خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ٢

السيد صدر الدين الصدر

خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيد صدر الدين الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلوة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا ومولينا محمّد واله الطّيّبين الطّاهرين وبعد فهذا هو الجزء الثّانى من خلاصة الفصول فى علم الأصول اقدّمه الى نيوانى العظام المحصّلين الكرام اسئل الله التّاييد والتّوفيق لهم ولى فى البدء والختام بمحمّد واله الكرام عليه وعليهم سّلم

قال طاب ثراه المقالة الثّانية فى الأدلّة السمعيّة

فصل المعروف بين علماء الأسلام حجّية نصوص القران وظواهره وان لم يرد تغييرها فى السّنّة وخالف فى ذلك شرذمة من متاخّرى الاخبارية لنا وجوه الاوّل اطباق الطّائفة المحقّه على وجوب العمل بها مطلقا ومثل هذا الأتّفاق كاشف عن قول رؤسائهم وتقريرهم اياهم على ذلك بل يمكن ان يستكشف بذلك عن قول النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمتداد سلسلة الاتّفاق الى عصره وزمانه الثانى انّه لو لم تكن الألفاظ فى نفسها دليلا على ارادة معانيها التوقّف كونها معجزة على ورود التّفسير لظهور انّ من اظهر وجوه الأعجاز اشتماله على الفصاحة والبلاغة ولا يتم ذلك الّا بمعرفة مداليله ومعانيه لانّ وصف البلاغة لا يعرض اللّفظ الّا بالقياس الى ما اريد به من المعنى ولم ينقل انّه (ص) كان يحاجّ العرب بعد تفسيره لهم مع انّ ذلك يوجب خروج القران عن كونه معجزا لتوقف ذلك على ورود التفسير وصحّته مبنيّة على ثبوت النّبوة فاذا توقّف ثبوتها على كونه معجزا لتوقف الدّور ويلزم ايضا ان يكون اعجازه بالفصاحة ظنّيا لثبوت التفسير غالبا بطريق ظنّى الثالث الايات الدّالّة على ذلك كقوله تعالى (أفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) وقوله تعه (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) الى غير ذلك عن الايات وهذه الايات بعد ملاحظة سياقها يوجب القطع بارادة ما اردناه من حجّية القران بنفسه ولو فى الجملة فلا دور الرّابع الأخبار الكثيرة منها رواية الثقلين الامرة بالتّمسك بالكتاب وبالعترة ولا ريب انّ التمسك بالعترة غير مشروط بموافقة الكتاب فكذلك العكس اذ استقلال احدهما فى وجوب التّمسك به يوجب عدم ارادة التّمسك بهما معا وذلك يوجب الأستقلال من الجانب الاخر وتنزيلها

٢

على وجوب التّمسّك بالكتاب بعد بيان العترة حتى بالنسبة إلى الصّريح منها فالظاهر خلاف الظّاهر من مساقها ومنها الأخبار الدّالّة على عرض الخبرين المتعارضين على الكتاب والاخذ بالموافق وطرح المخالف فانّ سياقها يدلّ على الأعتداد بما هو مفهوم من الكتاب فى نفسه وليس فيه اشعار بما اذا كانت الاية المعروض عليها مفسّرة واحتج المانع بظاهر بعض الأخبار منها ما روى عن الصّادق (ع) من قوله (ع) انّما يعلم القران من خوطب به وقوله (ع) وجعل للقران ولعلم القران اهلا الى قوله وهم اهل الذّكر الّذين امر الله هذه الأمة بسؤالهم ومنها الأخبار الدّالّة على عدم جواز تفسير القران بالرّأى والجواب اولا انّها معارضة بالأخبار المتقدمة ولا ريب فى انّ الترجيح لتلك الأخبار لكونها اظهر واكثر مضافا الى عمل المشهور بها واعراضهم من هذه الاخبار وثانيا انّا نمنع ظهورها فانّ الرّواية الأولى انّما تدلّ على حضر العلم بالقران لمن خوطب به وهو اعمّ من العلم بكلّه او بعضه اذ المراد العلم بمعانى القران كلا او بعضا كالمتشابه ولو سلّم ظهوره فى العموم تنزيله على العموم المجموعى غير مفيد وعلى الافرادى ممنوع وبهذا يتضح الجواب عن الرّواية الثانية وامّا ما دلّ على عدم جواز تفسير القران بالرّاى فلا دلالة فيه فانّ التّفسير كما يظهر من العرف ويساعده صريح البعض هو كشف المغطّى والمتشابه وليس الأمر فى محلّ البحث كذلك فانّ مبناه الأوضاع اللّغويّة او العرفيّة واعلم انّه يجوز تفسير الكتاب بما يقتضيه القواعد العربيّة وبما فسّر فى الأخبار المعتبرة وان كان على خلاف الظاهر ويسقط الاحتجاج حينئذ ممّا لم يتبيّن كونه تفسير الباطن ومع الشّك فالظّاهر هو الأوّل وقد جاء فى بعض الأخبار تفسير بعض المطلّقات ببعض الأفراد ويمكن ان يكون من باب الفرد الكامل والأكمل او من باب حصر المراد فيه والثّانى اوفق بظاهر التّفسير والأوّل انت باطلاق اللّفظ فان قامت قرينة على احدهما وجب اتّباعهما والّا فالظّاهر الأوّل

القول فى الاجماع

مقدّمة الاجماع عبارة عن اتفاق جماعة على حكم دينى يقطع بانّ المعصوم احدهم لا بعينه او بعينه ويكون القطع بقوله مستندا الى اتّفاق الاخرين ولك ان تجعل الاجماع فى الصّورة الثانية عبارة عن الاتّفاق الكاشف دون المجموع المركب من الكاشف والمستكشف ولو عرّف الأجماع بانّه الأتّفاق الكاشف عن قول المعصوم (ع) على حكم دينى كان اخصر واجمع فصل اختلف القائلون بحجّية الأجماع فى مدركها فلاصحابنا رضوان الله عليهم طرق ثلثة الاول ما ذكره العلّامة وجماعة وهو انّ الأمّة اذا قالت بقول فقد قال المعصوم به ايضا لأنّه من الامة بل سيّدها ورئيسها والخطاء مأمون عليه وهذا التّعليل ناظر الى تفسير الأجماع باتّفاق جميع علماء هذه الامّة فمرادهم باتّفاق الامة هنا اتّفاق علمائها بقرينة الحدّ وكانّ السّر فى تخصيص الأجماع وطريقه باتّفاق الكلّ مع عدم اختصاصها عندهم به هو انّهم تكلّموا اوّلا على الاجماع بالمعنى المتداول عند العامة. ثمّ نبّهوا على الصّورة

٣

الّتى ليس فيها اتّفاق الكلّ جريا على طريقة الخاصّة وفيه بعد تسليم سلامته عن الأشكال انّ العلم بقول المعصوم يبعد وقوعه فى زمن الظّهور ويتعذّر فى زمن الغيبة فتعميم الأجماع الذى هو اصل من الأصول الشرعيّة اليها خال عن الثّمرة والبحث عنها عديم الجدرى الثانى ما ذكره الشّيخ وجماعة وهو انّ الامّة اذا اتّفقت على حكم ولم يكن فى الكتاب والسّنة المقطوع بها ما يدلّ على خلافه تعيّن ان يكون حقّا والّا لوجب على الأمام ان يظهر خلافه ولو باعلام بعض ثقاته حتّى يؤدّى الحق الى الأمّة ولا بدّ ان تكون معه معجزة تدلّ على صدقه ليمكن التّعويل على دعوته وفيه انّ اللّطف لا يقتضى اكثر من ارسال الرّسل وتبليغهم الأحكام على النّحو المتعارف الثّالث وهو الطريق المنسوب الى اكثر المحققين من استكشاف قول المعصوم من اتفاق علمائنا الأعلام فانّ اتّفاقهم على قول مما يكشف بحسب العقل والعادة بانّ ذلك قول ائمّتهم ومذهب رؤسائهم ثم انّ هذا الطّريق قد يستقل بالاستكشاف وذلك انّما يكون غالبا حيث يكون الحكم على خلاف الأصول الظّاهريّة المسلّمة عريّا من الشّواهد الاعتبارية وقد يحتاج الى انضمام شواهد خارجية ومؤيّدات تقريبيّة من الاثار والأخبار ولا اختصاص لهذا الطّريق بالأستكشاف عن قول المعصوم بل يستكشف بها عن قول بقيّة الرّؤساء فانّه قد يعرف مذاهبهم وارائهم من اتّفاق اتباعهم الّذين طريقتهم عدم التخطّى عن جادّتهم وترك الأنحراف عن طريقتهم بل لا حاجة فى الاستكشاف بهذا الطّريق الى العلم باتّفاق الكلّ بل قد يستكشف باتفاق جماعة من خواصّهم سيّما اذا كانوا من اصحابهم واعلم انّه قد يستكشف بالطّريق المذكور وجود دليل ظاهرىّ معوّل عليه عند الكلّ او عند نايل قد يستكشف به عن كون الدّليل نصّا بالخصوص وذلك كما لو اتّفق على الحكم جماعة قد عرف من طريقتهم الجمود على متون الأخبار مع الوثوق التّامّ بافهامهم وانظارهم وعلوّ مقامهم فى العلوم العربيّة بل قد يستكشف به عن كون النصّ صحيحا او حسنا حيث يعرف منهم الجمود على العمل بهما ويستكشف به اخرى عن كونه نصا فى الجملة فيقول عليه بانضمام الاتّفاق الكاشف عنه اذا بلغ حدّ الشّهرة وصلح لجيره اذ لا فرق بين العلم الاجمالى بالدّليل او العلم التّفصيلى به فى وجوب الأخذ والركون اليه لكن شيئ من ذلك لا يسمّى اجماعا اذ المعتبر فى الاجماع الأتّفاق الكاشف عن راى المعصوم كشفا قطعيّا لا الكاشف عن مطلق الدّليل تتميم نقل الشّهيد فى الذّكرى انّ بعض الأصحاب الحق المشهور بالمجمع عليه واستقر به واراد الألحاق فى الحجّية دون التّسمية وعلّله بامرين الاوّل انّ عدالتهم تمنع من الأقتحام على الفتوى بغير علم وليس فى عدم وجداننا دليل على عدم وجوده وفيه انّ عدالتهم انّما تمنع من الاقتحام من الافتاء بغير حجة عندهم ولا يلزم من ذلك حجّيته عندنا الثانى قوة الظن فى جانب الشهرة وفيه انّه مبنى على قاعدة الانسداد والّا فلا خفاء فى سقوطه اذ الاصل عدم جواز العمل بالظنّ وان كان قويّا وقد يستدل على حجّيّة الشّهرة بعموم قوله خذ بما اشتهر بين اصحابك

٤

وقوله واترك الشّاذّ الّذى ليس بمشهور عند اصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه فانّ ما من اداة العموم فيتناول الشّهرة فى الفتوى ايضا وايضا يتناوله عموم المجمع عليه فانّ المراد به المشهور كما هو ظاهر السّياق وفيه ان المراد بالموصول فى المقامين الرّواية دون الفتوى بقرينة السّؤال من تعارض الرّوايتين واعلم انّ الشّهرة تنقسم الى محصّلة ومنقولة وثبوتها بالطّريق الأوّل لا خفاء فيه وامّا بالطّريق الثّانى فموضع كلام والتّحقيق عدم جواز التّعويل عليه مع امكان الأوّل للأصل ولعدم حصول الأستفراغ التّامّ المعتبر فى الأجتهاد والتّحقيق عندى انّ الشّهرة ان قامت على حجّية طريق او دليل جاز الأعتماد عليها دون ما لو قامت على نفس الأحكام كما سيأتى تفصيله فى باب الأنسداد هذا كلّه فى الشّهرة فى الفتوى وامّا الشّهرة فى الرّواية فالحقّ انّها تنهض بجبر الرّواية الضّعيفة وان لم تساعدها الشّهرة فى الفتوى ويتحقّق بتكرّر موضع الضّعف من السّند بحيث يحصل معه الاعتماد بصدق الخبر ويختلف ذلك باختلاف مراتب الضّعف وامّا اشتهار نقل الرّواية فى كتب المحدّثين فلا يخلو من نوع تاييد لكن لا يبلغ بمجرّد ذلك درجة الحجّية فصل فى الأجماع ينقسم الأجماع الى بسيط ومركّب فالاوّل هو المنعقد على حكم واحد ويقابله المركّب وهو المنعقد على حكم او احكام مع عدم انعقاده على كلّ واحد سواء كان فى موضوع واحد كاستحباب الجهز فى ظهر الجمعة وحرمته حيث افترق الأصحاب فيه فريقين فالقول بوجوبه مثلا خرق للأجماع المركّب او فى موضوعين فما زاد كتبديل الرّكعتين من جلوس بركعة من قيام فى الشّكّ بين الأثنين والثّلاث وبين الثّلاث والأربع فانّ من قال بجواز تبديلهما بهما قال به فى المقامين ومن منع منه منع فى المقامين فالقول بجوازه فى احدهما دون الاخر خرق للاجماع المركّب ويسمّى هذا النّوع بعدم القول بالفصل ايضا والأظهر ان يخصّ الأجماع المركّب ممّا يتّحد فيه مورد الأقوال ويجعل لما يتعدّد فيه المورد عنوان عدم القول بالفصل لئلّا يلزم التّكرار فى بيان اقوال المسئلتين اذا تحقّق عندك هذا فالكلام يقع فى مقامات الاوّل لا يجوز عندنا مخالفة الاجماع البسيط على طريقتنا حيث يكون كاشفا عن قول المعصوم الواقعى مطلقا ووجهه واضح وامّا ما كشف عن قوله الظّاهرى فيجوز مخالفته مع قيام دليل على خلافه كما لو استكشف بالأتّفاق عن حكم الأمام بطهارة المخالفين فى الجملة فانّه يجوز مخالفته عند قيام دليل كاشف عن كونه حكما ظاهريّا منوطا بالتّقيّة وكذا لو استكشف بالاجماع عن اصل عام على وجه يقبل التّخصيص عند قيام دليل عليه ولو علم اجمالا بورود الحكم منه مورد التّقيّة ولم يظفر بدليل على تعيّن المخالف ففى جواز الأخذ به وعدمه وجهان اظهرهما الأخير نعم لو علم انّ المنظور فيه مراعات مصلحة فى المكلّفين وعلم ببقائها فى حقّنا وجب الأخذ به وفى صورة الظّنّ بهما او باحدهما مع العلم بالاخر وجهان وقريب منها صورة الشّكّ الثانى اذا انعقد الاجماع على قولين او اقوال فى موضوع لا يجوز احداث قول اخر فيه بلا خلاف يعرف لانّه اذا علم بدخول قول المعصوم (ع) بين القولين او الأقوال او بموافقته لأحدهما كان القول الاخر مخالفا لقوله قطعا فلا يجوز المصير اليه ولا يذهب عليك ان هذا انّما يتمّ اذا كان الأجماع كاشفا عن الحكم الواقعى والّا اتّجه فيه التّفصيل المتقدّم وينبغى ان يستثنى من ذلك ما اذا ادّى دليل الاحتياط الى احداث قول ثالث فانّه يجوز كما هو ظاهر الثّالث اذا لم تفصّل الامّة بين حكمين او احكام

٥

فى موضوع واحد او اكثر او لم تفصّل بين موضوع او موضوعات فى حكم واحد فهل يجوز لنا التّفصيل فى ذلك والتحقيق انّه ان قام دليل من اجماع او غيره على المنع من التّفصيل مطلقا ولو بحسب الظاهر او قام على احد القولين او الاقوال ما يكون حجيّتّه باعتبار افادة الواقع لم يجز التّفصيل والّا جاز لنا على المنع فى الصّورة الاولى امّا فى القسم الأوّل منهما فلانّ الدّليل قام على المنع من التّفصيل وامّا فى القسم الثّانى فلانّه اذا كان الدّليل موافقا للواقع معتبرا من حيث افادته ايّاه كانت دلالته على احدهما مستلزمة لدلالته على الاخر ولو بمعونة العلم بدخول المعصوم فى المجمعين فيكون اثبات الحكم الاخر به من قبيل اثبات اللّوازم العقليّة لمدلول الخبر او لوازمه الشّرعيّة او العرفيّة اذ لا فرق بين اللّزوم المستند الى نفس المدلول او اليه بضميمة مقدّمة خارجيّة ولنا على الجواز فى الصورة الثانية عدم قيام دليل صالح للمنع فيجب اتباع ما يقتضيه الأدلّة الّتى مفادها الظّاهر وان ادّى الى القول بالتفصيل وخرق الاجماع ولا يقدح العلم الأجمالى ببطلان احد القولين بحسب الواقع لانّ ذلك لا ينافى صحّتهما بحسب الظّاهر كما يكشف عنه ثبوت نظائره فى الفقه فى موارد كثيرة فصل اذا اتّفقت الامة على قولين مثلا ولم يقم هنا ما يقتضى التّعيين او كان ولكن لم يسلم من المعارض يتخيّر المجتهد وفاقا للشّيخ وجماعة وقيل يسقطهما ويرجع الى الأصل وهو مدفوع بما ذكره الشّيخ من انّ ذلك يوجب طرح قول الامام فيكون خطاء وينبغى تنزيله على بعض صور الاجماع واورد عليه المحقّق بان التخيير ايضا خارج عمّا اتفقت عليه الأمة فالبناء عليه ايضا يوجب طرح قول الامام وارتضاه فى المعالم وفيه انّ التخيير فى الفتوى لا ينافى التّعيين فى الحكم المفتى به كما فى التخيير فى العمل باحد الخبرين المتكافئين واحتج المانعون بقوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) يعنى الكتاب والسّنة وفيه انّ الرّدّ الى الأجماع ردّ الى قول المعصوم ع وهو ردّ الى الله ورسوله مضافا الى انّ الظّاهر من النزاع فى شيئ هو النّزاع فى الدّعاوى الماليّة وشبهها وانّ الرّدّ بمعنى التّحاكم والتّرافع فصل لا كلام فى حجّية نقل الاجماع بالخبر المتواتر وفى حكمه المنقول بطريق الاحاد مع انضمامه بقراين العلم وامّا المنقول بخبر الواحد المجرّد عن قراين العلم ففى حجيّته خلاف والظاهر انّ هذا النزاع غير متوجّه على القول بعدم حجية خبر الواحد كما صرّح به بعضهم بل هو مقصور على القول بحجّية خبر الواحد والمختار ما ذهب اليه القائلون بالاثبات لنا انّ ناقل الاجماع ناقل لقول المعصوم ولو بالألتزام فما دلّ على جواز التّعويل على نقل الاحاد فى السّنة يدل على جواز التعويل عليه فى الأجماع ايضا اذ هو فى معنى الرواية فيكون بحكمها فى الحجّية ولا يقدح كونها مستندة الى الحدس والقول باشتراط الحسّ فى الشّهادة غير واضح كالشّهادة على العدالة على انّ الأستناد بالرّواية كما يكون الى الحسّ كذلك قد يكون الى الحدس كما فى المكاتبة فبطل دعوى اختصاصها بالنّوع الاوّل ويدلّ عليه

٦

ايضا اية الأنذار والتّحذير عن الكتمان اذ لا ريب فى تناولهما للمقام فان التّفقه فى الدّين كما يكون بطريق الحسّ كذلك يكون بطريق الحدس وقضيّة وجوب البيان على الأطلاق وجوب القبول كذلك وكذلك اية النّبأ بناء على دلالتها بالمفهوم على قبول خبر العادل فانّه يتناول المقام ايضا فانّ ناقل الاجماع يخبر عن قول المعصوم (ع) فان قلت انّ النّبأ والخبر يطلق على ما استند ادراكه الى الحسّ ولهذا فارق الفتوى قلت ان اريد انّ النبأ لا يطلق الّا على الأشياء الّتى من شئنها ان تدرك بالحسّ وان كان طريق المخبر الحدس فهذا ممّا لا ينافى المقصود وان اريد انّه لا يطلق الّا على ما ادرك بالحسّ فواضح الفساد للقطع بانّ من اخبر عن الهام او وحى او مزاولة بعض العلوم كعلم النّجوم يعد منبئا ومخبرا حجّة المانع امور الاوّل الاصل وقد عرفت الجواب عنه الثانى انّ التّعويل على نقل الاجماع تقليد لناقله فان الاجتهاد قد يؤدّى الى القطع بالحكم فيصح ان يسنده القاطع الى المعصوم فالتّعويل عليه راجع الى التّعويل على فتوى النّاقل وقد تقرّر عندهم ان المجتهد لا يجوز ان يقلّد والجواب انّ المقام ليس من باب التقليد بل هو من قبيل التّعويل على الرّواية فكما انّ ذلك لا يعدّ تقليدا للرّاوى فكذلك التّعويل على نقل الأجماع ولو سلّم ان مثل ذلك يعدّ تقليدا فكلّيّة الكبرى ممنوعة لثبوته فى حق المجتهد فى بعض المباحث كمباحث اللغة والجرح والتّعديل وغير ذلك الثالث بعض الموهنات لكثير من الأجماعات المنقولة والجواب انّها امور خارجة عن اصل النقل لا تنافى حجّيّته فى نفسه فيعتبر فى جواز التّعويل على نقل الأجماع انتفاء الامارات الموهنة ولذا ترى انّ من يقول بحجيّة الأجماع المنقول لا يعوّل عليه الّا فى موارد قليلة نظرا الى قلّة ما يتحقق شرايط القبول ثم اعلم انّ نقل الأجماع ينحلّ الى نقل الكاشف من الأتّفاق المستكشف به عن قول المعصوم والى نقل المنكشف الذى هو قول المعصوم (ع) فالقائل بحجيّته قائل بجواز التّعويل على النّقلين ومن قال بعدم حجيّته قال بعدم جواز التّعويل على احدهما اذ يكفى فى رفع المركب رفع احد جزئيه ولا ريب فى عدم جواز التّعويل على نقل المنكشف على هذا القول وامّا نقل الكاشف فقد ذهب بعض اصحاب هذا القول الى جواز الاعتماد عليه بحيث لو صحّ لكشف لنا عن قول المعصوم (ع) او عن وجود حجّة ولا فرق بين نقل الكاشف بطريق الأجمال كقوله اجمع علمائنا او بطريق التّفصيل بان بذكرهم باسمائهم او المركّب منهما.

الكلام فى الخبر

الخبر فى اللّغة هو النّبأ وفى الأصطلاح ما يقابل الانشاء وعرّف بانّه قول يحتمل الصّدق والكذب وقولنا زيد قائم يفيد ثبوت القيام لزيد وقيامه به وهذا المعنى وان كان امرا ذهنيا الّا انّه ماخوذ بالقياس الى الخارج ومعتبر بالنسبة اليه فلا جرم كان صالحا المطابقة وعدمها بخلاف الانشاء كقولك اضرب فانّ معناه ايقاع طلب الضّرب وانشائه لا الاخبار عن وقوعه وظاهر انّ هذا المعنى ممّا لا خارج له عن نفسه

٧

حتى يتصوّر فيه المطابقة وعدمها واعلم انّه قد يطلق الخبر ويراد به ما يرادف الحديث وعرّف حينئذ بانّه ما يحكى قول المعصوم او فعله او تقريره غير قران ولا عادى ويسمّى ذلك المحكى سنّة والمراد بالموصول ما يتناول اللّفظ والكتابة وان فسّرت بمطلق الدّالّ تناولت الاشارة ايضا وخرج بتقييدها باحد الثلثة ما يحكى غيرها وان تعلّق بالمعصوم (ع) كحكاية صفاته وكيفيّة خلقته والمراد بالمعصوم الائمة وفى شموله لفاطمة (ع) وجه فصل ينقسم الخبر باعتبار حال المخبر الى متواتر واحاد وعرّفوا المتواتر بانّه خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه واحترزوا بقولهم بنفسه عن خبر جماعة علم صدقه بالقرائن الزّائدة على الأحوال الّتى تكون فى الخبر والمخبر والمخبر عنه ثم يعتبر فى المتواتر امور قد افصح الحدّ عنها منها ان يبلغ المخبرون فى الكثرة حدا يمتنع كذبهم بحسب العادة ومنها ان يكون اخبارهم عن محسوس ولو بحسب اثاره ولوازمه البيّنة كالاخبار بالشّجاعة والعدالة ومنها ان لا يكون السّامع عالما بالواقعة من غير طريق التّواتر واعلم انّ التّواتر قد يتحقق بالنّسبة الى المدلول المطابقى فان اتّحد المدلول المطابقى فى الجميع علم بصدق الجميع وان اختلف ولم يكن بينهما تلازم علم صدق بعضها لا على وجه التّعيين وقد يتحقق بالنّسبة الى المدلول التّضمّنى كما لو اخبر بانّ زيد كان فى وقت كذا فى موضع كذا من الكوفة واخر فى موضع اخر منها وهكذا فيحصل العلم بانّ زيد كان فى وقت كذا فى الكوفة وهو مدلول تضمّنى لتلك الأخبار وقد يتحقّق بالنّسبة الى المدلول الالتزامى وهذا قد يكون اللّازم فيه لازما لكلّ واحد من الاخبار وقد يكون لازما للقدر المشترك بينها والغالب فى تواتر اللّازم ان يتواتر معه الملزوم ايضا وقد يتواتر اللازم بدون الملزوم ولا اشكال فى امكان التّواتر عقلا بل ووقوعه وحصول العلم به كما هو واضح فصل خبر الواحد ما لم يبلغ حدّ التّواتر وينقسم باعتبار رواته الى مستفيض وهو ما بلغت رواته فوق الثلاثة وباعتبار حال الراوى الى خبر عدل وغيره ولا ريب فى جواز التّعبد بخبر الواحد المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم وامّا المجرّد عنها فالمعروف بين اصحابنا جواز التّعبّدية عقلا وانكره بعض قدماء اصحابنا كابن قبه والتحقيق انّ القائلين بالجوازان ارادوا به الجواز بمعنى عدم حكم العقل بالأمتناع فالحق هو الجواز وان ارادوا به الجواز الواقعى بمعنى انّ العقل يحكم بانّه لا قبح فى العمل به واقعا فالحقّ عدم الجواز اذ ليس العمل بخبر الواحد ممّا يدرك العقل جهاته الواقعيّة حتى يحكم فيه بجواز او امتناع وان ارادوا الجواز الظّاهرى بمعنى عدم القبح ما لم ينكشف الخلاف فان اعتبر مطلقا حتى مع انفتاح باب العلم فالحقّ خلافه وان خصّ بصورة الأنسداد فلا ريب فى الجواز لكن يبعد جدا التزام المانع بالمنع فيها بل ظاهر كلامه ينصرف الى غيرها وحيث علمت انّ الاظهر من وجوه محل النزاع هو الوجه الأول فنقول الحجّة على ما اخترناه قضاء الضّرورة واحتج المانعون بوجهين الاوّل انّ العقل يجوّز كذب المخبرين وعلى تقدير كذبهم يؤدى العمل بخبرهم الى تحليل الحرام وتحريم الحلال وهو قبيح عقلا فيمتنع تجويزه و

٨

الجواب اولا بالنّقض بالفتوى وبشهادة الشّاهدين وبالأصول العلميّة بل واللّفظية وثانيا بالحلّ وهو انّه ان اريد بتحليل الحرام وتحريم الحلال تحريم ما هو حلال وتحليل ما هو حرام ظاهرا فالملازمة ممنوعة وان اريد واقعا فالملازمة ايضا ممنوعة وان اعتبر من حيث الظّاهر فبطلان التّالى ممنوع فانّ ثبوت الأحكام تابع لحسن تشريعها وان ادّى الى خلاف الواقع ومن هذا الباب جواز الأعتماد على الأمارات الشّرعيّة ولو قرّر النّزاع فى صورة انسداد باب العلم وبقاء التّكليف فالمنع اوضح اذ قد يحسن الامر بالقبيح محافظة على ما هو اهمّ من فعل الحسن ويحسن النّهى عن الحسن محافظة على ما هو اهم من ترك القبح ومن هذا الباب التّعبد بالطّرق الشّرعيّة بالنسبة الى مواردها الّتى لا سبيل لنا الى تحصيل العلم بها فانّها وان لم تستلزم الأصابة بل ربّما تخلفّت عن الواقع لكن الغالب فيها الأصابة فجاز الأخذ بها حتى فى موارد التخلّف مع عدم العلم وجاز التّعبّد بها تحصيلا لما هو الغالب فيها وامّا بالنّسبة الى الموارد المفتوح فيها باب العلم فجواز الأخذ بها مبنى على الوجه السّابق الثانى لو جاز التّعويل على خبر الواحد فى الاخبار عن المعصوم (ع) لجاز التّعويل عليه فى الأخبار عن الله تعالى والتّالى باطل اتّفاقا وامّا الملازمة فلانّ كلّا منهما خير مشتمل على الشّرايط المعتبرة فى قبوله فيجب القبول حيثما يتحقّق وفيه منع الملازمة فانّ الدّواعى فى الاخبار عنه تعالى تتوفّر على الكذب على تقدير القبول لما فيه من اثبات منصب الرّياسة والفوز بمقام النّبوّة والرّسالة ومع ذلك فالاخبار عنه تعالى يستدعى مزيد استعداد يندر حصوله فيبعد قبوله ولهذا يحتاج الى المعجزة بخلاف المقام فصل اختلف القائلون بجواز التّعبّد بخبر الواحد عقلا فى وقوعه شرعا فذهب الأكثرون الى وقوعه والسيّد وجماعة الى العدم والحقّ هو الأول لنا وجوه الاوّل قوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافّة الاية فانّ المراد بالنّفر النّفر الى الجهاد كما ذكره بعض المفسّرين وذكر انّه لما نزل فى المتخلّفين ما نزل كانوا اذا بعث النّبى (ص) سرّية ينفرون جميعا فنزلت الاية وعليه فالضّمير فى ليتفقّهوا ولينذروا قومهم واليهم راجع الى الفرقه باعتبار ما بقى منهم وفى البواقى الى الطّايفة وان كان المراد النّفر الى طلب العلم فالضّمير فى الثلاثة الاول وفى رجعوا راجع الى الطّايفة وفى البواقى الى الفرقة وعلى التقديرين فالمستفاد من الاية وجوب التّحذر عند انذار الطّايفة او من بقى الى الفرقة وهو يقتضى حجية خبرهم فى الانذار وامّا الثّانى فواضح وامّا الاوّل فلوجهين الاول انّها دلّت على وجوب الانذار لمكان لو لا الدّلالّة على وجوب النّفر وهو يستلزم وجوب العمل بمقتضاها بسبب الحذر فاذا كان المراد النّفر الى العلم كان كلّ من التّفقّه والأنذار واجبا حيث جعلا غاية للنّفر الواجب فانّ وجوب شيئ بشيئ يستلزم وجوب ما وجب له مضافا الى انّ ذلك هو المفهوم من فحوى الخطاب عرفا ولا سبيل الى حمل اللام على العاقبة لانّه مجاز مع حصول التّخلّف الّا ان ينزّل على الغالب فيزداد تعسّفا لا يقال يكفى فى وجوب

٩

النّفر وجوب بعض غاياته ولا ريب فى وجوب التّفقّه فيبقى وجوب الأنذار منفيّا بالاصل لأنا نقول ظاهر الاية يقتضى وجوب النّفر للامرين وهو يقتضى وجوبهما كما عرفت ولو فسّر النّفر بالنّفر الى الجهاد امكن ان يستفاد منها بضميمة صدرها وجوب مكث البعض للّتفقّه والأنذار ويتمّ الأستدلال به بما عرفت وامّا وجه استلزام وجوب الأنذار بوجوب العمل بمقتضاه فلأنّ المفهوم من اطلاق وجوب الأنذار عرفا هو جواز العمل بمقتضاه بل وجوبه ولأنّ الأمر بالانذار مع المنع من العمل به يعدّ لغوا وسفها وهو ممتنع فى حقّه تعالى الثانى انّ قوله تعالى (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) معناه وجوب الحذر لتعذّر حمله على ظاهره لأستحالة التّرجّى عليه تعالى ووجوب الحذر عند انذارهم فى معنى وجوب العمل بما يشتمل عليه اخبارهم لا يقال تعدّد الحمل على الترجّى لا يعيّن الحمل على الأيجاب لأمكان الحمل على النّدب لا سيّما مع مساعدة الأصل عليه لانا نقول قد حققنا سابقا انّ الظّاهر من الالفاظ المستعملة فى الطّلب هو الأيجاب مع انّ ثبوت الرّجحان كاف فى اثبات المقصود بل فى اثبات الوجوب ايضا للأجماع المركّب واعلم انّ هذه الاية تتناول باطلاقها الانذار بدون الواسطة ومعها مع تعدّد الوسائط وبدونه لأنّ وجوب العمل بانذار المنذرين يقتضى جواز التّعويل على روايتهم فى معرفة الأحكام وذلك معنى التّفقّه فى الدّين فيجب عليهم انذار غيرهم ويجب عليهم القبول وهكذا الثّانى قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الاية فانّه تعالى علّق وجوب تبيّن النّبأ على مجىء الفاسق به فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التّبيّن عند مجىء العادل به ومقتضاه جواز القبول لأنّ الامر بالتّبيّن امّا كناية عن عدم جواز القبول او مجاز عنه او مخصوص بما لو اريد العمل بمقتضى بنائه فيكون وجوبه شرطيّا ويرجع الى الوجه السّابق او بمواضع خاصّة لا بدّ من التّبيّن فيها منها مورد الاية حيث يجب فيها التّبيّن فى مطالبتهم بالصّدقات فان انقادوا وادوّها تبيّن كذب النّبأ وان استنكفوا تبيّن صدقه لكن هذا فى الحقيقة راجع الى امر مخصوص يحصل به التّبيّن وليس طلب نفس التّبيّن وبالجملة فلا بدّ من حمل الأمر بالتّبيّن على احد هذه الوجوه للأجماع على عدم وجوبة عند خبر الفاسق مطلقا وعلى هذا فما تداول فى كتب القوم فى بيان وجه الأستدلال من انّه تعالى علّق وجوب التّبيّن على مجيئ الفاسق فعلى تقدير مجيئ العادل امّا ان يجب القبول فهو المدّعى او الرّدّ فيلزم ان يكون العادل اسوء حالا من الفاسق غير مستقيم اذ مرجع الامر بالتّبيّن فى ما عدا الوجه الأخير الى ردّ نبائه وفى الوجه الأخير وجوب التّبيّن فى نبأ العادل وايضا انّما يتّم ما ذكروه اذا حمل الأمر بالتّبيّن على وجوبه مطلقا وهذا ممّا لا قائل به ثمّ انّ المعروف بينهم انّ الدّلالة المذكورة ناشئة من تعليق الحكم على الشّرط وبعضهم جعلها ناشئة من تعليقه على الوصف وعلى كلّ من التّقديرين يتوقّف على القول بثبوت المفهوم فيهما وقد حقّقنا سابقا انّ تعليق الحكم على الشّرط يدلّ على انتفائه عند انتفائه بخلاف التّعليق على الوصف فيبطل الأستدلال على الوجه الأخير وامّا على الوجه الأوّل فيتجه الأشكال فيه من وجوه الثّالث قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) الاية وجه الدّلالة انّ الموصولة بعمومها تتناول الأحكام الشّرعيّة والتّهديد على كتمانها يقتضى وجوب بيانها واظهارها وهو يقتضى وجوب عمل السّامعين بها والّا لانتفت الفائدة فى بيانها ويرد عليه وجوه منها انّ المراد انذار اليهود حيث كانوا يخفون اوصاف الرّسول ممّا كان مذكورا عندهم فى التّورية فلا تعلّق له بالمقام ويمكن دفعه بانه تخصيص لا شاهد عليه اذ على تقدير تسليم ورودها فى ردعهم فالعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص المورد ومنها انه لا يتناول ما بيّنه الرّسول او الأمام اذا لم يكن فى الكتاب كما هو محلّ الحاجة من خبر الواحد والجواب انّ كلّ ما بيّنه الرّسول او الأمام فقد بيّن فى الكتاب ولو بعمومات الأمر بالطّاعة والتّحذير عن المعصية او بالخصوص كما يدلّ عليه قوله تعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) الرّابع قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وجه الدّلالة

١٠

انّه امر عند عدم العلم بمسئلة اهل الذّكر والمراد بهم اما اهل القران او اهل العلم وكيف كان فالمقصود الاخذ بما عندهم من العلم والسّؤال عند عدم العلم كما يقع من حكم الواقعة كما هو شأن المقلّد فيجاب بذكر الفتوى كذلك قد يقع عمّا صدر عن المعصوم من قول او فعل او تقرير كما هو شأن المجتهد فيجاب بحكايته ونقله وهو المعبّر عنه بالخبر والحديث وقضيّة الأمر بسؤالهم وجوب قبول ما عندهم فتوى كان او رواية ما لم يمنع منه مانع فيدلّ على حجّية اخبارهم كما يدلّ على حجّية فتاويهم وتخصيصه بالثّانى بعيد لأطلاق الاية وعدم اختصاص دلالتها بالفتوى بل مطلق اهل العلم واهل القران ويشكل بان سياق الاية محتمل لان يكون المراد باهل الذّكر علماء اليهود وانّ المراد مسئلتهم من احوال الانبياء السّلف وكونهم رجالا لا ملئكة فهو خاصّ باعتبار السّائل والمسئلة والمسئول عنه والتحقيق انّ الظّاهر من عدّة روايات انّ المراد باهل الذّكر الأمة ويمكن تنزيلها على بيان الفرد الكامل ولا يخلو من بعد الخامس الاجماع فانّا نكشف من اتّفاق القائلين بجواز العمل بخبر الواحد قول المعصوم (ع) به ولو بمساعدة امارات خارجيّة ولا يقدح مخالفة جماعة فيه اذ المدار فى الأجماع عندنا على انعقاد الأتفاق الكاشف عن قول المعصوم (ع) لا على اتّفاق الكلّ كما مرّ السادس السّيرة القطعيّة المستمرّة بين المسلمين فانّ طريقة السّلف والخلف ما عدا النّادر منهم جارية على نقل الأحاديث المرويّة بطريق الاحاد والعمل بها من زمن الرّسول والأئمة الى يومنا هذا فانّ كثرة المكلّفين وما يحتاجون اليه من الأحكام مع تباعد بلادهم ومنازلهم ممّا تابى العادة من تمكّنهم من تحصيلها بالسّماع عن المعصوم (ع) او الأقتصار على الأخبار المتواترة او المحفوفة بقرائن المصدّق فتعويلهم على الاحاد امر ضرورىّ وذلك يكشف عن قول المعصوم (ع) به او تقريره ايّاهم عليه كشفا ضروريّا السابع لا ريب انّا مكلّفون بطاعة النّبىّ (ص) والعترة الطّاهرة (ع) واخذ الأحكام منهم والطّاعة لهم انّما يصدق باتباع اقوالهم بسماعها منهم مشافهة او وصوله الينا بطريق التّواتر او الاحاد المحفوفة بقرائن الصّدق او ما ثبت بالسّمع قيامه مقام ما ذكرو مع تعذّر ذلك كلّه وبقاء التّكليف يتعيّن التّعويل على الظّنّ المستند الى نقل الاحاد لانّ الطّاعة فى حالتى التّمكنّ من تحصيل العلم وعدمه بحسبها وهذا الدّليل لو تمّ لدلّ على حجّيّة الظّنون المستندة الى اخبار الاحاد دون مطلق الظّنّ لكنّه ضعيف اذ لا نسلّم عدم صدق التّمسّك والطّاعة بالتّعويل على سائر الطّرق الظّنّية نعم لو ثبت انّ خبر الواحد طريق معتبر شرعا ولو بعد انسداد باب العلم تمّ ما ذكر لكن المقصود اثبات كونه طريقا شرعيّا بذلك وهل هذا الّا دور الثامن الدّليل المعروف بدليل انسداد باب العلم ويمكن تقريره بوجهين الاوّل

وهو المعتمد وان لم يسبقنى احد وهو انّا كما نقطع بانّا مكلّفون تكليفا فعليا باحكام كثيرة لا سبيل لنا الى تحصيل كثير منها بالقطع او بطريق يقوم مقامه دلّ السّمع على اعتباره ولو عند تعذّر العلم كذلك نقطع بانّ الشّارع قد جعل لنا الى تلك الأحكام طرقا مخصوصة وكلّفنا بالرّجوع اليها فى معرفتها ومرجع هذين القطعين عند التحقيق الى القطع بانّا مكلّفون بالعمل بمؤدّى طرق مخصوصة وحيث لا سبيل لنا غالبا الى تحصيلها بالقطع ولا بطريق يقطع من السّمع باعتباره ولو بعد تعذّر العلم فلا ريب انّ الوظيفة بحكم العقل انّما هو الرّجوع فى تعيين الطّرق الى الظنّ الفعلى الّذى لا دليل على عدم حجّية لانّه اقرب الى العلم وانّما اعتبرنا عدم قيام دليل على عدم حجّية لانّ الحكم بالجواز هنا ظاهرى فيمتنع ثبوته مع انكشاف خلافه ومع تعذّر هذا الظّنّ فالرّجوع الى ما يكون اقرب اليه من المدارك الّتى لا دليل على عدم حجّيتها مع الأتحاد ومع التّعدد والتّكافؤ التّخيير لامتناع الأخذ بما علم عدم حجيّة او ترجيح المرجوح او التّرجيح بلا مرجّح وممّا يكشف عمّا ذكرناه انا كما نجد امارات نقطع بعدم اعتبار الشّارع ايّاها مطلقا وان افادت الظّنّ كالقياس والأستحسان كذلك نجد امارات نعلم بانّ الشّارع قد اعتبرها وان لم تفد ظنا فعليّا وهذه امارات محصورة منها الكتاب والسّنّة والاستصحاب والاجماع المنقول والاتفاق الغير الكاشف

١١

وما اشبه ذلك فانّا نقطع بانّ الشّارع لم يعتبر بعد الأدلّة القطعيّة امارات اخر خارجة عن هذه الامارات ومستند قطعنا فى المقامين الأجماع مضافا الى مساعدة الأخبار والايات فى بعضها وانّ القائلين بحجّية مطلق الظّن لا تراهم يتعدون فى مقام العمل عن هذه الأمارات الى غيرها وان لم يفد لهم ظنّ فعلى بمؤداها حيث انّه وقع النّزاع فى تعيين ما هو المعتبر من هذه الامارات فى نفسه وفى صورة التعارض ولا علم لنا بالتّعيين ولا طريق علميا اليه مع علمنا ببقاء التكليف بالعمل بها كان اللّازم الرّجوع الى ما يستفاد اعتبارها من هذه المدارك الاحتماليّة لتقدّمها على المدارك بالمعلوم عدم اعتبارها شرعا مقدما للاقرب منها فى النّظر على غيره فثبت بما قررنا جواز التّعويل فى تعيين ما يعتبر من تلك الطّرق على الظّن الّذى لا دليل على حجّيته ثم على ما هو الاقرب اليه ولا ريب انّ خبر الواحد ان لم يكن من الطّرق القطعية فهو من الطّرق الظّنية فيجب العمل به وهو المطلوب واعلم انّ العقل يستقل بكون العلم طريقا الى اثبات الحكم المخالف للاصل ولا يستقل بكون غيره طريقا اليه ولو مع تعذّره حيث لا يعلم ببقاء التكليف معه بل يستقلّ حينئذ بعدم كون غير العلم طريقا فى الظاهر وبسقوط التكليف ما لم يقم على حجّية غير العلم قاطع سمعىّ واقعى او ظاهرىّ معتبر مطلقا او عند انسداد باب العلم ثم ان دل الدّليل السّمعى باحد انواعه على حجّية طريق مطلقا كان فى مرتبة العلم مطلقا فيجوز التّعويل عليه الّا عند تعذّره فيقدّم العمل بالعلم وبما دلّ الدّليل السّمعى على قيامه مقامه مطلقا واما اذا انتفى الجميع وعلم ببقاء التكليف ثبت يحكم العقل وجوب العمل بالظّن الّذى لا دليل على عدم حجّيّة ثم الأقرب اليه وهذه مرتبة ثالثة متوقفة على تعذر المرتبتين المتقدّمتين فاتضح انّ للطريق ثلث مراتب لا يعوّل على اللّاحقة منها الّا بعد السّابقة الوجه الثانى وهو المعروف فى السنة المتاخرين انّ التكليف بالاحكام ثابت فى حقنا بالضّرورة وطريق العلم اليها منسد غالبا فيسقط التكليف بتحصيله فيها لامتناع التكليف بما لا يطاق فيتعيّن التّعويل على الظّن لقطع العقل به من جهة قربه الى العلم والتعليل الاخير ممّا لا بدّ منه وان اهمله بعضهم اذ المقدمات المذكورة بمجرّد لها لا توجب تعيين العمل بالظّن بل الاعم منه ومن غيره واذا ثبت حجّية الظنّ فى الحكم الشّرعىّ ثبت حجّية خبر الواحد فيه لأنّه من اماراته فان قيل لا نسلم انسداد باب العلم الأمكان العمل بالاحتياط والأتيان بجميع المحتملات قلنا يؤدّى الى العسر والحرج المنفيّين مع انّه لا يتمّ حيث يدور الأمر بين المحذورين اقول ان اريد بهذا الدليل اثبات حجّية خبر الواحد به على تقدير عدم ظن هو دليل اخر عليه كما يظهر من صاحب المعالم فهو متّجه الّا انّ الكلام حينئذ على تقديره غير واقع وان اريد به بيان كون الاعتماد فى حجّية خبر الواحد على هذا الدليل فضعفه ظاهر لانّا نمنع انسداد باب العلم الى الأحكام الثابتة فى حقنا من غير طريق العقل حتى يترتب عليه بعد فرض بقاء التكليف بها وجوب الأعتماد على ما يراه العقل حينئذ من العمل بالظّن لعلمنا (١) ولو امكان تحصيل العلم فى تلك لواقعة وان دلّ على حجّية عند تعذّر العلم لم يجز التّعويل عليه

١٢

بانّ الشارع قد نصب ادلّة مخصوصة وكلّفنا بالعمل بمقتضاها غاية ما فى الباب انّ تلك الادلّة غير معلومة عندنا بالتفصيل فيجب علينا الاعتماد فى معرفتها على الظّنون النّاشئة منها كما عرفت نعم يتم الدليل المذكور ان ثبت من السّمع بقاء التكليف بعد انسداد باب العلم ولم يثبت [فلم يصب]؟؟؟ طريق مخصوص اليها لا اجمالا ولا تفصيلا او ثبت ذلك ولم يثبت بقاء حكمه بعد لانسداد والأول مخالف لما عرفت والثانى مخالف لما اجمعوا عليه من التكليف مطلقا على انّا نقول لا علم لنا ببقاء التكليف مطلقا فى غير هذه الصّورة فعليه اقامة الدّليل عليه ولا سبيل الى التمسّك باطلاق ادلّة الشّركة فى التكليف لانّها لا تفيد العلم بالاطلاق فان قلت من جملة مباحث الاصول جواز التّعويل على مطلق الظّن وعدمه بعد انسداد باب العلم فعلى ما قررت من حجيّة الظّن فى الاصول اذا حصل لنا ظن بجواز التعويل على ذلك ثبت ما ذكروه من حجيّة مطلق الظّن فى الفقه وبطل ما ذكرته من حجيّة فى الاصول قلت اولا لا سبيل الى حصول الظّن بذلك بعد تسليم الانسداد فانّ الّذى يظهر من طريقة اصحابنا قديما وجديدا اقتصارهم على حجيّة الظنون المخصوصة والتزامهم باصالة عدم حجيّة ظن لا دليل على حجيّة فانّا ان لم نقطع باجماعهم على ذلك فلا اقلّ من حصول ظنّ قوى لنا به وامّا ثانيا فلانه لا ينافى ما قررّناه من التّعويل على الظّن فى الأصول فانّا انّما تريد التّعويل عليه فيها على قدر الحاجة فى الفقه فاذا قدّر حصول الظّن بهذه المسئلة العامة المورد حصل قدر الحاجة لاغتائها عن الظّنّ فى بقيّة مباحثها فيكون التّعويل فى الظّنون الفقهيّة من حيث الظّن فى الأصول وهو المقصود ثم انّهم اوردوا على البيان المذكور من وجهين الأوّل انّ انسداد باب العلم انّما يوجب جواز العمل بالظّن اذا لم ينصب الشّارع حينئذ طريقا مخصوصا وهو ممنوع للاجماع على حجيّة بعض الطرق والجواب ان الطرق المعلومة لا تنهض الّا بمعرفة قليل من الأحكام ولا ريب فى بقاء التّكليف بما عداها ممّا لا طريق قطعيّا اليها فيتعيّن التّعويل على الظّن فى معرفتها او معرفة طريقها الثانى ما ذكره بعض المحقّقين وحاصله انّا لا نسلم بقاء التكليف الا حيث نقطع به او تدلّ عليه امارة قام على حجيتها قاطع وتمنع بقائه حيث ينتفى الامران فنعمل فيه باصل البرائة لقطع العقل بانّه لا تكليف حيث لا قطع ولا قطعىّ والجواب ما قررناه اوّلا من انّ المقطوع به من الطّريقة هو التّكليف الفعلى بالعمل بمؤدّى ادلّة مخصوصة وحيث لا سبيل لنا الى تحصيلها بطريق العلم فيتعيّن التعويل على الظّن ثم على هذا الوجه بالتقريب المذكور اشكالان الاوّل انّ مقتضاه حجيّة جميع الظّنون وهو باطل للقطع بعدم حجيّة بعض الظّنون كالظّنّ الحاصل من القياس والاستحسان ولا سبيل لنا الى اخراجها بالاجماع لأنّ القواعد العقليّة لا تقبل التخصيص وايضا مفاده حجيّة الظّن من حيث كونه ظنا وهذه جهة واحدة فان صحت صحّت فى الكلّ وان بطلت بطلت فى الكلّ لانّها جهة تعليلية والجواب انّ انسداد باب العلم وبقاء التكليف

١٣

انّما يقتضى حجّية الظّنون الّتى لا دليل على عدم حجّيتها وهذا مطّرد فى جميع موارده وبالجملة العقل انّما يحكم على العنوان الخاصّ لا على العام ثم يطرء عليه التّخصيص الثانى انّه لو تم ما ذكر لزم من ثبوته نفيه وذلك لانّ مقتضاه حجّية كلّ ظنّ لم يثبت عدم حجّية والمظنون عدم حجّية كلّ ظنّ لم يثبت حجيته بالخصوص وبعبارة اخرى قضية ما ذكر اصالة عدم حجية الظن بعد انسداد باب العلم والمظنون من الشريعة اصالة عدم حجّية بعد انسداد باب العلم وذلك لأنّ طريقة اصحابنا على اقامة الدّليل على حجّية كلّا ظنّ عوّلوا عليه وهذا ان لم يفد القطع باصالة عدم حجّية الظنّ بعد انسداد باب العلم فلا اقلّ من افادته الظّن وحينئذ فان كان الأصل فى كلّ ظن ان يكون حجّة كان الاصل فى كلّ ظن ان لا يكون حجة والجواب على مذاقهم انّ البرهان المذكور على اصالة حجّية الظّن مفيد للعلم بها فيمتنع حصول الظن بخلافه لامتناع تعلق العلم او الظّن يطرفى النقيض واما عدم تعويل اصحابنا فان ثبت فلا بدّ ان يكون لتمكنهم من العلم او العلمى والتّقدير فى حقّنا عدم التمكن منهما والحق فى الجواب يظهر ممّا مرّ فى الوجه الأوّل حجة المانعين امور الاوّل الايات الّتى تضمّنت النّهى عن اتباع الظن كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فانها للعموم فيتناول هذا المقام والجواب انّ هذه الايات على تقدير تسليم دلالتها مخصّصة بما دلّ من الايات على جواز العمل بخبر الواحد ولم يدلّ على جوازه من حيث كونه مفيدا للظّن بل من حيث كونه خبرا واحدا وما دلّ على عدم جواز العمل بالظّن انّما دلّ على عدم جواز العمل به من حيث كونه ظنّا فلا منافات الثانى الاخبار الدّالّة على حرمة العمل بغير العلم كقوله تعالى اذا جائكم ما تعلمون فقولوا به وان جائكم ما لا تعلمون فيها واهوى بيده الى فيه والجواب انّ هذه الأخبار انّما تدلّ على تحريم القول والعمل بغير العلم ولا ريب انّ العمل بما قام على جواز العمل به قاطع عمل بالعلم وان لم يكن فى نفسه مفيدا للعلم الثالث الاجماع الّذى حكاه السيّد فى جواب بعض المسائل حيث قال انّا نعلم علما ضروريّا انّ علماء الشيعة الاماميّة يذهبون الى انّ اخبار الاحاد لا يجوز العمل بها وانها ليست حجة حتى صار شعارا لهم يعرفون به بين مخالفيهم والجواب انّ الأجماع المدّعى غير متحقق عندنا ان لم نقل انّ المتحقّق خلافه ونقل السيّد له غير خارج عن كونه خبرا واحدا ففى التّعويل عليه نقض لدعواه على ان حكايته معارضة بحكاية الشيخ الاجماع على خلافه فى العدّة فصل يشترط فى جواز العمل بخبر الواحد على القول به امور وهذه الأمور انّما تعتبر عند من قال بحجيّته من حيث الخصوص كما هو المعروف سواء قال بحجيّته من حيث كونه مفيدا للظّن المخصوص او من حيث نفسه واما بناء على حجّية من حيث كونه مفيدا للظن المطلق فلا وجه لذكرها الّا ان يلتزم بعدم حصول الظّن من فاقدها الاول البلوغ فلا يقبل رواية الصّبى وان كان مميزا بلا خلاف بين اصحابنا وواقفنا اكثر مخالفينا واحتجوا بانّ الصّبى لا يتمكن من الضّبط فلا وثوق بخبره وبان عدم قبول خبر الفاسق

١٤

يقتضى عدم قبول خبر الصّبى بطريق اولى اذ لا حاجز له عن الكذب لعلمه بانتفاء التكليف عنه ويمكن رفع الاول بان الصّبى قد يكون ضابطا والثّانى بانّ الحاجز عن الكذب لا ينحصر فى الخوف منه تعالى بل قد يكون لسلامة الفطرة او طلبا للكمال او تنزها عن رذائل الافعال فالتحقيق ان يتمسك فى منع قبول خبره بناء على الطّريقة الّتى حققناها بعدم كونه ممّا يظنّ حجّيته ان لم يقطع او يظن بخلافها واما على الطّريقة العاملين بمطلق الظّن فبالأجماع الثانى العقل فلا يعتبر خبر المجنون اتفاقا ووجهه واضح نعم لو كان ادواريا واخبر حال افاقته جاز التّعويل عليه ان استجمع لبقية الشّرايط وكذا لا يعتبر خبر النّائم والمغمى عليه والسّكران الثالث الأسلام والأجماع على اعتباره يحكى فى كلام الخاصّة والعامة فلا تقبل رواية الكافر باقسامه الرابع الأيمان ذكره جماعة ونسبه فى المعالم الى المشهور فلا تقبل رواية غير الأمامى وذهب جماعة الى عدم اشتراط ذلك واختاره العلامة فى احد قوليه وهو الأقوى لنا انّ الشيخ قد نقل اتفاق الطّايفة على العمل بخبر عبد الله بن بكير وسماعه وعلى بن حمزة وعثمان بن عيسى وبما رواه بنو فضّال وظاطريّون فيكون اخبارهم من الطرق الظّنية فيجب التعويل عليها وامّا على القول بجواز العمل بالظّن فى الاحكام فالتقريب واضح الخامس العدالة ذكرها جماعة ونسب الى المشهور ولكن النّسبة غير ثابتة ونفى الشّيخ عنها الخلاف ولكن كلامه مؤّل وذهب جماعة الى كفاية التّحرز عن الكذب احتج من اعتبرها بوجهين الاوّل قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) واجيب بانّ الوقوف على التّوثيق نوع تبيّن وانّ التّعليل انّما يجرى فى الفاسق الغير الموثق اذ خبر الفاسق الموثق يفيد الظن كالعادل فلا يصدق فى حقه التعليل ويشكل الاول بانّ التبيّن طلب البيان ولا يصدق على صورة الظّنّ ولهذا لا يقول الظّان تبيّن لى كذا والثّانى بانّ الجهالة ليس معناها عدم الاعتقاد الرّاجح بل عدم العلم فيندرج حينئذ الظّن فيها كاخويه من الشّك والوهم ولا يعارض بانّ العلم لا يحصل بخبر العادل غالبا فيلزم ان يكون العمل فيها بجهالة ولا انّ المراد بالعلم الّذى يقابل الجهالة ما يعم العلم العقلى والشّرعى هذا هو التّحقيق فى توجيه التّعليل وظهر ان لا منافاة بين ظاهر التّعليل واطلاق ما علل به بل الوجه فى الجواب ما نبّهناه عليه انفا من منع العموم وعلى تقدير تسليمه يخص بما مرّ من الأدلّة الثانى

ما ذكره المحقق من انّ دعوى التّحرز عن الكذب مع ظهور الفسق مستبعد والجواب منع الأستبعاد لانّا نرى بالعيان انّ كثيرا من الفساق يتحرّزون عن بعض المعاصى حقيقة السادس الضبط وهو ان يكون حفظه غالبا على سهوه ونسيانه ولا خلاف ظاهرا فى اعتباره فانّ من لا ضبط له لا وثوق بخبره لأحتمال الزيادة والنّقصان والتّغير والتحريف فى روايته احتمالا مساويا او قريبا منه فلا يبقى تعويل على خيره واعتبار هذا الشّرط بناء على انسداد باب العلم على ما مرّ واضح واما على تقدير التّعويل على الايات والأخبار فلا بد من تخصيص عمومها او تقييد اطلاقها بذلك لما مرّ وفى التّعليل المذكور فى اية النّبأ ايماء اليه وهل

١٥

ثبوت الضّبط على الاصل لأنّه مقتضى الفطرة الأنسانية لو لا عروض المانع المنفى بالاصل بشهادة الغالب به فلا حاجة الى التّصريح به بل يكفى عدم التّصريح بخلافه او على خلاف الاصل لكونه صفة حادثة والأصل عدمها وجهان اقويهما الاول لا سيّما بالنّسبة الى مقام الرّواية لما عرفت من انّ التّعويل فيها على الظّن وبهذا يتضح الوجه فى جواز الأعتماد على قولهم صالح او متديّن ممّا لا ايماء فيه الى الضّبط واما قولهم ثقة فهو متضمن للضّبط اذ لا وثوق لغير الضّابط ومثله قولهم مسكون الى روايته او اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصّح عنه ونحو ذلك فصل قد تداول بين اصحابنا التّسامح فى ادّلة السّنن والمكروهات واثباتها بالرواية الضّعيفة الغير المنجبرة وخالف فى ذلك بعض متاخرى المتاخرين والمذهب المشهور هو المنصور ويدلّ عليه امران الاول الأحتياط الثّابت بالعقل والنّقل اما الاول فلانّ الاتيان بالفعل المحتمل المطلوبيّة دون المبغوضيّة لأحتمال المطلوبيّة وترك الفعل المحتمل للمبغوضية دون المطلوبية لأحتمال المبغوضيّة راجح عند العقل رجحانا ظاهرا بالضّرورة واما الثّانى فلما سيأتى فى محله من قوله احتط لدينك وغيره وكما يصدق الأحتياط على المحافظة على فعل الواجب او ترك المحرّم كذلك يصدق على المحافظة على فعل المندوب وترك المكروه ولو سلّم عدم الشمول امكن اتمام القول بعدم الفارق الثانى وهو المعروف الأخبار منها الصّحيح المروى فى المحاسن وثواب الأعمال عن هشام بن سالم عن ابيعبد الله (ع) انّه قال من بلغه شيئا من الثواب على شيئ من الخبر ففعله كان له اجر ذلك وان كان رسول الله (ص) لم يقله ورواه فى الثانى بسند معتبر عن صفوان ايضا ومنها الصّحيح المروى فى الكافى عن هشام ايضا عنه انّه قال من سمع شيئا من الثّواب على شيئ فصنعه كان له اجره وان لم يكن على ما بلغه وفيه ايضا عن محمّد بن مروان قال سمعت ابا جعفر (ع) يقول من بلغه ثواب على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثّواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه ووجه الأستدلال ان هذه الأخبار بعمومها يشمل ما اذا كان الخير ضعيفا وحيث انها لم تتضمن الّا ترتب الثواب على العمل لم يلزم منها ثبوت وجوب او تحريم وقد اورد على هذا بوجوه الاول انّ الظّاهر من هذه الاخبار انّ الأعتماد على مطلق الخير انما هو فى ترتب قدر من الثّواب على عمل ثابت الرّجحان لا فى اثبات اصل الرّحجان بدليل قوله (ع) على شيئ من الخير اذ لا بد من ثبوت خيريّة العمل والجواب انّ الظّهور المذكور انّما يتم فى الرّواية الاولى مع امكان ان يقال المراد به ما هو خبر بمقتضى التبليغ وامّا الرّوايتان الأخيرتان المذكور فيهما لفظه شيئ وعمل وهما متناولان ما كان ثابت الرّحجان وغيره ولا سبيل الى تقييد الأطلاق فيهما بما فى الرّواية الاولى اذ لا موجب له الثّانى انّها على تقدير تسليم دلالتها لا تدّل على الأذن فى الاتيان بذلك العمل بل غاية ما يستفاد منها الاخبار يسعه فضله وكرمه تعالى وهذا لا يقتضى ان يكون ما تضمّنه الخبر من الطّلب صحيحا حتى تثبت به الدّعوى بل لا يفيد اباحة العقل

١٦

فضلا عن استحبابه اذ الحكم الشّرعى يتوقّف على صدور الخطاب ولا يكفى فيه مجرد ترتب الثواب والجواب اما اوّلا فلانّ مساق تلك الاخبار ينادى بالتّرغيب الى ذلك العمل وامّا انكار دلالة ذلك على الاذن فاوضح فسادا اذ لا يعقل ترتب الثّواب على عمل لم يؤذن فيه وامّا ثانيا اذا ثبت بهذه الأخبار ترتب الثواب على العمل تناوله عمومات الخطابات الدالة على الامر بالاستباق الى الخيرات والمسارعة الى المغفرة والجنّة الثالث انّها على تقدير تسليم دلالتها على الأستحباب انما تدلّ عليه فى الخبر المشتمل على ذكر ثواب على عمل فلا يتناول الاخبار الخالية عن ذكر الثّواب ولا ما لا يكون عملا بل تركا كما فى المكروه والجواب انّ بلوغ الثواب اعم من الصّريح وغيره والخبر المفيد للرّجحان مفيد لترتب الثّواب فيشمله الرواية والعمل والشّيئ اعم من الفعل والترك والسّرّ فيه انّ الترك اذا قرن بالقربة عدّ فى العرف عملا كالصّوم ولو سلّم فالمناط منقّح والأجماع المركب ثابت الرابع انّ عموم هذه الاخبار بعارض عموم منطوق اية النّبأ معارضة العامين من وجهين فان رجّحنا عموم الاية لانها اقوى فى الحجّية والا فلا افد من التّساوى فيتساقطان والجواب انّ تناول اخبار الباب لخبر الفاسق اقوى من تناول اية النّبأ لانّ المطلقات التى فى سياق العموم يفيد العموم مضافا الى اعتضاد عموم الاخبار بالشّهرة وبظاهر العقل كما عرفت وينبغى التّنبيه على امور الاول يظهر من بعض الأصحاب انّه انّما يتسامح فى ادلّة السّنن اذا كان مشروعية اصل العمل معلوما كالصّلوة فانّ رجحانها فى نفسها معلوم فيتسامح فى اثبات رجحانها فى خصوص مورد دلّ الخبر الضّعيف على استحبابها فيه قال فى المعتبر بعد اذ اورد رواية عمار الدّالّة على ان المنفرد اذا اذّن واقام ثم اراد الجماعة اعادهما انّ مضمونها تكرار الأذان والأقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن على كلّ حال وفيه ايماء الى اختياره ما ذكرناه وفيه انّ الحكم رجحان خصوصية من غير دليل كالحكم برجحان اصل العمل بدونه فان اعتمد فى ذلك على هذه الاخبار فنسبتها الى المقامين سواء الثانى سرّى بعض الأصحاب امر التّسامح الى الأكتفاء بفتوى الفقيه المعتبر قال فى المعتبر بعد ان نقل عن ابى الصّلاح كراهة الصلوة الى انسان مواجه او باب مفتوح ما لفظه هو احد الأعيان فلا باس باتباع فتواه انتهى ويمكن ادراجه فى عموم الرّوايات المتقدّمة بخلاف الفقيه العامى وفى سراية حكم التسامح الى العمل بما رواه المخالفون مع عدم انجباره بعمل الأصحاب وجهان الثالث لا تثبت السّنن عندنا بالقياس والأستحسان لعموم الأدلّة المانعة عن العمل بهما وربّما يظهر من عبارة المسالك الميل الى ثبوتها بذلك ولا يخفى ضعفه فانّ الأستحباب حكم شرعى فلا يجوز الأفتاء به بغير مستند معلوم الاعتبار والادلّة النّاهية عن القول بما لا يعلم شاملة لذلك وقد عرفت انّ الدّليل انّما قام على التّسامح من حيث السّند فلا يتعدى الى غيره الرابع الكراهة الّتى تثبت فى صورة التّسامح هو مجرّد ترتب الثّواب على التّرك لا ترتب منقصة دينيّة

١٧

على الفعل لعدم مساعدة دليله على ذلك الخامس يعتبر فى التّسامح امران الأوّل ان لا يعارضه دليل التحريم او الوجوب وان كان عموما او اطلاقا فلو ورد دليل على تحريم الغناء مثلا على الأطلاق ووردت رواية ضعيفة دالّة على استحبابه فى قرائة القران او مرثية الحسين (ع) او مجلس العرس لم يعمل بها امّا لانصراف اطلاق روايات الباب عن مثل ذلك او لأنّ رواية النهى تتضمن الثّواب على الترك وهى اقوى مستندا فيتعيّن الترجيح ومن هذا الباب منع البعض عن صلوة الاعرابى نظرا الى معارضة رواياتها لعموم ما دلّ على انّ النّافلة كلّ ركعتين منها بتشهد وتسليم عدا الوتر ومن صلوة الفضيلة وشبهها لمعارضة رواياتها لما دلّت عليه الأخبار المعتبرة من انّه لا تطوع فى وقت فريضة الثانى ان لا يكون شاذا غير معمول به بين الأصحاب او مخالفا لما هو المشهور عنهم لقوله دع الشّاذ النّادر فانّه وان ورد فى الخبرين المتعارضين الّا انّه يعطى عليه الشّدوذ لترك العمل وهى مشتركة وفى حكم التّصريح بالخلاف ما لو ظهر فيهم الاعراض كتركهم التعرض لبيان الحكم فى مقام يقتضى البيان مع كون الرواية بحيث يبعد خفائها عليهم ومن هذا الباب ما ورد فى بعض الأخبار من زيادة بعض الفصول فى الاذان واعراض اصحابنا عنه

القول فى الفعل والتقرير

فصل اختلفوا فى النّاشى بفعل النّبى (ص) فذهبوا الى مذاهب فقيل بالوجوب وقيل بالاستحباب وقيل بالأباحة وقيل بالوقف وموضع النّزاع ما لو فعل فى غير مقام البيان ولم يعلم وجهه ولم يكن فى نفسه من الافعال العادية كالاكل والشّرب والنّوم او كان ولكن اوقعه على وجه غير عادى كمداوته الافطار بالحلو والقيلولة والمختار عندى هو القول بالأستحباب لنا قوله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) فانّ المستفاد من هذه الاية حسن التّاسّى والأقتداء بافعاله وهو تقييد الرجحان المشترك بين الوجوب والاستحباب ولا سبيل الى حمله على الوجوب وان قلنا بانّه الظّاهر من اطلاق الطّلب لان اكثر افعاله مندوبة فى حق الكلّ وبعض ما وجب عليه مندوب فى حقّنا فلا يتصوّر وجوب الأقتداء فيها وتخصيصه بما ثبت عدم وجوبه موجبه للتخصيص بالاكثر وهو ابعد من حمل الامر على الاستحباب وحمله على خصوص الأفعال الواجبة فى حقه مع التّخصيص بالبعض او فى حقنا بعيد عن مساق الاية فتنزيل الطّلب المستفاد منه على مطلق الرّجحان اولى احتج القائلون بالوجوب بوجوه منها الاية السّابقة وقد عرفت عدم دلالتها على الوجوب بالبيان الّذى سلف ومنها قوله تعالى (فَاتَّبِعُوهُ) فانّ الاتّباع يعم اتباعه فى الفعل والقول فيجب وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) فانّ مفاده انّ من احب الله اتّبع الرّسول فينعكس بعكس النّقيض الى قولنا من لم يتّبع الرّسول لم يحب الله وحبّه تعالى واجب كما يدل عليه قوله الذين امنوا اشدّ حبّا لله وقوله ان كان ابائكم الى قوله احب اليكم من الله الاية وفى هذا البيان

١٨

نظر والأولى ان يقال اذا ثبت وجوب الأتباع على تقدير المحبّة ثبت على تقدير عدمها اذ لا قائل بالفصل والجواب انّ ظاهرها اتباع اوامره ونواهيه سلّمنا لكن لا بدّ من حمل الامر على مطلق الطّلب لئلا يلزم التخصيص بالاكثر ومنها انّ اطاعته واجب فيجب التّاسى به والجواب انّ الاطاعة هى المتابعة فى الأقوال ولو سلم التّعميم كان اللازم حمل الامر على مطلق الطّلب كما مرّ ومنها قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) فانّ الأمر حقيقة فى الفعل والتّحذير عن مخالفته دليل الوجوب والجواب انّ الأمر كما يطلق لغة على الفعل كذلك يطلق على الطلب الالزامى والظاهر فى الاية هو الثانى ومع التّنزل فلا اقل من الأحتمال المستلزم للأجمال فلا يتم الأستدلال تنبيهات الأوّل اذا وقع (ص) فعلا فى مقام البيان عبادة كان كالصّلوة والحجّ او معاملة وما بحكمها كالبيع والتّطهير فما علم من حاله اعتباره فى الفعل الواقع منه شطرا او شرطا ثبت اعتباره فيه وما علم عدم اعتباره فيه وكونه من المقارنات ثبت عدم اعتباره فيه وما يستظهر من حاله اعتباره فيه على احد الوجهين ثبت ايضا اعتباره فيه كذلك كما انّ ما يستظهر من حاله عدم اعتباره فيه ثبت عدم اعتباره وفيه الدّليل على حجّية الظّهور هنا هو الدّليل على حجّية فى الالفاظ فان العادة جارية على الاعتماد عليه فى المقامين الّا مع نصب قرينة على الخلاف واما مورد الشّكّ فالوجه عدم اعتباره فيه وامّا بالنسبة الى غير مقام البيان فالكلام فى جريان اصل البرائة او لزوم الأحتياط ما مرّ غير مرة الثانى اذا علم بانّه (ص) اتى بالفعل بنيّة الوجوب ولم يظهر بانّه مختصّ به فالظّاهر وجوبه فى حق الامة ايضا لظاهر اية التّاسّى ولا يقدح احتمال كونه من الخصائص لندرتها مع انّ مجرّد الاحتمال لا يوجب المصير الى خلاف ظاهر الاطلاق وكذا الكلام فيما لو علم بايقاعه له بنيّة النّدب ومثله القول فى المعاملات ولو احتمل كونها من المعاملات المثوبة بالعبادة كالعتق اقتصر فى الحكم بالصّحة على تقدير قصد القربة الثالث اذا اتى (ص) بعمل على كيفيّة مخصوصة ثبت التّاسى فيه بالنّسبة الى اصل العمل مع ما يعلم او يستظهر اعتباره فيه شرطا او شطرا من الأفعال والأقوال من الزّمان والمكان والكيفية والكلام فى ما يحتمل اعتباره فيه ما مرّ ولو اتى بالفعل مرّة واحدة ثبت التّاسّى بالنّسبة الى المرّة ما لم يعلم او يستظهر عدم مدخليّة المرة فى رجحانه ولو اتى به مرّات عديدة فكذلك وكذا لو داوم عليه مدة العمر ولو ترك فعلا دلّ على عدم وجوبه فى حقه قطعا وفى حق غيره بناء على اصالة الشّركة الرابع لا ريب فى انّ فعل الأمام بل المعصوم مطلقا حجّة على جواز الفعل فى حقّنا كما انّ تركه حجّة على عدم وجوبه ان لم يكن من خواصّ منصبه والظّاهر دلالة فعله على رجحانه كما مرّ فى فعل النّبى (ص) ولا دلالة لتركه على عدم الرّجحان ما لم ينضمّ اليه شاهد وبقيّة الكلام هنا يعرف بالمقايسة الى ما سبق الّا انّ القول بعدم وجوب التّاسّى اظهر فى غير مقام البيان ويدلّ على رجحان التّاسّى بالامام عموم قوله فى الزّيادة المعروفة واجعلنى ممن يقتصّ اثاركم ويسلك سبيلكم

١٩

فصل اذا عمل مكلّف بمحضر المعصوم عملا فعلم به ولم ينكره عليه بان انتفت موانع الأنكار كالتّقية وطال زمن الفعل بحيث تمكّن المعصوم (ع) من زجره عنه على تقدير حرمته او ظهر منه العزم على المعاودة فانّه يستفاد من ترك الأنكار عدم التحريم فى حق الفاعل على تقدير علم الفاعل بتحريمه وتعليمه حكم التّحريم على تقدير جهله به وفى حق غيره من جهة انّ الحكم الواحد حكم الجماعة واما اذا لم يعلم به او كان هناك مانع من الأنكار كالتّقية وكذا لو كان الانكار غير نافع ولم يكن المعصوم مبسوط اليد على الفاعل او قصر زمان الفعل بحيث لم يسع الأنكار ولم يظهر من فاعله العزم على المعاودة لم يكن فى ترك الأنكار دلالة على الجواز امّا فى ما عدا الاخير فواضح واما فى الاخير فلجواز كونه من الصغائر فيقع من فاعله مكفّرا نعم يدل على عدم كونه من الكبائر قطعا ولو عمل بمحضره عملا من عبادة او معاملة قاصدا به شرعيّته بحيث علم المعصوم به وبنيّته ولم يكن هناك مانع من الانكار دلّ على كون العمل مشروعا صحيحا والّا لانكر عليه لحرمة التشريع وكذا الكلام فى كيفيّة العمل اذا ظهر من حال فاعلها التّعمّد بها والّا جاز ترك الانكار للحمل على السّهو والأشتباه فلو صلّى مصّل بمحضره وترك السّورة او التّشهّد ولم يظهر من حاله التعمّد لم يكن فى ترك الأنكار دلالة على عدم وجوبهما نعم لو قصد عرض صلوته عليه اتّجه ذلك وفى حكم الفعل حكاية الفعل فتستفيد من عدم انكاره لتعويل السّائل على ظنّه حيث قال ظننت ان الأمام ركع فركعت ان التّعويل على الظّن بسبق الأمام جائز الى غير ذلك

المقالة الثّالثة فى الأدّلة العقليّة

والمراد بالدّليل العقلى كل حكم عقلى يمكن التوصل بصحيح النّظر فيه الى حكم شرعى وينقسم الى ما يرجع الى قاعدة التّحسين والتّقبيح العقليّين ومؤدى هذا القسم قد يكون حكما واقعيا كوجوب شكر المنعم وقد يكون ظاهريا كاباحة تناول الاشياء الخالية عن امارات المفسدة واليه يرجع مسئلة اصل البرائة والأستصحاب فى وجه والى ما لا يرجع اليها كحكمه باستلزام تعليق شيئ على شيئ انتفائه عند انتفائه فى الجملة وانّ الأمر بالشيئ لا يجامع النّهى عنه مع وحدة الجهة امّا القسم الاول فقد انكره الأشاعرة اولا من حيث اصله لمنعهم من تحسين العقل وتقبيحه وبعد التنزل انكره كثير منهم من حيث وصفه فمنعوا كونه دليلا على الحكم الشّرعى ووافقهم فى ذلك جماعة من اصحابنا حيث انكروا الملازمة بين حكم العقل والشّرع واما القسم الثانى فالظّاهر اطباق السّلف على حجيّته نعم ربّما يظهر من بعض المتأخرين انكاره ايضا حيث اطلقوا القول بعدم حجيّة الدّليل العقلىّ فصل اختلف القائلون بالقبح والحسن العقليين فى الملازمة بين حكم العقل والشّرع فذهب الاكثرون الى اثباتها مطلقا وصار اخرون الى نفيها كذلك وفصّل بعض فخصّ النفى بالاحكام المتعلّقة بالفروع واثبتها فى الأصول ولا بدّ اولا من تحرير محلّ النّزاع فنقول نزاعهم فى المقام يرجع الى مقامين الاول وهو المعروف بينهم ان العقل اذا ادرك جهات الفعل من حسن او قبح فحكم

٢٠