خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ١

السيد صدر الدين الصدر

خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد صدر الدين الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٩
الجزء ١ الجزء ٢

الأمر والنّهى بشيء واحد [الأمر] الثّاني : الاحتراز عن غير المقدورة منها سواء انحصرت فيه او لم تنحصر امّا الاوّل فلما عرفت من انّ الامر مطلق بالنسبة اليها وليس مشروطا بحصولها والّا لما تعلّق الخطاب الّا بعد حصولها فيلزم ان لا يتعلق الخطاب بالمقدّمات التى قبلها مع انّ الأمر بها ممتنع واما الثّانى فلاستحالة الأمر بغير المقدور ولو على وجه التخيير وقال قوم بعدم الاقتضاء مطلقا وفصّل جماعة فاثبتوه فى المسبّب دون غيره وآخرون فاثبتوه فى الشّرط الشّرعى دون غيره ثمّ من المثبتين من صرّح بانّ المراد من الاقتضاء اللّزوم العقلى ومنهم من اطلق ولا بدّ اوّلا من تحرير محلّ النّزاع فنقول كما لا نزاع فى وجوب المقدّمة بالوجوب العقلى بمعنى اللّزوم واللابديّة اذ انكار ذلك يؤدى الى انكار كون المقدّمة مقدّمة كذلك لا نزاع فى عدم تعلّق الخطاب الأصلى بها بحيث يكون الخطاب الشّيء خطابا به وبمقدمته لظهور انّ معنى افعل ليس الّا طلب الفعل فقط دون ذلك مع طلب مقدماته ولا فى عدم كونها مطلوبة لنفسها ضرورة انّ مطلوبيّة شيء لنفسه لا توجب مطلوبيّة ما يتوقف عليه لنفسه ايضا وانّما النزاع فى وجوبها بالوجوب الغيرى التّبعى ثم المقدّمات منها الجزء والمعدّ والشّرط والسّبب ولا تنحصر فيها كما يعرف من حدودها والظاهر انّ نزاعهم فى المقام يتوجّه الى الجميع كما يرشد اليه تعبيرهم عن محلّ النزاع بمقدمة الواجب او ما لا يتم الواجب الّا به او ما يتوقف عليه والمراد بالمعدّ هنا ما يعتبر وجوده وعدمه فى حصول المطلوب مع بقاء الاختيار معه على الفعل كنقل الأقدام فى الوصول الى الحجّ واحترزنا بالقيد الأخير عن الاسباب الاعدادية فانها داخلة فى السّبب والوجه فى ساير القيود ظاهر والمراد بالشرط الخارج الذى يقتضى عدمه عدم المشروط مع عدم قيام البدل ولا يقتضى وجوده وجوده فخرج الجزء لدخوله ولوازم الشرط لعدم اقتضاء لها حقيقة والمعدّ لأنّ عدمه المقارن لا يقتضى العدم كيف وقد اعتبر فى المقتضى نعم عدمه مطلقا يقتضى ذلك لكن ظاهر لفظ الحدّ هو الأوّل والسّبب قد يطلق ويراد به السّبب التام ويراد منه العلّة التّامّة وقد يطلق ويراد به الجزء الأخير منه وحدّ بهذين الاعتبارين بما يستحيل انفكاكه عن الشّيء مطلقا وهو غير مطّرد والأظهر ان يحدّ بالخارج الّذى يمتنع انفكاكه عن المسبّب مع توقّفه عليه فيخرج الجزء لدخوله وما عدى الجزء الأخير لجواز الانفكاك واللوازم لعدم التّوقف واعتبار المسبّب فى الحدّ لا يوجب الدّور اذ يكفى فيه تصوّره الإجمالي ولكن التّحقيق انّ المراد بالسّبب هنا هو الجزء الأخير من الفعل الاختيارى الخارج المقتضى وجوده وجود المسبّب فخرج غير الاختياري فى نفسه والاجزاء لدخولها ولوازم السّبب وجزئه ان كان مركبا والأسباب الناقصة والشرائط اذ لا اقتضاء لها حقيقة ودخل المقتضى بواسطة مسبّبه لانّ المقتضى للسّبب مقتض لمسببه ايضا عرفا ثم اعلم انّ مقدمة

٤١

واجب المطلق قد تنحصر فى المقدور كالطّهارات الثلاث بالنّسبة الى المتمكّن وقد يشترك بينه وبين غير المقدور كتطهير الثّوب فانّه يحصل تارة بغسله المقدور واخرى بوقوعه فى الماء من غير قصد وبغسل غيره له من غير اذنه ولا ريب فى انّ وجود الواجب فى مثله لا يتوقف على التقدير الأوّل فقط بل على احد التقديرين منه ومن التقدير الثانى فتكون مقدمة الواجب احد الأمرين لكن الوجوب على القول به انّما يتعلّق بالمقدمة المقدورة على التّعيين دون غيرها ولو على التخيير لاستحالة التكليف بغير المقدور مطلقا نعم يسقط وجوب المقدورة عند القائلين به بحصول غير المقدورة اذا تقرر هذا فالمستند على القول المختار وجوه [الوجه] الاوّل : شهادة الضّرورة بذلك فانّ من راجع وجدانه حال ارادته لشيء وقاس نفسه الى ما يتوقف عليه قطع بانّه مريد لها وقطع بانّ منشأ هذه الإرادة انّما هو ارادة ذى المقدّمة [الوجه] الثانى : ان صريح الفعل قاض بأنّ اتصاف الأمر المقدور بالرّجحان النّفسى المانع من النقيض بالفعل يوجب اتصاف ما يتوقف عليه بالرّجحان له اعنى الرّجحان الغيرى كذلك وقضيته ما تقرر من انّ احكام الشّرع تابعة لوجوه المصالح والجهات المرجّحة ان يكون الرّاجح النفسى مطلوبا لنفسه والراجح الغيرى مطلوبا للغير على اختلاف مراتب الطّلب يحسب تفاوت مراتب الرّجحان وحيث انّ رجحان الواجب رجحان مانع من النّقيض فلا بد ان يكون رجحان مقدماته ايضا كذلك وهو معنى الوجوب [الوجه] الثّالث : انّها لو لم تجب لجاز تركها وح فان بقى الواجب على وجوبه لزم التكليف بالمحال لامتناعه حال عدمها والّا لزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وبطلان كلّ منهما ظاهر [الوجه] الرّابع : انّها لو لم تجب لجاز تصريح الامر بجواز تركها والتّالى باطل بيان الملازمة انّ جوازه حينئذ حكم من الاحكام فيجوز بيانه وامّا بطلان التّالى فممّا تشهد الضّرورة به حتّى اعترف به بعض المنكرين حجة النّافين الأصل والجواب انّ الاصل لا يعارض الدّليل وانّه لا دلالة لصيغة الامر على ذلك بواحدة من الثّلاث والجواب ما مرّ من بيان الملازمة وانّه لو استلزم لعصى بتركه وهذا باطل والجواب منع الملازمة وانّه يجوز تصريح الامر والجواب انّ الضّرورة تشهد بخلافه وانّ الامر كثيرا ما يذهل عن المقدمات فيمتنع تعلق طلبه بها والجواب ما مرّ وانّها لو وجبت لوجبت نيتها والجواب منع الملازمة حجّة من خصّها بغير السبب انّ وجوب السّبب ليس محلّ خلاف يعرف بل ربّما نقل الاتفاق عليه وانّ القدرة غير حاصلة مع المسبّبات فيبعد تعلّق التكليف بها وحدها ولا يخفى ضعف الوجهين امّا الاوّل فلان عدم معروفيّة المخالف لا تعويل عليه بل ولا تعويل على نقل الاجماع فى نظائر المقام وامّا الثانى فلانّ مجرد الاستبعاد لا يثبت به الحكم الشّرعى مع انّه جار فى غير السّبب من المقدمات

٤٢

ايضا واحتج من خصّها بغير الشّرط الشّرعىّ بان الشّرط الشّرعىّ لو لم يجب لم يكن شرطا اذ بدونه يصدق انّه اتى بجميع ما امر به وفيه انّه بدون الشرط لا يصدق انّه اتى بما امر به لامتناع تحقق المشروط بدون الشرط وان لم يجب ولو جعلنا التّقييد بالشّرط داخلا فالمنع اوضح وقد يستدلّ بانّ ترك الشّرط سبب لترك الواجب فيحرم فيجب فعله وهذا مع جريانه فى ساير المقدّمات مبنى على تحريم السّبب الشّأني الحرام وهو ممنوع كما يأتى واعلم انّ القوم وان خصّوا البحث بمقدّمة الواجب لكنّه يجرى فى مقدّمة المندوب ايضا والكلام فيه كالكلام فى مقدّمة الواجب واعلم ايضا انّ الكلام فى مقدمات الواجب المشروط كالكلام فى مقدمات الواجب المطلق فتجب مقدّماته بالوجوب الشّرطى حيث تجب مقدّمات الواجب المطلق بالوجوب المطلق نعم يستثنى منها المقدّمة التى هى شرط الوجوب فانّها لا تجب بالوجوب الشرطى من حيث كونها مقدمة للواجب المشروط والّا لزم وجوب الشّيء بشرط وجوده وهو مح وقس على ذلك الحال فى مقدّمات المندوب والمشروط تنبيهات [التنبيه] الأوّل : قد ذكرنا انّ وجوب مقدمة الواجب غيرىّ وبيّنا ايضا انّه يعتبر فى اتصاف الواجب الغيرى بالوجوب كونه بحيث يترتب عليه الغير الّذى يجب له حتى انّه لو انفكّ عنه كشف عن عدم وقوعه على الوجه الّذى يجب فلا يتّصف بالوجوب ونقول هنا توضيحا لذلك وتاكيدا له انّ مقدّمة الواجب لا تتّصف بالوجوب والمطلوبيّة من حيث كونها مقدّمة الّا اذا ترتّب عليها وجود ذى المقدّمة لا بمعنى انّ وجوبها مشروط بوجوده فيلزم ان لا يكون خطاب بالمقدّمة اصلا على تقدير عدمه فانّ ذلك متضح الفساد كيف اطلاق وجوبها وعدمه تابع لاطلاق وجوبه وعدمه بل بمعنى انّ وقوعها على الوجه المطلوب منوط بحصول الواجب حتى انّها اذا وقعت مجرّدة عنه تجرّدت عن وصف الوجوب والمطلوبيّة لعدم وجوبها على الوجه المعتبر فالتوصّل بها الى الواجب من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب وهذا عندى هو التّحقيق الّذى لا فريد عليه وان لم اقف على من تفطّن له والّذى يدلّ على ذلك انّ وجوب المقدّمة لما كان من باب الملازمة العقلية فالعقل لا يدلّ عليه زائدا على القدر المذكور وايضا لا يأب العقل ان يقول الامر الحكيم اريد الحجّ واريد المسير الّذى يتوصّل به الى فعل الحجّ له دون ما لا يتوصّل به اليه بل الضّرورة قاضية بجواز التصريح بمثل ذلك كما انّها قاضية بقبح التّصريح بعدم مطلوبيّتها له مطلقا او على تقدير التوصّل بها اليه وذلك آية عدم الملازمة بين وجوب الفعل ووجوب مقدّمته على تقدير عدم التوصّل بها اليه وايضا حيث ان المطلوب بالمقدمة مجرّد التوصّل بها الى الواجب وحصوله فلا جرم يكون التوصل اليه وحصوله معتبرا فى مطلوبيّتها فلا تكون مطلوبة اذا انفكت عنه وصريح الوجدان

٤٣

قاض بانّ من يريد شيئا لمجرّد حصول شيء آخر لا يريده اذا وقع مجرّدا عنه ويلزم منه ان يكون وقوعه على الوجه المطلوب منوطا بحصوله [التنبيه] الثاني : اذا تركّب الواجب في الخارج من اجزاء كالصّلاة فكلّ جزء من اجزائه واجب بالوجوب النّفسى والغيرى باعتبارين فباعتبار كونه فى ضمن المركّب واجب نفسى فانّ المركّب عبارة عن نفس الاجزاء والّا لم يكن مركبا فوجوبه عبارة عن وجوبها لكن تعلّق الوجوب بكلّ جزء ح ليس مستقلّا بل فى ضمن الكلّ فالدّالّ على طلب الكلّ بالمطابقة دالّ على طلب الجزء بهذا الاعتبار ايضا بالمطابقة وان كان الدّال على متعلّقه الاوّل اعنى الكلّ بالمطابقة دالّا على متعلّقه الثّانى اعنى الجزء بالتّضمّن لا يقال هذا انّما يتمّ فيما اذا اجتمعت اجزائه فى الزّمان دون ما اذا تفرقت فيه كالصّلاة والحج اذ لا وجود للكلّ فى الخارج حال وجود الجزء حتى يعتبر وجوده فى ضمنه وقد تقرر فى الكتاب ان الاحكام الشّرعية انما تتعلّق بالطّبائع دون وجوداتها الخارجيّة لا غير

لانا نقول قد حقّقنا فى محلّه انّ الاحكام الشّرعية امور اعتباريّة تلحق الافعال الخارجيّة فى الذهن باعتبار كونها خارجيّة ولا ريب انّ الأفعال الخارجيّة مجتمعة فى الذّهن وان اخذت من حيث كونها خارجيّة فيصحّ اعتبار الجزء فى ضمن الكلّ فى ظرف الاتصاف [التنبيه] الثالث : المقدّمة كما تكون مقدمة وجوب ومقدمة وجود كذلك قد تكون مقدمة علم كغسل جزء من الرّأس لتحصيل العلم بغسل تمام الوجه فتجب حيثما يجب ومرجع هذه المقدمة عند التحقيق الى مقدمة الوجود حيث يتوقف العلم الواجب عليها فوجوبها انّما يستفاد من الخطاب بتحصيل العلم الثّابت فى موارده بالعقل او السّمع لا من الخطاب بالفعل اذ لا توقف له عليها وهذا ظاهر وقس على ذلك الحال فى مقدّمة الظّن حيثما يعتبر ولا يذهب عليك انّ وجوب تحصيل العلم او الظّن فى موارده غيرى اذ الواجب فى الحقيقة المعلوم او المظنون وجوبه دون نفس العلم او الظّن ولهذا لا يعاقب تارك الواجب على ترك تحصيل العلم او الظّن به ايضا اذا تمهد هذا فمن فروعه ما لو اشتبه الواجب بالجائز فانّه يجب الاتيان بما يعلم معه الإتيان بالواجب فلو اشتبه جهة القبلة وجب ان يأتى صلاة متعدّدة بحسب الجهات لا يقال تجب الصّلاة الى جهة القبلة ولا تجوز الى غيرها فلا يكون من اشتباه الواجب بالجائز لأنّا نقول عدم الجواز انّما هو من جهة كونها بدعة وظاهر انّ هذا يختصّ بغير حال الاشتباه لأنّه حينئذ يتعلّق بها طلب غيرىّ فيخرج عن كونها بدعة هذا اذا قلنا (١) بانّها ذاتيّة فلا خفاء فى انّ تحريمها مقصور على غير صورة الاشتباه لعدم مساعدة دليل التّحريم على ثبوتها فى صورة الاشتباه وعليه فينوى عند الإتيان بكلّ واحد من آحاد المشتبه انّه يأتى بالواجب

__________________

(١) بانّ حرمة الصّلاة الى غير جهة قبلة تشريعيّة بحتة واما آتيا قلنا

٤٤

ولو اريد تعيين كونه نفسيّا او غيريّا عيّنه بالنّفسى الاحتمالى والغيرى القطعىّ ولا فرق فى ما ذكرناه بين ان يكون الواجب فعلا او تركا فيجب الاجتناب عن كلّ واحد من باب المقدّمة لتوقف العلم بترك الحرام الواجب عليه واعلم انّ هذه القاعدة تقتضى جواز الاتيان بالزّائد على الواجب لتحصيل العلم باتيانه ولو مع التمكن من تحصيل العلم بغيره غاية الأمر ان يكون وجوبه على هذا التقدير تخييريا لا تعيينيّا لكن الطّريقة المتلقاة من صاحب الشريعة لا تساعد عليه فى العبادات الموظّفة عند التّمكن من الاستعلام للقطع بعدم جواز الصّلاة الى الجهات الأربع او فى الثّياب المتعدّدة مع التمكّن من تعيين جهة القبلة او الثّوب الطّاهر [التنبيه] الرّابع : تظهر ثمرة النزاع في مواضع منها : فى صحّة قصد الامتثال والقربة بفعلها من حيث كونها مقدّمة على القول بالوجوب ولا يصحّ على القول الآخر ومنها : ترتّب الثّواب وقد انكره جماعة والحقّ انّهم ان ارادوا بالثّواب امرا غير المدح والقرب فربّما كان له وجه نظرا الى انّ العقل لا يستقلّ باتيانه فى جميع موارده وثبوته فى بعض الموارد كالسّير الى الجهاد لا يثبت الكلّية وان ارادوا الاعمّ منهما فترتب الأمر الاوّل اعنى المدح ممّا لا ريب فيه لشهادة العقل والعادة به وكذا الأمر الثانى على ما تشهد به الفطرة السليمة اذ لا ريب فى انّ الفعل المقدمة على الوجه المذكور اطاعة وانقياد ومن البيّن انهما يستلزمان القرب هذا اذا اتى بها وصلة الى المطلوب واما اذا اتى بها لغيره فلا ريب فى عدم ترتب الثّواب عليها من هذه الجهة نعم يجوز ان يترتب عليها الثواب ح من حيث نفسها ان كانت راجحة كما فى الطّهارة على القول برجحانها الذّاتى كما يجوز ان يترتّب عليه العقاب اذا كانت محرّمة فى نفسها ووجب فعلها وصلة الى ما هو اهمّ منها كترك الفريضة المضيقة المتوقف عليه انقاذ الغريق اذا اتى به لغيره [التنبيه] الخامس : زعم بعضهم انّ الامر بذى السّبب غير المقدور بنفسه راجع الى الامر بسببه الصّادر من المكلّف من غير واسطة لا مطلق السّبب فالامر بالقتل راجع الى الامر بقطع الاوداج او الالقاء من شاهق ونحو ذلك لأنّ الأمر لا يتعلّق بغير المقدور والقدرة لا تتعلّق بغير الأسباب وفيه انّ المعتبر فى صحّة التكليف كونه مقدورا ولو بالواسطة ولا ريب فى انّ المسبّبات مقدورة بواسطة اسبابها فلا باعث عن صرف اللّفظ عن ظاهره ولا فرق فى ذلك بين ما اذا كان المسبّب فعل الغير كالإحراق وبين غيره نعم ينبغى ان يستثنى من ذلك الأفعال التّوليديّة الّتى هى فعل انسان آخر باختياره فانّ اسنادها الى السّبب مجاز ومن هنا ترى الفقهاء يقولون بانّ الوكيل على امر ليس له توكيل غيره الّا مع شهادة الحال عليه وانّ من اجر نفسه على ان يعمل عملا مع الاطلاق ليس له ان يستنيب غيره عليه

٤٥

وامّا قولهم بانّ الأجير على عمل مع الاطلاق له ان يستنيب غيره عليه فمستند الى دليل خارجى [التنبيه] السادس : ذكر بعضهم انّ الامر بالطّبيعة يقتضى الامر بالفرد من باب المقدّمة وهو عندى غير مرضىّ لانّ الطّبيعة عين الفرد فى الخارج ان فسّر الفرد بالطّبيعة المشخّصة كما هو الظاهر فالاتيان به عين الاتيان بالمأمور به فيمتنع التوقّف عليه فى الخارج وان فسّر بالمجموع المركب من الطّبيعة والتشخص فان قلنا باتحادهما خارجا فكما مرّ وان قلنا بتغايرهما فعدم التّوقف اوضح لأن وجود الجزء لا يتوقف على وجود الكلّ بل الأمر على العكس [التنبيه] السّابع : زعم جماعة انّ القول بوجوب المقدمة يوجب القول بانتفاء المباح لأنّ ترك الحرام واجب ولا يتمّ الا بفعل من الافعال فيجب ذلك الفعل بناء على وجوب المقدّمة وفيه اولا انّ ذلك على تقدير صحّته لا يوجب نفى المباح راسا فانّ المكلّف قد لا يتمكن من الحرام فلا يجب عليه تركه فلا يجب عليه مقدمته ايضا وثانيا بانّ ترك الحرام انّما يتوقّف على وجود الصّارف فقط ولا ريب فى وجوبه دون غيره من الافعال اذ لا يتوقف عليها بل يستلزمها فانّها من لوازم من لوازم وجود المكلّف ح بمعنى عدم امكان انفكاكه عن جميعها على تقدير ترك الحرام فان قلت لا ريب فى انّ وجود كل من الأفعال مانع من حصول الآخر كما هو شأن التّضادّ فيكون سببا لعدمه كما هو قضيّة المانعيّة فاذا حرم الفعل وجب التّرك فيجب سببه الّذى هو فعل المانع من باب المقدمة غاية الأمر انّ الأسباب متعدّدة فيجب الكلّ على التّخيير قلت وجوب التّرك انّما يقتضى وجوب ما يستند اليه استنادا فعليا لا ما يستند اليه استنادا شأنيا وظاهر انّ ترك الحرام انما يستند بالفعل لا وجود الصّارف دون فعل الضّدّ لسبقه عليه كيف لا وهو من شرائط حصوله فلا يقتضى الّا وجوب الصّارف نعم لو فرض التّوقف على غير الصّارف احيانا بحيث لا يتمكّن من ترك الحرام الّا بالتّشاغل بفعل اتّجه الحكم بوجوبه كما فى السّاقط المحاذى لنفس محترمة اذا كان بحيث لا يمكنه التخلّص من الوقوع عليها الّا بالتّسبّب بحبل ونحوه وكذا لو تمكّن منه بدونه لكن كان الصارف فيه ضعيفا بحيث يعلم او يخاف وقوعه فى المحرّم اختيارا بدونه فيجب تقوية الصّارف او تضعيف الدّاعى والى هذا ينظر قول الفقهاء بوجوب النّكاح على من يخاف الوقوع فى المحرّم بتركه وعلى هذا لو تعذّر فى حقّه الفعل تعيّن عليه تقوية الصّارف ولا عذر له فى فعل المحرّم مع التمكّن منه واعلم انّه لو تمّت الشّبهة المذكورة للزم نفى المندوب والمكروه ايضا وظاهر القوم استناد نفى المباح خاصة اليه فيمكن ان يكون ذلك قصورا من ارباب الشبهة او من القوم فى البيان لا قصرا فى الحكم او ينزّل المباح على المعنى الأعمّ [التنبيه] الثامن : [مقدمة ترك الحرام وفعله] لا ريب فى وجوب مقدمة ترك الحرام فانّ مرجعه الى وجوب مقدّمة الواجب فانّ ترك الحرام واجب واما مقدّمة فعله فالتحقيق انّ تحريم الشّيء لا يقتضى

٤٦

تحريم مقدّمته وان ترتب عليها ما لم يكن سببا فعليّا او قصد بها التّوصّل اليه وان لم يترتب عليها فيحرم حينئذ من حيث التجرى امّا الاول فلاصالة عدم تحريمها السّالم عن المعارض والفرق بينها وبين مقدمة الواجب انّ التّوصّل الى الواجب لا يمكن بدون مقدمته بخلاف ترك الحرام فانّه يمكن مع الاتيان بمقدمته ولو حرمت مقدّمة الحرام مطلقا لحرم جميع الافعال او معظمها لامكان التوصل الى محرّم وبطلانه ضرورى وامّا الثّانى فلشهادة العقل والشّرع والظّاهر انّه موضع وفاق ولهذا تراهم يحكمون بحرمة السّفر الذى قصد به محرّم وان لم يترتب عليه نعم يستثنى من ذلك نيّة المحرّم فانّها بمجرّدها لا عقاب عليها بل الظّاهر انّه لا حرمة فيها ايضا وهذا ممّا لا اشكال فيه [التنبيه] التاسع : [حال المقدمة قبل الوقت] اذا توقف الواجب الموقّت موسّعا كان او مضيّقا على مقدّمة مقدّمة على وقته فى الحصول او توقف الموسّع عليها فى اوّل وقته كذلك وجب فيه بحكم العقل احد الأمرين من اختصاص وجوبه فى تمام الوقت او اوّله بواجد المقدمة فيكون وجوبه مشروطا بحصولها ومن وجوبه ولو فى حق فاقدها قبل حضور الوقت وجوبا مطلقا ولو بمقدار فعل المقدمة فيكون وجوبها حينئذ ايضا مطلقا والا لزم التكليف بالمحال حال صدور التكليف ووقوعه وهو محال بالضّرورة فمن فروع المسألة عدم وجوب ايقاع الصّلاة فى اوّل الوقت على فاقد بعض شرائطها المعتبرة فى حقه بمقدار زمن يمكن تحصيل الشرط فيه وان وجب عليه فيه ايقاعها فيما تاخّر عنه ومن فروعها ايضا وجوب الغسل للصّوم الواجب على المحدث بالاكبر قبل الفجر فانّه اذا ثبت وجوب الصّوم من الفجر المشروط بالطهارة فى حق المحدث والمتطهّر ثبت وجوبه قبله ولو فى حق المحدث لتحصيل الطّهارة لا بمعنى انّ ما قبل الفجر ظرف للواجب بل لوجوبه كما مرّ ولا يذهب عليك انّ هذا البيان انّما يقتضى مطلوبية الصّوم قبل الفجر بقدر ما يغتسل فيه واما ما زاد عليه فلا لاندفاع التّكليف بالمحال به فيمكن ان يؤجّه على هذا قول من قال بوجوبه اذا بقى للفجر بمقدار الغسل بانّ اصحاب هذا القول قد اقتصروا فى اثبات الوجوب على محلّ اليقين مضافا الى اصالة عدمه فى غيره لكن يرد انّ ذلك انّما يتم اذا لم يكن هناك ما يدلّ على وجوب الصّوم مطلقا من غير اعتبار حضور شيء من الأوقات من الآيات والأخبار وهو غير واضح بل قضيّة تلك الاطلاقات اطلاق الوجوب فى جميع الاوقات والأحوال وان كان فعل الواجب مقيدا بحضور وقت مخصوص فاذن يتّجه القول بوجوب الغسل له مطلقا لكن بعد دخول اللّيل كما هو ظاهر آخرين وان تضيق بتضييق الوقت نعم لا يقع فعله على وجه الوجوب الغيرى الّا اذا ترتّب عليه فعل الصّوم كسائر المقدمات على ما مر تحقيقه

٤٧

فلا يجوز قصد الوجوب به مع العلم او الظّن بعدم ترتّبه عليه وفى الشكّ وجهان وحيث قيد فى هذه الدّقيقة على كثير من افاضل اصحابنا حيث لم يفرقوا بين زمن الوجوب وزمن الفعل فزعموا انّ زمن الوجوب هو زمن الفعل اشكل عليهم الحال فى المسألة المذكورة حتى تفصّى عنه بعضهم بالتزام وجوب الغسل لنفسه مع انّه كما ترى مما لا جدوى له فى ثبوت التكليف والعصيان بالصّوم على تقدير المخالفة فى الغسل نعم يمكن توجيهه فى ترتب عقوبته عليه بالتقريب الّذى مرّ التنبيه عليه فى آخر المقصد لكن لا اشارة فى كلامهم اليه فصل : اختلفوا فى انّ الامر بالشّيء هل يقتضى النّهى عن ضدّه أو لا ولا بدّ قبل الخوض فى تحرير النزاع من بيان محلّه فنقول ضدّ المامور به هو ما لا يمكن اجتماعه معه لذاته فيتناول اضداده الوجودية والعدمية من العقليّة والشّرعيّة والعادية وانّما قلنا لذاته احترازا عن لوازم الضّد فانّها لا تسمى ضدّا وان امتنع اجتماعها مع فعل المأمور به وقد تداول بينهم ان يعبّروا عن التّرك بالضّد العام وعن غيره بالضّد الخاصّ ووصف الاوّل بالعموم والثانى بالخصوص امّا من حيث عموم وصف المشتق فى الاول وخصوصية فى الثانى كتارك الصّوم وفاعل الاكل مثلا وامّا من حيث تحقق الأوّل حيث يتحقق فيه الثانى من دون عكس ولو غالبا ثم الكلام فى المقام يجرى فى الواجب النفسى بجميع انواعه بالنّسبة الى جميع اضداده عبادة كانت او غيرها فيختلف اقتضاء الأمر للنّهى عن الضدّ على حسب اختلاف نوعى الوجوب والضدّ فقد يقتضى الامر التخييرى للنّهى عن الضّد على التّخيير وقد يقتضيه على التعيين وهكذا ويتّجه اعتبار جريانه فى الواجب الغيرى ايضا الّا انه خلاف الظاهر من اطلاق عناوين البحث ولا ثمرة له بالنسبة الى ما يكون ضدّا له ولما وجب له الّا فى مجرّد الاعتبار ويعرف الكلام فيه بالمقايسة ثمّ المراد بالنهى هنا ما يعمّ النّهى النّفسى الاصلى والغيرى التّبعى فيتعيّن الاوّل حيث يدّعى فيه العينيّة قطعا وكذا التّضمن على اظهر الوجهين والثانى حيث يدّعى فيه الالتزام بالنسبة الى غير الضد العام ومن هنا يظهر انّ المراد بالاقتضاء ما يعمّ اقسامه الثلاثة بل الاربعة لينطبق على جميع اقسام المسألة واقوالها ثم اعلم انّ النّزاع فى الضّد الخاص يتاتّى فى مقامين فى اصل الاقتضاء وفى كيفيّته وامّا الضّد العام بمعنى الترك اعنى عدم الفعل فانّما يتاتّى النزاع فيه فى كيفيّة الاقتضاء فقط (١) اذ مع الاقتضاء فيه ينافى معنى الوجوب وكذا ان فسّر الترك بمعنى الكفّ بناء على عدم تعلق الطّلب بالامور العدمية ثم انّه قد اضطرب كلام جماعة فى تحرير محلّ النّزاع والتحقيق ما ذكرناه اذا عرفت هذا فالحق انّ الأمر بالشّيء عين النهى عن ضدّه العام بمعنى الترك معنى ان فسّر الترك فيه وفى النّهى بعدم الفعل

__________________

(١) وعلى النهى بطلب بمعنى عدم الفعل

٤٨

ونفيه كما هو الظّاهر ويستلزمه بالبيّن بالمعنى الاعمّ ان فسّر فيهما او فى احدهما بالكفّ وكذا يستلزم النّهى عن ضدّه الخاصّ سواء فسّر النّهى بطلب التّرك او بطلب الكف ما لم يكن الضّد على التفسير الاوّل وجود ما تعلّق الامر بعدمه ولو فى ضمن الكلّ فيكون عين النّهى عنه ولو فى ضمن الكلّ ومن هنا تبين الحال فى الأضداد العامّة للاجزاء فانّ الأمر بالشيء عين النّهى عن اضداد اجزائه العامة باعتبار ويستلزمه باعتبار وذهب قوم الى انّ الأمر بالشيء عين النّهى عن ضدّه فى المعنى وآخرون الى انّه يستلزمه وهم بين مطلق للاستلزام ومصرّح بثبوته لفظا ومنهم من نفى الدّلالة فى الضّد الخاص لفظا واثبتها معنى وذهب بعض المتأخّرين الى نفى الاقتضاء فى الضّد الخاصّ مطلقا واثبته فى الضّد العامّ بالتّضمّن لنا على انّ الأمر بالشّيء عين النّهى عن الضّد العام ان فسر التّرك فيهما بعدم الفعل انّ معنى النّهى عن التّرك حينئذ طلب ترك الترك لأنّ معنى النّهى طلب التّرك وطلب ترك التّرك عين طلب الفعل فى المعنى وذلك ظاهر وانّما قلنا انّه عينه فى المعنى اذ لا ريب فى تغايرهما بحسب المفهوم كالوجود وعدم العدم ولنا على انّه يستلزم النّهى عن ضدّه العام ان فسّر التّرك فيهما او فى احدهما بالكفّ انّ عدم الكفّ او الكفّ عن الكفّ حيث ما يتوقف عليه فعل الواجب معتبر فى حصول المأمور به فيجب له على ما عرفت فى بحث المقدّمة ووجوب عدم الكفّ هو معنى النّهى عنه او نقول ترك المأمور به حرام والكفّ سببه فيحرم له وعلى التّقديرين يكون النّهى غيريا تبعيا على ما هو شان المقدّمة ولنا على انّه يستلزم النّهى عن الضّد الخاصّ حيث لا يكون الضدّ وجود ما تعلّق الأمر بتركه ولو فى ضمن الكلّ انّ ترك الضدّ ح ممّا يتوقف عليه حصول الواجب فيجب لما مرّ من وجوب مقدمة الواجب ووجوب التّرك للتّوصّل الى الواجب هو معنى النّهى الغيرىّ ولنا على انّه عين النّهى عن ضدّه الخاصّ حيث يكون الضّد وجود ما تعلّق الامر بتركه ولو فى ضمن الكلّ انّ مطلوبية التّرك عين النّهى عن الفعل فان كان الترك تمام المطلوب فلا اشكال وان كان جزئه فان اعتبر منفردا كان واجبا غيريا من باب المقدّمة وهو معنى النّهى عن فعله وان اعتبر فى ضمن الكلّ كان واجبا نفسيّا بوجوب الكلّ والاولى اخراج هاتين الصّورتين عن موضع النّزاع نظرا الى انّه ليس فيهما امر بالشيء وان امكن تعميم الشيء بحمله على المفهوم والمعنى بحيث يتناول ذلك وقد نصّ بعضهم على الخروج فى الاوّل والاولى ارجاع ضدّ الخاص الى الضدّ العام لأنّ الفعل الّذى يضاد الترك هو نفس ترك التّرك ورفعه الذى هو ضدّ عام وان غايره فى المفهوم فينحصر اقتضاء الامر للنّهى عن الضّد الخاصّ عندنا فى الالتزام وهذا اوفق بتعميم المباحث الآتية حجّة من قال بانّ الأمر بالشيء عين النّهي عن الضّد : انّه لو لم يكن عينا لكان اما مثله او ضدّه او خلافه والتالى باقسامه باطل بيان

٤٩

الملازمة انّ المتغايرين اما ان يتساويا فى الصّفات النّفسيّة كسوادين وبياضين أو لا والثّانى امّا ان يمتنع اجتماعهما فى محلّ واحد بالنّظر الى ذاتهما كسواد وبياض او لا كالبياض والحلاوة والاوّل متساويان والثّانى متضادان والثالث متخالفان وامّا بطلان التالى باقسامه فلانّهما لو كانا مثلين او ضدّين لامتنع اجتماعهما فى محلّ واحد لأنّ ذلك شان المثلين والضدين لكنهما يجتمعان فى محلّ واحد مكلّفا او مكلّفا به امّا الاوّل فواضح وامّا الأخير فلانّ الحركة يجتمع فيها الأمر بها مع النّهى عن السّكون الّذى هو ضدها يعنى يجتمع فيها وصف كونها مامورا بها ووصف كونها منهيا عن ضدّها حجّة من قال بالاستلزام : انّ الإيجاب طلب فعل يذمّ على تركه وهو اما نفس الكف او فعل ضدّ غير الكف اذ لا ذمّ الّا على فعل لأنّه المقدور وايّهما كان فالذّم عليه يستلزم النّهى عنه حجة من نفى الاقتضاء في الضّد الخاصّ : انّه لو اقتضاه لكان بطريق الاستلزام والتالى باطل امّا الملازمة فلما مرّ من بطلان العينيّة والتضمّن وانحصار طرق الاقتضاء فى الثلاثة ظاهر جليّ وامّا بطلان التّالى فلانّه لو استلزمه لكان امّا من جهة انّ فعل الضّد يستلزم ترك الواجب وهو محرّم فيحرم فعل الضّد لأنّ مستلزم المحرّم محرّم وامّا من جهة انّ فعل الواجب يتوقّف على ترك الضّد فيجب من باب المقدمة ووجوب التّرك فى معنى حرمة الفعل وكلاهما مدفوع امّا الاوّل فيمنع لزوم تساوى المتلازمين فى الحكم امّا الثّانى فبانّ ترك الضدّين ليس مقدمة لفعل الواجب وانّما يستلزمه والجواب عن الحجج الثلاثة يظهر بعد الاحاطة بما ذكرناه من الاستدلال على المختار وما تقدّم من معنى الأمر والوجوب تتمة : زعم جماعة انّ ثمرة النّزاع فى الضّد الخاصّ تظهر فيما اذا دار الأمر بين واجب مضيّق وعبادة موسّعة فانّه لو اتى ح بالموسّع عصى وصحّت عبادته بناء على القول بعدم الاقتضاء اذ لا مانع من الصّحة وبطلت على القول بالاقتضاء نظرا الى انتفاء الرّجحان الذى به قوام العبادة ولانّه منهىّ عنه بالنّهى الغيرى فلو صحّ لكان مأمورا به ايضا لانّ صحة العبادة موافقتها للأمر فيلزم اجتماع الأمر والنّهى فى الواحد الشّخصى وهو محال ومن المتأخرين من انكر الثمرة المذكورة حيث اثبت بطلان الضّد على القول الاول ايضا نظرا الى انّ الأمر بالشيء يقتضى عدم الامر بضدّه والّا لزم التّكليف بالمحال فيبطل اذا كانت عبادة لانّ صحّتها متوقّفة على تعلق الطّلب بها ويمكن ان يستدل على ذلك ايضا بانّ فعل الضّدّ يتوقّف على ترك الواجب وتحقق الصّارف عليه وهما محرّمان ويمتنع طلب الشّيء حال تحريم مقدّمته فهذه وجوه اربعة تقتضى بطلان الضّد اذا كانت عبادة يتفرع الأوّلان منها على القول بالاقتضاء فقط والأخيران على القولين ثم انّ جماعة قصّروا موضع الثّمرة على الصّورة المذكورة ونفوها فى المضيّقين لأنّهما ان تساويا فالتّخيير والّا تعيّن الأهم وامتنع الأمر بالآخر وهو ضعيف اذ ليس منشأ هذا الامتناع الا لزوم الامر بالشّيء وبضده وهذا بعينه وارد فى الموسّع ايضا ووجه التفصّى عنه فى المقامين واحد ولمّا كان القول

٥٠

بمقتضى ذلك اعنى بطلان الضّدّ مطلقا بعيدا عن الطّريق السّمحة بل مقطوعا بالعدم حيث يلزم بطلان كلّ صلاة صلاها المديون فى السّعة حال علمه وتذكّره بل كلّ عبادة منافية لاوّل الدّين اذا كان دينه مضيّقا والمعهود من المذهب خلافه فقد وقع التفصّى عن الاشكالات المذكورة بوجوه [الوجه] الاول : ما ذكره بعض مشايخنا الأعلام انّ الحكم بالصّحة وان خالف القواعد المقررة لكن لا بدّ من القول بها لقيام الإجماع والسّيرة القطعيّة عليها وكانّ غرضه انّ الوجوه المذكورة لا يعتدّ بها لكونها شبهة فى مقابلة الضّرورة والّا فالقواعد العقليّة لا تقبل التّخصيص وممّا يعضد ما ذكره انّ اهل العرف والعقلاء الذين سلمت فطرتهم لا يرتابون فى انّ العبد المأمور بامرين متشاركين فى بعض الوقت احدهما مضيق والآخر موسّع انّه يمتثل اذا اتى بالموسّع فى وقت المضيّق وان حكموا بعصيانه من حيث مخالفته للامر المضيّق وكذا لو تضيق وقتهما وكان احدها اهمّ فى نظر الأمر فتركه واتى بغير الأهمّ [الوجه] الثّانى : ما ذكره في المعالم في التّفصي عن اشكال منافات مطلوبيّة ترك الضّد بناء على وجوب المقدّمة لصحّته بانّ الّذى يقتضيه التّدبر فى ادلّة وجوب المقدمة كون وجوبها للتوصّل الى ذى المقدّمة فيختص بحال عدم الصارف عنه ادخال وجوده لا يمكن التّوصّل اليه فلا معنى لوجوب المقدمة وعن منافات حرمة مقدّمة الضدّ لصحّته بانّ وجوب المقدّمة ليس على حدّ وجوب غيرها بان يكون المطلوب حصول نفسها بل التّوصل للغير فمتى حصل التّوصّل ولو بمقدّمة محرّمة حصل المطلوب وسقط وجوب غيرها كما لو سار الى الحج على دابّة غصبيّة وفى كلا الوجهين نظر امّا فى الأوّل فلانّ وجود الصّارف لا يرفع تمكّن المكلّف عن الفعل كيف وهو مكلّف بالفعل فى تلك الحالة فيكون مكلّفا بمقدمته ايضا وما دلّ على وجوب المقدّمة دلّ على وجوبها مع الصّارف وبدونه وامّا الثّانى فلانّه لا ينهض بدفع الاشكال على الوجه الّذى قررناه من امتناع التكليف بالشّيء حال تحريم مقدّمته اذ غاية ما يتحصّل منه جواز التّوصّل الى الواجب بالمقدمة المحرّمة وهذا ممّا لا اشكال فيه وانّما الأشكال فى وجوب الواجب على تقدير حرمة مقدّمته وقياسه على الحجّ مع الفارق لأنّ تلك المقدّمة مقدّمة فى الحصول على حصول ذى المقدّمة ويصحّ الأمر به على تقدير حصولها بخلاف فعل الضّد فانّ مقدّميته المحرمتين مقارنتان له فى الحصول مستمرتان باستمراره فيمتنع التكليف به بشرط حصولهما لوجوب مقارنة تمام الشّرط لتمام المشروط وهو هنا مستحيل [الوجه] الثالث : ما ذكره بعضهم عن اشكال لزوم توارد الأمر والنهى بالضدّ بان الأمر النّفسى يجوزان يجتمع مع النهى الغيرى وانّما الممتنع اجتماعه مع النّهى النّفسى وهذا الجواب ضعيف بناء على تفسير النّهى بطلب الترك المطلق كما يظهر منهم لانّ المانع من اجتماع

٥١

النّفسيّين انّما هو تنافى قضيتهما وهذا لا يختص بالنّفسيّين بل تجرى فيهما وفى الغيريين والملفّق منهما وهذا على ما نقول به من امتناع الاجتماع واضح وامّا على ما يراه جماعة من المتاخرين من جواز ذلك مع تغاير الجهتين فلانتفائه فى المقام لظهور انّ المأمور به بالأمر النّفسى هو عين النّهى عنه بالنّهى الغيرى وامّا جهته النّفسية والغيرية فهما لاحقتان للأمر والنّهى والاختلاف فيهما لا يوجب تغايرا فى متعلّقهما [الوجه] الرّابع : بانّ الأمر والنّهى يجوز تواردهما على شيء واحد اذا كانا مترتّبين سواء كانا نفسيين او غيريين او مختلفين اذ لا يمتنع عند العقل ان يقول المولى الحكيم لعبده احرّم عليك الكون فى دار زيد مطلقا لكن لو عصيتنى وكنت فيها فانا أوجب عليك ان تكون فى موضع كذا منها فانت حال كونك فى موضع كذا منها منهىّ عن الكون فيه مطلقا ومأمور به بشرط الكون فيها فالمكلّف مامورا ولا بفعل الواجب وترك الضّد لكنه اذا عزم على المخالفة وتحقّق فيه الصّارف عنه وجب عليه فعل الضّد مع بقائه على وصف الحرمة وفيه انّ قضية ما ذكر توجّه الامر المطلق الى المكلّف بعد وجود الصّارف مع توجّه النّهى المطلق اليه لأنّ الواجب المشروط مطلق عند وجود شرطه وضرورة العقل قاضية بامتناع توجّه الامر والنهى الى الشّيء الواحد بالشخص والجهة مطلقا [الوجه] الخامس : بالتزام جواز التّكليف بالمحال اذا كان من قبل المكلّف كما يقول به بعض المتأخّرين فيمنع به الوجه الاول لانّ الرجحان المعتبر فى العبادة انّما هو جهة مطلوبيّتها وهى محقّقة فى فعل الضّد بتعلق الأمر به والتّكليف بالمحال اللّازم فى الوجوه المتأخّرة غير مانع من الأمر بالضّد لاستناده الى المكلّف حيث عصى بترك الواجب وضعفه واضح ممّا سنحققه من انّ التكليف بالمحال محال مطلقا [الوجه] السادس : انّ من فضلائنا المعاصرين من فصّل فى المقام بين ما اذا كان فعل الضّد رافعا لتمكن المكلّف من فعل الواجب وبين عدمه فالتزم بالتّحريم والبطلان فى الاوّل ومنع منها فى الثّانى وحاصل مرامه انّ ايجاب الشّيء انّما يقتضى بحكم العقل والشّرع والعرف ايجاب التهيؤ له فيجب فعل ما يقتضى وجوده وجوده كالسّبب وترك ما يقتضى تركه فعله كترك الحركة المقتضى لتحقق السّكون الواجب وما يقتضى فعله عدم التمكن منه كالمنافيات فالضّد إن كان ممّا يوجب فعله لعدم التمكّن من الواجب كالسّفر المانع من ايصال الحق المضيّق الى صاحبه فهو محرّم وان لم يرفع تمكّنه بل كان فى جميع افعال الضّد متمكنا من تركه واداء الواجب كما لو ترك اداء الحقّ المضيق وتشاغل بالصّلاة فلا يلزم من ايجاب الواجب تحريم مثل هذا الفعل اذ ليس فى تركه مدخلية فى اداء الواجب وفيه نظر لأنّه ان اراد انّ التمكن من الفعل شرط فى بقاء التكليف فيجب ابقائه والمحافظة عليه لذلك فهذا فاسد قطعا لانّ ابقاء التكليف غير واجب بالنّظر الى نفس التكليف فضلا عن

٥٢

وجوب مقدّمته وان اراد انّ التّمكن حينئذ شرط للتّوصّل الى فعل الواجب فيجب المحافظة عليه ففيه انّ رفع التمكّن حينئذ يكون على حدّ ساير الأضداد الغير الرّافعة للتّمكن ضرورة انّ ترك بالكلّ شرط فى التوصّل الى الواجب كما هو قضيّته ما بينهما من التّضادّ فيتّحد الكلام فى المقامين ويبطل الفرق المتوهّم من البين [الوجه] السّابع : ما هو التّحقيق عندي من صحّة العبادة حتى على القول بالاقتضاء ايضا كما هو المختار وانّ الوجوه المذكورة فاسدة لا تنهض حجّة على الفساد فنقول فى الوجه الأول انّ رجحان ترك الضّد للتوصّل به الى فعل الواجب لا ينافى رجحان فعله فى نفسه مطلقا ولو على تقدير عدم التّوصّل بتركه الى فعل الواجب وانّما ينافى رجحانه فى نفسه مطلقا او على تقدير التّوصل فيقتصر على نفيه ولا ريب انّ التّقدير الأوّل من لوازم فعل الضّد فلا يقع بحسب هذا الاعتبار الّا صحيحا ونقول فى الوجه الثانى انّ المقام ليس من باب اجتماع الأمر والنّهى الذى نقول بامتناعه اذ يعتبر فى ذلك كون الشّيء الواحد واجبا وحراما وهو غير حاصل هنا اذ المطلوب بالنّهى الغيرى المتعلّق بالضدّ عندنا الترك المقيّد بالتوصّل به لا المطلق وقضيّته ذلك تحريم ترك هذا الترك المقيّد دون الفعل فلا يلزم من وجوبه على تقدير عدم التّوصّل بتركه اجتماع الوجوب والتحريم فى شيء واحد وبهذا يظهر الجواب عن الوجه الثّالث ايضا وتوضيحه انّ ما ذكروه من لزوم التكليف بالمحال انّما يتجه اذا كان المطلوب حصول الضدّين معا واما اذا كان المطلوب اولا هو حصول احدهما ويكون مطلوبيّة الآخر على تقدير المخالفة فى الأوّل فلا استحالة لانّ منشأهما عدم تمكن المكلّف من فعل الضّد وهو مخصوص بحال التّشاغل بالواجب اذ حال عدم التّشاغل يتمكّن من ضدّه فيصحّ الزامه به فان التّنافى انّما هو فى فعل الضّدين لا فى تعلّق التّكليف بهما اذا لم يرجع الى طلب الجمع بينهما ونقول فى الوجه الرابع انّ الممتنع انما هو ايجاب الشّيء حال تحريم مقدّمته مطلقا واما ايجابه على تقدير حصولها كما نقول به فى المقام فلا بأس به وان كان مقارنة له وقد مرّ تحقيق ذلك فصل : [في الواجب التخييري] اذا تعلّق الأمر بشيئين او اشياء على التّخيير كما فى خصال الكفّارة فالحق انّ كلّ واحد منها واجب على التّخيير بمعنى انّه واجب يجوز تركه الى الآخر وهذا هو المعروف بين اصحابنا وذهبت الاشاعرة الى انّ الواجب واحد لا بعينه واستظهر العلامة وغيره تبعا للفخر الرّازى عدم الفرق بين هذا القول والقول المتقدّم معنى وهو بعيد لأنّ الواجب على القول الأوّل كل واحد بعينه لا على التّعيين لا واحد لا بعينه كما هو نفس القول الثّانى وحكى فى المقام اقوال أخر ضعيفة [رأي الفصول :] لنا انّ معنى قول القائل اعتق رقبة او اطعم ستّين مسكينا طلب العتق

٥٣

بعينه وطلب الاطعام بعينه على التّخيير وليس معناه طلب مفهوم خارج عنهما صادق عليهما على البدليّة كمفهوم احدهما لانّ الهيئة الدّالّة على الطّلب متعلّقة بكلّ منهما بعينه فيكون هو المطلوب وليس فى الكلام ما يكون معناه مفهوم احدهما حتّى يصحّ تعلّق الطّلب به ولفظ او ونحوه انّما يفيد التّخيير والبدليّة بينهما بمعنى جواز ترك كل منهما الى الآخر لا انّ كلّا منهما مطلوب باعتبار صدق مفهوم احدهما عليه ولا بمعنى انّ كلّ واحد واجب تعيينىّ ان لم يتحقق الآخر فيلزم ان يجب الجميع تعيينا على تقدير المخالفة فيها فيكون بذلك تاركا لعدة واجبات تعيينيّة فيستحق العقاب على ترك كل واحد منها مستقلا بل بمعنى انّ كلّ واحد واجب يجوز تركه الى الآخر ومثل هذا لا يستحق بحكم العقل والعادة الا عقابا واحدا على ترك الجميع نعم يصدق على الأمر بالوجه المذكور انّه امر باحدهما او احدها لكن مجرّد الصدق لا يقتضى العينيّة فى المفهوم ألا ترى ان الامر بضرب زيد يصدق عليه انه امر بضرب الإنسان والضّاحك مع انهما متغايران بحسب المفهوم قطعا واما جواز ترك البعض فى الجملة او عدم ترتّب استحقاق العقاب عليه كذلك فلا ينافى وجوبه لما عرفت من انّ الواجب ما يستحق العقاب على تركه من غير بدل ولا عذر ويمكن ان يحتج لمن قال بانّ الواجب مفهوم احدهما بانّه لو لم يكن ذلك لكان الواجب ما صدق عليه هذا المفهوم اذ لا قائل بغير لها والتّالى باطل لانّ ما صدق عليه مفهوم احدهما ان اعتبر مبهما امتنع وجوده فيمتنع وجوبه وان عين كلا او بعضا خرج عن موضع النّزاع اذ لا تخيير على تقديره والجواب انّا نختار ان الواجب هو الجميع لكن لا على التعيين بل على التخيير فانّ الوجوب كما يكون يقينيا كذلك يكون تخييريا ووجوب الجميع بالوجوب التخييرى لا يوجب خروجه عن محل النّزاع بل يصحّح دخوله فيه ومن ذلك يظهر انّ المكلّف اذا اتى بالجميع دفعة واحدة امتثل الطّلب التخييرى بالجميع اذا لم يكن منهيّا عن الجمع لوقوع الجميع على وجهه لامتناع عدم الامتثال ح او الامتثال بالمبهم لانّ الامتثال امر وجودى يستدعى محلا وجوديا والمبهم لا وجود له او ترجيح البعض لانتفاء المرجّح واعلم انّ الواجب التخييرى قد يطلق على ما يتناول الواجبات التّعيينيّة المرتبة كالخصال حيث تترتب والطهارة المائية والتّرابية فيقال الواجب التخييرى اما ترتيبىّ او غير ترتيبىّ والحقّ انّ هذا الاطلاق مجاز اذ لا تخيير هناك اصلا نعم هناك بدليّة من حيث افادة الثمرة المقصودة كوقوع التكفير فى الأوّل والاستباحة فى الثّانى ولعلّه لهذه العلاقة اطلق اللّفظ عليه تتميم اذا ورد التخيير بين الأقل والأكثر فالظّاهر من المقابلة فى متفاهم العرف ارادة الاقلّ بشرط لا اى بشرط عدم لحوق الزيادة فيصحّ فيما اذا كان التّخيير ايجابيا ان يكون كلّ منهما واجبا على التخيير مطلقا ومن هذا الباب التخيير بين القصر والإتمام

٥٤

فى مواضعه بناء على استحباب التّسليم وعدم الاعتبار بالنّيّة والتّخيير بين التّسبيحة الواحدة والثلاث فى الرّكوع والسّجود ونحوها ممّا يقع على التّدريج والتّخيير بين المسح باصبع واحدة والثّلاث ونحوه ممّا يقع دفعيّا ولا يشكل حينئذ بلزوم تحصيل الحاصل ولا خروج الواجب المخيّر عن كونه واجبا مخيرا ولا وقوع الترجيح من غير مرجّح وذلك لانّ الامتثال بالاقلّ مع وقوع الاكثر غير معقول على التقدير المذكور وعند التحقيق لا يشتمل الأكثر على ماهية الأقل على الوجه الذى يتصف بالوجوب ومعه لا يتوجّه شيء من الإشكالات وفي المقام أقوال منها : انّ التخيير بين الاقل والأكثر مطلقا يقتضي وجوب كلّ واحد منهما لظاهر الأمر ومنها : انّ الزيادة مندوبة مطلقا لأنها ممّا يجوز تركها ومنها : ما نقله بعض المعاصرين بعد نقل القولين المتقدّمين واستظهره وهو انه ان كان حصوله تدريجيا بحيث يوجد النّاقص قبل الزّائد فالواجب هو الأقلّ لحصول الامتثال به والا فكلّ واحد منهما واجب لانه فرد من الواجب وانت اذا احطت خبرا بما بيّناه وقفت على ما فيه وما فى سابقيه من الضعف والسّقوط فصل : في الواجب الموقّت وغيره ينقسم الواجب ببعض الاعتبارات الى موقّت وغير موقّت فالموقّت ما عيّن له الوقت كالصّلاة اليوميّة وغير الموقت بخلافه كالصّلاة المقضيّة وقد يتوقّت بعض الواجب دون بعض كصلاة من ادرك من الوقت بناء على انّ ما اتى به خارج الوقت لا وقت له ولا بدّ من كون الوقت بحيث يسع لاداء الموقت فان ساواه فمضيق والّا فموسّع ولا نزاع فى جواز الأوّل ووقوعه والتحقيق انّ ذلك انّما يستقيم اذا حمل المساوات على العرفيّة لو اخذت الدّعوى جزئيّة فيصحّ فى مثل الصّوم دون مثل الصّلاة فانّ تحصيل المقارنة الحقيقيّة فيها لجزء معيّن من الوقت كاول الزّوال دائما متعذّر وتحصيل العلم او الظّنّ به ولو مرّة ممتنع عادّى اللهمّ الّا ان يكتفى فيه بمجرّد عدم العلم بالخلاف وامّا الثّانى اعنى الواجب الموسّع فالحق جوازه عقلا ووقوعه شرعا واحاله جماعة عقلا وحاولوا تاويل الأوامر الّتى بظاهرها تفيد التوسعة فخصّ الوجوب بعضهم باوّل الوقت وآخرون بآخره وهم بين قائل بانّ الإتيان به فى اوّل الوقت نقل يسقط به الفرض وبين قائل بانّ تقديمه يقع مراعى فان بقى المكلّف على صفات التّكليف كان واجبا والّا كان نفلا لنا على جوازه عقلا عدم ما يقتضى خلافه لما سيأتى من بطلان ما تمسّك به الخصم وعلى وقوعه شرعا تعلّق بعض اوامر الشّرع بالفعل فى زمن يفضل عنه كامره باقامة الصّلاة لدلوك الشّمس الى غسق اللّيل اذ ليس المراد استيعابه بالفعل بتكراره او تطبيق طرفيه على طرفيه فيتعيّن الاوّل احتجّوا بانّه لو لم يتعيّن وقت الفعل لجاز تركه من وقت آخر فيلزم جواز ترك الواجب فيتعين ان يكون الوجوب فى وقت معين لا يجوز تركه فيه وهو امّا اوّل الوقت اواخره اذ لا قائل بالواسطة ثم احتج من خصّه باوّل الوقت بانّه لو كان الآخر لما برئت ذمّته بادائه فى الاوّل وهو

٥٥

خلاف الاجماع فيتعيّن الاوّل لكنّه اذا عصى واتى به قبل خروج الوقت استحق العفو لما ورد من انّ اوّل الوقت رضوان الله وآخره عفو الله واحتج من خصّه بآخر الوقت بانّه لو كان الاوّل لعصى بالتّأخير وهو خلاف الإجماع فيتعيّن الأخر والجواب انّ معنى الواجب ليس ما يستحق العقاب على تركه مطلقا والّا لخرجت الواجبات التّخييريّة عنه بل ما يستحق العقاب على تركه من غير بدل ولا عذر فلا ينافى جواز الترك فى الجملة كتركه الى بدل واعلم انّ بعض من وافقنا صرّح بانّ الواجب الموسّع ينحلّ الى واجبات تخييريّة ثمّ منهم من جعل التخيير بحسب اجزاء الزّمان ومنهم من جعل التخيير بين اشخاص الفعل وتحقيق الكلام فى الفرق يظهر ممّا تقدّم فى الواجب المخيّر تتميم : زعم بعض القائلين بالتّوسعة انّ جواز ترك الفعل فى اوّل الوقت او وسطه انما يجوز بايقاع بدله فيه وانّه العزم على ادائه فى الجزء اللّاحق منه اما الاوّل فلانّه لولاه لم ينفصل عن المندوب وامّا الثّانى فللإجماع على عدم بدليّة غيره على تقدير وجوب البدل وضعفه ظاهر لانّه اذا صحّ عدم منافات جواز ترك الواجب الى يدل فى وجوبه فلا فرق بين مقارنة وقوع البدل لزمن المبدل منه وعدمها ويكفى بدليّة الفعل فى الوقت اللّاحق اذ الواجب ما لا يجوز تركه من غير بدل وقد يستدلّ ايضا بانّ الواجب قبل الوقت جائز الترك لا الى بدل فلو جاز تركه بعد دخول وقته من غير بدل وهو العزم ايضا لساوى نسبة الواجب الى الوقت وما قبله وضعفه ظاهر لأنّ الواجب يصحّ فعله فى الوقت ولا يجوز تركه مع العلم بمفاجاة المانع بخلاف ما قبل الوقت واعلم انّ جماعة صرّحوا بوجوب العزم على اداء الواجبات قبل الوقت وبعده والتحقيق انّه لا يبعد القول بحرمة العزم على ترك الواجب او فعل الحرام للقطع بقبحه واستحقاق الذّم عند العقلاء وامّا مجرّد العزم عليه بالتردّد فى الفعل فالقول بالتحريم فيه مشكل فلو رام الخصم ان يتمسك به فى اثبات مطلوبه بان يقول اذا دخل الوقت فالمكلّف يجب عليه احد الأمرين اداء الفعل او العزم عليه لانّه ان اتى بالفعل سقط عنه وجوب العزم وان لم يأت به تعلّق به وجوب العزم فالجواب عنه انّ الواجب المخير ما تعلّق الوجوب بآحاده تعلّقا ابتدائيا لا ترتيبيّا فالمكلّف بالخيار فى التزام كلّ من العنوانين لنفسه وبايّهما التزم لزم حكمه وكذلك المكلف مخيّر بين اداء الفعل فى الجزء الأوّل وادائه فى الجزء الثّانى الى ان يتضيق الوقت فاذا تركه فى اوّل الوقت لزمه حكم من عليه واجب من وجوب العزم على ادائه لا انّه مخيّر اوّلا بين الفعل والعزم عليه تنبيهان : [التنبيه] الاوّل : تأخير الواجب الموسع اذا ظنّ المكلّف بنفسه السّلامة فاخّر الواجب الموسّع او الواجب الذى وقته العم عن اوّل وقته ففاجأه الموت او مانع غيره لم يعص بتركه بناء على ما يقتضيه اصول المذهب من جواز التاخير

٥٦

والحال هذه لوضوح قبح العقاب على تقدير التجويز وتنقيح المبحث انّ قضية التّوسعة الواقعية جواز التاخير الواقعى وكلاهما مشروط ببقاء التّمكن واقعا ثم عند جهل المكلّف بالشّرط لا يخلو امّا ان يجعل له حكم فى الظّاهر من وجوب التعجيل مطلقا فيعصى بالتّاخير مطلقا او جواز التّأخير فلا يعصى به مطلقا او لا يجعل له فى الظّاهر حكم فيناط ظاهر حاله بالواقع فان صادف تركه عدم التمكن عصى والا لم يعص وهذا القسم فى الحقيقة واسطة بين القسمين الاوّلين اذ ليس فيه عصيان على الإطلاق ولا عدم عصيان على الإطلاق بل عصيان على تقدير وعدم عصيان على تقدير وقضية جواز وقوع كلّ من المطلقين جواز وقوع كلّ من المقيّدين اذ لا يعقل للانضمام مدخل فى الجواز نعم يحكم العقل بوجوب المسارعة الى الفعل عند ظن الفوات او خوفه وجوبا ظاهريا وان لم يتحقق الفوات واقعا دفعا للضّرر المخوف كما انّه يحكم بعدم وجوبها عند ظن السّلامة او العلم بها فلا يتم القول بنفى الوجوب الشّرعىّ فى الاوّل الجواز الشّرعى فى الثانى عند من يلتزم بالملازمة بين حكم العقل والشّرع مطلقا وذلك واضح ثم اعلم انّ الوجوه المذكورة لا يختص بالمقام بل تجرى فى غيره ايضا كما لو اشتبه المحرّم بالجائز فيجوز ان يكلّف فى الظّاهر بترك ما يحتمل كونه الحرام فيعصى بارتكاب البعض وان لم يصادف الحرام وان تأكّدت الحرمة مع مصادفة المحرم وان يكلّف به مع الرّخصة فى ارتكاب بعض لا يقطع فيه بارتكاب المحرّم فلا يعصى به وان صادف وعدم العصيان بفعل المحرّم لنذر لا ينافى التحريم كما مرّ فى الوجوب وان لا يجعل له فى الظاهر لحكم بل بحال حاله الى الواقع فيعصى ان صادف المحرّم ولا يعصى ان لم يصادفه على حسب ما مرّ [التنبيه] الثّاني : يتضيق الموسّع بتضيق وقته او بتضيق زمن التمكّن منه ويشاركه الغير الموقّت فى الثانى لكن فى المقامين تفصيل يعرف من الفصل الآتي وطريق ذلك العلم او الظّن بل مطلق الخوف فى وجه ولو خالف وانكشف الخلاف اثم باجترائه وبقى على الوقت واعلم انّه قد يختلف كيفيّة الواجب الموسّع بحسب اختلاف احوال المكلّف فان كان مرجعه الى اختلاف حال العجز والقدرة تضيق عليه بحسب تضيق زمن اداء الكيفية الواجبة المنوطة بالقدرة كما اذا علم المكلّف بانّه لا يتمكّن بعد تاخير الصّلاة عن بعض الوقت من ادائها بالطّهارة المائية او الطّهارة الخبثية او لقيام او غير ذلك فانّها يتضيّق الوقت عليه قبله مقدار ادائها بالكيفيّة الواجبة وان بقى زمن الأداء الى آخر الوقت مع بقاء التمكن كما يظهر اثره فى النّيّة عند التّأخير وفى عدم جواز التّأخير عن الوقت وان رجع الى غير ذلك كالقصر والإتمام المستندين الى حال السّفر والحضور لم يتعيّن عليه احدهما بخصوصه بمجرّد دخول الوقت بل يراعى فيه حال الفعل جريا

٥٧

على ظاهر الخطاب وما يقال من انه يستصحب ما وجب عليه اوّل الوقت من قصرا واتمام وان انتقل الى حاله فضعيف فصل : الحق انّ الوجوب فى الواجب الكفائى يتعلّق بكلّ واحد ويسقط بفعل البعض وقيل يتعلق ببعض غير معيّن وقيل بالمجموع من حيث المجموع لنا انّهم اذا تركوه اثم كل واحد منهم واستحق الذّمّ والعقاب عليه بشهادة العقل والعادة واما سقوطه بفعل البعض فلانّه مفاد الخطاب الدّال على الوجوب الكفائى والاجماع حجة من قال انّه يتعلّق ببعض غير معيّن وجهان [الوجه] الاوّل : آية النفر حيث دلّت بظاهرها على وجوب النفر على خصوص طائفة غير معيّنة من كلّ فرقة ولا مانع من حملها على ذلك الّا الابهام وهو لا يمنع لتحققه فى الواجب المخير وقد قلتم بجوازه واجيب بالفرق بين المقامين فانّ تكليف واحد غير معيّن غير معقول بخلاف تكليف معيّن بشيء غير معيّن فيجب حمل الآية ونظائرها على انّه يجب على الجميع ويسقط بفعل البعض جمعا بين الدّليلين والتحقيق انّ الوجوب هنا كالوجوب فى المخيّر فكما انّ الوجوب هناك مشوب بجواز الترك الى بدل يفعله المكلّف وبه يمتاز عن الوجوب التّعيين كذلك الوجوب هنا مشوب بجواز الترك الى بدل يفعله غيره وبه يمتاز عن الوجوب العينى نعم يعتبر هنا ان يكون البدل واجبا على الأخر ايضا كذلك لئلّا يرد النّقض بوجوب اداء الدّين فانه عينىّ وان سقط باداء البريء لأنّ وجوبه على المدين منسوب بجواز التّرك الى بدل هو فعل البرئ ولكن لا يجب على البرئ وبالجملة الواجب الكفائى هو الواجب الذى يتعلق باثنين فصاعدا على وجه يجوز تركه لكل واحد عند قيام الآخر به ويكفى فى جواز الترك العلم بقيام الغير ولا يكفى التّعويل على الظّن الا ما قام الدليل على اعتباره [الوجه] الثّانى : لو وجب على الجميع لما سقط بفعل البعض والفرض انّه يسقط واجيب بانّه لا مانع من سقوط الواجب بفعل البعض اذا حصل به الغرض وهو واقع كسقوط ما فى ذمّة زيد باداء عمرو والتحقيق فى الجواب ما عرفت حجة من قال بانّه يتعلّق بالمجموع انّه لو وجب على كلّ واحد لكان سقوطه بفعل البعض نسخا لكونه رفعا للطلب بعد تحققه والنسخ يستدعى ورود خطاب جديد واذ ليس فليس فلا يجب على كلّ واحد وامّا لو تعلّق بالمجموع فلا يسرى الى الآحاد الّا بالعرض فيكون الاثم ايضا على المجموع ويسرى الى الآحاد بالعرض والجواب : انّ النسخ ليس رفع الطّلب مطلقا بل اذا كان ظاهرا فى البقاء والاستمرار وليس مفاد الخطاب فى الكفائى بقائه بعد قيام البعض به حتى يكون دفعه نسخا ثم لو ترك الجميع فعقاب المجموع دون الآحاد غير معقول ومع عقابهم يثبت المطلوب والتسرى يستدعى موضعين ونحن لا نتصوّر هنا مجموعا يصحّ تعلّق التكليف به سوى نفس

٥٨

الآحاد فصل : لا خفاء فى انّ الأمر يشتمل على جزء صورىّ به يدلّ على طلب الإيجاد والنّسبة وعلى جزء مادّى به يدل على المعنى المأمور به وقد اختلفوا فى ان المعنى المامور به هل هو الطّبيعة او الفرد فذهب الى كلّ فريق والمختار هو الأوّل لنا تبادر الطّبيعة منها وقد مر انّه علامة الحقيقة وانّ المشتقات مأخوذة من المصادر المجردة عن أداة التّعريف والتنكير وهى حقيقة فى الطّبيعة من حيث هى بحكم التّبادر مضافا الى ما عزّى الى السّكّاكى من حكاية الاتفاق عليه فيتعلّق بها مدلول الهيئة من طلب الإيجاد واذا ثبت انّ مدلول الأمر لا يزيد على طلب ايجاد الطبيعة من حيث هى فلا يصلح للمنع من الحمل على ظاهره الّا ما تخيله الخصم وسنبين فساده احتجّوا بانّ الطّبيعة من حيث هى يمنع وجودها فى الخارج لما تبيّن فى محلّه من امتناع وجود الكلّى الطبيعى فى الخارج فيمتنع تعلق التكليف بها فيتعين ان يكون المطلوب به الفرد وهو المطلوب والجواب : منع المقدمة الأولى فانّ التحقيق امكان الوجود الكلّى الطّبيعى فى الخارج كما عليه معظم المحققين وبيانه موكول الى فنّه فصل : الأمر بالشيء مع العلم بانتفاء شرطه اختلفوا فى جواز الأمر بالشيء مع علم الأمر بانتفاء شرطه فاجازه جماعة وذهب اصحابنا الى عدم جوازه والتحقيق انّهم ان ارادوا بالشّرط شرط الأمر وبالجواز الامكان فالشرط اما ان يكون ممتنع الوجود او لا وعلى الثانى امّا ان يؤخذ الأمر بشرط عدمه او لا والحقّ فى الصّورتين الاوليتين عدم الجواز وفى الأخيرة الجواز مع عدم الوقوع وان ارادوا بالشّرط شرط المأمور به فحينئذ ان اراد المانعون انّ علم الأمر بانتفاء شرط المأمور به يوجب عدم جواز الأمر فى المشروط على الاطلاق بالنّسبة الى الشّرط الّذى علم الأمر انتفائه فالحكم على مذهب العدليّة متّجه والوجه فيه قبح التكليف بالمحال بخلاف من اجازه وان ارادوا بالشّرط شرط وجوبه رجع الى القسم السّابق وان ارادوا انّ العلم بانتفاء الشّرط اعنى شرط التّمكن من المامور به او شرط مطلوبيّته بذلك الأمر يوجب عدم جواز الأمر بالمشروط ولو بتعليقه على تقدير وجود الشّرط كما يظهر من السّيد وغيره كصاحب المعالم بل يظهر منهما المنع حال تمكن الأمر من استعلام الحال ايضا فان ارادوا انّه فى نفسه غير جائز فممنوع وان ارادوا انّ الأمر حال العلم بعدم الشّرط ممّا لا فائدة فيه فيكون سفها فهو على اطلاقه ممنوع هذا كلّه اذا حمل الأمر فى عنوان النّزاع على الأمر الحقيقى كما هو الظّاهر وامّا اذا حمل على الأمر الصّورى فوجهان اقربهما الجواز على ما يساعد عليه الاعتبار اذا عرفت هذا فنقول حجّة المجوّزين وجوه [الوجه] الأوّل : انّه لو لم يجز ذلك لما عصى احد والتّالى باطل بالضرورة

٥٩

امّا الملازمة فلان كلّ ما لم يوجد فقد انتفى بعض علته التّامة واقلّه ارادة المكلّف فيمتنع فلا تكليف فلا معصيته والجواب : انّ الكلام فى شرائط الوجوب والارادة من شرائط الوجود وامتناع الفعل لعدم الارادة لا يوجب سقوط التكليف لانّ الممتنع بالاختيار لا ينافى الاختيار [الوجه] الثاني : انّه لو لم يجز لما علم احد بانّه مكلف والتّالى باطل بالضّرورة امّا الملازمة فلانّ المكلّف حال الفعل وبعده ينقطع عنه التكليف وقبله لا يعلم به لجواز ان لا يتحقق بعض شرائطه فيمتنع فلا يكلّف به والجواب : انّه ان اريد بالتّالى عدم العلم بالتّكليف الظّاهرى فالملازمة ممنوعة اذ جواز عدم البقاء بصفة التكليف لا يقدح باستصحاب البقاء المثبت بالحكم الظاهرىّ بل ربما يكفى فى ثبوت الحكم الظّاهرى مجرّد تجويز التمكن وان اريد عدم العلم بالتكليف الواقعى فبطلانه ممنوع ودعوى الضّرورة فيه مكابرة [الوجه] الثالث : لو لم يجز لما علم ابراهيم (ع) بوجوب ذبح اسماعيل (ع) والتّالي باطل امّا الملازمة فلانتفاء شرط الوجوب حال الفعل اعنى عدم النسخ وامتناع الخطاء فى علم الأنبياء وامّا فساد التالى فلانه لو لم يعلم لما اقدم على الذبح ولم يحتج الى فداء والجواب : انّ الأمر كان صوريّا ولمّا خفى ذلك على إبراهيم (ع) امتحانا له وجب عليه بحسب الظّاهر ان يقدم على ذبح إسماعيل (ع) فانّ الأنبياء كما يكلّفون بالاحكام الواقعية كذلك قد يكلّفون بالاحكام الظّاهرية فكان الأمر بالفداء او المجىء به كاشفا عن عدم تعلّق الأمر بالذّبح واقعا فلا يلزم شيء من المحذورين وعلى هذا البيان يساعد لفظ الفداء اذ المتبادر منه سقوط الحكم عن المفدى عنه [الوجه] الرّابع : انّ الأمر كما يحسن لمصالح في المأمور به كذلك يحسن لمصالح فى نفس الأمر كما فى المقام فانّ المأمور حيث لا يعلم انتفاء الشّرط يتعيّن عليه الأقدام على الامتثال فان اقدم استحق بذلك اللّطف والكرامة وان استنكف استحق الخذلان والمهانة وكذلك قد يقصد به استخبار حال المأمور والجواب : انّ الظاهر فى مثله ان يحمل الأمر امّا على الأمر الصّورى او المشروط كما عرفت والثانى اظهر ثم لا يخفى ان هذا النّزاع من جزئيات النّزاع فى جواز تاخير البيان عن وقت الخطاب فلا يناسب ايراده فى المقام بهذا العنوان كما فعله البعض [فصل : في أن نسخ الوجوب هل يدل على الإباحة] فصل : الحق انّه اذا نسخ الوجوب المستفاد من الأمر لا يبقى معه الدّلالة على الجواز وانّ الجواز الثابت فى ضمن الوجوب لا يبقى بعد نسخه وفاقا لاكثر المحققين نعم نقول بثبوت الجواز بمعنى الاباحة فى غير العبادات وفى غير ما يحكم العقل بتحريمه ظاهرا عند عدم دليل على خلافه سواء كان الفعل المأمور به متّصفا بغيرها قبل الاتصاف بالحكم المنسوخ او لا وامّا اذا كان عبادة وقصد به القربة فلا ريب فى حرمته

٦٠