إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٦٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

قرأ حمزة والكسائىّ : سُلُفا جمع سليف.

وقرأ الباقون : (سَلَفاً) وهو الأسير فى كلامهم.

وسمعت ابن [أبزون](١) الحمزىّ يقول قيل لحمزة : من قرأ : سُلُفا قال النّاس ، قيل : من هم؟ قال : أنا.

وفيها قراءة ثالثة : حدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء قال (٢) : أخبرنى سفيان بن عيينة أنّ الأعرج قرأ سُلَفا بفتح اللّام جعله جمع سلفة مثل غرفة وغرف ، وكذلك (زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)(٣) جمع / زلفة.

١٣ ـ وقوله تعالى : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) [٥٧].

قرأ نافع والكسائىّ وابن عامر : يصُدون بضم الصاد ، ومعناه يعرضون ويعدلون ، وشاهدهم : (كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ)(٤).

__________________

(١) فى الأصل : «ابن زيادويه الحمرى» ولعلّ الصواب هو ما أثبته ؛ يؤيد ذلك ما ورد فى الأنساب لأبي سعد قال : (الحمزىّ) بفتح الحاء المهملة ، وسكون الميم وفى آخره الزاي : ... وأمّا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم بن موسى الأنبارى المقرىء الضرير ، يعرف ب «ابن أبزون الحمزىّ» ينسب إلى حمزة الزّيات ؛ لأنه كان يقرأ بقراءته : من أهل الأنبار ، كان ضرير البصر مقرئا ... ثم قال : قال أبو الفتح محمد بن أبى الفوارس الحافظ سنة أربع وستين وثلاثمائة توفى أبو عبد الله بن أبزون الأنبارى الضّرير ، لم يكن ممن يصلح للصّحيح ، وأرجو أن لا يكون ممن يتعمد الكذب». وينظر : اللباب : ١ / ٣٨٩ ، وغاية النّهاية : ١ / ١٠٠ ترجمته فيه قصيرة جدّا لا تتجاوز سطرين. ولم يذكره الصفدى فى (نكت الهميان) فلعله هو المقصود هنا ، وذلك أنه عاش فى زمن ابن خالويه فيصح أن يحدث عنه. والأمر الثانى : أنه من أعلم الناس بحمزة وبقراءة حمزة ، وقد لازمه حتى نسب إليه كما ترى. والله تعالى أعلم.

(٢) معانى القرآن له : ٣ / ٣٦ ، وهى فى المعانى المطبوع بضم اللام.

(٣) سورة هود : آية : ١١٤.

(٤) سورة الأنعام : آية : ٣٥.

٣٠١

وقرأ الباقون : (يَصِدُّونَ) بكسر الصاد أى : يضجّون قالوا : لأنه [يقال :] ضجّ من ذلك ، ولا يقال : صدّ من ذلك ، إنما يقال : صدّ عن ذلك ، وقال الكسائىّ : صدّ يصدّ ، وصدّ يصدّ بمعنى واحد ، جعلهما لغتين.

قال أبو عبد الله : يقال : صدّنى عن ذلك الأمر ، وأصدّنى لغتان فصيحتان.

١٤ ـ وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) [٤٩].

قرأ ابن عامر وحده : يا ايُّهُ اتباعا للمصحف.

وقرأ الباقون : (يا أَيُّهَا).

فإن قيل لك : خاطبوا نبيهم بالسّاحر. وقد سألوه أن يدعو لهم؟

ففى ذلك أجوبة :

أحدها : أنهم قالوا يأيّها الفطن العالم ؛ لأنّ السّحر عندهم دقّة النّظر والعلم بالشّىء كالسّحر الحلال ، يقال : فلان يسحر بكلامه.

وقال آخرون : معناه : أنّهم خاطبوه بما تقدم لهم من التّشبيه لهم إياه بالسّاحر.

١٥ ـ وقوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ) [٣٩].

قرأ ابن عامر وحده بكسر الألف جعله تمام الآية ، والوقف على قوله : (إِذْ ظَلَمْتُمْ) ثم استأنف إنّكم لأنّ [«إنّ»] إذا كانت مبتدأة كانت مكسورة.

وقرأ الباقون : (أَنَّكُمْ) بالفتح ، جعلوا «أنّ» اسما فى موضع رفع ، ولن ينفعكم اليوم اشتراككم فى النّار حيث ظلمتم أنفسكم فى الدّنيا.

١٦ ـ وقوله تعالى : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) [٦٨].

٣٠٢

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائىّ : (يا عِبادِ) بغير ياء وصلوا أو وقفوا ؛ لأنّه نداء ، مثل يا قوم ، ويا رب.

وقرأ الباقون : يا عبادىْ بالياء.

وكلّهم أسكن الياء إلا عاصما ، فإنه فتح الياء ، فيجب على قراءته الوقف بالياء / وعلى قراءة الباقين يجوز الوقف بالياء وبغير الياء.

وقال ابن مجاهد : روى (١) ابن اليزيدى عن أبيه عن أبى عمرو أنه وقف بالياء يا عبادى.

١٧ ـ وقوله تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) [٧١].

قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم : (ما تَشْتَهِيهِ) ف «ما» بمعنى «الذى» ، وهو رفع بالابتداء ، و «تشتهى» صلة ما ، والهاء عائد «ما» ، وهو مفعول «تشتهى».

وقرأ الباقون : بحذف الهاء اختصارا ، لأنه قد صار الاسم مع صلته أربعة أشياء شيئا واحدا ، فلما طال بصلته حذفت الهاء اختصارا ، كما قال (٢) :

ذرونى إنّما خطئى وصوبى

علىّ وإن ما أهلكت مال /

 يريد : الذى أهلكته.

وسمعت بعض العلماء بكتاب الله عزوجل يقرأ فى وصف الجنة بصفات مختلفة فى آى متفرقة ثم جمع تلك الصفات كلها فى حرف من كتاب الله وهو

__________________

(١) السّبعة : ٥٨٨ ، وفيه : «قال ابن اليزيدى ...» وعبارة المؤلف أجود.

(٢) هو أوس بن غلفاء : المحتسب : ٢ / ٢٠ ، وقد تقدم ذكره.

٣٠٣

قوله : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ).

وسأل أعرابى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنى سمعت الله يقول : وفيها ما تشتهى الأنفس ، وانّى رجل أشتهى النّوم فهل فى الجنّة نوم؟ فقال عليه‌السلام : إنّ النّوم أخ الموت ، ولا موت فى الجنة» (١).

وسأل آخر : هل تموت الحور؟ فقال : إن الحور ثواب الأعمال والثّواب لا يموت.

١٨ ـ وقوله تعالى : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [٨٥].

قرأ أبو عمرو وعاصم ونافع وابن عامر : (تُرْجَعُونَ) بالتاء.

والباقون بالياء ، خطاب عن غيب ولم يختلفوا فى الضم.

١٩ ـ وقوله تعالى : (وَقِيلِهِ يا رَبِ) [٨٨].

قرأ عاصم وحمزة : (وَقِيلِهِ) خفضا على معنى وعنده علم الساعة ، وعلم قيله.

وقرأ الباقون بالنّصب ردّا على قوله : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) [٨٠].

وقال آخرون : نصب على المصدر. فالأول قول / الأخفش (٢) والثّانى قول سائر النّاس.

وفيها قول ثالث : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [٨٠] بعلمهم ، وقيله : لأنّه لما قال : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) [٨٥] كان التّقدير : ويعلم قيله.

__________________

(١) صفة الجنّة لأبى نعيم : ٢ / ٥٧.

(٢) لم ترد فى المعانى له.

٣٠٤

وفيها قراءة ثالثة : وقيلُهُ بالرفع. روى عن قتادة جعله الله ابتداء.

٢٠ ـ وقوله تعالى : وقل سلام فسوف تعلمون [٨٩].

قرأ نافع وابن عامر بالتّاء.

وقرأ الباقون بالياء و (سَلامٌ) رفع بإضمار : وعليكم سلام ، قال الفرّاء (١) : ولو قرأ قارىء : قل سلاما بالنّصب جاز.

٢١ ـ وقوله تعالى : (آلِهَتُنا) [٥٨].

روى قالون عن نافع : أآلهتنا بهمزة بعدها مدة.

قال أبو عبد الله : فهى ثلاث ألفا ، الأولى : ألف التّوبيخ فى لفظ الاستفهام. والثانية : ألف جمع. والثالثة : أصلية والأصل : إله ثم يجمع فتقول : آلهة مثل حمار وأحمرة ، والأصل : أألهة فصارت الهمزة الثّانية مدّة ، ثم دخلت ألف الاستفهام فقلت أآلهتنا وكذلك قرأها أبو عمرو. فأمّا أهل الكوفة وابن عامر (آلِهَتُنا) بهمزتين والثالثة مدة. واختلف فى قوله : أفلا يبصرون ، أم أنا خير فى «أم» سبعة أقوال قد ذكرتها فى كتاب «المفيد»

* * *

__________________

(١) معانى القرآن له : ٣ / ٣٨

٣٠٥

(ومن سورة الدّخان)

قال أبو عبد الله : قد ذكرت التأويل والتّلاوة فى (حم) وإنما أعدت ذكره ؛ لأنّ الله تعالى قال فى هذه السّورة : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) فقال ابن مسعود : قد مضى الدّخان والبطشة وانشقاق القمر. وذلك أنّ المشركين سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يريهم آية فصار القمر نصفين. فقالوا سحر القمر ، سحر القمر ، والبطشة الكبرى / والدّخان هو دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال (١) : «اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنىّ يوسف» فكان يتغشّاهم من الحرب والجوع كالدّخان.

وحدّثنى محمّد بن حمدان المقرىء قال : غزا المعتصم الرّوم ذات مرة فلما نزل بساحتهم صدع فبلغ ذلك ملك الرّوم فبعث بقلنسوة فحين وضعها على رأسه برىء ففتقت فإذا فيها رقعة مكتوب (٢) فيها «بسم الله الرّحمن الرّحيم كم من نعمة لله على عبد شاكر وغير شاكر فى عرق ساكن وغير ساكن. حم عسق لا يصدّعون عنها ولا ينزفون من كلام الرّحمن خمدت النّيران نار التهبت فسمعت صوت الرّحمن فهمدت ولا حول ولا قوة إلّا بالله تعالى» خمدت : سكن لهبها وبقي الجمر ، وهمدت : انطفأ الجمر وسكن اللهب.

١ ـ وقوله تعالى : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [٧].

قرأها أهل الكوفة : (رَبِ) بالخفض ، وكذلك فى (المزّمّل) و (عمّ يتساءلون).

__________________

(١) أخرجه البخارى فى صحيحه : ١ / ١٩٥ (كتاب الأذان) باب يهوى بالتكبير حين يسجد.

(٢) فى الأصل : «مكتوبة».

٣٠٦

وقرأ الباقون بالرّفع فمن رفع ردّه على قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [٦] ومن جرّ جعله بدلا من (رَبِّكَ).

٢ ـ وقوله تعالى : (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) [٣].

أنزل الله تعالى القرآن من اللّوح المحفوظ فى ليلة القدر إلى سماء الدّنيا جملة ، ثم نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نيّف وعشرين سنة (١).

٣ ـ وقوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [٤].

أى : فى ليلة القدر يقسم الله تعالى أرزاق عباده ، ويفرغ من كلّ أمر إلى ليلة القدر فى السّنة المقبلةو (رَحْمَةً) تنتصب على الحال من (أَنْزَلْناهُ) رحمة.

٤ ـ وقوله تعالى : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) [٤٧].

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر : فاعتُلوه بالضمة.

وقرأ الباقون بالكسر ، وهما لغتان عتل يعتل / ويعتل مثل عكف يعكف ويعكف ، لأنّ الماضى إذا كان على فعل بالفتح جاء المستقبل على الضمّ والكسر

__________________

(١) أخرج النّسانى فى فضائل القرآن : ٦٩ «أخبرنا قتيبة بن سعيد قال : ثنا ابن أبى عدىّ عن داود وهو ابن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : نزل القرآن فى رمضان ليلة القدر فكان فى السماء الدّنيا ، فكان إذا أراد الله أن يحدث شيئا نزل فكان بين أوله وآخره عشرون سنة» أخرجه الحاكم فى مستدركه : ٢ / ٢٢٢. جاء فى مختارات من فضائل القرآن لابن كثير : «أمّا إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه ؛ وأمّا إقامته بمكة بعد النبوة فالمشهور ثلاث عشرة سنة ؛ لأنّه عليه‌السلام أوحى إليه وهو ابن أربعين سنة ، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح. ويحتمل حذف ما زاد على العشر اختصارا فى الكلام ؛ لأنّ العرب كثيرا ما يحذفون الكسور فى كلامهم».

٣٠٧

مثل عكف يعكف ويعكف ، وعتل يعتل ويعتل. والعتل فى اللّغة : أن يساق إلى النار بعسف وشدّة والعتلّ : الغليظ الشديد من قوله (١) : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) والزّنيم : ولد الزّنا ، قال حسّان (٢) :

زنيم تداعاه الرّجال زيادة

كما زيد فى عرض الأديم الأكارع

وسواء الجحيم : وسطه. والسّواء أيضا بمعنى سوى ، والسّواء العدل من قوله (٣) : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ).

٥ ـ وقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ) [٤٩].

قرأ الكسائىّ وحده : ذق أنّك بالفتح ، أراد : ذق لأنّك وبأنّك أنت العزيز الكريم عند نفسك فى دعواك ، فأمّا عندنا فلست عزيزا ولا كريما. وذلك أنّ أبا جهل (٤) ـ لعنه الله ـ كان يقول ما بالوادى أعزّ منّى ولا أكرم

وقال آخرون : ذق إنك أنت السّفيه الأحمق فعبّر الله تعالى وكنّى بأحسن لفظ كما خاطب قوم شعيب شعيبا (٥) : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ومن أحسن ما جاء فى الكناية (٦) : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) كنّى الله تعالى

__________________

(١) سورة القلم : آية : ١٣.

(٢) ديوان حسان : ٤٩١ وقد سبق.

(٣) سورة آل عمران : آية : ٦٤.

(٤) أسباب النزول للواحديّ : ٣٩٨ قال : «قال قتاده : نزلت فى عدو الله أبى جهل ...». وينظر : تفسير الطبرى : ٢٥ / ٨٠ ، وزاد المسير : ٧ / ٣٥٠ وتفسير القرطبى : ١٦ / ١٥١ ، والدر المنثور : ٦ / ٣٣.

(٥) سورة هود : آية : ٨٧.

(٦) سورة المائدة : آية : ٧٥.

٣٠٨

عن الغائط ، والبول ، وكما كنّى عن الفرج بالأرض : (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها)(١) وبالجلد عن الفرج من قوله (٢) : (وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

وذهب الكسائىّ إلى ما سمعت ابن مجاهد يقول : روى حجر عن أبى قتادة الأنصارى عن أبيه ، قال سمعت الحسن بن على يقرأ : ذق أنّك.

وقرأ الباقون : (ذُقْ إِنَّكَ) بالكسر جعلوا «ذق» أمرا تمام الكلمة «وإن» مستأنفة. وكلّ ما فى القرآن من «إن» المكسورة فلا تخلو من أن تكون مستأنفة أو جائية بعد قول أو قد استقبلتها / لام الخبر أو جواب القسم. وقد فسّرت ذلك فيما سلف من الكتاب.

٦ ـ وقوله تعالى : (كَالْمُهْلِ يَغْلِي) [٤٥].

قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم : (يَغْلِي) بالياء ردّا على المهل ، والمهل : دردىّ الزّيت. ويقال : إنّ المهل كلّ ما أذيب من النّحاس والفضّة ونحوهما.

وقرأ الباقون : تغلى بالتّاء رداّ على الشجرة : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [٤٤]. والأثيم ـ هاهنا ـ : أبو جهل. والزّقّوم عند العرب : الزّبد بالرّطب ، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية دعا أبو جهل بزبد وتمر. وقال : تزقّموا من هذا الزّقّوم الذى يعدكم به محمّد (عليه‌السلام).

٧ ـ وقوله تعالى : (فِي مَقامٍ أَمِينٍ) [٥١].

قرأ نافع وابن عامر بالضمّ.

__________________

(١) سورة الأحزاب : آية : ٢٧.

(٢) سورة فصلت : آية : ٢٠.

٣٠٩

وقرأ الباقون بالفتح. وقد ذكرت علته فى سورة (مريم) فأغنى عن الإعادة هاهنا.

(واختلفوا فى هذه السّورة فى ياءين) :

ف (إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) [٢١] فتحها نافع فى رواية ورش.

وأسكنها الباقون.

والحرف الثّانى : (إِنِّي آتِيكُمْ) [١٩].

فتحها أبو عمرو ونافع وابن كثير.

وأسكنها الباقون.

ومعنى (فَاعْتَزِلُونِ) أى : لا لى ولا علىّ.

* * *

٣١٠

(سورة الجاثية)

١ ـ قوله تعالى : (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ ... وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) [٤ ، ٥].

قرأ حمزة والكسائىّ بخفض التّاء على أنّه فى موضع نصب ردّا على «إنّ» ، وإنّما كسرت التاء ، لأنّها غير أصليّة.

وقال المبرّد : هو لحن عندى ، لأنّه عطف على عاملين على «إن» و «فى». وكان الأخفش يرى العطف على عاملين (١) فيقول : مررت بزيد فى الدّار ، والحجرة عمرو. واحتجّ بقول الشّاعر (٢) :

__________________

(١) ذكر هذه المسألة ابن الأنبارى فى الإنصاف : ٤٦٣ ، ونسب إلى البصريين بعامة المنع ، وإلى الكوفيين الجواز وهذه المسألة مشهورة تحدث عنها النحاة.

وينظر : شرح المفصل : ٣ / ٢٧ ، وشرح الكافية : ١ / ٢٩٥ ، والمغنى : ٦٣٢. ونصّ المبرد فى الكامل : ٣٧٥ ، قال أبو العباس : «... وقد قرأ بعض القراء : ـ وليس جائزا عندنا ـ (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ). فجعل (آياتٌ) فى موضع نصب وحفضها لتاء الجمع فحملها على «إن» وعطفها بالواو وعطف اختلافا على «فى» ولا أرى ذا فى القرآن جائزا ؛ لأنه ليس بموضع ضرورة وأنشد سيبويه لعدىّ ابن زيد.

أكل امرىء .............

البيت

وأعاده ثانية فى الكامل أيضا ص ١٠٢ ، وقال : «وكان أبو الحسن يراه ويقرأ ...» وأورد الآية البيت ، ونسب البيت فى الموضعين إلى عدىّ.

(٢) نسب المبرد البيت إلى عدى بن زيد فى الموضعين السابقين ولعلّ الصحيح أنه لأبي دؤاد وهو فى ديوانه : ٣٥٣ ، وملحقات ديوان عدى : ١٩٩ عن الكامل. ـ

٣١١

أكلّ امرىء تحسبين امرأ

ونار تأجّج للحرب نارا /

ومن خفض التّاء فله حجة أجود مما مضى. وذلك أنّه يجعل (آياتٌ) الثانية بدلا من الأولى. فيكون غير عاطف على عاملين.

وكأنّ أبا العبّاس ذهب هذا عليه حتّى لحّن من كسر ، وقد قرأ بذلك إمامان.

وقرأ الباقون : (آياتٌ) بالرفع.

فإن سأل سائل فقال : كيف يجوز أن يجعل الآيات التى فى الأرض بدلا من آيات فى السّماء؟

فالجواب فى ذلك : أنّهما وإن اختلفتا من هذه الجهة فقد اتفقتا أنّهما مخلوقاته ، دوالّ على وحدانيّته.

٢ ـ وقوله تعالى : وآياته تؤمنون [٦].

قرأ أهل الكوفة وابن عامر بالتاء على الخطاب ، أى : قل لهم يا محمد ذلك.

وقرأ الباقون بالياء لقوله : (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) [٣].

٣ ـ وقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ قَوْماً) [١٤].

__________________

ـ القصيدة التى منها البيت فى الأصمعيات : ١٩١ ، أولها :

ودار يقول لها الدّائر

ون ويل أمّ دار الحذاقيّ دارا

والشاهد فى الكتاب : ١ / ٣٣ ، وشرح شواهده لابن خلف : ورقة : ٣٣ والنكت عليه للأعلم : ١ / ٢٠٤ وأمالى ابن الشجرى : ١ / ٢٩٦ ، والإنصاف : ٤٦٦ ، والمقرب : ١ / ٢٣٧ ، وتعليقه ابن النحاس عليه : ورقة : ٧٣ وضرائر الشعر : ١٦٦ ، وشرح أبيات المغنى : ٥ / ١٩٠.

٣١٢

قرأ حمزة والكسائىّ وابن عامر بالنّون. الله تعالى يخبر عن نفسه.

وقرأ الباقون بالياء ، أى : قل لهم يا محمّد : ليجزى الله قوما.

وفيها قراءة ثالثة حدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد قال : قرأ أبو جعفر (١) : ليُجْزى قوما على ما لم يسمّ فاعله.

فإن قيل : لم نصب قوما؟

فقل : أضمر المصدر ، والتّقدير : ليجزى الجزاء قوما (٢)

فإن قيل : لم أسكن الياء فى ليجزى قوما على ما لم يسم فاعله ، واللّام لام كى؟

فالجواب فى ذلك : أن هذه الياء ، وإن كانت مكتوبة فى الخطّ ياء فإنها ألف منقلبة من الياء ، والأصل : ليجزي مثل ليضرب فصارت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

٤ ـ وقوله تعالى : (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) [١١].

قرأ ابن كثير وحفص وعاصم بالرّفع للعذاب.

وقرأ الباقون بالخفض ردّا على رجز. وقد فسرت نظير ذلك فيما تقدم

٥ ـ وقوله تعالى : (سَواءً مَحْياهُمْ) [٢١].

__________________

(١) قراءته فى معانى القرآن للفراء ٣ / ٤٦ ، وتفسير الطبرى : ٢٥ / ٨٧ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٣ / ١٢٨ ، وتفسير القرطبى : ١٦ / ١٦٢ ، والبحر المحيط : ٨ / ٤٥ ، والنشر : ٢ / ٣٧٢. قال الفرّاء : «وهو فى الظاهر لحن».

(٢) أورد أبو البقاء العكبرىّ هذه المسألة فى التبيين : ٢٧٠ فقال : «لا يجوز أن يقام المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول به الصحيح فى الاختيار ، وإنما بابه الشعر. ومن البصريين من قال : يجوز ...».

٣١٣

قرأ حمزة والكسائىّ / وحفص عن عاصم : (سَواءً) نصبا يجعلونه مفعولا ثانيا من يجعلهم ، والهاء ، والميم المفعول الأول فإن جعلت كالّذين آمنوا المفعول الثّانى نصبت (سَواءً) على الحال ، وهو وقف حسن ، وترفع (مَحْياهُمْ) بمعنى استوى ومماتهم والأصل : فى محياهم محييهم لأنّ وزنه مفعلهم من الحياة ، فانقلبت الياء ألفا لتحركها ، وانفتاح ما قبلها كما قال (١) : (وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي) والأصل : محييي بثلاث ياءات ، الأولى : عين الفعل ، والثانية : لام الفعل ، والأخيرة : ياء الإضافة. ومن قرأ فمن تبع هديّ (٢) قرأ ومحييّي. وقد قرأ بذلك ابن أبى إسحق ؛ لأنّه خط الألف إلى الياء أدغم إذ كان الحرف قد لقى شكله.

وقرأ الباقون : سواءٌ بالرّفع جعلوه مبتدءا ، وما بعده خبر عنه. ويكون الوقف على قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تامّا.

٦ ـ وقوله تعالى : وجعل على بصره غشاوةٌ [٢٣].

قرأ حمزة والكسائى غَشْوة جعلاه كالرّجعة والخطفة.

وقرأ الباقون : (غِشاوَةً) جعلوه مصدرا مجهولا والفعلة من المرّة الواحدة.

وقال آخرون : الغشاوة والغشاوة والغشاوة ، والغشوة والغشوة والغشوة بمعنى واحد ، وهو الغطاء. قال الشّاعر (٣) :

تبعتك إذ عيني عليها غشاوة

فلمّا انجلت قطّعت نفسى ألومها

__________________

(١) سورة الأنعام : آية : ١٦٢.

(٢) سورة البقرة : آية : ٣٨ يراجع المحتسب : ١ / ٧٦ ، والبحر المحيط : ١ / ١٦٩.

(٣) تقدم ذكره فى الجزء الأول : ١ / ٦١ ، ٢ / ٢٣٠.

٣١٤

وقال بعض أهل النّظر : إنما قيل : غشاوة على فعالة لاشتمالها على البصر بظلمتها ، وكلّ ما اشتمل على الشىء فإنه يبنى على (فعالة) قال : وكذلك الصّناعات عن الخياطة والصياغة.

٧ ـ وقوله تعالى : (وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) [٣٢].

قرأ حمزة وحده : السّاعةَ نصبا نسقا على (إِنَّ وَعْدَ اللهِ).

وقرأ الباقون / بالرّفع ، وهو الاختيار ، لأنّ الكلام قد تمّ دونه وهو قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) لأنّ الاختيار إذا عطفت بعد خبر «إنّ» أن ترفع ؛ ولأنّ المعطوف على الشّىء يجب أن يكون فى معناه ، فإذا اختلف المعنى اختير القطع من الأوّل والاستئناف والرّيب الشكّ ، وأنشد (١) :

ليس فى الموت يا أميمة ريب

إنّما الرّيب ما يقول الحسود

٨ ـ وقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) [٣٥].

قرأ حمزة والكسائىّ : تَخرجون بالفتح.

وقرأ الباقون بالضمّ ، وقد فسرت ذلك فى مواضع من الكتاب.

* * *

__________________

(١) وقع إلىّ هذا البيت فى كتاب مخطوط هو عمدة الحفاظ فى تفسير أشرف الألفاظ نسخة مصورة من المدينة يظهر أنها بخط مؤلفها وروايته هناك (ما يقول الكذوب) وعزاه لابن الزّبعرى ، ولم أجده فى شعره الذى جمعه الدكتور يحيى الجبورى على الروايتين ، والله تعالى أعلم.

٣١٥

سورة الأحقاف

١ ـ قوله تعالى : (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) [١٥].

قرأ أهل الكوفة : (إِحْساناً) اتباعا لمصاحفهم.

وقرأ الباقون : حُسنا جعلوه مصدر حسن يحسن حسنا.

والباقون جعلوه مصدر أحسن يحسن إحسانا.

قال بعض النّحويين : الاختيار حُسنا لاتّفاقهم على قوله فى (العنكبوت) (١) : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً).

٢ ـ وقوله تعالى : لتنذر الّذين ظلموا [١٢].

قرأ ابن كثير برواية قنبل وأبو عمرو وأهل الكوفة (لِيُنْذِرَ) بالياء فيكون المعنى لينذر القرآن ، ولينذر الله تعالى ، ولينذر محمّد عليه‌السلام.

وقرأ البزى لتنذر بالتاء ، والياء كليهما.

وقرأ نافع وابن عامر بالتاء لتنذر أنت يا محمد وحجة هذه القراءة (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٢) أى : داع يدعوهم. فقيل : الهادى هاهنا محمد عليه‌السلام ، وقيل : على رضى الله عنه ، وقيل الله تعالى.

٣ ـ وقوله تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) [١٥].

قرأ أبو عمرو وهشام عن ابن عامر ونافع وابن كثير ، بالفتح.

وقرأ الباقون بالضمّ. وقد ذكرت علّة ذلك فيما سلف.

٤ ـ [وقوله تعالى] : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) [١٥].

__________________

(١) الآية : ٨.

(٢) سورة الرعد : آية : ٧.

٣١٦

اتفق القراء على هذه إلا الحسن / فإنه قرأ : وفَصْله ثلثون شهرا.

وأكثر كلام العرب فصال ، فى الحديث (١) : «لا رضاع بعد فصال» (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) واحد الأشدّ شدّ فاعلم ، فى قول النحويين إلا الأخفش فإنه قال : شدّة وأشدّ مثل نعمة وأنعم.

وقال المفسرون : بلغ أشدّة اثنتى عشرة سنة ، وقيل ثمان عشرة سنة ، وقيل : ثلاثين سنة ، وقيل : أربعين سنة : (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ) : ألهمنى.

٥ ـ وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ) [١٦].

قرأ حمزة ، والكسائىّ وحفص عن عاصم (نَتَقَبَّلُ وَنَتَجاوَزُ) بالنون ، الله تعالى يخبر عن نفسه ، وإنما اختاروا هذه القراءة لقوله (وَوَصَّيْنَا).

وقرأ الباقون : يتقبّل ويتجاوز بالياء على ما لم يسم فاعله ، «وأحسن» اسمه. ومن قرأ بالنّون نصب «أحسن» لأنه مفعول به.

٦ ـ وقوله تعالى : (أُفٍّ لَكُما) [١٧].

قرأ نافع وحفص عن عاصم (أُفٍّ) منونا.

وقرأ ابن كثير وابن عامر : أُفّاً نصبا.

والباقون : (أُفٍ). وقد ذكرت علله فى (سبحن) وإنما ذكرته أيضا ، لأنّ بعض المفسرين قال : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) هو عبد الرحمن بن

__________________

(١) رواه عبد الرزاق فى مصنّفه : ٧ / ٤٦٤ رقم (١٣٨٩٨) باب لارضاع بعد الفصال. والنّهاية : ٣ / ٤٥١.

٣١٧

أبى بكر الصّديق قبل أن يسلم ، وذلك غلط ، إنّما نزل فى الكافر العاقّ (١).

٧ ـ وقوله تعالى : (أَتَعِدانِنِي) [١٧].

اتّفق القراء على كسر النّون ، وإنما ذكرته ، لأنّ ابن مجاهد حدّثنى عن أحمد بن زهير عن القصبىّ محمد بن عمر عن عبد الوارث عن أبى عمرو أنّه قرأ : أتعدانَنى بفتح النون. قال : وهى لغة يعنى فتح النّون. قال الشاعر (٢) :

على أحوذيّين استقلّت عليهما

فما هى إلّا لمحة فتغيب

__________________

(١) الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة : ١٢٩.

قال مؤلفه الإمام بدر الدين الزّركشى ـ رحمة الله عليه ـ : «نقل أهل التفسير فى قوله تعالى : وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ إن معاوية كتب إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد ، قال عبد الرحمن بن أبى بكر : لقد جئتم بها هر قليه أتبايعون لأبنائكم؟! ، فقال مروان : يأيّها الناس هذا الذى قال الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فسمعت عائشة فغضبت وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته ، ولكنّ الله لعن أباك وأنت فى صلبه فأنت قضقض من لعنة الله» ونسب هذا القول إلى ابن عباس رضى الله عنهما زاد المسير : ٧ / ٣٨٠. قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن السّرى الزّجاج ـ رحمه‌الله ـ : فى معانى القرآن وإعرابه : ٤ / ٤٤٣ «قال بعضهم : إنّها نزلت فى عبد الرحمن [بن أبى بكر] قبل إسلامه ، وهذا يبطله قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ). فأعلم الله أن هؤلاء قد حقّت عليهم كلمة العذاب ، وإذا أعلم بذلك فقد أعلم أنهم لا يؤمنون ، وعبد الرحمن مؤمن ، ومن أفاضل المؤمنين وسرواتهم. والتّفسير الصّحيح أنها نزلت فى الكافر العاق». أقول : هذا والله مذهب السّلف رحمهم‌الله. وكانت أمّ المؤمنين عائشة رضى الله عنها تنكر أن تكون الآية نزلت فى عبد الرحمن وتحلف على ذلك وتقول : لو شئت لسميت الذى نزلت فيه. يراجع زاد المسير : ٧ / ٣٨٠ ، ٣٨١ ، وتفسير القرطبى : ١٦ / ١٩٧.

(٢) البيت لحميد بن ثور الهلالى فى ديوانه : ٥٥ ، من قصيدة جيّدة أولها :

مرضت فلم تحفل علىّ جنوب

وأدنفت والممشى إلىّ قريب

يصف قطاة ، والأحوذيين تثنية أحوذيّ ، وهو السّريع يريد بهما : جناحي القطاة. يصف قطاة ، والأحوذيين تثنية أحوذيّ ، وهو السّريع يريد بهما : جناحي القطاة. والشاهد فى معانى القرآن : ٢ / ٤٢٣ ، وشرح المفصّل : ٤ / ١٣١ ، والارتشاف : ٣ / ٣٢٠ ، وضرائر الشعر : ٢١٧ ، وشرح الشواهد : ١ / ١٧٧ ، وشرح التّصريح : ١ / ٧٨. ويروى : «استقلّت عشيّة».

٣١٨

ففتح نون الاثنين. وأكثر النّحويين يرونه لحنا ، فإذا عورضوا بهذا البيت قالوا : إنما جاز بهذا لأنّ / قبل النّون ياء ، والياء أخت الكسرة. فتفر العرب من كسرة إلى فتحة ، وهذا خطأ ؛ لأنّ الآخر قد قال (١) :

تعرف منها الجيد والعينانا

ومنخران أشبها ظبيانا

فقال أصحاب القول الأول : الأصل نصب العينين فأتوا بألف على لغة من يقول : حبست بين يداه ، وأعطيته درهمان ، والاختيار كسر النّون الأولى لالتقاء الساكنين ، وهى علامة الرّفع ، والنون الثانية مع الياء اسم المتكلم فى موضع نصب ، وهى لا تكون إلا مكسورة أبدا ؛ لمجاورة الياء. ويجوز فى النّحو (أتعدانّى) مدغما ، ويجوز أتعدانى بنون واحدة خفيفة ، ولم يقرأ به أحد.

قال ابن مجاهد (٢) : وحدّثنى ابن مهران قال : حدّثنى أحمد بن يزيد عن أبى معمر عن عبد الوارث عن أبى عمرو : أتعدانَنى بفتح النون وإرسال الياء.

٨ ـ وقوله تعالى : وليوفهم أعمالهم [١٩].

قرأ عاصم وهشام عن ابن عمر ، وأبو عمرو وابن كثير بالياء أى ليوفيهم الله.

وقرأ الباقون بالنّون ، الله تعالى يخبر عن نفسه وليوفيهم نصب بلام «كى».

٩ ـ وقوله تعالى : (لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) [٢٥].

قرأ عاصم وحمزة : (لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) بالياء على ما لم يسم فاعله. ومساكنهم بالرّفع على تقدير لا يرى شىء إلا مساكنهم.

__________________

(١) الشاهد فى نوادر أبى زيد : ١٦٨ ، لرجل من ضبّة. وينظر : شرح المفصّل : ٤ / ٦٧ ، وضرائر الشعر : ٢١٨ ، والخزانة : ٣ / ٣٣٦.

(٢) السّبق : ٥٩٧ ولم يسق سندا.

٣١٩

وقرأ الباقون : لا تَرى بالتاء على خطاب النّبى عليه‌السلام إلا مساكنَهم بالنّصب مفعول بها. أى : قد هلكوا فلا يحسّ لهم أثر خلا المنازل والمساكن.

وأحتجّ أصحاب هذه القراءة بما حدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء. قال (١) ، حدّثنى محمّد بن الفضل الخرسانى عن عطاء عن أبى عبد الرحمن قال : سمعت عليّا رضى الله عنه يقرأ : لا ترى إلّا مساكنَهم /.

وفيها قراءة ثالثة ، قرأ الحسن لا تُرى بالتاء والضم لتأنيث المساكن.

١٠ ـ وقوله تعالى : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) [٢٠].

قرأ ابن عامر : أأذهبتم بهمزتين الأولى ألف توبيخ بلفظ الاستفهام ، ولا يكون فى القرآن استفهام ، لأنّ الاستفهام استعلام ما لا يعلم والله تعالى يعلم الأشياء قبل كونها فإذا ورد عليك لفظة من ذلك فلا تخلو من أن يكون توبيخا أو تقريرا ، أو تعجبا أو تسوية أو إيجابا أو أمرا. فالتّوبيخ أأذهبتم ، والتّقرير (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ). (٢) والتّعجّب (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ)(٣) و (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٤) و (كَيْفَ تَكْفُرُونَ)(٥) والتسوية (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ)(٦) والإيجاب (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)(٧) والأمر (أَأَسْلَمْتُمْ)(٨) معناه : أسلموا ، والألف الثّانية ألف

__________________

(١) معانى القرآن : ٣ / ٥٥ ، وفيه : «عطاء بن السائب».

(٢) سورة المائدة : آية : ١١٦.

(٣) سورة القارعة : آية : ١ ، ٢.

(٤) سورة الحاقة : آية : ١ ، ٢.

(٥) سورة البقرة : آية : ٢٨.

(٦) سورة البقرة : آية : ٦.

(٧) سورة البقرة : آية : ٣٠.

(٨) سورة آل عمران : آية : ٢٠.

٣٢٠