مرآة الحقائق - ج ١

إسماعيل حقّي البرسوي

مرآة الحقائق - ج ١

المؤلف:

إسماعيل حقّي البرسوي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-344-218-7

الصفحات: ٤٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

في سورة النمل

قال الله سبحانه : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) [النمل : ٥٧].

اعلم أن الله سبحانه قدّر الدنيا : أي قضى حصولها ووقوعها ، وعلّق ذلك بوقت معين ، فخلقها قبل الآخرة باللعنة متطاولة ، وسمّاها دنيا ؛ لدنوّها وقربها ، وسمّى الآخرة آخرة ؛ لتأخّرها عن الدنيا ، ولم يعكس ؛ لأن الآخرة ثمرة الابتلاء والتكليف ، فاقتضت الحكمة تقديم دار الابتلاء عليها ؛ لتكون من الهالكين ، وتأخير دار الثواب ؛ لتكون من الخالدين.

فحصل لنا من هذا ان كلّا من الهالك والناجي كثير ؛ لكن الهالك ؛ إنما هو الصورة ؛ كصورة السماوات السبع ، والأرضين السبع ، وصورة الإنسان الناقص بعد الموت ، وصور سائر الأشياء التي لا تحصى.

وأمّا الناجي : فهو الصورة والمعنى جميعا ؛ نحو الكرسي ، والجنة ونعيمها وأهلها ، والعرش ، والأرواح ، والقلوب ، وصور الكمّل بعد الموت ، ونحو ذلك من مواد الأشياء ، فإن الهالك صورة ناج مادة ومعنى ؛ لأن الوجود لا يفنى بالكلية ، وإلا كان التجلّي به عبثا ، كما أن المقطعات والمتشابهات ليست بمجهولة رأسا ، وإلا ما أنزل الله بها.

فقوله تعالى : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) [النمل : ٥٧].

المراة التي هي صورة الدنيا إجمالا ، كما أن آدم إجمال العالم ؛ لكن لمّا كانت الشهوات والزين من الأمور السالفة الدنيّة ؛ قيل للمرأة : صورة الدنيا بإضافة الصورة إلى الدنيا ، ولمّا كانت المعالم والشواهد من الأمور العالية الشريفة ؛ قيل أن آدم صورة العالم ؛ لأن أصل العالم علم ، ثم أدخل ألف الإشباع ؛ وهو علم لوجود الله تعالى على أن العالم أعم من الدنيا ؛ لأن الدنيا ؛ إنما هي عالم الكون والفساد الذي مبدؤه مقعر السماء السابعة ، ومنتهاه نهاية الأرضين.

وأمّا العالم : فيشمل الأجسام كلها التي حواها العرش ؛ بل الأرواح المهيمة ؛ لأنها أول علامة على وجود الله تعالى ووحدته وقدرته وإرادته ؛ لكونها أول المبدعات ، ففي التعبير بالعالم من الشريف والتعميم ما ليس في التعبير بالدنيا ،

٣٠١

وجعلت المرأة من أحسن الأشياء صورة ؛ بل نفس الدنيا ؛ لأنها بزينتها شابهت الدنيا لقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) [الكهف : ٧].

فجعل ما على الأرض زينة لنفس الأرض ؛ لكن لمّا خلق الأرض لمنافع الإنسان وابتلائه ؛ كان ما على الأرض زينة للإنسان أيضا ، ولكون الزين ومتاع الدنيا مما لا ينبغي لأهل الآخرة وأهل الله التلبّس بها قال تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) [طه : ١٣١] ، وقال تعالى : (وَزُخْرُفاً) [الزخرف : ٣٥].

وأن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ، وإنما قلنا : إن المرأة من أحسن الأشياء في الصورة ؛ لأنها من أشرف الأشياء في المعنى ، ولها العزّة والقوة التي ليست في الرجال ، وبها يغلبنّ عليهم ، فدرجة الأنوثة أقوى في المعنى ؛ لأن الرجال يطلبون الإناث بدون العكس ، والمطلوب أعزّ وأقوى من الطالب ، والملائكة المخلوقة من أنفاسهن أقوى من الملائكة المخلوقة من أنفاس الرجال.

فانظر إلى أن الانفعال قد يكون فعلا في المعنى وبالعكس ، أو أن الانفعال من وجه لا ينافي الفعل من وجه ، وكذا الفعل ، ولو لا سر الأنوثة في العالم لما نشأ شيء من المواليد ، والله الفعّال لما يريد ، والمؤثّر في العتيق الجديد.

* * *

٣٠٢

في سورة القصص

قوله عزوجل : (وَقَتَلْتَ نَفْساً) [القصص : ٤٠].

وهي النفس الحيوانية ، وبقرة الطبع ، وذلك بالرياضة والمجاهدة التي هي أشدّ من السيف الماضي الصارم.

والتنكير : يشير إلى التهويل ، فإن حقيقة النفس لا يعرفها كل أحد ، ولا يقطع عرقها كل مجتهد ؛ فهي أشدّ من الثّعبان ، ونسأل الله العفو على قتلها.

قوله تعالى : (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) [القصص : ٤٠].

: أي من غمّ حياة النفس ؛ فإن حياتها باعث الغموم ، وسبب الهموم إذ ما من تنزّل وسقوط إلا وببطشها يحصل ، وما من تلوين واضطراب إلا وبتسويلها يتمكّن ، فما دامت النفس حية ؛ فهي حية تسعى ، ولا يؤمن شرها.

وقوله عزوجل : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [القصص : ٤٠].

أي : قبل هذا ؛ لأن باحتمال الشدائد ، يحصل النجاة ، وبمقامات المحن ؛ يوجد المنحة ، ويمكن أن يحمل الفتون والاختيار على ما بعد نجاة القلب من أثر النفس والقالب ، وذلك لأن النبوة ، وكذا الولاية التي تقتضي البقاء ؛ تقتضي التبليغ الذي لا يخلو من معالجة الناس ومعاملتهم ؛ وهم هم في الركون إلى الشهوات ، والميل إلى الأمور الطبيعية ، والمعارضة بالمخالفات النفسانية ، وذلك من حكم الاسم الظاهر ، وإن صفا الباطن ، وزال الكدورة عن مرآة القلب.

والحاصل : إن الأسماء الجلالية لا ترتفع أبدا ، كالنار ، فالقالب في النار ، والخليل سالم ، فعليك بهذه المرتبة حتى تكون أكمل الناس وأسعدهم ، وعلى كل حال ، فالمحقق يأكل السّم ، والحنظل ، والعارف يأكل الحلوى.

وقد فسّره ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بقوله : وطحنّاك طحنا ، كان الإنسان الكامل كحبة القمح لا يزال يطحن تحت حجارة القهر والجلال ، وذلك من أحكام هذا الموطن.

وأمّا موطن الآخرة : فليس هنا للأكامل إلا اللطف ، والجمال قالبا وقلبا ، ظاهرا وباطنا ، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [الروم : ٦٠] فلا خلف فيه أبدا.

٣٠٣

قال الله سبحانه : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ) [القصص : ٦١].

الوعد الحسن : هو الوعد بالجنة.

والوعد الأحسن هو الوعد بالرؤية.

والموعود له من المؤمن بالإيمان الرسمي ، فهو لاقيه يوم القيامة ؛ لأنها جنة غير معجّلة ، والموعود له هو المؤمن بالإيمان الحقيقي فهو لاقيه في الدنيا ؛ لأن قيامة العارفين دائمة ، وهذا الوعد مطلقا مما يقتضيه استعداد كل من الأبرار والمقرّبين ، فلا يتخطّى أحدهم حدّ الآخر بحكم اسم العدل دون الفضل ؛ لكن فرق بين حالة وحالة.

فإن الأبرار ، وإن كانوا يرون ربهم ؛ لكن ذلك في الآخرة لا في الدنيا ، وكذا في الأسبوع مرة لا في كل لحظة ، كما هو شأن المقربين ؛ لأنه لا حجاب لهم أصلا ، كما دلّ عليه قوله : «وصنف لا يتستر الرب عنهم ، وذلك من نتائج شهودهم في الدنيا بالبصيرة».

وقوله عزوجل : (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [القصص : ٦١] ؛ هو كفار الرسوم ، وكفار الحقائق.

أمّا الأول : فبمقابلة المؤمن الرسمي فلا وعد له أصلا بل له وعيد هو النار الحسّية.

وأمّا الثاني : فبمقابلة المؤمن الحقيقي ، فليس له الوعد الأحسن بل له وعيد هو النار المعنوية وهي نار البعد والقطيعة.

فإن المحجوب في الدنيا محجوب في الآخرة ؛ إذ الكمال الأخروي تابع للكمال الدنيوي ، وكفار الحقائق أشدّ من كفار الشرائع ؛ لأن عذابهم في الروح ، وعذاب كفار الشرائع في الجسد.

والروح أشدّ تأثّرا بالنسبة إلى الجسد ؛ لكمال لطافته ؛ ولذا اشتدّ الموت على الصبيان ونحوهم ، وإنما لم يقل : كمن وعدناه وعدا قبيحا أو أقبح ؛ لأن فعل الله تعالى

٣٠٤

لا يوصف بالقبح ، والشر لا ينسب إليه قطعا ، كما ورد في الحديث.

والمراد بقوله عزوجل : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [القصص : ٦١] ؛ هو ما يتمتع به الروح الحيواني ، حياته حياة دنيّة ، ولا شرف للإنسان إلا بالروح الإنساني ؛ لأنه هو المنفوخ فيه من قبل الله تعالى ، وبه حصلت التجليّات لأبي البشر ، وأولاده الكمّل ؛ وهو أهل الإيمان والطاعة.

وأمّا الروح الحيواني فهو مبدأ الحس والحركة والإيمان ، ولا طاعة له إلا بتبعية الروح الإنساني ، فمن الإيمان له ، ولا طاعة ؛ فهو نازل منزلة الحيوانات ؛ بل كان أنزل منها من حيث إنه أمر بهما فعصى ، ولا عصيان للحيوانات ؛ بل تسبيح ذاتي ؛ كالجمادات لها حياة حقيقية ، وإن لم يكن لها حياة حسّية ، فالميت حي عند أهل الحقائق ، جماد عن أهل الرسوم (١).

__________________

(١) قال سيدي محمّد وفا رضي الله عنه في الشعائر : اعلم وفّقك الله أن العوالم الثلاث : وهو عالم العقل وبما فيه من أسرار ذاتية ، لاهوتية وصفات قدوسية واجبية ، ومعان نورانية ، هي أقوية التفرد والتحكمات.

وموضع إبداء الأسرار والصفات بالتجليات.

كان هذا عالم الجبروت ، مفارقا لما سواه بذاته وصفاته وإياه ، وبما تنزّه عن الزمان والمكان ، والأين والمثل والكيف ، والإطعام والأذواق ، والألوان ، وكانت النفس الناطقة وهي العالم القريب بالتجريد من صفاته المحققة بالتوحيد ، هي عرشه وفرشه ، وحضرته وقدسه ، وهي عالم الملائكة العظام ، والحجب المقدسة الكرام ، ثم إن عالم الكون والفساد والطباع الأربعة الأكوان ، وبما انحصروا في القوة الحيوان ، ولذلك كان النتاج من حيث هذه الروح الحيوانية عن الكل بالجزء ، تبرز نوادرا من القوة للفعل ، ثم تتطور وتنتقل من الاستعداد المعدني ، ثم استعداد النبات ، ثم استعداد الحيوان ، ثم تتنزل الروح من العالم المشترك البرزخي ، الذي هو الفصل بين العالمين ، والوصل بين المتباعدين ، عالم الروح الأمين بالاستعدادات الإنسانية إلى الكمّل من الأشخاص الحيوانية ، وبما نزفت الممكنات الكونيات بتنزل الواجبيات الآمريات ، حكمة كحكمة ، وسنة كسنة.

واعلم أنه ما خلف حجاب هذه الأكوان الحيوان غير عالم الجان ، ونهايتها الإنسان ، كما أن غاية الإنسان الرحمن ، وما بين الإنسان والرحمن إلا الملائكة المقرّبون ، والأرواح القدسيون المكرمون ، وما نزفت من الأرواح الحيوانية تكون بالملائكية ، وإن عكست انتقلت إلى الشيطانية ، ومهما نزفت من الإنسانية إلى الملائكية فإلى النبوية ، فإن أحجمت وقفت مع الملائكية ، وإن نفدت فإلى الحضرات الرحمانية.

٣٠٥

قوله عزوجل : (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [القصص : ٦١].

أمّا كفار الشرائع : فإحضارهم للعذاب الجسماني والروحاني جميعا ، فإنهم أضاعوا الروح الحيواني والإنساني جميعا ، فلهم في مقابلة كل منهما عذاب مخصوص.

وأمّا كفار الحقائق : فإحضارهم للعذاب الروحاني فقط ؛ لأنهم إنما أضاعوا الروح الإنساني من حيث إنهم لم يبلغوا به إلى كماله اللائق ؛ فوقعوا في نار الحسرة ، وإن نجوا من النار الحسّية باستعمالهم الأعضاء ، والقوى الحسية في الأعمال الصالحة المبنية على الإيمان في الجملة ؛ وهو الإيمان الرسمي.

وإنما قيّد بيوم القيامة مع أنهم من المحضرين الآن ؛ لأن كثافة نفوسهم منعتهم من إدراك العذاب في الحال ، كما دلّ عليه قوله : «الناس نيام فإذا ماتوا استيقظوا» (١) ؛ فتيقّظ الموت الاضطراري الطبيعي في الآخرة ، وتيقّظ الموت الاختياري السلوكي في الدنيا ، فمن تيقّظ في الدنيا ؛ ألهم فجور نفسه وتقواها ، ومن تيقّظ في الآخرة ؛ علم الحال عند ما لم ينفعه علمه ، أيقظنا الله ، وإياكم أجمعين.

__________________

ـ هذا فيما يعطى الترقي والتلقي مع الجاذب الملكي ، والدليل النبوي.

وأما فيما تعطى التتنزلات الربّانية بالبطانات السريانية ، فتخصيص لا يعقل سره ولا يدرك كنهه.

واعلم أن الاسم الذات المتّصف بجميع الصفات بالذات يتجلّى على أسماء الصفات الذات الوجودية ، فيستغرقها في الذات ، فإذا صارت ذوات وكلمات تامات تجلّت على ما يليها من أسماء الأفعال ، فرقتها إلى مقاماتها التي عنها انتقلت ، فإذا كانت الأفعال صفات للذات نقلت المفعولات بالتجليات إلى مقام الأفعال ، ثم يبرز الحيوان من أفلاكه الأربعة الطباع لإحكام الترتيب للأوضاع ، والأمر كذلك ولا نهاية لذلك ، أسرار تتنزل بالإلهية إلى الحيوانية ، وتترقّى بالروحانية إلى الرحمانية ، وما بين هذا التنزل والترقّي فقعرات سجينيات أرضيات ، ودرجات رضوانيات سماويات ، وحضرات وغير حضرات ، وعوالم مفترقات ، فسبحان من لا يدرك كنهه ، ولا يبلغ شأوه ، ولا ينفد أمره.

(١) رواه أبو نعيم في الحلية (٧ / ٥٢) ، وذكره العجلوني في كشف الخفا (٢ / ٥٢٥).

٣٠٦

في سورة الروم

قال الله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [الروم : ٥٠].

اعلم أن وجه الإنسان عند مسّ الهمّ ، ووقت الغمّ ؛ كوجه الأرض في الشتاء حيث إن كلّا منهم يتغيّر عن حاله ؛ وهو موته ، ثم يحييه الله برحمته التي هي المطر بالنسبة إلى الأرض ، والسرور بالنسبة إلى القلب ، وأثر تلك الرحمة ؛ الخضرة في وجه الأرض ، والانبساط في البشرة ، فقد أشارت الآية بأن ذلك الموت ليس بمستمر ؛ بل يتعقّبه الحياة على ما يقتضيه الأسماء الإلهية الحاكمة على هذا العالم ، المدبّرة في الأنفس ، والآفاق المؤثّرة في الظاهر والباطن.

ولمّا كان ذلك موقوفا على النظر الصحيح ؛ قال : فانظروا ، ونظير ذلك الليل والنهار والنوم واليقظة ، والسحابة على وجه الشمس ، والانكساف والكدورة للماء وصفوته ، ثم الموت والحياة المذكوران ، وإن كانا مجازيين عند أرباب الظاهر ؛ لكنهما حقيقتان عند أهل الباطن.

فإن للأرض روحا نباتيا ، كما أن للإنسان روحا حيوانيا بل للإنسان روح نباتي أيضا به يشتهي الأكل والشرب ، وبه تربيته في بدنه لا بالروح الحيواني ، وإن كان الروح الحيواني مبدأ الحسّ الحركة.

فالفرق بين الأرض والإنسان : أن للأرض روحا نباتيا وروحا [جماديا].

فالأول : يدركه العامة.

والثاني : يدركه الخاصة.

وإن للإنسان روحا نباتيا وروحا حيوانيا بالفعل ، وروحا حقانيا بعد مفارقة الروح الإنساني ، فالميت جماد في الصورة حتى في المعنى بالحياة الحقانية ، فإذا لا موت للعالم بالكلية وإنما هو باعتبار.

ومن ذلك يعرف أن المحجوب يحمل كلام الجمادات ، وتسبيحه على معنى الدلالة.

وأمّا المكاشف فعلى الحقيقة ؛ لأن المحجوب لا يسمع تسبيح الأشياء مطلقا ؛

٣٠٧

فالحياة عنده إنما هي في ذي الروح فقط ، وأمّا المكاشف فيسمع ذلك ، فالحياة عنده ليست بمقصورة على ما في ذي الروح ؛ بل هي سارية لجميع أجزاء العالم من عالية وسافله.

فهو تعالى يحيي الأرض بالحياة اللائقة بها ؛ وهي حياة حقيقية ، وكذلك يحيى سائر الأشياء بما يناسب كلّا منها ، وهذه هي الحياة في هذا العالم.

وكذلك الحياة في البرزخ ، فإن للميت هناك حياة لائقة به مع سمع وإبصار وكلام كل ذلك بحسب المقام البرزخي ، وسينكشف لك الأمر بعد الانتقال بالموت (١) ، وليتك كنت من قوم قيل فيهم : (المؤمنون لا يموتون ؛ بل ينقلون من دار إلى دار) فإنه أفاد أن المؤمن الكامل ، وهو الحي بحياة الإيمان والعرفان كالمنتقل من دار إلى دار في هذه النشأة ، فكما أن انتقاله ذلك لا ينافي حياته ؛ فكذا انتقاله بالموت.

فالموت عبارة عن مفارقة الروح الإنساني عن البدن ، وعبّر عنها بالذوق في قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [الأنبياء : ٣٥].

كما أن الروح الحيواني لا يخلو عن إحساس الألم وقت الانتقال ، وتلك المفارقة لا تقتضي الموت بالكلية ؛ فإن الروح حي قائم بنفسه ، محيي للبدن الدنيوي أو البرزخي الذي هو على صورة عمله ، فاعرف جدّا.

__________________

(١) قال سيدي علي وفا : الموت حالة يبطل بها تصرف النفس المدركة المتصرفة بالبدن الذي كان لها أن تتصرف به ، أو هو بطلان ذلك ، فمن مات انقطع عمله بذلك البدن ، إلا أن جهة التعلق بآلة يصح بها التصرف ، لا تعطل من النفس المتصرفة ، فإذا فارقت آلة تعلقت بآلة يقتضيها لها وجودها ، كما أنها إذا فارقت بدنها بالنوم ترى لها بدنا آخر ، إما هو بمثاله أو مثله أو خلافه ، فيكون لها في التعلّق الثاني تصرفات بحسبه ، وأعمال تناسب استعداده ، ومن ثمّ يلتحق بالعقلاء من مات غير عاقل ، هذا شأن النفوس الحاصلة في قيوم حدود دائرة الدنيا والبرزخ ، إذ لا موت إلا للدنيوي والبرزخي ، وموت البرزخي نومي للدنيوي.

٣٠٨

في سورة الأحزاب

قال الله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) [الأحزاب : ١٤].

اعلم أن الذّكر الكثير هو : ما كان بالقلوب ، والأعمال ، والأحوال ، كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكر الله تعالى في كل الأحيان ، فإن من كان مع الله تعالى في جميع حالاته ؛ فهو ذاكر له تعالى سواء قارنه الذكر اللساني أو لا.

فالكثرة هنا عبارة عن : الاستيعاب والإحاطة بجميع الأوقات والحالات ، كما أن القلة في قوله تعالى في حق المنافقين : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ١٤٢] عبارة عن العدم : أي لا يذكرون الله تعالى إلا ذكرا هو ليس بذكر عنده تعالى ؛ لأنهم إنما يذكرون باللسان فقط ، والذكر اللساني المجرّد عن اعتقاد الجنان وإخلاصه قليل معدوم بالنسبة إلى الذكر القلبي ؛ لأن المقصود عمارة الباطن لا عمارة الظاهر ، فظهر أن الخلوص بمنزلة الإكسير الخالص في القلب.

ومن هنا كان يرفع لبعضهم في يوم واحد عمل أهل الأرض كلها ؛ بل عمل أهل السماء ؛ لأن الكامل منا إنما يذكر الله تعالى بكل أسمائه بخلاف الملائكة ؛ فإن ذكرهم مخصوص بأسماء مخصوصة ؛ ولذا قالوا : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] ؛ وهو مقام الروحانية بحسب أسماء الروح إذ ليس لهم الترقّي إلى مقام السرّ ، وسرّ السر.

ولذا ذهب بعضهم إلى أنه ليس لهم مقام الرؤية ، والظاهر أن لهم ذلك من مرتبتهم الروحانية ؛ فهم يرون الله تعالى بأبصار الأرواح لا بأبصار الأسرار ، وأبصار الأسرار أكشف وأجلى من أبصار الأرواح ؛ لأنه كلما حصل الترقّي ؛ ازداد التجرّد ، وكلّما ازداد التجرّد ؛ حصل كمال الوصول ؛ بل الحصول فافهم جدا ، واعبد ربك إلى أن يأتيك اليقين الذي ليس فوقه يقين.

وقال الله تعالى : (قُلْ) [الأحزاب : ١٦].

يا صاحب الفناء ، والبقاء على الوجه الأكمل ، كما دلّ عليه شرح صدره :

ففيه الرتبة العلياء ، والفضيلة العظمى ، والجمعية ، قال عزوجل (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ) [الأحزاب : ١٦].

٣٠٩

أيتها القوى الطبيعية ، والنفسية التي بها قوام ظاهر الوجود من الموت الذي يحصل بالجذبة الإلهية بسبب سماوي خفي لا يدركه أكثر العقول وهو الفناء عن الأنيّات الناطق به قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠].

فإنه يشير به إلى الفناء عن أنيّات القوى الظاهرة والباطنة جميعا ، واسم هذا المقام هو الجلالة إذ لا نفي هنا أصلا ، وإذ لم يكن نقي لم يكن إثبات ؛ لأن الفاني المستغرق لا نفي له ، ولا إثبات.

أو القتل : وهو ذبح بقرة الطبيعة ، وكبح النفس بالرياضات الشاقة ، والمشاهدات الغالبية ، فهذا الموت موت إرادي ، اختياري ، مبني على الكسب ، والموت الأول أيضا كذلك ؛ لكن مبني على الجذب الإلهي بلا سبب ظاهر من طرف الفاني.

وقال عزوجل : (وَإِذاً) [الأحزاب : ١٦] : أي حين الفرار من واحد من الموتين ، كما قال تعالى : (لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) كما قال تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] وهو العمر الفاني وإن كان ألف سنة مثلا.

وذلك أن في الموت بأحد الوجهين حياة معنوية طيبة باقية دلّ عليه بقاء الآثار ، وعدم انحلال الصورة إلى يوم الحشر والنشر ، وفي البقاء بالحياة الصورية موت معنوي في الحياة الدنيا ، وإلى آخر الأعصار ؛ لأنها حياة فانية لا اعتداد بها أصلا عند الحياة الباقية ، وإن امتد زمانها.

والحاصل أن في الموت بالموت الاختياري حياة باقية ، وإن قلّ زمان الحياة الصورية ، ولا حياة في الموت بالموت الاضطراري ، وإن كثر زمان العيش الصوري ؛ لأن الاعتبار بالباقي بالفاني ، وفي الآية ترغيب إلى الموت بالموت الإرادي ؛ ليحصل العيش الباقي ، وترهيب عن البقاء بالحياة الصورية ، فصاحب الأول إنسان حقيقي ، وصاحب الثاني إنسان حيواني ، ونسبته إلى الإنسانية نسبة الميت إلى الإنسانية ؛ إذ لا إنسانية بعد الموت إلا صورة.

فكما أن الميت إنسان صورة فقط ، فكذا الإنسان الحيواني ، فهما مشتركان في الخلو عن أثر الحياة ، وفيها أيضا رمز إلى أن الإنسان الحيواني محبوب عنده الحياة الصورية ؛ لانحصار نظره في آثارها ، فلا يحب الموت والفناء عنها بخلاف الإنسان

٣١٠

الحقيقي ؛ فإنه يعلم أن الباقي بدلّ عن الفاني ؛ فيختار الباقي على الفاني ، فيجتهد في الأسباب ، ويتمسّك بتوفيق رب الأرباب.

ثم إن الهارب عن الموت إنما هو هارب عن الحق ؛ لأنه موصّل إليه ، فإذا بعد عن الموت ؛ بعد عن الحق ؛ لكنه قد يخلّي ونفسه ؛ فيزداد بعدا إلى بعد ، وقد يدركه التوفيق ؛ فيقبل الحق إليه ، فيمنعه عن الهرب ؛ فيكون طالبا للحق بعد ما كان هاربا منه.

وإليه الإشارة بقوله : «عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل (١)» فقوم يقاد إلى الجنة نفسها بالإيمان والطاعة ، وقوم يقاد إلى رب الجنة بالعشق والمحبة ، وكلّ يجري على ما قضاء الله تعالى ، فطوبى لأهل الإقبال ، وكل الخسارة لأهل الإدبار ، ومن يضلل الله فما له من هاد ، اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب».

قال الله سبحانه : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠].

في هذه الآية إشارات :

الأولى : إنه تعالى سلب أبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأمة ؛ رعاية لظاهر المقام ؛ فإن أبا البشر ؛ هو آدم عليه‌السلام ؛ فهو أبو محمد ، وأبو الأنبياء ، وأبو الأمم كلهم إلى قيام الساعة ، فمن كان منهم أبا ؛ فهو أب اعتباري لا حقيقي ؛ كنوح عليه‌السلام ، فإنه الأب الثاني من حيث إن تناسل البشر منه بعد الطوفان ؛ كتناسلهم من آدم بعد الهبوط ، ولمّا كان لكل مرتبة حكم مخصوص ؛ نفى الله تعالى الأبوّة عن محمد صراحة ، وأثبتها لآدم ضمنا.

والثانية : إنه تعالى نفى الأبوّة عن محمد لا عن أحمد ؛ فإن أحمد أبو الأرواح ، كما أن آدم أبو الأجسام ؛ ولذا صرّح بالرجال ، فإن الأبوّة الجسمانية ؛ إنما هي للرجال ، ودخل فيها النساء.

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٢ / ٣٠٢).

٣١١

وأمّا عالم الأرواح فليس فيه الذكورة والأنوثة ؛ بل لا أبوّة فيه ولا بنوّة بتقديم الباء ، وكون أحمد أبا الأرواح بالنسبة إلى ظهور أنوارهم من نوره ، وكذا نبوته كما قال : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين» (١) ، فإنه أشار به إلى صدارته في ذلك العالم من غير أن يكون هنا أمر ونهي ، وتبليغ نعم دعوة روحانية ، وبذلك سمّي نبينا.

ومن ذلك ان الله تعالى لمّا خلق النور المحمّدي ، وأظهره بالتجلّي النوري البرقي ، وكساه كسوة روحانية ؛ لئلا يحترق من رآه من الأرواح ، قال : لا إله إلا الله ، فقال الله تعالى : محمد رسول الله ، فكانت نبوته ورسالته في ذلك بمنزلة صفات الله تعالى قبل خلق الكائنات ، وكذا توحيده توحيدا روحانيا فطريا لا يتعلّق بنفي شرك ونحوه.

إذ لا نفي ، ولا إثبات هناك إذ لا إيمان ، ولا كفر ؛ لأنهما إنما ثبتا وظهرا بعد الدعوة في عالم الأجسام ؛ فهما من أحكام هذه العالم لا من أحكام عالم الأرواح ، وما ذهب إليه بعض المحققين من أن نبوته في ذلك العالم كانت بالفعل حيث دعا الأرواح إلى ذلك التوحيد لا بالقوة كما لسائر أرواح الأنبياء ؛ فإنما هو تصوير لتقدّم نور الأحمدي ، وكونه مبدأ سرّ التوحيد والتبليغ ؛ فإن هذه المبدائية له كانت بالفعل ، وقول الله : محمد رسول الله يدلّ على أن البقاء بالله أفضل من الفناء في الله ، وإن المحمّدية صورة الحق في صورة الخلق ، فمن نالها ؛ كان ذا جناحين ؛ جناح الكون ، وجناح الوجوب.

والثالثة : إنه صرح بالرجال وليس ذلك لإخراج النساء ؛ بل لأن القصة إنما وقعت في حق زيد رضي الله عنه ، وهو من رجالهم.

تقول عائشة ـ رضي الله عنها : «أنا من رجالهم لا نسائهم» ، أخذا من قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم ، فإنما هو بناء الأمر على الظاهر ، وإلا فهي وسائر المطهّرات من الأزواج ، وأمهات المؤمنين والمؤمنات ، ومعاوية خال المؤمنين والمؤمنات ، وكذا نحوه صرّح به حضرة الشيخ في الفتوحات المكية ؛ وهو الذي يقتضيه الذوق.

__________________

(١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ١٦٩) ، والقاري في المصنوع (١ / ١٤٢).

٣١٢

ويدلّ أن الزهراء ـ رضي الله عنها ـ تشفع لعصاة المؤمنات يوم القيامة ؛ لأنها أمها وأم المؤمنين.

فتخصيص المؤمنات ليس لإخراج المؤمنين ؛ بل للاعتناء بشأنهنّ ؛ فهي بالنسبة إليهنّ كالنبي بالنسبة إلى الرجال ، فاعرف هذا السرّ السرّي ، واعمل به.

قال تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٤٠].

يعني أن رسالته لا توجب الأبوّة التي يدعيها القوم ؛ إنما توجب الأبوّة التي يقتضيها قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].

فإن كون أزواجه أمهات ؛ يستدعي كونه أبا ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أنه أبو الأرواح ؛ فهو أبو هذه الأمة : أي أبو من كان من إله حقيقة ؛ وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيرا ؛ ومنهم سلمان ومن التحق به في معناه رضي الله عنهم ؛ وذلك لأن لا نسب بينه ، وبين أهل الشرك والمعصية ؛ لعلو مقامه ؛ وإنما كان نسبه التقوى.

فالهاشمي المشرك ليس منه حقيقة ، وكذا من في حكمه ؛ بل لو كان أبا للعاصي ؛ فهو من وجه دون وجه بخلاف المتقي ، وإنما كان من وجه دون وجه ؛ لأن العاصي أمات النور المحمّدي الذي أودعه الله فيه ، ولو في الجملة ، فكأن الله أخرج الميت من الحي.

ولا شك أنه لا مناسبة بين الحي والميت ، وأمّا المناسبة بين الحي الصحيح والمريض ؛ فجزئية ، فعلى المؤمن أن يصحح النسبة بالتقوى ، ويزيل المرض الباطني من سوء العقيدة ، والأخلاق الساري إلى سائر الأعمال في مرتبة التقوى.

قال تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠].

هذا من قبيل التكميل ، وهو لا ينافي كونه فاتحا لهم ؛ فإن الخاتمية بالنسبة إلى عالم الأجسام ، والفاتحية بالنسبة إلى عالم الأرواح ؛ فهو في خاتميته أبو القاسم ونحوه صورة أبو ؛ لأنه معنى ، وفي فاتحيته أبو آدم ، وأبو عيسى ، وأبو جبريل ونحوهم ؛ لأنهم كلهم مخلوقون من نوره.

وصرّح بالنبوة بعد الرسالة ؛ لأنها عامة ، فكونه خاتم النبيين يستلزم خاتم الرسل

٣١٣

بخلاف العكس ؛ لأنه قد يجئ نبي بعد رسول ؛ كأنبياء بني إسرائيل ؛ ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«لا نبي بعدي» (١) : أي لا مشرّعا كموسى وعيسى ونحوهما ، ولا متابعا كأنبياء بني إسرائيل.

وكونه خاتم النبيين من قبيل التشريف ؛ لورثة الأمة حيث إن الله جعلهم بمنزلة الأنبياء ، وأقام بهم العدل كما أقام بالأنبياء.

فمن ادّعى نبوة بعض الآل ؛ كالحسين تأييدا لنبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فهو لم يدر معنى النبوة والولاية ، والسرّ الكمالي في هذه الأمة ؛ فضلّ وأضلّ ، فكان في الدّارين مع الهالكين ، نعوذ بالله من قصور المعرفة من الحور بعد الكور.

قال تعالى : (وَكانَ اللهُ) [الأحزاب : ٤٠].

: أي الجامع لجميع الأسماء والصفات التي جعل الأنبياء مظاهرها ، وجعل خاتم النبيين مظهرا لها بالفعل من حيث الإجمال والتفصيل.

قال تعالى : (بِكُلِّ شَيْءٍ) [الأحزاب : ٤٠].

: أي من الأشياء التي من جملتها ؛ الرسالة والنبوة ، وأهلهما بتقديم النون ، وكذا الأبوّة والنبوة بتقديم الموحدة.

قال تعالى : (عَلِيماً) [الأحزاب : ٤٠].

ولذا خصّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأبوة الأرواح ، وجعله خاتم النبيين في الأجسام ، وخصّ آدم بأبوّة الأشباح ، وجعله أول النبيين في الأجسام.

فمن علمه الكامل المحيط بكل شيء ؛ يجعل رسالته حيث يشاء ، ويجعل ولايته حيث يشاء ، ويجعل آباء وأبناء ، وصورية أو معنوية ، كما يقتضيه أسماؤه الكلية الجامعة ، وأسماؤه الجزئية المحصورة ؛ لأن عالم التسخير والحكمة يقتضي المتبوعية والتابعية ، وتفاوت المراتب ، وتباين الدرجات ، والله عليم بالكليات والجزئيات ، والإطلاقات والإضافات.

__________________

(١) رواه البخاري (٣ / ١٢٧٣) ، ومسلم (٤ / ١٨٧٠).

٣١٤

قال الله سبحانه : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] ، وقد سبق في هذه السورة قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [الأحزاب : ٤٣](١).

__________________

(١) قال الشيخ أحمد العلواني في الأرواح : وما بعد روح لا إله إلا الله وروح محمد رسول الله إلا روح الصلاة والسّلام عليه وفيها الوصل والفصل والحركة والسكون.

روح فرقاني في روح الصلاة والسّلام على رسول الله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب : ٥٦] ، فقد وصلنا بروح الأعلام بأرواح صلاته وبروح الثناء على ملائكته ؛ بأنهم يصلون على هذا النبي الكريم مع روح الأعلام حتى يكون لنا روح من العلم وأرواح من الإيمان بعلو شأن هذا الروح المحمدي النبي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على التعميم الحبيب المحبوب الرءوف الرحيم روح محمد به في روح الصلاة عليه الصلاة على نور.

والمصلي على هذا الروح المحمدي له من الله روح وصل بروح نوراني يفصل عنه من كل روح ظلماني ، فتقع حركاته في الخيرات وسكناته في البركات ، هذا من حيث روح الحق. ومن حيث الروح المحمدي يكون لروح المصلي أرواح وصل بأرواح حب من الروح المحمدي ، وله من الروح المحمدي أرواح فصل تفصل بينه وبين الأرواح الانتقامية والروح الفاصل هو روح الشفاعة روح بيان من الروح المحمدي في روح الصلاة عليه.

«من صلى علي في أول نهاره عشرا وفي آخر نهاره عشرا أدركته شفاعتي» ولا بد في روح الصلاة والسلام على هذا الروح الأعظم في أرواح المرسلين من صورة حركة اللسان وسكن الجنان إلى هذا الروح الأمري والنور الفرقاني والنور الذي هو روح فائض من روح الصلاة على هذا النبي الكريم والرسول العظيم روح إحساني بروح من البيان من الروح المحمدي في روح الصلاة عليه «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا من الصلاة علي فيه فإن صلاتكم معروضة علي».

روح بيان بروح من الإحسان قد أمر الروح المحمدي بعرض الحال وهو روح حال المؤمن من أمته في روح الصلاة والسّلام عليه فأرواح الصلاة عليه تقع في صور من المواهب على روحه الكريمة في صور أرواح مختلفة الروائح والذكاوة كريح الورد وماء الورد والمسك ، والعنبر ، والياسمين ، وأنواع الرياحين وما في الوجود من روائح الأطياب.

لكن بزيادات كثيرة على ذكاء هذه الأطياب والرياحين وروح الدليل من الروح الفرقاني فروح وريحان وجنة نعيم بروح التسليم.

وقد كان في الدنيا يحب الطيب ومهما قلت في صلوات الحبيب فقل نفي الروح الفرقاني (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)[الضحى : ٥] ومن عادات الفقر أنهم لا يتقربون إلى الأغنياء إلا بالروائح الطيبة كالورد والياسمين والزنبق والنسرين والريحان الفارسي فأرواح صلواتهم على هذا الروح الأعظم في المرسلين والروح الأكرم في المقربين تكون في صفة الرياحين وما في الأرواح الإلهية فوق ما في النية فإذا عرضت عروض الصلوات وأرواح التسليمات حسن الروح المحمدي

٣١٥

فأفاد أمرين :

أحدهما : إن الله صلّى عليهم أولا ؛ لئلا يقولون : إن الله تعالى صلّى على النبي ولم يصلّ علينا ، فأزال بتقديم الصلاة عليهم هذا الاضطراب ، فإن أكثر الناس واقفون عند باب العطاء.

ونظيره قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١].

حيث لم يكتف بإخبار كونهم عدوّا لله ؛ بل أخبر بأنهم عدوّهم أيضا ، حتى يقولوا : إنهم إذا لم يكونوا عدوّا لنا ؛ فلما ضررّ في اتخاذهم أولياء.

فانظر ما أعجب حال الإنسان في عدم المروءة ؛ حيث لا يراعي جانب الحق تعالى بأن يقول : إن كونهم عدوّا لله ؛ كاف لنا في عدم اتخاذهم أولياء سواء كانوا عدوّا لنا أو لا ، وذلك من الجهل بالحقائق ؛ وهو حال أكثر الناس.

والثاني : إن المراد بصلاته تعالى عليهم : هو إخراجهم من ظلمات الطبع ، والنفس إلى أنوار القلب والروح ؛ لكن نور كل أحد بحسب حاله ؛ كنور الشمس ، ونور القمر ، وأنوار سائر النجوم ؛ ولذا قالوا : إن صلاة الله تعالى على النبي غير

__________________

ـ إلى أربابها وحزن للمحزون.

واستغفر للمكدر المفتون وفرح بالمستقيم الكامل بالأرواح الإلهية ثم ينشر من أرواح رحمته على أرواح المصلين فيعود ناقصه كاملا ، وأقصاهم واصلا ، ويفتح في أرواحهم من أرواح الإيمان ومن أرواح الإحسان ومن الأرواح الرضا ، ومن الأرواح التي توصلهم بالروح الأعظم ، والسر المحيط الطلسم بكل روح إنساني وما فيه من كل الأرواح.

وبكل أرواح الموجودات وأرواح العناصر والطبائع (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام : ٣٨] وهو القاهر فوق عباده بروح الإحاطة وقلم التفصيل ، وسر التحويل ، فتقرب إلى هذا الروح المحمدي بكثرة الصلاة عليه فإن صلاتكم معروضة عليه وهي عرض الحال ولا تكون إلا مقبول ، فيقع التوقيع الرفيع بقضاء الحوائج ورفع كل روح ظلماني من الروح الشيطاني ، والفلك السفلاني ، فيقع روح الحال بأرواح الجمال الفائضة من الأرواح المحمدية والأرواح الإلهية ، فالروح الإلهية يعطي والروح المحمدي يقسم العطاء فهو المتصرف بأرواح المواهب والقائل لأرواح من المكاسب وهي أرواح الصلوات والتسليمات وهي أرواح الوصل والفصل لأرواح الاستغفار وهي من الأرواح الفرقانية. وانظر : كتاب «الأرواح» (ص ١٧) بتحقيقنا.

٣١٦

معلومة ، وإن كانت من قبيل النور كما قال : «واجعلني نورا» (١) ، فإنه فرّق بين نور ونور كما قلنا ؛ والمعنى أن الله يصلّي على النبي في مرتبة الذات الأحدية بالنور البرقي الذي ليس فوقه نور ؛ ولذا كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرى من جانب وجهه ، ومن طرف قفاه على السواء ، وهذه اللطافة الزائدة النورانية لم تحصل لأحد غيره ، سواء كان في حال الصلاة ، أو في خارجها.

وكذا الملائكة يصلّون على النبي بحصول النور الصفاتي في مرتبة الذات الواحدية ؛ لأن مرتبة الملائكة مرتبة الأرواح ، وتعيّن هذه المرتبة ؛ إنما هو تعيّن الصفات ، ثم تنزل من مرتبتهم إلى مرتبة الأجسام ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] : أي صلّوا عليه بحصول الحفظ ؛ لوجوده الظاهري ، وقوة التبليغ ، وانتشار الشريعة والإيمان الحقيقي المتعلّق بمرتبة المعرفة (٢).

__________________

(١) تقدم تخريجه.

(٢) فائدة : اعلم أنه اختلف في معنى الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل : معناها الرحمة والرضوان من الله تعالى ، والدعاء والاستغفار من الملائكة والناس.

وقيل : صلاة الله مغفرته ، وصلاة الملائكة الدعاء ، وكأنه يريد الدعاء بالرحمة.

وقيل : إن معنى صلاة الملائكة الدعاء بالبركة.

وقيل : الصلاة من الله رحمة مقرونة بالتعظيم ، ومن الملائكة استغفار ، ومن الآدميين تضرّع ودعاء.

وقيل : صلاته على أنبيائه الثناء والتعظيم ، وصلاته على غيرهم الرحمة.

وقيل : صلاة الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشريف وزيادة تكرمة ، وعلى من دون النبي رحمة.

وفرق بين صلاته تعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سورة الأحزاب ، وبين صلاته على سائر المؤمنين في السورة المذكورة ، ومعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره.

وقال الحليمي في الشعب : الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعظيمه ، فمعنى قولنا : اللهمّ صلّ على محمد : عظم محمدا ، والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره ، وإظهار دينه ، وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بإجزال مثوبته ، وتشفيعه في أمته ، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود ، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى : (صَلُّوا عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٥٦] : ادعوا بالصلاة عليه انتهى.

ولا يعكر على هذا عطف الآل والأزواج والذرية عليه ؛ لأنه لا يمتنع أن يدعى لهم بالتعظيم ؛ إذ تعظيم

٣١٧

__________________

ـ كل أحد بما يليق به ، لا سيما وهم منسوبون إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والدعاء لهم واقع بالتبع له.

وقال أبو العالية : صلاة الله على نبيه : ثناؤه عليه عند ملائكته ، وصلاة الملائكة عليه : الدعاء.

وقال ابن حجر : وهذا أولى الأقوال ، فيكون معنى صلاة الله تعالى عليه : ثناؤه وتعظيمه ، وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك له من الله.

والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة.

وقيل : المراد بالصلاة الاعتناء بشأن المصلى عليه ، وإرادة الخير له ، وهو الذي ارتضاه الغزالي ، واستحسنه الزركشي. انتهى من مطالع المسرات.

وقال في «الرّماح» : اعلم أن الصلاة في حق الله تعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف قائم بذاته تعالى على الحدّ الذي يليق بعظمته وجلاله ، وهو أمر فوق ما يدرك ويعقل ، فإن الوصف الوارد في حق كل موجود وإن اشترك في اللفظ والاسم ، فالحقيقة متباينة في حق الموجودات.

فالصلاة في حقّنا عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هي الألفاظ البارزة من ألسنتنا بالدعاء ، والتضرّع إلى الله ، فيما ينبئ عن تعظيم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليست كذلك صلاته تعالى على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهي فوق ما يدرك ويعقل ، فلا تفسر بشيء ، بل نقول : يصلي على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تكيف صلاته.

ألا ترى إلى السجود في حق الموجودات لله تعالى ، فكلها ساجدة لله سبحانه ، وليس السجود المعهود في حق الآدمي لله تعالى يماثل سجود الجمادات والحيوانات والأشجار فردا فردا ؛ فإن لكل واحد من تلك الأفراد سجودا يليق بحاله ، فالسجود في حق جميعها مماثل في الاسم والإطلاق والحقيقة ، مفترقة في جميعها ، وسجود كل واحد غير سجود الآخر.

وأما صلاة الملائكة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتعقلها في حقّهم كتعقلها في حقّنا.

وإنما أسندت الصلاة إلى الله تعالى مع أن الله تعالى أمرنا أن نصلّي عليه نحن ؛ لأن صلاتنا عليه إنما هي الدعاء له بأن يصلّى الله عليه كما مرّ ؛ إذ ذاك غاية مقدورنا ، وفي ذلك تنبيه على أن له علينا حقوقا عظيمة نعجز عن مكافأته بها ، فوجب أن نرجع في ذلك إلى المولى القادر عليه الكريم ، الذي بيده خزائن النعم ، فنطلب من الله أن يصلّي عليه : أي يزيده شرفا وإعظاما مجازاة له عنا.

وقد أرشدنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ذلك حين قالوا له : أما السّلام عليك فقد عرفنا فكيف نصلّي عليك؟ فقال : قولوا : «اللهمّ صلّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم» رواه الشيخان.

والسّلام لغة الأمان ، وسلام الله على نبيه ، قال في شرح الصغرى : هو زيادة تأمين له ، وطيب تحية وإعظام.

٣١٨

فلكل واحد من أهل الإيمان الحجابي ، والكشفي لسان على حدة يدعو الله تعالى ، ودلّ التسليم على التسليم المطوي في الألواح كأنه قال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦].

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] ، افعلوا أنتم كذلك اقتداء بالله تعالى وبالملائكة ، وفيه تفضيل الملائكة في المرتبة ؛ لأنهم من نور ، وإن كان الإنسان أجمع كمالا ، وأزيد فضيلة ، وإشارة إلى أن فعل المتبوع وسيلة لفعل التابع ؛ ولذا قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١] ، فإنه إذا كان التقوى من شأن النبي ؛ فأولى أن يكون من شأن أمته.

وفيه تأديب الصغير بالكبير ؛ وهو من باب الحكمة الإلهية ، فعليك بالتأسّي بأخلاق الله ، وأخلاق الملائكة والأنبياء والأولياء ؛ حتى تفوز بالشرف الزائد الذي ناله الأصفياء.

* * *

٣١٩

في سورة الملائكة (فاطر)

قال الله سبحانه (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [فاطر : ١١](١).

: أي ابتداء خلقكم من التراب في ضمن خلق آدم منه ؛ لتكونوا متواضعين ؛ كالتراب ساكتين تحت الأقدار.

قوله تعالى : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) [الآية : ١١].

: أي ثم خلقكم من نطفة خلقا تفصيليا ؛ لتكونوا قابلين لكل كمال ؛ كالماء الذي هو سرّ الحياة ، ومبدأ العناصر الأربعة.

قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) [الآية : ١١] ؛ أصنافا أحمر وأبيض وأسود ، وذكرانا وإناثا.

وعن قتادة : «جعل بعضكم زوجا لبعض» وهو المناسب لقوله تعالى : (وَما) [الآية : ١٦] وما نافية ، وقوله تعالى : (تَحْمِلُ) [الآية : ١١].

قال تعالى : (مِنْ أُنْثى) [الآية : ١١] وهو فاعل تحمل ، ومن مزيدة لاستغراق النفي وتأكيده.

قال تعالى : (وَلا تَضَعُ) [الآية : ١١] كون تلك الحامل والوضع ملتبسة بعلمه ، تابعة لمشيئته ، فقوله : (إِلَّا بِعِلْمِهِ) حال من الحامل دون المحمول ؛ لأن العلم بالحامل والواضع يتضمّن العلم بالمحمول والموضوع ، فيعلم تعالى مكان الحمل ، ووضعه ، وأيامه ، وساعاته ، وأحواله ، وأحواله من النقصان والتمام ، والذّكورة والأنوثة ، وغير ذلك.

قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ما نافية ، والتعمير عمر ، وهو مدة عمارة البدن بالحياة ، والمعمّر من أطيل عمره.

وقوله : (من مّعمّر) : أي من أحد ، ومن زائدة لتأكيد النفي ، وسمّي معمّرا باعتبار مصيره ؛ فهو من باب تسمية الشيء بما يؤل إليه ؛ والمعنى وما يمدّ في عمر أحد.

__________________

(١) كتب بالأصل : [نقل تفسير هذه الآية في ليلة البراءة سنة ١١٢٥ ه‍].

٣٢٠