إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٦٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

مكسور على الإبتداء ، ويتلوه قوله : وإنّهم ... مكسور نسق على قوله : وإنّه كان ثم ينقطع قول الله ههنا فيقول الجن : وإنّا لمسنا السّماء وهذا مكسور منسوق على ما تقدم من قول الجنّ ، ثم يقول الجن : أيضا وإنّا لا ندرى ثم يقول : وإنّا منّا الصّالحون ثم ينقطع قول الجن هاهنا. ثم يقول الله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) نسق على قوله : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ) وكذلك : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) وإنّه لمّا قام عبد الله ، والجنّ فى اللغة : الجنّ ، والجنّ : الإنس ، والجنّ : الملائكة ، والجنّة : الإنس ، والجّنّة : الملائكة ، والجنّة : الجنّ ، والحنّة : كلاب الجنّ ، ويقال : الحنّ : سفلة الجنّ ، والجنّ الجنون ، والجنون : جنون الشّباب ، وجنون السّكر ، وجنون الشّيطان ، ويقال : نبت مجنون ، وشجرة مجنونة : إذا أفرطت طولا وأنشد (١) :

حتّى إذا ما أخصبت وتربّعت

بقلا بعيهم والحمى مجنونا

٢ ـ وقوله تعالى : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) [١٧].

قرأ أهل الكوفة بالياء إخبارا عن الله تعالى.

والباقون بالنون نسلكه الله يخبر عن نفسه.

ومن العرب من تقول سلك زيد الطّريق ، وسلّكه غيره ، ومن العرب من يقول : أسلكه غيره ، وينشد (٢) :

__________________

(١) البيت فى المحكم : ٧ / ١٥٨ ، وعنه فى اللّسان : (جنن). وعيهم : موضع.

(٢) البيت لعبد مناف بن ربع الجربىّ الهذلى ، فى شرح أشعار الهذليين : ٦٧٥ ، من قصيدة أولها : ـ

٤٠١

حتّى إذا أسلكوهم فى قتائدة

شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا

٣ ـ وقوله [تعالى] : (عَذاباً صَعَداً) أى : أشدّ العذاب ، من قوله تعالى (١) : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) فأمّا قول العرب : تنفّس فلان الصّعداء على فعلاء ، الأكثر فى / كلامهم ، وقال آخرون : تنفس صعدا على وزن عرف.

٤ ـ وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) [٢٠].

قرأ عاصم وحمزة (قُلْ) على الأمر.

وقرأ الباقون : قال على الخبر ، والأمر بينهما قريب.

فحدّثنى ابن مجاهد عن سلمان البصرىّ عن أبى حاتم عن يعقوب قال أبو عمرو : ما أبالى كيف قرأت (قل) أو (قال).

قال أبو عبد الله : لأنّ الله تعالى لمّا أمره فقال : (قل) ثم فعل المأمور ما أمر به أخبر عنه ، فقيل : قال إنّما أدعو ربّى.

٥ ـ وقوله تعالى : (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) [١٩].

قرأ ابن عامر وحده برواية هشام لُبَدا على وزن غرف.

وقرأ الباقون : (لِبَداً) مثل كسر ، لبدة ولبد ولبدة ولبد.

وحدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد أن أبا جعفر قرأ لُبَّدا بالتّشديد ، قال : هو جمع لا بد ولبّد مثل راكع وركّع ، ومعناه : أن الجن لشغفهم بقراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولإعجابهم أحسن ما سمعوا أرادوا أن يشتملوا عليه ويجتمعوا.

__________________

 ـ ماذا يغير ابنتى ربع عويلهما

لا ترقدان ولا بؤسى لمن رقدا

قتائدة : مكان ؛ معجم البلدان : ٤ / ٣١٠ ، عن الأزهرى والأديبى وأنشد البيت والشلّ : الطّرد ، والجمّالة : أصحاب الجمال.

(١) سورة المدثر : آية : ١٧.

٤٠٢

قال أبو عبيدة (١) : كادوا يكونون عليه لبدا أى : جماعات واحدها : لبدة ، وكذلك يقال [للجراد](٢) إذا كثر ، قال عبد مناف :

صابوا بستّة أبيات وأربعة

حتّى كأنّ عليهم [جابئا] لبدا

وقال الفرّاء (٣) : أراه (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) يريد : النّبى عليه‌السلام ليلة أتاه الجن ببطن نخلة : (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قال : يركبون النّبىّ عليه‌السلام رغبة فى القرآن وشهرة له.

وقرأ ابن محيصن وعاصم الجحدرى (٤) : لُبَدا بضم اللام وفتح الباء.

وروى عن الجحدرىّ (٥) لُبْدا.

وروى عن هارون (٦) لُبُدا بضمتين مثل ثمر. ففيه أربع قراءات على هذا ، لبدا ، ولبدا ، ولبدا ، وقال بعضهم : لبدا مثل أسد ، وأسد / ويقال : أسد ذو لبدة : إذا تلبّد شعره بين كتفيه ، وركب بعضه بعضا.

٦ ـ وقوله تعالى : (رَبِّي أَمَداً) [٢٥].

أسكن الياء الكوفيون وابن عامر.

__________________

(١) فى الأصل : «أبو عبيد» والنصّ لأبى عبيدة فى المجاز : ٢ / ٢٧٢ وعبد مناف هو المذكور فى البيت الذى قبله ، والبيت من القصيدة ذاتها (شرح أشعار الهذليين : ٦٧٤). وفى الأصل : «جاثيا».

(٢) فى الأصل : «للجن».

(٣) المعانى له : ٣ / ١٩٤.

(٤) إعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٥٢٧ ، تفسير القرطبى : ١٩ / ٢٤ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.

(٥) تفسير القرطبى : ١٩ / ٢٤ ، البحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.

(٦) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٤ ، والمحتسب : ٢ / ٣٣٤ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٢٤ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.

٤٠٣

وفتحها الباقون.

والأمد : الغاية ، وقال الشاعر (١) :

* سبق الجواد إذا استولى على الأمد*

* * *

__________________

(١) البيت للنابغة الذبيانى ، ديوانه : ٢٢ من قصيدته التى يعتذر فيها إلى النعمان أولها :

يا دارميّة بالعلياء فالسّند

أقوت وطال عليها سالف الأبد

ومنها :

ولا أرى فاعلا فى النّاس يش

بهه ولا أحاشى من الأقوام من أحد

إلا سليمان إذ قال الإله له

قم فى البريّة فاحددها على الفند

وخيّس الجن إنّى قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصفاح والعمد

فمن أطاعك فانفعه بطاعته

كما أطاعك وادلله على الرشد

ومن عصاك فعاقبه معاقبة

تنهى الظّلوم ولا تقعد على ضمد

إلّا لمثلك أو من أنت سابقه

سبق الجواد إذا استولى على الأمد

٤٠٤

(ومن سورة المزمل)

١ ـ قوله تعالى : (أَشَدُّ وَطْئاً) [٦].

قرأ أبو عمرو وابن عامر : وِطاء بكسر الواو على فعال جعلاه مصدرا لواطأ يواطئ مواطأة ووطاء ، ومعناه : يواطى السّمع والقلب ؛ لأنّ الصلاة باللّيل وإن كانت أشدّ على المؤمن من صلاة النّهار ، وما يغشاه من النّعاس فهو أقوم قيلا.

وقرأ الباقون : وَطا على فعل بفتح الواو.

وروى الوقّاصىّ (١) عن الزّهرىّ : أشدّ وِطأ بكسر الواو وإسكان الطاء من غير مدّ.

حدّثنى ابن مجاهد قال : حدّثنا نصر عن أبيه عن هرون ، قال : حدّثنا يونس عن ابن أبى مليكة (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) قال : بعد عشاء الآخرة وقيل : (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) من أولها إلى آخرها وقيل : من أول اللّيل ، وقيل : ساعة من اللّيل. والاختيار أن الناشئة : ما أحياه المصلّى من بعد نومه (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) أى : ما تقضى حوائجك.

وقرأ يحيى بن يعمر : سبخا بالخاء (٢) ، وكذلك الضّحاك. ومعنى

__________________

(١) هو أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبى وقاص الوقّاصىّ ، روى عن الزّهرى ، وروى عنه العراقيون ، وكان يروى الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به. (تهذيب التهذيب : ٧ / ١٢٢). والقراءة فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٧ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٦٣.

(٢) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٧ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٤٢.

٤٠٥

السّبخ : التّوسعة ، يقال : سبّخت القطن : إذا وسّعته للنّدف. ويقال لما يتطاير من القطن عند النّدف : سبائخ وأنشد (١) :

فأرسلوهنّ يذرين التّراب كما

يذرى سبائخ قطن ندف أوتار

وقال اللّحيانىّ فى «نوادره» إنّ لك فى النّهار سبخا أى : نوما ، وسبحا بالحاء أى : راحة.

وقال آخرون : هما بمعنى. ومن قرأ : (وَطْئاً) فمعناه أشدّ مكابرة / من ذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «اللهم أشدد وطأتك على مضر».

فإن سأل سائل فقال : ما معنى (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)؟

فقل : معناه : ثقيلا فى الأجر ليس بخفيف ، ولا سفساف.

وهذه السّورة من أوائل ما نزل على النّبى عليه‌السلام. وذلك أنّ الناموس الأكبر يعنى جبريل عليه‌السلام لما لقى رسول الله عليه‌السلام ، قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ففزع لذلك فزعا شديدا. فصار إلى بيته ، وقد اقشعر وقال : زمّلونى أى : دثّرونى وغطّونى ـ يقال : تزمّل الرّجل فى ثيابه ، وتزمّل للنّوم فى لحافه ـ فجاءه جبريل عليه‌السلام ، وقال : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) بتشديد الزّاى والميم ، لا يجوز لأحد أن يقرأ بغيره ومعناه : المتزمّل فاندغمت التاء فى الزّاى. فالتّشديد من جلل ذلك.

__________________

(١) البيت للأخطل فى شرح شعره : ١ / ١٦٦ من قصيدته فى مدح يزيد بن معاوية أولها :

تغيّر الرّس م من سلمى بأحفار

وأقفرت من سليمى دمنة الدّار

والشّاهد فى العين : ٤ / ٢٠٤ ، وجمهرة اللغة : ١ / ٢٨٩ ، ٢ / ٦٧٣ ، ومعجم المقاييس : ٣ / ١٢٦ ، واللّسان : (سبخ).

(٢) النهاية : ٥ / ٢٠٠.

٤٠٦

وكذلك هى قراءة ابن مسعود (١) : يا أيّها المتزمل ومثله (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [١] والأصل : المتدثّر. وإنّما شدّدت الميم والتّاء لأنّهما عينان من الفعل ، ووزنه : متفعّل ، بتشديد العين مثل متكلّم ومتكبّر. والمصدر من المدغم : ازّمل يزّمل ازّمالا فهو مزّمّل

٢ ـ وقوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [٩].

قرأ أهل الكوفة وابن عامر غير حفص : ربِّ المشرق بالكسر بدلا من قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ).

وقرأ الباقون بالرّفع على الاستئناف.

٣ ـ وقوله تعالى : (نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) [٢٠].

قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر الفاء ، والثّاء على معنى : أنّك تقوم أدنى من نصفه وثلثه.

وقرأ الباقون : (نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) بالنّصب على أنّك تقوم نصفه وثلثه.

وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير وثُلْثَه / مخففا وهما لغتان الرّبع والرّبع والعشر والعشر.

وروى الحلوانىّ عن هشام عن ابن عامر : (ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) ساكنا أيضا.

قال أبو عبيد : الاختيار الخفض فى نصفِه وثلثِه ، لأنّ الله تعالى قال : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) قال فكيف يقدر على أن يعرفوا ثلثه ونصفه وهم لا يحصونه.

__________________

(١) البحر المحيط : ٨ / ٣٦٠.

٤٠٧

وقال غيره : ليس معنى (لَنْ تُحْصُوهُ) ما ذهب إليه أبو عبيد ، ولكن معناه : لن تطيقوه ، يعنى قيام اللّيل ، فخفف الله تعالى ذلك عليهم ، قال : والاختيار النّصب ؛ لأنها أصحّ فى النّظر. قال الله تعالى لنبيّه عليه‌السلام : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) أى : صلّ الليل إلا شيئا قليلا منه تنام فيه ، وهو الثّلث والثّلث يسير عند الثلثين ، ثم قال : نصفه ، فاكتفى بالفعل الأول من الثّانى ؛ لأنّه دليل عليه ، وانقص من النّصف قليلا إلى الثّلث ، أو زد على النّصف إلى الثّلثين ، جعل الله له سعة فى مدة قيامه فى اللّيل ، فلما نزلت هذه الآيات قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وطائفة من المؤمنين معه أدنى من ثلثى الليل شيئا يسيرا وقاموا نصفه ، وثلثه ، وأخذ المسلمون أنفسهم بالقيام على المقادير حتّى شقّ ذلك عليهم. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) أى : تقوم نصفه وثلثه ، (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) مقدار ثلثيه ونصفه ، وثلثه ، وسائر أجزائه ، ويعلم أنّكم لن تحصوه ، أى : لن تطيقوا القيام على هذه المقادير (فَتابَ عَلَيْكُمْ ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). فذهب الشّافعى رضى الله عنه إلى أن ما تيسر من القرآن هو (الحمد) ، وقيل : مائة آية ، ورخّص لهم فى أن يقوموا ما أمكن ، ثم نسخ الله ذلك بالصلوات الخمس.

قال أبو عبيد فأمّا نصفه فأجمع القراء على كسر النون وإسكان الصّاد وللعرب فيه أربع لغات : يقال : نصف الشىء ، ونصفه ونصفه ، ونصيفه. ومن ذلك حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : «لا تسبّوا أصحابى فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه». قال الشّاعر (٢) :

__________________

(١) مسند الإمام أحمد : ٣ / ١١.

(٢) هما لسلمة بن الأكوع فى اللّسان (نصف) عن أبى عبيد وبعدهما :

لكن غذاها اللّبن الخريف

المحض والقارض والصّريف

٤٠٨

لم يغذها مدّ ولا نصيف

ولا تميرات ولا تعجيف

والنّصيف فى غير هذا : الخمار.

حدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد أن زيد بن ثابت قرأ (١) : (فَلَهَا النِّصْفُ) بضمّ النّون.

* * *

__________________

ـ وينظر : غريب الحديث : ٢ / ١٦٦ قال أبو عبيد : «إنها منعمة فى سعة لم تغذ بمدّ تمر ولا نصيفه ، ولكن بألبان اللّقاح».

(١) سورة النّساء : آية : ١١. والقراءة فى إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٣٩٩ ، والبحر المحيط : ٣ / ١٨٢ ، وهى قراءة أبى عبد الرحمن السلمى وعلى وزيد بن على.

٤٠٩

(ومن سورة المدثر)

١ ـ قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [٥].

قرأ عاصم فى رواية حفص : (وَالرُّجْزَ) بضم الرّاء.

وقرأ الباقون : والرِّجز بالكسر ، فقال قوم : الرّجز والرّجز لغتان ، قالوا : والكسر أفصح ، لأنّ الرّجز والرّجس سيّان. العرب تبدل الرّاء سينا ، ومثله الأزد والأسد.

وقال آخرون : الرّجز بالضّمة : الصنم. وكان الرّجز صنمين ، إساف ونائلة فزجر الله من كان يعظّمهما.

٢ ـ وقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [٣٣].

قرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم : (إِذْ أَدْبَرَ).

وقرأ الباقون : إذا دَبَرَ فقال قوم : دبر وأدبر : لغتان ، وقبل وأقبل : لغتان ، والاختيار عندهم دبر لعلتين :

إحداهما : أنّ ابن عبّاس قال : يا عكرمة هذا حين دبر اللّيل.

والعلة الثّانية : أنّ العرب تقول : / دبر فهو دابر وأنشد (١) :

صدعت غزالة قلبه بكتيبة

تركت مسامعه كأمس الدّابر

__________________

(١) البيت لعمران بن حطّان ، الشاعر الخارجيّ المشهور. فى ديوان الخوارج : ١١٤ وقبله :

أسد علىّ وفى الحروب نعامة

فتخاء تنفر من صفير الصافر ـ

٤١٠

وفيها قراءة ثالثة : قرأ أبىّ بن كعب (١) : إذا أدبر بزيادة ألف.

وحجّة نافع وحمزة قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأدبر النّهار من هاهنا فقد أفطر الصّائم». قال أبو عبيد : أدبر : ولى ، ودبر : جاء خلفى.

٣ ـ وقوله تعالى : (إِنَّها لَإِحْدَى) [٣٥].

اتّفقت القراء السّبعة على قطع الألف من (إحدى) كما قال تعالى (٣) : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) وإنما ذكرته لأنّ ابن مجاهد حدّثنى عن ابن أبى خيثمة وإدريس عن خلف عن وهب بن جرير عن أبيه قال : سمعت ابن كثير يقرأ : إنّها لَحْدى الكِبَر لا يهمز ولا يكسر.

قال أبو عبد الله : أسقطت الهمزة تخفيفا ، كما تقول العرب : زيد الأحمر وزيد لحمر (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٤) وأصحابُ لَيكة والاختيار قطع الألف ؛ لأنّ العرب إذا حذفت مثل هذا نقلت حركة الهمزة إلى السّاكن قبله واللّام قبل هذه الهمزة متحركة ، واللّام فى الأحمر لام التّعريف ساكنة.

٤ ـ وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) [٥٠].

قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء جعلاها مفعولة.

__________________

 ـ هلا برزت إلى غزالة فى الوغى

بل كان قلبك فى جناحى طائر

صدعت غزالة قلبه بفوارس

 ............................. البيت

وينظر : جمهرة اللغة : ٩٢٣ ، والأغانى : ١٦ / ١٥٥.

(١) البحر المحيط : ٣٧٨.

(٢) مسند الإمام أحمد : ١ / ٣٥ ، ٤٨.

(٣) سورة القصص : آية : ٢٧.

(٤) سورة ق : آية : ١٤.

٤١١

وقرأ الباقون بكسر الفاء جعلوهن فاعلات من نفرت ، وينشد (١) :

اربط حمارك إنه مستنفر

فى إثر أحمرة عمدن لغرّب

فلا يجوز فى هذا فتح الفاء ؛ لأنّه لم يستنفره أحد. والعرب تقول : نفر واستنفر بمعنى ، وعلا قرنه واستعلاه بمعنى ، وسمع أعرابى رجلا يقرأ : (كَأَنَّهُمْ (٢) حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) فقال : طلبها قسورة ، قيل له : ويحك إنّه فى القرآن : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) فقال : فمستنفرة إذا. والقسورة : الرّماة ، والقسور بغير هاء : نبت ، والقسورة : الأسد. فأمّا قول امرئ القيس (٣) :

* ...... كمشية قسورا*

يصف الأسد ، وأنه أراد : كمشية قسورة ثم رخّم الهاء وأتى [بالألف] للقافية.

٥ ـ وقوله تعالى : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ) و (الْآخِرَةَ) [٥٣].

قرأ ابن عامر : بل لا تخافون الأخرة بالتّاء على الخطاب.

وقرأ الباقون بالياء ردّا على قوله : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ومنشّرة بتشديد الشّين ؛ لأن الصحف كثيرة. وهى قراءة

__________________

(١) معانى القرآن للفراء : ٣ / ٢٠٦ ، ومعانى القرآن وإعرابه للزّجاج : ٥ / ٢٥٠ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٨٧ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٨٠ ، وروايته هناك : (عهدن العرب). و (غرّب) جبل فى بلاد بنى كلب دون الشام. قال ياقوت فى معجم البلدان : ٤ / ١٩٢ : «بضمّ أوله وتشديد ثانيه وآخره باء موحدة ، علم مرتجل لهذا الموضع اسم جبل دون الشام فى ديار بنى كلب ...».

(٢) فى الأصل : «كأنّه».

(٣) ديوان امرىء القيس بعناية ابن أبى شنب ـ رحمه‌الله ـ : ٣٠٥ والبيت بتمامه :

وعمرو بن درماء الهمام إذا غدا

بذى شطب عضب كمشية قسورا

٤١٢

النّاس إلّا ما حدثني ابن مجاهد عن عبيد الله بن نصر عن المعتمر عن محمّد بن الهيضم عن ابن سعيد بن جبير (١) : صحفا مُنْشرة بتخفيف الشّين ولم يذكر فى الصّحف شيئا ، قال : وحدّثنا الجمّال عن المعتمر بإسناده مثله وقال : صُحْفا مُنْشرة خفيفتين.

٦ ـ وقوله تعالى : (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [٥٦].

قرأ نافع وحده : وما تذكرون إلا أن يشاء الله بالتّاء على الخطاب.

وقرأ الباقون بالياء ردّا على ما قبله.

* * *

__________________

(١) القراءة فى المحتسب : ٢ / ٣٤٠ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٢٠ ، والبحر المحيط : ٨ / ٣٨

٤١٣

(ومن سورة القيامة)

١ ـ [قوله تعالى] : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [١].

قرأ ابن كثير وحده فى رواية قنبل : لأُقسم بغير مدّ جعل اللّام لام تأكيد ، كما تقول : أقوم ثم تدخل اللام فتقول : لأقوم ، والاختيار من قصد هذا لأقسمن ولأقومن ، وقد روى ذلك عن الحسن أيضا. قال : لأنّ الله تعالى أقسم بالنّفس اللّوّامة هى التى تلوم نفسها يوم القيامة إن فعلت شرّا ، وتلوم إن فعلت خيرا لم لم تزدد ، وإنما ذهب من / قرأ لأُقسم بغير مدّ إلى أنّه فى المصحف بغير ألف. وقال مقاتل : لم يقسم الله تعالى فى القرآن بالكافر إلّا فى هذه السّورة فقط.

وقرأ الباقون : (لا أُقْسِمُ) بالمدّ ؛ لأنّ بعد «لا» ألفا فى اللفظ.

واختلف النّحويون فى «لا» هاهنا ، فقال الكسائى وأبو عبيدة «لا» صلة زائدة ، والتقدير : أقسم. وقال غيرهما : العرب لا تزيد «لا» فى أوّل الكلمة ، ولكن هاهنا ردّ لقوم أنكروا البعث وكفروا بالتّنزيل ، فقال الله تعالى لا ، أى : ليس كما تقولون. ثم قال : أقسم بيوم القيامة.

و «لا» تنقسم أربعين قسما قد أفردت له كتابا.

٢ ـ وقوله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) [٧].

قرأ نافع وحده : بَرَقَ بفتح : الراء.

والباقون بالكسر. واحتجّوا بأن بَرَقَ لا يكون إلّا فى الضّوء. يقال برق أى : لمع ، وبرق الحنظل وغيره. فأمّا برق فمعناه : تحيّر ،

٤١٤

قال الشّاعر (١) :

لمّا أتانى ابن صبيح راغبا

أعطيته عيساء منها فبرق

أى : تحيّر. ومثله بعل وذهب.

حدّثنى ابن مجاهد قال : حدثّنا اسماعيل عن محمد بن إسحق البلخى قال : حدّثنا عمرو بن مضارب قال : سمعت الحسن يقرأ : فإذا بَرَقَ البصر فقلت : خالفت عالم الله فقال : أخطأ عالم الله. قال أهل اللّغة : برق وبرق لغتان ، يقال للميّت إذا شخص : قد برق بصره. وخسف القمر يعنى قمر العين ، وهو ضوؤها.

٣ ـ [وقوله تعالى] : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [١٠].

قرأ القرّاء السّبعة بفتح الفاء.

وقرأ ابن عبّاس (٢) : أين المفِرّ بالكسر. قال الفراء : المفرّ والمفرّ / والمدبّ والمدبّ بمعنى واحد ، يقال : المفرّ بالفتح : المصدر ، وهو الفرار ، والمفرّ الذى يفرّ إليه وحدّثنى ابن مجاهد : قال : حدثنا موسى بن هارون عن عبد الرحمن بن أبى حماد عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن مجاهد (٣) عن ابن عبّاس

__________________

(١) فى مجاز القرآن : ٢ / ٢٧٧ ، وقال الكلابى. وينظر : تفسير الطبرى : ٢٩ / ٩٧ ، وتفسير القرطبى : ١٩ / ٩٤.

(٢) معانى القرآن للفراء : ٣ / ٢١٠.

(٣) أورده الفراء بسنده ، وقال : «عن سلمة بن كهيل عن أبيه عن رجل عن ابن عبّاس أنه قرأ ...».

٤١٥

أين المفِرّ بكسر الفاء. قال ابن عبّاس : يعنى الهرب (كَلَّا لا وَزَرَ) أى : لا ملجأ يلجأون إليه. ويقال : الوزر : جبل بمكّة (١). وكانت العرب تلجأ إليه عند الشّدائد فخبرهم الله أن لا حصن لهم ، ولا مفرّ ولا ملجأ من الله إلا إليه.

وأخبرنى أبو العباس بن زريق عن عبد الله بن سفيان قال : تقول العرب (٢) : «لكلّ داخل برقة» ، أى : دهشة.

قال أبو عبد الله : وهو من قول الله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أى : دهش وتحيّر.

٤ ـ وقوله تعالى : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) [٢٠].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : بل يحبّون ... ويذرون [٢٠ ، ٢١] بالياء ردّا على الإنسان.

وقرأ الباقون بالتّاء على الخطاب أى : قل لهم يا محمد : (بَلْ تُحِبُّونَ) هذه العاجلة الفانية (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) الباقية ، ثم وصف تعالى المؤمن والكافر على أثرها فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) [٢٢] أى : مشرقة حسنة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [٢٣] ، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) [٢٤] أى : كالحة من قوله (٣) : (عَبَسَ وَبَسَرَ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [٢٥].

قال أبو عبد الله : ذكر الخليل فى كتاب «العين» (٤) قال عبس

__________________

(١) فى مجاز القرآن : ٢ / ٢٧٧ : «لاوزر ؛ لا جبل».

(٢) فى مجمع الأمثال : ٢ / ١٨٧ ، والمستقصى : ٢ / ٢٩٢ : «لكلّ داخل دهشة».

(٣) سورة المدثر : آية : ٢٢.

(٤) العين : ١ / ٣٤٣.

٤١٦

الرّجل ، فإن أبدى عن أسنانه قيل : كلح ، فإن اهتمّ لذلك قيل : بسر فإن عضب قيل : بسل ، فإن زوى عن عينيه فهو قاطب ، يقال : قطّب ما بين عينيه وقبّط /.

٥ ـ وقوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ) [٢٧]

قرأ عاصم فى رواية حفص : (وَقِيلَ مَنْ) يسكت سكتة فيقطع ثم يبتدىء (راقٍ) وهو يصل أعلاما أنّ «من» منفصلة من الرّاق. ومعناه هل من مداو من الرّقية.

وقال آخرون : هل من راق أى : من يرقى ، والمعنى واحد.

وقال آخرون : راق من الرّقىّ أى : من ترقى روحه إلى السماء.

وسمعت ابن مجاهد غير مرة يقرأ فى الصّلاة هذه السّورة فيتعمّد الوقف على قوله : (التَّراقِيَ) بالياء ويثبتها

(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) [٢٩] أى : شدّة أمر الدّنيا بشدّة أمر الآخرة وقال آخرون : التفاف ساقى المرء عند نزع الرّوح ، ولقد كان عليهما جوّالا.

٦ ـ وقوله تعالى : (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) [٣٧].

قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم بالياء.

وقرأ الباقون بالتاء. والتاء للنّطفة ، والياء للمنىّ مثله (تُساقِطْ) ويساقط (١) الياء للجذع والتاء للنّخلة ، ومثله (يَغْلِي) وتغلى (٢) الياء للمهل والتّاء للشجرة ، ومثله ليحصنكم و (لِتُحْصِنَكُمْ)(٣) الياء

__________________

(١) سورة مريم : آية : ٢٥.

(٢) سورة الدخان : آية : ٤٥.

(٣) سورة الأنبياء : آية : ٨٠.

٤١٧

للّبوس ، والتاء للصّنعة. والمنىّ مشدّد الياء ، وهو الماء الدّافق الذى يكون منه الولد ، ويقال : أمنى الرّجل. فأمّا المذي والودى فبالتخفيف (١). فالمذى : ما يكون عن القبلة ، وربما كان بغير ذلك. تقول العرب (٢) : «كلّ فحل يمذى وكلّ أنثى تقذى» والوذى : ما يخرج بعد البول ويجب من هذين الوضوء ، ويجب من الأول الغسل.

٧ ـ وقوله تعالى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [٤٠].

بياءين الأولى مكسورة ، فلذلك صعب اللّفظ بها ، والياء الثانية مفتوحة وهو اتفاق السّبعة وغيرهم. وإنما ذكرته ؛ لأن البصريين زعموا أن إدغامه لحن فى العربية ، وليس لحنا عندى وقد حكاه الفرّاء أليس ذلك بقدر على أن يحيِّي الموتى / لأنّ كسرة الياء الأولى تنقل إلى الحاء وتدغم الياء فى الياء ، وكان رسول الله عليه‌السلام (٣) إذا قرأ : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) قال : ـ سبحانك ـ فبلى. وكذلك (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) سبحانك فبلى. وإنما استحب للقارىء أن يفعل ذلك فى الصّلاة وغيرها ، وكذلك رأيت المشيخة ممّن أثق بهم يفعلون ذلك كذلك.

* * *

__________________

(١) تكلم ابن خالويه على ذلك فى «شرح الفصيح» بكلام مفصّل عند قول صاحب الفصيح : «ومذى الرجل يمذى ...» فليراجع من شاء ذلك.

(٢) مجمع الأمثال : ٢ / ١٥٤ ، وتمثال الأمثال : ٥٢٤. واللسان : (قذى).

(٣) مسند الإمام أحمد : ٢ / ٢٤٩.

٤١٨

(ومن سورة الإنسان)

قال أبو عبد الله : الإنسان ـ هاهنا ـ : آدم عليه‌السلام : و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [١]. معنى قد أتى ، والحين أربعون سنة (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) أى : كان شيئا ولم يكن مذكورا ، يعنى : حيث صوّر قبل أن ينفخ فيه الرّوح ، فلما نفخ فيه الروح وبلغ إلى ساقيه كاد ينهض للقيام فلما بلغ عينيه ورأى ثمار الجنّة بادر إليها ليأخذها فذلك قوله (١) : وخلق الإنسان عجولا و (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٢) فعجل آدم فعجلت ذريته ونسى آدم فنسى ذريته ، وجحد آدم فجحدت ذريته.

وأمّا من زعم أن عصيان آدم كان نسيانا لا تعمّدا فقد غلط ؛ لأنّ الله تعالى لا يعاقب على النّسيان. وأمّا قوله (٣) : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) فإن معناه : ترك ، لامن النّسيان الّذى هو ضدّ العمد ، إنما هو من قول الله (٤)(نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ).

١ ـ وقوله تعالى : سلاسلا وأغللا وسعيرا [٤].

قرأ ابن كثير برواية : البزىّ وأبو عمرو وحمزة وابن عامر برواية ابن ذكوان وأبو عمرو وعاصم برواية حفص فى الوصل ، وأمّا فى الوقف [ف] وقف ابن ذكوان وحفص والبزىّ بالألف ، وروى عنهم بغير ألف.

__________________

(١) سورة الإسراء : آية : ١١.

(٢) سورة الأنبياء : آية : ٣٧.

(٣) سورة طه : آية : ١١٥.

(٤) سورة التوبة : آية : ٦٧.

٤١٩

وأمّا حمزة وقنبل [ف] وقفا بغير ألف.

والباقون بألف. (سَلاسِلَ) بغير تنوين فى وصل ولا وقف ؛ لأنّ فعالل جمع بعد ألفه أكثر من حرف فلا ينصرف فى معرفة ولا نكرة.

وقرأ الباقون : سلاسلا بالتّنوين اتباعا للمصحف ؛ لأنّها وإن لم تكن رأس آية فأنّها تشاكل رءوس الآى لأنّ بعدها (أَغْلالاً وَسَعِيراً) ولأنّ من العرب من يقف على ما / لا ينصرف بالألف نحو رأيت عمرا ، وإذا أدرجت أسقطت (١) الألف ، فكأنّ من نوّن وأثبت الألف بنى الوصل على الوقف.

وحدّثنى ابن مجاهد (٢) عن [ابن] الجهم عن خلف والهيثم بن عبيد عن شبل عن ابن كثير سلاسلا منونا.

٢ ـ وقوله تعالى : (قَوارِيرَا) [١٥ ، ١٦].

قرأ نافع وعاصم فى رواية أبى بكر والكسائىّ : قواريراً منونا بالألف اتباعا للمصحف ؛ لأن الأولى رأس آية ، وكرهوا أن يخالفوا بين لفظين معناهما سيّان ، كما قرأ الكسائى (٣) ألا إنّ ثموداً .. ألا بعدا لثمودٍ فصرف الثانى لقربه من الأول ، والأوّل صرف ، لأنّه بألف (٤).

وفيه قراءة ثانية : روى حفص عن عاصم : قواريراً قواريرا يثبت الألف فى الوقف ، ولا ينون ، كأنه ذهب إلى ما أنبأتك فى وقف بعض العرب على ما لا ينصرف بألف. وإذا أدرج أسقط الألف.

وأمّا ابن عامر فإنه يقف برواية هشام : (قَوارِيرَا) بالألف ، وبرواية ابن ذكوان بغير ألف.

__________________

(١) فى الأصل : «اسقط».

(٢) السبعة : ٦٦٣.

(٣) سورة هود : آية : ٦٨.

(٤) أى : فى رسم المصحف.

٤٢٠