إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٦٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

وكان أكلا دائما وشخّا

بين رواق البيت يغشى الدّخّا

ومال منه أيره واسترخى

فعند ذاك لا يريد زخّا

والزخّ ـ فى غير هذا الموضع ـ الدّفع ، وجاء فى الحديث (١) : «عليكم بتلاوة القرآن والعمل بما فيه. فإنّ من تبع القرآن هجم به على رياض الجنّة. ومن تبعه القرآن زخّ فى قفاه حتّى يدخله النّار». يقال : زخّه يزخّه : إذا دفعه ، ودعّه يدعّه بمعنى واحد ودخّه يدخّه.

قال أبو عبد الله : قد روى عن النّبى عليه‌السلام أنه قرأ (٢) : متّكئين على رفارف خضر ، وعباقرىّ حسان [٧٦] وعن عاصم الجحدرىّ / كذلك ، فمن قرأ بهذه القراءة وجب أن لا يصرف ؛ لأنه جمع بعد ألفه أكثر من حرف مثل مساجد ومحاريب ، والذّى حدّثنا به ليس بذاك فلا أدرى أغلط الرّاوى ، أم أتى به على الأصل؟ وليس ذلك مثل قوله تعالى (٣) : (قَوارِيرَا قَوارِيرَا) لأنّ ذلك رأس آية فاعرف الفرق بينهما.

٩ ـ وقوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [٧٨].

قرأ ابن عامر : ذو الجلال بالرّفع نعتا للاسم وكذلك فى مصاحف أهل الشّام.

وقرأ الباقون : (ذِي الْجَلالِ) بالياء نعت للرّبّ عزوجل.

__________________

(١) غريب الحديث لأبى عبيد : ٤ / ١٧٥.

(٢) جزء قراءات النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للدورى : ١٥٧.

(٣) سورة الدّهر : الآيتان : ١٥ ، ١٦.

٣٤١

(من سورة الواقعة)

١ ـ قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [١].

يعنى القيامة : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [٢].

اتّفق القراء السّبعة على رفعها ، وإنما ذكرته لأنّ أبا محمّد اليزيدى خالف أبا عمرو فنصبها على الحال كاذبةً خافضةً. [٣]. ومعنى رافعة أى : رافعة أهل الجنّة إلى علّيين. وخافضة أهل النار إلى أسفل السّافلين.

وحدّثنى ابن مجاهد عن محمد بن هرون عن الفرّاء قال (١) : كاذبةً مصدر ، وإنما أتت على فاعلة نحو عافية.

٢ ـ وقوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ) [٢٢].

قرأ حمزة والكسائىّ : وحورٍ عينٍ بالخفض نسقا على (بِأَكْوابٍ) والأكواب : الأباريق التى لا خراطيم لها. والمخلدون مسورون. مقرطون ، وقيل : مخلّدون لا يشيبون ، يقال : رجل مخلد : إذا بقي زمانا أسود اللّحية ، ولا يشيب. والمعين : الخمر الجارى.

وقرأ الباقون : (وَحُورٌ عِينٌ) بالرّفع. وحجّتهم : أنّ الحور لا يطاف وإنما يطاف بالخمر. فرفعوا على تقدير : يطاف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق ولهم مع ذلك حور عين. وفى حرف أبىّ (٢) : وحورا عينا بهنّ

__________________

(١) معانى القرآن له : ٣ / ١٢١.

(٢) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٢٤ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٣ / ٣٢٤ ، والمحتسب : ٢ / ٣٠٩ ، وتفسير القرطبى : ١٧ / ٢٠٥ والبحر المحيط : ٨ / ٢٠٦.

٣٤٢

بالنّصب على تقدير / أعطاهم مع ذلك حورا عينا ، والحور جمع حوراء. والعين : جمع عيناء ، وهى الواسعة العينين ، والحور فى العين : شدّة بياض المقلة مع شدّة سواد الحدقة.

فإن قيل لك : لم ضممت الحاء فى (حُورٌ) وكسرت العين فى (عِينٌ)؟

فقل : إنّما كسروا العين لتصحّ الياء ، كما قيل : أبيض وبيض و (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى)(١) ومثله : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) ثمّ قال (٢) : (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها)(٣) والأصل : أيدي ، فقلبوا من الضّمة كسرة لئلا تصير الياء واوا.

ومن العرب من يقول : حير عين على الإتباع (٤) ، وينشد (٥) :

أزمان عيناء سرور المسرور

عيناء حوراء من العين الحير

٣ ـ وقوله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً) [٣٧].

قرأ الكسائىّ وابن عامر : (عُرُباً) بضمتين وهو الأصل ؛ لأنّه جمع عروب ، وفعول يجمع على فعل ، كقولك : صبور وصبر ، ورسول ورسل ، وعزوب وعزب.

__________________

(١) سورة النجم : آية : ٢٢.

(٢) سورة الأعراف : آية : ١٩٥.

(٣) سورة الأعراف : آية : ١٩٥.

(٤) وبذلك قرأ إبراهيم النخعى ، البحر المحيط : ٨ / ٢٠٦.

(٥) الثانى منهما فى المحكم : ٣ / ٣٨٧ ، وقال : «فأما قوله :

* عيناء حوراء من العين الحير*

فعلى الإتباع ل «عين» ..». وعنه فى اللسان (حور).

٣٤٣

وقرأ حمزة : عُرْبا ساكنة الرّاء تخفيفا ، كما تقول رسل فى من خفّف.

والباقون اختلف عنهم ، وأبو بكر عن عاصم مثل حمزة ، وحفص مثل ابن كثير ، وقالون عن نافع مثل حفص ، وإسماعيل مثل حمزة ، واليزيدىّ عن أبى عمرو يثقّل ، وشجاع عن أبى عمرو يخفف. ومعنى امرأة عروب : هى المتغنّجة المتعشقة لزوجها ، والعربة : النّفس ، تقول العرب : أصبحت طيّب العربة.

وقوله : (أَتْراباً) أى : أقرانا. وحدّثنى ابن عبيد الحافظ ، قال : حدّثنى أحمد بن زهير ، عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن على بن يزيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن النبى عليه‌السلام قال (١) : «يدخل أهل الجنّة الجنّة جردا مردا مكحّلين على بدء خلق آدم ثلاث وثلاثون فى سبع». وفى غير هذا الحديث «أبناء ثلاث وثلاثين / سنة على خلق آدم سبعين باعا فى سبع أذرع».

وحدّثنا إبراهيم بن عرفة ، قال : حدّثنا أبو يحيى القسطانى ، قال : حدّثنى مبارك الطّبرى عن الحسن البصرى فى قوله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً) قال : العروب : المتعشقة لزوجها وقال أبو عبيدة : العروب الحسنة التبعّل ، وأنشد (٢) :

وفى الحدوج عروب غير فاحشة

زبّاء خود يغشّى دونها البصر

__________________

(١) مسند الإمام أحمد : ٣ / ٢٤٣.

(٢) مجاز القرآن : ٢ / ٢٥١ ونسبه إلى لبيد ، شرح ديوانه : ٦٠ وروايتهما : «رى الروادف ..». الحدوج : مراكب النّساء.

٣٤٤

٤ ـ وقوله تعالى : (يَقُولُونَ أَإِذا ... أَإِنَّا) [٤٧].

قرأ ابن عامر : (أَإِذا ... أَإِنَّا) بهمزتين أيضا خلاف ما قرأ فى سائر القرآن ، ولم يجمع بين استفهامية ابن عامر إلا فى هذا الموضع.

وقرأ الباقون على ما أملينا.

٥ ـ وقوله تعالى : (شُرْبَ الْهِيمِ) [٥٥].

قرأ عاصم وحمزة ونافع : (شُرْبَ) بالضمّ.

وقرأ الباقون بالفتح ، وهما لغتان.

وحكى الكسائى لغة ثالثة : شِرب بالكسر ، وقال : الشّرب والشّرب والشّرب لغات (١).

وقال آخرون : الشّرب : الاسم ، والشّرب : المصدر ، والشّرب أيضا بالفتح : جمع شارب مثل تاجر وتجر (٢) ، واحتج من فتح بالخبر (٣) : «إنّها أيام أكل وشرب وبعال» يعنى أيّام التّشريق. والبعال : المجامعة. هكذا يروى هذا الحرف بالفتح. وقال من ضمّ : إن منادى رسول الله عليه‌السلام نادى إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنها أيام أكل وشرب وبعال قالوا : فاللّفظ لرسول رسول الله صلى الله عليه ، وليست اللفظ للنّبى عليه‌السلام فيكون حجّة.

سمعت ابن مجاهد يقول : قال ابن جريج (٤) : قلت لجعفر بن محمد أنّ

__________________

(١) إكمال الإعلام لابن مالك : ٢ / ٣٣٠.

(٢) فى تهذيب اللّغة : ١١ / ٣٦٥ : «الشّرب : الفهم ، وقد شرب يشرب شربا : إذا فهم».

(٣) غريب الحديث لأبى عبيد : ١ / ١٨٢ (٢٣١) (مجمع اللّغة) بسنده وتخريجه هناك.

(٤) الخبر فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٢٧ ، ١٢٨. ونصه : «حدّثنا الفراء ، قال حدثنى الكسائى عن رجل من بنى أميّة يقال له يحيى بن سعيد الأموى قال سمعت ابن جريج يقرأ : ـ

٣٤٥

يحيى بن سعيد الأموى يقرأ : شَرب الهيم فقال : قد أحسن ، أو ما بلغك أنّ رسول الله بعث بديل بن ورقاء / الخزاعىّ (١) فنادى : «إنّها أيّام أكل وشرب وبعال».

وفى غير هذا الحديث أنّ عليا هو الذى نادى بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فإذا كان هكذا فالاختيار الفتح ؛ لأنّ لفظ علىّ ـ كرّم الله وجهه ـ حجّة ، والشّرب بالكسر : النّصيب (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(٢).

وسمعت أبا عمر يقول : عن ثعلب عن ابن الأعرابى : شرب زيد يشرب إذا فهم (٣) ، ويقال : احلب ثم اشرب ، أى : أكتب ثم افهم ومعنى (شُرْبَ الْهِيمِ) جمع جمل أهيم ، وناقة هيماء والجمع هيم ، وهى العطاش مثل أبيض ، وبيضاء ، والجمع بيض.

وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمرى عن الفرّاء قال (٤) : الهيم : السّهلة من الرّمل بكسر السّين ، وذلك أنّها تشرب الماء كلّه.

٦ ـ وقوله تعالى : (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [٥٦].

__________________

ـ فشاربون شَرب الهيم بالفتح ، قال : فذكرت ذلك لجعفر بن محمد قال : فقال : أو ليست كذلك ، أما بلغك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث بديل بن ورقاء الخزاعىّ إلى أهل منى فقال : إنها أيام أكل وشرب وبعال». والحديث عن يحيى بن سعيد الأموى فى غريب أبى عبيد : ١ / ٢٣٢ وعن الفراء فى تهذيب اللّغة : ١١ / ٣٥٢ ، وعنه فى اللسان (شرب). وينظر : حجّة أبى زرعة : ٦٩٦.

(١) بديل بن ورقاء ـ بصيغة التّصغير ـ كزبير صحابي مترجم فى الاستيعاب : والإصابة. وذكر الحافظ ابن حجر الحديث.

(٢) سورة الشّعراء : آية : ١٥٥.

(٣) تهذيب اللغة : ١١ / ٣٦٥.

(٤) معانى القرآن : ٣ / ١٢٨.

٣٤٦

قرأ أبو عمرو فى رواية العبّاس (١) : هذا نُزْلُهُم بجزم الزّاى ، والنّزل ، والنّزل كالرّعب ، والرّعب ، والسّحق ، والسّحق وجمعه إنزال ، ويقال مكان نزل : إذا وقع عليه المطر سال سريعا لانحداره. ورجل نزل : إذا كان خفيفا أحمق. ويقال : رجل نزل أيضا : إذا كانت الضّيفان تنزل به ، وهذا طعام له نزل بالفتح أى : له ريع ونماء ، و (يَوْمَ الدِّينِ) يعنى : يوم الجزاء والحساب. وذلك أنّ الضّيف إذا نزل بالرّجل الكريم فما يطعمه فهو نزله. فجعل الله تعالى نزل الكافر يوم الحساب. الجزاء ظلّا من يحموم وسموما ، وحميما لا باردا ولا كريما. ومن كان نزله هذا فلا نزل له.

٧ ـ وقوله تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) [٦٠].

قرأ ابن كثير وحده : نحن قدَرنا خفيفة.

وقرأ الباقون : (قَدَّرْنا) مشدّدا ، وهما لغتان قدرت وقدّرت ، وقد ذكرت / الفرق بينهما فيما سلف.

٨ ـ وقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ) [٦٠].

أى : لو أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا سابقة ولا يفوتنا ذلك وننشئكم فيما لا تعلمون ، أى : أردنا أن نجعل منكم القردة والخنازير ، ولم يفتنا ذلك ، ولا يسبقنا سابق.

٩ ـ وقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [٧٥].

قرأ حمزة والكسائىّ : موقِعِ موقع على التّوحيد.

وقرأ الباقون بالجمع ، وهو الاختيار ؛ لأنّ مواقع النّجوم هاهنا يعنى بها

__________________

(١) فى اللّسان : (نزل) عن «المحكم» : «النّزل والنزل ـ بالتحريك ـ ريع ما يزرع ، أى : «زكاؤه وبركته ، والجمع أنزال».

٣٤٧

ونجوم القرآن ونزلها من السّماء الدّنيا على محمد عليه‌السلام وكان ينزل نجوما (١).

١٠ ـ قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [٨٢].

روى المفضّل عن عاصم : تَكْذِبون بفتح التاء.

والباقون : (تُكَذِّبُونَ) مشدّدا ومعناه : إنّ الله تعالى كان إذا أغاثهم ومطرهم وكثر خصبهم نسبوا ذلك المطر إلى الأنواء من النّجوم فيقولون : مطرنا بنو المحدج ونوء السماكين ، ونحو ذلك فقال الله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أى : شكر رزقكم (٢).

حدّثنا الشّيخان الصّالحان عبد الرّحمن السرّاج وابن مخلد العطّار قالا : حدّثنا العباس بن يزيد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن عتاب بن جبير عن أبى سعيد الخدرى ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) : «لو أمسك الله القطر عن النّاس سبع سنين ثمّ أرسله عليهم لأصبحت طائفة منهم به كافرين يقولون : مطرنا بنوء المحدج».

وقرأ علىّ رضى الله عنه (٤) : وتجعلون شكركم أنّكم تكدّبون.

* * *

__________________

(١) قال ابن الجوزىّ فى زاد المسير : ٨ / ١٥١ : «وفى النجوم قولان : احدهما : نجوم السماء قاله الأكثرون ... الثانى : أنها نجوم القرآن رواه ابن جبير عن ابن عباس ...».

(٢) أسباب النزول لواحدى : ٤٢٩ ، وينظر : زاد المسير : ٨ / ١٥٣ ، وتفسير القرطبى : ١٧ / ٢٢٨ ، والدر المنثور : ٦ / ١٦٢.

(٣) مسند الإمام أحمد : ٣ / ٧.

(٤) إعراب القرآن للنّحاس : ٣ / ٣٤٢ ، والمحتسب : ٢ / ٣١٠ ، وتفسير القرطبى : ١٧ / ٢٢٨ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢١٥.

٣٤٨

(سورة الحديد)

١ ـ قوله تعالى : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) [٨].

قرأ أبو عمرو وحده : وقد أُخِذَ ميثاقكم بالرّفع على ما لم يسمّ / فاعله.

والباقون : (أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) بالنّصب. وأخذ الميثاق على العباد قبل توجيه الرّسل هو أنّ الله تعالى أخرج الذّرية من صلب آدم عليه‌السلام. فقال (١) : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) فأجابوه بعقل ركّبه فيهم (قالُوا بَلى)(٢).

٢ ـ وقوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [١٠].

قرأ ابن عامر وحده : وكلُّ بالرّفع جعله ابتداء وعدّى الفعل إلى ضمير ، والتّقدير : وكلّ وعده الله ، كما قال الرّاجز (٣) :

__________________

(١) سورة آل عمران : آية : ١٧٢.

(٢) سورة آل عمران : آية : ١٧٢.

(٣) هو أبو النّجم العجلىّ ، ديوانه : ١٣٢ ، وبعده :

من أن رأت رأسي كرأس الأصلع

ميّز عنه قنزعا عن قنزع

جذب اللّيالى أبطىء أو أسرعى

قرنا أشيبه وقرنا فانزعى

أفناه قيل الله للشّمس اطلعى

حتّى إذا وراك أفق فارجعى

وينظر الكتاب : ١ / ٤٤ ، ٦٤ ، ٦٩ ، والمقتضب : ٤ / ٢٥٢ ، والخصائص : ١ / ٢٩٢ ، ٣ / ٦١ ، والمحتسب : ١ / ٢١١ ، وأمالى ابن الشجرى : ١ / ٨ ، ٩٣ ، ٣٢٦ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٢ / ٣٠ ، ٦ / ٩٠ ، والخزانة : ١ / ١٧٣ ، ٤٤٥.

٣٤٩

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع

أراد : لم أصنعه. فخزل الهاء.

والباقون : (وَكُلًّا) بالنّصب : مفعول ، لأنّ قولك كلّا وعدت ، ووعدت كلّا ، وضربت زيدا ، وزيدا ضربت سواء فاستعمال اللّفظ أحرى من اتباع المضمرات والمعانى.

٣ ـ وقوله تعالى : (فَيُضاعِفَهُ) [١١].

قرأ ابن كثير وابن عامر فيُضَعِّفه بغير ألف غير أن ابن كثير يرفع وابن عامر ينصب.

وقرأ الباقون (فَيُضاعِفَهُ) بألف. وقد ذكرت علّة ذلك فى (البقرة).

٤ ـ وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) [١٣].

قرأ حمزة وحده : أنظِرونا بقطع الألف وفتحها.

وقرأ الباقون بوصل الألف ، فمعنى قراءة حمزة : أمهلونا أخرونا ، قال الشاعر (١) :

أبا هند فلا تعجل علينا

وأنظرنا نخبّرك اليقينا

والباقون جعلوه من الانتظار كقوله (٢) : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) ويقال نظرته معنى انتظرته. ونظرت إليه بعينى. وقد جاء : نظرته بعينى. وهذا حرف

__________________

(١) هو عمرو بن كلثوم التّغلبىّ ، والبيت من معلقته المشهورة يراجع شرح ابن الأنبارى : ٣٨٧ ، وشرح ابن النحاس : ٧٩١. وينظر : الخزانة : ٣ / ٦٢٨.

(٢) سورة الأحزاب : آية : ٥٣.

٣٥٠

غريب ، قال فضالة بن عبد الله الغنوىّ (١) :

خرجت سواسية مساو أمّها

خلوا تطير كما تطير السّوذق

فأبيت أنظرها فما أبصرتها

مما ترفّع فى السّراب وتفرق /

[أراد أبصرها] ، وفى هذا البيت شاهد آخر : أنّ السّواسية المستويات فى الخير ردا على من قال : إنّ السّواسية المستوون فى الشرّ.

٥ ـ وقوله تعالى : (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) [١٦].

قرأ نافع وحفص عن عاصم : (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) مخففا.

وقرأ الباقون : وما نزَّل مشدّدا وهو الاختيار ، لأنّ فى حرف عبد الله (٢) وما أنزل بألف فأنزل ونزّل بمعنى مثل كرّم وأكرم.

وفيها قراءة ثالثة سمعت ابن مجاهد يقول روى عبّاس عن أبى عمرو وما نُزِّل من الحقّ بالضّمّ والتّشديد على ما لم يسم فاعله.

٦ ـ وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) [١٨].

قرأ ابن كثير وعاصم فى رواية أبى بكر مخففة الصّاد.

وقرأ الباقون مشدّدا فى الحرفين جميعا أرادوا : المتصدّقين فأدغموا التّاء فى الصّاد فالتّشديد من جلل ذلك ، وليس فى تشديد الدّال اختلاف ؛ لأنّه على وزن تفعّل تصدّق مثل تكبّر ، وتجبّر ، ومن خفّف حذف التّاء اختصارا.

٧ ـ وقوله [تعالى] : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [٢٣].

__________________

(١) معجم الشعراء : ١٧٧.

(٢) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٣٤ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢٢٣.

٣٥١

قرأ أبو عمرو : بما أَتاكم قصرا ، أى : جاءكم.

وقرأ الباقون : (آتاكُمْ) ممدودا ، أى : أعطاكم.

٨ ـ وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [٢٤].

قرأ نافع وابن عامر : فإنّ الله الغنىّ الحميد بغير هو ، وكذلك فى مصاحفهم.

وقرأ الباقون بزيادة : (هُوَ) وكذلك فى مصاحف أهل الكوفة ، فمن أسقط جعل (الْغَنِيُ) خبر إن. و (الْحَمِيدُ) نعته ، ومن زاد (هُوَ) فله مذهبان فى النحو : أحدهما : أن تجعل (هُوَ) عمادا أو فاصلة زائدة.

والمذهب الثّانى : أن يجعل (هُوَ) ابتداء و (الْغَنِيُ) خبره وتكون الجملة فى موضع خبر «إن» ومثله (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(١) و (أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى)(٢) فكلّما ورد عليك فى التّنزيل فهذا إعرابه /.

٩ ـ وقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [١٥].

قرأ ابن عامر وحده : لا تؤخذ بالتاء.

والباقون بالياء. فمن ذكّر قال : تأنيث الفدية غير حقيقىّ. ومن أنّث ردّه على اللّفظ.

وحدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيّد أن أبا جعفر قرأ تؤخذ بالتاء.

قال أبو عبيد : اختيارى الياء لكثرة القراءة بها ، ولإيثارنا للتذكير فى جميع القرآن.

* * *

__________________

(١) سورة الكوثر : آية : ٣.

(٢) سورة النجم : آية : ٤٩.

٣٥٢

(ومن سورة المجادلة)

قال أبو عبد الله : إنّما سمّيت المجادلة لقوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) وفى حرف ابن مسعود (١) : قد سمع الله قول الّتى تحاورك بالحاء. وكانت هذه المرأة خولة بنت ثعلبة (٢) وزوجها أوس ابن الصّامت الأنصارى (٣) قال لها : إن لم أفعل كذا وكذا قبل أن تخرجى من بيتك فأنت علىّ كظهر أمّى ، فأتت خولة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشكو إليه فقالت : إنّ أوس بن الصّامت تزوّجنى شابّة غنيّة ، ثم قال لى : كذا وكذا ، وقد ندم فهل من عذر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما عندى فى أمرى شىء. فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها).

وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء قال (٤). قرأ عبد الله بن مسعود قد يسمع الله قول الّتى ومعنى المضارع هاهنا الحال ، كأنّ الله أنزل هذا وهى تحاوره.

__________________

(١) قراءته فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٣٨ ، وتفسير القرطبى : ١٧ / ٢٧٢.

(٢) أخبارها فى الاستيعاب : ١٨٣٠ ، والإصابة : ٧ / ٦١٨ وفيهما سبب النزول.

(٣) أخباره فى الاستيعاب : ١ / ١١٨ ، والإصابة : ١ / ١٥٦ وفيهما سبب النزول أيضا. وأوس شاعر ، وهو صاحب الشاهد النّحوى :

أنا ابن مزيقيا عمرو وجدّى

أبوه عامر ماء السّماء

وينظر : أسباب النزول للواحدى : ٤٣٣ ، ويراجع : تفسير الطبرى : ٢٨ / ٥ ، ومعانى القرآن وإعرابه : ٥ / ١٣٣ ، وزاد المسير : ٨ / ١٨٠ ، ١٨١ ، وتفسير القرطبى : ١٧ / ٢٧٠ ، والدر المنثور : ٦ / ١٧٩.

(٤) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٣٨.

٣٥٣

وحدّثنا أبو بكر النّيسابورىّ قال : حدّثنا أحمد بن حرب الطّائىّ قال : حدّثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت (١) : الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات ، ولقد جاءت المجادلة إلى النّبى عليه‌السلام تكلّمه وأنا فى ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) ... الآية.

١ ـ وقوله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [٢].

روى المفضل عن عاصم : ما هنّ أمّهاتُهُم برفع التاء ؛ وذلك أنّ بنى تميم لا يعلمون «ما» فيرفعون ما بعده بالابتداء والخبر فيقولون : ما زيد قائم. وأهل الحجاز ينصبون خبر «ما» فيقولون : ما زيد قائما ، وبذلك نزل القرآن (ما هذا بَشَراً)(٢) فمن كسر التّاء فى (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) وهى قراءة الباقين فموضعها نصب ، وكسرت التاء لأنّها غير أصلية ف «ما» حرف جحد و «هنّ» رفع اسم «ما» أمّهاتهم نصب خبره. وليس فى القرآن خبر «ما» منصوبا إلا فى هذين الموضعين.

٢ ـ وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ) [٢ ، ٣].

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : يُظَّهِّرون مشدد الظاء والهاء بغير ألف.

وقرأ عاصم : (يَظْهَرُونَ) مثل يقاتلون.

وقرأ الباقون : يَظّاهرون بفتح الياء ، وتشديد الظاء. وقد ذكرت علّة ذلك فى (الأحزاب) ، وفيه ستّ قراءات قد أثبتها هناك.

٣ ـ وقوله [تعالى] : (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [٨].

__________________

(١) فى الأصل : «قال».

(٢) سورة يوسف : آية : ٣١.

٣٥٤

قرأ حمزة : وينتجون بغير ألف على يفتعلون.

والأصل : ينتجيون ، لأنّ لام الفعل ياء ، من ناجيت فاستثقلوا الضمّة على الياء فحركوها وحذفت لسكونها وسكون الواو.

وقرأ الباقون : (يَتَناجَوْنَ) على يتفاعلون ؛ لأن التّفاعل لا يكون إلا من اثنين فصاعدا فكذلك المناجاة بين الجماعة والمفاعلة بين. اثنين.

وقرأ حمزة مثله ؛ لأنّ العرب تقول : اختصموا يختصمون وتخاصموا يتخاصمون ، وكذلك انتجوا وتناجوا بمعنى إلا أن الاختيار عند أولئك صار الألف ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صحّ عنه «لا يتناجى اثنان دون الثّالث /» (١) ، ويقال : ناجيت زيدا مناجاة ونجا ونجوى. والنّجوى أيضا : الجماعة ، قال الله تعالى (٢) : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى). وحجّة حمزة قول النّبى عليه‌السلام : «ما أنا انتجيته ولكنّ الله انتجاه» يعنى عليّا رضى الله عنه (٣).

٤ ـ وقوله تعالى : و (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) [١١].

قرأ عاصم وحده : (فِي الْمَجالِسِ) جعله عامّا ، أى : إذا قيل لكم توسّعوا فى المجالس ، مجالس العلم والعلماء فتفسّحوا ، ومثل حديث رسول الله عليه‌السلام (٤) : «لا يقيمنّ أحدكم أخاه من مجلسه فيجلس فيه ولكن توسّعوا وتفسّحوا».

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٥ ومسند الإمام أحمد : ٢ / ١٢٦ ، ولفظه : «دون ثالثهما» وينظر : ٢ / ٧٣ ولفظه : «دون واحد» والمسند أيضا : ١ / ٤٣١. وفى المسند أيضا : ٢ / ١٧ «لا يتسار ...».

(٢) سورة الإسراء : آية : ٤٧.

(٣) النّهاية : ٥ / ٢٥.

(٤) مسند الإمام أحمد : ٢ / ٤٥ ، ٨٩.

٣٥٥

وقرأ الباقون : فى المَجْلِسِ على التّوحيد مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة. واتّفق القراء على : (تَفَسَّحُوا) إلا الحسن فإنّه قرأ (١) تفاحسوا.

٥ ـ وقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) [١١]

قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم والأعشى عن أبى بكر عن عاصم بضمّة الشّين (انْشُزُوا فَانْشُزُوا).

والباقون بالكسر إلّا عاصما فإنه اختلف عنه.

وحدّثنى ابن مجاهد قال : قال يحيى بن آدم عن أبى بكر لم أحفظ هذا الحرف عن عاصم ، فسألت الأعمش ، فقال : انشِزوا فانشِزوا بالكسر.

وقال النّحويّون : هما لغتان نشز ينشز وينشز مثل عكف يعكف ويعكف ، وعرش يعرش ويعرش ، ويقال : نشز : تحرّك ، [وأنشز : إذا] أنشزه غيره والنّشز ، والنّشز : ما ارتفع من الأرض ، ويقال : نشزت المرأة على زوجها ، ونشعت ، ونشنت : إذا فركته.

٦ ـ وقوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [٢٢].

روى المفضل عن عاصم : كُتِبَ فى قلوبهم الإيمان على ما لم يسمّ فاعله.

والباقون : (كَتَبَ) على تقدير : كتب الله فى قلوبهم الإيمان وأيّدهم أى : / قوّاهم ولو كان كتب لقال : أيّدوا.

٧ ـ قرأ نافع وابن عامر : (أَنَا وَرُسُلِي) [٢١] بفتح الياء. والباقون يسكّنون الياء.

* * *

__________________

(١) قراءته فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٤١ ، وإعراب القرآن للنّحاس : ٣ / ٣٧٨ ، والمحتسب : ٢ / ٣١٥ ، وتفسير القرطبى : ١٧ / ٢٩٧ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢٣٦.

٣٥٦

(من سورة الحشر)

قوله تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) [٢].

قرأ أبو عمرو وحده مشدّدا.

والباقون مخفّفا.

والأمر بينهما قريب ، لأنّ فعلت وأفعلت بمعنى واحد كقولك : أكرمت وكرّمت وأخربت وخرّبت ، ويقال : أخربت المكان : إذا خرجت منه ، وتركته وإن كان صحيحا ، وخرّبته : إذا هدّمته ، والاختيار أن يحمل على الهدم ؛ لأنّ المسلمين لمّا أحاطوا ببنى النّضير جعلوا ينقبون عليهم ويخربون ديارهم وجعلوا هم أيضا ينقبون دوروهم ليفروا ، فذلك قوله : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ).

٢ ـ وقوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) [٧].

قرأ ابن عامر وحده برواية هشام : كيلا تكون دولة بالتاء. وروى عنه (يَكُونَ) بالياء ، ودولةٌ بالرّفع.

والباقون بالياء والنّصب.

٣ ـ وقوله تعالى : (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) [١٤].

قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : جدار على التّوحيد.

وقرأ الباقون : (جُدُرٍ) على الجمع ، مثل ثمار وثمر ، ومن وحد قالوا : جدار ينوب عن الجماعة. قال الله تعالى (١) : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا).

__________________

(١) سورة النور آية : ٣١.

٣٥٧

قال ابن خالوية : حدّثنا ابن مجاهد عن عبد الرّحمن بن محمد بن حمّاد ، أخبرنا يحيى عن وهيب ، قال : قال : هارون فى قراءة ابن كثير : (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) مفتوحة الجيم مقصورة.

* * *

٣٥٨

(ومن سورة الممتحنة)

قال أبو عبد الله إنما سميت هذه السّورة باسم المرأة (١) التى كانت مهاجرة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نساء الكفّار وتدع زوجها فقال الله تعالى : (فَامْتَحِنُوهُنَ) لئلا تكون فارقت زوجها عن تقال ، وإنّما هاجرت ابتغاء الإسلام فكان الرّسول عليه‌السلام يبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ، ولا يسرقن / ولا يزنين ، ولا يقتلن أولادهن ، يعنى الموؤدة ، ولا يأتين ببهتان يعنى : أن تزنى المرأة فتأتى بولد من غير زوجها فتنسبه إلى الزّوج فذلك قوله تعالى : (يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) وكانت هند (٢) أتت النّبى عليه‌السلام ، فلما أراد النّبىّ عليه‌السلام أن يبايعها قال لها : أبايعك على أن لا تزنى ، قالت : وهل تزنى الحرّة؟ قال : ولا تسرقى ، قالت : إلا من مال أبى سفيان ، قال : ولا تقتلى أولادك قالت : إن لم تقتلهم أنت ، فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان الحكم فى الممتحنة إذا جاءت مسلمة أن يتزوّجها المسلم بغير عدّة ، ولا ترجع إلى الكفّار لا تحلّ له ولا يحلّ لها ، ولكن يردّ عليه مهره.

١ ـ وقوله تعالى : (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) [٣].

__________________

(١) هى هند بنت عتبة بن ربيعة أمّ معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما أخبارها فى الاستيعاب : ١٩٢٣ ، والإصابة : ٨ / ١٥٥. وينظر : طبقات ابن سعد : ٨ / ١٧٠ ... وغيره. وذكر الحافظ ابن حجر الآية وذكر أنها أسلمت يوم الفتح ، وقال ومن طرقه ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح مرسل عن الشعبى وعن ميمون بن مهران ففى رواية الشعبى : (وَلا يَزْنِينَ) قالت هند : وهل تزنى الحرة ...».

٣٥٩

قرأ عاصم : (يَفْصِلُ) مثل يضرب أى : الله يفصل بينكم وحجّته (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ)(١).

وقرأ حمزة والكسائىّ : يُفصِّل بالتّشديد وكسر الصّاد مثل يكلّم ، لأنّه شىء بعد شىء ، وحجّتهما (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ)(٢).

وقرأ ابن عامر : يُفصِّل مشدّدا على ما لم يسم فاعله مثل يكرّم.

وقرأ الباقون : يُفْصَل على ما لم يسم فاعله وتسكين الفاء مثل يكرم. فهذه أربعة أوجه ، والأمر بينهن قريب.

٢ ـ وقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا) [١٠].

قرأ أبو عمرو وحده : ولا تمسِّكوا مشدّدا.

وقرأ الباقون مخففا. وقد ذكرت علته فى (الأعراف) وإنّما أعدت ذكره لأنّ ابن مجاهد حدثنى عن السّمّرىّ عن الفراء قال قرأ الحسن (٣) : ولا تَمسكوا بعصم الكوافر بفتح التاء يريد : تتمسّكوا فخزل تاء ، و (بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) يعنى : أن الممتحنة إذا جاءت مهاجرة فقد انقطعت / العصمة بينها وبين زوجها.

٣ ـ وقوله تعالى : (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [٤].

قرأ عاصم وحده بضمّ الهمزة.

__________________

(١) سورة الأنعام : آية : ٥٧.

(٢) سورة الأنعام : آية : ٩٧ ، وفى الأصل : «فصّلنا لكم الآيات».

(٣) البحر المحيط : ٨ / ٢٥٧.

٣٦٠