إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٦٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

حقّ التّوكّل لغرّكم كما يغرّ الطّائر فرخه» أى لزقكم كما يزق الطّائر فرخه ، وجاء فى حديث آخر : «كما يزق الطّائر بجّه» ، والبجّ : الفرخ ، والبجّ : الشقّ ، فأما البجّة فاسم صنم قال النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : «أخرجوا صدقاتكم فإنّ الله أراحكم من السجّة والبجّة».

١٥ ـ وقوله تعالى : («وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) [٢٢٤].

قرأ نافع وحده : يَتْبَعُهُم مخففا من تبع يتبع.

وقرأ الباقون : يَتَّبِعُهمْ من اتّبع يتبع. فتبع : سار فى أثره واتّبعه لحقه ذهولا.

والشّعراء : هم الكفّار الذين كانوا يهجون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون بالكذب الصراح وما لا يفعلون ، والشّيطان كان يقذف فى لسانهم ويعينهم على

__________________

(١) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلّام رحمه‌الله فى غريب الحديث : ١ / ١٢٤ (ط) مجمع اللغة العربية بالقاهرة بسنده ، وفى لفظه : «... من الجبهة والسجّة والبجّة».

وفسّرها أنها آلهة كانوا يعبدونها فى الجاهلية». وأنكر الخطّابي على أبى عبيد هذا التفسير فقال : «السّجة : المذقة من اللّبن يصب عليها الماء حتى يصير سجاجا والسجاج : كلّ لبن غالب عليه الماء. والبجّة : الفصد الذى كانوا يفصدون فيستدمون فيأكلونه ، قال العجّاج يصف ثورا وكلابا.

يطعنهنّ فى كلى الخصور

وبجّ كل عاند نعور

قال : والجبهة هاهنا المذلّة ، يقول هذا الكلام للعرب يذكرهم آلاء الله عليهم ويقول : كنتم فى مذلة تجبهكم وكان قوتكم السجاج من اللبن والفصيد من الدّم فقد جعلكم خلفاء فى الأرض ووسع عليكم». وأنكر تفسير أبى عبيد لها فقال : «وقول من زعم أنها كانت آلهة تعبد من دون الله ...». وينظر : غريب الخطابى : ٢ / ١٧٨ ، وتهذيب اللغة : ٦ / ٦٦ ، والمحكم : ٧ / ٣١ ، ١٦٤ ، ٤ / ١٢٦ ، والنهاية : ١ / ٢٣٧. وديوان العجّاج : ٢ / ٣٧٠ ، ٣٧١ غير متواليين مع اختلاف رواية.

١٤١

قول الفحش والهجاء ، كما أن الملك يعين شاعر رسول الله ومن ينافح عن دين الله عزوجل ، ألم تسمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) : «اهجهم وجبريل معك»؟ فشعراء المسلمين خارجون من هذه الآية لقوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [٢٢٧] وقد كان أبو بكر شاعرا وعمر شاعرا وعلى أشعر الثلاثة. وقال الشّافعىّ : الشعر كلام منظوم بمنزلة المنثور من الكلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح ، فإذا قال الرجل شعرا وفيه رفث وفحش سقطت عدالته / وإذا قال شعرا فيه الغزل الذى ليس بمكروه أو مدح رجلا قبلت عدالته.

(وفى هذه السّورة من الياءات) :

(إِنِّي أَخافُ) [١٢ ، ١٣٥] أرسلها أهل الكوفة وابن عامر وفتحها الباقون.

أن معىَ ربّى [٦٢] فتحها حفص عن عاصم وحده.

(عَدُوٌّ لِي إِلَّا) [٧٧] فتحها نافع وأبو عمر وأسكنها الباقون. وكذلك (اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ) [٨٦] وكذلك (إِنْ أَجْرِيَ) [١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٣٥ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠] فى كل ما فى السورة وحفص معهم ، وفتح ابن كثير ونافع وأبو عمرو (إِنِّي أَخافُ) فى ثلاثة مواضع من هذه السورة [١٢ ، ١٣٥](٢).

وأرسلها الباقون.

* * *

__________________

(١) أخرجه الحافظ ابن حجر فى الإصابة : ٢ / ٦٣ والحديث مشهور فى الصحيحين .. وغيرها.

(٢) فى موضعين لا غير.

١٤٢

(ومن سورة النمل)

١ ـ قوله تعالى : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) [٧].

قرأ أهل الكوفة منوّنا.

وقرأ الباقون : غير منون.

فمن نوّن جعل قبسا نعتا للشهاب ، وشهاب قبس : شعلة قبس قال الشّاعر (١) :

فى كفّه صعدة مثقّفة

فيها سنان كشعلة القبس

وكلّ أبيض يورى فهو شهاب ، وجمعه شهب ، والأشهب من الألوان : بياض يخلطه سواد. ويقال : سنة شهباء وكحلاء وحمراء إذا كانت جدبة.

وقرأ الباقون : بشهابِ قبسٍ مضافا فيكون على ضربين : بشهاب من قبس ، أو يكون قد أضاف الشّىء إلى نفسه.

٢ ـ وقوله تعالى : (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [٢].

قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر : (بُشْرى) بلا إمالة على الأصل.

__________________

(١) هو أبو زبيد الطّائى ، شعره ٦٣٩ جمع الدكتور نورى حمّودى القيسى (شعراء إسلاميون). وينظر : مجاز القرآن : ٢ / ٩٢ ، وتفسير الطبرى : ١٩ / ٥٧ وتفسير القرطبى : ١٣ / ١٥٧.

١٤٣

وقرأ الباقون بالإمالة. وموضع (هُدىً وَبُشْرى) / نصب على الحال ، تلك آيات القرآن هادية ومبشرة.

قال النّحويون جميعا : ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء ، وخبرا لابتداء أو تجعله خبرا بعد خبر ، تلك آيات تلك هدى وبشرى.

٣ ـ قوله تعالى : رى اها تهتزّ [١٠].

قرأ أبو عمرو بفتح التّاء وكسر الهمزة. وإنما أمال الهمزة من أجل الياء.

وقرأ أهل الكوفة إلا حفصا : رى اها بكسر الراء والهمزة أمالوا الهمزة من أجل الياء ، وأمالوا الرّاء لمجاورة الهمزة. وهذا يسمى إمالة الإمالة كما يقال فى رمى رمى.

٤ ـ وقوله تعالى : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) [٢٠].

قرأ ابن كثير ـ برواية البزى ـ وابن عامر ـ من رواية هشام ـ وعاصم والكسائىّ بفتح الياء هاهنا وفى (يس) (١).

وقرأ نافع وأبو عمرو بإسكان الياء هاهنا وفتحها هناك.

وأسكنها الباقون.

فمن أسكنها ذهب إلى التّخفيف ، ومن فتح فعلى أصل الكلمة ؛ لأنّ الياء اسم مكنى ، وكلّ مكنى فإنه يبنى على حركة نحو الكاف فى كذلك ، والتاء فى قمت وذهبت ، وإنّما السّؤال فى قراءة أبى عمرو لم فتح حرفا وأسكن آخر وهما سيّان؟

__________________

(١) الآية : ٢٢.

١٤٤

ففى ذلك ثلاثة أجوبة :

قال أبو عمرو : إنما فرّقت بينهما ؛ لأنّ الذى فى (النّمل) استفهام ، والذى فى (يس) انتفاء ، ولم يذكر لم وجب أن يكون كذلك.

وقال آخرون : جمع بين اللّغتين ليعلم أنّهما جائزتان.

والقول الثالث : أن (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) استفهام ، يصلح الوقف على مالى ومالك ، فإذا وقفت سكنت / الياء (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ) بنى الكلام فيه على الوصل فحرك الياء إذا لم ينو الوقف.

وقيل لابن عباس : لم تفقّد سليمان الهدهد من بين الطير؟

فقال : لأنه كان قناقنا ، أى : يعرف مواضع المياه (١). تقول العرب للذى يحفر الآبار : رجل قنقن وقناقن. وإنّما رفع الله العذاب عن الهدهد لبرّه بأبويه.

٥ ـ وقوله تعالى : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [٢١]

قرأ ابن كثير : أو ليأتينّنى بنونين ، الأولى مشدّدة نون التّوكيد ، والثّانية مع الياء اسم المتكلم.

وقرأ الباقون : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) بنون واحدة كرهوا الجمع بين ثلاث نونات فخزلوا واحدة كما قال (٢) : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) والأصل : إنّنا. ومعنى

__________________

(١) تهذيب اللّغة للأزهرى : ٨ / ٢٩٣* وأخبرنى المنذرى عن ثعلب عن ابن الأعرابى ، قال : القناقن : البصير باستنباط المياه وجمعه قناقن وأنشد للطّرمّاح يصف الوحش [ديوانه : ٤٨٥] :

يخافتن بعض المضغ من خشية الرّدى

وينصتن للسّمع انتصات القناقن

وقال اللّيث : هو القنقن والقناقن».

(٢) سورة الكوثر : آية : ١.

١٤٥

(بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أى : بحجّة بيّنة. وكلّ سلطان فى القرآن فهو حجّة.

حدّثنا ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء قال (١) : السّلطان : الخليفة يذكّر ويؤنّث ، يقال : قضت [به] عليك السّلطان وقضى.

٦ ـ وقوله تعالى : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [٢٢].

قرأ عاصم وحده : (فَمَكَثَ) بالفتح.

وقرأ الباقون : فمكُث بالضم ، وهما لغتان مكث ومكث وحمض وحمض وكمل وكمل فهو ماكث وحامض وكامل. والاختيار فعل بالفتح ؛ لأنّ فعل بالضمّ أكثر ما يأتى الاسم على فعيل نحو ظرف وكرم فهو ظريف وكريم ، وقد حكى لغة ثالثة فى كمل كمل بالكسر وكلّ ذلك صواب. ومعنى (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أى : غير طويل. والبعيد والطّويل بمعنى /.

٧ ـ وقوله تعالى : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ) [١٨].

روى عبد عن أبى عمرو : لا يحطمنْكم بتخفيف النون وإسكانها جعلها نون التّأكيد خفيفة مثل اضربن واذهبن.

والباقون يشدّدون ، وهو أبلغ فى التأكيد. والعرب تقول : اضرب يافتى فإذا كثر قالوا : اضربن فإذا زادوا على التأكيد تأكيدا قالوا : إضربنّ بالتّشديد. ومثله (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)(٢) و [و] لا يغرّنْكم وأصل الحطم :

__________________

(١) معانى القرآن : ٢ / ٣٦٠ ، والمذكر والمؤنث له : ٨٣. ونصّه : «والسّلطان أنثى وذكر والتأنيث عند الفصحاء أكثر ، والعرب تقول : قضت به عليك السّلطان وقد أخذت فلان السّلطان» والمذكر والمؤنث لابن الأنبارى : ٣٠٩ ، ٣١٠ ، وفيه تفصيل أكثر ، ويراجع الزاهر : ٢ / ٢٩.

(٢) سورة لقمان : آية : ٣٣. والقراءة فى البحر المحيط : ٧ / ١٩٤.

١٤٦

الكسر يقال : حطم يحطم وحطم يحطم ، وفلان حطّمته السنّ.

٨ ـ وقوله تعالى : (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [٢٢].

فيه ثلاث قراءات :

قرأ أبو عمرو وابن كثير : من سبأَ غير منصرف جعلاه اسم أرض ، أو بلدة ، أو امرأة. قال الفرّاء (١) : سئل أبو عمرو لم لم تصرف سبأ؟ فقال : لأنّى لا أعرفه. فقال الفرّاء : وقد جرى ؛ لأنّ العرب إذا لم تعرف [الاسم](٢) تركت صرفه.

وقرأ الباقون : (مِنْ سَبَإٍ) مصروفا ، وكذلك اختلافهم فى سورة (سبأ) ، أنشد ابن عرفة ـ حجّة لمن صرف ـ : (٣)

الواردون وتيم فى ذرى سبأ

قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس

__________________

(١) معانى القرآن له : ٢ / ٢٨٩ ، وفيه : «لأنّ العرب إذا سمّت بالاسم المجهول تركوا إجراءه».

(٢) فى الأصل : «الشعر».

(٣) البيت لجرير فى ديوانه : ١٣٠ ، ورواية صدره :

* تدعوك تيم وتيم فى قرى سبأ*

من قصيدة يهجو بها التيم ، كذا قال السّكرى ، وقال مرة أخرى يعرض فيها بابن الرّقاع العاملى ، وليس للتيم فيها ذكر أولها :

حيّ الهدملة من ذات المواعيس

فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس

حىّ الديار التى شبهتها خللا

أو منهجا من يمان محّ ملبوس

وبعد البيت :

والتيم ألأم من يمشى وألأمهم

أولاد ذهل بنو السّود المدانيس

تدعى لشرّ أب يا مرفقى جعل

فى الصّيف تدخل بيتا غير مكنوس

فكيف لا تكون فى هجاء التيم؟! والشاهد فى معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٩٠ ، وأمالى ابن الشجرى : ٢ / ٣٨ ، ٣٤٣.

١٤٧

والقراءة الثانية : ما قرأت على ابن مجاهد عن قنبل عن ابن كثير سبأْ بنبأٍ يقين ساكنة الهمزة ، وإنما أسكنه لأنّ الاسم مؤنث وهو ثقيل والهمزة ثقيلة فلما اجتمع ثقيلان أسكن الهمزة تخفيفا. ومثله فتوبوا / إلى باريكم (١) قراءة أبى عمرو ومكر السّييءْ ولا يحيق (٢) كذلك قرأها حمزة.

ومن صرف (سبأ) جعله اسم رجل أو اسم جبل.

٩ ـ وقوله تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) [٢٥].

قرأ الكسائىّ بتخفيف (ألا) جعله تنبيها ويقف. ألا يازيد ، ألا يا هؤلاء اسجدوا ، تقول العرب (٣) : ألا يرحمونا ، يريدون : ألا يا هؤلاء ارحمونا. وإنما اختار الكسائىّ التّخفيف ولفظ الأمر ؛ لأنّها سجدة ، قال الشاعر (٤) :

ألا يا اسلمى يا دار مىّ على البلا

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

وقال آخر (٥) :

ألا يا اسلمى يا هند هند بنى بدر

وإن كان حيّانا عدى آخر الدّهر

__________________

(١) سورة البقرة : آية : ٥٤.

(٢) سورة فاطر : آية : ٤٣.

(٣) معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٩٠ ، وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنبارى.

(٤) البيت لذى الرّمة فى ديوانه : ٥٥٩ ، مطلع قصيدة يهجو بها بنى امرىء القيس بن زيد مناة ابن تميم.

والشاهد فى أمالى ابن الشجرى : ٢ / ١٥١ ، وشرح الشواهد للعينى : ٢ / ٦ ، والتصريح : ١ / ١٨٥.

(٥) هو الأخطل ، شرح شعره : ١٧٩ يهجو قبائل قيس ، وهو مطلع القصيدة ، وقد نقضها عليه نفيع بن صفّار المحاربيّ. وينظر : معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٩٠ ، وإصلاح المنطق : ١٣٣ ، وتهذيبه : ٣٣٤ ، وترتيبه (المشوف المعلم) : ٥٢٨ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ورقة ١٠٦ ، وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنبارى : ١٧٠ ، وأمالى ابن الشجرى : ٢ / ١٥١ ، ١٥٣ ، والإنصاف : ٩٩ ، وشرح المفصّل لابن يعيش : ٢ / ٢٤.

١٤٨

يريد : ألا يا هذه اسلمى ، واحتجّ الكسائىّ بما حدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء ، قال (١) : فى حرف عبد الله : هلّا يسجدون ف «هلّا» تحضيض على السّجود. وفى حرف أبىّ (٢) : ألا تسجدون للذى يعلم سرّكم وجهركم وفى مصحفنا : (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ) المطر. وفى الأرض : النّبات.

وقرأ الباقون : (أَلَّا يَسْجُدُوا) ف (يَسْجُدُوا) نصب ب «أن». وعلامة النّصب حذف النّون. وتلخيصه : وزين لهم ألّا يسجدوا. فمن قرأ بهذه القراءة لزمه أن لا يسجد فى هذه الآية ، سمعت ابن مجاهد يقول ذلك ، وكذلك قال غيره من العلماء ، لأنّه خبر لا أمر.

١٠ ـ وقوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) [٢٥].

قرأ الكسائىّ وحفص عن عاصم بالتاء أى : قل لهم يا محمد. والله تعالى يعلم السّرّ وأخفى. قيل : وأخفى / أى : ما حدّثت بها أنفسها. والسرّ : ما تخفيه عن المخلوقين.

وقرأ الباقون بالياء ، ومعناه : الله يعلم ما يسر ويعلن هؤلاء الكفرة ؛ لأنّهم كانوا يزنون فى السّرّ ، ولا يزنون فى العلانية ، يتوهمون أنّهم لا يطالبون بذلك ، وكانوا يخفون عن المخلوقين ولا يستحيون من الله ، فأعلمهم الله تعالى أنه يطالبهم ويعذّبهم على السرّ والجهر ، وأنّه لا يخفى عليه خافية ، وقال (٣) : (يَسْتَخْفُونَ

__________________

(١) معانى القرآن للفرّاء :

(٢) قراءة أبىّ فى البحر المحيط : ٧ / ٦٨.

(٣) سورة النساء : آية : ١٠٨.

١٤٩

مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) و (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)(١).

١١ ـ وقوله تعالى : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) [٢٨].

أسكن الهاء حمزة وعاصم وأبو عمرو.

وكسر الهاء من غير ياء نافع فى رواية قالون.

وقرأ ابن كثير والكسائيّ وورش عن نافع : فألقهى إليهم بياء بعد الكسرة. وقد ذكرت علة ذلك فى (آل عمران).

ومعنى (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ) أى : اختف عنهم ، ثم انظر ماذا يقولون (٢).

وقال آخرون (٣) : معناه : التّقديم والتّأخير أى : فانظر ماذا يرجعون. ثم تولّ عنهم.

١٢ ـ وقوله تعالى : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) [٣٦]

قرأ حمزة : أتمدّونّى بنون مشدّدة. وأثبت الياء وصل أو وقف. والأصل : أتمدّوننى ، النّون الأولى علامة الرّفع ، والثانية مع الياء اسم المتكلّم. ومعنى (أَتُمِدُّونَنِ) تقول العرب فى الخير أمددته وفى الشر مددته. قال الله تعالى (٤) : (ونمدّهم فى طغيانهم يعمهون).

__________________

(١) سورة الأعراف : آية : ٣٣.

(٢) نسبه ابن الجوزى فى زاد المسير : ٦ / ١٦٧ إلى وهب بن منبّه.

(٣) نسبه ابن الجوزى فى زاد المسير : ٦ / ١٦٧ إلى ابن زيد.

(٤) سورة البقرة : آية : ١٥.

١٥٠

وقرأ أبو عمرو / والكسائى ونافع وابن كثير وابن عامر ـ برواية هشام ـ وأما هشام وابن كثير فأثبتاها فى الحالين (أَتُمِدُّونَنِ) أظهروا ولم يدغموا غير أنّهم يحذفون الياء من الوقف ، لأنها ليست ثابتة فى المصحف.

وقرأ الباقون : (أَتُمِدُّونَنِ) بنونين أيضا ، غير أنّهم اجتزأوا بالكسرة عن الياء.

١٣ ـ وقوله تعالى : (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ) [٣٦].

قرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم : (آتانِيَ) بفتح الياء.

وقرأ الباقون : آتان الله بغير ياء إتباعا للمصحف.

والباقون أثبتوا وفتحوا لئلّا تسقط لالتقاء السّاكنين أعنى : الياء واللّام من اسم الله تعالى.

وكان الكسائىّ وحده يميل ايتانى الله من أجل الياء (آتِيكَ) [٣٩ ، ٤٠] الأصل فيه : أئتيك به فكرهوا الجمع بين همزتين. فليّنوا الثّانية.

و «ما» بمعنى الّذى وهو ابتداء ، و «ءاتنى» صلة «ما» ، وخير : خبر الابتداء ، والتّقدير : والذى آتانى الله خير.

١٤ ـ وقوله تعالى : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ) [٤٥].

قرأها حمزة بالإمالة ايتيك

والباقون يفخمون.

فإن سأل سائل قوله : (فَما آتانِيَ اللهُ) مددته لأنّه من الإعطاء. فلم مددت (أَنَا آتِيكَ بِهِ) وهو من المجىء أى : أنا أجيئك به؟

١٥١

فالجواب فى ذلك : أنّ المقصور فى الماضى من المجىء تقول : أتى زيد عمرا ، وأتيت زيدا ، فإذا رددت الماضى إلى المستقبل زادت على الهمزة همزة ، الأولى علامة استقبال ، والثانية فاء الفعل ، فصيرت الثانية مدة ، فلذلك صارت ممدودا (أَنَا آتِيكَ بِهِ) وكذلك تقول / أثرت الشىء بالقصر وآثرت بالمد ، وأتيت زيدا بالقصر وآتيت بالمدّ ، ومعنى (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) يعنى : مدى ما ينظر الرّجل أمامه ، و (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) يعنى : قبل أن تقوم من مجلس حكمك.

وكان يجلس من صلاة الغداة إلى الظّهر (١). والذى عنده علم من الكتاب : آصف بن برخيا وكان عنده اسم الله الأعظم «يا حى يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام».

١٥ ـ وقوله تعالى : (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) [٤٤].

قرأ ابن كثير ـ برواية قنبل ـ بالهمز.

وقرأ الباقون بترك الهمز. فقال قوم : هما لغتان مثل الكأس.

وقال آخرون : ساق مثل باب. والأصل : سوق ، فانقلبت الواو ألفا ، فلا يجوز همزها. وهذا مما تغلط العرب فيه فتهمز ما لا يهمز تشبيها بما يهمز فكأس ، ورأس ، وساق وزنها واحد ، فتشبّه بعضا ببعض ، ألا ترى أنّ العرب تقول : حلّأت السّويق والأصل : حلّيت تشبيها بحلأت الإنسان عن الماء والإبل. وجمع الساق فى القلب أسوق بغير همز ، وإن شئت أسؤق بالهمز ، لانضمام الواو ، كما

__________________

(١) زاد المسير : ٦ / ١٧٤.

١٥٢

تقول : ثوب وأثؤب ومثله : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)(١) والأصل : وقّتت ، فصارت الواو همزة لانضمامها.

ولابن كثير حجّة أخرى : وذلك أنّ العرب تعمد إلى حرف المد واللّين فيقلبون بعضا من بعض ؛ لاشتراكهما فى اللّفظ ، ويقلبونها همزة ، والهمز تقلب حرف لين ، كان العجاج / من لغته أن يقول : جاء الألم ، وأنشد (٢) :

* بخندف هامة هذا العألم*

لأنّها مع قواف تضارعها نحو :

* بسمسم أو عن يمين سمسم*

وأمّا قوله (٣) : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ) فقرأها ابن كثير بالسّؤق مهموزا أيضا ، فهذه الواو وإن كانت ساكنة فإنه شبهها بيؤمنون ، لأنّهما فى الهجاء واو.

قال ابن مجاهد : وهذا غلط. والاختيار فى قراءة ابن كثير وطفق مسحا بالسّووق والأعناق على فعول فيجتمع واوان الأولى أصلية عين الفعل ، والثانية مزيدة ساكنة ، فانقلبت الأولى همزة لانضمامها ، كما تقول : خال بيّن الخوولة وغارت عينه غوورا.

١٦ ـ وقوله تعالى : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَ) [٤٩].

__________________

(١) سورة المرسلات : آية : ١١.

(٢) ديوان العجاج : ٣٨٩ وينظر : مجاز القرآن : ١ / ٢٢ ، ٢ / ٩٤ ، والإبدال : ٢ / ٥٤٧ والخصائص : ٢ / ١٩٦ ، والموشح : ٦ ، ٢٢ ، ٣٤٠ ، ٣٤١. وشرح المفصل : ١٠ / ١٢ ، ١٣ ، وشرح شواهد الشافية : ٤٢٨.

(٣) سورة ص : آية : ٣٣.

١٥٣

قرأ حمزة والكسائىّ بالتاء ، ومعناه : تقاسموا بالله قالوا حلفوا لتبيتنه وأهله. ومعناه : أنهم تحالفوا ليقتلن صالحا وأهله أى : قومه ، ولنهلكنهم (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) أى : ما فعلنا ذلك. فذلك مكرهم فأرسل الله عليهم صخرة فدمغتهم (١) فقال تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

وقرأ الباقون : (لَنُبَيِّتَنَّهُ .. ثُمَّ لَنَقُولَنَ) بالنون.

وفيها قراءة ثالثة : حدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد أنّ حميدا قرأ (٢) : ليبيّتنّه ... ثمّ ليقولنّ بالياء جعل الإخبار عن غيب. وهذه النّون مشدّدة فى يبيّتن ويقولن أسقطت الواو ، والأصل : / ليبيّتون ، وليقولون ، فسقطت الواو لالتقاء الساكنين. ويقال : بات فلان يفعل كذا : إذا فعله ليلا. وظلّ فلان يفعل كذا : إذا فعله نهارا. ويقال : طرقهم أتاهم ليلا ، أوّبهم أتاهم نهارا.

١٧ ـ وقوله تعالى : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) [٤٩].

فيه ثلاث قراءات :

قرأ عاصم ـ فى رواية أبى بكر ـ : مهلَك بفتح اللام والميم.

وقرأ فى رواية حفص : (مَهْلِكَ) بكسر اللام وفتح الميم.

وقرأ الباقون : مُهلَك بضمّ الميم ، وفتح اللام

فمن ضمّ جعله مصدرا من أهلك مهلكا ، مثل : (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ

__________________

(١) زاد المسير : ٦ / ٨٢ ، عن قتادة.

(٢) معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢٩٦ ، والبحر المحيط : ٧ / ٨٤.

١٥٤

صِدْقٍ)(١) ومن كسر اللّام أو فتحها على قراءة عاصم جعله مصدر هلك ثلاثيا لا رباعيا. وقد أحكمت هذا فى سورة (الكهف) ويقال : هلك زيد : مات ، وهلك إذا وقع فى بليّة ، وجمع هالك : هلّاك وهالكون ، وأما قولهم فى المثل (٢) : «هالك فى الهوالك» فإنّ هذا جرى كالمثل لا يقاس عليه ، لأنّ (فواعل) جمع لفاعلة لا لفاعل وإنما جاء فارس ، وفوارس ؛ لأنّ الفروسية تكون فى الرّجال دون النّساء ، فأمنوا اللّبس و (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ)(٣) قال المبرّد : كلّ صفة على فاعل نحو ضارب وجالس فإنه لا يجمع على فواعل [إلا] نحو ضوارب ، وجوالس فرقا بين المذكّر والمؤنّث ، تقول فى المؤنث : امرأة صالحة ، وضاربة ، والجمع صوالح ، وضوارب وجوالس ، قرأ طلحة (٤) : فالصّوالح / قوانت حوافظ للغيب فأمّا قول الشّاعر (٥) :

وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرّقاب نواكس الأبصار

فإنه اضطرّ إلى ذلك. ويقال : تهالك الرّجل لفلان : إذا تواضع له ،

__________________

(١) سورة الإسراء : آية : ٨٠.

(٢) المقتضب : ٢ / ٢١٩ ، والكامل : ٢ / ٥٧٤.

(٣) سورة التوبة : الآيتان : ٨٧ ، ٩٣.

(٤) سورة النّساء : آية : ٣٤. والقراءة فى معانى القرآن للقراء : ١ / ٢٦٥ ، والمحتسب : ١ / ١٨٧ ، والبحر المحيط : ٣ / ٢٤٠.

(٥) البيت للفرزدق فى ديوانه : ١ / ٣٠٤. وينظر : الكتاب : ٢ / ٢٠٧ ، والنكت عليه للأعلم : ١٠٣٥ والمقتضب : ١ / ١٢١ ، ٢ / ٢١٩ ، والأصول لابن السراج ٣ / ١٧ وجمهرة ابن دريد : ٢ / ٢٢٨ ، والموشح : ١٦٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٥ / ٥٦.

١٥٥

وامرأة هلوك : فاسدة. ويقال : اهتلك يهتلك : إذا اجتهد فى الطّيران وغيره قال زهير يصف صقرا (١) :

دون السّماء وفوق الأرض قدرهما

عند الذّنابى فلا فوت ولا درك

عند الذّنابى له صوت وأزملة

تكاد تخطفه طورا وتهتلك

١٨ ـ وقوله تعالى : (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) [٥١].

قرأ أهل الكوفة : (أَنَّا) بفتح الألف.

وقرأ الباقون : إنّا بالكسر. فمن كسر استأنف وابتدأ ، ومن فتح جعله فى موضع نصب على تقدير : فانظر كيف كان عاقبة مكرهم بأنّا دمّرناهم ، فلما سقطت الباء حكمت عليها بالنّصب فى قول النّحويين إلا الكسائىّ ، فإنه يجعل موضعه خفضا مع سقوط الباء.

وقال آخرون : من فتح (أَنَّا) جعل «أنّا» مع ما بعدها فى موضع اسم ، وجعله خبر «كان» ، وتلخيصه : فانظر كيف كان عاقبة مكرهم التّدمير.

١٩ ـ وقوله تعالى : أئنّكم لتأتون الفاحشة [٥٤].

قرأ ابن كثير : أينّكم بياء بعد الهمزة.

__________________

(١) شرح ديوان زهير : ١٧٤. قال شارحه : «وتهتلك : تسرع ، يقال : اهتلك فلان : إذا اجتهد وأسرع».

١٥٦

وقرأ نافع وأبو عمرو : آينكم مدودا.

وقرأ الباقون : أانكم بهمزتين. وقد أحكمنا علته فيما سلف. ومعنى قوله : لتأتون الفاحشة : اللّواط وما كان يعرف هذا الفعل قبل قوم لوط ، لقوله تعالى : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) فأنذرهم / لوط عليه‌السلام عذاب الله. فلم يرعووا حتى أرسل الله تعالى نقمته وأهلكهم. واللواط كالزّنا سواء ، يحدّ فاعله. وقد حرّق أبو بكر رحمة الله عليه رجلا لوطيا بالنّار. وكذلك علىّ رضى الله عنه هدم على لوطىّ حائطا. والعرب تقول : هذا أليط بقلبى بالياء ، وأصله الواو ؛ لئلا يلتبس بألوط من الّلواط على أنه قد جاء فى الحديث (١) : «الولد ألوط بالقلب» أى : ألصق بالقلب من غيره. ويقال : لاط زيد حوضه يلوط : إذا أصلحه بالمدر لئلا يخرج الماء. والفاحشة فى غير هذا الموضع الذى قال الله تعالى (٢) : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) [الزّنا] وسمعت بعض النّحويين يقول : اللّوطىّ هذا المفعول به ، لأنّه يلصق فى الأرض ، وسمى الفاعل أيضا للصوقه بالمفعول. وفى جزء آخر يقتل الفاعل والمفعول. وكذلك من أتى بهيمة حدّ وذبحت البهيمة ؛ لأنّ بنى فزارة خاصة كانوا يأتون النّوق ، فولدت مرة ناقة بإنسان ، فقال شاعرهم :

خذ بيدى خذ بيدى خذ بيدان

إنّ بنى فزارة بن ذبيان

قد ولدت ناقتهم بإنسان

مشنّأ أعجب بخلق الرّحمن

__________________

(١) أخرجه أبو عبيد فى غريب الحديث : ٣ / ٢٢٢ ، والمجتنى ، لابن دريد : ٣١ قال : «وهذا كلام يروى عن أبى بكر رضى الله عنه ...».

(٢) سورة النّساء : آية : ١٥.

١٥٧

وقال آخر يهجو بنى فزارة (١) :

لا تأمننّ فزاريّا خلوت به

على قلوصك واكتبها بأسيار

__________________

(١) قائل الشاهدين هذا وما قبله هو سالم بن دارة من بنى عبد الله بن غطفان واسمه سالم بن مسافع بن عقبه بن يربوع بن كعب ... ودارة أمّه أو جدته على خلاف ، يقول :

أنا ابن دارة معروفا بها نسبي

وهل بدارة يا للنّاس من عار

شاعر جاهلى أدرك الإسلام وأسلم ، وأحوه عبد الرحمن بن دارة من شعراء الإسلام ، وكان سالم هجاء مقذعا ، هجا مرة بن واقع بأبيات مشهورة أولها :

* يا مرة بن واقع يا أنتا*

وفيه هذه الأبيات أيضا. أوردها البغدادى فى الخزانة : ١ / ٢٩٣ عن الخطيب التبريزى فى شرح الحماسة : ١ / ٣٦٨. أولها :

حدبدبا بدبدبا منك الآن

استمعوا أنشدكم يا ولدان

إن بنى فزارة .....

وهجا ابن دارة زميل بن أبير وأفحش فى هجائه ، ومن القصيدة التى هجاه بها الشاهد الثانى الذى ذكره المؤلف هنا وفيها يقول :

أنا ابن دارة معروفا بها نسبى

 .........................

ويقول فى زميل :

آلى ابن دارة جهدا لا يصالحكم

حتّى ينيك زميل أمّ دينار

وأم دينار : هى أم زميل فأقسم زميل أن لا يأكل لحما ولا يغسل رأسه ولا يأتى امرأة حتى يقتله. فبرّ بيمينه وتمكن من قتله فى قصة ذكرها محمد بن حبيب وغيره ، ولمّا قتله قال الناس : قد محوا عن أنفسهم العار ، قال الكميت بن معروف :

فلا تكثروا فيها الضّجاج فإنّه

محا السّيف ما قال ابن دارة أجمعا

وسار قول الكميت مثلا : ينظر أمثال أبى عبيد ٣٢ ، ٣٢٢ ، وشرحه فصل المقال : ٢٥ وجمهرة الأمثال : ٢ / ٢٨٨ ، ومجمع الأمثال : ٢ / ٢٧٩ ، والمستقصى : ٢ / ٣٤١. ينظر فى ذلك كله : المؤتلف والمختلف : ١١٦ ، والشعر والشعراء : ١ / ٤٠١ ، والمغتالين لابن حبيب : ١٥٦ ، ١٥٧ ، والأغانى : ٢١ / ٤٩ والكامل : ٩٨٨ ، واللآلىء : ٨٦٢ ، والروض الأنف : ٢ / ٢٨٨ والإصابة : ٣ / ٢٤٧ ، والخزانة : ١ / ٢٩٢

١٥٨

معنى «واكتبها» ، أى : اشدد بها. يقال : كتبت القربة : إذا خرزتها ، ويقال كتبت الكتاب ، أى : ضممت الحروف بعضها إلى بعض / وجمعتها تشبيها بالخرز. وسمّيت الكتيبة كتيبة لاجتماعها. قال ذو الرّمة (١) :

وفراء غرفيّة أثأى خوارزها

مشلشل ضيّعته بينها الكتب

٢٠ ـ وقوله تعالى : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) [٥٧].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر : قدَرناها مخففا كقوله : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ولو كان (قَدَّرْناها) مشدّدا لقال : فنعم المقدّرون. وقرأ الباقون مشدّدا.

والعرب تقول : قدرت. وقدّرت بمعنى التّقدير. وقدر يقدر وقدّر يقدّر مشدّدا ، أو مخففا بمعنى ضّيق عليه من قوله : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)(٢) وقد قرأ فقدَّر عليه رزقه بالتّشديد أبو جعفر المدنىّ ، وابن عامر (٣).

٢١ ـ وقوله تعالى : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [٥٩].

قرأ عاصم وأبو عمرو : (يُشْرِكُونَ) بالياء.

__________________

(١) ديوانه : ١١ وهو ثانى بيت من بائيته المشهورة والوفراء الواسعة. والغرفية : هى التى دبغت بالغرف وهو شجر وقيل : التى تدبغ بغير القرظ. وقال الأصمعي : ما دبغ بالبحرين فهو غرف. وأثأى خوارزها : أن تلتقى الخرزتان فتصيرا واحدة والكتب : الخرز ، واحدها كتبة وكلما جمعت شيئا إلى شىء فقد كتبته.

(٢) سورة الفجر : آية : ١٦.

(٣) القراءة فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ٢٦١ ، والبحر المحيط : ٨ / ٤٧٠.

١٥٩

والباقون بالتّاء ، فأمّا قوله : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) فاتّفقوا على تخفيفه ، وأمّا قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(١) فقرأ الحسن (٢) : أن لن نُّقدّر عليه بالتّشديد أى : أن لن نضيّق عليه.

٢٢ ـ وقوله تعالى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [٦٢].

قرأ أبو عمرو وحده : (تَذَكَّرُونَ) إخبارا عن غيب.

وقرأ الباقون : (تَذَكَّرُونَ) على الخطاب بالتاء.

غير أن حمزة والكسائى وحفصا يخففون الذّال ، لأنهم أسقطوا التاء.

والباقون شدّدوا ذلك ؛ لأنّهم أدغموا التاء فى الذال وجميع ما فى هذه السّورة إله إله فإنّك تقف على كل ما يأتى فى هذه السورة إله مع الله. وذلك أنّ الله تعالى ذكّرهم نعمه ، وعدّدها عليهم فقال : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) [٦٢] (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ) [٦٠] (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ) [٦٣] / أءله مع الله يا معشر الجهلة ، فلم تعبدون معه غيره من لا يقدر على ضرّ ولا نفع؟! فالوقف على (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [٦٤] تامّ ، والهمزة الأولى ألف توبيخ فى لفظ الاستفهام والثانية : أصليّة ، فاء الفعل إله وآلهة مثل رداء وأردية ، ومن همز قوله (٣) : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) و (أَإِذا) قرأءإله ومن مدّ هناك مد هنا.

ومن لين الثانية هناك لين هاهنا.

٢٣ ـ وقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [٦٦].

__________________

(١) سورة الأنبياء : آية : ٨٧.

(٢) فى تفسير القرطبى : ١١ / ٣٣٢ ، والبحر المحيط : ٦ / ٣٣٥ للزهرى وعمر بن عبد العزيز ...

(٣) سورة البقرة : آية : ٦.

١٦٠