الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي
المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٧٣
مكسور على الإبتداء ، ويتلوه قوله : وإنّهم ... مكسور نسق على قوله : وإنّه كان ثم ينقطع قول الله ههنا فيقول الجن : وإنّا لمسنا السّماء وهذا مكسور منسوق على ما تقدم من قول الجنّ ، ثم يقول الجن : أيضا وإنّا لا ندرى ثم يقول : وإنّا منّا الصّالحون ثم ينقطع قول الجن هاهنا. ثم يقول الله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) نسق على قوله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ) وكذلك : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) وإنّه لمّا قام عبد الله ، والجنّ فى اللغة : الجنّ ، والجنّ : الإنس ، والجنّ : الملائكة ، والجنّة : الإنس ، والجّنّة : الملائكة ، والجنّة : الجنّ ، والحنّة : كلاب الجنّ ، ويقال : الحنّ : سفلة الجنّ ، والجنّ الجنون ، والجنون : جنون الشّباب ، وجنون السّكر ، وجنون الشّيطان ، ويقال : نبت مجنون ، وشجرة مجنونة : إذا أفرطت طولا وأنشد (١) :
حتّى إذا ما أخصبت وتربّعت |
|
بقلا بعيهم والحمى مجنونا |
٢ ـ وقوله تعالى : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) [١٧].
قرأ أهل الكوفة بالياء إخبارا عن الله تعالى.
والباقون بالنون نسلكه الله يخبر عن نفسه.
ومن العرب من تقول سلك زيد الطّريق ، وسلّكه غيره ، ومن العرب من يقول : أسلكه غيره ، وينشد (٢) :
__________________
(١) البيت فى المحكم : ٧ / ١٥٨ ، وعنه فى اللّسان : (جنن). وعيهم : موضع.
(٢) البيت لعبد مناف بن ربع الجربىّ الهذلى ، فى شرح أشعار الهذليين : ٦٧٥ ، من قصيدة أولها : ـ
حتّى إذا أسلكوهم فى قتائدة |
|
شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا |
٣ ـ وقوله [تعالى] : (عَذاباً صَعَداً) أى : أشدّ العذاب ، من قوله تعالى (١) : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) فأمّا قول العرب : تنفّس فلان الصّعداء على فعلاء ، الأكثر فى / كلامهم ، وقال آخرون : تنفس صعدا على وزن عرف.
٤ ـ وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) [٢٠].
قرأ عاصم وحمزة (قُلْ) على الأمر.
وقرأ الباقون : قال على الخبر ، والأمر بينهما قريب.
فحدّثنى ابن مجاهد عن سلمان البصرىّ عن أبى حاتم عن يعقوب قال أبو عمرو : ما أبالى كيف قرأت (قل) أو (قال).
قال أبو عبد الله : لأنّ الله تعالى لمّا أمره فقال : (قل) ثم فعل المأمور ما أمر به أخبر عنه ، فقيل : قال إنّما أدعو ربّى.
٥ ـ وقوله تعالى : (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) [١٩].
قرأ ابن عامر وحده برواية هشام لُبَدا على وزن غرف.
وقرأ الباقون : (لِبَداً) مثل كسر ، لبدة ولبد ولبدة ولبد.
وحدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد أن أبا جعفر قرأ لُبَّدا بالتّشديد ، قال : هو جمع لا بد ولبّد مثل راكع وركّع ، ومعناه : أن الجن لشغفهم بقراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولإعجابهم أحسن ما سمعوا أرادوا أن يشتملوا عليه ويجتمعوا.
__________________
ـ ماذا يغير ابنتى ربع عويلهما |
|
لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا |
قتائدة : مكان ؛ معجم البلدان : ٤ / ٣١٠ ، عن الأزهرى والأديبى وأنشد البيت والشلّ : الطّرد ، والجمّالة : أصحاب الجمال.
(١) سورة المدثر : آية : ١٧.
قال أبو عبيدة (١) : كادوا يكونون عليه لبدا أى : جماعات واحدها : لبدة ، وكذلك يقال [للجراد](٢) إذا كثر ، قال عبد مناف :
صابوا بستّة أبيات وأربعة |
|
حتّى كأنّ عليهم [جابئا] لبدا |
وقال الفرّاء (٣) : أراه (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) يريد : النّبى عليهالسلام ليلة أتاه الجن ببطن نخلة : (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قال : يركبون النّبىّ عليهالسلام رغبة فى القرآن وشهرة له.
وقرأ ابن محيصن وعاصم الجحدرى (٤) : لُبَدا بضم اللام وفتح الباء.
وروى عن الجحدرىّ (٥) لُبْدا.
وروى عن هارون (٦) لُبُدا بضمتين مثل ثمر. ففيه أربع قراءات على هذا ، لبدا ، ولبدا ، ولبدا ، وقال بعضهم : لبدا مثل أسد ، وأسد / ويقال : أسد ذو لبدة : إذا تلبّد شعره بين كتفيه ، وركب بعضه بعضا.
٦ ـ وقوله تعالى : (رَبِّي أَمَداً) [٢٥].
أسكن الياء الكوفيون وابن عامر.
__________________
(١) فى الأصل : «أبو عبيد» والنصّ لأبى عبيدة فى المجاز : ٢ / ٢٧٢ وعبد مناف هو المذكور فى البيت الذى قبله ، والبيت من القصيدة ذاتها (شرح أشعار الهذليين : ٦٧٤). وفى الأصل : «جاثيا».
(٢) فى الأصل : «للجن».
(٣) المعانى له : ٣ / ١٩٤.
(٤) إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٥٢٧ ، تفسير القرطبى : ١٩ / ٢٤ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.
(٥) تفسير القرطبى : ١٩ / ٢٤ ، البحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.
(٦) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٤ ، والمحتسب : ٢ / ٣٣٤ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٢٤ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.
وفتحها الباقون.
والأمد : الغاية ، وقال الشاعر (١) :
* سبق الجواد إذا استولى على الأمد*
* * *
__________________
(١) البيت للنابغة الذبيانى ، ديوانه : ٢٢ من قصيدته التى يعتذر فيها إلى النعمان أولها :
يا دارميّة بالعلياء فالسّند |
|
أقوت وطال عليها سالف الأبد |
ومنها :
ولا أرى فاعلا فى النّاس يش |
|
بهه ولا أحاشى من الأقوام من أحد |
إلا سليمان إذ قال الإله له |
|
قم فى البريّة فاحددها على الفند |
وخيّس الجن إنّى قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصفاح والعمد |
فمن أطاعك فانفعه بطاعته |
|
كما أطاعك وادلله على الرشد |
ومن عصاك فعاقبه معاقبة |
|
تنهى الظّلوم ولا تقعد على ضمد |
إلّا لمثلك أو من أنت سابقه |
|
سبق الجواد إذا استولى على الأمد |
(ومن سورة المزمل)
١ ـ قوله تعالى : (أَشَدُّ وَطْئاً) [٦].
قرأ أبو عمرو وابن عامر : وِطاء بكسر الواو على فعال جعلاه مصدرا لواطأ يواطئ مواطأة ووطاء ، ومعناه : يواطى السّمع والقلب ؛ لأنّ الصلاة باللّيل وإن كانت أشدّ على المؤمن من صلاة النّهار ، وما يغشاه من النّعاس فهو أقوم قيلا.
وقرأ الباقون : وَطا على فعل بفتح الواو.
وروى الوقّاصىّ (١) عن الزّهرىّ : أشدّ وِطأ بكسر الواو وإسكان الطاء من غير مدّ.
حدّثنى ابن مجاهد قال : حدّثنا نصر عن أبيه عن هرون ، قال : حدّثنا يونس عن ابن أبى مليكة (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) قال : بعد عشاء الآخرة وقيل : (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) من أولها إلى آخرها وقيل : من أول اللّيل ، وقيل : ساعة من اللّيل. والاختيار أن الناشئة : ما أحياه المصلّى من بعد نومه (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) أى : ما تقضى حوائجك.
وقرأ يحيى بن يعمر : سبخا بالخاء (٢) ، وكذلك الضّحاك. ومعنى
__________________
(١) هو أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبى وقاص الوقّاصىّ ، روى عن الزّهرى ، وروى عنه العراقيون ، وكان يروى الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به. (تهذيب التهذيب : ٧ / ١٢٢). والقراءة فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٧ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٦٣.
(٢) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٧ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٤٢.
السّبخ : التّوسعة ، يقال : سبّخت القطن : إذا وسّعته للنّدف. ويقال لما يتطاير من القطن عند النّدف : سبائخ وأنشد (١) :
فأرسلوهنّ يذرين التّراب كما |
|
يذرى سبائخ قطن ندف أوتار |
وقال اللّحيانىّ فى «نوادره» إنّ لك فى النّهار سبخا أى : نوما ، وسبحا بالحاء أى : راحة.
وقال آخرون : هما بمعنى. ومن قرأ : (وَطْئاً) فمعناه أشدّ مكابرة / من ذلك قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) : «اللهم أشدد وطأتك على مضر».
فإن سأل سائل فقال : ما معنى (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)؟
فقل : معناه : ثقيلا فى الأجر ليس بخفيف ، ولا سفساف.
وهذه السّورة من أوائل ما نزل على النّبى عليهالسلام. وذلك أنّ الناموس الأكبر يعنى جبريل عليهالسلام لما لقى رسول الله عليهالسلام ، قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ففزع لذلك فزعا شديدا. فصار إلى بيته ، وقد اقشعر وقال : زمّلونى أى : دثّرونى وغطّونى ـ يقال : تزمّل الرّجل فى ثيابه ، وتزمّل للنّوم فى لحافه ـ فجاءه جبريل عليهالسلام ، وقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) بتشديد الزّاى والميم ، لا يجوز لأحد أن يقرأ بغيره ومعناه : المتزمّل فاندغمت التاء فى الزّاى. فالتّشديد من جلل ذلك.
__________________
(١) البيت للأخطل فى شرح شعره : ١ / ١٦٦ من قصيدته فى مدح يزيد بن معاوية أولها :
تغيّر الرّس م من سلمى بأحفار |
|
وأقفرت من سليمى دمنة الدّار |
والشّاهد فى العين : ٤ / ٢٠٤ ، وجمهرة اللغة : ١ / ٢٨٩ ، ٢ / ٦٧٣ ، ومعجم المقاييس : ٣ / ١٢٦ ، واللّسان : (سبخ).
(٢) النهاية : ٥ / ٢٠٠.
وكذلك هى قراءة ابن مسعود (١) : يا أيّها المتزمل ومثله (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [١] والأصل : المتدثّر. وإنّما شدّدت الميم والتّاء لأنّهما عينان من الفعل ، ووزنه : متفعّل ، بتشديد العين مثل متكلّم ومتكبّر. والمصدر من المدغم : ازّمل يزّمل ازّمالا فهو مزّمّل
٢ ـ وقوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [٩].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر غير حفص : ربِّ المشرق بالكسر بدلا من قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ).
وقرأ الباقون بالرّفع على الاستئناف.
٣ ـ وقوله تعالى : (نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) [٢٠].
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر الفاء ، والثّاء على معنى : أنّك تقوم أدنى من نصفه وثلثه.
وقرأ الباقون : (نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالنّصب على أنّك تقوم نصفه وثلثه.
وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير وثُلْثَه / مخففا وهما لغتان الرّبع والرّبع والعشر والعشر.
وروى الحلوانىّ عن هشام عن ابن عامر : (ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) ساكنا أيضا.
قال أبو عبيد : الاختيار الخفض فى نصفِه وثلثِه ، لأنّ الله تعالى قال : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) قال فكيف يقدر على أن يعرفوا ثلثه ونصفه وهم لا يحصونه.
__________________
(١) البحر المحيط : ٨ / ٣٦٠.
وقال غيره : ليس معنى (لَنْ تُحْصُوهُ) ما ذهب إليه أبو عبيد ، ولكن معناه : لن تطيقوه ، يعنى قيام اللّيل ، فخفف الله تعالى ذلك عليهم ، قال : والاختيار النّصب ؛ لأنها أصحّ فى النّظر. قال الله تعالى لنبيّه عليهالسلام : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) أى : صلّ الليل إلا شيئا قليلا منه تنام فيه ، وهو الثّلث والثّلث يسير عند الثلثين ، ثم قال : نصفه ، فاكتفى بالفعل الأول من الثّانى ؛ لأنّه دليل عليه ، وانقص من النّصف قليلا إلى الثّلث ، أو زد على النّصف إلى الثّلثين ، جعل الله له سعة فى مدة قيامه فى اللّيل ، فلما نزلت هذه الآيات قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وطائفة من المؤمنين معه أدنى من ثلثى الليل شيئا يسيرا وقاموا نصفه ، وثلثه ، وأخذ المسلمون أنفسهم بالقيام على المقادير حتّى شقّ ذلك عليهم. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) أى : تقوم نصفه وثلثه ، (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) مقدار ثلثيه ونصفه ، وثلثه ، وسائر أجزائه ، ويعلم أنّكم لن تحصوه ، أى : لن تطيقوا القيام على هذه المقادير (فَتابَ عَلَيْكُمْ ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). فذهب الشّافعى رضى الله عنه إلى أن ما تيسر من القرآن هو (الحمد) ، وقيل : مائة آية ، ورخّص لهم فى أن يقوموا ما أمكن ، ثم نسخ الله ذلك بالصلوات الخمس.
قال أبو عبيد فأمّا نصفه فأجمع القراء على كسر النون وإسكان الصّاد وللعرب فيه أربع لغات : يقال : نصف الشىء ، ونصفه ونصفه ، ونصيفه. ومن ذلك حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) : «لا تسبّوا أصحابى فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه». قال الشّاعر (٢) :
__________________
(١) مسند الإمام أحمد : ٣ / ١١.
(٢) هما لسلمة بن الأكوع فى اللّسان (نصف) عن أبى عبيد وبعدهما :
لكن غذاها اللّبن الخريف |
|
المحض والقارض والصّريف |
لم يغذها مدّ ولا نصيف |
|
ولا تميرات ولا تعجيف |
والنّصيف فى غير هذا : الخمار.
حدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد أن زيد بن ثابت قرأ (١) : (فَلَهَا النِّصْفُ) بضمّ النّون.
* * *
__________________
ـ وينظر : غريب الحديث : ٢ / ١٦٦ قال أبو عبيد : «إنها منعمة فى سعة لم تغذ بمدّ تمر ولا نصيفه ، ولكن بألبان اللّقاح».
(١) سورة النّساء : آية : ١١. والقراءة فى إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٣٩٩ ، والبحر المحيط : ٣ / ١٨٢ ، وهى قراءة أبى عبد الرحمن السلمى وعلى وزيد بن على.
(ومن سورة المدثر)
١ ـ قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [٥].
قرأ عاصم فى رواية حفص : (وَالرُّجْزَ) بضم الرّاء.
وقرأ الباقون : والرِّجز بالكسر ، فقال قوم : الرّجز والرّجز لغتان ، قالوا : والكسر أفصح ، لأنّ الرّجز والرّجس سيّان. العرب تبدل الرّاء سينا ، ومثله الأزد والأسد.
وقال آخرون : الرّجز بالضّمة : الصنم. وكان الرّجز صنمين ، إساف ونائلة فزجر الله من كان يعظّمهما.
٢ ـ وقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [٣٣].
قرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم : (إِذْ أَدْبَرَ).
وقرأ الباقون : إذا دَبَرَ فقال قوم : دبر وأدبر : لغتان ، وقبل وأقبل : لغتان ، والاختيار عندهم دبر لعلتين :
إحداهما : أنّ ابن عبّاس قال : يا عكرمة هذا حين دبر اللّيل.
والعلة الثّانية : أنّ العرب تقول : / دبر فهو دابر وأنشد (١) :
صدعت غزالة قلبه بكتيبة |
|
تركت مسامعه كأمس الدّابر |
__________________
(١) البيت لعمران بن حطّان ، الشاعر الخارجيّ المشهور. فى ديوان الخوارج : ١١٤ وقبله :
أسد علىّ وفى الحروب نعامة |
|
فتخاء تنفر من صفير الصافر ـ |
وفيها قراءة ثالثة : قرأ أبىّ بن كعب (١) : إذا أدبر بزيادة ألف.
وحجّة نافع وحمزة قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢) : «إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا فقد أفطر الصّائم». قال أبو عبيد : أدبر : ولى ، ودبر : جاء خلفى.
٣ ـ وقوله تعالى : (إِنَّها لَإِحْدَى) [٣٥].
اتّفقت القراء السّبعة على قطع الألف من (إحدى) كما قال تعالى (٣) : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) وإنما ذكرته لأنّ ابن مجاهد حدّثنى عن ابن أبى خيثمة وإدريس عن خلف عن وهب بن جرير عن أبيه قال : سمعت ابن كثير يقرأ : إنّها لَحْدى الكِبَر لا يهمز ولا يكسر.
قال أبو عبد الله : أسقطت الهمزة تخفيفا ، كما تقول العرب : زيد الأحمر وزيد لحمر (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٤) وأصحابُ لَيكة والاختيار قطع الألف ؛ لأنّ العرب إذا حذفت مثل هذا نقلت حركة الهمزة إلى السّاكن قبله واللّام قبل هذه الهمزة متحركة ، واللّام فى الأحمر لام التّعريف ساكنة.
٤ ـ وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) [٥٠].
قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء جعلاها مفعولة.
__________________
ـ هلا برزت إلى غزالة فى الوغى |
|
بل كان قلبك فى جناحى طائر |
صدعت غزالة قلبه بفوارس |
|
............................. البيت |
وينظر : جمهرة اللغة : ٩٢٣ ، والأغانى : ١٦ / ١٥٥.
(١) البحر المحيط : ٣٧٨.
(٢) مسند الإمام أحمد : ١ / ٣٥ ، ٤٨.
(٣) سورة القصص : آية : ٢٧.
(٤) سورة ق : آية : ١٤.
وقرأ الباقون بكسر الفاء جعلوهن فاعلات من نفرت ، وينشد (١) :
اربط حمارك إنه مستنفر |
|
فى إثر أحمرة عمدن لغرّب |
فلا يجوز فى هذا فتح الفاء ؛ لأنّه لم يستنفره أحد. والعرب تقول : نفر واستنفر بمعنى ، وعلا قرنه واستعلاه بمعنى ، وسمع أعرابى رجلا يقرأ : (كَأَنَّهُمْ (٢) حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) فقال : طلبها قسورة ، قيل له : ويحك إنّه فى القرآن : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) فقال : فمستنفرة إذا. والقسورة : الرّماة ، والقسور بغير هاء : نبت ، والقسورة : الأسد. فأمّا قول امرئ القيس (٣) :
* ...... كمشية قسورا*
يصف الأسد ، وأنه أراد : كمشية قسورة ثم رخّم الهاء وأتى [بالألف] للقافية.
٥ ـ وقوله تعالى : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ) و (الْآخِرَةَ) [٥٣].
قرأ ابن عامر : بل لا تخافون الأخرة بالتّاء على الخطاب.
وقرأ الباقون بالياء ردّا على قوله : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ومنشّرة بتشديد الشّين ؛ لأن الصحف كثيرة. وهى قراءة
__________________
(١) معانى القرآن للفراء : ٣ / ٢٠٦ ، ومعانى القرآن وإعرابه للزّجاج : ٥ / ٢٥٠ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٨٧ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٨٠ ، وروايته هناك : (عهدن العرب). و (غرّب) جبل فى بلاد بنى كلب دون الشام. قال ياقوت فى معجم البلدان : ٤ / ١٩٢ : «بضمّ أوله وتشديد ثانيه وآخره باء موحدة ، علم مرتجل لهذا الموضع اسم جبل دون الشام فى ديار بنى كلب ...».
(٢) فى الأصل : «كأنّه».
(٣) ديوان امرىء القيس بعناية ابن أبى شنب ـ رحمهالله ـ : ٣٠٥ والبيت بتمامه :
وعمرو بن درماء الهمام إذا غدا |
|
بذى شطب عضب كمشية قسورا |
النّاس إلّا ما حدثني ابن مجاهد عن عبيد الله بن نصر عن المعتمر عن محمّد بن الهيضم عن ابن سعيد بن جبير (١) : صحفا مُنْشرة بتخفيف الشّين ولم يذكر فى الصّحف شيئا ، قال : وحدّثنا الجمّال عن المعتمر بإسناده مثله وقال : صُحْفا مُنْشرة خفيفتين.
٦ ـ وقوله تعالى : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [٥٦].
قرأ نافع وحده : وما تذكرون إلا أن يشاء الله بالتّاء على الخطاب.
وقرأ الباقون بالياء ردّا على ما قبله.
* * *
__________________
(١) القراءة فى المحتسب : ٢ / ٣٤٠ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٢٠ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٨
(ومن سورة القيامة)
١ ـ [قوله تعالى] : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [١].
قرأ ابن كثير وحده فى رواية قنبل : لأُقسم بغير مدّ جعل اللّام لام تأكيد ، كما تقول : أقوم ثم تدخل اللام فتقول : لأقوم ، والاختيار من قصد هذا لأقسمن ولأقومن ، وقد روى ذلك عن الحسن أيضا. قال : لأنّ الله تعالى أقسم بالنّفس اللّوّامة هى التى تلوم نفسها يوم القيامة إن فعلت شرّا ، وتلوم إن فعلت خيرا لم لم تزدد ، وإنما ذهب من / قرأ لأُقسم بغير مدّ إلى أنّه فى المصحف بغير ألف. وقال مقاتل : لم يقسم الله تعالى فى القرآن بالكافر إلّا فى هذه السّورة فقط.
وقرأ الباقون : (لا أُقْسِمُ) بالمدّ ؛ لأنّ بعد «لا» ألفا فى اللفظ.
واختلف النّحويون فى «لا» هاهنا ، فقال الكسائى وأبو عبيدة «لا» صلة زائدة ، والتقدير : أقسم. وقال غيرهما : العرب لا تزيد «لا» فى أوّل الكلمة ، ولكن هاهنا ردّ لقوم أنكروا البعث وكفروا بالتّنزيل ، فقال الله تعالى لا ، أى : ليس كما تقولون. ثم قال : أقسم بيوم القيامة.
و «لا» تنقسم أربعين قسما قد أفردت له كتابا.
٢ ـ وقوله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) [٧].
قرأ نافع وحده : بَرَقَ بفتح : الراء.
والباقون بالكسر. واحتجّوا بأن بَرَقَ لا يكون إلّا فى الضّوء. يقال برق أى : لمع ، وبرق الحنظل وغيره. فأمّا برق فمعناه : تحيّر ،
قال الشّاعر (١) :
لمّا أتانى ابن صبيح راغبا |
|
أعطيته عيساء منها فبرق |
أى : تحيّر. ومثله بعل وذهب.
حدّثنى ابن مجاهد قال : حدثّنا اسماعيل عن محمد بن إسحق البلخى قال : حدّثنا عمرو بن مضارب قال : سمعت الحسن يقرأ : فإذا بَرَقَ البصر فقلت : خالفت عالم الله فقال : أخطأ عالم الله. قال أهل اللّغة : برق وبرق لغتان ، يقال للميّت إذا شخص : قد برق بصره. وخسف القمر يعنى قمر العين ، وهو ضوؤها.
٣ ـ [وقوله تعالى] : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [١٠].
قرأ القرّاء السّبعة بفتح الفاء.
وقرأ ابن عبّاس (٢) : أين المفِرّ بالكسر. قال الفراء : المفرّ والمفرّ / والمدبّ والمدبّ بمعنى واحد ، يقال : المفرّ بالفتح : المصدر ، وهو الفرار ، والمفرّ الذى يفرّ إليه وحدّثنى ابن مجاهد : قال : حدثنا موسى بن هارون عن عبد الرحمن بن أبى حماد عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن مجاهد (٣) عن ابن عبّاس
__________________
(١) فى مجاز القرآن : ٢ / ٢٧٧ ، وقال الكلابى. وينظر : تفسير الطبرى : ٢٩ / ٩٧ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٩٤.
(٢) معانى القرآن للفراء : ٣ / ٢١٠.
(٣) أورده الفراء بسنده ، وقال : «عن سلمة بن كهيل عن أبيه عن رجل عن ابن عبّاس أنه قرأ ...».
أين المفِرّ بكسر الفاء. قال ابن عبّاس : يعنى الهرب (كَلَّا لا وَزَرَ) أى : لا ملجأ يلجأون إليه. ويقال : الوزر : جبل بمكّة (١). وكانت العرب تلجأ إليه عند الشّدائد فخبرهم الله أن لا حصن لهم ، ولا مفرّ ولا ملجأ من الله إلا إليه.
وأخبرنى أبو العباس بن زريق عن عبد الله بن سفيان قال : تقول العرب (٢) : «لكلّ داخل برقة» ، أى : دهشة.
قال أبو عبد الله : وهو من قول الله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أى : دهش وتحيّر.
٤ ـ وقوله تعالى : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) [٢٠].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : بل يحبّون ... ويذرون [٢٠ ، ٢١] بالياء ردّا على الإنسان.
وقرأ الباقون بالتّاء على الخطاب أى : قل لهم يا محمد : (بَلْ تُحِبُّونَ) هذه العاجلة الفانية (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) الباقية ، ثم وصف تعالى المؤمن والكافر على أثرها فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) [٢٢] أى : مشرقة حسنة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [٢٣] ، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) [٢٤] أى : كالحة من قوله (٣) : (عَبَسَ وَبَسَرَ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [٢٥].
قال أبو عبد الله : ذكر الخليل فى كتاب «العين» (٤) قال عبس
__________________
(١) فى مجاز القرآن : ٢ / ٢٧٧ : «لاوزر ؛ لا جبل».
(٢) فى مجمع الأمثال : ٢ / ١٨٧ ، والمستقصى : ٢ / ٢٩٢ : «لكلّ داخل دهشة».
(٣) سورة المدثر : آية : ٢٢.
(٤) العين : ١ / ٣٤٣.
الرّجل ، فإن أبدى عن أسنانه قيل : كلح ، فإن اهتمّ لذلك قيل : بسر فإن عضب قيل : بسل ، فإن زوى عن عينيه فهو قاطب ، يقال : قطّب ما بين عينيه وقبّط /.
٥ ـ وقوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ) [٢٧]
قرأ عاصم فى رواية حفص : (وَقِيلَ مَنْ) يسكت سكتة فيقطع ثم يبتدىء (راقٍ) وهو يصل أعلاما أنّ «من» منفصلة من الرّاق. ومعناه هل من مداو من الرّقية.
وقال آخرون : هل من راق أى : من يرقى ، والمعنى واحد.
وقال آخرون : راق من الرّقىّ أى : من ترقى روحه إلى السماء.
وسمعت ابن مجاهد غير مرة يقرأ فى الصّلاة هذه السّورة فيتعمّد الوقف على قوله : (التَّراقِيَ) بالياء ويثبتها
(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) [٢٩] أى : شدّة أمر الدّنيا بشدّة أمر الآخرة وقال آخرون : التفاف ساقى المرء عند نزع الرّوح ، ولقد كان عليهما جوّالا.
٦ ـ وقوله تعالى : (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) [٣٧].
قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء. والتاء للنّطفة ، والياء للمنىّ مثله (تُساقِطْ) ويساقط (١) الياء للجذع والتاء للنّخلة ، ومثله (يَغْلِي) وتغلى (٢) الياء للمهل والتّاء للشجرة ، ومثله ليحصنكم و (لِتُحْصِنَكُمْ)(٣) الياء
__________________
(١) سورة مريم : آية : ٢٥.
(٢) سورة الدخان : آية : ٤٥.
(٣) سورة الأنبياء : آية : ٨٠.
للّبوس ، والتاء للصّنعة. والمنىّ مشدّد الياء ، وهو الماء الدّافق الذى يكون منه الولد ، ويقال : أمنى الرّجل. فأمّا المذي والودى فبالتخفيف (١). فالمذى : ما يكون عن القبلة ، وربما كان بغير ذلك. تقول العرب (٢) : «كلّ فحل يمذى وكلّ أنثى تقذى» والوذى : ما يخرج بعد البول ويجب من هذين الوضوء ، ويجب من الأول الغسل.
٧ ـ وقوله تعالى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [٤٠].
بياءين الأولى مكسورة ، فلذلك صعب اللّفظ بها ، والياء الثانية مفتوحة وهو اتفاق السّبعة وغيرهم. وإنما ذكرته ؛ لأن البصريين زعموا أن إدغامه لحن فى العربية ، وليس لحنا عندى وقد حكاه الفرّاء أليس ذلك بقدر على أن يحيِّي الموتى / لأنّ كسرة الياء الأولى تنقل إلى الحاء وتدغم الياء فى الياء ، وكان رسول الله عليهالسلام (٣) إذا قرأ : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) قال : ـ سبحانك ـ فبلى. وكذلك (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) سبحانك فبلى. وإنما استحب للقارىء أن يفعل ذلك فى الصّلاة وغيرها ، وكذلك رأيت المشيخة ممّن أثق بهم يفعلون ذلك كذلك.
* * *
__________________
(١) تكلم ابن خالويه على ذلك فى «شرح الفصيح» بكلام مفصّل عند قول صاحب الفصيح : «ومذى الرجل يمذى ...» فليراجع من شاء ذلك.
(٢) مجمع الأمثال : ٢ / ١٥٤ ، وتمثال الأمثال : ٥٢٤. واللسان : (قذى).
(٣) مسند الإمام أحمد : ٢ / ٢٤٩.
(ومن سورة الإنسان)
قال أبو عبد الله : الإنسان ـ هاهنا ـ : آدم عليهالسلام : و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [١]. معنى قد أتى ، والحين أربعون سنة (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) أى : كان شيئا ولم يكن مذكورا ، يعنى : حيث صوّر قبل أن ينفخ فيه الرّوح ، فلما نفخ فيه الروح وبلغ إلى ساقيه كاد ينهض للقيام فلما بلغ عينيه ورأى ثمار الجنّة بادر إليها ليأخذها فذلك قوله (١) : وخلق الإنسان عجولا و (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٢) فعجل آدم فعجلت ذريته ونسى آدم فنسى ذريته ، وجحد آدم فجحدت ذريته.
وأمّا من زعم أن عصيان آدم كان نسيانا لا تعمّدا فقد غلط ؛ لأنّ الله تعالى لا يعاقب على النّسيان. وأمّا قوله (٣) : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) فإن معناه : ترك ، لامن النّسيان الّذى هو ضدّ العمد ، إنما هو من قول الله (٤)(نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ).
١ ـ وقوله تعالى : سلاسلا وأغللا وسعيرا [٤].
قرأ ابن كثير برواية : البزىّ وأبو عمرو وحمزة وابن عامر برواية ابن ذكوان وأبو عمرو وعاصم برواية حفص فى الوصل ، وأمّا فى الوقف [ف] وقف ابن ذكوان وحفص والبزىّ بالألف ، وروى عنهم بغير ألف.
__________________
(١) سورة الإسراء : آية : ١١.
(٢) سورة الأنبياء : آية : ٣٧.
(٣) سورة طه : آية : ١١٥.
(٤) سورة التوبة : آية : ٦٧.
وأمّا حمزة وقنبل [ف] وقفا بغير ألف.
والباقون بألف. (سَلاسِلَ) بغير تنوين فى وصل ولا وقف ؛ لأنّ فعالل جمع بعد ألفه أكثر من حرف فلا ينصرف فى معرفة ولا نكرة.
وقرأ الباقون : سلاسلا بالتّنوين اتباعا للمصحف ؛ لأنّها وإن لم تكن رأس آية فأنّها تشاكل رءوس الآى لأنّ بعدها (أَغْلالاً وَسَعِيراً) ولأنّ من العرب من يقف على ما / لا ينصرف بالألف نحو رأيت عمرا ، وإذا أدرجت أسقطت (١) الألف ، فكأنّ من نوّن وأثبت الألف بنى الوصل على الوقف.
وحدّثنى ابن مجاهد (٢) عن [ابن] الجهم عن خلف والهيثم بن عبيد عن شبل عن ابن كثير سلاسلا منونا.
٢ ـ وقوله تعالى : (قَوارِيرَا) [١٥ ، ١٦].
قرأ نافع وعاصم فى رواية أبى بكر والكسائىّ : قواريراً منونا بالألف اتباعا للمصحف ؛ لأن الأولى رأس آية ، وكرهوا أن يخالفوا بين لفظين معناهما سيّان ، كما قرأ الكسائى (٣) ألا إنّ ثموداً .. ألا بعدا لثمودٍ فصرف الثانى لقربه من الأول ، والأوّل صرف ، لأنّه بألف (٤).
وفيه قراءة ثانية : روى حفص عن عاصم : قواريراً قواريرا يثبت الألف فى الوقف ، ولا ينون ، كأنه ذهب إلى ما أنبأتك فى وقف بعض العرب على ما لا ينصرف بألف. وإذا أدرج أسقط الألف.
وأمّا ابن عامر فإنه يقف برواية هشام : (قَوارِيرَا) بالألف ، وبرواية ابن ذكوان بغير ألف.
__________________
(١) فى الأصل : «اسقط».
(٢) السبعة : ٦٦٣.
(٣) سورة هود : آية : ٦٨.
(٤) أى : فى رسم المصحف.