع الى الوجوه المتقدّمة وقد عرفت ما فيها حجة القول بالنّفي وجوه [الوجه] الاوّل : أصالة عدم وقوع النّقل فى كلام الشّارع لانّه حادث فيستصحب عدمه تمسّك به جماعة وهو انما يقتضى نفى الحقيقة الشّرعية فى الظّاهر دون الواقع كما يقتضيه الوجهان الآتيان [الوجه] الثّاني : انّ الشّارع لو نقلها لفهمها المخاطبين بها ولو فهمّهم اياها لنقلوا الينا لمشاركتنا لهم فى التكليف ولو نقل فاما بالتّواتر ولم يقع وامّا بالآحاد وهو لا يفيد القطع والجواب : منع الملازمة الثّانية ان اريد نقل النقل الينا اذ الشركة فى التكليف لا يقتضى الّا بيان المراد وهو يمكن بذكر القرينة ولا حاجة الى التّصريح بالنقل وان اريد نقل المراد فبطلان التّالى ممنوع [الوجه] الثّالث : انّ هذه الالفاظ لو كانت منقولة فى الشّرع لزم خروج القرآن عن كونه عربيا والتّالى باطل فكذا المقدم والجواب : انّ العربي أعمّ مما وضعه واضع لغة العرب او وضعه غيره ليستعمل فى لغته تتمّة : تظهر الثّمرة بين القول بثبوت الحقيقة الشّرعية بالوضع التّعيينى وبين القول بالنّفى مطلقا فى ما اذا اوردت تلك الألفاظ فى كلام الشّارع مجرّدة عن القرينة فانّها تحمل على معاينها الشّرعيّة بناء على الأوّل وعلى معاينها اللّغويّة بناء على الثّانى اذا ثبت تاخر الاستعمال عن زمن النّقل وهذه الثمرة جارية ايضا بين القول بالوضع التّعيينى والقول بالنّفى مطلقا مع العلم بتأخر زمن الاستعمال عن زمن النّقل وممّا ذكرنا تظهر الثّمرة بين المذهب المختار وبين ساير الأقوال [أمور يستند إليها في رفع الثّمرة] ولقائل ان يرفع الثّمرة ويلتزم بحمل هذه الالفاظ حيث ما وردت فى كلام الشّارع مجرّدة عن القرينة على معاينها الشّرعيّة وان لم يثبت نقلها ويستند فى ذلك الى امور [الأمر] الأوّل : انّ الغالب استعمال الشّارع لها في معانيها الشرعية فحيثما وردت تعيّن حملها عليها الحاقا لها بالأعمّ الاغلب لكن هذا لا يطّرد فى جميع الالفاظ [الأمر] الثّانى : انّ هذه الألفاظ قد اشتهرت فى عرف الشّارع فى معانيها الشّرعيةفيتعيّن حملها عليها وان لم يثبت النّقل تقديما للمجاز المشهور وهذا

١٦

ايضا لا يطّرد [الأمر] الثّالث : انّ الشّارع قد استعمل هذه الالفاظ فى معانيها الشّرعية اضعاف ما نقل الينا واستعماله ايّاها فى غير معانيها الشّرعيّة زائدا على قدر المعلوم غير ثابت فحيثما نجد استعماله اياها من دون قرينة يتعيّن حملها على القسم الاوّل لأنه المتيقّن فصل : اختلفوا فى انّ الفاظ العبادات هل هى اسامى للصّحيحة او الأعمّ منها والفاسدة وهذا النزاع انما يتفرّع على القول بالحقيقة الشّرعية ومنهم من فرّع النّزاع على القول بانّ هذه الألفاظ مستعملة عند الشّارع فى معاينها الشّرعية سواء كان بالنّقل أو لا وفيه نظر اذ لا ريب انّ الشّارع قد استعمل هذه الألفاظ كلا او بعضا فى غير الصّحيحة فكيف يتاتى لأحد انكار ذلك ثم المراد بالفاظ العبادات ما يكون مداليلها ماهيات مخترعة فى الشرع للتقرب بها كالصّلاة والزكاة دون ما ليس كذلك كالزيارة والقراءة فانّ المدار فيها على اوضاعها اللّغوية والعرفية وما ثبت لها فى الشّرع من شرط فانّما هو شرط لرجحانها ومطلوبيتها لا لحصول ماهياتها ومسمّياتها اذا تقرر هذا فالحق ما ذهب اليه الاوّلون لنا وجوه [الوجه] الأوّل : تبادر المعاني الصّحيحة منها وصحّة سلب الاسم عن غير الصّحيحة وقد مر انّهما علاقة الحقيقة [الوجه] الثّاني : لا ريب انّ فى الشّرع ماهيات مخترعة ذوات اجزاء وشرائط قد تصدى الشّارع لبيانها وحثّ فى المواظبة عليها وظاهر انّ هذه ليست الا العبادات الصّحيحة وحيث كان اسهل طرق التّفهيم بتأديّة الالفاظ مسّت الحاجة الى نصب الالفاظ الى تلك الماهيّات امّا بالوضع وقضية الحكمة ان يكون بازاء تلك الماهيّات المطلوبة لا الاعمّ منها لئلّا يختلّ فهم المراد وامّا بالتّجوز فلا يكون المستعمل فيه فى اكثر الموارد كموارد الأمر والبيان فى ذكره الشّرائط والأحكام الا تلك الماهيات لا للأعمّ لعدم تعلّق الطّلب حقيقة الا بها وظاهر ان هذه الموارد هى معظم موارد استعمال هذه الألفاظ فتصير حقايق فى تلك الماهيّات بالغلبة [الوجه] الثالث : ما ورد فى الاخبار المستفيضة من انّه لا صلاة الا بطهور ولا صلاة الّا بفاتحة الكتاب ولا صيام لمن لم يثبت الصّيام من اللّيل الى غير ذلك ممّا يدلّ بظاهره على نفى الماهيّة عند انتفاء بعض الاجزاء والشّرائط فيلزم ان لا يكون اللّفظ موضوعا لها حينئذ ويتمّ المقصود فيها عند انتفاء غير تلك الأجزاء والشّرائط وفى غير تلك العبادات بعدم القول بالفصل [الوجه] الرابع : انّ جميع العبادات مطلوبة للشّارع متعلّقة لامره ولا لشيء من الفاسدة كذلك فلا شيء من الفاسدة بعبادة وهو المطلوب [الوجه] الخامس : لو كانت تلك الالفاظ موضوعة للصحيحة كان لها وجه ضبط فى المعنى الموضوع له كالصّحيحة او المبرا للذّمة او المطلوبة ونحو ذلك واما اذا كانت موضوعة للمعنى الأعمّ لم يكن لها وجه ضبط بحيث يمكن تعقله حتى يصحّ ان تكون تلك الألفاظ موضوعة بازائه حجّة القول بانّها موضوعة للأعمّ وجوه منها : التّبادر وعدم صحة سلبها عن الفاسدة والجواب : المنع من ذلك كما مرّ ومنها : انّ كون هذه الألفاظ موضوعة للصّحيحة لا يقتضى ان لا تطلق على الفاسدة حقيقة فانّ الأعلام موضوعة بازاء تمام الأشخاص بشهادة قولهم انّ دلالة زيد على يده واصبعه دلالة تضمّنيّة ومع ذلك يصدق عليه بالوضع السّابق

١٧

عند نقصان بعض اجزائه وزيادته ولازم ذلك كونها حقيقة فى الأعمّ والجواب : انّ فرض اختصاص الوضع بالصّحيحة يأبى عن صدق الاسم على الفاسدة حقيقة وامّا التمسّك بالعلم فمدفوع لانّه انما يوضع بازاء نفس الشخص مع ما يتبعه من البدن من غير تعيين لمقدار مخصوص منه ومنها : انّ هذه الألفاظ مستعملة فى الصّحيحة والفاسدة فالاولى ان تكون موضوعة للأعم ليكون استعمالها فيهما على الحقيقة كما هو الاصل والجواب : انّ وقوعها مستعملة فى خصوص الصّحيحة ممّا لا ريب فيه ومعه لا تتم الاولويّة ومنها : صحّة تقسيمها الى الصّحيحة والفاسدة ووضعيّتهما ولو لا انّ المقسم والموصوف اعمّ لم يصحّ ذلك والجواب : ان التقسيم والوصف قرينة على انّها مستعملة فى المعنى الأعمّ والاستعمال اعمّ من الحقيقة ومنها : ما ورد فى الرّوايات المستفيضة من الامر باعادة الصّلاة عند حصول بعض المنافيات وهى عبارة عن الإتيان بالفعل ثانيا بعد الاتيان به اوّلا فيكون المراد بها المعنى الأعم اذ ليس الأمر هناك باعادة الصّحيحة وعلى قياسه الكلام فى ساير الألفاظ والجواب : انّ ذلك لا يقتضى الّا مجرّد الاستعمال والاستعمال اعمّ بقي الكلام في الثّمرة فنقول ذكر جماعة انّ فائدة النّزاع تظهر فى اجراء اصل البراءة عند الشّك فى جزئية شيء او شرطيته للعبادة والشّكّ فى المانعيّة راجع الى الشّكّ فى الشّرطية من حيث انّ عدم المانع شرط بالمعنى الأعمّ فانّه على القول بانّها موضوعة للأعمّ يمكن اجراء الأصل المذكور فى نفيها بعد تحصيل ما يصدق عليه الاسم لأنّ الأمر حينئذ انما تعلّق بالمفهوم العام وقضية الأصل اجراء كلّ ما يصدق عليه ذلك المفهوم ما لم يثبت اعتبار امر زائد عليه شطرا او شرطا واما على القول بانّها موضوعة بازاء الصّحيحة فلا يمكن نفى ما شكّ فيه بالأصل المذكور للشّك فى حصول الماهية بدونه كما لا يمكن التّمسّك به فى نفى ما شكّ اعتباره فى صدق الاسم على المذهب الاوّل بل الّذى يقتضيه اصالة الاشتغال على القول بالصّحة وجوب الإتيان بجميع ما يحتمل اعتباره فى الصّحة من الأجزاء والشّرائط المعلومة والمشكوكة تحصيلا للبراءة اليقينيّة كما انّها تقتضى وجوب الاتيان بما يحتمل اعتباره فى الصّدق على القول بالأعمّ لا بمعنى انّ الأصل المذكور يجعل الأجزاء والشّرائط المشكوكة اجزاء وشرائط للماهيّة كما قد يتوهم فتظهر الثمرة ح فى مسئلة الشّك بل المراد مجرّد توقف العلم بالبراءة على الإتيان بها وظاهر انّ ذلك لا يقتضى الحكم بالجزئية والشّرطيّة وامّا التوقّف بين القولين فيلزمه ما يلزم القائل بالصّحة اخذا بالمتيقن ووجهه واضح والتّحقيق : عندى انّ اصل البراءة وما في معناه من الاصول الظّاهرية كاصل العدم يتساوى نسبة جريانه فى نفى الاجزاء والشّرائط المشكوك فيهما الى القول بالصّحة او القول بالأعمّ لشمول ادلّة النّفى والأثبات لهما فالفرق بينهما فى ذلك كما هو المتداول فى السنّة المتاخرين والمعاصرين غفلة بيّنة ومن هنا ترى انّ من يمنع من جريان الأصل المذكور على القول بالصّحة يمنع من جريانه على القول بالأعم ايضا حيث يكون الشّك فى الصّدق كما نبّهنا عليه وفى حكمه ما لو شك فى شمول اطلاق الخطاب المتعلّق بالماهيّة لها عند

١٨

انضمامها ببعض الخصوصيات حيث يقدح فى ظهور الإطلاق ما يصلح للقدح فيه وان لم ينهض حجّة على اثبات الخلاف كالشّهرة واطلاق آخر وامّا صحّة الحكم بنفى الجزئيّة والشرطية على القول بالأعمّ حيث يعلم صدق الاسم مع سلامة الإطلاق عن المعارض فمن جهة تحكيم الاطلاق كما مرّ التّنبيه عليه وليس من جهة تحكيم الأصل المذكور كما توهّم لجريانه ايضا حيث ينتفى العلم بالصّدق او ينتفى ظهور الاطلاق اذ لا يعتبر فى دلالة دليل انضمامه الى دليل آخر ويلزم حينئذ ان يتساوى الحال بين القول المذكور وبين القول بالصّحة كما عرفت فاتضح ممّا حققناه انّ الثّمرة التى تترتّب على القولين هى نهوض الإطلاق السّالم عن المعارض حجّة على نفى ما يحتمل جزئيّته او شرطيّته بعد تحصيل القدر المعتبر فى صدق الاسم عرفا على القول بالأعمّ دون القول بالصّحة ثم قضيّة ما قررناه اولا عدم جريان اصل البراءة وما فى معناه فى نفى الجزء والشّرط المشكوك فيهما حيث لا يقوم دليل على النّفى مطلقا ومن المعاصرين من يرى جريان الأصل المذكور فى ذلك على القولين ورام بذلك نفى الثمرة والذى يصلح لمقالته وجوه كلّها ضعيفة الّا التّمسّك بعموم قوله فى الموثق ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وغير ذلك مما يفيد مفاده كالصّحيح رفع عن امّتى تسعة وعدّ منها ما لا يعلمون فانّ لفظة ما للعموم فيتناول حكم الجزء والشّرط ايضا بل يمكن التمسّك بها على نفى الحكم الوضعى نظرا الى حجب العلم وانتفائه بالنّسبة الى جزئيّة الجزء المشكوك وشرطية الشّرط المشكوك فيكون بمقتضى النّص موضوعا ومرفوعا عنّا فى الظّاهر وبالجملة فمقتضى عموم هذه الرّوايات انّ ماهيّة العبادات عبارة عن الاجزاء المعلومة بشرائطها المعلومة فيتعين موارد التّكليف ويرتفع عنها الإبهام والاجمال فوائد [الفائدة] الاولى : أحدث بعض متأخّري المتاخّرين قولا ثالثا ففصّل بين الاجزاء والشّرائط فاعتبر الاوّل فى صدق الاسم دون الثّانى وفرّع عليه صحة التّمسك بالاصل فى نفى الشّرط الاحتمالى دون الجزء الاحتمالى وكانّه ينظر الى انّ جزء الشّىء داخل فى ماهيّته فيتعين اعتباره فيه بخلاف الشّرط فانّه انّما يعتبر فى المطلوبية ولا مدخل له فى الصّدق وفيه : انّه ان عوّل فى ذلك على التّبادر الظّاهرى فلا فرق فيه فى الصّدق بين فوات جزء او شرط وان عوّل على التّحقيق الذى اسلفناه فهو يقتضى اعتبار الشّرائط كالاجزاء [الفائدة] الثّانية : الحق انّ الفاظ المعاملات ايضا موضوعة بازاء الصّحيحة فقط سواء قلنا بانّها اسامى للآثار المخصوصة كتمليك العين فى البيع والمنفعة فى الإجارة لو قلنا بانّها اسامى للصّبغ المستتبعة لها امّا على الاوّل فظاهر اذ لا اثر فى الفاسدة واما على الثّانى فلان وصف كونها محصّلة لها معتبر فى صدق الاسم وبالجملة الحجّة على ما اخترناه تبادر الصّحيحة عرفا وصحّة سلب الاسم عن الفاسدة واذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة وشرعا بضميمة اصالة عدم النّقل واما ما ثبت لها فى الشّرع من شرائط مستحدثة فانما هى شرائط لتحقّق معانيها اللّغويّة من الآثار او العقد المستتبع للآثار فلا ينافى ما ذكرناه من عدم النّقل [الفائدة] الثالثة : قال الشهيد فى القواعد : الماهيّات الجعليّة كالصّلاة

١٩

والصّوم وساير العقود لا تطلق على الفاسدة الّا الحجّ لوجوب المضىّ فيه وفيه نظر فانّ وجوب المضىّ فى قاصد الحج لا يقتضى كونه موضوعا بازاء الأعمّ فانّه مع انتقاضه بفاسد الصّوم حيث يجب المضىّ فيه مدفوع يعدم دليل يدلّ على الملازمة فصل : اختلفوا في استعمال المشترك فى اكثر من معنى واحد الى اقوال ثالثها الجواز فى التّثنية والجمع دون المفرد ورابعها الجواز فى النّفى دون الاثبات ثم من المجوّزين من ذهب الى انّ ذلك بطريق الحقيقة مطلقا ومن هؤلاء من زاد انّه ظاهر فى الجميع عند التّجرّد عن القرينة وقال بعضهم انّه بطريق المجاز مطلقا ومنهم من فصّل فجعله فى التّثنية والجمع بطريق الحقيقة دون المفرد ولا بدّ قبل الخوض فى الاستدلال من تحرير محلّ النّزاع فنقول استعمال المشترك فى اكثر من معنى واحد يقع على وجوه احدها : ان يستعمل فى معنى يتناول جميع معانيه او جملة منها كمفهوم المسمّى ولا نزاع فى جوازه فى الجملة فان كان ذلك المعنى احد المعانى الّتى وضع اللّفظ بازائها كان حقيقة والا كان مجازا ويعتبر حينئذ فيه العلاقة وهذا هو الّذى يسمونه بعموم الاشتراك [الوجه] الثّاني : ان يستعمل ويراد به كلّ واحد من معانيه على وجه التّرديد والبدليّة كالنّكرة سواء جعل التّرديد شطرا من المعنى او شرطا له ولا ريب فى عدم جواز ذلك حقيقة خلافا لصاحب المفتاح ضرورة انّ ما وضع له اللّفظ كلّ واحد منها بعينه وهو يغاير كلّ واحد منها لا بعينه ولا مجازا لعدم العلاقة المصحّحة بل التّحقيق انّ الاستعمال على هذا الوجه غير معقول والحاقه بالنّكرة قياس مع الفارق لتحقق قدر مشترك فيها يصحّ اخذ التّقييد بالخصوصيات على وجه التّرديد بالقياس اليه بخلاف المشترك أو لا يصحّ اعتبار والتّرديد فيه ما لم يضمّن او يقدر معنى ازيد وهو متّضح الفساد وقد ينزل كلام السّكاكى على ارادة مفهوم احد المعانى ويدّعى رجوعه الى القسم السّابق وامّا نحو مررت باحمدكم وباحمد بالتّنوين فمؤول بالمسمّى لأنّ مدلول العلم حقيقة لا يحتمل النّكارة [الوجه] الثّالث : ان يستعمل ويراد به مجموع معنييه او معانيه من حيث المجموع سواء تعلق الحكم به ايضا من حيث المجموع او تعلّق به من حيث الآحاد بان كان كلّ واحد منها مناطا للحكم ومتعلّقا للنفى والاثبات وهذا ايضا كالوجه الاوّل ممّا لا نزاع فى جوازه فى الجملة فمنع ثبوت الوضع يكون حقيقة ومع انتفائه يتبع العلاقة فيجوز معها مجازا كلفظ الشّمس المشترك بين الحرم والنّور اذا استعمل فى المجموع حقيقة او مجازا والفرق بين الوجه الأوّل وهذا الوجه ان شمول المعنى المستعمل فيه لمعانيه على الاوّل من قبيل شمول الكلّى لافراده وهذا من قبيل شمول الكلّ لاجزائه وهو ظاهر ومن منع الاستعمال على الوجه الأخير مدّعيا عليه الوفاق فقد سها سهوا بيّنا [الوجه] الرّابع : ان يستعمل فى كلّ واحد من المعنيين او المعاني على ان يكون كلّ واحد مرادا من اللّفظ بانفراده كما اذا كرّر اللّفظ واريد ذلك وهذا قد يكون بان يطلق المشترك على كلّ واحد من المعانى بملاحظة العلاقة مع الآخر او يلاحظ الوضع فى بعض والعلاقة فى آخر فيكون من استعمال اللّفظ فى معانيه المجازية او الحقيقية والمجازيّة وانت خبير بما فيه فى محلّ الفرض من اعتبار العلاقة

٢٠