متشابه القرآن ومختلفه - المقدمة

متشابه القرآن ومختلفه - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٦٣

١

(من العلامة الشهرستانى حول هذا الكتاب)

بسم الله الرحمن الرحيم

بين ايديكم (ايها القراء الاجلاء) هذا الكتاب الموسوم (بمتشابه القرآن) تأليف حجة الدين وعلامة المسلمين رشيد الدين محمد بن شهر آشوب السروى المتوفى سنة ٥٨٣ عن مائة سنة تقريبا شيخ الطائفة الامامية من الشيعة روح الله روحه ونور ضريحه وهذا الكتاب القيم (كما ترونه) جديد الطبع حديث الوضع قديم التأليف حسن السبك والاسلوب اسمه موضوعه وموضوعه الغاية المطلوبة جدا جدا لدى العلماء فى مختلف الاعصار والامصار وربما كان هذا الكتاب الفذ هو الاول من نوعه وفى وضعه وطبعه وهو ممتاز عن سائر تفاسير القرآن الحكيم :

(اولا) بعظمة شخصية مؤلفه فى النواحى الدينية والعلمية والادبية كما يتضح لمن راجع المعاجم وطالع التراجم.

(ثانيا) بحسن اسلوبه وتبويبه وبداعة ترتيبه اذ صاغ المصنف مصنفه العلامة المتفنن على دوائر العلوم الاسلامية فوزع آى القرآن المتشابهات على ذاك النسق مبتدئا من ابواب التوحيد وصفات الله فأبواب العدل والتنزيه الى ابواب الامامة فالمعاد يوم القيامة ثم ابواب الفقه والتشريع حسب كتبه المعروفة وفصولها المتعاقبة واحكام فقه القرآن المتناسبة ثم الفنون الادبية والعربية وهذا الوضع البديع نادر غير مسبوق يعين الطالب فى تسهيل تناول المطالب فوق فوائدها الاخرى.

(ثالثا) حسن اسلوبه وسبكه البديع فى انتقاء المعانى المهمة وانتخاب المطالب الفذة والشعر الجيد والنقل الصحيح والنقد النزيه

(رابعا) فصاحة لفظ تعانق بلاغة المعنى بايجاز واختصار جعلتا (بالاضافة الى ما سبق) هذا السفر النفيس جديرا للمصاحبة والتدريس سواء لطلبة الصفوف العالية او صنوف المدارس المتوسطة.

* (الجهة الثانية فى تفسير المحكم والمتشابه) *

يهمنا قبل اى شيىء ان نبين السر الحكيم فى وجود المتشابهات فى آيات القرآن

٢

الكريم صونا لشرفه وعظمته مما قد يتوهم منه المس لكرامته حيث قد ثبت بالاجماع والنص اشتمال آى الذكر الحكيم على محكمات ومتشابهات قال ربنا سبحانه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ). الخ ٣ : ٥ فاشارت هذه الى العلة التى اثارت فى البشر اختلاف الاراء وكل منهم يستند الى آية او لفظة فى كتاب الله مما تشابه امرها وتغامض سرها. اذن فمن اهم المناحى الدينية والعلوم القرآنية معرفة متشابه القرآن وعلاج المجمل منه بالتفصيل والتوضيح ليتبين الرشد من الغى والهدى من الضلالة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة) اجل ـ انما المحكم من الايات الذى عد ضد المتشابه هو لفظ الذى لا يختلف العرفاء فى فهم معناه ولا يتردد فى المراد منه خبراء اللسان من علماء المعانى والبيان كاية (الحمد لله رب العالمين)

وضد المحكم هو المتشابه الذى يتردد الذهن فى بيان معناه وتختلف الانظار فى ترجيح المقصود من لفظه كما فى آية (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فالعرش فيها مفسر بمعان والاستواء مردد مفهومه بين امرين :

الامر الذى قسم المسلمين الى شطرين شطر منزه لربه عن اسم الجسم وعن لوازم معانيه وشطر صار الى التجسيم وصارفى امره فالاية المتشابه اذ تشابهت فيها المعانى والمرامى قربت قرائها من تشعب الفكر فصار الذين يبتغون الفتنة وفى قلوبهم زيغ يدعون الى اهوائهم وارائهم ويتوسلون بحبائل التأويل فى الاية ومبانيها ومعانيها ولا ريب فى ان هذه عوامل التفرقة والاختلاف.

اذن يحق لكم التسائل عن الحكمة التى ادخلت مثل هذه المتشابهات فى آيات الذكر الحكيم بينما هدف القران جمع الكلمة ولم شتات الامه وهداية القرار الى الحق الذى لا ريب فيه وتنوير البصائر بالحقائق المتمحصة عن الشكوك والشبهات.

(الجهة الثالثة فى حكمة التشابه القرآنى)

اذ سمعت الاعتراض على وجود المتشابهات فى القرآن الحكيم فاسمع الدفاع

٣

القوى عن ذلك فاجاب الاقدمون عن هذا الاعتراض بما سجله علامتنا المحبوب محمد بن شهر آشوب فى اول هذا الكتاب الموسوم (بمتشابه القران) فاماط النقاب عن معنى المحكم والمتشابه ثم المع الى حكمة المتشابهات واثباتها فى الايات بيدانى ألهمت بضعة عشر وجها وجيها فى دفع هذا الاعتراض السالف ذكره ونقنع منها الان بذكر عشرة :

(احدها) ان الحكمة فى وجود المتشابهات لو لم تكن اجل وانفع من وجود المحكمات فليست بأقل فأن القران سفر هداية عامة لجميع اجيال البشر وينبوع علم خالد مادام الانسان والاكوان فأن اقتصر فيه على المحكمات الواضحة لم ينطوى الكتاب على تجدد فكرى وتطور نظرى والقرآن غض طرى فى كل عصر ومصر ليستظرفه ابناء كل جيل وقبيل وما ذلك الا بفضل متشابهاته وتشبيهاته ومجازاته واستعاراته وتفنناته وكناياته

(الوجه الثانى) لاهل العصور فى مختلف الدهور اذواق متلونة وانظار متفننة وهذا الاختلاف الطبيعى لا يستقيم مع المحكمات وانما يبقى محفوظا وملحوظا فى المتشابهات

(الوجه الثالث) ان اسرار العلوم تتجلى على اوجه التدريج حسب تدرج الحضارة وارتقاء البشر دورا فدورا وطورا فطورا وضرورى للقران الخالد ان يمشى مع البشر حسب تدرج علمه وتلون حضارته والا فإن تلكا يصطدم السير فى جيل واحد يتجدد الاذواق ونفرته طباع اهل ذاك الجيل ويسقط عن المستوى الرفيع والساقط لا يعود فان اقتصر على المحكمات فى عصر النزول عجز من ان يحافظ لنفسه المزية المطلوبة فى بقية العصور اما المتشابهات وفى وسعها المحافظة على المطلوب

(الوجه الرابع) ان العلوم التى كانت معروفة فى عصر النبوة ومصرها هى على اختلاف عظيم مع العلوم التى فى القرون الوسطى كما هى على اختلاف عظيم مع العلوم العصرية فلو كان القران يصرح بالتحرك للارض مثلا كاية المحكمة لرماه الناس فى عصر النبى (ص) ومصره بالجهالة ومناقضة الحس والعقل فلم يك يؤمن به واحدا من الناس قط كما انه لو كان مصرحا بسكون الارض على وجه محكم لا يتداخله الشك لكان اهل عصرنا ينتقضون على القران ويتهمونه بمخالفة الفن الحكيم فكان القران فى جموده على المحكم اما خاسرا لايمان اهل ذلك العصر واما خاسرا ايمان هذا العصر به بخلاف ما لو سلك سبيل الاجمال فى المتشابهات كقوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) و (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) الى غير ذلك من ايات المتشابهات تشير الى حركة الارض من طرف خفى فأن ذلك وجه متوسط يلائم ذوق العامة فى عصره كما يلائم ذوق الخاصة فى هذا

٤

العصر ويصبح كتابا محبوبا فى كافة العصور

(الوجه الخامس) ان القران معجزة الاسلام الباقية ببقاء الدهور والبشر فلا بد من اشتماله على المعجزات العلمية والاسرار الغيبية لا بناء كل جيل وقبيل فيقرئون فى خلال آياته بيان مسكونية السموات والارض (وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) الخ. فلو لم تنزل هذا الحكمة المحكمة بزى المتشابهات لصرخ المنافقون بالناس واثار والغوغاء على النبى (ص) بأنه مجنون يزعم بوجود البغال والحمير فى السموات العلى

(الوجه السادس) ان هذا القران الذى يتحدى فصحاء العرب والعجم وبلغاء الامم بأنه معجز لا يبارى لا بد وان يستكثر فى آياته المجازات والاستعارات والكنايات والمحاسن البديعية صيانة لروعة ايجازه واعجازه فتنقلب الى المتشابهات بالطبع

(الوجه السابع) ان القران كتاب اممى ومعلم عالمى له تلاميذ من كل جيل وقبيل وله قراء من كل زمان ومكان فهو مربى عقول متنوعة ومغذى اذواق مختلفة وساقى حقول متفوقة فلا بد له ان يعمد لكل صنف طعاما ولكل صف كلاما ولكل عقل علوما وغذاء ولكل حقل رواية وسقاية مراعيا خصوصيات الاتباع والطباع حسب الاوقات والتباع والامتناع فمن الضرورى له ان يدخر من شتى العلوم والمعارف وصنوف الافكار والخواطر كصيدلى فى مركز العاصمة او دائرة تموين للحكومة والامة يغلف كثيرا من العقاقير لوقت ما ويخزن كثيرا من الحبوب لشخص ما يحفظ فى العلب ادوية لمريض ما وهذا الواجب الضرورى لا يتحتم للقران الا اذا صار لفظه حمالا ذا وجوه كما وصف على ع للقران بأنه حمال ذو وجوه وهذا هو معنى المتشابه والمجمل فعلم الاجمال كما علمنا ان الاجمال جمال فى القران.

(الوجه الثامن) ان الاحاديث تواترت فى ان القران يشتمل على كثير من الايات المحتاجة الى تفاسير الامة من اهل البيت النبوى حتى يتولى كل امام يفسر آية بما يناسب عصره ومصره. اذن فالقران خالد للاجيال كالامام وهو اممى علمى عالمى وكذا الامة علماء عالميون والاسلام دين عالمى علمى اممى خالد والكل خاضع للاطوار البشرية

(الوجه التاسع) ان الامم لا بد ان تدين بالاسلام فى كل مكان وزمان ومن اى لسان وعليها ان تتعلم القران وهذا التعلم يختلف حسب اختلاف المترجمين والمفسرين ودرجات علومهم وحلومهم ومعارف اعصارهم وامصارهم ويتلون القران من جميع ذلك فرب

٥

آية محكمة عند قوم بينما هى متشابه عند آخرين وبالعكس كاية اقصى الحمل عند الحنفية والشيعة ورب آية محكمة فى عصر هى متشابهة فى عصور اخرى كاية (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) الخ فانها محكمة فى عصرنا بين ما كانت متشابهة الفا وقرونا.

(الوجه العاشر) ان الناس امام قرائة القران او استماعه طبقات ثلاث.

فالاولى هى التى تعجبها فاحته وبلاغته وحلمة اسلوبه واسرار معانيه وبديع بيانه وهؤلاء هم العرب الاقحاح الذين كانوا فى صدر الاسلام وحواليه فى حواضر الحجاز ونحوها فهؤلاء مجذوبون من تلاوة القران لا يحتاجون فى ايمانهم لاى شيىء آخر غير نفس القرآن.

الطبقة الثانية ـ اقوام يهتدون الى القران بجذباته الروحية وتجرهم اليه حبائل ادبية معنوية حسب ما شرحناه فى رسالة اعجاز القرآن.

الطبقة الثالثة ـ اقوام غير مستعدين لجذباته الروحية وتأثيراته المعنوية كما انهم محرومون ايضا مما فاز به الاوائل واقوام انطبقة الاولى فهولاء يحتاجون فى هدايتهم وجذب القرآن لهم الى وسائل اخرى غير مزايا الفصاحة واسرار البلاغة وغير دلائل اعجاز القرآن من نواحى اللفظ والسبك والاسلوب وهذا الذى دعى صاحب الوحى القرانى الى تضمينه لابناء الغيوب واسرار العلوم الخفية فى كائنات الارض وكامنات السماء وغامضات المجتمع ومبهمات التاريخ غابره وحاضره وبهذه المزايا يصير القران معجزة الدهور وحجة مقبولة لدى اكثرية البشر والطبقة المفتقرة لهذه المزايا اكثر واكثر واندماج هذه المزايا فى القران يجعله طبعا كتابا متشابها وضرورى اذن ان يكون متشابها

وهذه الوجوه العشرة اوجه مقبولة معقولة وان لم يستقنى اليها احد والحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لو لا ان هدانا الله.

(الجهة الرابعة فى شخصية المؤلف)

اذا اوضحنا عظمة القران الحكيم وسر التشابه الموجود فيه المجموع فى هذا التأليف الشريف فجدير بنا ان نشير الى عظمة المؤلف لهذا المؤلف الجليل ونقنع باليسير ونحيل الرائد للزائد الى كتب مفصلة لبيان ترجمته المطولة كشيخنا المحدث

٦

النورى المتوفى سنه ١٣٢٠ هفى خاتمة المستدرك على الوسائل والسيد باقر الخوانسارى فى روضات الجنات والفاضل السيوطى فى بغية الوعاة ومادبجته؟؟؟ يراعة الشيخ محمود البروجردى القتيل سنة ١٣٣٢ ه‍ وذلك فى ملحق كتاب المناقب تأليف صاحب الترجمة وما نمقه بحاثة العلماء الثقة المؤتمن (الشيخ محمد محسن) فى رسالته المختصة بترجمة هذا العلامة العظيم

وبالجملة ان اشتهار علامتنا المحبوب محمد بن شهر آشوب يغنى عن تصديعكم ايها القراء الاجلاء بالتوسع فى تفننه بالعربية وكثرة اطلاعه وسعة باعه فى علوم الكتاب والسنة كما يشهد على ذلك تصنيفه لهذا الكتاب الذى وضعناه بين ايديكم (متشابه القران) وكتابه الذى اسماه (اسباب النزول) وكتابه فى مناقب آل ابيطالب وسائر كتبه الاخرى ومنها تعرف سليقته فى الايجاز والاختصار وطريقته فى الاقتصاد والاقتصار

واما جلالة شأنه ومركزه لاجتماعى فى حوزة الدين والمذهب فمضمونه بالمطالعين فى تراجم العلماء له والمستجيزين منه.

وناهيك انه اشتهر بلقب (شيخ الطائفة) وهذا اللقب العالى لم يفز به غيره بعد شيخ الطائفة ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة ٤٦٠ ه‍ وهو مع ذلك معظم عزيز الجانب عند المخالفين له وعند الاجانب وقد بورك له فى عمره البالغ نحو مائة عام حافلا بجلائل الاثار حتى توفاه الله سنه ٥٨٣ ه‍ ودفن فى حلب تغمده الله برحمته ورضوانه وآواه فى فراديس جنانه.

الجهة الخامسة فى تصحيح سند الكتاب

بقى علينا ابرام القول فى سند هذا الكتاب واثبات صحته وتعزير قوته وقيمته ومنزلته.

فاقول لا ريب فى علامتنا العظيم محمد بن شهر آشوب واشتغاله بفنون العلم والمعارف القرآنية العالية وتاليفه كتابى (اسباب نزول القران) و (متشابه القران) وقد صرح بهما هو فى آخر كتابه الموسوم (معالم العلماء) عند ترجمته لحياة نفسه وتعداده لمصنفاته وفى هذا غنية القانع وكفاية المطالع اضيف الى ذلك تصريح من علماء التراجم فى تراجم العلماء فلا شبهة فى تأليفه لهذا الكتاب بهذا الاسم المستطاب وتداولت

٧

نسخه ايدى العلماء وان نسختنا المخطوطة بأقدم الخط على اعتق ورق متقابلة بنسخ قيمة فهى هذا القدر كفاية والله ولى الهداية

الجهة السادسة فى المنشور والناشر

من منن الله سبحانه علينا ان سافرت الى بلاد الهند عام سنه ١٣٣٠ ه‍ فاسفر لى سفرى عن هذا السفر النفيس وهو مخطوط بخط قريب العصر من عصر مؤلفه الجليل المتوفى سنة ٥٨٣ ه‍ بشهادة سبك الخط والحبر والورق وو فعمنى فرح لم اجد مثله (والحمد لله) وحاولت مع هذا وذاك نشره لتعميم الفائدة وخدمة اهل العلم والدين فلبى طلبى هذا اخى الموفق للخيرات من افاضل التجار الاخيار ومشاهير المحسنين الابرار الحاج حسين اقا التبريزى (الشالچيلار) ارشد الله امره وادام عزه وعمره فهئى فى عام ١٣٦٧ ه‍ لوازم النشر ومقدمات الطبع فى طهران عاصمة ايران وحصل بعد السعى البليغ نسخة مخطوطة اخرى لهذا الكتاب الفذ تعينه فى المقابلة والتصحيح فبارك الله فيه وفيمن يناصره ويوافيه وجزاه خير جزاء المحسنين

٨