خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ١

السيد صدر الدين الصدر

خلاصة الفصول في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد صدر الدين الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٩
الجزء ١ الجزء ٢

توجيه وذلك بان يقال اضافة الجمع الى النكرة لا توجب التّعيين من حيث ما اضيف اليه نظرا الى ابهامه بهذا الاعتبار وان اوجب التّخصيص فلو لم يعتبر المضاف اعنى الجمع حينئذ باعتبار الجميع بل باعتبار بعض غير معيّن ازداد فيه الابهام المنافى لوضع الإضافة ولو اعتبر من حيث المجموع قلّ نظرا الى كون الابهام حينئذ من حيث ما اضيف اليه فقط وهو اقرب بالنّسبة الى اصلها فيكون بحكم اقرب المجازات فى وجوب الحمل عليه عند تعذّر الحقيقة وامّا المفرد المضاف فالحق انّه لا يفيد العموم بنفسه مطلقا كما يظهر بالتصفّح فى موارد استعماله لا يقال يمكن التّمسك فى اثبات عمومه بالبيان المتقدّم فى الجمع وتوجيهه ان يقال ليس المراد بالمضاف الطّبيعة من حيث هى لما مرّ بل من حيث الفرد فحيث لا قرينة على ارادة البعض تعيين الحمل على الجميع لئلّا يلزم التّرجيح بلا مرجّح او الخروج عما يقتضيه اصل الاضافة لانا نقول الظّاهر من تعريف المفرد بالإضافة عند عدم العهد تعريفه باعتبار الجنس او التمييز فى الذّهن فمعنى غلام زيد هذه الطّبيعة الخاصّة من الغلام فلا يجرى الوجه المذكور والفرق بينه وبين الجمع انّ مدلول الجمع الافراد ولا تعيين لشيء من مراتبها لدى السّامع عند عدم العهد الّا الجميع بخلاف المفرد فانّ مدلوله الماهيّة والجنس فيمكن اعتبار التّعيين فيه بحسب مدلوله الجنسى او حضوره الذّهنى كما فى المفرد المعرّف باللام او الصّنفى كما فى المقام او الشخصى كما فى العهد ولا يشكل ذلك باستلزامه تعريف المضاف الى المنكر لان التّعيين بالمنكر لا يفيد كمال التّعيين المعتبر فى التّعريف وان افاد التّخصيص واعلم انّ بعض الاصوليّين صرّح فى بعض مباحث الأمر بانّ المصدر المضاف يفيد العموم واثبت به عموم الأمر فى قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) واستشهد عليه بصحّة الاستثناء منه فى الآية والحقّ انّ المصدر المضاف كغيره من المفردات المضافة ممّا لا اشعار له بالعموم بنفسه فانّ قولنا اعجبنى ضرب زيد ممّا لا دلالة له على اعجاب كلّ ضرب صدر منه وامّا الأمر فى الآية فهو مفيد للعموم لا لما ذكروه بل لوقوعه فى سياق ما هو فى معنى النّهى كما مرّ التّنبيه عليه فى محلّه فصل : الاكثر انّ الجمع المنكر بانواعه منونا كان او غير منوّن ما عدى المضاف منه لا يفيد العموم وقيل بل يفيده والحق ما ذهب اليه الأكثرون لنا ان الجمع بحكم التّبادر موضوع للماهيّة الملحوظة باعتبار كونها متحدة مع ما زاد على الفردين والماهيّة المأخوذة بهذا الاعتبار صالحة للصدق على كلّ جملة من الأفراد حتى الجميع فاذا دخل عليه التنوين كان مدلوله احد تلك المصاديق لا على التّعيين فيتردد بين الجميع وما دونه من المراتب ممّا فوق الاثنين فلا يختصّ بالجميع والظّاهر انّه لا نزاع فى صلوحه للجميع على البدلية وان كان منوّنا واحتج من وافقنا بوجهين [الوجه] الأول : القطع بانّ رجالا يصلح لكلّ مرتبة من مراتب الجمع بدلا كصلوح رجل لآحاد جنسه بدلا فكما انّ رجلا ليس للعموم فيما يتناوله كذلك لا يكون رجال للعموم فيما يتناوله من المراتب وفيه نظر : لانّ الظّاهر انّ من قال بعموم الجمع المنكر لم يقل بانّه لعموم

١٠١

المراتب والجماعات قبل انّما يقول باختصاصه بالمرتبة الاخيرة فالّذى يناسب الاستدلال به على عدم افادته العموم ان يقال كما انّ رجلا لا يختصّ بشيء من آحاده كذلك يجب ان لا يختص رجال بشيء من مراتبه التى منها الجميع لتساويهما فى الصّلوح وللزوم الترجيح من غير مرجّح هذا على ما يقتضيه ظاهر الدليل من الحاق الجمع المنكر بالمفرد المنكر وان اريد الحاقه به فى عدم الدّلالة على العموم مطلقا اتّجه عليه ان يقال لا نسلّم دعوى المساوات بينهما لحصول الفرق فانّ العموم بمعنى جميع الافراد احد مصاديق الجمع المنكّر وليس باحد مصاديق المفرد المنكّر فعدم دلالة المفرد عليه لا يوجب عدم دلالة الجمع عليه [الوجه] الثاني : لو قال عندى عبيد صحّ في تفسيره باقلّ الجمع اتفاقا ولو كان للعموم لما صحّ واورد عليه بانّ هذه الدّلالة بالقرينة لظهور انّ احدا لا يملك عبيد الدنيا وردّ التّفتازانى وغيره بانّ معنى العموم جميع عبيده لا غير كما فى قولنا عندى العبيد ولا قرينة على نفى ذلك وهو جيّد احتج من قال بانّه للعموم بوجوه [الوجه] الأول : انّ الجمع حقيقة فى كلّ مرتبة من مراتبه فلو حمل على الجميع حمل على جميع حقائقه فكان اولى والجواب : منع الاولويّة المذكورة لأنّ مرجعها الى الاستحسان ولا تعويل عليه [الوجه] الثاني : انّه لو لم يكن للعموم لكان مختصا بالبعض وهو باطل لأنّه تخصيص من غير مخصّص والجواب : امّا اولا فبالنّقض بالمفرد المنكر فانّه ليس للعموم قولا واحدا فيكون مختصا بالبعض ويلزم الفساد المذكور وامّا ثانيا فبالحلّ وهو انّه لا يلزم من عدم اعتبار قيد وهو العموم اعتبار عدمه وهو الخصوص حتى يلزم التّخصيص من غير مخصّص بل هو امّا للقدر المشترك فيكون صالحا لكلّ منهما او للطّبيعة المقيدة باحد المصاديق على البدل فلا يتعيّن احدها [الوجه] الثالث : انّ هذه اللفظة محتملة للقلة والكثرة فاذا وردت فى كلام الحكيم مجرّدة عن القرينة وجب حملها على الكلّ اذ لو اراد البعض التنبّه والجواب : انّ لفظ الجمع ان كان موضوعا لاحد مصاديق ما فوق الاثنين لا على التّعيين كما نقول به فارادة ذلك لا يقتضى تعيين شيء من المصاديق ولا رجحانه وان كان للقدر المشترك بين الاقلّ والأكثر كما عليه الأكثرون فارادته لا يقتضى ارادة شيء من الخصوصيّتين فانّ صدقه على الأقلّ على حسب صدقه على الاكثر من غير رجحان فصل : لا ريب فى انّ النّكرة فى سياق النّفى تقتضى العموم بمعنى انّ النّفى او الحكم المنفى يتعلق بكل فرد من آحاد مفهومها فتارة بالنّصوصية وذلك اذا كان النّفى بلا التى لنفى الجنس كما فى قولك لا رجل فى الدّار او كانت مقرونة بمن ظاهرة نحو وما من دابّة او مقدرة نحو ولا رطب ولا يابس وكذلك شيء وبدّ واحد ونظائرها اذا وقعت فى سياق النّفى مطلقا كقولك ما شيء عندى وليس احد فى الدّار وليس بدّ من هذا الأمر وتارة بالظّهور كما اذا وقعت النّكرة ممّا عدى المذكورات اسما لليس او ما يشابهها من ما ولا النّافيتين كقولك ليس رجل أو لا رجل او ما رجل فى الدّار وانّما جعلنا عمومها من باب الظّهور دون النصوصيّة لأنّها كما يأتى لعموم النّفى كما هو الظّاهر الغالب كذلك قد

١٠٢

تأتى لنفى فرد واحد دون ما زاد عليه فيقال ما فى الدّار رجل بل رجلان بخلاف القسم الأوّل فانّه لا يصحّ ان يقال لا رجل او ما من رجل فى الدّار بل رجلان او ليس فيها احد بل اثنان وهكذا وما يتوهم من انّ جواز الاستثناء منها ينافى نصوصيّتها فى العموم فمع عدم جريانه على الوجه الّذى نختاره فى الاستثناء مدفوع بانّ المراد بكونه نصا فى العموم ممحّضة له بحسب الوضع وان جاز ان يستعمل فى غيره مجازا عنه بخلاف المنفىّ فى القسم الثّانى فانّه بحسب الوضع لا يتمحض للعموم هذا تحقيق ما ذكروه ونحن نقول لا ريب فى ان النّكرة فى سياق النّفى انّما تقتضى العموم على حسب اطلاقها وتقييدها فالعموم فى النكرة المطلقة بالنّسبة الى افراده مفهومها المطلق وفى النّكرة المقيّدة بالنّسبة الى افراد مفهومها المقيّد فقولك ما جاءنى رجل يقتضى العموم بالنّسبة الى جميع افراد الرّجل وقولك ما جاءنى رجل عالم يقتضى العموم بالنّسبة الى افراد الرّجل العالم لا مطلق الرّجل وليس هذا عندى من باب التخصيص بل من باب التقييد لأنّ السّلب انّما يسلّط على المقيد بعد اخذه مقيدا وعلى هذا فاذا قيل ليس فى الدّار رجل فان اريد به فرد لا بشرط كما هو معناه الأصليّ كان تعلّق السّلب به مستلزما لسلب جميع ما يصدق عليه هذا المفهوم وهو جميع الافراد وامتنع قولك بل رجلان او بل رجال لأنّهما يشتملان على فرد لا بشرط فنفيه بلا واثباته ببل تناقض وان اريد به فرد بشرط لا اى بشرط عدم الزّيادة كان تعلّق السّلب به مستلزما لنفى كلّ فرد بشرط لا لا مطلق الفرد لما عرفت من انّ عموم النّكرة المنفيّة على حسب اطلاقها وتقييدها فاذا كان المنفيّ مقيدا بشرط لا فلا جرم يكون العموم على حسبه وصحّ حينئذ قولك بل رجلان او بل رجال ولا تناقض لأنّهما لا يشتملان على مدلول فرد بشرط عدم الزّيادة بل لا بشرطها فظهر انّ النكرة فى سياق النّفى فضّ فى العموم مطلقا من غير فرق بين ادواته ومواردها نعم ينبغى ان يفسّر النّكرة فى العنوان بما يكون نكرة بحسب المعنى اعنى ما دل على الطّبيعة المجرّدة او المأخوذة باعتبار كونها متحدة مع فرد لا على التّعيين فيخرج مثل كلّ فى قولك ما رايت كلّ رجل فانّ مدلوله المقيّد بالرّجل معنى معيّن لا يقبل الإبهام والاشتراك ويدخل فيه العهد الذّهنى والعلم الجنسى اذا اخذ باعتبار فرد لا بعينه والمضاف الى احدهما فانّ وقوعها فى سياق النّفى يوجب العموم فانّ المفهوم من قولك لا تدخل السوق ونحو ذلك هو العموم وبهذا التّوجيه يستقيم حصرهم صيغ العموم فيما مرّ بالنّسبة الى ذلك وكذا الحال فى المعرّف بلام الجنس فانّه اذا وقع فى سياق النّفى دلّ على العموم ايضا نحو لا توجد القتل ونحو ذلك فانّه لا تصدق فى نفى جنس الّا بنفى جميع افراده يلحق بالنّفى النّهى لأنّه طلبه فيشتمل عليه والاستفهام الإنكاري لرجوعه الى النّفى وكذلك نحو كفّ واحذر واجتنب ممّا يفيد مفاد النّهى وقد يلحق به الشّرط ايضا وهو حسن ان افاد العموم كمتى ومهما فانّهما كما يفيدان عموم الأزمان كذلك يفيدان عموم ما يقع فى سياقها من فعل الشّرط وتوابعه فقولنا متى جاءك رجل فاكرمه يتناول جميع افراد المجيء والرّجل او لا يبعد تعميم الحكم الى وقوع النكرة فى سياق ساير الفاظ

١٠٣

العموم فانّها تعم افرادها تبعا لعموم العام لأفراده ومنها ما يفيده من باب الظّهور والإطلاق كإذا ولا فرق فيما مرّ بين تعلّق السّلب او شبهه بالنّكرة او بما تعلّق بها ولو بواسطة أو بوسائط فيدخل مثل لفظ فاسق فى قولك لا تكرم عالما تراه جليسا لفاسق ثم الجمع المنكّر اذا وقع فى سياق النّفى وشبهه كان حكمه حكم المفرد فيفيد العموم بحسب الجماعات دون الافراد وكذا المثنّى ولهذا قيل عموم المفرد فى النّفى اشمل من عموم المثنى وعمومه من اشمل عموم الجمع وذلك لان السّلب الوارد على المفرد ظاهرا ونصّ فى نفى الآحاد المستلزم لنفى المثنّى والجمع بخلاف نفى الجمع فانّه لا يستلزم نفى المفرد والمثنّى وبخلاف نفى المثنّى فانّه لا يستلزم نفى المفرد ويستلزم بطلان هذه نفى الجميع كالمفرد فصل : اختلفوا فى انّ الألفاظ الّتى وضعت للخطاب هل تكون خطابا لغير الموجودين أو لا المعروف هو الثّانى والمراد بغير الموجودين فى زمن الخطاب ونزاعهم فى المقام يحتمل وجوها [الوجه] الأول : ان يكون فى جواز تعلّق الخطاب بمعناه الحقيقي بالمعدومين وعدمه فتكون الألفاظ الموضوعة بازائه حقيقة فيهم على الاوّل دون الثّانى [الوجه] الثّاني : ان يكون فى جواز استعمال لفظ الخطاب على المعدومين و [لو] مجازا وعدمه [الوجه] الثالث : ان يكون فى قيام الدّليل على تناول الفاظ الخطاب الواردة فى لسان الشرع للمعدومين ولو تجوّزا وعدمه والظّاهر انّ النّزاع انّما هو فى الوجه الأوّل وكيف كان فالكلام فى المقام من جهة توجّه الخطاب الى المعدوم لا من جهة اطلاق لفظ النّاس والّذين آمنوا عليه فانّه لا كلام لهم فى ذلك ثمّ النّزاع كما ترى يختصّ بالخطاب اللّفظى الشّخصى وامّا الخطاب بالكتابة شخصيا كان او نوعيا وبالنّوع من اللّفظ فلا اشكال فى جواز تعلّقه بالمعدومين ولو مشروطا بوجودهم والظّاهر انّه خارج عن محلّ البحث فانّ اطلاق الخطاب على ذلك مجاز ثم الخطاب بالمعنى المذكور قد يكون بلفظ دال عليه وقد يكون بغيره كقولك لمن يخاطبك زيد قائم وعمرو قاعد وقولهم بما وضع لخطاب المشافهة وان كان يوجب تخصيصه بالاوّل لكن التحقيق انّهما متساويان فى وجه المنع والجواز ثم هل النّزاع فى خطاب المعدومين مطلقا او عند انضمام الموجودين اليهم وجهان والحقّ عندى امتناع تعلّق الخطاب اللّفظى الشّخصى بمعناه الحقيقى بالمعدومين بل غير الحاضرين مطلقا وجواز تعلّقه بهم مجازا مطلقا حيث يشتمل على فائدة فلنا فى المقام دعويان لنا على اوليهما انّ الخطاب على ما يساعد عليه العرف عبارة عن توجه الشخص الكلام فى الخارج نحو الغير للافهام به وهذا يستدعى توجيه شخص الكلام الى الغير تحقيقا والظاهر من المغايرة الحقيقيّة ويحتمل الاعمّ منها ومن الاعتبارية فيعم مخاطبة الإنسان نفسه واما ما سوى ذلك مجاز بشهادة التّبادر وتبادر الغير وصحّة السّلب فاذا ثبت انّه حقيقة فى ذلك فنقول هذا المعنى يستدعى امرين الاوّل مقارنة وجود الموجّه اليه لوجود الكلام لامتناع توجيه الكلام نحو المعدوم او وقوعه بلفظ معدوم امّا الأوّل فلانّ توجّه شيء نحو غيره يستدعى تميزا فى ما توجّه اليه والمعدوم

١٠٤

لا تميّز له فيمتنع التّوجه اليه ولأنّ مرجع التّوجّه هنا الى الإبلاغ ولا يتحقّق بدون المبلّغ اليه وامّا الثّانى فلظهور انّ التوجّه امر يحصل بحصول اللّفظ وينقطع بانقطاعه ويمتنع وقوعه بلفظ معدوم فظهر انّ الخطاب بمعناه الحقيقى يمتنع ان يتعلّق بالمعدوم الثانى حضور الموجّه اليه بحيث يبلغه شخص الكلام والّا لا يقع التّوجيه ولا الابلاغ ولو اعتبر كون التّوجيه للافهام كما يظهر من بعضهم فاعتبار الحضور اوضح ولو اعتبرنا مع ذلك حصول الافهام به ايضا امتنع مع عدم الحضور مطلقا فظهر انّ الخطاب بالمعنى الحقيقى لا يتعلّق بغير الحاضر سواء كان الخطاب تمام معناه كالكاف الحرفية واخواتها او جزئه كالكاف الاسميّة فى جئتك والتّاء المفتوحة فى ضربت كلّ ذلك بدليل التّبادر ولنا على الثّانية وجود العلاقة المصحّحة للاستعمال من تنزيل المعدوم وغير الحاضر منزلة الموجود والحاضر وامّا التّكاليف المستفادة من تلك الخطابات فانما تتعلّق بالمخاطبين بها على تقدير وجودهم بالشّرائط المعتبرة ومن جملها بلوغها اليهم وليس الأمر ولواحقه حينئذ من باب الأخبار بل انّما هو انشاء طلب مشروط بما ذكر وتوضيحه انّ الأمر كما ينشأ طلبا مطلقا كذلك قد ينشأ طلبا مشروطا ويمكن حمل الخطابات الشّرعيّة الصّالحة للتّعميم على مثل هذا المعنى الّا انّه فى خطابات النّبىّ (ص) والأئمة (ع) خروج عن الظّاهر من غير مستند ظاهر وامّا بالنّسبة الى خطاباته تعالى فغير بعيد ان جعلناها من الخطابات الشخصية نظرا الى انّها انّما كاتب تبلغ الحاضرين بواسطة جبرئيل (ع) والنّبى (ص) فالّذى كان يبلغ اليهم لم يكن نفس تلك الخطابات بل حكاياتها وهى تبلغ المعدومين ايضا والتّجوز حاصل على التّقديرين مع انّ التزام اختصاص تلك الخطابات باهل المجلس مطلقا او خصوص المجلس الأول تعسف ظاهر والتّعميم اليهم والى غيرهم من الموجودين فقط ليس باولى من التعميم اليهم والى غيرهم للزوم الخروج عن ظاهر الخطاب على التّقديرين فان رجّح الاوّل بانّه اقرب الى الحقيقة امكن معارضة بان الثّانى اوفق بما هو المقصود فى المقام من تعميم الاحكام مع انّه يمكن ان يجعل ذلك قرينة على التّعميم فيكون استعماله فيه مجازا لا محالة واعلم انّه كما يصح الخطاب باللّفظ كذلك يصحّ بما يدلّ عليه من الخطوط والنّقوش وكما يصحّ بشخص اللّفظ والخط كذلك يصح بنوعيهما ولا يخفى انّ تسمية ما عدى توجيه شخص اللّفظ المعيّن خطابا مجاز لكن لا يستلزم التّجوز فيما خوطب به ما لم تكن من الألفاظ الموضوعة للخطاب تنبيهات [التنبيه] الاوّل : انّ الخطاب الى الواحد لا يقتضى التّعميم نعم نقول بعموم الحكم حيث لا يفهم قصد الخصوصيّة منه لقيام الأدلّة الخارجية عليه [التنبيه] الثاني : لا كلام ظاهرا فى انّ الخطاب بصيغة المؤنث كيا ايتها المؤمنات لا يتناول الرّجال كالعكس ما لم تقم قرينة على خلافه بدليل التّبادر واجماع اهل العربيّة [التنبيه] الثالث : الخطاب مما يستوى فيه المذكّر والمؤنّث لكن اذا كان الضّمير العائد اليه مؤنّثا اختصّ بالمؤنث وامّا اذا كان مذكرا اشترك فيه المذكّر والمؤنّث [التنبيه] الرّابع : انّ حكاية الخطاب خطاب الى من خوطب بالحكاية وليس

١٠٥

المحكي خطابا اليه بل الى من خوطب به اولا وهكذا اذا ترتّبت الحكايات ... القول فى التّخصيص والمخصّص مقدّمة : التّخصيص قصر العام او حكمه على بعض ما يتناوله والمراد بالعام ما اعتبر فى استعماله وضعه للعموم سواء استعمل فيه او لم يستعمل فدخل العام الّذى اريد به جميع مسمياته ثم صرف عنه الحكم الى البعض كما فى بدل البعض على اظهر الوجوه او اخرج عنه البعض كما فى التّخصيص بالاستثناء وبالشرط والغاية من حيث دلالتهما على اخراج الفرد الّذى لا يشتمل على الشّرط مطلقا او لا يقارن ما قبل الغاية مطلقا فانّ التّقييد بهما وان لم يكن معتبرا فى الفرد لكن الفرد المقيّد بهما فرد قطعا وليس الحكم لاحقا له وامّا من حيث دلالتهما على زوال الحكم عن المحكوم عليه وعند زوال الشرط او بعد الغاية فليس من تخصيص العام اذ لا عموم له بالنّسبة الى ذلك بل امّا من باب التّقييد ان دلّ اللّفظ عليه بالإطلاق او من تخصيص ما دلّ على عموم الحكم بالنّسبة اليهما ان كان هناك ما يدل عليه والتّحقيق انّ مفادهما بالاعتبار الأوّل ايضا ليس من تخصيص العام بل اما من تقييد الحكم كما فى الشّرط لانّ الحكم فيه انّما يتعلّق بالجميع لكن لا مطلقا بل اذا تحقق الشّرط او من تقييد العام ضمنا كما فى الغاية بالنّسبة الى الأفراد التى لا تقارن ما قبلها مطلقا فانّ المراد بالعلماء فى قولنا اكرم العلماء الى ان يفسقوا او الى يوم كذا الغير الموصوفين بالفسق والموجودون قبل الغاية المذكورة اذ لا معنى للتحديد بالغاية بالنّسبة الى من استمرّ الفسق فى حقّهم من زمن الخطاب او تاخروا عن الغاية وكذلك يدخل العام الّذى اريد به البعض ابتداء بان اطلق العام على الخاص باعتبار عمومه وامّا اطلاق العام على الخاص لا باعتبار عمومه بل باعتبار كونه موضوعا له فليس من التّخصيص وان قدر ظهوره عند الإطلاق فى العموم سواء غاير وضعه وضع العام كما لو اطلق لفظ الرّجال علما لرجل عليه باعتبار كونه علما له اولا كما فى الجمع المعرّف المعهود او الموصوف على ما عرفت وخروج ذلك عن الحد اما لعدم تسميته عرفا قصرا بل هو تعيين لأحد محتملات اللّفظ او لان قيد الحيثية مفهوم من قولنا بعض ما يتناوله وليس الاستعمال فى ما ذكر كذلك ثم انّ التخصيص قد يكون بالمتّصل وهو ما لا يستقل بنفسه وقد يكون بالمنفصل وهو ما يستقلّ بنفسه عقليا كان او لفظيا فصل : لا ريب فى جواز التخصيص فى الجملة واختلفوا فى منتهى ذلك ولا بدّ قبل الخوض فى الادلّة من بيان موضع النّزاع فنقول قد ثبت انّ التخصيص كما يطلق على قصر حكم العام كذلك قد يطلق على استعمال العام فى الخاصّ والظاهر ان نزاعهم هنا فى التخصيص بالمعنى الثانى كما يظهر من بعض حججهم والفرق بينه وبين النّزاع الآتي فى الاستثناء فانّ جماعة كالعلامة والحاجبى افرد والكلّ منهما مبحثا ونسبوا القول باشتراط بقاء جمع يقرب من مدلول العام هنا الى الاكثر وهناك نسبوا الى الاكثر القول

١٠٦

بجواز الاستثناء الى ما فوق النّصف اذا عرفت ما حققناه فالمختار عندى ما ذهب اليه الاكثرون من اعتبار بقاء جمع يقرب من مدلول العام لكن لا مطلقا بل من حيث يكون الاستعمال بعلاقة العموم والخصوص وامّا اذا استعمل بغير هذه العلاقة كالجمع المعرّف والموصولات اذا جردت عن اعتبار التعيين الحقيقى فيها جاز تخصيص الجمع منها الى ثلاثة والمفرد الى الواحد وكذا اذا كان المقصود به المبالغة ولعلّ هذه الصّور الخارجة عن محل النّزاع لنا انّ العلاقة المذكورة انما تعتبر حيث يساعد عليه الطّبع وهذا انّما يتحقق بين المجموع وما يقاربه دون مطلق الابعاض والى هذا يرجع ما استدلّ عليه الأكثر من القطع بقبح قول القائل اكلت كلّ رمانة فى البستان وفيه آلاف وقد اكل منه واحدا او اثنين وقوله كلّ من جاءك فاكرمه وفسّره بزيد او هو مع عمرو وبكر ونحو ذلك بخلاف ما اذا فسّره بجمع يقرب من مدلول العام فانّهم ارادوا بالقبح فيه ما يساوق الغلط كما هو الظّاهر من اطلاقه فى مثل المقام لا مجرّد الاستبشاع وخروج اللّفظ عن حدّ الفصاحة فانه لا ينافى الجواز احتج من قال بجواز التّخصيص الى اثنين او ثلاثة بما قيل فى الجمع من انّ اقلّه اثنان او ثلاثة ففرعوه على كون الجمع حقيقة فى احد الأمرين وأجيب بانّ الكلام فى اقل مراتب التخصيص لغة لا فى اقلّ مراتب الجمع فان الجمع ليس بعام ولا دليل على تلازم الحكمين احتج القائلون بجوازه الى الواحد بوجوه لا يهمنا ذكرها والجواب عنها ثم انّ فى الاستثناء اشكال مشهور وهو ان مدلوله مناقض لمدلول الجملة التى قبله حيث انّها تقتضى دخول المستثنى فى الحكم المذكور وهو يقتضى خروجه عنه ولهم فى التّفصى عنه وجوه ثلاثة [الوجه] الأول : انّ المراد بالمستثنى منه تمام معناه لكن لا يسند اليه الّا بعد الاخراج فلا يتعلّق الاسناد الّا بالباقى [الوجه] الثاني : انّ المراد بالمستثنى منه ما عدا المستثنى مجازا اطلاقا للكلّ على البعض والقرينة عليه الاستثناء [الوجه] الثالث : انّ مجموع المستثنى منه والاداة والمستثنى موضوع للباقى ومستعمل فيه والاسناد انّما يقع عليه ومرجع هذه الوجوه الثّلاثة الى انّ الكلام المذكور لا يشتمل إلّا الى اسناد واحد وهو انّما يتعلّق بما عدا المستثنى وبه يندفع شبهته التّناقض ولنا في التّفصي عن الاشكال وجهين آخرين احدهما : وهو قريب في البعد الى الوجوه المتقدّمة انّ اسناد الحكم الى العشرة مثلا كما يصحّ باعتبار لحوقه له بتمامه كذلك يصحّ باعتبار لحوقه لبعضه توسعا تنزيل لحوقه للبعض منزلة لحوقه للكلّ وحيث كان ذلك خروجا عن الظّاهر فانّ الظّاهر اسناد شيء الى الكلّ احتيج الى نصب قرينة تدلّ عليه من استثناء ونحوه وبالجملة نتخلّص عن الأشكال بالتّصرّف فى الاسناد لكن بنحو آخر غير ما ذكروه [الوجه] الثاني : وهو المعتمد انّ المراد بالمستثنى منه ما يتناول المستثنى والنّسبة متعلّقة به بهذا الاعتبار كما هو الظّاهر من اللّفظ والمتبادر عند الاستعمال والإخراج راجع اليه فصل : لا خلاف فى بطلان الاستثناء المستوعب كما لا خلاف فى صحّة استثناء ما دون النّصف والتّحقيق عندى فى المقام الاوّل التّفصيل بين ما اذا اتّحد المستثنى منه مفهوما نحو اكرم

١٠٧

كلّ انسان الّا كلّ انسان او انحصر افراد المستثنى فى افراد المستثنى منه عقلا او عادة نحو اكرم كلّ انسان الّا كلّ ضاحك او كلّ حيوان وما اذا اختلفا او انحصرت افراده فى افراده اتفاقا نحو اكرم كلّ من يزورنى الّا الفاسق فيحكم بالمنع فى القسمين الاوّلين دون الآخرين للقطع بجواز ذلك فى ما اذا لم يزره احدا فكذا اذا لم يزره غير الفاسق على اشكال فيما اذا علم ويعرف وجهه مما مرّ فى بحث الأمر بالشّيء مع علم الأمر بانتفاء الشّرط هذا وفى جوازه الى النّصف وما فوقه اذا لم يستوعب اقوال والاكثر على الجواز وربما قيل باعتبار بقاء الأكثر والمختار ما ذهب اليه الأكثر لنا وجوه منها : انّه لو امتنع فامّا ان يكون من جهة المستثنى منه او النّسبة المتعلقة به ولا حجر فيهما اذا صحّا وافادا لما عرفت من انّ الاستثناء لا يوجب التّجوّز فيهما وامّا من جهة الأداة ولا حجر فيها ايضا لأنها موضوعة لمطلق الإخراج بدليل التّبادر على ما يشهد به الوجدان فيستوى فيه اخراج الاقل والاكثر نعم قد يبلغ اخراج الاكثر الى حدّ الاستبشاع لكن لا من جهة الخروج عن قانون الوضع بل من جهة ركاكة التّعبير ومجرّد البشاعة وقبح التّعبير لا ينافى صحّة الاستعمال من حيث الوضع نعم لو ثبت انّ الاستثناء يوجب التّجوز فى المستثنى منه او فى النسبة اتّجه المنع حيث يكون الاستبشاع من قبلهما نظرا الى انتفاء قرينة المصحّحة ومنها : قوله تعالى (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) فاستثنى الغاوين وهم الاكثر بالوجدان وبدليل قوله (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) فانّ ما عدا المؤمنين هم الغاوون ولورود عكسه فى قوله تعالى حكاية عن ابليس (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فيمتنع اشتراك الأكثرية واعترض بانّ الاستثناء منقطع والمراد بعبادى المؤمنون بدليل انّ الاضافة للتّشريف فلا اخراج سلّمنا لكن لا نسلّم اكثرية الغاوين لانّ العباد يتناول الملائكة والجنّ ايضا والجواب : انّ الاستثناء المنقطع مجاز كما مر فلا يصار اليه ما لم يتعذّر الحقيقة وكون الإضافة للتشريف ممنوع لمنافاته لعموم المضاف ومنها : اطباق العلماء على انّ من قال

له على عشرة الّا تسعة لم يلزم الّا بواحد وذلك دليل على صحّته ولو الغوه لا لزموه بتمام العشرة كما فى الاستثناء المستوعب والظاهر انّ الإنفاق فيه غير ثابت لنقل البعض عن بعضهم القول بالزامه بتمام العشرة حجة من اعتبر بقاء الاكثر وجوه منها انّ الاستثناء موضوع بالوضع النّوعى للاخراج والأوضاع النّوعية انّما يستفاد بالتّتبع فى كلمات اهل الاستعمال والقدر الثّابت بالتّتبع كون الاستثناء موضوعا لاخراج الأقلّ واقل مطلق الاخراج فغير ثابت ومجرّد استعماله فى اخراج الاكثر فى بعض الموارد لا يدلّ على كونه حقيقة فانّ الاستعمال اعمّ والجواب : انّا قد بيّنا بموجب التبادر ان أداة الاستثناء موضوعة المطلق الإخراج فلا يصغى الى ما ذكر ومنها : انّ قضية الأصل عدم جواز الاستثناء لما فيه من

١٠٨

التّناقض خالفناه فيما دون النّصف لقيام الدّليل عليه فيبقى ما عداه ممنوعا بحكم الأصل وجوابه : ما عرفت فيما حققناه في رفع التّناقض ومنها : انّه لو قال له على عشرة دراهم الّا تسعة وتسعة اعشار درهم عدّ مستهجنا وليس الّا لكونه استثناء للأكثر فيدلّ على عدم جوازه مطلقا وجوابه : انّه ان اريد اثبات عدم الجواز من حيث الوضع فمجرّد الاستهجان لا يقتضيه وان اريد اثبات عدم جواز الاستعمال من حيث الطّبع فالدّليل المذكور لا يقتضى جواز ثبوته مطلقا فصل : الاستثناء من النّفى يقتضى الاثبات وبالعكس ويدل عليه امور [الدليل] الأول : التّبادر من أداة الاستثناء عرفا اخراج المستثنى عن المستثنى منه باعتبار ما تعلّق به من النّسبة الواقعية وذلك يوجب مخالفته له فيها واذا ثبت ذلك عرفا ثبت شرعا ولغة بضميمة اصالة عدم النّقل [الدليل] الثاني : انّه لو لم يكن كذلك لجاز تشريك المستثنى مع المستثنى منه فى الحكم نحو جاءنى القوم الّا زيدا وجاءنى زيد وفساده معلوم من العرف واللّغة [الدليل] الثالث : الاتّفاق على انّ كلمة التّوحيد تفيده ولو لم يكن كذلك لم تفده فصل : اذا خصّ العام فقد اختلفوا فى كونه حقيقة او مجازا الى اقوال كثيرة والتحقيق عندى انّ العام المخصوص ان كان تخصيصه باستعماله فى الخاص باعتبار كونه للعموم وضعا فمجاز سواء كان للعموم ابتداء ككلّ وتوابعه او كان موضوعا لمعنى يلزمه العموم ولو بحسب مورد الاستعمال كالنّكرة فى سياق النّفى والجمع المحلّى والمضاف والموصول عند عدم العهد وان كان التخصيص باخراج البعض كما فى الاستثناء او بصرف النّسبة اليه كما فى البدل او بتقييد مدلوله كما فى الوصف او حكمه كما فى الشّرط والغاية بناء على عدم كون الثلاثة المتاخرة من هذا الباب فحقيقة ان لم يوجد فيه جهة اخرى توجب التّجوز فيه فالعام فى نحو زارنى كلّ عالم او العلماء او من نزوره او ما زارنى عالم اذا اريد بلفظه فى الموارد الأربعة البعض المقارب للكلّ حقيقة او حكما باعتبار كونه للكلّ وبعبارة اخرى اذا اطلق اللّفظ المخصوص بالكلّ وضعا على الجزء تنزيلا منزلة الكلّ فهو مجاز ونحو اكرم كلّ رجل عالم او العلماء العدول او ان كافوا عدولا او الى ان يفسقوا او الّا الفسّاق او العلماء عدولهم او من اكرمك باحد القيود الأربعة المتاخرة او لا تهن رجلا باحد القيود الأربعة المتقدمة فلنا في المقام اذا دعويان لنا على أولاهما : انّ العام اذا كان للعموم بحسب الوضع فاستعماله فى غيره باعتباره استعمال له فى غير ما وضع له فيكون مجازا لا محالة وسيأتى لهذا مزيد توضيح فى دفع حجج المنكرين ولنا على الثّانية : انّ العام على التّقادير المذكورة مستعمل فى تمام معناه الاصلى فيكون حقيقة وكون المقصود بالذات فى الاستثناء تعلّق الحكم بالبعض لا يوجب التجوز فيه لأن ذلك ارادة من غير لفظ العام كما حققناه سابقا وعموم النكرة المتعقّبة للنّفى والمسوّرة بكلّ على حسب اطلاقها وتقييدها ففى الحقيقة اعتبار العموم

١٠٩

فيهما متاخّر عن اعتبار التّقييد على تقدير اشتمالهما عليه وامّا التّخصيص بالشّرط والغاية فهما راجعان فى الحقيقة الى تقييد الحكم المتعلق بالغاية واستلزامه قصر العام على الافراد المشتملة على الشّرط والمتحقّقة قبل الغاية راجع الى تقييد مدلوله كما مرّ حجة القائلين بانّه [أي العام إذا خص] حقيقة مطلقا أمران [الأمر] الأول : انّ العام كان متناولا للباقي حقيقة قبل التخصيص والتناول باق بعد لم يتغير وانّما طرأ عليه عدم تناول الغير وهو لا يوجب كونه مجازا فيما يتناوله والجواب : امّا اولا فبالنقض باستعمال اللّفظ الموضوع للكلّ فى الجزء كاطلاق الانسان على بعضه فانّ البيان المذكور جار فيه وليس حقيقة قطعا وامّا ثانيا فبالحلّ وهو انّه كان قبل التخصيص يتناوله مع غيره وبعده يتناوله وحده وهما متغايران فكونه حقيقة فى الاوّل لا يوجب كونه حقيقة فى الثانى [الأمر] الثاني : انّ العام المخصّص بعد ملاحظة قرينة التّخصيص يسبق منه الباقى الى الفهم بحيث لا يحتمل غيره والتّبادر علامة الحقيقة والجواب : انّ علامة الحقيقة هى التّبادر بدون القرينة والّا فالمعنى المجازى ايضا يتبادر من المجاز بعد ملاحظة القرينة فتبادر الباقى منه بعد ملاحظة قرينة التخصيص لا يوجب كونه حقيقة فيه حجة القول بانّه مجاز فى الباقى مطلقا وجهان [الوجه] الأول : انّه لو كان حقيقة فيه ايضا لكان مشتركا والتالى باطل بيان الملازمة انّه حقيقة فى العموم والباقى مغاير له ضرورة مغايرة البغض للكلّ فلو كان حقيقة فيه ايضا لكان حقيقة فى معنيين متغايرين فيكون مشتركا بينهما وامّا بطلان التالى فلانّ الكلام فى الألفاظ التى تختصّ بالعموم وضعا [الوجه] الثاني : انّه لو كان حقيقة فيه لكان كل مجاز حقيقة والتّالى متّضح البطلان اما الملازمة فلانّه يحكم بكونه حقيقة لانه ظاهر فى الخصوص مع القرينة وان كان بدونها ظاهرا فى العموم وكلّ لفظ بالنّسبة الى معناه المجازى كذلك وفى الوجهين نظر على اطلاقهما فانّ الجمع المعرّف مختص بالعموم وضعا حيث لا يتعيّن ما دونه من المراتب وكذلك الموصول مع انّه لو تعيّن كان استعماله فيه حقيقة ايضا ولا اشتراك فانّ مدلول الجمع المعرّف ما فوق الاثنين من الأفراد المتعيّنة باعتبار تعينها وكذا مدلول الموصول الشّيء او الشّخص المتعيّن بصلته باعتبار تعيّنه بها فحيث لا شاهد على التعيين يتعيّن الحمل على الجميع لتعيّنه من بين المراتب ولهذا اذا تعيّن البعض بعهد او وصف او شبهه صحّ الاستعمال فيه من غير تجوز ولا اشتراك ويعرف الكلام من نظائره ممّا مرّ فصل : اذا تخصص العامّ بمجمل سقط عن الحجّية فى مورد الإجمال اتفاقا واختلفوا فيما (١) عداه فى انّه هل يبقى حجة بالباقى او لا الى اقوال ثالثها انّه ان خص بمتصل كان حجة فيه والّا فلا والحق عندى انّه حجة مطلقا لنا على ذلك بعد مساعدة القواعد اللفظية عليه فهم اهل العرف منه لحوق الحكم بالباقى بعد التخصيص ولهذا يذم العبد اذا قال له مولاه اكرم من دخل دارى الّا زيدا او قال

__________________

(١) اذا تخصّص بما

١١٠

بعد ذلك لا تكرم زيدا فترك اكرام غيره ايضا ولا ريب انّ فهم العرف اذا استند الى اللّفظ كان وايضا ان الصّحابة وتابعيهم كانوا يستدلّون بالعمومات المخصّصة من غير نكير فيهم وذلك اجماع منهم على حجّيتها وقد يستدلّ ايضا بانّ اللّفظ كان متناولا للباقى فيستصحب وارتضاه بعضهم بناء على ان يكون المراد استصحاب حكم التّناول الظّاهرى بمعنى انّه كان حجّة فى الجميع وكان يجب العمل بمقتضاه فيه فخرج ما خرج لقيام الدّليل وبقى الباقى فيستصحب حجّية فان اريد به التّناول الواقعى فهو مختصّ بما يكون تخصيصه بدائيا ولا علم به او التّناول الظاهرى فلا معنى لاستصحاب الظّهور والسّر فيه ان ظهوره فى الباقى قبل التخصيص ظهور تبّعى وضعيّ بخلافه بعده فلا يتحد الموضوع ليستصحب فصل : اختلفوا فى التّمسك بالعامّ قبل استقصاء البحث عن المخصّص فذهب الأكثرون الى المنع ومنهم من جوّز العمل به قبل ذلك ثم اختلف المانعون فى مقدار الفحص فمنهم من اكتفى بالظّن بعدم المخصّص وهو قوىّ مع قوّة الظّنّ ومنهم من اعتبر القطع بانتفائه والحقّ عندى ما ذهب اليه الاكثرون من عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص الموجب للظّنّ بعدم المخصّص والمعارض كما هو الاصل فى كلّ دليل ظنّى يحتمل المعارض وهذه المسألة فى الحقيقة من جزئيات تلك المسألة كما اشار اليه بعض الافاضل الّا انّهم تداولوا افرادها بالبحث نظرا الى انّ احتمال المعارض فيها اقوى لنا ان علمنا بوجود المخصّص لأكثر العمومات الّتى بلغت الينا كما يشهد به ادنى تتبّع مع شيوع حكايته واستفاضة من المتتبعين يوجب عدم الوثوق بعموم عام نصادفه بمجرّد عدم مصادفة المخصّص معه اذ يتساوى حينئذ عندنا احتمال كونه من العمومات المخصّصة واحتمال كونه من غيرها اذ لم يترجح الاوّل بالنظر الى الغلبة المذكورة ولا دليل على حجّية تلك العمومات مطلقا حتى عند عدم البحث وعدم الوثوق بعمومها لعدم مساعدة الاجماع والعقل على ذلك وهذا ظاهر وكذلك الكتاب والسّنة اذ ليس فيهما ما يقتضى حجّيتها حينئذ كما سنشير الى البعض واما بعد التّتبع المورث للظّنّ بالعدم فيتجه التعويل عليه اذ لو اعتبرنا العلم بذلك لزم العسر والحرج المنفيان عن الشريعة السّمحة وتفويت الوقت فى تحصيل قليل من المسائل وطرح اكثر العمومات لعدم التّمكن من تحصيل العلم بعدم المخصّص فيها وهذا الدّليل بعينه يجرى فى ساير الأدلّة الظّنيّة سواء كان ظنيّتها من حيث السّند كخبر الواحد او من حيث المتن كالامر والنّهى والمطلق وغيرها من الظّواهر اللّفظية فانّا متى صادفنا شيئا منها لم نلتزم بمؤدّاها ما لم نبحث عن المعارض فنظنّ عدمه وذلك لعلمنا بوجود المساوى او الرّاجح فى كثير منها فتحتاج فى تحصيل الظّنّ بانّ ما صادفناه ليس من جملتها الى الفحص واعلم انّ القدر الكافى من الفحص والتتبع ما يحصل معه الظّنّ والوثوق بعدم المعارض كما مرّ ويكفى فيه تتبع الأبواب

١١١

التى هى مظانّ ذكر ما يتعلّق بالحكم المقصود من الكتب المبوّبة وربّما يكفى فيه موافقة الاكثر والمعظم وعدم الإشارة من المتتبّعين منهم الى المعارض حيث يكون وظيفتهم ذلك كما فى بعض الكتب الاستدلالية ونحو ذلك احتج المجوزون مطلقا بانّه لو وجب البحث عن المخصّص فى التّمسك بالعامّ لوجب البحث عن المجاز فى التّمسك بالحقيقة ايضا والتّالى باطل بالاتفاق بيان الملازمة انّ ايجاب طلب المخصّص انّما هو للتحرّز عن الخطاء وهو موجود فى المجاز ايضا والجواب : الالتزام بالتّالى والمنع من الإجماع المدّعى على بطلانه كما ذكرنا آنفا وقد يجاب بالفرق بين المقياسين بانّ التّخصيص قد بلغ فى الشّيوع الى حيث قبل ما من عام الّا وقد خصّ فصار حمل اللّفظ على العموم مرجوحا فى النظر قبل البحث عن المخصّص بخلاف الحقيقة فانّ اكثر الألفاظ محمولة على الحقائق وما يقال من انّ اكثر اللّغات مجازات فمحمول على المبالغة او انّ المراد انّ اكثر الالفاظ لها معان مجازية او مطروح بشهادة الوجدان والى هذا يرجع ما قبل من انّ التّخصيص اكثر وقوعا من غيره من انواع المجاز فحصول الظّنّ بعدم الثّانى قبل الفحص لا يوجبه فى الأول وهذا الفرق وان كان فى نفسه ضعيفا الّا انّه ينهض جوابا عن الدّليل المذكور حجّة من اعتبر القطع بعدم المخصّص بانّ القطع ممّا يتيسّر حصوله بالفحص لأنّ الحكم المستفاد من العام ان كان ممّا كثر البحث عنه ولم يطّلع على ما يوجب تخصيصه فالعادة قاضية بالقطع بانتفائه والّا فبحث المجتهد يوجب القطع بانتفائه اذ لو اريد بالعام الخاصّ لاطّلع عليه اذ الحكم مع عدم اطّلاعه على المخصّص هو العموم قطعا والجواب : انّ عدم الاطّلاع مع كثرة بحثهم او بحثه عنه لا يوجب القطع بالعدم ان اريد عدمه حقيقة اذ غاية ذلك عدم الوجدان وان اريد انه عند عدم ما يوجب القطع بعدمه يكفى عدم وقوف المجتهد عليه بعد الفحص فى القطع بوجوب البناء على عدمه والتّعويل على العموم فى العمل وفى الحكم الظّاهرى عاد النّزاع لفظيا فصل : اذا تعقب المخصّص المتّصل جملا او مفردات متعاطفة وصحّ عوده الى الجميع والى الأخير فلا كلام فى جواز عوده الى الأخير وحدها والى الجميع ان كان هناك ما يوجب التّعيين والا فالاخيرة مخصوصة به قطعا وهل يختصّ بها او يخصّ معها الباقى فيه خلاف ونحن نذكر الاستثناء المتعقّب بالجمل اولا كما هو المعروف فى كتب القوم ثم نعقّبه ببيان بقية الأقسام فنقول فى الاستثناء المتعقب للجمل الصالح للعود الى الجميع والى الاخير اقوال ذهب بعضهم الى العود الى الجميع والظاهر انّ مراد هذا القائل اخراج واحد متعلّق بالجميع لا اخراجات متعددة وذهب آخرون الى انّه ظاهر فى العود الى الاخيرة وذهب السيّد الى انّه مشترك بينهما لفظا فيتوقف فى تخصيص الباقى الى قيام قرينة وتوقّف بعضهم وهذان القولان موافقان للقول الثّانى فى الحكم وان خالفاه فى المأخذ حيث انّ القائل بالقول الثّانى يقول به لظهور عدم التّناول وهم لا يقولون به لعدم ظهور التّناول كذلك والتحقيق

١١٢

عندى ان أداة الاستثناء موضوعة بالوضع العام لخصوصيّات افراد الإخراج مطلقا من غير فرق بين ان يكون المستثنى منه واحدا او متعدّد او لا حاجة على الثّانى الى تاويل او تنزيل نعم يعتبر صلوح المستثنى لذلك لفظا وهذا راجع الى ما اختاره فى المعالم على ما توجّه كلامه به وامّا من حيث الظهور النّاشى من ملاحظة عموم ما عدا الاخيرة فالحق اختصاصه بالعود الى الأخيرة لنا انّ المتبادر من أداة الاستثناء انما هو اخراج ما بعدها عمّا قبلها واحدا كان او اكثر فانّا اذا راجعنا وجداننا وقطعنا النّظر عن القرائن وجدنا نسبة عود الاستثناء المتعقب للمتعدد الى كلّ واحد كنسبة عوده الى الأخيرة بحيث يتبادر كلّ واحد منهما من غير فرق وذلك آية كونه موضوعا بالوضع العام لكلّ واحد من تلك الخصوصيات ولهذا اذا سمعنا قول القائل اكرم العلماء واعط الفقراء وجالس الشّعراء والظّرفاء الّا الفساق منهم او الّا الفاسق منهم اذا لم يكن عهدا او الّا زيدا اذا اجتمعت فيه تلك الصّفات تردّدنا اولا فى عوده الى الجميع والى البعض وان رجحنا عوده الى الأخيرة نظرا الى الشّواهد الخارجيّة كقربها واصالة بقاء ما عداها على العموم وايضا كلمة الّا وما بحكمها تقوم مقام جملة استثنى فاذا جاز عود قولنا فيما مرّ استثنى منهم الفساق او الفاسق او زيدا الى الجميع والى الاخيرة من غير تجوز جاز ذلك فيما هو بمنزلته نعم يعتبر صلوح المستثنى لذلك كان لا يكون نكرة فانّها لا تصلح لان يراه بها فردان كما لو قيل فيما مرّ الّا رجلا اذا كانت الافراد متخالفة وكذلك الأفعال الناقصة كليس ولا يكون بناء على انّ معانيها معان حرفية والّا فهى فى حكم الحروف من حيث تضمّنها للنسبة ولو باعتبار النسبة التركيبيّة وكذلك اسماء الاستثناء فانّها متضمّنة للنّسبة الاضافية ولهذا كانت لازمة الاضافة واعلم انّ الاستثناء المتعلّق بالجمل وما فى حكمها قد يتعلّق بها من حيث المجموع كما اذا كان المستثنى جمعا معرفا او ما فى معناه واختلف افراده المندرجة فيها كما لو قال اكرم العلماء واكرم التّجار الّا الفساق وكان فسّاق احدهما غير الفسّاق الآخر كلّا او بعضا وكذا لو قال الّا عشرة منهم وفسّرها بخمسة من الأوّل وخمسة من الثّانى وقد يتعلّق بالجميع باعتبار كلّ واحد على سبيل الشّمول كما لو قال فى المثال المذكور الّا الفاسق اذا اتّحد فسّاق احدهما وفسّاق الآخر وقد يتعلّق بالجميع على سبيل البدلية كما لو قال فى المثال الّا زيدا من العلماء او عمروا من التّجار ولك ان تجعل المستثنى احد الشخصين من المجموع فيرجع الى احد القسمين الاوّلين او تقدر الاداة بعد او فيكون من الاستثناء من الواحد وفيهما تعسف والاوضح تثليث الأقسام وجعل الاعتبارات الثلاثة خارجة عن مدلول الاستثناء مستفادة من امر خارج كوحدة المستثنى وتعدده احتج القائلون برجوعه الى الجميع بوجوه منها : انّ العطف يصيّر المتعدد بمنزلة المفرد فتقوم الجمل المتعاطفة مقام الجملة الواحدة ولا ريب انّ الاستثناء اذا كان

١١٣

الجملة الواحدة عاد الى الجميع فكذلك ما هو بمنزلته فلا فرق بين قولنا اضرب الّذين قتلوا او الّذين سرقوا والّذين زنوا الّا من تاب وبين قولنا اضرب الذين هم قتلة وسراق وزناه الّا من تاب فكما انّ المفردات الواقعة موقع الخبر صارت بالعطف بمنزلة اسم واحد حتى عاد الاستثناء فيها الى الكلّ اتفاقا كذلك الجمل المتعاطفة صارت بالعطف منزلة الجملة الواحدة فيعود الاستثناء فيه الى الكلّ ايضا والجواب : امّا اولا انّ ذلك قياس فى اللّغة وقد حقّقنا بطلانه سابقا وامّا ثانيا فبالفرق وهو ان لا ترتب بين المتعدد فى صورة الاداء بلفظ الجميع فيمتنع الترجيح بالنّظر الى اللّفظ بخلاف صورة العطف ومنها : انّ الاستثناء بالمشية اذا تعقب جملا كما قال والله لا اكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء الله الله تعالى عاد الى الجميع بالاتفاق فكذلك غيره والجواب : انّ ذلك اسماع الى الجميع القرينة لظهور انّ المقصود من ذكر المشية امّا الامتثال او خوف الفوات والحرمان بتركه كما يدلّ عليه ظاهر حكايته تعالى لبلوى اصحاب الجنة وهو مطّرد فى الجميع حتّى انّه لو انتفى فى البعض منعنا لحوقه به والاجماع المدعى على خلافه ممنوع ومنها : انّه لو كرّر الاستثناء مع كلّ جملة كما لو قيل فى آية القذف لا تقبلوا لهم شهادة ابدا الّا الّذين تابوا واولئك هم الفاسقون الّا الّذين تابوا عدّ مستهجنا ركيكا وليس ذلك الا لسوء الأخير الى الجميع فيكون الباقى تكرارا محضا والجواب : انّ عدّ مثل ذلك مستهجنا انّما هو لكونه تطويلا مع امكان الاقتصار على الأخيرة بنصب القرينة الى عوده الى الجميع ومنها : انّه صالح للعود الى كل واحد وحيث لا قرينة يجب عوده الى الجميع اذ الحكم باولوية البعض تحكّم والجواب : المنع من عدم اولوية البعض فانّ قرب الاخيرة يصلح مرجحا لصرفه اليها ومنها : انّ لواحق الكلام كالشّرط والاستثناء يجب الحاقه به ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام فيجب عود الاستثناء المتعقب للجمل المتّصلة الى الجميع لبقاء التّشاغل بها والجواب : انّ بقاء التّشاغل انما يقتضى صحة اللحوق لا تحقق اللحوق ولا كلام فيه حجة من خصّه بالأخيرة وجوه منها : انّ الاستثناء خلاف الاصل لدلالته على مخالفة الحكم الاوّل تركنا العمل به فى الأخيرة دفعا لمحذور الهذرية فيبقى الاصل فى باقى الجمل سالما عن المعارض وامّا تعيين الاخيرة فلقربها والجواب : انّ الدليل المذكور انما يقتضى عدم عود الاستثناء الى ما عدا الاخيرة عند التّجرد عن القرينة نظرا الى اصالة بقائه على العموم ونحن لا ننكر ذلك ولكن اين ذلك من اختصاصه بها بحسب الوضع كما هو المدّعى ومنها : لو جاز تعليق الاستثناء بما عدا الاخيرة بعد تعليقه بها لجاز تعليق المستقل بغيره والتالى باطل بيان الملازمة انّه بعد تعليقه بالاخيرة يستقلّ ولو علق بغيرها ايضا كان تعليقا للمستقلّ وهو المراد بالتالى وامّا بطلانه فانّ المقتضى للتّعليق انّما هو عدم الاستقلال اذ المستقلّ لا يتعلّق بغيره والجواب : انّ الاستثناء محتمل للعود الى الجميع والى الاخيرة فهو على تقدير عوده الى الجميع لا يستقل بالعود الى الاخيرة

١١٤

والّا لزم التّرجيح من غير مرجّح اذ تعلّقه بالكلّ تعلّق دفعىّ وليس على التّدريج كما يشعر به كلام المستدلّ ومنها : انّ الاستثناء اذا عاد الى كلّ جملة فان قدر معها لزم مخالفة الاصل والّا لزم تعدد العامل على معمول واحد فى اعراب واحد وهو باطل بنصّ سيبويه عليه وهو حجّة والجواب : انّا نختار عدم الاضمار ولا نسلّم لزوم تعدد العامل على معمول واحد وانّما يلزم ذلك لو كان العامل فى المستثنى هو العامل فى المستثنى منه وهو ممنوع بل العامل فيه أداة الاستثناء كما يذهب اليه جماعة من النّحاة لنيابتها مناب استثنى وقيام معناه بها والعامل ما يتقوم به المعنى المقتضى كما انّ العامل فى المنادى هو أداة النّداء لقيامها مقام انادى سلمنا ذلك لكن لا نسلّم عدم جواز تعدد العامل على معمول واحد وقول سيبويه بالمنع معارض بنصّ الكسائى والقراء ومنها : الجملة التّالية حائلة بين الاستثناء وبين الجملة السّابقة كالسّكوت فيكون مانعة من تعلّقه بها فانّ الظّاهر من حال المتكلّم انّه لم ينتقل الى الجملة التّالية الّا بعد استكمال غرضه من السّابقة والجواب : المنع من كونها حائلة بحيث تقتضى منع تعلق اللواحق بها كيف وهو عين المتنازع فيه احتج السيّد بوجوه [الوجه] الاوّل : انّ الاستثناء تستعمل تارة بالعود الى الأخيرة والاخرى بالعود الى الجميع بلا خلاف فى وقوع الاستعمال على الوجهين وظاهر الاستعمال يقتضى الحقيقة والجواب : انّ اصالة الحقيقة انّما تفيد كون الاستعمالين على الحقيقة اما كونهما على سبيل الاشتراك وتعدد الوضع فلا لجواز ان يكون بوضع واحد كما قرّرناه [الوجه] الثاني : انّ القائل اذا قال لغيره اضرب غلمانى والق اصدقائى الّا واحدا حسن ان يستفهم هل يستثنى من الجملتين او من الجملة الأخيرة وذلك آية احتمال اللّفظ واشتراكه والجواب : امّا اولا : فبأنّ الاستفهام قد يحسن لدفع المرجوح ايضا تحصيلا للقطع او الظّن القوى بالمراد وامّا ثانيا : فبأنّ الاستثناء فى المثال المذكور لا يحتمل العود اليهما والإخراج منهما مقابل الى احدهما او اليهما والإخراج من احدهما على البدلية لظهور انّ استثناء الواحد لا يفيد اخراجه من جملتين ما لم يشتركا ولو فى بعض الأفراد وحمل المثال عليه بعيد [الوجه] الثالث : لا بدّ في الاستثناء المتعقب للجملتين من عوده اليهما او الى احدهما لامتناع ان لا يكون عائدا الى شيء منهما وقد نظرنا الى ادلّة من يخصّه بالاخيرة وادلّة من يخصّه بالجميع فلم نجد فيهما ما يوجب القطع باحدهما فوجب ان نقف ولا نقطع بالعود الى احدهما والجواب : انّ عدم دليل معتبر على احد القولين لا يوجب المصير الى الاشتراك بل الى التّوقف مع انّا قد بيّنا ما يوجب المصير الى ما اخترناه [الوجه] الرّابع : انّ الحال والظّروف اذا وقعت عقيب جملة فعلية كما لو قلت ضربت غلمانى واكرمت جيرانى واخرجت زكاتى قائما او صباحا او فى مكان كذا احتمل ان يكون العامل فيه جميع الأفعال المتقدّمة كما يحتمل الأخير وليس لنا فى ذلك ان نقطع باحد الأمرين ما لم تقم قرينة عليه فكذلك الاستثناء قياسا عليها بجامع انّ الكلّ فضلّه فى الكلام

١١٥

ياتى بها بعد تمامه والجواب : انّ اللّغة لا تثبت بالقياس كما مرّ مرارا مع انّ الفارق فى المقام موجود وهو اهونيّة التّقييد من التخصيص على انّ الحكم المدّعى فى الأصل فى محل المنع ان اريد تساوى الاحتمالات للقطع بانّ تعلقه بالأخيرة اقرب مضافا الى منع الجامع وان سلم فليس هناك ما يقتضى خصوص الاشتراك بل الأعمّ منه وممّا قلناه تتمة : فيها فائدتان الاولى تتمة : اذا تعقب الاستثناء المفردات او جمل ومفردات او تعقب غير الاستثناء من انواع التّخصيص بالمتّصل المعروفة لجمل او مفردات وامكن العود الى الجميع ففى انسحاب النّزاع المذكور اليه وعدمه وجهان وتخصيص كثير منهم لعنوان النزاع بالاستثناء المتعقب للجمل يشعر بالثانى وفي المعالم بعد ان صرّح بالاوّل قال وقد جرت عادتهم بفرض الخلاف والاحتجاج فى تعقب الاستثناء ثم يشيرون فى باقى انواع المخصّصات الى انّ الحال فيها كما فى الاستثناء وهذه الدّعوى عندى غير واضحة والتحقيق : انّ الاستثناء ان تعقّب جملا تامة او ناقصة فالظّاهر عوده الى الأخيرة كما عرفت وان تعقب مفردات لم يبعد ظهوره فى العود الى الجميع ما لم يتخلّل منها جملة فلا يرجع الى ما قبلها كما مرّ فى كلّ ذلك لمساعدة العرف عليه والتّخصيص بالبدل كما لتخصيص بالاستثناء فى جميع ما ذكر والتّخصيص بالشّرط المتعقّب للجمل صالح للعود الى الجميع وضعا الّا انّه ظاهر فى العود الى الأخيرة لما مرّ فى الاستثناء وفى المفردات تتعين عوده الى الجميع لانّه قيد للعامل المتعلّق بها ومع الاختصاص بالأخيرة لا بدّ من تقدير العامل لها ومثله التّقييد بالغاية والفرق بينهما انّ الشّرط قيد للتّكليف والغاية قيد للمكلّف به والظّاهر من التّخصيص بالصّفة عوده الى الأخيرة فى الجمل والى الجميع فى المفردات وحكم المختلفات ظاهر ممّا مرّ فصل : اذا تعقب العام ضمير يرجع الى بعض ما يتناوله فهل يقتضى ذلك تخصيصه به أو لا ذهب الى كلّ فريق وتوقف قوم وقد مثل له بقوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) الى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) فانّ (الْمُطَلَّقاتُ) يتناول البائنات والرّجعات والضّمير فى قوله (بِرَدِّهِنَ) يرجع الى الرّجعيات خاصّة اذ لا حق للزّوج فى الرّجوع الى غيرهنّ اجماعا وكذلك الضّمير فى قوله (وَبُعُولَتُهُنَ) فى اظهر الوجهين ثم الظاهر انّ النّزاع فيما اذا كان العام والضمير فى كلامين مستقلين كما يساعد عليه التّمثيل بالآية او فيه وفيما اذا كانا فى كلام واحد واستغنى العام عن عود الضمير له فى اكرم العلماء وخدامهم اذا علم اختصاص الحكم بالخدّام العدول منهم وامّا اذا كان فى كلام واحد واستدعى العام عود الضّمير اليه كما لو قيل المطلّقات ازواجهنّ احق بردّهن فلا اشكال فى تخصيص العام بتخصيص الضّمير بالبعض لبعد الأضمار وتعذّر الاستخدام ولهذا لم يحرّر النّزاع احد فى قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) مع اختصاص الحكم ببعض المطلّقات ثم الاحتمال فى مثل الآية دائر بين وجوه خمسة [الوجه] الأول : ان يخص العامّ بالبعض الّذى يختصّ به حكم الضّمير وهذا على تقدير كونه مجازا لا يوجب التّجوز فى الضّمير لانه موضوع للرّجوع

١١٦

الى مدلول المرجع حقيقة كان او مجازا [الوجه] الثاني : ان يراد بالعام العموم ويعتبر عود الضّمير الى البعض بطريق الاستخدام [الوجه] الثالث : ان يراد بالعام وبضميره العموم ويرتكب التّخصيص بطريق الاخراج فى الضّمير [الوجه] الرابع : ان يضمر لفظ البعض فيقدر يردّ بعضهنّ [الوجه] الخامس : أن يتوسع في النسبة إلى الضمير بان يراد بالعام وبضميره العموم ويعتبر اثبات الحكم للجميع فى الجملة الثّانية باعتبار ثبوته للبعض توسعا والأظهر عندى ارتكاب الاستخدام فى الضّمير وابقاء العام على عمومه وفاقا للشيخ ومتابعيه لنا على ترجيح الاستخدام فى الضّمير على بقية وجوه التّصرّف فيه ممّا عدا التّخصيص انّ الاستخدام فى المقام نوع من التخصيص لأنّ التخصيص كما يكون بالإخراج كما فى الاستثناء كذلك يكون باستثناء العام فى الخاص كما فى المقام فان الضّمير الرّاجع الى العام ظاهر فى العود الى مجموع افراده فقصره على البعض تخصيص له ولا ريب فى رجحان التّخصيص على بقية وجوه التّصرّف لتداوله وغلبته بخلاف ما عداه وليس لهذا التخصيص خصوصية من بين افراد التخصيص يوجب عدم مساواته لها فى الحكم المذكور فانّ ظهور الضّمير فى شموله لاجزاء مرجعه ليس باقوى من ظهور العام فى شموله لأفراد مفهومه وعلى ترجيحه على التّخصيص بالاخراج انّ المتبادر من التّخصيص بالمنفصل ان يكون بطريق استعمال العامّ فى الخاصّ كما انّ المتبادر من التّخصيص بالمتّصل ان يكون بطريق الاخراج وعلى ترجيح تخصيص الضّمير على تخصيص المرجع ان الدّليل الدالّ على عدم ثبوت الحكم المتعلق بالضّمير بجميع افراد مرجعه انّما يقتضى منع عموم الضمير دون المرجع فيتعين التخصيص فيه واغناء التصرّف فى المرجع عن التصرف فى الضّمير لا يوجب التكافؤ لأنّ التصرف فى موضع التّعارض ودلالة الدّليل اولى من التصرّف فى غيره اعتبارا وهو الظّاهر عرفا كما يرشد اليه التدبّر فى نظائره ومع التّنزّل فلا اقلّ من الشّك فى تحقق التّكافؤ وهو لا يكفى فى صرف ما ثبت عمومه عن العموم بل لا بدّ من ثبوت الصّارف وفى هذا نظر والمعتمد ما قرّرناه اولا والتحقيق : انّ ظهور الضّمير فى الرّجوع الى تمام مدلول المرجع كظهور الجمع المعرّف فى الدّلالة على جميع الأفراد فى كونه مستفادا ممّا اشتمل عليه من الإشارة المستدعية لتعيين ما اشير اليه عند المتكلّم الظّاهرة فى اعتبار تعيّنه عند المخاطب ايضا وانّ استعمالهما مجرّدا عن اعتبار التّعيين عند المخاطب مخالف للظّاهر دون الوضع فيتساويان فى كون تخصيص كلّ منهما مخالفا للظّاهر ولو سلم انّ الإشارة تستدعى تعين المشار اليه عند المخاطب ايضا بحسب الوضع فهما متساويان فى مخالفة الوضع فبطل ترجيح تخصيص المرجع ومنه يظهر فساد الوجه الاخير اذ ليس عدم مطابقة الضّمير للمرجع امرا زائدا على تخصيصه فصل : لا خلاف فى جواز التّخصيص بمفهوم الموافقة وفى جوازه بمفهوم المخالفة حيث ما يكون حجة قولان فذهب الاكثرون الى الجواز وهو المختار وآخرون الى المنع احتج الأولون بانّهما دليلان تعارضا وتخصيصه به طريق جمع بينهما فيتعيّن لكونه اولى من الطّرح وفيه : انّ الجمع كما يمكن بالغاء العموم

١١٧

كذلك يمكن بالغاء المفهوم فيستدعى ترجيح الأول من مرجّح والأولى ان يقال تخصيص العام اولى من الغاء المفهوم لأن الغاية يوجب التّجوز فى ما دلّ عليه وقد مرّ فى تعارض الأحوال انّ التخصيص اولى من المجاز واحتج الآخرون بأنّ المنطوق وان كان عاما فهو اقوى دلالة من المفهوم وان كان خاصا فلا يصلح المعارضة فانّ الخاص انّما يقدّم على العامّ اذا كان اقوى دلالة منه واجاب في المعالم : بمنع كون دلالة العام اقوى بالنّسبة الى مورد الخاص بل التحقيق انّ دلالة المفهوم لا تقصر غالبا فى القوه وهو كما ترى لا يلائم ما اختاره من القول بالتّخصيص ودعوى المساوات تنافى ترجيح التّخصيص وتعليل بعضهم له بانّ فى التّخصيص جمعا بين الدّليلين قد عرفت الجواب عنه والأظهر فى الجواب ان يقال دلالة الخاصّ وان كان مفهوما اقوى من دلالة العام وان كان منطوقا فيتعين بتخصيصه به ودعوى المستدل خلاف ذلك غير مسموعة فصل : لا ريب فى جواز تخصيص كلّ من الكتاب والخبر المتواتر وما فى معناه من الخبر المحفوف بقرائن العلم بنفسه وبالآخر وتخصيص خبر الواحد حيث نقول بحجّية بنفسه وبهما وتخصيص الكلّ بالاجماع القطعى والعقلى وفى جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المجرّد عن قرائن العلم على تقدير حجّيّته اقوال فاجازه جماعة ومنعه آخرون وفصّل ثالث والمختار هو الأول لنا انّهما دليلان ظاهران وقد تعارضا على وجه يمكن الجمع بينهما فكان ذلك اولى من طرح احدهما لما فيه من العمل بالدّليلين فان لم يمكن الجمع بينهما بغير طرق التّخصيص تعين والا يترجح التّخصيص نظرا الى كونه اقرب من غيره لغلبته وشيوعه ما لم يعتضد ما يخالفه بدليل خارجىّ لكنّه خارج عن محلّ البحث والتحقيق : انّا حيث اثبتنا فى محلّه انسداد باب العلم ووجوب التعويل على الطّرق الظّنية فلا ريب انّ الظّن هنا فى جانب العمل بالخبر الخاصّ دون عموم الكتاب اخذا بما هو المعروف بين اصحابنا بل كاد ان يكون اجماعا كما يظهر بالتّصفح فى مظانّه كحكمهم بحرمة كثير من المطاعم من الحيوانات وغيرها باخبار الآحاد مع دلالة عموم قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) الآية على حلية الجميع وان عمّ محل البحث الى العموم الحكمى فقد حكموا بحرمة كثير من انواع الانتفاع باخبار الآحاد مع دلالة عموم قوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) على اباحتها وعلى هذا القياس حكمهم ببطلان كثير من العقود او عدم لزومها ولو لاختلال بعض الشّرائط الثّابتة باخبار الآحاد مع دلالة عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على لزومها الى غير ذلك مما يعرف بالتّتبع فى كتب الفقه وابوابها فلا نطيل الكلام بذكر تفاصيلها وامّا ما وقع فى كلام بعض المعاصرين بانّه قلّ ما يوجد خبر لا يكون مخالفا لعام من عمومات الكتاب فلا اقلّ من مخالفته لأصل البراءة الثّابت بقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ونحوه فضعفه ظاهر لأنّ عمومات اصل البراءة انما تقتضى البراءة حيث لا دليل على التّكليف كالآية الّتى تمسك بها بناء على دلالتها على ذلك فانّ عمومها مخصّصة بالاستثناء فلا يعارضها ادلّة التكاليف بوجه وانّما هى مصاديق لمفهوم ما تخصّصت به احتج المانع بوجوه الاوّل : انّ الكتاب قطعي وخبر الواحد ظنّي والقطعى لا يعارض الظّنىّ والجواب : انّ التّعارض انّما يقع في مقام

١١٨

الدلالة وكلّ منهما ظنّى وان كان الكتاب قطعى السّند [الوجه] الثّاني : لو جاز التّخصيص به لجاز النسخ به واللّازم باطل فالملزوم مثله بيان الملازمة انّ العلّة التى تمسّكوا بها على رجحان التخصيص وهو الجمع بين الدّليلين جار بعينه فى النسخ والجواب : انّ الإجماع هو الفارق بين التّخصيص والنسخ والّا لقلنا بالجواز فيه ايضا [الوجه] الثالث : قوله تعالى (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ولا ريب ان الكتاب احسن من الخبر فينبغى اتّباعه والجواب : امّا اولا فبالنّقض بما اذا كان الخبر متواترا او مقرونا بقرائن العلم واما ثانيا فبالحلّ وهو انّ الخاص اقوى دلالة من العام فهو من هذه الجهة احسن من العامّ وان كان العامّ باعتبار آخر احسن منه ولك ان تمنع عموم الآية للمقام لعدم مساعدة السّياق عليه فصل : إذا ورد عام وخاص وتنافيا فى الظّاهر فان كان فى كلامه تعالى او فى كلام رسوله (ص) او كان احدهما فى كلامه تعالى والآخر فى كلام الرسول وفى حكم اللّفظ ما قام مقامه من الفعل والتّقرير فلا يخلو امّا ان يعلم تقارنهما او تفارقهما بالعلم بتاخر الخاصّ او تقدّمه سواء علم مع ذلك تاريخ الصّدور او لا او يجهل ذلك فهذه صور اربع [الصورة] الأولى : ان يعلم التقارن والمراد به التقارن العرفى ولا اشكال حينئذ فى وجوب حمل العام على الخاص سواء تقارنا حقيقة ولا يتصوّر الّا فى الخاصّ الفعلى او التقريرى او تقدّم العام على الخاصّ فى الذكر او تاخّر عنه بحيث لا يقدح فى التقارن العرفى نعم يشترط فى القسم الثّانى عدم حضور وقت الحاجة قبل ورود الخاصّ والّا لكان نسخا له لا محالة للبيان الآتي ولم يتعرّض احد لهذا الاستدراك ولعلّه لبعد الفرض [الصورة] الثانية : أن يعلم تأخّر الخاصّ عن العام وحينئذ فان علم ورود الخاص يعد العمل بالعلم فى مورده او بعد حضور زمانه المعيّن له وان لم يعمل به ولو ببيان زمان كان له بدل عصيانا تعين كونه ناسخا لئلّا يلزم تاخير البيان عن وقت الحاجة وذلك كما لو قال اكرم كلّ عالم او قال اكرمهم فى كلّ خميس او قال فى الصّورتين ويقوم اكرام اخوتهم مقام اكرامهم مطلقا او عند تعذر اكرامهم ثم قال لا تكرم زيدا العالم يعد اكرامه او اكرام اخيه او بعد مضىّ الوقت وان خالف عاصيا نعم يعتبر ان لا يمنع من تقديم البيان مانع فانّ التّأخير فى مثل ذلك لا يوجب النسخ وعليه ينزّل اطلاق كلماتهم فى المقام ونظائره وان علم وروده قبله تعيّن كونه مخصّصا بناء على عدم جواز النسخ حينئذ وان احتملهما بناء على جوازه والأظهر حينئذ ترجيح التخصص لغلبته وندرة النسخ سيّما ما كان منه قبل وقت العمل وكذا ان جهل وروده قبله سواء علم تاريخ العمل او لم يعلم تغليبا لجانب التخصيص لما مرّ من غلبته وشيوعه مع احتمال تقديم النسخ فيهما نظرا الى اصالة تاخر الحادث واصالة مقارنته للجزء المتأخر فلو كان تخصيصا لزم الإغراء بالجهل على تقديره ويمكن دفعه بانّه اصل مثبت ولا تعويل عليه هذا كلّه على القول بجواز تاخير البيان عن وقت الخطاب وامّا على القول بعدمه فان اجاز هذا القائل وقوع النسخ قبل حضور وقت العمل اجاز وقوع ذلك مطلقا وعلى تقدير الوقوع يتعيّن عنده ان يكون نسخا والّا منع من وقوعه قبل العمل وعلى تقدير وقوعه بعده يجعله نسخا لا غير ثم لا

١١٩

يذهب عليك انّ ما ذكرناه على هذا القول انّما يتمشّى بالنّسبة الى نفس كلامه تعالى وكلام رسول الله (ص) او ما قام مقامه من الفعل والتّقرير وامّا بالنّسبة الى الرّواية الحاكية لذلك فيمكن اختيار التخصيص مع عدم ثبوت ورود الخاصّ بعد العمل بعموم العامّ فى مورده لكونه اولى ولا ينافيه عدم نقل اقتران المخصّص لجواز ثبوته وترك الرّاوى له غفلة او لتجويزه تاخير البيان او لغير ذلك ويحتمل كونه نسخا اخذا بظاهر النقل المجرّد حملا لفعل المسلم لا سيّما الثقة على ظاهره وهو بعيد نعم لو صرّح راوى العام بعرائه عن المخصّص حصل التعارض بين نقله ونقل الآخر للمخصّص ويمكن ترجيح الثّانى لتقدّم المثبت على النّافى والأظهر الحمل على النّسخ [الصورة] الثالثة : ان يعلم تأخر العام عن الخاصّ فان علم تقدمه على زمان العمل به تعيّن ان يكون تخصيصا بناء على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل وان اخرناه او علم تأخّره عنه تعارض عموم الخاصّ باعتبار دلالته على ثبوت حكمه بحسب جميع الازمان وعموم العامّ باعتبار دلالته على ثبوت حكمه بحسب جميع الافراد والظّاهر ترجيح التخصيص على النّسخ وقيل بل يرجح النسخ وهو محكّى عن الشّيخ ومنهم من توقف لنا انّ التخصيص اقرب من النّسخ فى النّظر لغلبته وندرة النسخ بالنسبة اليه فانّ اكثر العمومات الواردة فى الشريعة مخصّصة وقلّ من الاحكام ما هى منسوخة فتعيّن الحمل عليه ولأنّ التّخصيص دفع الأمر الغير الثّابت والنّسخ رفع للأمر الثّابت فيترجّح احتماله عليه [الصورة] الرابعة : ان يجهل تقارنهما وتفارقهما على الوجه المذكور سواء علم تاريخ صدور احدهما او لم يعلم وعلى ما حققناه فى الصّور السّابقة من ترجيح التّخصيص على النّسخ ما لم يتبيّن الخلاف يترجّح هنا احتمال التّخصيص مطلقا مع احتمال ترجيح النّسخ حيث يعلم تاريخ العام ولا يعلم تاريخ الخاصّ نظرا الى اصالة تاخّره فيقارن آخر زمن العمل بالعامّ لانّ كلّا منهما حادث دون زمن ورود العام للعلم بسبقه على زمن العمل بخلاف الخاص فانّه لا علم بسبقه على زمن العمل بالعام ولو عيّن مع ذلك الزمن الّذى يقتضى العام وقوع العمل به فكان الاحتمال المذكور اظهر لكن مع معارضة ذلك باظهرية التخصيص من جهة الغلبة لا جدوى فيه يعتدّ بها غالبا اذ لا بدّ من الأخذ بالخاصّ ورفض العمل بالعام فى مورده على التقديرين وان قدر كون العامّ قطيعا من الخاص ظنيّا لأنّ اصالة التّأخّر لا يصلح حجة لاهمال الدليل مع ظن حجيته وما يقال من انّ الخاص التأخّر ان كان واردا قبل حضور وقت العمل كان مخصّصا وان كان واردا بعده كان ناسخا ويبتنى حجّيته على الثانى على ما اذا كان الخاص قطعيا او كان العام ظنّيا وبدون ذلك لا يصلح الخاصّ للنسخ فيسقط عن درجة الاعتبار وحينئذ فيدور الأمر فى الخاص بين ان يكون مخصّصا مقبولا وناسخا مرودا وفكيف يبتنى على القبول مطلقا فمدفوع بما عرفت من انّ الأمر متى دار بين التّخصيص والنسخ مرجّح التخصيص على النسخ لغلبته وشيوعه واعلم : انّه لا فرق فيما مرّ بين ان يكون كلّ من العام والخاص قولا كما هو الغالب المتداول وقد سبق التمثيل او فعلا او تقريرا او يكون احدهما من احد الآخر من احد الآخرين كما لو اجتنب (ع) الثّوب المتنجّس فى الصّلاة على وجه عرف منه عمومه لكلّ ثوب متنجس او أقرّ مجتنبا على الوجه المذكور عليه ثم اجاز الصّلاة فى المتنجّس بما دون الدّرهم او اقرّ من ترك

١٢٠