مرآة الحقائق - ج ٢

إسماعيل حقّي البرسوي

مرآة الحقائق - ج ٢

المؤلف:

إسماعيل حقّي البرسوي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-344-218-7

الصفحات: ٤٤٩
الجزء ١ الجزء ٢

الإلحاد ، وسوء الاعتقاد ، فخلطوا الأمر ؛ فظنوا العبد رب العبد ، وهذا باطل في الحقيقة.

فإن الرب رب ، والعبد عبد ، وإنما التأثير من الله تعالى سواء كان في صورة العبد ، أو بلا واسطة ؛ فإن كل كمال فهو إنما يرجع إلى الله تعالى لا إلى العبد ، وإنما العبد مظهر ذلك ، المظهر غير الظاهر ، وإن كان حقا بحسب حاله ومقامه ، كما دلّ عليه قول بعض الأكابر : إنما الكون خيال ، وهو حق في الحقيقة ؛ كالظل فإن له وجودا حسيا ، وإن كان دون وجود ذي الظل ؛ لأنه وجود حقيقي بالنسبة إليه.

وأمّا المنتهى : فيرجع في الزيارة والدعاء إلى الحقيقة ، فيراعي المراتب ؛ فيكون في الدعاء ، والزيارة فائدة له ، وقوة لدينه ، وزيادة وبركة لعمره ودنياه ، ولأجل الصعوبة في زيارة قبور الأولياء ، وتردّد مجالسهم ومحاضرهم على وجه السنة ، والحقيقة أكبّ علماء الظاهر على تنفير الناس من الزيارة ؛ لكن الله تعالى قال : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ، فالوجه الفرق بين الموحّد ، والمشرك ، والعارف ، والجاهل (١).

__________________

(١) قال الشيخ حسن العدوي : اعلم أن حكم الزيارة الأصل فيه الندب وذلك للرجال ، ويحرّم للشواب من النساء ، ويجوز للقواعد اللاتي لا أرب للرجال فيهن.

قال الأستاذ الشيخ عبد الباقي على خليل : وأخذ بعضهم اختصاص الزيارة بالرجال دون النساء من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» بناء على الأصح عند الفقهاء والأصوليين من عدم دخولهن في خطابهم قال : انتهى.

قال : والأحسن الاستدلال على منعهن بخبر : «ارجعن مأزوات غير مأجورات» ، قال : وهذا في الزمن القديم فكيف بهذا الزمن كما في المدخل انتهى.

لكن قال العلّامة الأمير : قوله : والأحسن .. إلخ فيه أن هذا الحديث في خروجهن خلف الميت ، وقد قيل أنه منسوخ خاص بأول الزمن من حيث كن يخرجن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى انتهى.

قال في المواهب اللدنية : قد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور كما حكاه النووي قال :

وأوجبها الظاهرية ، قال : ومحل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال ، وفي النساء خلاف الأظهر في مذهب الشافعي الكراهة انتهى.

٢٠١

__________________

ـ فعليك بما سمعته من التفصيل ، ويؤيده رواية الإمام البخاري عن أبي يعلى قال : «خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جنازة ، فرأى نسوة فقال : أتحملنه؟ قلن : لا ، قال : أتدفنه؟ قلن : لا ، قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات».

قال شارحه القسطلاني : واستفهامه عليه‌السلام منهن إنكاري وتوبيخ على خروجهن انتهى.

وأما زيارتهن للقبور فمستحبة لغير الشواب منهن ، ما لم يلزم على ذلك اجتماع على القبر لتعديد أو نوح وإلا حرّم.

ويدل لذلك ما أخرجه الإمام البخاري قال : «مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ، قالت : إليك عني فإنك لم تصب مصيبتي ، ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتت باب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك يا رسول الله ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى».

قال الإمام القسطلاني : زاد في رواية يحيى : «فسمع منها ما يكره» قال : أي من نوح أو غيره على القبر ، وزاد في رواية مسلم : «قيل لها : هل تعرفينه؟ قالت : لا ، فقيل لها : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذها مثل الموت من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ، قال : وإنما اشتبه عليها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى كعادة الملوك والكبراء انتهى.

فأنت تراه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما أمرها بالتصبّر والاحتساب ، ونهاها عن البكاء ، ولم ينهها عن الزيارة.

وقال العلّامة المذكور : يندب لهن زيارة قبور الأنبياء والأولياء لرجاء الخير والبركة انتهى.

قلت : والأظهر تقييد هذا بغير الشواب اللاتي يخشين من خروجهن الفتنة ، ويدل لهذا التقييد قول العلّامة المذكور في شرحه على البخاري : أن ما ورد من الأمر بالزيارة محمول على الندب بالنسبة للرجال ، وأما الشواب من النساء فالظاهر الحرمة.

قال : وعليه يحمل حديث الإمام الترمذي : «لعن الله زوّارات القبور».

قال : وقال القرطبي : يحتمل أن الحرمة منصبة على الكثرة أخذا من قوله : زوارات للمبالغة ، وحمل بعض الشّراح ذلك على زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن.

قال الشارح القسطلاني المذكور : ولو قيل بالحرمة في حقهن في هذا الزمان لا سيما نساء مصر لما في خروجهن من الفساد لم يبعد انتهى.

وقوله : البكاء : أي برفع صوت ، وأما مجرد حزن وسيلان دمع فلا كراهة ولا منع ؛ لما ذكره الإمام القسطلاني عن الإمام الترمذي : «دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عثمان بن مظعون وهو ميت فأكبّ وقبّله وبكى حتى سالت دموعه على وجنتيه».

٢٠٢

__________________

ـ وفي رواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم ، وإن الميت يعذّب ببكاء أهله عليه : أي إن أوصاهم بذلك» انتهى.

قال الإمام القرطبي : قال العلماء : ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور لا سيما إن كانت قاسية ، وذلك لما فيه من مزيد الاعتبار والتأمل فيما صار إليه أمرهم.

قال في كنز الأسرار : وما زال على ذلك أهل الفضل واليقين.

وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن زيارة القبور ثم نسخ النهي ، وأمر بعد ذلك بالزيارة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنها تزهدكم في الدنيا وتذكركم الآخرة».

وفي رواية للطبراني في التفسير عن زيد بن ثابت : «زوروا القبور ولا تقولوا هجرا : أي قولا باطلا» ، وكلاما لا يعني بل المقصود الاشتغال بالاعتبار والتأمل والتدبر في أحوال الآخرة ، ولا ينبغي الاشتغال بغير ذلك من أكل وخلافه ، كالضحك مما ينافي التدبر المطلوب.

وفي الحديث قال العلّامة الأجهوري : روي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى المقبرة وقال : السّلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، فنسأل الله لنا ولكم العافية».

قال : وعن ابن عبد البر بسند صحيح : «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه‌السلام».

وورد أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار قبر أمه وقبر عثمان بن مظعون.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبور المدينة فأقبل عليها وقال : السّلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» انتهى.

وفي الشيخ عبد الباقي : وأخرج بن أبي شيبة عن الحسن قال : من دخل المقابر فقال : اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا ، وهي بك مؤمنة ، أدخل عليها روحا منك وسلاما مني ، استغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم» ، وأخرجه ابن أبي الدنيا بلفظ : «كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات» انتهى.

قال : وظاهر الأول استغفار من لم يدخل مقبرته أيضا ، وظاهر الثاني العموم في عددهم أيضا.

قال العلّامة الأمير : قوله : ابن أبي شيبة هو من مشايخ البخاري ، وقوله : روحا منك بفتح الراء : أي رحمة ، قال تعالى : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)[الواقعة : ٨٩] انتهى.

٢٠٣

__________________

ـ وفي الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» ، وفي رواية : «من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة».

ومعنى وجوب الشفاعة للزائر ثبوت شفاعة خاصة منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لذلك الزائر لا دخوله في العموم ، وهذا يستلزم البشرى بالموت على الإيمان ، ولا يخفى ما في الإضافة من تمام التشريف ، فإن الشفاعة تعظم بشرف الشافع.

وفي رواية للبيهقي : «من مات في أحد الحرمين بعث مع الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة» ، ويجب على الزائر تمام الأدب عند قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه حيّ يشاهده.

قال العلّامة السبكي : حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ، يشهد لذلك صلاتهم في قبورهم ، فإن الصلاة تستدعي جسدا حيّا ، وكذلك الصفات المذكورة للأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ، ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج للطعام والشراب ، وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى انتهى.

وظاهر عبارة المحقق المذكور تقتضي مساواة الشهداء للأنبياء في حياتهم في البرزخ ، والذي ذكره في الجواهر أن حياة الأنبياء في البرزخ أقوى وأكمل من الشهداء ، ونصّه لا شك أن حياة الأنبياء في البرزخ أكمل من حياة الشهداء مع اعتقادنا ثبوت نحو السمع والبصر لكل ميت ، وعود الحياة له ، كما ثبت نعيم القبر في السّنة وعذابه ، وإدراكهما مشروط بالحياة لكن يكفي حياة جزء يقع به الإدراك ولا يتوقف على الحياة البينة ، نعم الظاهر من الأدلة أن حياة الشهداء أقوى من حياة الأولياء ، وإذا علمت ذلك فيجب عليك حينئذ أن تكون في غاية الأدب عند زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خافضا لصوتك ، وجلا حزينا على ذنوبك.

وفي الشفاء بسند جيد عن ابن حميد قال : ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين الإمام مالكا رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد ؛ فإن الله تعالى أدّب قوما فقال : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ)[الحجرات : ٢] ، ومدح قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[الحجرات : ٣] ، وذمّ قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ)[الحجرات : ٤] ، وإن حرمته ميتا كحرمته حيّا ، فاستكان لها أبو جعفر وقال : يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم استقبل وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو

٢٠٤

__________________

ـ وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى ، بل استقبل واستشفع به قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء : ٦٤] انتهى.

وقوله : (وهو وسيلة أبيك آدم) ظاهر لما صحح الحاكم عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما غفرت لي : أي ألا غفرت ، فقال : يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟

قال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، قال تعالى : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولو لا محمد ما خلقتك ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم رحمة لكافة الخلق لا سيما لأمته في حياته وبعد مماته ، كما في الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ومماتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله تعالى عليه ، وما رأيت من شرّ استغفرت الله لكم».

والذي عليه الاعتماد والتحقيق أن الأنبياء أحياء في قبورهم ، وأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسر بطاعة أمته ، وينبغي للزائر مزيد التوسل به صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إقالة ذنوبه وعثراته ، كما كان يتوسل به في حياته.

قال في المواهب اللدنية : اعلم أن زيارة قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أعظم القربات وأرجى الطاعات والسبيل إلى أعلى الدرجات ، إلى أن قال : وينبغي لمن قصد زيارة قبره الشريف أن ينوي مع ذلك زيارة مسجده الشريف والصلاة فيه ؛ لأنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها ، وهو أفضلها عند مالك إلى أن قال : وينبغي لمن أراد الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طريقه ، فإذا وقع بصره على معالم المدينة الشريفة وما تعرف به فليردد الصلاة والتسليم عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليسأل الله أن ينفعه بزيارته ويسعده بها في الدارين ، وليغتسل ويلبس النظيف من ثيابه ماشيا باكيا ، قال : ولما رأى وفد عبد القيس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألقوا أنفسهم عن رواحلهم ولم ينيخوها ، وسارعوا إليه فلم ينكر ذلك عليهم صلوات الله وسلامه عليه ، قال : ولما وقع بصري على القبر الشريف والمسجد المنيف فاضت من الفرح سوابق العبرات حتى أصابت بعض الثرى والجدران ، قال : ويستحب صلاة ركعتين قبل الزيارة.

قال : قيل : وهذا ما لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف ، وإلا استحبت الزيارة أولا.

قال في تحقيق النصرة : هو استدراك حسن ، قال : ورخص بعضهم تقديم الزيارة مطلقا.

قال : قال ابن الحاج : وكل ذلك واسع ، قال : وينبغي للزائر أن يستحضر من الخشوع ما أمكنه ، وليكن مقتصدا في سلامه بين الجهر والإسرار.

٢٠٥

__________________

ـ وفي البخاري أن عمر رضي الله عنه قال لرجلين من أهل الطائف : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فيجب الأدب معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما في حياته.

قال : وينبغي للزائر أن يتقدم إلى القبر الشريف من جهة القبلة ، وإن جاء من جهة رجلي الصاحبين فهو أبلغ في الأدب من الإتيان من جهة رأسه المكرم ، ويستدبر القبلة ويقف قبالة وجهه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقابل المسمار الفضة المضروب في الرخام الذي في الجدار.

قال شارحه الزرقاني : وهذا المسمار وقد أزيل الآن وصار بدله شباك من نحاس أصفر يقابله الزائر.

قال القسطلاني : وقد روي أن مالكا لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي : يا أبا عبد الله أستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال له مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه‌السلام إلى الله عزوجل يوم القيامة.

قال : وينبغي للزائر أن يقف عند محاذاة أربعة أذرع ، ويلازم الأدب والخشوع والتواضع ، غاضّا البصر في مقام الهيبة كما كان يفعل بين يديه في حياته ، ويستحضر علمه بوقوفه بين يديه وسماعه لسلامه كما هو في حال حياته ؛ إذ لا فرق بين موته وحياته في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ، ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم ، وذلك عنده جلي لا خفاء به.

قال : وقد روى ابن المبارك عن سعيد بن المسيب : ليس من يوم إلا ويعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعمال أمته غدوة وعشية ، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم ، فلذلك يشهد عليهم.

قال : ويمثل الزائر وجهه الكريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذهنه ، ويحضر قلبه جلال رتبته ، وعلو منزلته ، وعظيم حرمته ، وإن أكابر الصحابة ما كانوا يخاطبونه إلا كأخ السرار ؛ تعظيما لما عظم الله من شأنه.

قال : ثم يقول الزائر بحضور قلب وغض طرف وصوت وسكون جوارح وأطراف : السّلام عليك يا رسول الله ، السّلام عليك يا نبي الله ، السّلام عليك يا حبيب الله ، السّلام عليك يا خيرة الله ، السّلام عليك يا صفوة الله ، السّلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين ، السّلام عليك يا قائد الغر المحجلين ، السّلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ، السّلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين ، السّلام عليك وعلى أصحابك أجمعين ، السّلام عليك وعلى سائر الأنبياء وسائر عباد الله الصالحين ، جزاك الله أفضل ما جازى نبيّا ورسولا عن أمته ، وصلّى الله عليك كلما ذكرك الذاكرون ، وغفل عن ذكرك الغافلون ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله وأمينه ، وخيرته من خلقه ، وأشهد أنك قد بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وجاهدت في الله حق جهاده.

قال : ومن ضاق وقته عن ذلك فليقل ما تيسر منه.

٢٠٦

__________________

ـ قال : وعن نافع عن ابن عمر كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ، قال شارحها : أي فصلّى ركعتين ثم أتى القبر المقدس فقال : السّلام عليك يا رسول الله ، السّلام عليك يا أبا بكر ، السّلام عليك يا أبتاه.

قال القسطلاني : وينبغي أن يدعو ولا يتكلف السجع.

قال : وعن الحسن البصري قال : وقف حاتم الأصم على قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رب إنا زرنا قبر نبيك فلا تردنا خائبين ، فنودي : يا هذا ما أذنّا لك في زيارة قبر حبيبنا إلا وقد قبلناك ، فارجع أنت ومن معك من الزوار مغفورا لكم ، قال : وقد بلغنا أن من وقف عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلا هذه الآية : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب : ٥٦].

وقال : صلّى الله عليك يا محمد حتى يقولها سبعين مرة ، ناداه ملك : صلّى الله عليك يا فلان ، ولم تسقط له حاجة.

قال : قال الشيخ زين الدين وغيره : والأولى أن ينادي : يا رسول الله ، وإن كانت الرواية يا محمد ، فإن أوصاه أحد بإبلاغ السّلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فليقل : السّلام عليك يا رسول الله من فلان ، ثم ينتقل عن يمينه قدر ذراع ، فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه ؛ لأن رأسه بحذاء منكب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول : السّلام عليك يا خليفة سيد المرسلين ، السّلام عليك يا من أيّد الله به يوم الردة الدين ، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير ، اللهم ارض عنه وارض عنا به ، ثم ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ، السّلام عليك يا من أيّد الله به الدين ، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خير ، اللهم ارض عنه وارض عنا به.

قال الإمام المذكور : ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه سيدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد السّلام على سيدنا أبي بكر وعمر ، فيحمد الله تعالى ويمجده ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويكثر الدعاء والتضرع ، ويجدد التوبة في حضرته الكريمة ، ويسأل الله تعالى بجاهه أن يجعلها توبة نصوحا ، ويكثر من الصلاة والسّلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحضرته الشريفة حيث يسمعه ويرد عليه.

قال : وفي الشفاء للقاضي عياض قال : «رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم ، فقلت : يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال : نعم ، وأرد عليهم».

قال : ولا شك أن حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ثابتة معلومة مشتهرة ، ونبينا أفضلهم ، قال : وإذا كان كذلك فينبغي أن تكون حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكمل وأتم انتهى.

٢٠٧

__________________

ـ أسأل الله الكريم متوسلا إليه بوجاهة نبيه العظيم أن يعطف علينا هذا القلب الرحيم ، وأن يمن علينا بزيارته مع القبول والتكريم.

وفي الإمام الترمذي والنسائي وقال : حسن صحيح عن عثمان بن حنيف : «أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني ، قال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك فقال : يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد وقد شق عليّ ، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبي الرحمة ، يا سيدنا يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي ، اللهم شفّعه فيّ».

وصححه البيهقي وزاد : «فقام فأبصر».

وقد ذكر الإمام ابن حجر في «الدر المنضود» أنه ينبغي لمن وقع في شدّة أو حاجة طالبا قضاءها من ذي إمارة أن يفعل ذلك فيقضي الله حاجته.

وروى أبو سعيد السمعاني عن علي رضي الله عنه قال : قدم علينا أعرابيّ بعدما دفنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبره ، وحثى على رأسه من ترابه ، وقال : يا رسول الله ، قلت : فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله ما وعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)[النساء : ٦٤] ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر أنه قد غفر لك.

ومن ذلك المعنى ما ذكره الإمام العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء أعرابي فقال : السّلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)[النساء : ٦٤] ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر أنه قد غفر لك.

ومن ذلك المعنى ما ذكره الإمام العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء أعرابي فقال : السّلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)[النساء : ٦٤] ، وقد جئتك مستغفرا من ذنوبي متشفعا إلى ربي.

قال : ثم انصرف ، فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم فقال : «يا عتبة ألحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له».

ولا شك أن الزيارة يحصل بها السرور لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينشأ من ذلك النفع العميم للزائر ، ومما يدل لذلك ما رواه ابن عساكر بسند جيد عن أبي الدرداء في قصة بلال بن رباح ، وكان مقيما بالشام ببيت المقدس بعد وفاة رسول الله ، فرأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مناما وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني ، فبات حزينا خائفا ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فحين وصل القبر الشريف صار يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبّلهما ، فقالا له : نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، فعلا سطح المسجد

٢٠٨

__________________

ـ ووقف موقفه الذي كان يقف فيه ، فلما أن قال : (الله أكبر) ارتجت المدينة ، فلما قال : (أشهد أن لا إله إلا الله) زادت رجتها ، فلما أن قال : (أشهد أن محمدا رسول الله) خرجت العواتق من خدورهن ، وقلن : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما رأينا يوما أكثر به باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك اليوم» ، فإذا علمت ذلك أن الزيارة وصلة مع الحبيب.

وقد وقع لبعض العارفين مخاطبته له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورده عليه ، فمد يده الشريفة من الشباك فقبّلها ، والزيارة إما ماشيا أو راكبا على قدر الطاقة ، والمشي أفضل عند الاستطاعة ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من اغبرت قدماه في سبيل الله غفر له» ، والمراد بسبيل الله : مطلق طاعة ، كما ذكر الفقهاء في السعي للعيد والجمعة ، والاغبرار عادة إنما يكون بالمشي ، فهو مجاز مرسل من إطلاق المسبب على السبب ، وأما أفضلية الركوب في الحج فلفعله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإلا فقد ورد أن الملائكة تصافح ركاب الإبل وتعانق المشاة ، والله يختص برحمته من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.

خاتمة تتعلق بانتقاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لدار البقاء والتكريم ، وتشريفه بخصائص الزلفى في مشهد مشاهد الأنبياء والمرسلين ، وتحميده بالشفاعة والمقام المحمود ، وانفراده بالسؤدد في مجمع مجامع الأولين والآخرين ، وترقيه في جنات عدن أرقى مدارج السعادة ، وتعاليه في يوم المزيد أعلى معالي الحسنى وزيادة.

قال في المواهب اللدنية في فصل وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اعلم وصلني الله وإياك بحبل تأييده ، وأوصلنا بلطفه إلى مقام توفيقه وتسديده ، أن هذا الفصل مضمونه يسكب المدامع من الأجفان ، ويجلب الفجائع لإثارة الأحزان.

قال : ولما كان الموت مكروها بالطبع ؛ لما فيه من الشدة ، لم يمت نبيّ من الأنبياء حتى يخيّر ، وأول ما أعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باقتراب أجله بنزول سورة : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ١ ، ٢ ، ٣] ، فإن المراد من هذه السورة : إنك يا محمد إذا فتح الله عليك البلاد ، ودخل الناس في دينك الذي دعوتهم إليه أفواجا ، فقد اقترب أجلك فتهيأ للقائنا بالتحميد والاستغفار ، فإنه قد حصل منك مقصود ما أمرت به من أداء الرسالة والتبليغ ، وما عندنا خير لك من الدنيا ، فاستعد للنقلة إلينا ، وهذه آخر سورة نزلت عليه يوم النحر بمنى في حجة الوداع ، وعاش بعدها قيل : أحدا وثمانين يوما ، وعن ابن عباس : تسع ليال.

قال : وفي الطبراني عن ابن عباس : لما نزلت : «إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ» نعيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه ، فأخذ بأشد ما كان قط في أمر الآخرة.

٢٠٩

__________________

ـ قال : وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلس على المنبر ، قال الشارح : كان قبل وفاته بخمس ليال فقال : «إن عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء ، وبين ما عنده فاختار ما عنده» ، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال : يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، قال : أي أبو سعيد : فعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عبد خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، قال : أي أبو سعيد : فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو المخيّر ، وكان أبو بكر أعلمنا به ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ، لا تبقى في المسجد خوخة إلا سدّت إلا خوخة أبي بكر» ، رواه البخاري ومسلم.

قال الحافظ ابن رجب : وكان ابتداء مرضه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أواخر شهر صفر ، وكانت مدة مرضه ثلاثة عشر يوما في المشهور.

قال : وأول مرضه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان صداع الرأس ، قال : والظاهر أنه كان مع حمّى ، فإن الحمّى اشتدّت به في مرضه ، فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن يتبرد بذلك.

وفي البخاري قالت عائشة رضي الله عنها : «لما دخل بيتي واشتد وجعه قال : أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس ، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم طفقنا عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن».

قال : ولعل الحكمة في هذا العدد أن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر يدل عليه رواية عروة عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما أزال أجد ألم اطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم» ، والأبهر : عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه ، ولذلك كان ابن مسعود وغيره من أكابر الصحب يرون أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات شهيدا من السمّ ، فعلم من ذلك أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشتد عليه مرض الموت من وجوه ثلاثة : صداع ، وحمّى ، وأثر السم السابق ، ولعل الحكمة في ذلك زيادة الكمال والدرجات يدل له حديث البخاري عن عبد الله قال : «دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يوعك ، فقلت : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا ، قال : أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ، قلت : ذلك أن لك أجرين ، قال : أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفّر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» ، والوعك بفتح الواو وسكون العين : ألم الحمّى وقيل : الحمّى.

وقال أبو هريرة : ما من وجع يصيبني أحب إليّ من الحمّى ؛ إنها تدخل في كل مفصل من ابن آدم ، وإن الله يعطي كل مفصل قسطا من الأجر.

٢١٠

__________________

ـ وفي رواية الحاكم من حديث فاطمة بنت اليمان قالت : «أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نساء تعوده ، فإذا سقاء يقطر عليه من شدة الحمّى ، فقال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم».

ويروى أنه كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنده في مرضه سبعة دنانير ، فكان يأمرهم بالصدقة بها ، ثم يغمى عليه فيشتغلون بوجعه ، فدعا بها فوضعها في كفه ، وقال : «ما ظنّ محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه ، ثم تصدّق بها كلها» ، رواه البيهقي.

قال القسطلاني : انظرا إذا كان هذا سيد المرسلين ، وحبيب رب العالمين ، المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف حال من لقي الله وعنده دماء المسلمين وأموالهم المحرمة ، وما ظنه بربه تعالى.

وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء فبكت ، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت ، فسألناها عن ذلك فقالت : سارني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت.

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أيضا قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة ، وكانت إذا دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام إليها وقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها فعلت ذلك ، فلما مرض دخلت عليه فأكبّت عليه فقبلته.

واتفقت الروايتان على أن الذي سارها به أولا فبكت هو إعلامه إياها بأنه ميت من مرضه ذلك ، واختلفتا فيما سارها به فضحكت ، ففي رواية عروة : أنه إخباره إياها بأنها أول أهله لحوقا به ، وفي رواية مسروق : أنه إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة ، وجعل كونها أول أهله لحوقا به مضموما إلى الأول : أي الذي سارها به أولا وهو إخباره صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياها بأنه ميت من مرضه.

قال : وهو الراجح ، فإن حديث مسروق يشتمل على زيادات ليست في حديث عروة ، وهو من الثقات الضابطين ، فمما زاده مسروق قول عائشة رضي الله عنها فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عن ذلك ، فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألتها فقالت : أسرّ إليّ أن جبريل عليه‌السلام كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة ، وأنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي.

قال : وفي رواية للطبراني عن عائشة رضي الله عنها أنه قال لفاطمة : إن جبريل عليه‌السلام أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المؤمنين أعظم رزية منك ، فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا.

قال : وفي الحديث إخبارها صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما سيقع فوقع كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنهم اتفقوا على أن فاطمة رضي الله عنها كانت أول من مات من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعده حتى من أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢١١

__________________

ـ قال : ولما اشتدّ به وجعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس ، فقالت له عائشة : يا رسول الله ، إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء ، قال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس ، فعاودته مثل مقالتها ، فقال : إنكن صواحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» ، رواه الشيخان.

قال : و (صواحبات) جمع صاحبة ، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ، فإن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها لكونه لا يسمع الناس القراءة لبكائه ، ومرادها زيادة على ذلك ، وهو ألا يتشاءم الناس به ، وقد صرّحت هي بذلك كما عند وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : «لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا».

وفي البخاري قال : «مرّ أبو بكر والعباس بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون ، فقال : ما يبكيكم؟ فقالوا : ذكرنا مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منا ، فدخل أحدهما على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بذلك ، فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد ، فصعد المنبر ولم يصعد بعد ذلك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي ، وقد قضوا الذي عليهم ، وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئتهم».

وقوله : (كرشي وعيبتي) قال الشارح : بفتح الكاف وكسر الراء والشين المعجمة ، وعيبتي بفتح العين وفتح الموحدة ، أراد بطانته : أي موضع سرّه وأمانته.

قال : وفي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت : «أغمى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورأسه في حجري ، فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء ، فلما أفاق قال : أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل».

قال : وظاهره أن الرفيق : المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين.

قال ابن الأثير في النهاية : الرفيق : جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين.

وقيل : المراد به الله تعالى رفيق بعباده ، وقيل : حظيرة القدس.

قال : «ولما احتضر صلى‌الله‌عليه‌وسلم اشتدّ به الأمر ، قالت عائشة : ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : وكان عنده قدح من ماء ، فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ويقول : اللهم أعني على سكرات الموت».

وفي رواية : «فجعل يقول : لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات».

٢١٢

__________________

ـ قال بعض العلماء : إن ذلك لشدة الآلام والأوجاع ؛ لرفعة منزلته ، وقيل : طربا وفرحا بلقاء ربه ، ألا ترى إلى قول بلال حين قال له أهله وهو في السياق : واحزناه ، ففتح عينيه وقال : واطرباه ، غدا ألقى الأحبّة محمدا وصحبه ، فما بالك بلقاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه تعالى ، فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ، وهذا موضع تقصر العبارة عن وصف بعضه ، ويؤيد الأول رواية الإمام البخاري بقوله : «ولما تغشاه الكرب قالت فاطمة رضي الله عنها : واكرب أبتاه ، فقال لها : لا كرب على أبيك بعد اليوم» انتهى.

قال الخطابي : والمراد بالكرب ما كان يجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم من شدة الموت ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يصيب جسده من الآلام كالبشر ليتضاعف له الأجر انتهى.

وفي البخاري من حديث أنس بن مالك : أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين ، وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم ، لم يفاجئهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ، ثم تبسم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة ، قال أنس : وهم المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأشار إليهم بيده صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.

وفي رواية عند البخاري في الصلاة فتوفي من يومه ذلك ، وفي رواية البخاري أيضا عن أنس : «أنه لم يخرج إلينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا ، فأقيمت الصلاة ، فذهب أبو بكر يتقدم ، فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجاب فرفعه ، فلما وضح له وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما نظرنا منظرا قط كان أعجب إلينا من وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وضح لنا ، قال : فأومأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى الحجاب».

ورواه مسلم أيضا قال : وقد جزم موسى بن عقبة عن ابن شهاب بأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات حين زاغت الشمس.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال : «لما بقي من أجل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث ، نزل جبريل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن الله قد أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك ، وخاصة لك ، ليسألك عمّا هو أعلم به منك ، يقول : كيف تجدك؟ قال : أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا ، ثم أتاه في اليوم الثاني ، فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه في اليوم الثالث ، فقال له مثل ذلك ، ثم استأذن فيه ملك الموت ، قال الشارح : أي في اليوم الثالث ، وجبريل عنده في الدخول فقال جبريل : يا أحمد هذا ملك الموت ، يستأذن عليك ، ولم يستأذن على نبيّ قبلك ، ولا يستأذن على نبيّ بعدك ، قال : ائذن له ، فدخل ملك الموت فوقف بين يديه فقال : يا رسول الله ، إن الله عزوجل أرسلني إليك ، وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمر ، إن أمرتني أن أقبض روحك قبضتها ، وإن أمرتني أن أتركها تركتها ، فقال جبريل : يا محمد ، إن الله قد اشتاق إلى لقائك ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فامض يا ملك الموت لما أمرت به ، فقال

٢١٣

__________________

ـ جبريل : يا رسول الله ، هذا آخر موطئي من الأرض ، إنما كنت حاجتي من الدنيا ، فقبض روحه» انتهى.

فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاء من التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت : «السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، كل نفس ذائقة الموت ، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ، إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإنما المصاب من حرّم الثواب ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال علي رضي الله عنه : أتدرون من هذا؟ هو الخضر عليه‌السلام» ، رواه البيهقي في دلائل النبوة ، وذكره الإمام الغزالي في الإحياء عن ابن عمرو ، رواه ابن أبي الدنيا عن أنس ، ورواه الحاكم في المستدرك.

قال البيهقي : وقوله في الحديث السابق : «إن الله اشتاق إلى لقائك».

معناه : قد أراد لقائك بأن يردك من دنياك إلى معادك ، زيادة في قربك وكرامتك.

قال : ولما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أبو بكر غائبا بالسنح ، يعني العالية عند زوجته بنت خارجة ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أذن له في الذهاب إليها ، فسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيفه وتوعد من يقول مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان يقول : إنما أرسل إليه كما أرسل موسى عليه‌السلام ، فلبث عن قومه أربعين ليلة ، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم ، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح حين بلغه الخبر إلى بيت عائشة رضي الله عنها ، فدخل فكشف عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجثي يقبّله ويبكي ، ويقول : توفي والذي نفسي بيده ، صلوات الله عليك يا رسول الله ، ما أطيبك حيّا وميتا.

وفي حديث ابن عباس عند البخاري : «أن أبا بكر رضي الله عنه خرج وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يكلم الناس ، فقال : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أما بعد ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت» ، قال الله عزوجل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران : ١٤٤].

قال : والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها الناس منه كلهم ، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.

وفي حديث ابن عمر : «أن أبا بكر رضي الله عنه مرّ بعمر وهو يقول : ما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين ، قال : وكانوا أظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم ، فقال : يا أيها الرجل إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد مات ، ألم تسمع الله تعالى يقول : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[الزمر : ٣٠] ، وقوله : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)[الأنبياء : ٣٤] ، ثم أتى المنبر.

٢١٤

__________________

ـ قال القرطبي الإمام المفسر : وفي هذا أدل دليل على شجاعة الصديق ؛ فإن الشجاعة حدها ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فظهرت عنده شجاعته وعلمه حين قال الناس : لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واضطرب الأمر ، فكشف الصدّيق بهذه الآية ما نزل بهم ، ولما صعد على المنبر تشهد وصلّى على نبيه ثم قال : أما بعد إلى أن قال : ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يدبرنا : أي يكون آخرنا موتا ، أو كما قال : فاختار الله عزوجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله ، فخذوا به تهتدوا لما هدي له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال الإمام ابن المنير : لما مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم طاشت العقول ، فمنهم من خبل ، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام ، ومنهم من أخرس فلم يطق الكلام ، وكان عمر ممن خبل ، وعثمان من أخرس ، وعلي ممن أقعد ، وكان أثبتهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، جاء وعيناه منهملاتان ، وزفراته تردد ، وغصصه تتصاعد وترتفع ، فدخل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأكبّ عليه وكشف الثوب عن وجهه وقال : طبت حيّا وميتا ، انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء قبلك.

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها : «إن أبا بكر دخل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاته فوضع فاه بين عينيه ، ووضع يده على صدغيه ، وقال : وانبياه ، واصفياه ، واخليلاه.

قال : وقالت فاطمة عند وفاته : يا أبتاه ، أجاب ربّا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه من إلي جبريل ننعاه».

قال الحافظ بن حجر : الصواب : «من إلي جبريل نعاه».

قال : وقد عاشت فاطمة رضي الله عنها بعده ستة أشهر ، فما ضحكت تلك المدة ، وحق لها ذلك.

قال : وأخرج أبو نعيم عن علي رضي الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد ملك الموت باكيا إلى السماء ، والذي بعثه بالحق لقد سمعت صوتا من السماء ينادي : وامحمداه ، قال : وكان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحه ويقول : يا عبد الله اتق الله ، فإن في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسوة حسنة.

وروي أن بلالا لما كان يؤذن بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبل دفنه ، فإذا قال : (أشهد أن محمدا رسول الله) ارتجّ المسجد بالبكاء والنحيب ، فلما دفن ترك بلال الأذان.

قال : وقد كانت وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين بلا خلاف ، وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتدّ الضّحى ، ودفن يوم الثلاثاء ، وقيل : ليلة الأربعاء ، وهو الذي عليه الجمهور ، وقيل غير ذلك.

٢١٥

__________________

ـ قال : والذي تولى غسله علي والعباس ، وابنه الفضل يعينانه ، وقثم وأسامة وشقران مولاه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصبون الماء ، وأعينهم معصوبة من وراء الستر ؛ لحديث علي رضي الله عنه : «لا يغسّلني إلا أنت ، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه» ، رواه البزار والبيهقي.

وفي رواية للبيهقي : «غسّل علي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان يقول وهو يغسّله : بأبي أنت وأمي طبت حيّا وميتا».

وفي رواية ابن سعد : «وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قط».

قال الإمام القسطلاني : قيل : جعل علي على يده خرقة ، وأدخلها تحت القميص ثم اعتصر قميصه ، وحنطوا مساجده ومفاصله ، ووضئوا منه ذراعيه ووجهه وكفيه وقدميه ، وجمروه عودا وندا.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : «كفّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض ، ليس فيها قميص ولا عمامة» ، وقوله : (سحولية) بفتح السين نسبة إلى سحول : قرية من اليمن ، وقوله : ليس فيها قميص ولا عمامة : أي ليس في الكفن ذلك أصلا ، وقيل : معناه في ثلاثة أثواب ما عدا القميص والعمامة ، فيكون كفّن في خمسة.

قال النووي مرجحا للأول في شرح مسلم : والصواب أن القميص الذي غسّل فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزع عنه بعد تكفينه.

قال : لأنه لو أبقى مع رطوبته لأفسد الأكفان.

قال : وأما رواية : «كفّن في ثلاثة أثواب وقميصه الذي توفي فيه» فحديث ضعيف.

وفي حديث ابن عباس : «لما فرغوا من جهازه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الثلاثاء ، وضع على سريره في بيته ، ثم دخل الناس عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إرسالا يصلون عليه ، حتى إذا فرغوا دخل النساء ، حتى إذا فرغن دخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد لا يستطيع جواد بعد غايتهم» انتهى.

قال الشارح الزرقاني : أخرج الترمذي : «إن الناس قالوا لأبي بكر رضي الله عنه : أنصلي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

قال : نعم ، قالوا : وكيف نصلي؟ قال : يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ، ثم يدخل قوم فيصلون فيكبرون ويدعون فرادى».

قال : قال عياض في شرح مسلم : الذي عليه الجمهور أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت صلاة حقيقية لا مجرد الدعاء فقط ، وما احتج به الأقلون من أن المقصود من الصلاة عليه عود التشريف على المسلمين ، يرده أن الكامل يقبل زيادة التكميل.

قال : نعم لا خلاف أنه لم يؤمهم أحد عليه لقول علي رضي الله عنه : «هو إمامكم حيّا وميتا» فلا يقوم عليه أحد انتهى.

٢١٦

__________________

ـ قال الإمام القسطلاني : وفي رواية : «إن أول من صلّى عليه الملائكة أفواجا ، ثم أهل بيته ، ثم الناس فوجا فوجا ، ثم نسائه آخرا».

قال : وروي أنه لما صلّى أهل بيته ، قال الشارح : أي أرادوا الصلاة ، فلم يدر الناس ما يقولون ، فسألوا ابن مسعود ، فأمرهم أن يسألوا عليّا ، فقال لهم : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب : ٥٦] ، لبيك اللهم ربنا وسعديك صلاة البر الرحيم ، والملائكة المقربين ، والنبيين والصديقين ، والشهداء والصالحين ، وما سبّح لك من شيء يا رب العالمين ، على سيدنا محمد بن عبد الله خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، الشاهد البشير ، الداعي إليك بإذنك ، السراج المنير.

قال : ذكره في كتاب تحقيق النصرة ، قال الشارح الزرقاني : ولعل حكمة الأمر بهذه الآية تذكيرهم بالصلاة والسّلام عليه في هذا الموطن ، لبيك اللهم ربنا إجابة لك بعد إجابة فيما أمرتنا به من الصلاة والتسليم عليه ، وسعديك : أي إسعادا بعد إسعاد ، ثم بعد الصلاة اختلفوا في موضع دفنه فقال قوم : في البقيع ، وقال آخرون : في المسجد ، وقال قوم : يحمل إلى أبيه إبراهيم ، حتى قال العالم الأكبر صدّيق الأمة : سمعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما دفن نبي إلا حيث يموت» ، كما في رواية الترمذي : «ما قبض الله نبيّا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ، ادفنوه في موضع فراشه» ، وفي رواية : «لا يدفن إلا حيث تقبض روحه» ، فقال علي : وأنا أيضا سمعته ، فحفر أبو طلحة لحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في موضع فراشه حيث قبض.

وقد اختلف فيمن أدخله قبره :

قال : وأصح ما روي أنه نزل في قبره عمه العباس ، وعلي ، وقثم بن العباس ، والفضل ابن العباس ، وكان آخر الناس عهدا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قثم بن العباس.

قال الشارح : أي لأنه تأخر.

قال الإمام القسطلاني : ولما دفن صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءت فاطمة رضي الله عنها فقالت : «كيف طابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التراب ، وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها.

قال في المواهب : فإن قلت : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي يوم الإثنين ودفن يوم الأربعاء : أي قبيل الفجر ، فلم أخّر دفنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال لأهل بيت كانوا قد أخّروا دفن ميتهم : «عجّلوا دفن ميتكم ولا تؤخروه».

قال : والجواب أن التأخير إما لأنهم كانوا لا يعلمون حيث يدفن ، أو لأنهم اشتغلوا في أمر الخلافة ، فنظروا فيها حتى استقر الأمر فيها لصدّيق الأمة ، فبايعه أول يوم طائفة من المهاجرين والأنصار ، ثم بايعه الجميع بالغد بيعة أخرى على ملإ منهم ، وكشف الله للصدّيق الكربة من أهل الردة وغيرهم بعد المبايعة ، ثم رجعوا بعد ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظروا في دفنه ، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه.

٢١٧

٥٥ ـ في الصحيح قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (١) :

اعلم أن تخصيص المسلم بالذكر حيث لم يقل : المؤمن ... إلخ ؛ إنما هو لأجل ذكر اللسان واليد ، فإن الإسلام هو الانقياد والظاهر كما أن اللسان واليد من الأعضاء الظاهرة ؛ فمن له إسلام ظاهر ؛ يجب عليه أن يكون بحيث يسلم ظاهر الخلق من أعضائه الظاهرة كلها.

__________________

ـ قال أنس : ما رأيت يوما كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : وفي رواية للترمذي : «لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة أضاء منها كل شيء» ، قال الشارح : أي بسبب حلوله فيها.

ورواية البخاري : «ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» انتهى.

قال الترمذي : فلما كان اليوم مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا أيدينا من التراب ، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.

قال : ومن آياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد موته ما ذكر من حزن حماره عليه ، يعني يعفور حتى تردى في بئر ، وكذا ناقته فإنها لم تأكل ولم تشرب حتى ماتت.

قال : وفي حديث أبي موسى في رواية مسلم عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله إذا أراد بأمّة خيرا قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمة عذّبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر ، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره».

وإنما كان قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أمته خيرا ؛ لأنهم إذا قبضوا قبله انقطعت أعمالهم ، وإذا أراد الله بهم خيرا جعل خيرهم مستمرا ببقائهم محافظين على ما أمروا به من العبادات وحسن المعاملات ، نسلا بعد نسل ، وعقبا بعد عقب.

قال : ولمّا قبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة.

قال : إذا كان عرش الرحمن قد اهتزّ لموت بعض أتباعه فرحا واستبشارا لقدوم روحه ، فكيف بقدوم روح الأرواح ، أسأل الله العظيم متوسلا إليه بهذا النبي الكريم وبنور وجهه الذي ملأ أركان عرشه ، أن يزرع في قلوبنا معرفته ومحبته ، وأن يجعل أرواحنا سابحات في عالم الملكوت مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا.

وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم ، كلما ذكره الذاكرون ، وغفل عن ذكره الغافلون.

(١) رواه البخاري (١ / ١٣) ، ومسلم (١ / ٦٥).

٢١٨

فإن اللسان واليد عبارة عن الأعضاء كلها ، وإنما خصّا بالذكر ؛ لأن الأقوال كلها تصدر من اللسان ، وأكثر الأفعال من اليد ، وقوله في بعض الحديث «إنما هي حصائد ألسنتكم (١)» ؛ يشير إلى عظم جرائم اللسان ؛ فكأنها كل الجرائم ، وإنها لا تصدر إلا منه.

وإنما حملنا الإسلام على الانقياد والظاهر ؛ لأنه هو الموافق لما ذكره أهل اللغة ، ولما جاء في القرآن من قوله : (وَظِلالُهُمْ) [الرعد : ١٥].

وقوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ ..) الآية [آل عمران : ٨٣].

فإن سجدة الظلال إنما هي سجدة الكره لا سجدة الطوع ، فإن سجدة الطوع إنما تكون بالإيمان ، وليس للكفار ذلك ، وجاء في حق الحق تعالى الاسم السّلام دون المسلم ، وإن كان المعنى صحيحا لقول أبي طالب في شأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أطوعك ربك يا محمد؟ يعني : إنه ينقاد لك ، ويطيعك فيما تقصده من الأمور الظاهرة.

بخلاف المؤمن فإنه من أسماء الحسنى ، فكان المؤمن أقوى من المسلم ؛ لأن كل انقياد باطن يستلزم الانقياد الظاهر دون العكس ؛ ولذا قلّ المؤمنون بين المسلمين ؛ لأن المؤمن هو الذي آمن الناس من قلبه ولسانه ويده جميعا ، فالمؤمن الحقيقي لا يقصد السوء لأحد ، ولا يتعرّض له بشيء من المكروه إلا بحق الشرع وحده.

وممن قام بهذا المقام حضرة الشيخ : محيي الدين العربي قدس‌سره فإنه كان في أوائل حاله بحيث تركض دابته في الصحاري ، ويمسّ رأس سنانه بعض الوحش الراعية في المرعى ، وهو لا يرفع رأسه أصلا ؛ لأنه يعلم بحسب فطرته : إن الشيخ آمنه من قلبه.

وحال القلب يؤثّر في القالب ، فيكون القالب سالما من الأذى ، وصاحبه أمنا في نفسه ، ولا يصل العبد إلى مرتبة التسخير إلا بمثل هذا الوصف ، فأنّى يكون مؤمنا من يخيف ، وشر الناس من تبقّى الناس من شره ، فكان من شأنه أن يبتليه الله بالفزع الأكبر يوم القيامة ؛ لأن من لم يخف الله ، وأخال عباده أيضا ؛ جوزي بمثل عمله ، فإن

__________________

(١) رواه الترمذي (٥ / ١١) ، والنسائي (٦ / ٤٢٨) بنحوه.

٢١٩

الجزاء من جنس العمل ، ثم من شأنه المؤمن الحقيقي أن يجعل المؤمن آمنا من تصرّفه القلبي ، وتوجهه الروحاني ، كما آمنه من لسانه ويده ، فإن الأذى ، والجرح ، والقتل كما تكون بالتصرّف مطلقا ؛ فإنه في التأثير ؛ كالسحر ، ولا شك أن السحر ممنوع منهي ، وكذا ما في حكمه.

فويل لمن تشبّه بالساحر في عمله ، فعمل بظاهره ، وقوّاه في ظاهر الخلق وباطنه حتى يمرضهم ، أو يقتلهم.

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والجروح قصاص» (١) ، ولم يهتد إلى هذا المعنى إلا الألباء ، فحافظوا على ظواهرهم وبواطنهم ، وكانوا ممن قيل فيه : سليم الصدر ؛ فإن سليم الصدر هو الذي يدخل الجنة بلا حساب ، ولا عذاب ، ويقرع بابها مع أول من يقرعه.

والقلب عند العارفين : جنة معجّلة لا بد لمن قصد دخولها من الإسلام الحقيقي المشار إليه بقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩].

ومن الإيمان الحقيقي المشار إليه بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام : ٨٢].

ومن سلامة الصدر المشار إليها بقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [الأعراف : ٤٣] ، [الحجر : ٤٧].

ـ في الصحيح : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» (٢)(٣) :

__________________

(١) رواه ابن أبي عاصم في الديات (١ / ٢٧) بنحوه.

(٢) رواه أحمد (٣ / ٦٤) ، وأبو نعيم في الحلية (٩ / ٣٢٤).

(٣) قال ابن أبي جمرة معناه : تنقل تلك البقعة بعينها في الجنة فتكون روضة من رياض الجنة ويحتمل أن تكون المراد بأن العمل فيها يوجب لصاحبه روضة الجنة قال : والأظهر الجمع بين الوجهين معا بمعنى احتمال كونها تنقل إلى الجنة وكون العمل فيها يوجب لصاحبة روضة في الجنة.

قال : ولكل وجه منهما دليل يعضده ويقويه من جهة النظر والقياس ، أما الدليل على أن العلم فيها يوجب لصاحبة روضة في الجنة فلأنه إذا كانت الصلاة في مسجده عليه الصلاة والسّلام بألف

٢٢٠