إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٦٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

١٢ ـ وقوله تعالى : (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) [٦٤].

فيه ثلاث قراءات : اختيار السّبعة ، ثم ايتوا بهمزة ساكنة فى الدرج / والهمزة. فاء لفعل. فإذا وقعت ابتدأت : إيتوا بكسر الهمزة ، والهمزة ساكنة.

تنقلب ياء لانكسار ما قبلها. والأصل إئتوا. فأجاز الكسائى أن يبتدأ بهمزتين. والاختيار إيتوا بتليين الثانية.

والقراءة الثانية ، أنّ خلفا روى عن عبيد عن شبل ، عن ابن كثير ، ثمِّ ايتوا بكسر الميم.

قال ابن مجاهد (١) : ولا وجه له.

وله عندى وجه ، وذلك أنّ حركة الميم فى ثمّ [تكسر] لالتقاء الساكنين. والعرب تجيز فى مثل هذا نحو فظّ وثمّ ومدّ وغضّ وزرّ عليك قميصك ثلاثة أوجه :

مدّ ، ومدّ ، ومدّ. قال الشاعر (٢) :

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

روى : «غضّ» ، و «غضّ» ، و «غضّ» ، فكذلك لو قرىء ، «ثمّ» و «ثمّ» و «ثمّ» ، لكان صوابا. كما قرىء «أفّ» و «أفّ» و «أفّ».

__________________

(١) السبعة : ٤٢٠ ، والبحر المحيط : ٦ / ٢٥٦. ونقل مثل كلام ابن خالويه عن صاحب «اللّوامح».

(٢) البيت لجرير فى ديوانه : ٨٢١ ، وتقدم ذكره فى الجزء الأول.

٤١

وروى القطعى عن شبل ، عن ابن كثير ، ثمّ يتوا صفّا يفتح الميم ويأتى بعدها بياء ساكنة. وكان وجه ذلك أنّ الهمزة قلبها ياء كقولهم : قرأت ، وقريت ، وأرجأت الأمر ، وأرجيت.

قال الأخفش (١) : العرب تقلب الهمزة إذا أرادوا تخفيفها ، وتحويلها ياء.

إلا قولهم : «رفأت الثّوب». فإنهم إذا حوّلوا ، قالوا : رفوت الثّوب بالواو. ولم يذكر العلّة ، والعلّة فى ذلك : أنّ العرب يهمزون ما ليس أصله الهمز تشبيها بغيره ، كقولهم : «حلّأت السّويق». يشبهونه : بحلّأت الإبل (٢) عن الماء : إذا منعتها ، / فكذلك إذا تركوا الهمز فى قرأت شبّهوه بقريت الضّيف ، ولم يكن رفيت فى كلام العرب فردوه إلى الواو ؛ لأنّ العرب تقول ، رفوت الرّجل ؛ إذا سكّتّه. قال الشاعر (٣) :

رفونى وقالوا يا خويلد لا تدع

فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

وهذا حسن جدّا ، فاعرفه.

وروى أبو زيد (٤) ، رفوت ، ورفيت ، وهو ثقة.

__________________

(١) معانى القرآن له : ص : ١٠٠ ذكر قريبا من ذلك.

(٢) فى تهذيب اللغة : ٢٣٧ «قال ابن الأعرابى وغيره : حلّأت الإبل على الماء : إذا حبستها عند الورود ، وأنشد :

لطالما حلأتماها لا ترد

فخلّياها والسّجال تترد

(٣) البيت لأبى خراش الهذلىّ فى شرح أشعار الهذليين : ١٢١٧ والمعانى الكبير : ٩٠٢ ، وإصلاح المنطق : ١٥٣ ، والخصائص : ١ / ٢٤٧ ، ٣ / ٣٣٧ ، والمخصص : ١٢ / ١٨٨ ، ١٦ / ٣١ ، ١٤ / ٣ ، والخزانة : ١ / ٢١١. وأنشده المؤلف فى شرح الفصيح : ورقة : ٣٥.

(٤) النوادر : ٥١٠.

٤٢

فإن سأل سائل : هلّا قلت فى قرأت قروت ، لأنّ العرب تقول ، قروت الأرض إذا تتبّعتها؟

فقل : لمّا اجتذبه أصلان ، ياء ، وواو ، ردّوه إلى الأخفّ ، ألا ترى أنّ العرب تفرّ من الواو إلى الياء ، ولا تفرّ من الياء إلى الواو. فيقولون : كفّ خضيب ، ورجل جريح ، وشيطان رجيم ، والأصل : مخضوبه ومجروح ومرجوم ، ولا يقولون فى ظريف وكريم : ظروف وكروم.

١٣ ـ قوله تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) [٦٦].

قرأ ابن عامر ـ برواية ابن ذكوان وحده ـ بالتّاء. ردّه على الحبال والعصىّ ، لأنّها جمع ، وجمع كلّ ما لا يعقل بالتأنيث.

وقرأ الباقون بالياء ردّوه على السّحر.

١٤ ـ وقوله تعالى : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) [٦٩].

فيه أربع قراءات ، قرأ ابن كثير ـ فى رواية البزّي ـ تَّلقف ما صنعوا بتشديد التاء ، أراد تتلقّف. فأدغم وجزم الفاء ؛ لأنّه جواب الأمر ، والأمر مع جوابه كالشّرط ، والجزاء.

وروى حفص عن عاصم (تَلْقَفْ) خفيفا ، جعله من لقف يلقف. والأول / من تلقّف يتلقّف.

وقرأ ابن عامر ، تلقَّف برفع الفاء ، جعله فعلا مستقبلا فأضمر فاء جوابا للأمر. كأنّ التقدير : ألق عصاك فإنّها تتلقّف. ويجوز أن يكون جعل تلقَّف حالا أى : ألق عصاك متلقّفة. كما قال تعالى (١)(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أى مستكثرا.

__________________

(١) سورة المدثر : آية : ٦.

٤٣

وقرأ الباقون بإسكان الفاء ، وتشديد القاف ، وتخفيف التّاء ، أرادوا : تتلقّف كقراءة ابن كثير ، غير أنّهم أسقطوا تاء. وابن كثير أدغم. ومعنى (ما يَأْفِكُونَ) أى : ما يختلقونه كذبا ؛ لأنّ سحرهم كان تمويها ، واختلاقا. فلما ألقى موسى عصاه ، صارت ثعبانا عظيما كالجانّ فى تثنّيها ، وخفّتها ، فلقفت ما افتعلوه حتّى زكنوا أنهم على ضلال. وأن الذى أتى به موسى حقّ ، فقالوا (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، رَبِّ مُوسى وَهارُونَ)(١).

١٥ ـ وقوله تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) [٦٩].

قرأ أهل الكوفة سِحْر بغير ألف.

وقرأ الباقون ، وعاصم (ساحِرٍ). فالسّاحر ، الرّجل ، اسم الفاعل ، مثل : قاتل. والسّحر ، اسم الفعل. وإنما يكون حرفا ، وحرفين فإذا جعلت «ما» نصبا بأن جعلت الكيد خبر «إنّ». و (صَنَعُوا) صلة «ما» والتّقدير : إنّ الذى صنعوه كيد سحر وهو كيد ساحر. وإن جعلت «ما» صلة ، ونصبت «كيد» ب «صنعوا» ، كان صوابا كما قال الله تعالى (٢)(إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) فلو رفعت الأوثان هناك ، ونصبت الكيد هاهنا لكان صوابا / إلا أنّ القراءة سنّة ، ولا تحمل على ما تحمل عليه العربيّة.

١٦ ـ وقوله تعالى : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [٦٩]

قال المفسّرون ، يقتل حيث وجد.

قال أبو عبد الله : السّحر على ثلاثة أضرب :

إذا كان السّاحر يمرض المسحور ، ولا يقتل عزّر. وإن كان يقتل بسحره

__________________

(١) سورة الشعراء : آية : ٤٧ ، ٤٨.

(٢) سورة العنكبوت : آية : ١٧.

٤٤

قتل. وإن كان سحره بكلام فيه كفر استتيب منه ، فإن تاب منه وإلّا ضربت عنقه.

وكان النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما سحره بنات لبيد بن الأعصم (١) حتى مرض مرضا شديدا. فلمّا برأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عفا عنه. وكان يلقاه فلا يتغيّر له كرما منه عليه‌السلام.

وأمّا السّحر الحلال ، هو ، أن يكون الرّجل ظريف اللّسان ، حسن البيان. فسحر الإنسان كلامه. فذلك سحر حلال. من ذلك حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «إنّ من البيان لسحرا وإنّ من الشّعر لحكما».

ويقال : فلان ساحر العينين. وإنّ هروت ليطلع من جفنه إذا خلب الناس لحسن عينيه. فالسّحر هناك حلال ، والسّرقة بالعين حلال.

أنشدنى ابن مجاهد :

يا حسن ما سرقت عينى وما انتهبت

والعين تسرق أحيانا وتنتهب

إذا يد سرقت فالقطع يلزمها

والقطع فيسرق بالعين لا يجب

وأمّا قوله (٣) : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) ، قيل : من المخدوعين. وقيل : قوله : سَحرٌ أى : رئة يأكل ويشرب. قال الشاعر (٤) :

__________________

(١) انظر صحيح البخارى ، كتاب الطب ، باب السحر ١٠ / ٢٣٥ حديث : (٥٧٦٦) ، وصحيح مسلم ، كتاب السلام ، باب السحر ، ٤ / ١٧١٩ ، حديث (٢١٨٩).

(٢) الحديث فى صحيح البخارى : كتاب الطب ، باب إن من البيان لسحرا ، ١٠ / ٢٣٧ ، حديث (٥٧٦٧).

(٣) سورة الشعراء : آية : ١٥٣ ، ١٨٥.

(٤) البيت للبيد بن ربيعة العامرى ، ديوانه : ٥٦. والشاهد فى المجاز : ١ / ٣٨١ ، ومعانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٨٢ ، والجمهرة : ٢ / ١٣١ ، واللسان : (سحر).

٤٥

فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا

عصافير من هذا الأنام المسحّر

١٧ ـ وقوله : (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) [٧٣].

فقيل : إن فرعون أخذهم / بتعلم السّحر ، وتعليم أولادهم. وقيل : إنه حشرهم من البلدان فذلك الكراهية ، بمعنى الجلاء عن الوطن. والسّاحر العالم. ومنه قوله تعالى حكاية عن بنى إسرائيل إنّهم قالوا لموسى عليه‌السلام : (أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ)(١) أيّها العالم الفهم.

١٨ ـ وقوله تعالى : (لا تَخافُ دَرَكاً) [٧٧].

قرأ حمزة وحده لا تَخَف على النّهى ، وسقطت الألف لسكونها وسكون الفاء.

فإن قيل : فعلام نسق (وَلا تَخْشى)؟

فالجواب فى ذلك أنه جعل (وَلا تَخْشى) مستأنفا ، «ولا» بمعنى ليس. كما قال (٢)(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى).

وفيه جواب آخر : أن يكون أراد النّهى ؛ لا تخف دركا ولا تخش ، ثم زاد الألف لرءوس الآى ، وجعله مجزوما من أصل واجب كما قال الشّاعر (٣) :

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٩.

(٢) سورة الأعلى : آية : ٦.

(٣) البيت لقيس بن زهير العبسىّ فى شعره : ٢٩. وورد الشاهد فى : الكتاب : ١ / ١٥ ، ٢ / ٥٩ ، ونوادر أبى زيد : والجمل للزجاجى : ٣٧٣ ، والخصائص ١ / ٣٣٣ ، ٣٣٧ ، والمحتسب : ١ / ٦٧ ، ١٦٩ ، ٢١٥ ، والمنصف : ٢ / ٨١ ، ١١٤ ، ١١٥ ، وأمالى ابن الشجرى : ١ / ٨٤ ، ٨٥ ، ٢١٥. والخزانة : ٣ / ٥٣٤.

٤٦

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بنى زياد

وقرأ الباقون (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) بالرّفع عن الخبر. واتّفق القراء ها هنا على فتح الراء من (دَرَكاً). وهو شاهد لمن اختار فى الدَّرَكِ الأسفل (١).

١٩ ـ وقوله [تعالى] : (فَأَتْبَعَهُمْ) [٧٨] بقطع الألف عليه سائر القراء. وروى بالوصل ، والتّشديد عن نافع.

فمن قطع أراد : ألحقهم ولحقهم. ومن وصل أراد : تبعهم ، وسار فى أثرهم ، لقول العرب : تبعت زيدا : سرت فى أثره. واتّبعته : لحقه.

٢٠ ـ وقوله تعالى : (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ) [٨٠] ، قرأ حمزة والكسائىّ قد أنجيناكم من عدوّكم وواعدْتُكُم / بالتاء ، الله تعالى يخبر عن نفسه.

وقرأ الباقون (أَنْجَيْناكُمْ) بالألف ، والنون (وَواعَدْناكُمْ) بلفظ الجماعة. وإن كان الله تعالى هو المخبر عن نفسه. إلا أنّ الملك والرأس ، والرّئيس ، والعالم يخبرون عن أنفسهم بلفظ الجماعة ، والله تعالى ملك الأملاك. ألا ترى أنّ العبد لما سأل ربّه فقال : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً)(٢) ولم يقل ربّ ارجعنى ، قال الشّاعر :

__________________

(١) سورة النساء : آية : ١٤٥ وهى قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ، ورواية أبى بكر عن عاصم.

(٢) سورة المؤمنون : آية : ٩٩ ، و ١٠٠.

٤٧

يا ربّ لا تجعل له سبيلا

على الّذى جعلته مأهولا

قد كان بانيه لكم خليلا

ولم يقل : لك ، إلا أبا عمرو فإنه قرأ ووعدتكم بغير ألف. والباقون (وَواعَدْناكُمْ) بألف. وقد ذكرت علته فى (البقرة).

٢١ ـ وقوله تعالى : (آمَنْتُمْ) [٧١].

قرأ ابن كثير ، ونافع فى رواية ورش ، وحفص عن عاصم (آمَنْتُمْ) على لفظ الخبر من غير استفهام. وقرأ الباقون بالاستفهام. وقد ذكرت علّته فى (الأعراف).

٢٢ ـ وقوله تعالى : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [٨١].

قرأ الكسائى وحده : فيحُلّ عليكم بالضمّ ، ومن يحلُل بالضمّ أيضا.

وقرأ الباقون بالكسر فيهما (فَيَحِلَ) ومن (يَحْلِلْ) ، وهو الاختيار ؛ لإجماع الجميع على قوله : (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بكسر الحاء ، فذاك مثله. والعرب تفرق بين الضمّ والكسر. حلّ يحلّ : نزل ووقع ، وحلّ يحلّ : وجب عليه العذاب ، والأمر بينهما قريب.

فإن سأل سائل ، لم أدغمت القراء اللّام فى (أَنْ يَحِلَ) ، وأظهروه فى (يَحْلِلْ)؟

فالجواب فى ذلك / أنّ (وَمَنْ يَحْلِلْ) جزم بالشّرط. وعلامة الجزم

٤٨

سكون اللّام الثّانية ، وإذا اجتمع حرفان والثانى ساكن لم يجز الإدغام نحو : امدد أحلل ، مددت ، حللت. وإذا اجتمع متحركان أسكنت وأدغمت. والأصل أن يحلل عليكم فنقلت ضمة اللام إلى الحاء ، وأدغمت. فاعرف ذلك.

٢٣ ـ وقوله تعالى : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) [٨٧].

قرأ نافع ، وعاصم بفتح الميم ، وقرأ حمزة ، والكسائىّ بمُلكنا بضم الميم.

وقرأ الباقون (بِمَلْكِنا) بكسر الميم. فمن فتح جعله مصدرا لملكت ، أملك ، ملكا مثل ضربت ، أضرب ، ضربا. ومن ضم أراد به السّلطان ؛ لأنّ الملك السّلطان ، والملك : اسم لكل مملوك يقال : هذه الدار ملكى ، والدار مملوكة ، وهذا الغلام مملوك ، وأنا مالكها. وبعض العرب تقول : هذا الغلام بملكى ، يريد : ملكى. ويقال لوسط الطّريق : ملك ، مشيت فى ملك الطّريق (١). وسننه ، وسننه ، وسجحه ، ومعظمه ، وسراته. وفى بحبوحته ، وثكمه ، وكثمه. ومن ذلك الحديث (٢) : «لا تمشينّ امرأة فى سراة الطّريق» أى فى معظمه ، ووسطه. ولكنّها تمشى عجره ، أى ناحيته ، فأمّا قولهم : ملكت العجين ملكا (٣) ، وأملكته إملاكا ، فمعناه : جوّدت عجنه. تقول

__________________

(١) معانى القرآن للفراء : ٢ / ١٨٩ ، ١٩٠ ، ونوادر أبى زيد : ٣١٥ وتهذيب اللغة : ١٠ / ٢٧٠ ، ٢٧٢ ، واللسان : (ملك). وتحفة الأقران : ١٧٦.

(٢) فى النهاية : ٢ / ٣٦٤ «ليس للنساء سروات الطّرق» والحديث بلفظ مختلف فى سنن أبى داود (الأدب) ٤ / ٣٦٩ حديث (٥٢٧٢) ولفظه : «استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق». وفيض القدير : ٥ / ٣٧٥ ، ولفظه : «ليس للنساء وسط الطريق».

(٣) تهذيب اللّغة : ١٠ / ٢٧١.

٤٩

العرب (١) : «أملاك العجين أحد الرّيعين» أى : الزيادتين ، «واللّبن أحد اللّحمين» ، «وخفّة العيال أحد اليسارين» (٢). فأما قولهم (٣) : كنا فى / إملاك فلان ، فإنه يقال : أملكت الجارية ، وملكتها ، بمعنى ، قال : وسمعت أعرابيا يقول : ارحموا من لا ملك له يريد لا ملك له.

٢٤ ـ وقوله تعالى : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا) [٨٧].

قرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وحفص عن عاصم : (حُمِّلْنا) بالضم وقرأ الباقون بالفتح ، وهو اختيار لقوله : (فَقَذَفْناها) فكذلك حملنا ، فقذفناه. والأول على ما لم يسمّ فاعله. ووجهه أى : أمر بحملها وحملت إلى السّامرى ، فلما لم يسمّ السّامرى رفعت المفعول وضمممت أول الفعل.

٢٥ ـ وقوله تعالى : (أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [٩٣]

فى هذه الياء أربع قراءات.

كان ابن كثير يصل ويقف بالياء.

وكان أبو عمرو ، ونافع فى كلّ الرّوايات يقفان بغير ياء ، ويصلان بياء فتبعا المصحف فى الوقف ، وتبعا الأصل فى الدّرج ، إلا إسماعيل بن جعفر. فإنه روى عن نافع ألّا تتّبعنىَ أفعصيت بفتح الياء ، فيجب على من فتح الياء أن يقف بالياء.

__________________

(١) القول لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو فى غريب الحديث لأبى عبيد : ٣ / ٣٢٩ ، والفائق : ٢ / ٩٧ ، والنهاية : ٤ / ٣٥٩ ، وكذلك هو فى تهذيب اللغة : ١٠ / ٢٧١ ، واللّسان ...

(٢) فى سمط اللّالى : ٦٨٩ «خفّة الظّهر أحد اليسارين».

(٣) فى الجمهرة : ٣ / ١٧٠ ، والتهذيب : ١٠ / ٣٧٠ «شهدنا ملك فلان» عن الكسائى.

٥٠

وقرأ الباقون بغير ياء فى الوصل ، والوقف ، اجتزاء بالكسرة ، واتباعا للمصحف.

٢٦ ـ وقوله تعالى : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ) [٩٤].

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا عن عاصم ، وابن عامر يا بن امِّ بكسر الميم.

وقرأ الباقون يبنؤمَّ أمَّ.

فمن كسر أراد : يابن أمّى فحذف الياء.

ومن فتح فله ثلاث حجج :

إحداهنّ : أن يكون أراد : يابن أمّاه فرخّم.

والثانية : أن يكون جعل الاسمين اسما واحدا نحوه. بعل بك ، ومعديكرب ، وجارى بيت بيت.

والثالثة : أن يكون / أراد يابن أمّا ؛ لأنّ العرب تقول : يا أمّا بمعنى يا أمى ، ويا ربّا بمعنى يا ربى. قال الشاعر (١) :

فيا أبى (٢) ويا أبه

حسّنت إلّا الرّقبه

فحسّننها يا أبه

كيما تجىء الخطبه

__________________

(١) الأبيات ما عدا الأول فى اللسان : (حجب) ، وقد تقدم ذكرها فى الجزء الأول ص : ٢٩٩.

(٢) فى الأصل : «فيا أبى وانا ويا أبه».

٥١

بإبل محنجبه

للفحل فيها قبقبه

فإن سأل سائل فقال : إنّ العرب إنّما تحذف الياء من المنادى ، لا من المضاف إلى المنادى ، فيقولون : يأمّ ، ويابن أمّى فيخزلون الياء من الأولى ، ويثبتونها فى الثانية ، كما قال الشاعر (١) :

يابن أمّى ، ويا شقيّق روحى

أنت خلّيتنى لدهر كنود؟

فقل : هذه اللّغة الفصحى ، ومن العرب من يحذف الياء من هذا أيضا ، فيقولون : يابن أمّ ، ويا بن عمّ. قال الشاعر : (٢)

رجال ونسوان يودّون أنّنى

وإيّاك نخزى يابن عمّ ونفضح

٢٧ ـ وقوله تعالى : بما لم تبصروا به [٩٦].

قرأ حمزة والكسائىّ بالتاء جعلاه خطابا.

وقرأ الباقون بالياء إخبارا عن غيب.

وكان السّامرىّ بصر بأثر حافر فرس جبريل عليه‌السلام ، فتناول منه

__________________

(١) هو أبو زبيد الطائى ، والبيت فى ديوانه : ٤٨. وهو من شواهد الكتاب : ١ / ٣١٨ ، ومجاز القرآن : ٢ / ٢٥١ ، والمقتضب : ٤ / ٢٥٠ ، وأمالى ابن الشجرى : ٢ / ٧٤ ، ١٣١ : ١٥٣. ورواية البيت فى أغلب مصادره : «لدهر شديد». ورواية البيت فى الديوان تختلف عنها هنا فلتراجع.

(٢) هو جميل بن عبد الله بن معمر العذرى المعروف ب «جميل بثينة» ديوان : ٤٦ ، وروايته : «يابن عمى» وينظر : مجاز القرآن ٢ / ٢٦.

٥٢

قبصة ، وهى الأخذ بأطراف الأصابع (١) ، كذلك قرأها الحسن (٢).

وقرأ الناس ، فقبضتُ قبضتةً ، وهى بالكفّ ، فوقع فى نفسه أن ألقاه على جماد حىّ فعهد إلى حلىّ ، وفضة ، وذهب ، وحديد ، مما كان بقى من أصحاب فرعون الّذين أغرقهم الله (٣). فأذابه حتّى خلص الذّهب ، فأتّخذ عجلا جسدا له خوار ، وألقى القبضة / فيه فخار العجل ، ونطق.

٢٨ ـ وقوله تعالى : (لَنْ تُخْلَفَهُ) [٩٧].

قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو لن تخلِفه بكسر اللّام.

وقرأ الباقون (لَنْ تُخْلَفَهُ) على ما لم يسم فاعله ؛ فيكون المخلف غير المخاطب. والهاء كناية عن الموعد ، وهو المفعول والفاعل لم يذكر.

٢٩ ـ وقوله تعالى : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) [١٢٤].

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا عن عاصم بالإمالة فى الحرفين من أجل الياء.

وقرأ الباقون بالتّفخم على أصل الكلمة. ومعناه ، ومن كان فى هذه الدّنيا أعمى عن الهدى والرّشاد فهو فى الآخرة أعمى ، ونحشره يوم القيامة أعمى عن حجته.

٣٠ ـ وأما قوله [تعالى] : رُزْقا فقيل : عميا ، وقيل : عطاشا.

٣١ ـ وقوله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [١٠٢].

__________________

(١) معانى القرآن للفراء : ٢ / ١٩٠ ، وعنه فى زاد المسير : ٥ / ٣١٨ واللسان : (قبص).

(٢) قراءة الحسن : فى تفسير الطبرى : ١٦ / ١٥٢ ، والمحتسب : ٢ / ٥٥ ، والكشاف ٢ / ٥٥١.

(٣) معانى القرآن للفراء : ١٨٩. والقصة مفصله فى كتب التفسير فى سورتى (الأعراف) و (طه) بروايات مختلفة.

٥٣

قرأ أبو عمرو وحده نَنْفَخُ بالنّون لله تعالى ، يخبر عن نفسه.

وقرأ الباقون (يَوْمَ يُنْفَخُ) على ما لم يسمّ فاعله ، وحجّتهم (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ). وحجّة أبي عمرو (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ) ولم يقل ويحشر المجرمون.

فإن سأل سائل فقال : جاء فى الحديث (١) إنّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كيف أنعم ، وصاحب الصّور قد التقم القرن ، وحنا ظهره ينتظر متى يؤمر فينفخ فى الصّور». فلم قرأ أبو عمرو نَنْفَخُ؟

فالجواب فى ذلك : أنّ النافخ وإن كان إسرافيل ، فإن الله تعالى هو المقدّر لذلك ، وهو الآمر والخالق فينسب الفعل إلى نفسه ، كما قال تعالى (٢) :

(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) والّذى يتوفى هو ملك الموت صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٣٢ ـ وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [١١٤].

اتفاق [القرّاء] على ما لم يسم فاعله.

فإن قيل لك : ما علامة النّصب فى هذه القراءة؟

فقل : الأصل أن يقضي. فانقلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. فقال قوم : هذه الحجّة فى تأخير البيان ، لأنّ الله تعالى ينزل القرآن على نبيّه عليه

__________________

(١) لم أجد الحديث بهذا اللفظ ، وأغلب من روى هذا الحديث يرويه : «وحنى جبهته» فى مسند الإمام أحمد : ١ / ٣٢٦ ، ٣ / ٢٧ ، ٤ / ٣٧٤ ، والترمذى ٤ / ٦٢٠ (صفة القيامة) ، ٥ / ٣٧٢ (تفسير سورة الزمر) مجمع الزوائد : ١٠ / ٣٣١. «وحنى ظهره» وأول الحديث مخالف لما هنا ، ولعل صحة ما فى مجمع الزوائد : (حانيا ظهره).

(٢) سورة الزمر : آية : ٤٢.

٥٤

السّلام. قال : فيجب على رسول أن لا يحكم به حتّى يبيّن الله تعالى ذلك.

وقال آخرون : ـ وهو الشّافعى وأصحابه ـ لا يتأخر البيان عن الوحى ، والوحى عنه.

وهذه الآية إنّما نزلت فى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ربما أراد أن يحكم بحكم لم ينزل فيه القرآن ، فأمر الله عزوجل أن يمكث حتى يقضى إليه وحيه (١).

فإن قيل : فما وجه قوله (٢)(وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فقل : وجه المشورة من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمته تعليما لهم وتبركا ، لا أنّ هناك من هو أفهم من النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أعقل. (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ). وإنما يستشير أنه أتى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فيما لم يقض الله عزوجل وحيه ، فإذا نزل القرآن بطلت المشورة.

__________________

(١) للعلماء فى أسباب نزول هذه الآية كلام كثير وقد جمعه الإمام أبو حيّان فى البحر المحيط : ٦ / ٢٨٢ فقال : «... أى : تأنّ حتى يفرغ الملقى إليك الوحى ولا تساوق فى قراءتك قراءته وإلقاؤه كقوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) وقيل : معناه : لا تبلّغ ما كان منه مجملا حتى يأتيك البيان. وقيل : سبب الآية أن امرأة شكت إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ زوجها لطمها فقال لها : بينكما القصاص ، ثم نزلت : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) ونزلت هذه بمعنى التثبت فى الحكم بالقرآن. وقيل : كان إذا نزل عليه الوحى أمر بكتبه للحين فأمر أن يتأنى حتى تفسّر له المعانى ويتقرر عنده. وقال الماوردى : معناه : لا تسأل قبل أن يأتيك الوحى ، أن أهل مكة وأسقف نجران قالوا : يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحى وفشت المقالة بين اليهود قد غلب محمد فنزلت : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ...). أى بنزوله. وقال أبو مسلم : ولا تعجل بقراءته نفسك أو فى تأديته إلى غيرك أو فى اعتقاد ظاهره أو فى تعريف غيرك ما يقتضيه ظاهره احتمالات ... الخ». راجع تفسير الطبرى : ١٦ / ٢١٩ ، ٢٢٠ ، وتفسير الماوردى. (النكت والعيون) : ٣ / ٣١ ، ٣٢ زاد المسير : ٥ / ٣٢٥ وتفسير القرطبى ١١ / ٢٥٠ ، وتفسير القرآن لابن كثير. ٥ / ٣١٢ والدر المنثور : ٤ / ٣٠٩.

(٢) سورة آل عمران : آية : ١٥٩.

٥٥

٣٣ ـ وقوله تعالى : ف (أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها) [١١٩].

قرأ نافع ، وعاصم فى رواية أبى بكر بكسر «إن» على الاستئناف.

وقرأ الباقون بالفتح عطفا على قوله : أنّ لك ألّا تجوع فيها ... (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها) والظّمأ : العطش. يقال رجل ظمآن وعطشان ونطشان (١) وصديان ، وصاد ، وعيمان (٢) ، غيمان (٣) ، وملتاح ، ومعتلّ ، ومهتاف ، وهيمان ، وناسّ (٤) بتشديد السين / ونجر ونحر (٥) ، ونفر ، ولهبان (٦). كلّ ذلك بمعنى عطشان.

٣٤ ـ وقوله [تعالى] : (وَلا تَضْحى) [١١٩].

أى لا تظهر للشّمس. رأى ابن عمر رجلا يلبّى وقد أخفى صوته فقال : أضح لمن لبّيت له ، أى : إظهر. قال عمر بن أبى ربيعة (٧) :

__________________

(١) هذه الكلمة تستعمل اتباعا لعطشان انظر : الإتباع لأبى الطيب اللغوى : ٩٤.

(٢) النوادر لأبى زيد : ٢٤٣ ، واللسان : (عيم).

(٣) النوادر لأبى زيد : ٢٤٣ ، وتهذيب اللغة : ٨ / ٢١٦. قال : «والغيمة العطش». وفى النوادر قال أبو الحسن الأخفش فيما علقه على النوادر : «هكذا الصواب» غيمها «بالغين وليس هذا موضع العيم والعيمة إنما العيمة شهوة اللّبن».

(٤) تهذيب اللغة : ١٢ / ٣٠٧.

(٥) جاء فى اللّسان : (نجر) النّجر ـ بالتّحريك : عطش يصيب الإبل والغنم عن أكل الحبّة فلا تكاد تروى من الماء .. ثم نقل عن التهذيب عن يعقوب : وقد يصيب الإنسان. ومنه شهر ناجر وكل شهر فى صميم الحرّ فاسمه ناجر وانظر أسماء الأيام والليالى والشهور للفراء : ٤٩.

(٦) اللسان : (لهب) قال : واللهاب ، واللهبان واللهبة بالتسكين : العطش.

(٧) ديوان عمر بن أبى ربيعة : ٩٤. والأول منها فى مجاز القرآن : ١ / ٣٣ ، ومعانى القرآن للفراء : ٢ / ١٩٤ ، والطبرى : ١٦ / ١٤٦. وتفسير القرطبى : ١١ / ٢٥٤.

٥٦

رأت رجلا أمّا إذا الشّمس عارضت

فيضحى وأمّا بالعشىّ فيخصر

أخا سفر جوّاب أرض تقاذفت

به فلوات (١) فهو أشعث أغبر

٣٥ ـ وقوله تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً ، وَلا هَضْماً) [١١٢].

قرأ ابن كثير : فلا تخف ظلما على النّهى ، جزما ، وعلامة الجزم سكون الفاء. وسقطت الألف لسكونها ، وسكون الفاء.

وقرأ الباقون (فَلا يَخافُ).

على الخبر رفعا. والظلم فى اللّغة : وضع الشىء فى غير موضعه. والهضم : النّقصان يقال : بخسنى حقّى ، وهضمنى ، وضارّنى ، بمعنى : نقصنى.

٣٦ ـ وقوله تعالى : (لَعَلَّكَ تَرْضى) [١٣٠].

قرأ الكسائىّ ، وعاصم ـ فى رواية أبى بكر ـ تُرضى بضم التاء على ما لم يسم فاعله ، أى : غيرك يرضيك.

وقرأ الباقون (تَرْضى) بفتح التاء. والأمر بينهما قريب ؛ لأنّ كلّ من أرضى فقد رضى قال الله تعالى (٢) : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً).

٣٧ ـ وقوله تعالى : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) [١٣٣].

قرأ أبو عمرو ونافع وحفص عن عاصم : بالتاء لتأنيث البينة.

__________________

(١) فى الأصل : «به الفلوات».

(٢) سورة الفجر : آية : ٢٨.

٥٧

وقرأ الباقون : بالياء ؛ لأنّ تأنيث البينة غير حقيقىّ ؛ ولأنّك قد حجزت بين البينة والفعل بحاجز. والاختيار التاء ؛ لأنّ بعض القرآن يشهد لبعض. وكان جماعة من الصحابة / والتابعين يحتجّون لبعض القرآن على بعض قال الله تعالى (١) : (جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ).

فهذا شاهد (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ).

(واختلف القراء فى اثنى عشر ياء) :

(إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ) [١٠] (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) [١٤].

(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ)(٢) [٢] (لِذِكْرِي) [١٤] (وَلِيَ فِيها) [١٨] ويسّرى لى أمرى [٢٦] (أَخِي اشْدُدْ) [٣٠] (عَلى عَيْنِي) [٣٩] (لِنَفْسِي اذْهَبْ) [٤١ ، ٤٢] (فِي ذِكْرِي اذْهَبا) [٤٢ ، ٤٣].

(بِرَأْسِي) [٩٤] (حَشَرْتَنِي) [١٢٥]

فتحهن نافع إلا اثنين. قوله : (أَخِي اشْدُدْ) [٣٠] (وَلِيَ فِيها) [١٨].

وفتحهن أبو عمرو أيضا إلا اثنين (لِمَ حَشَرْتَنِي) [١٢٥].

وأسكن ابن كثير خمسا (وَلِيَ فِيها).

(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) [٢٦] (لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ عَلى عَيْنِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي) [٩٤]

وفتح عاصم فى رواية حفص (وَلِيَ فِيها).

والباقون يسكنون كلّ ذلك.

__________________

(١) سورة البيّنة : آية : ٤. فى الأصل : «حتى جاءتهم ...» والآية : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ ...) أو (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).

(٢) فى الأصل : «أنا ربكم».

٥٨

قال ابن مجاهد ، حذف من هذه السّورة ياءان (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) وقد ذكرته و (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) الوصل والوقف و (بِالْوادِ) بغير ياء ؛ وذلك أن الياء لما سقطت لفظا لسكونها وسكون اللام سقطت خطا. فالمقدس ، المطهّر. قيل فى قوله : (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) و (الْوادِ الْمُقَدَّسِ) : فلسطين والأردن وقيل : دمشق.

٥٩

(ومن سورة الأنبياء عليهم‌السلام)

١ ـ قوله تعالى : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [٤].

قرأ حمزة ، والكسائىّ ، وحفص عن عاصم. (قالَ رَبِّي) على الخبر جعلوه فعلا ماضيا.

وقرأ الباقون : قل ربّى على الأمر. أى : قل يا محمد ذلك.

٢ ـ وقوله تعالى : (رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [٧].

روى حفص عن عاصم (نُوحِي) / بالنّون ، الله تعالى يخبر عن نفسه ، وحجّته (وَما أَرْسَلْنا) لأنّ النّون والألف اسم الله تعالى.

وقرأ الباقون : يوحى على ما لم يسمّ فاعله بالياء. وهذه الآية إنما نزلت جوابا لقوم كفروا بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : إنما هو بشر مثلنا ، فهلّا كان ملكا ، قال الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمّد من رسول (إِلَّا رِجالاً) مثلك (نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا) يا معشر الشّكّاك (أَهْلَ الذِّكْرِ) أى : أهل التّوراة والإنجيل (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

٣ ـ وقوله تعالى : (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) [٤٥].

قرأ ابن عامر وحده ولا تسمع بالتاء [و] الصّمّ نصبا أى : ولا تسمع أنت يا محمّد الصّمّ. كما قال (١) : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ، لأنّ الله تعالى لمّا خاطبهم فلم يلتفتوا إلى ما دعاهم إليه رسوله.

__________________

(١) سورة فاطر : آية : ٢٢.

٦٠