إعراب القراءات السبع وعللها - المقدمة

إعراب القراءات السبع وعللها - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٤

«الجليس الصالح ...» ذكره ياقوت الحموى والقفطى ... وغيرهما من تلاميذ ابن خالويه.

ومنهم :

ـ القاسم بن عبد الله ، أبو محمد.

ـ القاسم بن محمد الأذربيجانى ، أبو محمد.

ـ أبو الحسن الطبرى.

ـ عبد الله بن عامر.

ـ عبد الله عمر.

ـ عمر بن أحمد السّراج ، أبو القاسم.

ـ عبد الله بن أحمد ، أبو محمد.

هؤلاء رووا عن ابن خالويه ، وردوا فى أسانيد رواية متصلة ب (ابن خالويه) رواها ابن مطرف فى كتابه «التّرتيب فى اللّغة».

ومنهم :

ـ محمد بن المهذب المقرىء.

روى ابن خير الإشبيلى «شرح الفصيح» بسنده إلى محمد بن المهذب عن ابن خالويه.

(فهرست مارواه عن شيوخه : ٣٤٢)

ـ وذكر السّيوطى فى تحفة الأديب : ١ / ١٧٣ قال : «أخرج ابن النجار عن معتصم بن محمد الكاشقرى قال : قصدت ابن خالويه قال : ما اسمك؟ قلت : معتصم بن محمد ، قال : من أي بلد؟ قلت : من كاشقر ، قال : بلد ما سمعت به هل هو بلدزكا؟ قلت : لا ، قال : فما تبعى من علومنا نحوا أم لغة؟ قلت : فما أحرم شيئا ...

٤١

فمعتصم هذا من تلاميذ ابن خالويه.

ـ وذكروا أن ابن الحائك اليمنى ، واسمه الحسين بن أحمد الهمدانىّ (لسان اليمن) ومؤرخها ونسابتها وشاعرها المذكور فى محافلها توفى فى حدود (٣٤٤ ه‍) كان يكاتب ابن خالويه ـ ولعله اجتمع به فى اليمن ، إذا صحّ أن ابن خالويه دخل اليمن ، كما يقال : إنه شرح ديوان ابن الحائك الهمدانىّ هذا والله ـ جلّ ثناؤه ـ أعلم.

ـ وذكر القفطى فى إنباه الرواه : ١ / ٨٦.

أحمد بن عبد الرحمن الطّرابلسى ، أبو اليمن ، وذكر أنه ممن عاصر ابن خالويه (١) ، ولعل تخصيصه ابن خالويه يدل على مزيد صلة من صداقة أو تلمذة أو لقاء.

ـ وذكر ياقوت الحموى فى معجم الأدباء : ٥ / ١٥٠.

أحمد بن يحيى بن سهل بن السّرى الطائىّ ، أبو الحسن المنبجىّ الشاهد المقرىء النحوى ... وقال : وكان يحفظ من أخبار أبى عبد الله ابن خالويه ، وكان ثقة. وذكر وفاته سنة ٤٢٥ ه‍.

وذكر ابن العديم ـ رحمه‌الله ـ فى «بغية الطّلب» جملة من تلاميذ ابن خالويه منهم : أحمد بن الحسين العقيقى ، وأحمد بن محمد المعنوى ، وأبو على الصقلى ، والخضر بن الحسن الحلبيّ ، وعمار بن الحسين الموصلى ، وأخوه عقيل وإسحاق ابن عمار بن حبش ، وابنه محمد بن إسحاق ، وأحمد بن عبد الله السهلى وابن الصقر ... وغيرهم وذكر أوجها من إفادتهم من وروايتهم عنه.

__________________

(١) رأيت فى المزهر : ١ / ٩٥ ما يفيد بقراءة المذكور على ابن خالويه.

٤٢

ظاهرة التّشيّع عند ابن خالويه. وهل كان شيعيا؟!

الذي يقرأ كلام ابن خالويه يلمس فيه نزعة التّشيّع ظاهرة ليست بالخفية ، كما يلمس فيها أيضا دفاعه عن السّنة وأهلها ، ومحبّته لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جميعا والتّرضي عنهم ، وعدم إظهار السّخط على أحد منهم ، وذكر مناقبهم ، والغضب لهم.

وتكلّم كثير من العلماء ـ رحمهم‌الله ـ في مذهب ابن خالويه فمنهم من ينسبه إلى السّنة وأهلها ويقول : هو شافعىّ المذهب (١) صحيح الانتماء إليه ، ومنهم من ينسبه إلى الشيعة وطوائفها ، ويقول هو شيعىّ إمامىّ «عالم بمذهبهم» (٢).

وأنا فى هذا المبحث لا أريد الدّفاع عنه بقدر ما أنزله منزلته الصّحيحة ، ناقلا كلام أهل العلم ، مصغيا إلى ما يقوله هو عن نفسه أولا ، ثم تحليل ذلك وموازنته مع ما نسبه إليه العلماء مع معرفة الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بابن خالويه فى حياته العامّة وبيئته الخاصّة التى عاش فيها ، وظروف حياته التى جعلته متنقلا بين البلدان ، والتأثير النّفسي على حياة ابن خالويه التى جعلته مترددا فى أفكاره وآرائه بين مذهبى أهل السّنة والرّافضة ، كما كان مترددا فى آرائه النّحوية بين البصريين والكوفيين.

ونزعة التّشيّع عند ابن خالويه أدركها بعض القدماء فحكموا عليه بأنه شيعىّ ، وظهر لأغلب العلماء من خلال ثقافته وسلوكه ومنهجه العلمى ـ فى غالبه ـ أنه سنّى شافعى المذهب (٣).

فأبدأ أولا بإبراز ظاهرة التّشيّع التى يلمسها القارىء لآثاره ، ثم أذكر بعذ ذلك

__________________

(١) بغية الوعاة : ١ / ٥٢٩. ويراجع طبقات الشافعية للأستوى : ١ / ٤٧٥ ، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكى : ٣ / ٣٥٦.

(٢) لسان الميزان : ٦ / ٢٦٣.

(٣) بغية الوعاة : ١ / ٥٢٩.

٤٣

الدّلائل التى تكشف أنه لم يكن شيعيا وهى التى انتهى إليها البحث.

أقول : نقل الحافظ ابن حجر ـ رحمه‌الله عن ابن أبي طي قوله (١) : «كان إماميا عالما بالمذهب».

وقال الحافظ ابن حجر : ـ معقبا على كلام ابن أبي طي ـ قلت : وقد ذكر فى كتاب «ليس» ما يدلّ على ذلك. ثم قال الحافظ أيضا : وقد قرأ أبو الحسن النصيبى ـ وهو من الإمامية ـ عليه كتابه فى «الإمامة» (٢).

أقول : ألّف ابن خالويه كتابا اسمه (الآل) ذكر معانى هذه الكلمة وما تطلق عليه والفرق بين الآل والأهل. وذكره ياقوت فى معجم الأدباء (٣) وابن خلكان فى «وفيات الأعيان» وقال (٤) : «وله كتاب لطيف سماه (الآل) ، وذكر فى أوله أن الآل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسما ، وما أقصر فيه ، وذكر فيه الأئمة الاثنى عشر وتواريخ موليدهم ووفياتهم وأمهاتهم ، والذى دعاه إلى ذكرهم أنه قال فى جملة أقسام الآل : آل محمد بنو هاشم ...».

وذكره ابن خالويه فى شرح مقصورة ابن دريد فقال (٥) : «والآل خمسة

__________________

(١) لسان الميزان : ٦ / ٢٦٣.

وابن أبي طي : يحيى بن حميدة الغسّانيّ الحلبيّ الّرّافضيّ (ت ٦٣٠ ه‍). قال ابن قاضي شهبة : (صنف تاريخ الشيعة) وهو مسودة فى عدة مجلّدات «نقلت منه كثيرا» ، وقال الحافظ ابن حجر وقفت على تصانيفه ، وهو كثير الأوهام والسقط والتحريف ، ونقل الحافظ عن ياقوت الحموى قوله فيه : «كان يدعى العلم بالأدب والفقه والأصول على مذهب الإمامية ، وجعل التأليف حانوته ، ومنه قوته ومكسبه ، ولكنه كان يقطع الطريق على تصانيف الناس يأخذ الكتاب الذى اتعب جامعه خاطره فيه فينسخه كما هو ، إلا أنه يقدّم فيه ويؤخّر ويزيد وينقص ويخترع له اسما غريبا ويكتبه كتابة فائقة لمن يشبه عليه ، ورزق من ذلك حظا». يراجع : لسان الميزان : ٦ / ٢٦٣ ، وأعلام النبلاء : ٤ / ٣٧٨.

(٢) لا أعرف لابن خالويه كتابا فى الإمامة إلا من ظاهر هذا الخبر ، وهذا الخبر أيضا قد يفهم منه أن الكتاب لأبي الحسين النصيبي ، إذ العبارة موهمة محتملة.

(٣) ٩ / ٢٠٤.

(٤) ٢ / ١٧٩.

(٥) ٢١٣.

٤٤

وعشرون شيئا وقد أفردنا له كتابا ، فأمّا آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحقيقته من آل إليه بحسب أو قرابة : آل عقيل ، وآل العباس ، وآل أبي طالب ، وقد يجوز على المجاز أن يجعل كل مؤمن من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

ونزعة التّشيع هذه تلمس في نقله عن جملة من آل البيت منهم على ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وجعفر بن محمد ، ومحمد بن علي ، وعلي بن الحسين ، كما تلمس في تفسيراته الغريبة التي يختارها في توجيه بعض معاني الآيات.

منها قوله في تفسير الآية (١)(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) قال : «ويقال إن الرامي ذلك اليوم هو علىّ ، وهو ـ وإن أتى بها بصيغة التمريض (ويقال) فذكره لهذا الخبر غير مقبول منه ؛ لأنّ الكتاب توجيه نحوي لغوي لقراءة السبعة وليس تفسيرا ، وإذا أراد أن يذكر بعض فوائد التفسير التي توضح المعنى فكان ينبغي أن يختار الأقوال الراجحة لا المرجوحة.

ولم يذكر الطبرسي ـ وهو رافضي ـ في تفسير «مجمع البيان» (٢) أن الرامي على رضي الله عنه مع حرصه على نقل مناقب أهل البيت ـ

ومنها : تفسير قوله تعالى (٣) : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) قال : أي : داع يدعوهم ، فقيل الهادي هاهنا محمد عليه‌السلام وقيل : علي رضي الله عنه. وقيل : الله تعالى.

وأورد ابن الجوزيّ ـ رحمه‌الله ـ في «زاد المسير» (٤) ستة أقوال في المراد

__________________

(١) سورة الأنفال : الآية : ١٧. ويراجع : إعراب القراءات : ٢ / ٢٩٢.

(٢) مجمع البيان : ٩ / ١٢٢.

(٣) سورة الرّعد : آية : ٧. ويراجع إعراب القراءات : ٢ / ٤٣٨.

(٤) زاد المسير : ٤ / ٣٠٧.

٤٥

بالهادي في قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ليس من بينها أنه على ، ثم قال : «وقد روى المفسرون من طرق ليس منها ما يثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على صدره فقال : «أنا المنذر» وأومأ بيده على منكب على فقال : وأنت الهادي يا علي بك يهتدي من بعدي».

قال ابن الجوزي ـ رحمه‌الله ـ : «قال المصنّف : وهذا من موضوعات الرّافضة». وخرجه محقق «زاد المسير» وتكلم على رجاله وقال : أورده ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير ، ثم قال : «وهذا الخبر فيه نكارة شديدة».

ـ وروى ابن خالويه (١) عن ابن عقدة بسنده عن جعفر بن محمد قال : «على جناح كل هدهد مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية».

ـ وفي سورة (الحآقة) قوله تعالى (٢) : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم اجعلها أذن علىّ».

ـ وفي قوله تعالى (٣) : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ...) قال : «وهذه السّورة نزلت في أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكذلك أكثر هذه السورة ...». وقد ذكر العلماء أسبابا أخرى لنزول هذه الآية.

ـ وفي قوله تعالى (٤)(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ، قال ابن خالويه : فيه عشرة أقوال أحسنها : عن ولاية على بن أبي طالب رضي الله عنه.

__________________

(١) إعراب القراءات : ٢ / ٣٣٨.

(٢) سورة الحاقة : آية : ١٢. وينظر إعراب القراءات : ٢ / ٣٨٧.

(٣) سورة الدهر : آية : ٩. وينظر : إعراب القراءات : ٢ / ٤٢٤.

(٤) سورة التكاثر : آية : ٨. وينظر : إعراب القراءات : ٢ / ٥٢٥.

٤٦

وقد تتلمذ ابن خالويه لبعض الشيعة وأخذ عنهم منهم :

ـ محمد بن همّام بن سهيل الاسكافي (ت ٣٥٦) (١) قال في شرح المقصورة (٢) : «وحدثني أبو على بن سهيل وهو ابن همّام رأس الشّيعة ببغداد ... وساق سندا ثم قال : وقرأت على أبي هاشم أيضا» وذكر خبرا عنهما معا. وأبو هاشم المذكور هو شيخه عبد السّلام الجبائي شيخ المعتزلة فجمع في هذا الخبر رأس الشيعة ورأس المعتزلة ، والتّشيع والاعتزال بحر واحد.

قال الخطيب البغداديّ (٣) : «هو أبو هاشم بن أبي علي الجبائي المتكلم ، شيخ المعتزلة ، ومصنف الكتب على مذهبهم» توفى أبو هاشم سنة (٣٢١ ه‍).

ـ ومنهم (ابن عقدة) أحمد بن محمد بن سعيد الكوفيّ ، أبو العبّاس (٤) (ت ٣٣٢ ه‍) مولى بني هاشم. أكثر من النقل عنه والإسناد إليه (٥). قال الذّهبي (٦) ـ رحمه‌الله ـ قلت : ضعفوه ، واتهمه بعضهم بالكذب ، وقال أبو عمر ابن حيّويه : كان يملى مثالب الصّحابة فتركته».

ـ ومنهم أبو طالب السّمرقنديّ (٧) قال المؤلّف في «إعراب القراءات» : «حدّثني أبو طالب السّمرقنديّ قال : سرت إلى مجلس أبي جعفر الطّبرى ـ وكان يوما مطيرا ـ فرآني قد اغتممت فقال : والله لأعوضنّك (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) يعني مكة ، (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) يعني محمدا (وَوالِدٍ) يعني عليا وفاطمه ، (وَما وَلَدَ) يعني الحسن والحسين ، قال : فقمت فقبلت رجله وانصرفت».

__________________

(١) أخباره فى تاريخ بغداد : ٣ / ٣٦٥.

(٢) شرح المقصورة : ٤٧٤.

(٣) تاريخ بغداد : ١١ / ٥٥.

(٤) شيوخ ابن خالويه.

(٥) إعراب ثلاثين سورة : ١٤٨ ، وإعراب القراءات :

(٦) سير أعلام النبلاء.

(٧) إعراب القراءات : ٢ / ٤٨١.

٤٧

وتتملذ عليه كثير من الشيعة ؛ منهم الشّاعر السّلامي ، وأبو الحسن النصيبي ... وغيرهم.

إعتقاده بمذهب أهل السنة

ذكر ابن خالويه ـ رحمه‌الله ـ في إعراب قوله تعالى (١) : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) قال : «فالهاء كناية عن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه»

وفي حديث الإفك قال (٢) : «فأنزل الله براءتها وأرغم أنوف المنافقين» وفي قوله تعالى (٣) : والذي قال لوالديه أفِ لكما قال : «والباقون (أُفٍّ) وقد ذكرت علله في (سُبْحانَ) ، وإنما ذكرته أيضا ؛ لأنّ بعض المفسرين قال : هو عبد الرحمن ابن أبي بكر الصّديق قبل أن يسلم ، وذلك غلط! وإنما نزل في الكافر العاقّ».

ولم يذكر أحدا من الصّحابة رضي الله عنهم بسوء لا ظاهرا ولا مستترا ، وترضى عنهم أجمعين ، وذكر في مؤلفاته قصصا في مناقب أبي بكر وعمر وعثمان ، وأثنى عليهم ، ووجه قراءاتهم توجيها لائقا ، ولا يفعل هذا رافضيّ أبدا ؛ فإن الرّافضي إذا لم ينل منهم سكت عن مناقبهم.

ومما يزيدك أنسا وينفي دعوى التّشيع المزعومة من أساسها الحوار الذي جرى بين ابن خالويه وبعض الرّافضة ذكره فى سورة (الكهف) من (إعراب القراءات) قال (٤) ـ في إعراب قوله تعالى : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ـ : «ما» بمعنى الذي ، وصلته (مَكَّنِّي) و (خَيْرٌ) خبر الابتداء ، ومعناه : الذي مكنني فيه ربي

__________________

(١) سورة الليل : آية : ويراجع : إعراب ثلاثين سورة : ٨٩.

(٢) إعراب القراءات : ١٠٣.

(٣) سورة الأحقاف : آية : ١٧. ويراجع إعراب القراءات : ٢ / ٣١٨.

(٤) إعراب القراءات : ١ / ٤١٩.

٤٨

خير ، وليست جحدا وكذلك قول الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» بالرّفع ، والرّافضة تقف به «ما تركنا صدقة» فاخطأوا الإعراب والدّين جميعا.

وناظرنى بعض الرافضة فى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما نفعنى مال قطّ ما نفعنى مال أبي بكر رضي الله عنه ، فقال : ما الثانية جحد مثل الأولى أي : لم ينفعنى مال أبي بكر؟! فقلت له : إن قلة معرفتك بالعربية أدتك إلى الكفر ، وإنما «ما» الثانية بمعنى «الذى». وتلخيصه : لم ينفعنى مال كما نفعنى مال أبي بكر رضي الله عنه ، وهذا واضح جدا».

فلا أظن أنه يبقى مع ذلك أدنى شك فى صحة معتقده وعدم تمذهبه بالمذهب الإمامى الرافضى.

قال الحافظ الذّهبى فى تاريخه (١) : «كان صاحب سنّة».

وقال الحافظ ابن حجر (٢) : «قلت : يظهر ذلك تقربا لسيف الدّولة صاحب حلب فإنه كان يعتقد ذلك.

أقول : لعل الأمر على خلاف ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر ـ رحمه‌الله ـ فالحافظ الذهبي ـ رحمه‌الله ـ عندما ذكر الأمير سيف الدّولة الحمدانى فى سير أعلام النبلاء قال : «كان أديبا ، مليح الشعر فيه تشيّع».

إذا فنزعة ابن خالويه إلى التشيع إذا لم تكن إرضاء لسيّده سيف الدولة ، فإنها تجد ارتياحا وقبولا لديه ، لا العكس.

وابن حجر ـ رحمه‌الله ـ متأثر بمصدره الذى نقل عنه ، وهو أخبار الشّيعة لابن أبي طي ، لذلك نهى كثير من علماء السّلف عن الرجوع إلى كتب أهل البدع. وابن أبي طي هو الذى قال عنه الحافظ ابن حجر نفسه (٣) : «وقفت على تصانيفه ، وهو كثير الأوهام والسقط والتصحيف».

__________________

(١) لسان الميزان : ٦ / ٢٦٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

٤٩

فذكر ابن خالويه فى عداد الشّيعة من أوهام ابن أبي طي بلا إشكال ، وإنما هو شافعىّ لديه نزعة تشيّع.

وأثر هذه النزعة تلمس فى آثاره كإكثاره من ذكر آل البيت ، ونقل كلامهم ، والنقل عنهم ـ مما يوهم تشيعه ـ ما هذا إلا من تأثره بشيوخه من الشّيعة ، ولا يلزم من المشيخة التّمذهب بمذهب الشيخ ، وابن خالويه متسامح فى نقله عن الشيوخ فتراه ينقل عن ابن المسبّحى ويقول (١) : «وكان كذابا» فى مواضع من مؤلفاته. ولم ينقل أخبارا تفرد بها ابن المسبحى فينقلها عنه على سبيل ندرتها للاستئناس بها فيكون له بعض العذر فى ذلك ، ولكنه ينقل عن ابن المسبحى ويردفه بقوله : ـ وكان كذابا ـ عن أبيه عن أبي حنيفة الدّينورى وينقل نصا من كتاب «النبات» وكان باستطاعته أن ينقل عن كتاب «النّبات» دون سند إليه وكذا فعل فى نقل نصوص كثيرة من كتب لم يسق إليها سندا.

وما ذكره ابن المسبّحيّ فى أسانيده وروايته عنه مع اقتناعه بكذبه إلا لأنه كان متسامحا فى النقل ، محبا فى الإكثار من ذكر الشيوخ والأسانيد ؛ لذلك لا يبالى أن يكون فى شيوخه كذاب كابن المسبحى هذا ، أو صاحب بدعة كابن الجبائى ، وبعض الشّيعة ، وكان من نتيجة هذا التّساهل أن رأينا أثر التشيع ظاهرا فى بعض رواياته ونقله وإن كان سنيا سلفيا (٢) شافعىّ الفروع.

وترجم له الشافعية فى طبقاتهم وعدوه فقيها شافعيا.

ذكره ابن الصلاح ، والأسنوى ، والسّبكى وقال (٣) : «وقد روى «مختصر

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) نقل ابن العديم فى بغية الطّلب : ٧٥٧ بسنده عنه قوله : كنت عند سيف الدّولة وعنده ابن بنت حامد فناظرنى على خلق القرآن فلما كان تلك الليلة نمت فأتانى آت فقال : لم لم تجتح عليه بأول القصص طسم تِلْكَ آياتُ (الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ ...) والتّلاوة لا تكون إلّا بالكلام.؟!.

(٣) طبقات الشافعية الكبرى للسبكى : ٣ / ٢٩٦ ، وطبقات الشافعية للاسنوى : ١ / ٤٧٥.

٥٠

المزنى» عن أبى بكر النيسابورى» و «مختصر المزنى» من قواعد المذهب الشّافعىّ وأركانه التى تقوم عليها مثل «مختصر الخرقى» عند الحنابلة ، و «مختصر القدورى» عند الأحناف ، و «مختصر خليل» عند المالكية. وهو أحد الكتب الخمسة المشهورة عندهم ، مؤلفه اسماعيل بن يحيى المزنى (ت ٢٦٤).

ونقل السّبكى عن ابن الصّلاح أنه حكى فى «إعراب ثلاثين سورة (١)» مذهب الشّافعى فى البسملة وكونها آية من أول كل سورة قال : والذى صح عندى وإليه أذهب مذهب الشافعى.

وتردد ذكر الشّافعى فى مؤلفاته من بين الأئمة الأربعة ، وذكره دون سواه فى إعراب القراءآت فى عدة مواضع (٢) ، وقارن بين مذهبه ومذهب أبي حنيفة في بعض المسائل الفقهية ، ووصف الأحناف ب «أهل العراق».

وابن خالويه ـ فى نظرى ـ عاش حياة غير مستقرة فى بداية أمره خرج من بلاد فارس إلى العراق ومنها إلى ميّفارقين وحمص ثم إلى حلب فأراد أن يلجأ إلى خليفة أو أمير تكون مجالسته شهرة له ، ويكون قربه منه محلّ فخره واعتزازه ، فوجد فى سيف الدّولة بغيته فهو الشاعر الأديب ، العالم ، الإمام ، الأمير ، المجاهد ، الشّجاع ، حامى ثغور الإسلام ، وسيف الدولة أمير عربىّ فخور بعروبته ، وهذا ما جعله يكون محلّ أعجاب إبي الطيب المتنبي المتحمس لهذا الانتماء أيضا ؛ لأنّه وجد فيه الانتماء العربي والشجاعة فى منازلة الروم ، فالعروبة والشجاعة محل تقدير أبي الطيب. وفيه من تكريم العلم والاهتمام بأهله ما يجعله محل إعجاب ابن خالويه.

ونظرا لانتماء ابن خالويه الفارسى وفقده النسب العربى عند أمير عربى فخور بهذا الانتماء ، ونظرا لحرص ابن خالويه على تصدر مجالس سيف الدولة دون منافس ؛

__________________

(١) إعراب ثلاثين سورة : ١٥.

(٢) تراجع الصفحات : ١ / ١٢ ، ٢٠٤ ، ٢٥١ ، ٢ / ٥٥ ، ١٤٣ ، ٤٠٨.

٥١

لأن سيف الدولة «مقصد الوفود ، وكعبة الجود ، وفارس الإسلام ، وحامل لواء الجهاد ، وكان أديبا ، مليح النظم ، ويقال : ما اجتمع بباب ملك من الشعراء ما اجتمع ببابه ، وكان يقول : عطاء الشعراء من فرائض الأمراء» (١).

نظرا لهذا كله حاول ابن خالويه أن يكون هو المقدم من بين العلماء والشعراء فى مجلس الأمير وهو يعلم أنه لن يخضّ بهذه المرتبة إلا باطلاع واسع ، وعلم جم ، وبلاغه لسان ، وقوة جنان ، وتحصيل وافر ، وبحر من العلم زاخر ، ليعوّض به مافاته من شرف النّسب.

روى العميدى (٢) وغيره : «أن ابن خالويه وأبا الطيب اللغوى اجتمعا فى مجلس سيف الدولة ـ وكان المتنبي موجودا فى ذلك المجلس ـ فتذاكر ابن خالويه وأبو الطيب اللغوى بمسألة فى اللغة والمتنبي ساكت ، فقال سيف الدولة : ألا تتكلم يا أبا الطيب ـ يريد المتنبي ـ فذكر المتنبي ما قوّى حجة أبى الطيب اللغوى وضعف قول ابن خالويه فغضب ابن خالويه وأخرج من كمه مفتاحا حديديا فقال له المتنبى : اسكت ويحك أنت فارسي وأصلك خوزي فمالك وللعربية ، فضربه وسال دمه».

وذكر السّيوطى عن أبي على الصّقلّي (٣) قال : «كنت فى مجلس ابن خالويه فوردت عليه من سيف الدولة مسائل تتعلق باللغة فاضطرب لها ، ودخل خزانته واخرج منها كتب اللغة وفرقها فى أصحابه يفتشونها ، فتركته وذهبت إلى أبي الطيب اللّغوى وهو جالس وقد وردت عليه تلك المسائل بعينها وبيده قلم الحمرة فأجاب به ولم يغيّره قدرة على الجواب».

ولابن خالويه قصص وحكايات مع أبي الطيب اللّغوي ، وكان يسميه (قرموطة الكبرثل) (٤) أي : دحرجة الجعل ؛ لأنه كان قصيرا.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء للذّهبى : ١٦ / ١٨٨.

(٢) الصبح المنبي : ٦٤.

(٣) تحفة الأديب : ١ / ١٧٢ ، ويراجع رسالة ابن القارح : ٢٧٦. وبغية الطّلب : ٤٥٣١.

(٤) رسالة الغفران : ٥٥٠.

٥٢

قال ابن القارح (١) : حدّثنى الثّقة أنه كان فى مجلس أبي عبد الله ابن خالويه ، وقد جاءه رسول سيف الدولة يأمره بالحضور ، ويقول قد جاء رجل لغوى ـ يعنى أبا الطيب اللّغوى ـ قال المحدّث : فقمت من عنده ومضيت إلى المتنبي وحكيت له الحكاية فقال : الساعة يسأل الرجل عن شوط براح والعلّوض ونحو ذلك يعنى أنه يعنّته».

وله مع أبي على الفارسي قصص وحكايات شبيهه بهذا وكان الفارسى يسميه الجاهل (٢) مردها جميعا أنه يريد أن لا ينافس على صدارة مجلس سيف الدولة ، ولا يهمه بعد ذلك ارتكب مارتكب من المخالفات ، لذلك جامله بالميل إلى التشيع الذى يميل إليه الأمير ، وإن كانت ندرة هذه النزعة تأثرا بشيوخه من الشيعة ، فهو شافعى المذهب لديه نزعة تشيّع لا تخرجه إلى الرّفض. كما أنه أخذ عن شيوخ المذهبين البصرى والكوفى فهو تلميذ شيخ البصريين أبى سعيد السيرافى ، تلميذ شيخ الكوفيين أبي بكر ابن الأنباري.

قال ابن النديم فى الفهرست (٣) : «... وقرأ على أبي السيرافى وخلط المذهبين».

* * *

__________________

(١) المصدر نفسه. وعلّق على ذلك أبو العلاء بقوله : «أمّا أبو عبد الله بن خالويه واحضاره للبحث النسخ ، فإنه ما عجز ولا أفسخ ـ أى نسي ـ ولكنّ الحازم يريد استحضارا ، ويزيد على الشهادة الثانية ظهارا ،

أرى الحاجات عند أبى خبيب

نكدن ولا أميّة فى البلاد

(٢) بغية الطلب : ٢٢٦٥ ، قال مؤلفه ابن العديم ـ رحمه‌الله ـ : «ذكر ذلك فى غير موضع من كتاب «التذكرة» ...». أين كأبي عبد الله؟ لقد عدم من الشام فكان كمكه إذ فقد هشام ...».

(٣) الفهرست : ٩٢.

٥٣

مذهبه النحوى

يعد ابن خالويه من كبار النّحويين ، وله آثار فى النّحو ظاهرة ، وكتاباه «إعراب القراءات» و «إعراب ثلاثين سورة» يدلان على معرفة كاملة فى النّحو والإعراب ، وذكر أقوال علماء النّحو واختلافاتهم ، والمقارنة بين آرائهم ، ومحاولة التّوفيق بينها ، ولكنّه ـ كما قلنا ـ متردّد بين البصريين والكوفيين ، وإن كانت كفّة التّرجيح تميل إلى الكوفيين أكثر ، وسبق أن سمعنا قول ابن النّديم (١) : «خلط المذهبين».

ويقول الشيخ كمال الدين أبو البركات ابن الأنبارى فى نزهة الألباء (٢) : «ولم يكن فى النّحو بذاك».

نعم : ابن خالويه إنما تميز باللّغة واشتهر بها ، ولا يلزم من اشتهاره باللّغة وتّميزه فيها أن يكون مقصّرا فى النحو ، وإنما غلب عليه الاهتمام اللغوىّ ؛ وذلك أن كتبه فى اللغة سارت وانتشرت واشتهرت ، وأما كتبه فى النحو : ك «الجمل» و «المبتدأ» فلم يكتب لها من الرّواج بين الطلبة ما كتب لتلك ، ولعل هذا هو مراد الشيخ كمال الدين ـ رحمه‌الله ـ ؛ لأنّه لا يتصور أن يكون الشيخ عالما فى اللّغة مقصرا فى النحو ، وهما علمان يرتبط أحدهما بالآخر ارتباطا وثيقا لا يتصور استغناء أحدهما عن الآخر ، ولكن من العلماء من يبدع فى أحدهما أكثر من إبداعه فى الآخر ، وهكذا كان الإمام ابن خالويه مبدعا فى اللّغة ، له جهود ظاهرة مشكورة فى النّحو والتّصريف والقراءات والتّفسير ، له مشاركة جيّدة فى معرفة الحديث والفقه وأصوله ... وهكذا كان العلماء رحمهم‌الله وخاصة الأفذاذ منهم.

* * *

__________________

(١) الفهرست : ٩٢.

(٢) نزهة الألباء : ٣١٣.

٥٤

مع سيف الدّولة الحمدانيّ.

أخبار ابن خالويه مع سيف الدّولة كثيرة ، ثم مع ولده شريف من بعده ، ثم مع بعض آل حمدان ، وفى شرح ابن خالويه لديوان أبى فراس مظهر من مظاهر هذه المودّة أيضا. ولو تتبعنا هذه الأخبار لطال بنا الحديث ، ولخرجنا عن قصدنا من هذا التقديم ، فنكتفى ببعض هذه المظاهر. نقل المؤرخون عن ابن خالويه أنه قال : (١) «ودخلت يوما على سيف الدولة ابن حمدان فلما مثلت بين يديه قال لى : اقعد ، ولم يقل : اجلس ، فتبيّنت بذلك اعتلاقه بأهداب الأدب ؛ واطلاعه على أسرار كلام العرب» قال ابن خلّكان ـ رحمه‌الله ـ : «وإنما قال ابن خالويه هذا ؛ لأن المختار عند أهل الأدب أن يقال للقائم : أقعد ، وللنائم والساجد اجلس ...»

فلعلّ هذا كان فى أوّل لقائه به ، ولشدّة هذه المحبّة القائمة على إعجاب الإمام ابن خالويه بسيف الدّولة ، ومحاولته المحافظة على هذه العلاقه ، كان شديد التّلطّف معه ، كثير الأنس به ، يقدره حقّ قدره.

قال ابن خالويه فى كتاب «ليس» قلت لسيف الدولة ابن حمدان قد استخرجت فضيلة ل (حمدان) جدّ سيّدنا لم أسبق إليها وذلك أنّ النّحويين زعموا أنّه ليس فى كلام العرب مثل رحيم وراحم ورحمان إلا نديم ونادم وندمان وسليم وسالم وسلمان فقلت كذلك حميد وحامد وحمدان».

جاء فى تعليق ابن خالويه على عشرات أبى عمر الزاهد (٢) : «يقال : الندغ والنّدغ كذلك ذكره ابن دريد فى «الجمهرة». وهذا أول حرف فى اللّغة سألنى عنه سيف الدّولة».

وهذا من باب التّقرب والمنادمة ، ولحرص ابن خالويه على هذه المكانة كان

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٢ / ١٧٨.

(٢) العشرات : ٧٣.

٥٥

يعادى من يحاول المساس بها ، أو منافسته على هذه المكانة كائنا من كان ـ فعادى أبا الطيب المتنبي.

وعادى أبا علي الفارسي.

وعادى أبا الطيب اللّغوى.

كل ذلك بسبب هذه المنافسة!

فإذا ما مدح المتنبى سيف الدّولة وأجاد فى مدحه وأعجب سيف الدّولة بهذا المديح واهتزّ له ، حاول ابن خالويه انتقاده فى استعمالات نحوية أو لغوية لتخدش هذا الثناء ، وليظهر لسيف الدولة أنّ المعرفة التامة له هو وحده ، فهو الذى يستحق المكانة العالية لديه لا غيره.

وقد تقدم ذكر قصة أنشاد المتنبى :

* وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه*

حيث قال ابن خالويه : يا أبا الطّيب : إنما يقال شجاه ـ توهمه فعلا ماضيا ـ قال له أبو الطيب : اسكت فما وصل الأمر إليك!

ونقل الحافظ ابن حجر ـ رحمه‌الله (١) ـ أنّ ابن خالويه قال للمتنبي ـ بمجلس سيف الدولة ـ : لو لا أنك جاهل ما رضيت أن تدعى المتنبي ، ومعنى المتنبي كاذب ، والعاقل لا يرضى أن يدعى الكاذب. ولأبى عبد الله ابن خالويه مع أبى علىّ الفارسى ، وأبى الطيب المتنبي وأبى الطيب اللّغوى مجالس ومناظرات كثيرة وبعضها مفيد جدّا ، لكن المقام هنا لا يتسع لذكرها.

ـ وفاته :

كانت وفاة ابن خالويه بحلب سنة ٣٧٠ ه‍.

__________________

(١) لسان الميزان : ٢ / ٢٦٧.

٥٦

ـ آثاره :

أ ـ شعره

أنشد له بعض المترجمين شعرا من شعر العلماء والفقهاء منه قوله فى وصف برد همذان (١) :

إذا همذان اعتراها القرّ وانقضى

بزعمك أيلول وأنت مقيم

فعينك عمشاء وانفك سائل

ووجهك مسودّ البياض بهيم

وأنت أسير البرد تمشى بعلّة

على السّيف تحنو تارة وتقوم

بلاد إذا ما الصّيف أقبل جنّة

ولكنّها عند الشّتاء جحيم

وقوله (٢) :

إذا لم يكن صدر المجالس سيّدا

فلا خير فيمن صدّرته المجالس

وكم قائل مالى رأيتك راجلا

فقلت له من أجل أنّك فارس

وقوله (٣) :

الجود طبعى ولكن ليس لى مال

فكيف يبذل من بالقرض يحتال

فهاك حظىّ فخذه اليوم تذكرة

إلى اتّساعى فلى فى الغيب آمال

وقوله (٤) :

أيا سائلى عن قدّ محبوبى الّذى

كلفت به وجدا وهجت غراما

أبى قصر الأغصان ثم رأى القنا

طوالا فأضحى بين ذاك قواما

__________________

(١) يتيمة الدّهر : ١ / ١٢٣ ، وأعلام النبلاء : ٤ / ٥٤.

(٢) يتيمة الدّهر : ١ / ١٢٣ ، ومعجم الأدباء : ٩ / ٢٠٤.

(٣) معجم الأدباء : ٩ / ٢٠٤.

(٤) معجم الأدباء : ٩ / ٢٠٥.

٥٧

ـ ب ـ مؤلفاته :

ألّف ابن خالويه كتبا كثيرة فى النّحو واللّغة والقراءات والأدب ، وأغلب مؤلفاته تدور حول هذه الفنون ، وإذا كان لنا أن نطبق عليه مصطلح العصر قلنا : إن تخصّصه الدّقيق هو (معرفة اللّغة) أصولها ، واشتقاقها ، وبنية ألفاظها ، ومحاولة جمع غريبها ونادرها ، والرّبط بين مشتركها ، ومعرفة مترادفها ومتواردها ، وابن خالويه مغرم بجمع ذلك كلّه وحصره ومحاولة استقصائه فى كلام العرب ، ولعلّ فى تأليفه كتاب (ليس) أصدق ما يمثل هذه الظّاهرة ، كما أن لهذه الظاهرة أثرا واضحا فى مؤلفاته اللّغوية ـ ما عدا الشّروح ـ مثل كتاب «الآل» و «الألفات» و «الماءات» ، وكتاب «لا» وكتاب «شكاة العين» و «كتاب الرّيح» و «أسماء الأسد» و «الحيّة» ...

ـ كلّ هذه وغيرها من مؤلفات ابن خالويه ما عرفنا منها وما لم نعرف ألفها ابن خالويه على هذا المنهج ، راعى فيها الحصر والاستقصاء ، وما لم يؤلّف فيه كتابا على حدة ذكره ضمن مؤلفاته الأخرى فى فصل خاصّ.

ـ جاء فى إعراب القراءات : ٢ / ٢٦٤ : «تأملت «إن» فى العربية فوجدتها تنقسم أربعة وعشرين قسما ...». وفى شرح المقصورة : ٥١٥ : «باب فى الشيب يصلح للحفظ».

ـ وجاء فى إعراب القراءات أيضا : ٢ / ٤٧٤ : «... «هل» تنقسم فى كلام العرب ثمانية أقسام ...».

ـ وفيه أيضا : ١ / ٣٤٧ : «تأملت «نجا» فى العربية فوجدته ينقسم خمسة أقسام».

ومؤلّفاته فى الدّراسات القرآنية سلك فيها مسلك شيخه ابن مجاهد متأسيا به شاكرا له ، مثنيا عليه ، دائرا فى فلكه لا يحيد عنه ، قال فى شرح المقصورة :

٥٨

٢٥٥ : «وحدّثنا محمد بن عبد الواحد عن ثعلب عن ابن الأعرابى ، وحدّثنا ابن دريد عن سمعان النّحوى عن رجاله. وحدّثنا أيضا ابن مجاهد ـ وأكرم به ـ قال ...» فأثنى عليه دون شيخيه الآخرين مع أنه ذكرهم فى مقام واحد.

وفى إعراب القراءات : ٢ / ١٩٠ : «أمّا فى الزّخرف (يا عِبادِ) فنذكره فى موضعه ـ إن شاء الله ـ كما ذكره ابن مجاهد ؛ لأنا نحن متبعون لشيوخنا لا مبتدعون».

ويظهر لى أنّ ابن خالويه تعمّق فى اللّغة والنحو والإعراب أكثر من شيخه ، ولذا كان لابن خالويه جهود فى تعليل القراءات أفادها من شيوخه الآخرين ، أو استنبطها بثاقب رأيه.

قال فى إعراب القراءات : ٢ / ٢٨١ : «وسألت ابن مجاهد فقلت : إنّ القاف تبعد عن النّون أشدّ بعدا من الميم فلم أظهر حمزة النّون عند القاف فى (حم عسق)؟ فقال : والله ما فكرت فى هذا قطّ ، ولا ارتقيت فى النحو إلى هنا».

وكان ابن خالويه يقرأ مؤلفات شيوخه وغيرهم ، ويعلّق على هوامشها تعليقات نافعة مفيدة.

فقرأ كتاب «الدّيباج» لأبى عبيدة معمر بن المثنى (ت ٢٠٩ ه‍؟) ـ لدى نسخة خطية منه (١) ـ أدخل فى صلبها بعض التّفسيرات والتعليقات من كلام ابن خالويه. وزاد على كتاب «الدّواهى» لأبى عبيدة أيضا ، ومن زيادته نسخة فى مكتبة قوغو شلر رقم (١٠٦٩) فى ورقة واحدة رقم ٤٢.

وفى نوادر أبي مسحل الأعرابي المطبوع فى دمشق سنة ١٣٨٠ ه‍ بتحقيق الدّكتور عزة حسن تعليقات نادرة مفيدة واستدراكات من كلام ابن خالويه ، يراجع : ١ / ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ١١ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ... ونسخة «النوادر» الخطّية التى نشر عنها الكتاب نسخت من نسخة بخطّ ابن بلبل (محمد بن بلبل البغدادىّ) قرأها على شيخه ابن خالويه وكتب عليها ابن بلبل : «قرأت «نوادر

__________________

(١) طبع فى مكتبة الخانجى حققته مع زميلى الدكتور عبد الله بن سليمان الجربوع.

٥٩

أبى مسحل» على أبى عمر الزاهد» (محمد بن عبد الواحد) قال : قرأته على أبى العبّاس ثعلب ، ثم كتب ابن خالويه بخطه : صدق وبرّ أبو عبد الله محمد بن بلبل البغدادىّ ـ أيّده الله ـ قرأ على هذا الكتاب قراءة متقن للّغة عارف بها وصحّحه وضبطه ، وكتب الحسين بن خالويه بيده ...».

ـ وروى ابن خالويه كتاب «جمهرة اللّغة» لأبى بكر بن دريد شيخه (ت ٣٢١ ه‍) كما روى «الجمهرة» عن مؤلفها شيخاه أبو عمر الزّاهد (ت ٣٤٥ ه‍) وأبو سعيد السّيرافىّ (ت ٣٦٨ ه‍) ولكلّ واحد منهم تعليقات على نسخته منها.

ـ قال محقّق «الجمهرة» الدّكتور رمزى البعلبكىّ فى وصف نسخها : النّسخة المحفوظة فى مكتبة ليدن ... ثم قال : والقسمان الثانى والثالث من هذه النسخة برواية أبى سعيد السّيرافيّ المتوفى سنة ٣٦٨ ه‍ ، وله تعليقات أثبتناها فى الحواشى.

ـ وذكر المحقق الفاضل أنه اعتمد على قطعة صغيرة من نسخ «الجمهرة» محفوظة فى المتحف البريطانى بخط قديم فى عهد المؤلّف وعلى حواشى هذه القطعة تعليقات لغلام ثعلب أبى عمر الزّاهد (ت ٣٤٥ ه‍).

ـ وقال الحافظ السّيوطىّ ـ رحمه‌الله ـ فى المزهر : ١ / ٩٥ «ظفرت بنسخة منها بخطّ أبي نمر أحمد بن عبد الرّحمن بن قابوس الطّرابلسىّ وقد قرأها على ابن خالويه بروايته لها عن ابن دريد وكتب عليها حواشى من استدراك ابن خالويه على مواضع منها ونبّه على بعض أوهام وتصحيفات».

ـ وذكر محقق «الجمهرة» الدّكتور البعلبكى نسخة الآصفيه قال : وهى نسخة قرئت على ابن خالويه ، وأبى العلاء المعرّى ، ولهما حواش عليها ، وهى مكتوبة سنة ١٠٧٨ ه‍.

٦٠