موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

مما ذكرنا (م ، ح ، ١١ ، ١)

ـ ما حسّنه العقل وقبّحه ليس له زوال ولا تغيّر من حال إلى حال ، وما حسّنته الطبيعة وقبّحته هو في حد الانقلاب والتغيّر من حال إلى حال بالرياضة والقيام على ذلك بالكف عما ألفه ، والصرف إلى ما ينفر عنه يحسن القيام عليه ، على ما يحتمل الطبع قبوله نحو المعروف من أمر الطيور والبهائم ، إنّها بطبعها تنفر عمّا أريد بها من أنواع منافع البشر ، ثم يحسن قيام أهل البصر بذلك ليصير مما طبع عليه بالميل إليه كالمستوحش ، ومما / طبع على النّفار عنه كالمطبوع عليه (م ، ح ، ٢٢٣ ، ١٣)

قبح القبيح

ـ (قال المعتزلة) الدليل على أنّ قضايا العقول تحسّن وتقبّح علمنا بأنّ من أمكنه التوصل إلى غرضه بالصدق والكذب وجب عليه أن يتوصل إليه بالصدق دون الكذب ، وأنّه لا يقع منه إلّا ذلك ؛ وليس يترك التّوصّل إلى الغرض في هذه الأمور بالكذب إلى الصدق إلا لحسن الصدق وقبح الكذب ؛ فوجب قضاء العقل على حسن الحسن وقبح القبيح (ب ، ت ، ١١٠ ، ٥)

قبح الكذب

ـ بيّنا أنّ قبح الكذب العاري عن اجتلاب نفع أو دفع ضرر معلوم بالاضطرار ، ولا يجوز أن نعلم حكم ذات من الذوات أو صفة من الصفات ثم لا نعلم الذات الموصوفة بها بالاضطرار ، لا على سبيل الجملة ولا التفصيل. ونحن نعلم قبح الكذب العاري من اجتلاب نفع أو دفع ضرر بالاضطرار ، فيجب أن يكون الكذب معلوما كذلك ، فيجب أن يكون الكذب هو هذا المسموع ، لأنّه هو الذي يعلم بالاضطرار ، وما عداه فإنّه لا يعلم باضطرار ولا باستدلال. فإذا كان الكذب هو هذا المسموع وجب أن يكون من فعلنا حتى يكون حكمه متعلقا بنا (ن ، د ، ٣٣ ، ١)

قبح ما يعلم قبحه باضطرار

ـ إنّ العلم بقبح ما يعلم قبحه باضطرار ، لا يجب كونه مبنيّا إلّا على جملة تعلّق الأفعال بنا ، دون تفصيله ، وهذه الجملة ضروريّة ، فيصحّ أن يعلم ما ذكرناه من حالها باضطرار ، وإذا عرفنا بالدليل أنّ الفاعل منا يحدثها ، علم على التفصيل أنّه يقبح منه إحداثها. وكذلك القول في سائر ما يعلمه باستدلال ، أنّه بعد الاستدلال يعلم الحال في قبحه على هذين الوجهين. وهذه الأفعال ففيها ما يعلم باضطرار كالآلام والكلام ، وفيها ما يعلم أحكامها باضطرار ، نحو ما يجده الإنسان من كونه مريدا ومعتقدا ، ونحو ما يعلمه من الفصل بين المتحرّك والساكن ، والمعتمد في جهة وخلافه. فما نعلمه باضطرار فالحال فيه على ما بيّناه ، من أنه إنما يجب أن يعلم تعلّقه به على طريقه العقليّة ، وما عداه يستدلّ أولا على إثباته ، ثم على هذا الحكم (ق ، غ ١٤ ، ١٦٠ ، ٣)

قبر

ـ إنّ موضع كل روح يسمّى قبرا فتعذّب الأرواح حينئذ وتسأل حيث كانت (ح ، ف ٤ ، ٦٩ ، ١)

قبلية

ـ لا معنى لقبليّة الشيء إلّا أنّه لم يكن فكان (م ، غ ، ٢٢ ، ١٤)

٤١

قبيح

ـ لم يكن الكفر كفرا ولا قبيحا إلّا بفاعله ومحدثه وهو الكافر ، وإنّما كان بالله عند إبراهيم تقبيح الكفر وهو الحكم بأنّه قبيح فأمّا نفس الكفر فبالكافر كان لا بغيره (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٦)

ـ الشيء إنّما يقبح منّا لأنّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا وآتينا ما لم نملك إتيانه. فلمّا لم يكن الباري مملكا ولا تحت آمر لم يقبح منه شيء (ش ، ل ، ٧١ ، ١٦)

ـ ليس في خلق الله قبيح (م ، ت ، ١٨٥ ، ١١)

ـ لو لم يكن في خلق الله قبيح لم يكن لتحويل صورتهم ـ من صورة الإنسان ، إلى أقبح صورة ـ معنى ؛ ليروا قبح أنفسهم ؛ عقوبة لهم بما عصوا أمر الله ، ودخلوا في نهيه (م ، ت ، ١٨٥ ، ١٢)

ـ إنّ كل شيء حسّنه العقل فهو لا يقبح بحال ، وكذلك القبيح من الحسن ، وكل شيء قبح لنفار الطبع بما يتوهّم حلوله في جوهر المتوهم فينفر طبعه لألمه ، ثم هذا قد يجوز أن يذهب ذلك بالاعتياد نحو القصابين والذين اعتادوا القتال ، فثبت أنّ النهي عنه طبيعي لا عقلي ، فتغيّر ذلك من العادة يزول ، وذلك نحو جواهر من الحيوان طبعه التوحّش ، وعلى ذلك طبع الجميع عن الأحمال الثقيلة ، ثم تصير بالرياضة وتعويد غيره كأنّها على ذلك طبعت ، فعلى ذلك أمر الحيوان (م ، ح ، ٢٠١ ، ١٤)

ـ زعموا (المعتزلة) أنّ فعل الكفر قبيح شرّ من جميع الوجوه (م ، ح ، ٢٣٤ ، ٢٠)

ـ الحسن ما وافق الأمر من الفعل ، والقبيح ما وافق النهي من الفعل ، وليس الحسن حسنا من قبل الصورة ، ولا القبيح قبيحا من قبل الصورة (ب ، ن ، ٤٩ ، ١)

ـ القبيح : ما قبّحه الشرع وحرّمه ، ومنع منه ، لا من حيث الصورة (ب ، ن ، ٥٠ ، ٤)

ـ الجملة أنّ الأمر منّا ، والنهي منّا ، والفعل منّا ، والإرادة منّا إنّما توصف تارة بكونها حسنة ، وتارة بكونها قبيحة ، إنّما ذلك لمعنى ، وهو أنّ كل ما كان منا مخالفا لأمر الرب تعالى فهو قبيح ، وإن كانت صورته حسنة من حيث الحس والنظر والسمع ، ونحو ذلك ؛ وأنّ كلّ ما كان منّا حسنا إنّما كان ذلك لأنّه موافق لأمر الربّ تعالى ، لا من حيث الصورة والحسن (ب ، ن ، ١٦٨ ، ١٢)

ـ إنّ القبيح إنّما كان قبيحا منّا لتعلّق نهي الله تعالى عنه به ونهيه كلامه وكلامه غير مخلوق ، فيجب أن يكون جاريا مجرى كونه معلوما في باب أنّه يتعلّق بعلم ليس بفعل ، فلا يصحّ أن يكون معلوما بفاعل ، لمّا كان كونه معلوما يرجع فيه إلى تعلّق علم قديم به ، وما يقتضي وصف المعلوم من الحدث يقتضي حدث العلم به ، فإذا كان العلم به غير محدث لم يجز أن يقال إنّه معلوم بمحدثه. كذلك إذا كان قبيحا لتعلّق نهي الله تعالى به وجرى كونه قبيحا مجرى كونه منهيّا عنه ، ولم يجز أن يكون النهي عنه محدثا ، فكذلك لا يجوز أن يقال إنّه وجد قبيحا بمحدثه أو هو قبيح بمن جعله كذلك (أ ، م ، ٩٤ ، ٢١)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ وصفنا لبعض الأكساب بأنّه قبيح منّا ولبعضها بأنّه حسن منّا إنّما يستحقّ ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه. وكذلك يجري مجراه في وصفنا له بأنّه طاعة ومعصية في باب أنّه إنّما يجري عليه ذلك لأجل الأمر والنهي (أ ، م ،

٤٢

٩٦ ، ٢٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد في أنّه إنّما يجتنب القبيح لما فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله ، ويختار الفعل الحسن والحكمة لما فيه من النفع والجمال العائد إلى فاعله. فلا وجه فيما يفعل له الفعل في الشاهد أو يترك إلّا ذلك أو نحوه. فإن وجب أن لا يكون فاعلا لما هو من غيره قبيح لأنّ القبيح لا يؤثّر فعله إلّا محتاج أو جاهل بقبحه ، وجب أن لا يكون فاعلا للحسن لأنّه لا يؤثّره إلّا منتفع به متزيّن. وأراهم أنّه يتعذّر عليهم أن يروه حكيما في الشاهد يؤثّر فعل الحكمة مع خلوّه من هذه الأسباب (أ ، م ، ١٤١ ، ٢٢)

ـ القبيح هو ما إذا فعله القادر عليه استحق الذمّ على بعض الوجوه ، وقوله على بعض الوجوه احتراز من الصغيرة ؛ فإنّها قبيحة ومع ذلك فإنّه لا يستحق الذم عليها بكل وجه ، ولكن يستحق الذم عليها على بعض الوجوه ، وهو أن لا يكون لفاعلها من الثواب قدر ما يكون عقاب هذه الصغيرة مكفرا في جنبه ، وكذلك فإنّه احتراز من القبائح الواقعة من الصبيان والمجانين والبهائم ، فإنّها على قبحها لا يستحق الذم عليها بكل وجه ، ولكن يستحق الذم عليها على بعض الوجوه ، وهو أن تقع ممن يعلم قبحها ، أو يتمكن من العلم بذلك ، فلو لا هذا الاحتراز لانتقض الحدّ ، ولا نقض مع اعتباره (ق ، ش ، ٤١ ، ٦)

ـ إنّ كل ترك منع الواجب من وجوده فهو قبيح (ق ، ش ، ٤١ ، ١٤)

ـ تقرر في العقل وجوب التحرّز من القبيح. فإذا كان لا يمكن التحرّز من هذا القبيح إلّا بالمعرفة ، وجب أن يقضى بوجوبها (ق ، ش ، ٤٣ ، ٢)

ـ إنّ القبيح إنّما يقبح لوقوعه على وجه ، فمتى وقع على ذلك الوجه وجب قبحه سواء وقع من الله تعالى ، أو من الواحد منّا (ق ، ش ، ٣٠٩ ، ١٦)

ـ عندنا (عبد الجبّار) أنّ القبيح إنّما يقبح لوقوعه على وجه نحو كونه ظلما ، وعند أبي قاسم البلخيّ أنّ القبيح إنّما يقبح لوقوعه بصفته وعينه ، وإلى هذا ذهب بعض المجبرة ، وعند بعضهم أنّ القبيح إنّما يقبح للرأي ، أو لكوننا مملوكين مربوبين محدثين إلى أمثال هذا ، والحسن إنّما يحسن للأمر. ونحن قبل الاشتغال بإفساد هذه المذاهب نصحّح ما نقوله. فالذي يدلّ على ذلك هو أنّا نعلم أنّ الظلم قبيح ، وإنّما قبح لكونه ظلما ، بدليل أنّا متى عرفناه ظلما عرفنا قبحه وإن لم نعرف أمرا آخر ، ومتى لم نعرف كونه ظلما لم نعرف قبحه وإن عرفنا ما عرفنا. فبان أنّ الظلم إنّما قبح لوقوعه على وجه وهو كونه ظلما ، هذا لأنّ العلم بالقبح فرع على العلم بوجه القبح إمّا على جملة أو تفصيل ، فيجب متى وقع على ذلك الوجه أن يكون قبيحا ، سواء وقع من الله تعالى أو من العباد ، لأنّ الحال فيه كالحال في الحركة وإيجابها كون الجسم متحرّكا ، فكما لا يختلف ذلك بحسب اختلاف الفاعلين لمّا كانت علّة ، كذلك في مسألتنا (ق ، ش ، ٣٠٩ ، ١٩)

ـ إن قيل : لم لا يقبح القبيح بصفته وعينه على ما يقوله شيخكم أبو القاسم البلخي؟ قيل له : لأنّ الفعل الواحد يجوز أن يقع قبيحا مرّة ، بأن يقع على وجه مسبّبا وأخرى بأن يقع على خلاف

٤٣

ذلك الوجه ، ألا ترى أنّ دخول الدار مع أنّه شيء واحد لا يمتنع أن يقبح مرة ، بأن يكون لا عن إذن ، ويحسن أخرى بأن يكون عن إذن ، وكذلك فالسجدة الواحدة لا يمتنع أن تحسن بأن تكون سجدة لله تعالى ، وتقبح بأن تكون سجدة للشيطان ، ففسد ما قاله أبو القاسم (ق ، ش ، ٣١٠ ، ١٣)

ـ إنّ فعل العالم بما يفعله المميّز بينه وبين غيره إذا لم يكن ملجأ لا يخلو من أمرين : إمّا أن يكون له فعله ، أو لا. فإن كان له فعله فهو الحسن ، وهو ما لفاعله أن يفعله ولا يستحقّ عليه ذمّا. وإن لم يكن له فعله ، فهو القبيح (ق ، ش ، ٣٢٦ ، ١٨)

ـ إنّ أقسام القبيح تنقسم إلى : ما يكون صغيرا ، وإلى ما يكون كبيرا. وما يكون كبيرا ينقسم إلى : ما يكون كفرا ، وإلى ما لا يكون كفرا. والكلام في حقيقة هذه الألفاظ وحدودها يعود في باب الوعيد إن شاء الله تعالى. ثم إنّ القبائح تنقسم إلى : ما يتغيّر حاله بالإكراه ، وإلى ما لا يتغيّر حاله بالإكراه. فالأول ، هو كل ما يتعدّى عنه إلى غيره ، وذلك كإظهار كلمة الكفر ، فإنّ ذلك قبيح ولا إكراه. ثم إذا أكره عليه يجوز له أن يقول ذلك ، لا على الاعتقاد له والتديّن به ، بل على أنّكم كلّفتموني إظهاره والقول به ، أو على أنّ النصارى يقولونه. والثاني من هذين القسمين ، هو ما يتعدّى ضرره إلى الغير ، وذلك نحو قتل الغير وما شاكل ذلك ، فإنّ ما هذا سبيله لا يتغيّر بالإكراه ، بل لزم المكره أن يضع مع نفسه أنّ عقاب الله تعالى أعظم من عقاب هذا المكره ، فلو أقدمت على ما يكرهني عليه استحققت عقوبة أشدّ من هذا. وتنقسم القبائح أيضا إلى : ما لا يمكنه الانفكاك عنه إلّا بأن لا يفعله ، وإلى ما يمكنه الانفكاك عنه بأن يفعله على وجه آخر مخالف له. فالأوّل كالجهل ، فإنّ الانفكاك منه لا يمكن إلّا بأن لا يفعله ، والثاني كالخبر الكذب ، فإنّه يمكنه الانفكاك عنه بأن يوقعه على وجه الصدق ، وكالسجدة ، فإنّه يمكن الانفكاك منه بأن يوقعه سجدة للرحمن ولا يوقعه سجدة للشيطان (ق ، ش ، ٣٣٠ ، ٤)

ـ إنّ الفعل إنّما يحسن لوقوعه على وجه ويقبح لوقوعه على وجه وذلك تابع للحدوث (ق ، ش ، ٤١٣ ، ١٢)

ـ أمّا أفعال العباد فعلى ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، والآخر ليس له صفة زائدة على ذلك ، وما هذا سبيله فإنّه تعالى لا يريده ولا يكرهه. وما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه فعلى ضربين : أحدهما قبيح والآخر حسن ، فما كان قبيحا فإنّه لا يريده البتّة بل يكرهه ويسخطه. وما كان حسنا فهو على ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حسنه ، والآخر ليس له صفة زائدة على حسنه. وهذا الثاني إنّما هو المباح ، والله تعالى لا يجوز أن يكون مريدا له على ما سنبيّنه من بعد إن شاء الله تعالى. وأمّا الأول ، وهو ما يكون له صفة زائدة على حسنه فهو الواجب والمندوب إليه ، وكل ذلك مما يريده الله تعالى ، بدليل أنّ غاية ما يعلم به مراد الغير إنّما هو الأمر ، وقد صدر من جهة الله الأمر وما يكون أكبر من الأمر ، لأنّه تعالى كما أمر بذلك فقد رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعّد عليه بالعقاب العظيم ، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله (ق ، ش ، ٤٥٧ ، ٥)

٤٤

إنّه لا بدّ من تردّد الدواعي ولا تثبت الدواعي والصوارف إلّا إلى الفعل أو إلى أن لا نفعل ، وفي كل واحد من الفعل وأن لا نفعل يتناول التكليف فيه على طريقين ، ففي الفعل يستوي جميعه في استحقاق المدح والثواب به إذا فعل على وجه مخصوص. ثم يفترقان في وجه آخر وهو أنّه قد يكون الذي يستحقّ الثواب لفعله له مدخل في استحقاق العقاب بأن لا يفعله وقد لا يكون كذلك. فالأوّل الواجب ، والثاني الندب. وأما في أن لا يفعل يستوي جميعه في استحقاق الثواب أن لا يفعل على وجه مخصوص. ثم يقع الفرق من وجه آخر وهو أنّه قد يستحقّ العقاب بفعل شيء منه دون غيره. فالأول هو القبيح والثاني هو ما الأولى له أن لا نفعله من ترك المطالبة بالدين ولا يخرج كل ما يتناول التكليف بأن يفعل وبأن لا يفعل عن ذلك (ق ، ت ١ ، ٣ ، ١)

ـ اعلم أنّ القبيح ليس بقبيح إلّا لوقوعه على وجه ، لأنّ ما عدا ذلك من الصفات والأحكام الراجعة إليه وإلى فاعله وإلى وجود معنى أو عدمه لا يتأتّى ذكره هاهنا ، فليس إلّا أنّه يقبح لوقوعه على وجه ، ولأجل ذلك إذا عرفناه واقعا على هذه الوجوه عرفناه قبيحا وإن لم نعلم أمرا سواه ، وإن لم نعرفه واقعا على هذا الوجه لم نعرف قبحه وإن عرفنا كل أمر مما قالوه ، فعرفنا أنّ قبحه هو لهذا الوجه (ق ، ت ١ ، ٢٣٤ ، ١٠)

ـ أمّا القبيح فالذي يصحّ وصفه تعالى بالقدرة عليه بعد بيان ضروب القبائح هو ما يقبح لتعلّقه بالغير دون ما يقبح لتعلّقه بالفاعل. فإنّ هذا لا يصحّ فيه تعالى نحو ما يقبح لكونه مفسدة في الدين وضررا بالنفس أو مقوّيا للنفع ، كما أنّ ما يجب عليه لا يتأتى فيه ما يتعلّق وجوبه بما يرجع إلى الفاعل نحو دفع الضرر ، فعلى ذلك تجري حال الأفعال. وهكذا لا يحسن منه ما هو بمنزلة الحسن منّا المختصّ بصفة زائدة على الحسن إلّا على وجه يتعدّى إلى الغير. فأمّا فيما نعدّه معدّ النوافل فمحال فيه تعالى (ق ، ت ١ ، ٢٤٤ ، ٢٢)

ـ القبيح ضرب من ضروب الأفعال فيجب أن يكون تعالى قادرا عليه كما قدر على الواجب والحسن والتفضّل ، لأنّ ضروب الأفعال لا تختصّ ببعض القادرين دون بعض ، فلا قادر إلّا وهو يقدر على سائر ضروب الأفعال. فتثبت بهذه الجملة من جهة العقل قدرته على القبيح وقد أكّد هذا الفصل في الكتاب بقوله تعالى (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (الزخرف : ٣٣) وهو نظير قوله (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (الشورى : ٢٧) إلى ما شاكل هذا من الآيات فدلّ بها على أنّه قادر على ما إذا وقع كان فسادا ، وأنّه لا يفعله لصلاحهم ، فهذا يقتضي وصفه بالقدرة على القبيح وإلّا كان لا يقع التمدّح بذلك (ق ، ت ١ ، ٢٤٨ ، ٢٢)

ـ إنّ القبيح على كل حالاته يقبح ولوقوعه على وجه ، ولكن ذلك الوجه من حيث قد يتبع صفة يؤثّر فيها القادر ، وما هو عليه من الأحوال قد يضاف إلى الفاعل ، كما يقال في كونه كذبا لمّا كان يؤثّر فيه كونه خبرا كونه مريدا. ونحو هذا في الحسن الذي هو الصدق وما شاكله. فلمّا كان لا يحصل كونه كذبا ولا صدقا إلّا وكونه خبرا حاصل ، وكان الذي يؤثّر في كونه كذلك هو حال القادر ، أمكن أن يقال فيما حلّ هذا

٤٥

المحل أنه قبح به. فأمّا ما كان قبحه لازما له ويكون لوجه يختصّه كالجهل وما أشبهه فلن يضاف إلى الفاعل (ق ، ت ١ ، ٣٧٠ ، ١٥)

ـ القبيح هو بالضدّ من الواجب فيستحقّ الذمّ والعقاب بفعله والمدح والثواب بأن لا يفعله أو يتركه على بعض الوجوه. وما خرج عن ذلك من المباح وما أشبهه فلا مدخل له في التكليف لأنّه لا تحصل فيه البغية التي يقف التكليف عليها وهو تعريض المكلّف للثواب (ق ، ت ٢ ، ٢٧٢ ، ١٠)

ـ من حق القبيح أن يستحقّ الذمّ بفعله ، فلا يصحّ أن لا يكون إثباته نقصا ، فلذلك لا نجيز أن يفعل جلّ وعزّ شيئا من القبائح ، كما لا نجيز أن لا يفعل بعض الواجبات (ق ، غ ٤ ، ١٥٥ ، ١٣)

ـ قد علم أنّ القبيح من حقّه أن يستحقّ بفعله الذمّ ، والحسن لا يستحقّ به ذلك ، فلا بدّ من أن يحصل لهما حكم زائد على الوجود ، لأنّه لو لم يحصل لهما ذلك ، لم يكن أحدهما بأن يكون حسنا أولى من صاحبه ، ولا الآخر بأن يكون قبيحا أولى منه ، لأنّ الوجود قد حصل لهما جميعا على سواء. وإن قبح القبيح منهما لوجوده فقط ، فيجب قبح كلّ فعل ، وإن حسن الحسن لوجوده فقط ، فكمثل. وذلك يوجب كون الفعل حسنا قبيحا ؛ وهذا معلوم فساده بأوّل العقل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩ ، ٤)

ـ إنّ القبيح يقبح لوقوعه على وجوه ، نحو كونه كذبا وظلما ، وأمرا بقبيح ، وجهلا ، وإرادة لقبيح. وكل ذلك يقتضي فيه اختصاصه بحكم زائد على الوجود (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠ ، ١٦)

ـ الذي يذهب إليه الشيخ أبو عبد الله أنّ ما كان من فعله ضررا لا نفع فيه ، ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، فإنّه يقبح ، لأنّه ظلم ؛ لأنّ الظلم إنّما قبح لاختصاصه بهذه الصفة ؛ لا لأنّه قصد به وجها مخصوصا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ١)

ـ جملة ما نحصّله في حدّ القبيح أنّه ما إذا وقع على وجه من حق العالم بوقوعه كذلك من جهته ، المخلّى بينه وبينه ، أن يستحقّ الذمّ إذا لم يمنع منه مانع. وهذا مستمرّ في كل قبيح ، لأنّه وإن وقع ممن ليس بعالم ، فلا يخرج من أن يكون ما ذكرناه معلوما من حاله. والصغير من القبائح داخل في الحدّ ، لأنّه إنّما لم يستحقّ به الذمّ لمانع (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٦ ، ٩)

ـ في كلام شيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، أنّ القبيح ما يستحقّ به الذمّ إذا انفرد ، يتحرّز بذلك عن الصغير ، لأنّه إنّما لم يستحقّ به الذمّ لأنّه لم ينفرد (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٦ ، ١٤)

ـ ربما مرّ في الكتب أنّ القبيح هو الذي ليس لفاعله أن يفعله. وهذا لا يستمر ؛ لأنّ فيها ما لا يصحّ ذلك فيه ، وهو ما يقع ممن لا يصحّ أن يتحرّز منه كالطفل والنائم. ولأنّ العلم بأنّه ليس لفاعله أن يفعله كالتابع للعلم بقبحه ، ولأنّه لا يكشف عمّا له قبح ، ولا ينبه على الحكم المتعلّق به ، فما قدمنا إذن أصحّ. وكذلك إذا حدّ بأنّه ما ليس لفاعله أن يفعله إذا علمه على وجه مخصوص ، لأنّ ما ذكرناه من الوجهين يبيّن أنّ التحديد بما قدّمناه أولى (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٧ ، ٣)

ـ قد يعبّر عن القبيح بعبارات تقاربه في الفائدة ، وإن كانت مخالفة له في أصل الموضوع. فيقال فيه إنّه محظور ، ويراد به أنّ حاظرا حظّره ودلّ على ما على الفاعل فيه من المضرّة ، أو أعلمه ذلك من حاله. ولذلك لا يقال في فعل البهيمة والصبي بأنّه محظور ، لمّا لم يصحّ ذلك فيه.

٤٦

ولذلك تقول إنّه تعالى لو فعل الظّلم لكان قبيحا منه ، ولا نقول فيه أنّه كان محظورا عليه. وقد يعبّر عنه بأنّه محرّم ، ومعناه عند شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله أنّه قبيح ومحظور جميعا. ولذلك لا يقال في أفعال البهائم ذلك. وقد يعبّر عنه بأنّه باطل ، وفائدته أنّه وقع من فاعله على وجه لا ينتفع به. ولذلك لا يستعمل في البهائم ، من حيث كان لا يصحّ منها القصد إلى الأفعال على وجوه مخصوصة. ولذلك قيل في الأفعال الحسنة إذا وقعت من العاقل من غير تمام ، ولم يحصل به المقصود ، أنّه باطل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٨ ، ٨)

ـ قد يوصف القبيح بأنّه فاسد ، وإن كان الأصل فيه ضرر قبيح ؛ ولذلك يوصف فاعل الفساد بأنّه مفسد ، ويجري ذلك عليه على جهة الذمّ (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ٨)

ـ قد يوصف القبيح بأنّه شرّ ، إذا كان ضررا ، ولو كان نفعا قبيحا لم يوصف بذلك ؛ وله موضع مستقصى فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ١٣)

ـ قد يوصف القبيح بأنّه خطأ ، ويراد به أنّه قبيح ممن يمكنه التحرّز منه ، ولذلك لا يستعمل ذلك في البهيمة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ١٥)

ـ أمّا وصف القبيح بأنّه معصية فمعناه : أنّ المعصيّ قد كرهها (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٠ ، ١٠)

ـ يقال في القبيح إنّه منهيّ عنه ، ويعقل بالتعارف أنّه جلّ وعزّ نهى عنه ؛ فلذلك يفيد قبحه. ولا يقال فيما يقع من القبيح ممن ليس بمكلّف ، أنّه معصية ، ومنهيّ عنه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٠ ، ١٧)

ـ قلنا في القبيح إنّه لا بدّ من اختصاصه بحال لكونه عليها صار قبيحا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٢ ، ٨)

ـ إنّ القبيح على ضربين : أحدهما يقبح لأمر يختصّ به ، لا لتعلّقه بغيره ، وذلك نحو كون الظلم ظلما ، والكذب كذبا ، ونحو إرادة القبيح ، والأمر بالقبيح ، والجهل ، وتكليف ما لا يطاق ، وكفر النعمة. والثاني يقبح لتعلّقه بما يؤدّي إليه ، وذلك كالقبائح الشرعيّة التي إنّما تقبح من حيث تؤدّي إلى الإقدام على قبيح عقليّ أو الانتهاء عن بعض الواجبات (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٨ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الحسن يفارق القبيح فيما له يحسن ، لأنّ القبيح يقبح لوجوه معقولة ، متى ثبتت اقتضت قبحه ، والحسن يحسن متى انتفت هذه الوجوه كلها عنه ، وحصل له حال زائدة على مجرّد الوجود يخرج بها من أن يكون في حكم المعدوم. ولذلك لا يصحّ عندنا أن نعلم الحسن حسنا إلّا مع العلم بانتفاء وجوه القبح عنه. ومتى ثبت كونه حسنا ، فإنّما يحصل ندبا لحال زائدة ، وواجبا لحال زائدة. ولا يصحّ أن يكون ما له قبح القبيح جنسه ولا وجوده أو حدوثه ، ولا وجود معنى نحو الإرادة وغيرها ولا انتفاء معنى (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١)

ـ إنّما يقبح الشيء في حال حدوثه لأنّ المستفاد بذلك يختصّ بحال الحدوث ، وإن لم يمتنع عندنا أن يسمّى قبيحا في حال بقائه ، ولا يمتنع في الوجوه التي يقع عليها الشيء وتقتضي فيه حكما أن تقتضي ذلك فيه في ابتداء حال حدوثه ، وإن كانت تلزمه في حال الحدوث والبقاء ؛ ولا يمتنع خلافه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٦٨ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ أكثر كلام الشيخين رحمهما‌الله في كتبهما يدلّ على أنّ الحسن يحسن لوجوه يحصل عليها ، كما أنّ القبيح يقبح لذلك. وربما قالا : إنّ وجه الحسن والقبح إذا اجتمعا في الفعل فالقبح أولى به (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٠ ، ٥)

٤٧

إنّ الفعل لا يحسن ولا يقبح لجنسه أو وجوده أو حدوثه أو انتفاء معنى غيره. اعلم أنّ الظلم لو قبح لجنسه ، لوجب أن يقبح كل ضرر وألم ، وفي علمنا بأنّ فيه ما يحسن دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٧ ، ٢)

ـ إنّ القبيح لا يقبح للإرادة أو الكراهة ولا الحسن والواجب يختصّان بذلك لهما. اعلم أنّ الظلم متى علم ضررا لا نفع فيه ، ولا هو مستحقّ ، ولا دفع ضرر أعظم منه ، ولا يظنّ فيه ذلك ، علم قبحه. فلو كان إنّما يقبح بالإرادة لما علم قبحه مع الجهل بها ، بل كان يجب لو منع الله تعالى القادر منّا من الإرادة ، وأقدم على الظلم العظيم أن لا يكون ذلك قبيحا ، ولا يستحقّ به ذمّا. ولا فصل بين من قال بذلك وبين من أبى قبحه ، وإن قصد إليه ، لأنّ العقلاء يعلمون قبح ذلك وحسن ذمّه ، كما يعلمون ذلك إذا وقع من القاصد (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨١ ، ٢)

ـ الإرادة إنّما تؤثّر في كون الكذب خبرا ، لا في كونه كذبا ، وإنّما يقبح لكونه كذبا ، وليس للإرادة في ذلك حظّ. وإنّما يقع كذلك لكون مخبره على لا ما تناوله الخبر ، فكيف يقال إنّه يقبح بالإرادة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٣ ، ١٧)

ـ إنّ القبيح لا يعلم قبيحا حتى يعلم ما له ولأجله قبح (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٩ ، ١)

ـ إنّ القبيح لا يجوز أن يقبح منّا لأنّا منهيّون عنه أو تجاوزنا به ما حدّ ورسم لنا. يدلّ على ذلك : أنّه لو قبح منّا الفعل للنهي عنه ، لوجب أن يكون كلّ نهي يؤثّر في قبح الفعل كنهيه تعالى ، وهذا يوجب قبح كلّ ما نهى عنه العباد ، ويوجب فيما نهى عنه أحدهم وأمر به الآخر ، أو نهى الله تعالى عنه وأمر به أن يكون قبيحا حسنا. وفساد ذلك يوجب فساد ما أدّى إليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٢ ، ٢)

ـ إنّ معنى القبيح أنّ فاعله يستحقّ الذمّ عليه إذا كان يتهيّأ له الاحتراز منه ، إذا لم يكن هناك منع. على أنّ ذلك لا يصحّ ، لأنّه لو شكّ في الكذب أصغيرة هي أم كبيرة ، وهو مجتنب للكبائر ، لكان مع علمه بقبحه ، وأنّه غني عن فعله ، لا يختاره البتّة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٠١ ، ٧)

ـ لا يمتنع أن يقال : إنّ القبيح لا يجوز كونه لطفا في التكليف أصلا ، كان من فعله تعالى أو من فعل غيره ؛ لأنّ اللطف هو ما يختار عنده الواجب ، والحسن على وجه لا يخرج التكليف عن الصحّة ، ومتى جوّز أن يفعل تعالى القبيح خرج التكليف عن الصحّة ولم يوثق بوعده ووعيده ، ولا أنّه يثيب على الطاعة. وذلك يوجب فساد كلّ تكليف وتدبير (ق ، غ ١١ ، ٢٢٠ ، ١١)

ـ أمّا القبيح فإنّه مستحقّ الذمّ لوجهين فقط : أحدهما أن يكون قبيحا والثاني أن يكون عالما بقبحه أو متمكّنا من معرفة قبحه فيصحّ منه التحرّز من فعله مع العلم ومع التمكّن. والخلاف في أنه يجب أن يشرط في ذلك أن يكون فاعله كامل العقل (ق ، غ ١١ ، ٥١٥ ، ١١)

ـ القبيح : إنّه ما إذا وقع من فاعله ، مع تمكّنه من التحرّز منه ، يستحقّ الذم. فذكرنا ، في جملة حدّه ، استحقاق الذمّ الراجع إلى فاعل القبيح. لكن لمّا كان إنّما يستحقّه لأمر يرجع غلى نفس القبيح ، لم يمتنع ذكره على جهة الكشف (ق ، غ ١٢ ، ١٤ ، ١٢)

ـ بيّنا بوجوه كثيرة أنّ القبيح والحسن والواجب لا يجوز أن يختصّ بذلك من جهة السمع ، وأنّ من لا يعرف السمع ولم يستدلّ على صحّته ،

٤٨

ويعرف أحكام هذه الأفعال ولو لم يتقدّم له العلم بها ، لم يكن ليصحّ أن يعرف السمعيّات أصلا ، بل كان لا يصحّ أن يعرف النبوّات (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١١)

ـ إنّ معنى القبيح في العقل هو ما يستحقّ به الذمّ على بعض الوجوه ، ولا معتبر فيه بنفار الطبع (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٧ ، ٣)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ الحسن ليس بحسن لوجه يقتضي حسنه ، كما أن القبيح يقبح لثبوت وجه يقتضي قبحه ، ودللنا على ذلك بأنّه لا وجه يشار إليه يحسن لأجله إلّا وقد ثبت. ولا يكون حسنا لحصول وجه من وجوه القبح فيه. وبيّنا أنّ فائدة كونه حسنا تتضمّن النفي ، وفائدة كونه قبيحا تتضمّن الإثبات. فيجب فيما يتضمّن الإثبات طلب وجه يثبت لأجله دون ما يتضمّن النفي. ألا ترى أنّ كونه قبيحا يقتضي صحّة استحقاق الذمّ بفعله ، وكونه حسنا يقتضي أن لا يستحقّ ذلك ، فيجب أن يعتبر في حسنه انتفاء وجوه القبح عنه إذا وقع على وجه يكون لوجوده من الحكم ما ليس لعدمه. وإذا ثبت ذلك صحّ ما قلناه من أنّ الضرر عند بعض هذه الوجوه يحسن من حيث يتضمّن ذلك زوال وجوه القبح ، لا لأنّه وجه لحسنه ؛ كما أنّ الصدق إذا حصل فيه نفع يحسن لا لأنّه وجه لحسنه ، لكن لأنّه يتضمّن زوال وجوه القبح عنه (ق ، غ ١٣ ، ٣١٦ ، ١١)

ـ إنّ للقبيح حكما يناقض حكم الواجب ، لأنّه بأن يفعل يستحقّ الذمّ عليه ، والواجب أن يستحقّ الذمّ فيه بألّا يفعل (ق ، غ ١٤ ، ١٦ ، ٣)

ـ إنّ القبيح لا يثبت قبيحا بقول الرسول ، وإنّما يكشف قوله عن حاله ، فيكون كالدلالة عليه (ق ، غ ١٤ ، ١٥٧ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ القبيح قد يستحقّ به الذمّ والعقاب ، وإذا كان إساءة إلى الغير يستحقّ به ضربا آخر من الذمّ ، وقد يستحقّ به العوض ، وقد يلزم عنده الاعتذار ، وقد يستحقّ بالقبيح إسقاط المدح والثواب بواسطة ، على ما نبيّنه في باب الإحباط والتكفير ، وقد يلزم عنده التوبة ، فيصير في حكم المستحقّ به (ق ، غ ١٤ ، ١٧٢ ، ١١)

ـ لا يجوز أن يحدّ القبيح بأنّ له ترك واجب ينصرف عنه إليه (ق ، غ ١٤ ، ١٩٦ ، ٧)

ـ أمّا ما لم يقع من القبيح فعلى ضربين : أحدهما لم يقع ، ولا وقع سببه ، فالتوبة لا تصحّ ولا تجب منه ، لأنّه لم يستحقّ على ذلك العقاب ، ولا هناك خوف من عقاب يحصل لا محالة والثاني : أن يكون قد وقع سببه ، وذلك على ضربين : أحدهما يقع سببه على طريق السهو والخطأ ، فهذا مما لا يجب التوبة منه. والثاني : يكون قاصدا بفعل السبب إليه ، وعالما بأنّ المسبّب سيحصل ، أو ظانّا لذلك إن لم يقع منه منع. فإذا حصلت هذه الشروط ، فالتوبة قد تصحّ منه ، عند وقوع السبب وبعده ، على حسب تراخي المسبّب (ق ، غ ١٤ ، ٤١٥ ، ٥)

ـ إنّ الخبر الصدق إذا كان الغرض فيه حصول دلالته على ما يدلّ عليه ، وظهور فائدته التي هي مراد المتكلّم ، وما يدلّ مراده عليه فلا بدّ من أن يقبح متى لم يحصل فيه ما ذكرناه من الغرض ، ولا فرق بين أن لا يحصل ذلك فيه لأمر يرجع إلى المواضعة ، أو إلى المخبر والمخاطب ، لأنّ في الوجهين جميعا يصير الخبر كلّا خبر ، ويصير الكلام كالسكوت ، ويقدح ذلك في طريقة البيان والإفادة بالكلام ، وما هذا حاله لا

٤٩

بدّ من أن يكون قبيحا ، في الشاهد والغائب ، لكنّ الشاهد يخالف الغائب من حيث نضطرّ إلى قصد المتكلّم ، ومن القديم تعالى لا يصحّ ذلك على ما قدّمنا القول فيه ، فلا يخرج خطاب أحدنا في الشاهد ، وإن صيّر بعض أخباره في حكم السكوت (من أن يقع) البيان به على طريقة الاضطرار ، أو إذا تغيّرت الحال ، وليس كذلك حال القديم تعالى ، لأنّا متى جوّزنا في بعض أخباره ما ذكرناه ، أدّى إلى أن يكون كل كلامه مما لا يقع به البيان ، وأن يكون وجوده كعدمه. وإذا كان كون الفعل عبثا يقتضي قبحه ، فبأن يجب قبحه إذا اقتضى فيه وفي غيره أن يكون عبثا ولا يقع الغرض به ، أولى (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ١٧)

ـ يقال في القبيح : إنّه لا يجوز فعله من حيث إذا فعله تلحقه تبعة (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ١٣)

ـ يقال في القبيح : إنّه غير مقبول من حيث لا يستحقّ به الثواب ، فرقا بينه وبين الواجب والندب اللذين يستحقّ بهما الثواب ؛ وقد يقال فيه : إنه ذنب ويراد بذلك أنه واقع ممن يستحقّ به العقاب ، ولذلك لو وقع القبيح من غير المكلّف لم يوصف بذلك (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ١٨)

ـ يقال في القبيح : إنّه ظلم ، إذا كان فاعله يستحقّ العقاب ، لأنّه يكون ظالما به لنفسه ، وقد يكون ظالما به غيره ، فإذا تعدّى القبيح إلى الغير وصار إساءة يوصف بأنّه إساءة وظلم ، وتعدّ ، وعدوان إلى ما شاكل ذلك (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ٤)

ـ قد يوصف القبيح بأنّه كفر وفسق إذا بلغ حدّا في العظم ، على ما نبيّنه في باب : الأسماء والأحكام. وقد يوصف بأنّه صغيرة إذا كان دون ثواب فاعله ، على ما نبيّنه في الوعيد ؛ وعلى هذا الحدّ يوصف بأنّه مكروه ، ويراد بذلك أنّه تعالى كرهه ، وما كرهه لا يكون إلّا قبيحا (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ٨)

ـ إنّ القبيح هو ما يقع على وجه يقتضي في فاعله ، قبل أن يفعله أنّه ليس له فعله ، إذا علم حاله ، وعند فعله يستحقّ الذمّ إذا لم يكن يمنع (ق ، غ ١٧ ، ٢٤٧ ، ٤)

ـ في قسمة أفعال المكلّف إلى أحكامها. اعلم أنّا نقسّم الأفعال هاهنا ضروبا من القسمة : أحدها تقسيمها بحسب أحكامها في الحسن والقبح. والآخر بحسب تعلّق أحكامها على فاعليها ، وغير فاعليها. والآخر بحسب كونها شرعيّة ، وعقليّة ، وكونها أسبابا في أحكام أفعال أخر. أمّا الأوّل فهو أنّ الإنسان إمّا أن يصدر عنه فعله وليس هو على حالة تكليف ، وإما أن يكون على حالة تكليف. فالأوّل نحو فعل الساهي ، والنائم ، والمجنون ، والطفل. وهذه الأفعال ، لا يتوجّه نحو فاعليها ذمّ ولا مدح ، وإن كان قد تعلّق بها وجوب ضمان وأرش جناية في مالهم. ويجب إخراجه على وليّهم. والثاني ضربان : أحدهما أن يكون مما ليس للقادر عليه ، المتمكّن من العلم به ، أن يفعله. وإذا فعله ، كان فعله له مؤثّرا في استحقاق الذمّ ؛ فيكون قبيحا. والضرب الآخر أن يكون ، لمن هذه حاله ، فعله. وإذا فعله ، لم يكن له تأثير في استحقاق الذمّ ؛ وهو الحسن (ب ، م ، ٣٦٤ ، ٩)

ـ القبيح ضربان : أحدهما صغير ، والآخر كبير. والصغير هو الذي لا يزيد عقابه وذمّه على ثواب فاعله ومدحه. والكبير هو ما لا يكون لفاعله ثواب أكثر من عقابه ، ولا مساو له.

٥٠

والكبير ضربان : أحدهما يستحقّ عليه عقاب عظيم ؛ وهو الكفر. والآخر يستحقّ عليه دون ذلك القدر من العقاب ؛ وهو الفسق (ب ، م ، ٣٦٤ ، ١٠)

ـ أمّا القبيح فهو ما ليس للمتمكّن منه ومن العلم بقبحه أن يفعله. ومعنى قولنا" ليس له أن يفعله" ، معقول لا يحتاج إلى التفسير. ويتبع ذلك أن يستحقّ الذمّ بفعله. ويحدّ أيضا بأنّه الذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ. وإنّما لم نحد" القبيح" بأنّه : " الذي يستحقّ من فعله الذمّ". لأنّ القبيح لو وقع ممّن قد استحقّ ، فيما تقدّم ، من المدح أكثر مما يستحقّ على ذلك القبيح من الذمّ ، لكان ما يستحقّه من المدح مانعا من استحقاق الذمّ على ذلك القبيح (ب ، م ، ٣٦٥ ، ١٦)

ـ إنّا لا نسلّم أنّ كون الفعل حسنا أو قبيحا أنّه يتعلّق بالفاعل ، بل إنّما يكون حسنا أو قبيحا لوقوعه على وجه ، فإذا وقع على ذلك الوجه وجب كونه حسنا أو قبيحا شاء الفاعل أو كره ، كما بيّنا في كون الاعتقاد علما (ن ، د ، ٢٠٨ ، ١٢)

ـ إن سلّمنا بأنّ كونه حسنا أو قبيحا يتعلّق بالفاعل ، فإنّه لا يصحّ من الفاعل أن يجعل الفعل حسنا وقبيحا ، لأنّ بينهما ما يجري مجرى التنافي ، وهو أنّ الفعل إنّما يكون حسنا إذا حصل فيه غرض مثله وتعرّى عن سائر وجوه القبح. وإنّما يكون قبيحا لوقوعه على وجه من وجوه القبح ، فيستحيل أن يكون واقعا على وجه وأن لا يكون واقعا عليه ، فبينهما ما يجري مجرى التنافي من هذا الوجه (ن ، د ، ٢٠٨ ، ١٧)

ـ إن قيل : ما أنكرتم أنّه (الفعل) يحتاج إلينا في الأحكام الثابتة للفعل من الوجوب والقبح والندب والكراهة والحسن والإباحة ونحو ذلك؟ قيل له : لا يجوز ذلك لوجهين : أحدهما : أنّ هذه الأحكام تابعة للحدوث ، فلو احتاج الفعل إلينا لأجلها لكان لا يجب أن يحتاج إلينا لأجل الحدوث. والثاني أنّ هذه الأحكام مما لا تأثير للفاعل فيها ولا تتعلّق به ولا تضاف إليه على وجه الحقيقة ، بل هي ثابتة بحدوث الفعل على وجه ، فإذا حدث الفعل على ذلك الوجه الذي له ولأجله يصير حسنا أو قبيحا وجب كونه حسنا أو قبيحا ، أراد الفاعل أم كره ، لا تأثير له في ذلك (ن ، د ، ٣١٨ ، ٣)

ـ إنّ العلم بكل ما يقبح منه من جملة كمال العقل يبيّن ذلك ويوضّحه أنّ أهل الجنّة يفصلون بين ما يقبح منهم وبين ما لا يقبح ، مع أنّه لا تكليف عليهم ، وإنّما وجب ذلك لكونهم عقلاء (ن ، د ، ٤٤٨ ، ٢)

ـ أنّا قد علمنا أنّ أحدنا يعلم بعض ما يقبح ، ويفصل بينه وبين ما لا يقبح منه ، والعلم بذلك من كمال العقل فينا ، أن ينظر أنّه لما ذا وجب ذلك؟ فنقول : إنّه إنّما وجب ذلك لأنّه يتعلّق به على وجه الصحة مع ارتفاع الموانع واستمرار المدّة ـ لا شيء هاهنا سوى ذلك ، فهذا حاصل في سائر ما يصحّ ، فيجب أن يكون عالما به من حيث أنّه كامل العقل ، لأنّ هذا كالعلّة ، فيجب أن يتبعها حكمها ، ولا عبرة بأن يكون الصانع جسما أو ليس بجسم (ن ، د ، ٤٤٨ ، ١٢)

ـ زعم أبو القاسم أن الحركة التي وقعت قبيحة ، كان لا يجوز أن تقع حسنة. وعنده أنّ القبيح من الحركة لا يكون مثلا للحسن منها. وكذلك يقول في كل فعلين ، أحدهما حسن ، والآخر

٥١

قبيح ، إنّهما يجب أن يكونا مختلفين (ن ، م ، ٢١٠ ، ١٩)

ـ إنّ نفس ما هو قبيح من الحركة ، كان يجوز أن يقع فيكون حسنا. والحركتان إذا كانتا في جهة واحدة كانتا مثلين ، وإن كانت إحداهما حسنة والأخرى قبيحة (ن ، م ، ٢١٠ ، ٢٠)

ـ قالت المجبرة إنّ القبيح يقبح للنهي (ن ، م ، ٢١٢ ، ٥)

ـ لو جاز أن يقع الفعل مرّة حسنا ومرّة قبيحا ، لوجب أن يكون قبيحا لوجود معنى (ن ، م ، ٢١٢ ، ١٤)

ـ القبيح من الأعراض ، فإنّه لا يجوز أن يكون قبيحا لعينه ، لوجوه : ـ أحدها أنّا قد بيّنا أنّه كان يجوز أن يوجد ولا يكون قبيحا. ـ والثاني أنّه لو كان قبيحا لعينه ، لكان يجب أن يكون العلم بقبحه ، تابعا للعلم بما هو عليه تلك الذات في نفسها وجنسها. وقد علمنا أنّه قد نعلم تلك العين على ما هي عليه ولا تكون قبيحة (ن ، م ، ٣٥٦ ، ٢٣)

ـ إنّ القبيح لو كان قبيحا لذاته ، لوجب أن يكون في العدم قبيحا ، لما بيّنا أنّ صفة الذات تلزم الموصوف في العدم والوجود جميعا. وبعد ، فإنّ القبح من توابع الحدوث ، حتى لو قدر أن لا حدوث ، لكان محال أن يتصوّر قبحه ، وما هذه حاله لا يجوز أن يكون الذات. على أنه لو كان كذلك ، لوجب أن تكون القبائح كلّها متماثلة ، لأنّها مشتركة في صفة واحدة من صفات الذات ، وكان يجب أن يستحيل أن يكون فعلان مثلان ، أحدهما حسن والآخر قبيح ، وهذا كلّه بيّن ظاهر (ن ، م ، ٣٥٧ ، ٤)

ـ زعمت المعتزلة والبراهمة أنّ العقول طريق إلى معرفة الواجب والمحظور ، وزعم أكثرهم أنّ القبيح في العقل هو الضرر الذي ليس فيه نفع ولا هو مستحقّ (ب ، أ ، ٢٦ ، ٢)

ـ كذا نقول إنّ الإنسان لا يفعل شيئا إلّا الحركة أو السكون والاعتقاد والإرادة والفكر ، وكل هذه كيفيات وأعراض حسن خلقها من الله عزوجل ، قد أحسن رتبتها وإيقاعها في النفوس والأجساد ، وإنّما قبح ما قبح من ذلك من الإنسان ، لأنّ الله تعالى سمّى وقوع ذلك أو بعضها ممّن وقعت منه قبيحا ، وسمّى بعض ذلك حسنا ، كما كانت الصلاة إلى بيت المقدس حركة حسنة إيمانا ثم سمّاها تعالى قبيحة كفرا ، وهذه تلك الحركة نفسها ، فصحّ أنّه ليس في العالم شيء حسن لعينه ولا شيء قبيح لعينه ، لكن ما سمّاه الله تعالى حسنا فهو حسن وفاعله محسن قال الله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) (الإسراء : ٧) وقال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن : ٦٠) ، وما سمّاه الله تعالى قبيحا فهو حركة قبيحة ، وقد سمّى الله تعالى خلقه لكل شيء في العالم حسنا فهو كله من الله تعالى حسن ، وسمّى ما وقع من ذلك من عباده كما شاء ، فبعض ذلك قبّحه فهو قبيح ، وبعض ذلك حسّنه فهو حسن ، وبعض ذلك قبّحه ثم حسّنه فكان قبيحا ثم حسن ، وبعض ذلك حسّنه ثم قبّحه فكان حسنا ثم قبح كما صارت الصلاة إلى الكعبة حسنة بعد أن كانت قبيحة ، وكذلك جميع أفعال الناس التي خلقها الله تعالى فيهم (ح ، ف ٣ ، ٦٦ ، ١٠)

ـ إذا لا سبيل إلى أن يكون مع الباري تعالى في الأزل شيء موجود أصلا قبيح ولا حسن ، ولا عقل يقبح فيه شيء أو يحسن ، فقد وجب يقينا أن لا يمتنع من قدرة الله تعالى وفعله شيء

٥٢

يحدثه لقبح فيه ، ووجب أن لا يلزمه تعالى شيء لحسنه ، إذ لا قبح ولا حسن البتّة فيما لم يزل ، فبالضرورة وجب أنّ ما هو الآن عندنا قبيح فإنّه لم يقبح بلا أوّل ، بل كان لقبحه أوّل لم يكن موجودا قبله ، فكيف أن يكون قبيحا قبله ، وكذلك القول في الحسن ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ١٠١ ، ١)

ـ لا قبيح إلّا ما قبّح الله ولا حسن إلّا ما حسّن الله ، وأنّه لا يلزم لأحد على الله تعالى حق ولا حجّة ، ولله تعالى على كل من دونه وما دونه الحق الواجب والحجّة البالغة ، لو عذّب المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلّدين لكان ذلك له ، ولكان عدلا وحقّا منه ، ولو نعم إبليس والكفّار في الجنّة مخلّدين كان ذلك له وكان حقّا وعدلا منه ، وإنّ كل ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنّه لا يفعله صار باطلا وجورا وظلما (ح ، ف ٣ ، ١٠٥ ، ٦)

ـ نسألهم فنقول : عرّفونا ما هذا القبيح في العقل ، أعلى الإطلاق ، فقال قائلون من زعمائهم منهم الحارث بن علي الوراق البغدادي وعبد الله ابن أحمد بن محمود الكعبي البلخيّ وغيرهما ، إنّ كل شيء حسن بوجه ما قلت يمتنع وقوع مثله من الله تعالى لأنّه حينئذ يكون حسنا ، إذ ليس قبيحا البتّة على كل حال ، وأمّا ما كان قبيحا على كل حال فلا يحسن البتّة فهذا منفيّ عن الله عزوجل أبدا ، قالوا ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعل بك ، وتكليف ما لا يطلق ثم التعذيب عليه (ح ، ف ٣ ، ١٠٦ ، ١)

ـ لا قبيح إلّا ما قبّح الله ، ولا محسن إلّا ما حسّن ، وهذا قولنا ، ولم يقبّح الله تعالى قط خلقه لما خلق وإنّما قبح منّا كون ذلك الذي خلق من المعاصي فينا فقط وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٣ ، ١٢٨ ، ١٧)

ـ العقل لا يدلّ على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف ، وإنّما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع. وأصل القول في ذلك أنّ الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له ، وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة أحكام صفات النفس. فإذا ثبت أنّ الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة نفس ، فالمعنى بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، والمراد بالقبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ٨)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ التحسين والتقبيح من مدارك العقول على الجملة ، ولا يتوقّف إدراكهما على السمع ، وللحسن بكونه حسنا صفة ؛ وكذلك القول في القبيح عندهم. هذه قاعدة مذهبهم (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٠)

ـ إنّ أئمتنا تجوّزوا في إطلاق لفظة ، فقالوا : لا يدرك الحسن والقبح إلّا بالشرع. وهذا يوهم كون الحسن والقبح زائدا ، والقبح زائدا على الشرع ، مع المصير إلى توقّف إدراكه عليه. وليس الأمر كذلك ؛ فليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به ، وإنّما هو عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله ، وكذلك القول في القبيح. فإذا وصفنا فعلا من الأفعال بالوجوب أو الحظر ، فلسنا نعني بما نبيّنه تقدير صفة للفعل الواجب يتميّز بها عمّا ليس بواجب (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٧)

ـ المعتزلة قسّموا الحسن والقبيح ، وزعموا أنّ منها ما يدرك قبحه وحسنه على الضرورة والبديهة من غير احتياج إلى نظر ، ومنها ما

٥٣

يدرك الحسن والقبح فيه بنظر عقلي. وسبيل النظر عندهم اعتبار النظريّ من المحسنات والمقبحات بالضروريّ منها ؛ بل يعتبر مقتضى التقبيح والتحسين في الضروريّات فيلحق بها ، ثم يرد إليها ما يشاركها في مقتضياتها. فالكفر عندهم معلوم قبحه على الضرورة ، وكذلك الضرر المحض الذي لا يتحصّل فيه غرض صحيح ، إلى غير ذلك من تخيّلاتهم (ج ، ش ، ٢٢٩ ، ١)

ـ أمّا الحسن ، فحظ المعني منه أنّ الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يوافقه أي يلائم غرضه ، والثاني أن ينافر غرضه والثالث أن لا يكون له في فعله ، ولا في تركه غرض ، وهذا الانقسام ثابت في العقل. فالذي يوافق الفاعل يسمّى حسنا في حقّه ، ولا معنى لحسنه إلّا موافقته لغرضه ، والذي ينافي غرضه يسمّى قبيحا ، ولا معنى لقبحه إلّا منافاته لغرضه ؛ والذي لا ينافي ولا يوافق يسمّى عبثا أي لا فائدة فيه أصلا ، وفاعل العبث يسمّى عابثا ، وربّما يسمّى سفيها (غ ، ق ، ١٦٣ ، ٥)

ـ مذهب أهل الحق أنّ العقل لا يدلّ على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا على معنى أنّ أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسيّة ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ش ، ن ، ٣٧٠ ، ١٠)

ـ إنّ الصدق والكذب على حقيقة ذاتيّة لا تتحقّق ذاتهما إلّا بأن كان تلك الحقيقة ، مثلا كما يقال إنّ الصدق إخبار عن أمر على ما هو به ، والكذب إخبار عن أمر على خلاف ما هو به ، ونحن نعلم أنّ من أدرك هذه الحقيقة عرف التحقّق ولم يخطر بباله كونه حسنا أو قبيحا ، فلم يدخل الحسن والقبيح إذا في صفاتهما الذاتيّة التي تحقّقت حقيقتهما ولا لزمتهما في الوهم بالبديهة كما بيّنا ، ولا لزمها في الوجود ضرورة فإنّ من الأخبار الصادقة ما يلام عليها كالدلالة على نبيّ هرب من ظالم. ومن الأخبار التي هي كاذبة ما يثاب عليها مثل إنكار الدلالة عليه ، فلم يدخل كون الكذب قبيحا أن يعدّ من الصفات الذاتيّة التي تلزم النفس وجودا وعدما عندهم ، ولا يجوز أن يعد من الصفات التابعة للحدوث ، فلا يعقل بالبديهة ولا بالنظر (ش ، ن ، ٣٧٢ ، ١٢)

ـ إنّ القصد إلى الإضرار بالحيوان من غير استحقاق ولا منفعة يوصل إليها بالمضرّة قبيح ، تعالى الله عنه ، فثبت أنّه سبحانه إنّما خلق الحيوان لنفعه ، وأمّا غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان لكان خلقه عبثا ، والباري تعالى لا يجوز عليه العبث ، فإذا جميع ما في العالم إنّما خلقه لينفع به الحيوان ، فهذا هو الكلام في علّة خلق العالم (أ ، ش ١ ، ٤٧٥ ، ٢)

ـ إنّ الكذب قبيح عقلا ، والباري تعالى يستحيل منه من جهة الدّاعي والصارف أن يفعل القبيح ، وقوله عليه‌السلام وارتفع عن ظلم عباده هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أخذوه وهو أستاذهم وشيخهم في العدل والتوحيد (أ ، ش ٣ ، ١٩٥ ، ٢٨)

ـ مذهب أصحابنا أنّ الله تعالى لمّا كلّف العباد

٥٤

التكاليف الشاقّة وقد كان يمكنه أن يجعلها غير شاقّة عليهم بأن يزيد في قدرهم ، وجب أن يكون في مقابلة تلك التكاليف ثواب ، لأنّ إلزام الشاقّ كإنزال المشاقّ ، فكما يتضمّن ذلك عوضا وجب أن يتضمّن هذا ثوابا ، ولا بدّ أن يكون في مقابلة فعل القبيح عقاب ، وإلّا كان سبحانه ممكّنا الإنسان من القبيح مغريا له بفعله ، إذ الطبع البشريّ يهوى العاجل ولا يحفل بالذمّ ، ولا يكون القبيح قبيحا حينئذ في العقل ، فلا بدّ من العقاب ليقع الانزجار (أ ، ش ٤ ، ٤٠٨ ، ٢٦)

ـ القبيح على ضروب : فمنه ما يقبح من كل مكلّف وعلى كل حال كالظلم. ومنه ما يقبح من كل مكلّف على وجه دون وجه كالرمي بالسهام وتصريف الحمام والعلاج بالسلاح ، لأنّ تعاطي ذلك لمعرفة الحرب والتقوّي على العدو ولتعرف أحوال البلاد بالحمام حسن لا يجوز إنكاره ، وإن قصد بالاجتماع على ذلك الاجتماع على السخف واللهو ومعاشرة ذوي الريب والمعاصي فهو قبيح يجب إنكاره. ومنه ما يقبح من مكلّف ويحسن من آخر على بعض الوجوه كشرب النبيذ والتشاغل بالشطرنج ، فأمّا من يرى حظرهما أو يختار تقليد من يفتي بحظرهما فحرام عليه تعاطيهما على كل حال ، ومتى فعلهما حسن الإنكار عليه ، وأمّا من يرى إباحتهما أو من يختار تقليد من يفتي بإباحتهما فإنّه يجوز له تعاطيهما على وجه دون وجه ، وذلك أنّه يحسن شرب النبيذ من غير سكر ولا معاقرة ، والاشتغال بالشطرنج للفرجة وتخريج الرأي والعقل ، ويقبح ذلك إذا قصد به السخف وقصد بالشرب المعاقرة والسكر ، فالثاني يحسن إنكاره ويجب ، والأوّل لا يحسن إنكاره لأنّه حسن من فاعله. ومنها أن يعلم المنكر أنّ ما ينكره قبيح لأنّه إذا جوّز حسنه كان بإنكاره له وتحريمه إيّاه محرّما لما لا يأمن أن يكون حسنا ، فلا يأمن أن يكون ما فعله من النهي نهيا عن حسن ، وكل فعل لا يأمن من فاعله أن يكون مختصّا بوجه قبيح فهو قبيح ، ألا ترى أنّه يقبح من الإنسان أن يخبر على القطع بأنّ زيدا في الدار إذا لم يأمن أن لا يكون فيها لأنّه لا يأمن أن يكون خبره كذبا. ومنها أن يكون ما ينهي عنه واقعا ، لأنّ غير الواقع لا يحسن النهي عنه ، وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله. ومنها أن لا يغلب على ظنّ المنكر أنّه إن أنكر المنكر فعله المنكر عليه وضمّ إليه منكرا آخر ولو لم ينكر عليه ، لم يفعل المنكر الآخر ، فمتى غلب على ظنّه ذلك قبح إنكاره لأنّه يصير مفسدة نحو أن يغلب على ظنّنا أنّا إن أنكرنا على شارب الخمر شربها وقرن إلى شربها القتل ، وإن لم ينكر عليه شربها ولم يقتل أحدا. ومنها أن لا يغلب على ظنّ الناهي عن المنكر أنّ نهيه لا يؤثّر ، فإن غلب على ظنّه ذلك قبح نهيه عند من يقول من أصحابنا إنّ تكليف من المعلوم منه أنّه يكفر لا يحسن إلّا أن يكون فيه لطف لغير ذلك المكلّف ، وأمّا من يقول من أصحابنا إن تكليف من المعلوم منه أنّه يكفر حسن وإن لم يكن فيه لطف لغير المكلّف ، فإنّه لا يصحّ منه القول بقبح هذا الإنكار (أ ، ش ٤ ، ٤١١ ، ٣٠)

ـ النظّام : فعل القبيح محال لدلالته على الجهل أو الحاجة. قلنا : بل يفعل ما شاء ؛ ولو سلّم فالامتناع من جهة الداعي فقط ، فإنّ انجزام إرادة الترك داع إلى منع الفعل. عبّاد : الأفعال إمّا واجبة ، أو ممتنعة للعلم. ـ قلنا : فلا

٥٥

مقدور إذا ؛ وأيضا فليسا ذاتيّين ، وأيضا العلم بالوقوع تابع له ، فيتأخّر عن القدرة ، فلا يبطلها. البلخيّ : لا يقدر على مثل مقدورنا ، إمّا طاعة أو سفه أو عبث وهو محال. قلنا : الفعل حركة أو سكون وتلك أحوال من حيث صدورها عنّا. أبو علي وابنه وأتباعهما ؛ يقدر على مثل مقدورنا لا على نفسه ، وإلّا فإذا أراده وكرهناه ، يوجد للداعي ويمتنع للصارف. ـ قلنا : العدم للصارف إن لم يخلقه سبب آخر (خ ، ل ، ١٠٤ ، ٤)

ـ الحسن والقبيح بمعنى الملائمة والكمال وضدّيهما عقليّان اتّفاقا ، وبمعنى إيجاب الثواب والعقاب شرعيّان خلافا للمعتزلة. لنا وجوه : أ : لو قبح تكليف ما لا يطاق ، فما فعله ـ تعالى ـ لكنّه كلّف الكافر مع علمه بأنّه لا يؤمن وأبا لهب ؛ ومن الإيمان التصديق بكفره. ولقائل أن يقول : لا منافاة بين التكليف من حيث الاختيار ومعه للعلم. ب : أنّ القبح ليس من الله ـ تعالى ـ اتّفاقا ؛ ولا من العبد لأنّه مضطرّ ، لاستحالة صدوره إلّا للداعيّ. ج : أنّ الكذب يحسن إذا تضمّن إنجاء نبيّ (خ ، ل ، ١١٣ ، ١٨)

ـ القبيح : هو ما يكون متعلّق الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل (ج ، ت ، ٢٢٠ ، ٥)

ـ يقبح ويحسن والذات واحدة ، كالسجود للصنم ولله (م ، ق ، ٩١ ، ١١)

ـ عقاب غير المستحقّ قبيح (م ، ق ، ١٢٦ ، ٨)

قبيح باضطرار

ـ إنّ الكذب الذي لا نفع فيه ولا دفع ضرر قبيح باضطرار (ق ، غ ٦ / ١ ، ٦٦ ، ١٠)

قبيح للنهي

ـ كل معصية كان يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي ، وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه ، وكذلك كل ما جاز أن لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلّا أن يأمر به فهو حسن لنفسه ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ٧)

قبيح لنفسه

ـ كل معصية كان يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي ، وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه ، وكذلك كل ما جاز أن لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلّا أن يأمر به فهو حسن لنفسه ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ٨)

ـ قال" الاسكافي" في الحسن من الطاعات حسن لنفسه والقبيح أيضا قبيح لنفسه لا لعلّة ، وأظنّه كان يقول في الطاعة إنّها طاعة لنفسها وفي المعصية إنّها معصية لنفسها (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ١٢)

قبيح من وجه

ـ فاعل القبيح أعني الفعل الذي يتضرّر به يسمّى سفيها. واسم السفيه أصدق منه على العابث. وهذا كلّه إذا لم يلتفت إلى غير الفاعل ، أو لم يرتبط الفعل بغرض غير الفاعل. فإن ارتبط بغير الفاعل وكان موافقا لغرضه سمّي حسنا في حق من وافقه ؛ وإن كان منافيا سمّي قبيحا ، وإن كان موافقا لشخص دون شخص سمّي في حق أحدهما حسنا ، وفي حق الآخر قبيحا. إذ اسم

٥٦

الحسن ، والقبيح بالموافقة ، والمخالفة ، وهما أمران إضافيان يختلفان بالأشخاص ويختلف في حق شخص واحد بالأحوال ، ويختلف في حال واحد بالأغراض ، فربّ فعل يوافق الشخص من وجه ، ويخالفه من وجه ، فيكون حسنا من وجه ، وقبيحا من وجه (غ ، ق ، ١٦٣ ، ١٤)

قتل

ـ القتل هو الحركة التي تكون من الضارب كنحو الوجبة والرمية وما أشبه ذلك التي يكون بعدها خروج الروح ، وأنّها لا تسمّى قتلا ما لم تخرج الروح ، فإذا خرجت الروح سمّيت قتلا (ش ، ق ، ٤٢١ ، ١٢)

ـ الحركة التي تخرج بعدها الروح عند الله قتل ، لأنّه يعلم أنّ الروح بعدها تخرج ، وهي قتل في الحقيقة ، ولكن لا يعلم أنّه قتل حتى تخرج ، وأبى هذا القول أصحاب القول الأوّل ، وزعم الفريقان أنّ القتل قائم بالقاتل ، وأنّ المقتول مقتول بقتل في غيره (ش ، ق ، ٤٢٢ ، ٨)

ـ القتل هو خروج الروح عن سبب من الإنسان ، وخروج الروح لا عن سبب يكون من الإنسان موت وليس بقتل ، وزعم هؤلاء إنّ القتل يحلّ في المقتول لا في القاتل (ش ، ق ، ٤٢٢ ، ٩)

ـ القتل إبطال البنية ، وهو كل فعل لا تكون الحياة في الجسم إذا وجد ، كنحو قطع الرأس وفلق الحنجرة ، وكل فعل لا يكون الإنسان حيّا مع وجوده وهو يحلّ في المقتول (ش ، ق ، ٤٢٢ ، ١٢)

ـ الضرورة علمنا أنّ من عمّر مائة عام وعمّر آخر ثمانين سنة ، فإنّ الذي عمّر ثمانين نقص من عدد عمر الآخر عشرين عاما ، فهذا هو ظاهر الآية ومقتضاها على الحقيقة ، لا ما يظنّه من لا عقل له من أنّ الله تعالى جار تحت أحكام عباده ، إن ضربوا زيدا أماته ، وإن لم يضربوه لم يمته ، ومن أنّ علمه غير محقّق ، فربما أعاش زيدا مائة سنة ، وربما أعاشه أقلّ ، وهذا هو البداء بعينه ، ومعاذ الله تعالى من هذا القول بل الخلق كلّه مصرّف تحت أمر الله عزوجل وعلمه ، فلا يقدر أحد على تعدّي ما علم الله تعالى أنّه يكون ولا يكون البتّة ، إلّا ما سبق في علمه أن يكون ، والقتل نوع من أنواع الموت ، فمن سأل عن المقتول لو لم يقتل لكان يموت أو يعيش فسؤاله سخيف ، لأنّه إنّما يسأل لو لم يمت هذا الميت أكان يموت أو كان لا يموت ، وهذه حماقة جدّا لأنّ القتل علّة لموت المقتول ، كما أنّ الحمّى القاتلة والبطن القاتل وسائر الأمراض القاتلة علل للموت الحادث عنها ، ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ٨٤ ، ٢٢)

قدر

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ أبا موسى كان يزعم أنّ من قال : إنّ الله يرى بالأبصار ، على أي وجه قاله فمشبه لله بخلقه ، والمشبّه عنده كافر بالله. فكذلك من وصف الله بأنّه يقضي المعاصي على عباده ويقدّرها فمسفّه لله في فعله والمسفّه لله كافر به ، والشاك في قول المشبه والمجبر فلا يدري أحق قوله أم باطل؟ كافر بالله أيضا ، لأنّه شاكّ في الله لا يدري أم شبه هو لخلقه أم ليس بمشبه لهم ، أسفيه هو فعله أم ليس بسفيه؟ وكذلك الشاك في الشاك أبدا ، إذا كان شكه إنّما كان في نفس التشبيه والإجبال أحق هما أم باطل؟ هذا قول أبي موسى المعروف؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ٢)

٥٧

ـ إنّ الذنوب من العباد بالاختيار والاستحباب منهم ، وأنّه قد هداهم فاستحبوا الكفر وآثروه على ما فعل بهم من الهدى ، ثم قال : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (الأعلى : ٣) ، أي ابتدأ الخلق بما ذكرنا من الدلالة لهم على الخير والهدى (ي ، ر ، ٤٢ ، ٤)

ـ إن قال قائل فهل قضى الله تعالى المعاصي وقدّرها ، قيل له نعم بأن خلقها وبأن كتبها وأخبر عن كونها كما قال (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) يعني أخبرناهم وأعلمناهم وكما قال (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) يريد كتبناها وأخبرنا أنها من الغابرين. ولا نقول قضاها وقدّرها بأن أمر بها (ش ، ل ، ٤٥ ، ١١)

ـ إن قال قائل أفترضون بقضاء الله وقدره الكفر ، قيل له نرضى بأن قضى الله تعالى الكفر قبيحا وقدّره فاسدا ، ولا نرضى بأن كان الكافر به كافرا ، لأنّ الله تعالى نهانا عن ذلك ، وليس إذا أطلقنا الرضى بلفظ القضاء وجب أن نطلقه بلفظ الكفر (ش ، ل ، ٤٦ ، ١٥)

ـ يقال للقدريّة : هل يجوز أن يعلّم الله عزوجل عباده شيئا لا يعلمه؟ فإن قالوا : لا يعلّم الله عباده شيئا إلّا وهو به عالم. قيل لهم : فكذلك لا يقدرهم على شيء إلّا وهو عليه قادر ، فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. فيقال لهم : فإذا أقدرهم على الكفر فهو قادر على أن يخلق الكفر لهم ، وإذا قدر على خلق الكفر لهم فلم أثبتم خلق كفرهم فاسدا متناقضا باطلا ، وقد قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧ والبروج : ١٦) وإذا كان الكفر مما أراد فقد فعله وقدّره (ش ، ب ، ١٣٣ ، ١٢)

يقال لهم (للقدرية) : إذا كان من أثبت التقدير لله عزوجل قدريا ، فيلزمكم إذا زعمتم أنّ الله عزوجل قدّر السموات والأرض وقدّر الطاعات أن تكونوا قدريّة ، فإذا لم يلزم هذا فقد بطل قولكم وانتقض كلامكم (ش ، ب ، ١٤٦ ، ١٣)

ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنّه يضلّ ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربّهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)

ـ إن قيل : أتقولون أنّ الله تعالى قضى المعاصي وقدّرها ، كما أنّه خلقها ، قلنا له : أجل : نقول ذلك بمعنى أنّه خلقه وأوجده على حسب قصده وإرادته ، ولا نقول إنّه قضاه بمعنى أنّه أمر به ، ولا رضيه دينا وشرعا ، وأنّه يمدحه ويثيب عليه (ب ، ن ، ١٦٦ ، ٣)

٥٨

ـ أما قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا) (سبأ : ١٨) فليس فيه أكثر من أنّه قدّر السير ، وذلك لا يدلّ على أنّه من خلقه ؛ لأنّ" قدّر" كما يراد به ذلك ، فقد يراد به البيان والتعريف والحكم بمقادير مخصوصة. وإنّما أراد تعالى بذلك أنّه غيّر مسالكهم عن الحالة التي كانت عليها في الخصب والعمارة ، إلى خلافه ، وقدّر فيها خلاف ما كان في سيرهم (ق ، م ٢ ، ٥٦٩ ، ٤)

ـ إنّ قوله جلّ وعزّ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) المراد به أنّه خلقه على صفة بعد أن خلقه على أخرى ، فلذلك كرّره (ق ، غ ٧ ، ٢٢١ ، ٨)

ـ إنّ قولنا قدّر كذا قد يقال بمعنى خلقه بمقدار ، كقوله تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (فصلت :

١٠) ، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) ، وقد يراد به أنّه بيّن مقدار الشيء وما يحتاج إليه فيه ، وأنّه عرف أحواله وكتب ذلك ، وهو المراد بقوله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (الحجر : ٦٠) وقد يقول الإنسان قدرت في داري هذه خمسة أبيات أبنيها ، وقال الشاعر : وأعلم بأنّ ذا الجلال قد قدّر في الصحف الأولى التي كان قدّر ، وقد يقول الخياط : قدّرت هذا الثوب بمعنى بيان حال ما يجئ منه ، فمعنى قوله وقدّرنا فيها السير أنّا عرفنا ابتداءه وانتهاءه ، وما يؤدّي إليه ويستعان به عليه (ق ، غ ٨ ، ٣١٣ ، ١٤)

ـ إن قلت : في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير فقدّره لأمر ما ، ومصلحة مطابقا لما قدّر له غير متجاف عنه ، أو سمّي إحداث الله خلقا لأنّه لا يحدث شيئا لحكمته إلّا على وجه التقدير من غير تفاوت ، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنّه قيل وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه : فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ١٠)

ـ (قَدَّرْناها) (النمل : ٥٧) قدّرنا كونها (من الغابرين) كقوله ـ قدّرنا إنها لمن الغابرين ـ فالتقدير واقع على الغبور في المعنى (ز ، ك ٣ ، ١٥٤ ، ٥)

ـ (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر : ١٢) على حال قدّرها الله كيف شاء. وقيل على حال جاءت مقدّرة مستوية ، وهي أنّ قدر ما أنزل من السماء كقدر ما أخرج من الأرض سواء بسواء. وقيل على أمر قد قدّر في اللوح أنّه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان (ز ، ك ٤ ، ٣٧ ، ٢٢)

ـ القدر والقدر والتقدير وقرئ بهما : أي خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتّبا على حسب ما اقتضه الحكمة ، أو مقدّرا مكتوبا في اللوح معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه (ز ، ك ٤ ، ٤١ ، ٢٢)

ـ (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) (الواقعة : ٦٠) تقديرا وقسّمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا ، فاختلفت

٥٩

أعماركم من قصير وطويل ومتوسط ، وقرئ قدّرنا بالتخفيف. سبقته على الشيء إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكّنه منه (ز ، ك ٤ ، ٥٦ ، ٢١)

ـ (وقدّر) في نفسه ما يقوله وهيّأه (ز ، ك ٤ ، ١٨٣ ، ٥)

ـ قرئ قوارير من فضة بالرفع على هي قوارير (قَدَّرُوها) (الإنسان : ١٦) صفة لقوارير من فضة ، ومعنى تقديرهم لها أنّهم قدّروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدّروا (ز ، ك ٤ ، ١٩٨ ، ١٦)

ـ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) فهيّأه لما يصلح له ويختصّ به ، ونحوه ـ وخلق كل شيء فقدّره تقديرا ـ نصب السبيل بإضمار يسر وفسّره بيسر ؛ والمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه ، أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريق الخير والشر بإقداره وتمكينه كقوله (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (الإنسان : ٣) وعن ابن عباس رضي الله عنهما : بيّن له سبيل الخير والشرّ (ز ، ك ٤ ، ٢١٩ ، ١٠)

ـ يقول عليه‌السلام إنّه تعالى قدّر الأشياء التي خلقها فجعلها محكمة على حسب ما قدّر ، وألطف تدبيرها أي جعله لطيفا ، وأمضى الأمور إلى غاياتها وحدودها المقدّرة لها فهيّأ الصقرة للاصطياد والخيل للركوب والطراد والسيف للقطع والقلم للكتابة والفلك للدوران ونحو ذلك ، وفي هذا إشارة إلى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كل ميسّر لما خلق له فلم تتعدّ هذه المخلوقات حدود منزلتها التي جعلت غايتها ، ولا قصّرت دون الانتهاء إليها (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٩)

ـ إنّه تعالى قدّر الأمور كلها بغير رويّة أي بغير فكر ولا ضمير ، وهو ما يطويه الإنسان من الرأي والاعتقاد والعزم في قلبه (أ ، ش ٣ ، ٢١ ، ٢٧)

ـ إنّ الله تعالى قدّر الأجل وقضى الرزق ولا سبيل لأحد أن يقطع على أحد عمره أو رزقه ، وهذا الكلام ينبغي أن يحمل على أنّه حثّ وحضّ وتحريض على النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، ولا يحمل على ظاهره لأنّ الإنسان لا يجوز أن يلقي بنفسه إلى التهلكة معتمدا على أنّ الأجل مقدّر وأنّ الرزق مقسوم ، وأنّ الإنسان متى غلب على ظنّه أنّ الظالم يقتله ويقيم على ذلك المنكر ويضيف إليه منكرا آخر لم يجز له الإنكار (أ ، ش ٤ ، ٤١١ ، ١٥)

قدر

ـ قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق : ٣) غير دالّ على أنّ الأشياء حادثة من قبله تعالى ، وذلك أنّ جعله لها قدرا ، لا ينبئ عن أنّ ذاتها موجودة من جهته ؛ لأنّ المقدّر والمدبّر قد يريد فعل غيره ، وفعل نفسه ، ويقدرهما. فالتعلّق بظاهره لا يصحّ. ولا يمتنع من أنّه تعالى قد قدّر أفعال العباد ، وجعل لها مقادير بالحبر والكتابة (ق ، م ٢ ، ٦٥٧ ، ١٦)

ـ القدر يستعمل على طريقة الفعليّة كقوله عزوجل : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (فصلت : ١٠) وبمعنى الاخبار كقوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) (النمل : ٥٧) (ق ، ت ١ ، ٤٤٠ ، ٨)

ـ (بمقدار) بقدر واحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) (ز ، ك ٢ ، ٣٥١ ، ١٩)

ـ إن قلت : فما معنى قوله (بِقَدَرِها) (الرعد :

٦٠